الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢

الميزان في تفسير القرآن8%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 481

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 131637 / تحميل: 8003
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الله اطلبهما فلا أجدهما - قال: فقال: وماهما؟ قلت: ادعوني أستجب لكم فندعوه فلا نرى إجابة، قال أفترى الله أخلف وعده؟ قلت: لا، قال: فمه؟ قلت: لا أدري قال: لكنّي اُخبرك من أطاع الله فيما أمر به ثمّ دعاه من جهه الدعاء أجابه، قلت: وما جهة الدعاء؟ قال: تبدء فتحمد الله وتمجّده وتذكر نعمه عليك فتشكره ثمّ تصلّي على محمّد وآله ثمّ تذكر ذنوبك فتقرّ بها، ثمّ تستغفر منها فهذه جهة الدعاء، ثمّ قال: وما الآية الاُخرى؟ قلت: وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وأرانى اُنفق ولا أرى خلفاً، قال: أفترى الله أخلف وعده؟ قلت: لا، قال: فمه؟ قلت: لا أدرى، قال: لو أنّ أحدكم اكتسب المال من حلّه وأنفق في حقّه لم ينفق درهماً إلّا أخلف الله عليه.

اقول: والوجه في هذه الأحاديث الواردة في آداب الدعاء ظاهرة فإنّها تقرّب العبد من حقيقة الدعاء والمسألة.

وفي الدرّ المنثور عن ابن عمر، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله إذا أراد أن يستجيب لعبد أذن له في الدعاء.

وعن ابن عمر أيضاً عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة، وفي رواية من فتح له في الدعاء منكم فتحت له أبواب الجنّة.

اقول: وهذه المعنى مرويّ من طرق أئمّة أهل البيت أيضاً: من اُعطي الدّعاء اُعطي الإجابة، ومعناه واضح ممّا مرّ.

وفي الدرّ المنثور أيضاً عن معاذ بن جبل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو عرفتم الله حقّ معرفته لزالت لدعائكم الجبال.

اقول: وذلك أنّ الجهل بمقام الحقّ وسلطان الربوبيّة والركون إلى الأسباب يوجب الإذعان بحقيقة التأثير للأسباب وقصر المعلولات على عللها المعهودة وأسبابها العاديّة حتّى أنّ الإنسان ربّما زال عن الإذعان بحقيقة التأثير للأسباب لكن يبقى الإذعان بتعيّن الطرق ووساطة الأسباب المتوسّطة فإنّا نرى أنّ الحركة والسير يوجب الاقتراب من المقصد ثمّ إذا زال منّا الاعتقاد بحقيقة تأثير السير في الاقتراب اعتقدنا بأنّ السير واسطة والله سبحانه وتعالى هو المؤثّر هناك لكن يبقى الاعتقاد بتعيّن الوساطة

٤١

وأنّه لو لا السير لم يكن قرب ولا اقتراب، وبالجملة أنّ المسبّبات لا تتخلّف عن أسبابها وإن لم يكن للأسباب إلّا الوساطة دون التأثير، وهذا هو الّذي لا يصدّقه العلم بمقام الله سبحانه فإنّه لا يلائم السلطنة التامّة الإلهيّة، وهذا التوهّم هو الّذي أوجب أن نعتقد استحالة تخلّف المسبّبات عن أسبابها العاديّة كالثقل والانجذاب عن الجسم، والقرب عن الحركة، والشبع عن الأكل، والرىّ عن الشرب، وهكذا، وقد مرّ في البحث عن الإعجاز أنّ ناموس العلّيّة والمعلوليّة، وبعبارة اُخرى توسّط الأسباب بين الله سبحانه وبين مسبّباتها حقّ لا مناص عنه لكنّه لا يوجب قصر الحوادث على أسبابها العاديّة بل البحث العقليّ النظريّ، والكتاب والسنّة تثبت أصل التوسّط وتبطل الانحصار، نعم المحالات العقليّة لا مطمع فيها.

إذا عرفت هذا علمت: أنّ العلم بالله يوجب الإذعان بأنّ ما ليس بمحال ذاتيّ من كلّ ما تحيله العادة فإنّ الدعاء مستجاب فيه كما أنّ العمدة من معجزات الأنبياء راجعة إلى استجابة الدعوة.

وفي تفسير العيّاشيّ عن الصادقعليه‌السلام : في قوله تعالى: فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي يعلمون أنّي أقدر أن اُعطيهم ما يسألوني.

وفي المجمع، قال: وروي عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنّه قال: وليؤمنوا بي أي وليتحقّقوا أنّي قادر على إعطائهم ما سألوه لعلّهم يرشدون، أي لعلّهم يصيبون الحقّ، أي يهتدون إليه.

٤٢

( سورة البقرة آية ١٨٧)

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ( ١٨٧ )

( بيان)

قوله تعالى: ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُم ) ، الإحلال بمعنى الإجازة، وأصله من الحلّ مقابل العقد، والرفث هوالتصريح بما يكنّى عنه ممّا يستقبح ذكره، من الألفاظ الّتي لا تخلو عنها مباشرة النساء، وقد كنّي به هيهنا عن عمل الجماع وهو من أدب القرآن الكريم وكذا سائر الألفاظ المستعملة فيه في القرآن كالمباشرة والدخول والمسّ واللّمس والإتيان والقرب كلّها ألفاظ مستعملة على طريق التكنية، وكذا لفظ الوطئ والجماع وغيرهما المستعملة في غير القرآن ألفاظ كنائيّة وإن أخرج كثرة الاستعمال بعضها من حدّ الكناية إلى التصريح، كما أنّ ألفاظ الفرج والغائط بمعناهما المعروف اليوم من هذا القبيل، وتعدية الرفث بإلى لتضمينه معنى الإفضاء على ما قيل.

قوله تعالى: ( هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ) ، الظاهر من اللّباس معناه المعروف، وهو ما يستر به الإنسان بدنة، والجملتان من قبيل الاستعارة فإنّ كلّاً من الزوجين يمنع صاحبه عن اتّباع الفجور وإشاعته بين أفراد النوع فكان كلّ منهما لصاحبه لباساً

٤٣

يواري به سوأته ويستر به عورته.

وهذه استعارة لطيفة، وتزيد لطفاً بانضمامها إلى قوله: اُحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم، فإنّ الإنسان يستر عورته عن غيره باللّباس، وأمّا نفس اللّباس فلا ستر عنه فكذا كلّ من الزوجين يتّقى به صاحبه عن الرفث إلى غيره، وأمّا الرفث إليه فلا لأنّه لباسه المتّصل بنفسه المباشر له.

قوله تعالى: ( عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُم ) ، الاختيان والخيانة بمعنى، وفيه معنى النقص على ما قيل وفي قوله: أنّكم تختانون، دلالة على معنى الاستمرار، فتدلّ الآية على أنّ هذه الخيانة كانت دائرة مستمرّة بين المسلمين منذ شرّع حكم الصيام فكانوا يعصون الله تعالى سرّاً بالخيانة لأنفسهم، ولو لم تكن هذه الخيانة منهم معصية لم ينزل التوبة والعفو، وهما وإن لم يكونا صريحين في سبق المعصية لكنّهما - وخاصّة إذا اجتمعا - ظاهران في ذلك.

وعلي هذا فالآية دالّة على أنّ حكم الصيام كان قبل نزول الآية حرمة الجماع في ليلة الصيام، والآية بنزولها شرّعت الحليّة ونسخت الحرمة كما ذكره جمع من المفسّرين، ويشعر به أو يدلّ عليه قوله: اُحلّ لكم، وقوله: كنتم تختانون، وقوله: فتاب عليكم وعفا عنكم، وقوله: فالآن باشروهنّ، إذ لو لا حرمة سابقة كان حقّ الكلام أن يقال: فلا جناح عليكم أن تباشروهنّ أو ما يؤدّي هذا المعنى، وهو ظاهر.

وربّما يقال: أنّ الآية ليست بناسخة لعدم وجود حكم تحريميّ في آيات الصوم بالنسبة إلى الجماع أو إلى الأكل والشرب، بل الظاهر كما يشعر به بعض الروايات المرويّة من طرق أهل السنّة والجماعة، أنّ المسلمين لمّا نزل حكم فرض الصوم وسمعوا قوله تعالى: كتب عليكم الصيام كما كتب على الّذين من قبلكم الآية، فهموا منه التساوي في الأحكام من جميع الجهات، وقد كانت النصارى كما قيل: إنّما ينكحون ويأكلون ويشربون في أوّل اللّيل ثمّ يمسكون بعد ذلك فأخذ بذلك المسلمون، غير أنّ ذلك صعب عليهم، فكان الشبّان منهم لا يكفّون عن النكاح سرّاً مع كونهم يرونه معصيه وخيانة لأنفسهم، والشيوخ ربّما أجهدهم الكفّ عن الأكل والشرب بعد النوم، وربّما

٤٤

أخذ بعضهم النوم فحرم عليه الأكل والشرب بزعمه فنزلت الآية فبيّنت أنّ النكاح والأكل والشرب غير محرّمة عليهم بالليل في شهر رمضان، وظهر بذلك: أنّ مراد الآية بالتشبيه في قوله تعالى: كما كتب على الّذين من قبلكم التشبيه في أصل فرض الصوم لا في خصوصيّاته، وأمّا قوله تعالى: اُحلّ لكم، فلا يدلّ على سبق حكم تحريميّ بل على مجرّد تحقّق الحلّيّة كما في قوله تعالى:( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ ) المائدة - ٩٦، إذ من المعلوم أنّ صيد البحر لم يكن محرّماً على المحرمين قبل نزول الآية، وكذا قوله تعالى:( عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ ) ، إنّما يعني به أنّهم كانوا يخونون بحسب زعمهم وحسبانهم ذلك خيانة ومعصية ولذا قال: تختانون أنفسكم ولم يقل: تختانون الله كما قال:( لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ ) الأنفال - ٢٧، مع احتمال أن يراد بالاختيان النقص، والمعنى علم الله أنّكم كنتم تنقصون أنفسكم حظوظها من المشتهيات من نكاح وغيره، وكذا قوله تعالى: فتاب عليكم وعفا عنكم، غير صريح في كون النكاح معصية محرّمة هذا.

وفيه ما عرفت: أنّ ذلك خلاف ظاهر الآية فإنّ قوله تعالى: اُحلّ لكم، وقوله: كنتم تختانون أنفسكم، وقوله: فتاب عليكم وعفا عنكم، وإن لم تكن صريحة في النسخ غيرأنّ لها كمال الظهور في ذلك، مضافاً إلى قوله تعالى: فالآن باشروهنّ الخ، إذ لو لم يكن هناك إلّا جواز مستمرّ قبل نزول الآية وبعدها لم يكن لهذا التعبير وجه ظاهر، وأمّا عدم اشتمال آيات الصوم السابقة على هذه الآية على حكم التحريم فلا ينافي كون الآية ناسخة فإنّها لم تبيّن سائر أحكام الصوم أيضاً مثل حرمة النكاح والأكل والشرب في نهار الصيام. ومن المعلوم أنّ رسول الله كان قد بيّنه للمسلمين قبل نزول هذه الآية فلعلّه كان قد بيّن هذا الحكم فيما بيّنه من الأحكام، والآية تنسخ ما بيّنه الرسول وإن لم تشتمل كلامه تعالى على ذلك.

فإنّ قلت: قوله تعالى: هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ، يدلّ على سبب تشريع جواز الرفث فلا بدّ أن لا يعمّ الناسخ والمنسوخ لبشاعة أن يعلّل النسخ بما يعمّ الناسخ والمنسوخ معاً وإن قلنا: إنّ هذه التعليلات الواقعة في موارد الأحكام حكم ومصالح

٤٥

لا علل، ولا يلزم في الحكمة أن تكون جامعة ومانعة كالعلل فلو كان الرفث محرّماً قبل نزول الآية ثمّ نسخ بالآية المحلّلة لم يصحّ تعليل نسخ التحريم بأنّ الرجال لباس للنساء وهنّ لباس لهم.

قلت: اولا إنّه منقوض بتقييد قوله: اُحلّ لكم بقوله: ليلة الصيام مع أنّ حكم اللّباس جار في النهار كاللّيل وهو محرّم في النهار،وثانياً: أنّ القيود المأخوذة في الآية من قوله: ليلة الصيام، وقوله: هنّ لباس لكم، وقوله: أنّكم كنتم تختانون أنفسكم، تدلّ على علل ثلاث مترتّبة يترتّب عليها الحكم المنسوخ والناسخ فكون أحد الزوجين لباساً للآخر يوجب أن يجوز الرفث بينهما مطلقاً، ثمّ حكم الصيام المشار إليه بقوله: ليلة الصيام، والصيام هو الكفّ والإمساك عن مشتهيات النفس من الأكل والشرب والنكاح يوجب تقييد جواز الرفث وصرفه إلى غير مورد الصيام، ثمّ صعوبة كفّ النفس عن النكاح شهراً كاملاً عليهم ووقوعهم في معصية مستمرّة وخيانة جارية يوجب تسهيلاً ما عليهم بالترخيص في ذلك ليلاً، وبذلك يعود إطلاق حكم اللّباس المقيّد بالصيام إلى بعض إطلاقه وهو أن يعمل به ليلاً لا نهاراً، والمعنى - والله أعلم -: أنّ إطلاق حكم اللّباس الّذي قيّدناه بالصيام ليلاً ونهاراً وحرّمناه عليكم حلّلناه لكم لما علمنا أنّكم تختانون أنفسكم فيه وأردنا التخفيف عنكم رأفة ورحمة. وأعدنا إطلاق ذلك الحكم عليه في ليلة الصيام وقصرنا حكم الصيام على النهار فأتمّوا الصيام إلى اللّيل.

والحاصل: أنّ قوله تعالى: هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ، وإن كان علّة أو حكمة لإحلال أصل الرفث إلّا أنّ الغرض في الآية ليس متوجّهاً إليه بل الغرض فيها بيان حكمة جواز الرفث ليلة الصيام وهو مجموع قوله: هنّ لباس لكم إلى قوله: وعفا عنكم، وهذه الحكمة مقصورة على الحكم الناسخ ولا يعمّ المنسوخ قطعاً.

قوله تعالى: ( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ) ، أمر واقع بعد الحضر فيدلّ على الجواز، وقد سبقه قوله تعالى: في أوّل الآية: اُحلّ لكم والمعنى فمن الآن تجوز لكم مباشرتهنّ، والابتغاء هو الطلب، والمراد بابتغاء ماكتب الله هو طلب

٤٦

الولد الّذي كتب الله سبحانه ذلك على النوع الإنسانيّ من طريق المباشرة، وفطرهم على طلبه بما أودع فيهم من شهوة النكاح والمباشرة، وسخّرهم بذلك على هذا العمل فهم يطلبون بذلك ما كتب الله لهم وإن لم يقصدوا ظاهراً إلّا ركوب الشهوة ونيل اللّذة كما أنّه تعالى كتب لهم بقاء الحياة والنموّ بالأكل والشرب وهو المطلوب الفطريّ وإن لم يقصدوا بالأكل والشرب إلّا الحصول على لذّة الذوق والشبع والريّ، فإنّما هو تسخير إلهيّ.

وأمّا ما قيل: إنّ المراد بما كتب الله لهم الحلّ والرخصة فإنّ الله يحبّ أن يؤخذ برخصه كما يحبّ أن يؤخذ بعزائمه، فيبعّده: أنّ الكتابة في كلامه غير معهودة في مورد الحليّة والرخصة.

قوله تعالى: ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) ، الفجر فجران، فجر أوّل يسمّى بالكاذب لبطلانه بعد مكث قليل وبذنب السرحان لمشابهته ذنب الذئب إذا شاله، وعمود شعاعيّ يظهر في آخر اللّيل في ناحية الأفق الشرقيّ إذا بلغت فاصلة الشمس من دائره الأفق إلى ثمانية عشر درجة تحت الأفق، ثمّ يبطل بالاعتراض فيكون معترضاً مستطيلاً على الأفق كالخيط الأبيض الممدود عليه وهو الفجر الثاني ويسمّى الفجر الصادق لصدقه فيما يحكيه ويخبر به من قدوم النهار واتّصاله بطلوع الشمس.

ومن هنا يعلم أنّ المراد بالخيط الأبيض هو الفجر الصادق، وأنّ كلمة من، بيانيّة وأنّ قوله تعالى: حتّى يتبيّن لكم الخيط الأسود من قبيل الاستعارة بتشبيه البياض المعترض على الاُفق من الفجر، المجاور لما يمتدّ معترضاً معه من سواد اللّيل بخيط أبيض يتبيّن من الخيط الأسود.

ومن هنا يعلم أيضاً: أنّ المراد هو التحديد بأوّل حين من طلوع الفجر الصادق فإنّ ارتفاع شعاع بياض النهار يبطل الخيطين فلا خيط أبيض ولا خيط أسود.

قوله تعالى: ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) ، لمّا دلّ التحديد بالفجر على وجوب الصيام إلى الليل بعد تبيّنه استغنى عن ذكره إيثاراً للإيجاز بل تعرّض لتحديده بإتمامه إلى الليل، وفي قوله: أتمّوا دلالة على أنّه واحد بسيط وعبادة واحدة تامّة من غير

٤٧

أن تكون مركّبة من اُمور عديدة كلّ واحد منها عبادة واحدة، وهذا هو الفرق بين التمام والكمال حيث أنّ الأوّل انتهاء وجود ما لا يتألّف من أجزاء ذوات آثار والثاني انتهاء وجود ما لكلّ من أجزائه أثر مستقلّ وحده. قال تعالى:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) المائدة - ٣، فإنّ الدين مجموع الصلاة والصوم والحجّ وغيرها الّتي لكلّ منها أثر يستقلّ به، بخلاف النعمة على ما سيجئ بيانه إنشاء الله في الكلام على الآية.

قوله تعالى: ( وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ) ، العكوف والاعتكاف هو اللّزوم والاعتكاف بالمكان الإقامة فيه ملازماً له.

والاعتكاف عبادة خاصّة من أحكامها لزوم المسجد وعدم الخروج منه إلّا لعذر والصيام معه، ولذلك صحّ أن يتوهّم جواز مباشرة النساء في ليالي الاعتكاف في المسجد بتشريع جواز الرفث ليلة الصيام فدفع هذا الدخل بقوله تعالى: ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد.

قوله تعالى: ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ) ، أصل الحدّ هو المنع وإليه يرجع جميع استعمالاته واشتقاقاته كحدّ السيف وحدّ الفجور وحدّ الدار والحديد إلى غير ذلك، والنهي عن القرب من الحدود كناية عن عدم اقترافها والتعدّي إليها، أي لا تقترفوا هذه المعاصي الّتي هي الأكل والشرب والمباشرة أو لا تتعدّوا عن هذه الأحكام والحرمات الإلهيّة الّتي بيّنها لكم وهي أحكام الصوم بإضاعتها وترك التقوى فيها.

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ عن الصادقعليه‌السلام قال: كان الأكل والنكاح محرّمين في شهر رمضان بالليل بعد النوم يعني كلّ من صلّى العشاء ونام ولم يفطر ثمّ انتبه حرم عليه الإفطار، وكان النكاح حراما في الليل والنهار في شهر رمضان، وكان رجل من أصحاب رسول الله يقال له خوّات بن جبير الأنصاري أخو عبدالله بن جبير الّذي كان رسول الله وكلّه بفم الشعب يوم اُحد في خمسين من الرماة ففارقه أصحابه وبقي في اثنى عشر رجلا

٤٨

فقتل على باب الشعب، وكان أخوه هذا خوّات بن جبير شيخاً كبيراً ضعيفاً، وكان صائماً مع رسول الله في الخندق، فجاء إلى أهله حين أمسى فقال عندكم طعام؟ فقالوا: لا تنم حتّى نصنع لك طعاماً فأبطأت عليه أهله بالطعام فنام قبل أن يفطر، فلمّا انتبه قال لأهله: قد حرم علىّ الأكل في هذه الليلة فلمّا أصبح حضر حفر الخندق فاُغمى عليه فرآه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرقّ له وكان قوم من الشبّان ينكحون باللّيل سرّاً في شهر رمضان فأنزل الله: اُحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم الآية، فأحلّ الله تبارك وتعالى النكاح بالليل من شهر رمضان، والأكل بعد النوم إلى طلوع الفجر لقوله: حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، قال: هو بياض النهار من سواد اللّيل.

اقول: وقوله: يعني إلى قوله: وكان رجل، من كلام الراوي، وهذا المعنى مرويّ بروايات اُخرى، رواها الكلينيّ والعيّاشيّ وغيرهما، وفي جميعها أنّ سبب نزول قوله: وكلوا واشربوا الخ إنّما هو قصّة خوّات بن جبير الأنصاري وأنّ سبب نزول قوله: اُحلّ لكم الخ، ماكان يفعله الشبّان من المسلمين.

وفي الدرّ المنثور عن عدّة من أصحاب التفسير والرواية عن البراء بن عازب قال: كان أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا كان الرجل صائماً فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتّى يمسي وإنّ قيس بن صرمة الأنصاريّ كان صائماً فكان يومه ذاك يعمل في أرضه فلمّا حضر الإفطار أتى امرأته فقال: هل عندك طعام؟ قالت: لا ولكن انطلق فأطلب لك فغلبته عينه فنام وجائت امرأته فلمّا رأته نائماً قالت: خيبة لك، أنمت؟ فلمّا انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنزلت هذه الآية اُحلّ لكم ليلة الصيام الرفث، إلى قوله: من الفجر ففرحوا بها فرحاً شديداً.

اقول: وروي بطرق اُخر القصّة وفي بعضها أبو قبيس بن صرمة وفي بعضها صرمة بن مالك الأنصاريّ على اختلاف مّا في القصّة.

وفي الدرّ المنثور أيضاً: وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عبّاس: أنّ لمسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلّوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة،

٤٩

ثم إنّ ناساً من المسلمين أصابوا الطعام والنساء في رمضان بعد العشاء، منهم عمر بن الخطّاب فشكوا ذلك إلى رسول الله فأنزل الله اُحلّ لكم ليلة الصيام، إلى قوله: فالآن باشروهنّ يعني انكحوهنّ.

اقول: والروايات من طرقهم في هذا المعنى كثيرة وفي أكثرها اسم من عمر، وهي متّحدة في أنّ حكم النكاح باللّيل كحكم الأكل والشرب وأنّها جميعاً كانت محلّلة قبل النوم محرّمة بعده، وظاهر ما أوردناه من الرواية الاُولى أنّ النكاح كان محرّماً في شهر رمضان باللّيل والنهار جميعاً بخلاف الأكل والشرب فقد كانا محلّلين في أوّل الليل قبل النوم محرّمين بعده، وسياق الآية يساعده فإنّ النكاح لو كان مثل الأكل والشرب محللّا قبل النوم محرّماً بعده كان الواجب في اللّفظ أن يقيّد بالغاية كما صنع ذلك بقوله: كلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض الخ، وقد قال تعالى: اُحلّ لكم ليلة الصيام الرفث، ولم يأت بقيد يدلّ على الغاية، وكذا ما اشتمل عليه بعض الروايات: أنّ الخيانة ما كانت تختصّ بالنكاح بل كانوا يختانون في الأكل والشرب أيضاً لا يوافق ما يشعر به سياق الآية من وضع قوله: علم الله أنّكم كنتم تختانون أنفسكم (الخ)، قبل قوله: كلوا واشربوا.

وفي الدرّ المنثور أيضاً: أنّ رسول الله قال: الفجر فجران فأمّا الّذي كأنّه ذنب السرحان فإنّه لا يحلّ شيئاً ولا يحرّمه، وأمّا المستطيل الّذي يأخذ الاُفق فإنّه يحلّ الصلاة ويحرّم الطعام.

اقول: والروايات في هذا المعنى مستفيضة من طرق العامّة والخاصّة وكذا الروايات في الاعتكاف وحرمة الجماع فيه.

٥٠

( سورة البقرة آية ١٨٨)

وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ( ١٨٨)

( بيان)

قوله تعالى: ( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ ) ، المراد بالأكل الأخذ أو مطلق التصرّف مجازاً، والمصحّح لهذا الإطلاق المجازيّ كون الأكل أقرب الأفعال الطبيعيّة الّتي يحتاج الإنسان إلى فعلها وأقدمها فالإنسان أوّل ما ينشاء وجوده يدرك حاجته إلى التغذّي ثمّ ينتقل منه إلى غيره من الحوائج الطبيعيّة كاللّباس والمسكن والنكاح ونحو ذلك، فهو أوّل تصرّف يستشعر به من نفسه، ولذلك كان تسمية التصرّف والأخذ - وخاصّة في مورد الأموال - أكلاً لا يختصّ باللغة العربيّة بل يعمّ سائر اللغات.

والمال ما يتعلّق به الرغبات من الملك، كأنّه مأخوذ من الميل لكونه ممّا يميل إليه القلب، والبين هو الفصل الّذي يضاف إلى شيئين فأزيد، والباطل يقابل الحقّ الّذي هو الأمر الثابت بنحو من الثبوت.

وفي تقييد الحكم، أعني قوله: ولا تأكلوا أموالكم، بقوله: بينكم، دلالة على أنّ جميع الأموال لجميع الناس وإنّما قسّمه الله تعالى بينهم تقسيماً حقّاً بوضع قوانين عادلة تعدّل الملك تعديلاً حقّاً يقطع منابت الفساد لا يتعدّاه تصرّف من متصرّف إلّا كان باطلاً، فالآية كالشارحة لإطلاق قوله تعالى: خلق لكم ما في الأرض جميعاً وفي إضافته الأموال إلى الناس إمضاء منه لما استقرّ عليه بناء المجتمع الإنسانيّ من اعتبار أصل الملك واحترامه في الجملة من لدن استكن هذا النوع على بسيط الأرض على ما يذكره النقل والتاريخ، وقد ذكر هذا الأصل في القرآن بلفظ الملك والمال و

٥١

لام الملك والاستخلاف وغيرها في أزيد من مائة مورد ولا حاجة إلى إيرادها في هذا الموضع، وكذا بطريق الاستلزام في آيات تدلّ على تشريع البيع والتجارة ونحوهما في بضعة مواضع كقوله تعالى:( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ) البقره - ٢٧٥، وقوله تعالى:( لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ ) النساء - ٢٨، وقوله تعالى:( وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا ) التوبة - ٢٤، وغيرها، والسنّة المتواترة تؤيّده.

قوله تعالى: ( وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا ) ، الإدلاء هو إرسال الدلو في البئر لنزح الماء كنّي به عن مطلق تقريب المال إلى الحكّام ليحكموا كما يريده الراشي، وهو كناية لطيفة تشير إلى استبطان حكمهم المطلوب بالرشوة الممثّل لحال الماء الّذي في البئر بالنسبة إلى من يريده، والفريق هو القطعة المفروقة المعزولة من الشئ، والجملة معطوفة على قوله: تأكلوا، فالفعل مجزوم بالنهي، ويمكن أن يكون الواو بمعنى مع والفعل منصوباً بان المقدّرة، التقدير مع أن تأكلوا فتكون الآيه بجملتها كلاماً واحداً مسوقاً لغرض واحد، وهو النهي عن تصالح الراشي والمرتشي على أكل أموال الناس بوضعها بينهما وتقسيمها لأنفسهما بأخذ الحاكم ما اُدلى به منها إليه وأخذ الراشي فريقاً آخر منها بالإثم وهما يعلمان أنّ ذلك باطل غير حقّ.

( بحث روائي)

في الكافي عن الصادقعليه‌السلام في الآية: كانت تقامر الرجل بأهله وماله فنهاهم الله عن ذلك.

وفي الكافي أيضاً عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : قول الله عزّوجلّ في كتابه: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام، قال يا أبا بصير إنّ الله عزّوجلّ قد علم أنّ في الاُمّة حكّاماً يجورون، أمّا إنّه لم يعن حكّام أهل العدل ولكنّه عنى حكّام أهل الجور، يا أبا محمّد لو كان لك على رجل حقّ فدعوته إلى حكّام أهل العدل فأبى عليك إلّا أن يرافعك إلى حكّام أهل الجور ليقضوا له لكان ممّن يحاكم إلى الطاغوت وهو قول الله عزّوجلّ: ألم تر إلى الّذين يزعمون أنّهم آمنوا

٥٢

بما اُنزل إليك وما اُنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت.

وفي المجمع قال: روي عن أبي جعفرعليه‌السلام : يعني بالباطل اليمين الكاذبة يقطع بها الأموال.

اقول: وهذه مصاديق والآية مطلقة.

( بحث علمي اجتماعي)

كلّ ما بين أيدينا من الموجودات المكوّنة - ومنها النبات والحيوان والإنسان - فإنّه يتصرّف في الخارج عن دائرة وجوده ممّا يمكن أن ينتفع به في إبقاء وجوده لحفظ وجوده وبقائه، فلا خبر في الوجود عن موجود غير فعّال، ولا خبر عن فعل يفعله فاعله لا لنفع يعود إليه، فهذه أنواع النبات تفعّل ما تفعّل لتنتفع به لبقائها ونشؤها وتوليد مثلها، وكذلك أقسام الحيوان والإنسان تفعل ما تفعل لتنتفع به بوجه ولو انتفاعاً خياليّاً أو عقليّاً، فهذا ممّا لا شبهة فيه.

وهذه الفواعل التكوينيّة تدرك بالغريزة الطبيعيّة، والحيوان والإنسان بالشعور الغريزيّ أنّ التصرّف في المادّة لرفع الحاجة الطبيعيّة والانتفاع في حفظ الوجود والبقاء لا يتمّ للواحد منها إلّا مع الاختصاص بمعنى أنّ الفعل الواحد لا يقوم بفاعلين (فهذا حاصل الأمر وملاكه) ولذلك فالفاعل من الإنسان أوما ندرك ملاك أفعاله فإنّه يمنع عن المداخلة في أمره والتصرّف فيما يريد هو التصرّف فيه، وهذا أصل الاختصاص الّذي لا يتوقّف في اعتباره إنسان وهو معنى اللّام الّذي في قولنا لي هذا ولك ذلك، ولي أن أفعل كذا ولك أن تفعل كذا.

ويشهد به ما نشاهده من تنازع الحيوان فيما حازه من عشّ أو كنّ أو وكر أو ما أصطاده أو وجده، ممّا يتغذّى به أو ما ألفه من زوج ونحو ذلك، وما نشاهده من تشاجر الأطفال فيما حازوه من غذاء ونحوه حتّى الرضيع يشاجر الرضيع على الثدي، ثمّ إنّ ورود الإنسان في ساحة الاجتماع بحكم فطرته وقضاء غريزته لا يستحكم به إلّا ما أدركه بأصل الفطرة إجمالاً، ولا يوجب إلّا إصلاح ما كان وضعه أوّلاً وترتيبه

٥٣

وتعظيمه في صورة النواميس الإجتماعيّة الدائرة، وعند ذلك يتنوّع الاختصاص الإجماليّ المذكور أنواعاً متفرّقه ذوات أسام مختلفه فيسمّى الاختصاص الماليّ بالملك وغيره بالحقّ وغير ذلك.

وهم وإن أمكن أن يختلفوا في تحقّق الملك من جهة أسبابه كالوراثة والبيع والشراء والغصب بقوّة السلطان وغير ذلك، أو من جهة الموضوع الّذي هو المالك كالإنسان الّذي هو بالغ أو صغير أو عاقل أو سفيه أو فرد أو جماعة إلى غير ذلك من الجهات، فيزيدوا في بعض، وينقصوا من بعض، ويثبتوا لبعض وينفوا عن بعض، لكنّ أصل الملك في الجملة ممّا لا مناص لهم عن اعتباره، ولذلك نرى أنّ المخالفين للملك يسلبونه عن الفرد وينقلونه إلى المجتمع أو الدولة الحاكمة عليهم وهم مع ذلك غير قادرين على سلبه عن الفرد من أصله ولن يقدروا على ذلك فالحكم فطريّ، وفي بطلان الفطرة فناء الإنسان.

وسنبحث في ما يتعلّق بهذا الأصل الثابت من حيث أسبابه كالتجارة والربح والإرث والغنيمة والحيازة ومن حيث الموضوع كالبالغ والصغير وغيرهما في موارد يناسب ذلك إنشاء الله العزيز.

٥٤

( سورة البقرة آية ١٨٩)

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ( ١٨٩ )

( بيان)

قوله تعالى: ( يَسْأَلُونَكَ - إلى قوله -وَالْحَجِّ ) ، الأهلّة جمع هلال ويسمّى القمر هلالاً أوّل الشهر القمريّ إذا خرج من تحت شعاع الشمس اللّيلة الاُولى والثانية كما قيل، وقال بعضهم اللّيالي الثلاث الاُول، وقال بعضهم حتّى يتحّجر، والتحجّر أن يستدير بخطّة دقيقة، وقال بعضهم: حتّى يبهر نوره ظلمة اللّيل وذلك في اللّيلة السابعة ثمّ يسمّى قمراً ويسمّى في الرابعة عشر بدراً، واسمه العامّ عند العرب الزبرقان.

والهلال مأخوذ من استهلّ الصبيّ إذا بكى عند الولادة أو صاح، ومن قولهم: أهلّ القوم بالحجّ إذا رفعوا أصواتهم بالتلبية، سمّي به لأنّ الناس يهلّون بذكره إذا رأوه. والمواقيت جمع ميقات وهو الوقت المضروب للفعل، ويطلق أيضاً: على المكان المعيّن للفعل كميقات أهل الشام وميقات أهل اليمن، والمراد ههنا الأوّل.

وفي قوله تعالى: يسئلونك عن الأهلّة، وإن لم يشرح أنّ السؤال في أمرها عمّاذا؟ أعني حقيقة القمر وسبب تشكّلاتها المختلفة في صورالهلال والقمر والبدر كما قيل، أو عن حقيقة الهلال فقط، الظاهر بعد المحاق في أوّل الشهر القمريّ كما ذكره بعضهم أو عن غير ذلك.

ولكن إتيان الهلال في السؤال بصورة الجمع حيث قيل: يسئلونك عن الأهلّة

٥٥

دليل على أنّ السؤال لم يكن عن ماهيّة القمر واختلاف تشكّلاته إذ لو كان كذلك لكان الأنسب أن يقال: يسئلونك عن القمر لا عن الأهلّة وأيضاً لو كان السؤال عن حقيقة الهلال وسبب تشكّله الخاصّ كان الأنسب أن يقال: يسئلونك عن الهلال إذ لا غرض حينئذ يتعلّق بالجمع، ففي إتيان الأهلّة بصيغة الجمع دلالة على أنّ السؤال إنّما كان عن السبب أو الفائدة في ظهور القمر هلالاً بعد هلال ورسمه الشهور القمريّة وعبّر عن ذلك بالأهلّة لأنّها هي المحقّقة لذلك فاُجيب بالفائدة.

ويستفاد ذلك من خصوص الجواب: قل هي مواقيت للناس والحجّ، فإنّ المواقيت وهي الأزمان المضروبة للأفعال، والأعمال إنّما هي الشهور دون الأهلّة الّتي ليست بأزمنة وإنّما هي أشكال وصور في القمر.

وبالجملة قد تحصّل أنّ الغرض في السؤال إنّما كان متعلّقاً بشأن الشهور القمريّة من حيث السبب أو الفائدة فاُجيب ببيان الفائدة وأنّها أزمان وأوقات مضروبة للناس في اُمور معاشهم ومعادهم فإنّ الإنسان لا بدّ له من حيث الخلقة من أن يقدّر أفعاله وأعماله الّتي جميعها من سنخ الحركة بالزمان، ولازم ذلك أن يتقطّع الزمان الممتدّ الّذي ينطبق عليه اُمورهم قطعاً صغاراً وكباراً مثل الليل والنهار واليوم والشهر والفصول والسنين بالعناية الإلهيّة الّتي تدبّر اُمور خلقه وتهديهم إلى صلاح حياتهم، والتقطيع الظاهر الّذي يستفيد منه العالم والجاهل والبدويّ والحضريّ ويسهل حفظه على الجميع إنّما هو تقطيع الأيّام بالشهور القمريّة الّتي يدركه كلّ صحيح الإدراك مستقيم الحواسّ من الناس دون الشهور الشمسيّة الّتي ما تنبّه لشأنها ولم ينل دقيق حسابها الإنسان إلّا بعد قرون وأحقاب من بدء حياته في الأرض وهو مع ذلك ليس في وسع جميع الناس دائماً.

فالشهور القمريّة أوقات مضروبة معيّنة للناس في اُمور دينهم ودنياهم وللحجّ خاصّة فإنّه أشهر معلومات، وكأنّ اختصاص الحجّ بالذكر ثانياً تمهيد لما سيذكر في الآيات التالية من اختصاصه ببعض الشهور.

قوله تعالى: ( وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا - إلى قوله -مِنْ أَبْوَابِهَا ) ،

٥٦

ثبت بالنقل أنّ جماعة من العرب الجاهليّ كانوا إذا أحرموا للحجّ لم يدخلوا بيوتهم عند الحاجة من الباب بل اتّخذوا نقباً من ظهورها ودخلوا منه فنهى عن ذلك الإسلام وأمرهم بدخول البيوت من أبوابها، ونزول الآية يقبل الانطباق على هذا الشأن، وبذلك يصحّ الاعتماد على ما نقل من شأن نزول الآية على ما سيأتي نقله.

ولولا ذلك لأمكن أن يقال: إنّ قوله: وليس البرّ إلى آخره، كناية عن النهي عن امتثال الأوامر الإلهيّة والعمل بالأحكام المشرّعة في الدين إلّا على الوجه الّذي شرّعت عليه، فلا يجوز الحجّ في غير أشهره، ولا الصيام في غير شهر رمضان وهكذا وكانت الجملة على هذا متمّماً لأوّل الآية، وكان المعنى: أنّ هذه الشهور أوقات مضروبة لأعمال شرّعت فيها ولايجوز التعدّي بها عنها إلى غيرها كالحجّ في غير أشهره، والصوم في غير شهر رمضان وهكذا فكانت الآية مشتملة على بيان حكم واحد.

وعلى التقدير الأوّل الّذي يؤيّده النقل فنفى البرّ عن إتيان البيوت من ظهورها يدلّ على أنّ العمل المذكور لم يكن ممّا أمضاه الدين وإلّا لم يكن معنى لنفى كونه برّاً فإنّما كان ذلك عادة سيّئة جاهليّة فنفى الله تعالى كونه من البرّ، وأثبت أنّ البرّ هو التقوي، وكان الظاهر أن يقال: ولكنّ البرّ هو التقوي، وإنّما عدل إلى قوله: ولكنّ البرّ من اتّقى، إشعاراً بأنّ الكمال إنّما هو في الاتّصاف بالتقوى وهو المقصود دون المفهوم الخالي كما مرّ نظيره في قوله تعالى: ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن الآية.

والأمر في قوله تعالى: وأتوا البيوت من أبوابها، ليس أمراً مولويّاً وإنّما هو إرشاد إلى حسن إتيان البيوت من أبوابها لما فيه من الجرى على العادة المألوفة المستحسنة الموافقة للغرض العقلائيّ في بناء البيوت ووضع الباب مدخلاً ومخرجاً فيها، فإنّ الكلام واقع موقع الردع عن عادة سيّئة لا وجه لها إلّا خرق العادة الجارية الموافقة للغرض العقلائيّ، فلا يدلّ على أزيد من الهداية إلى طريق الصواب من غير إيجاب، نعم الدخول من غير الباب بمقصد أنّه من الدين بدعة محرّمة.

قوله تعالى: ( وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ، قد عرفت في أوّل السورة أنّ التقوى

٥٧

من الصفات الّتي يجامع جميع مراتب الإيمان ومقامات الكمال، ومن المعلوم أنّ جميع المقامات لا يستوجب الفلاح والسعادة كما يستوجبه المقامات الأخيرة الّتي تنفي عن صاحبها الشرك والضلال وإنّما تهدي إلى الفلاح وتبشّر بالسعادة، ولذلك قال تعالى: واتّقوا الله لعلّكم تفلحون، فأتى بكلمة الترجّي، ويمكن أن يكون المراد بالتقوى امتثال هذا الأمر الخاصّ الموجود في الآية وترك ما ذمّه من إتيان البيوت من ظهورها.

( بحث روائي)

في الدرّ المنثور أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس قال: سأل الناس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الأهلّة فنزلت هذه الآية يسئلونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للناس يعلمون بها أجل دينهم وعدّة نسائهم ووقت حجّهم.

أقول: وروى هذا المعنى فيه بطرق اُخر عن أبي العالية وقتادة وغيرهما، وروي أيضاً أنّ بعضهم سأل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن حالات القمرالمختلفة فنزلت الآية. وهذا هو الّذي ذكرنا آنفاً أنّه مخالف لظاهر الآية فلا عبرة به.

وفي الدرّ المنثور أيضاً: أخرج وكيع، والبخاريّ، وابن جرير عن البراء: كانوا إذا أحرموا في الجاهليّة دخلوا البيت من ظهره فأنزل الله: وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها.

وفي الدرّ المنثور أيضاً أخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصحّحه عن جابر قال: كانت قريش تدعى الحمس وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من باب في الإحرام فبينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بستان إذ خرج من بابه وخرج معه قطبة بن عامر الأنصاريّ فقالوا: يا رسول الله إنّ قطبة بن عامر رجل فاجر و إنّه خرج معك من الباب فقال له: ما حملك على ما فعلت قال: رأيتك فعلته ففعلته كما فعلت قال: إنّي رجل أحمس قال: فإنّ ديني دينك فأنزل الله ليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها.

اقول: وقد روي قريباً من هذا المعنى بطرق اُخرى، والحمس جمع أحمس

٥٨

كحمر وأحمر من الحماسة وهي الشدّة سمّيت به قريش لشدّتهم في أمر دينهم أو لصلابتهم وشدّة باسهم.

وظاهر الرواية أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد أمضى قبل الواقعة الدخول من ظهور البيوت لغير قريش ولذا عاتبه بقوله: ما حملك على ما صنعت الخ، وعلى هذا فتكون الآية من الآيات الناسخة، وهي تنسخ حكماً مشرّعاً من غير آية هذا، ولكنّك قد عرفت أنّ الآية تنافيه حيث تقول: ليس البرّ بأن تأتوا، وحاشا الله سبحانه أن يشرّع هو أو رسوله بأمره حكماً من الأحكام ثمّ يذمّه أو يقبحّه وينسخه بعد ذلك وهو ظاهر.

وفي محاسن البرقيّ عن الباقرعليه‌السلام في قوله تعالى: وأتوا البيوت من أبوابها قال: يعني أن يأتي الأمر من وجهه أيّ الاُمور كان.

وفي الكافي عن الصادقعليه‌السلام : الأوصياء هم أبواب الله الّتي منها يؤتي ولولاهم ما عرف الله عزّوجلّ وبهم احتجّ الله تبارك وتعالى على خلقه.

أقول: الرواية من الجرى وبيان لمصداق من مصاديق الآية بالمعنى الّذي فسّرت به في الرواية الاُولى، ولا شكّ أنّ الآية بحسب المعنى عامّة وإن كانت بحسب مورد النزول خاصّة، وقولهعليه‌السلام ولولاهم ما عرف الله، يعني البيان الحقّ والدعوة التامّة الّذين معهم، وله معنى آخر أدقّ لعلّنا نشير إليه فيما سيأتي إنشاء الله والروايات في معنى الروايتين كثيرة.

٥٩

( سورة البقرة آية ١٩٠ - ١٩٥)

وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ( ١٩٠ ) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ( ١٩١ ) فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( ١٩٢ ) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ( ١٩٣ ) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ( ١٩٤ ) وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ( ١٩٥ )

( بيان)

سياق الآيات الشريفة يدلّ على أنّها نازلة دفعة واحدة، وقد سيق الكلام فيها لبيان غرض واحد وهو تشريع القتال لأوّل مرّة مع مشركي مكّة، فإنّ فيها تعرّضاً لإخراجهم من حيث أخرجوا المؤمنين، وللفتنة، وللقصاص، والنهي عن مقاتلتهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوا عنده، وكلّ ذلك اُمور مربوطة بمشركي مكّة، على أنّه تعالى قيّد القتال بالقتال في قوله: وقاتلوا في سبيل الله الّذين يقاتلونكم، وليس معناه الاشتراط أي قاتلوهم إن قاتلوكم وهو ظاهر، ولا قيداً احترازيّاً، والمعنى قاتلوا الرجال دون النساء والولدان الّذين لا يقاتلونكم كما ذكره بعضهم، إذ لا معنى لقتال من لا يقدر على القتال حتّى ينهى عن مقاتلته، ويقال: لا تقاتله بل إنّما الصحيح النهى عن قتله دون قتاله.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

بمثلها وما يقابل العرض بمثله عندنا ، وعند المخالف بنقد البلد(١) .

مسألة ١٥١ : النصاب المعتبر في قيمة مال التجارة هنا هو أحد النقدين : الذهب أو الفضة دون غيرهما ، فلو اشترى بأحد النصب في المواشي مال التجارة وقصرت قيمة الثمن عن نصاب أحد النقدين ، ثم حال الحول كذلك فلا زكاة.

ولو قصر الثمن عن نصاب المواشي بأن اشترى بأربع من الإِبل متاع التجارة وكانت قيمة الثمن أو السلعة تبلغ نصاباً من أحد النقدين تعلّقت الزكاة به.

إذا عرفت هذا ، فالنصاب الأول قد عرفت أنّه عشرون ديناراً أو مائتا درهم ، فإذا بلغت القيمة أحدهما ثبتت الزكاة ، ثم الزائد إن بلغ النصاب الثاني وهو أربعة دنانير أو أربعون درهماً ثبتت فيه الزكاة وهو ربع عُشرة أيضاً ، وإلّا فلا ، ولم يعتبر الجمهور النصاب الثاني كالنقدين ، وقد سلف.

مسألة ١٥٢ : إذا اشترى سلعاً للتجارة في أشهر متعاقبة ، وقيمة كلّ واحد نصاب‌ يزكّي كلّ سلعة عند تمام حولها ، ولم يضمّ بعضها إلى بعض.

وإن كانت الاُولى نصاباً فحال حولها وهي نصاب وحال حول الثانية والثالثة وقيمة كلّ منهما أقلّ من نصاب أخذ من الأول الزكاة خمسة دراهم ، ومن الثاني والثالث من كلّ أربعين درهماً درهم.

ولو كان العرض الأول ليس بنصاب وكمل بالثاني نصاباً فحولهما من حين ملك الثاني ، ولا يضمّ الثالث إليهما ، بل ابتداء الحول من حين ملكه ، وتثبت فيه الزكاة - وإن كان أقلّ من النصاب الأول - إذا بلغ النصاب الثاني ، لأنّ قبله نصاباً.

مسألة ١٥٣ : إذا اشترى عرضاً للتجارة بأحد النقدين‌ ، وكان الثمن‌

____________________

(١) المجموع ٦ : ٦٦ - ٦٧ ، فتح العزيز ٦ : ٧٦.

٢٢١

نصاباً ، قال الشيخ : كان حولُ السلعة حولَ الأصل(١) ؛ وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وأصحاب الرأي ، لأنّ زكاة التجارة تتعلّق بالقيمة وقيمته هي الأثمان نفسها لكنها كانت ظاهرةً فخفيت.

ولأنّ النماء في الغالب إنّما يحصل في التجارة بالتقليب ، فلو كان ذلك يقطع الحول لكان السبب الذي تثبت فيه الزكاة [ لأجله ](٢) مانعا منها(٣) .

ولو قيل : إن كان الثمن من مال تجارة بنى على حوله وإلاّ استأنف ، كان وجها.

ولو كان أقلّ من النصاب فلا زكاة ، فإن ظهر ربح حتى بلغ به نصاباً جرى في الحول من حين بلوغ النصاب عند علمائنا أجمع ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والآخر : أنّه يبنى على الحول من حين الشراء ، لأنّه يعتبر النصاب في آخر الحول على الأقوى من وجهيه(٤) .

فروع :

أ - لو اشتراه بنصاب من السائمة فإن كانت للقُنية فالأقرب انقطاع حول السائمة ، ويبتدئ حول التجارة من يوم الشراء ؛ لاختلاف الزكاتين في القدر والتعلّق ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وفي الآخر : يبني عليه كالنقدين(٥) .

وإن كانت للتجارة فالوجه البناء على حولها.

ب - البناء على حول الأصل إنّما يكون لو اشتراه بعين النصاب ، ولو‌

____________________

(١) الخلاف ٢ : ٩٤ ، المسألة ١٠٨ ، والمبسوط للطوسي ١ : ٢٢٠ - ٢٢١.

(٢) زيادة أثبتناها من المغني والشرح الكبير.

(٣) المغني ٢ : ٦٢٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٥ - ٦٣٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٦٧ ، المجموع ٦ : ٥٨ ، فتح العزيز ٦ : ٥٣ - ٥٤.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٧ ، المجموع ٦ : ٥٦ ، فتح العزيز ٦ : ٥٤.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٧ ، المجموع ٦ : ٥٦ ، فتح العزيز ٦ : ٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٠١.

٢٢٢

اشتراه في الذمة ونقد النصاب في الثمن انقطع حول الثمن نقداً كان أو ماشيةً ، وابتدأ حول التجارة من يوم الشراء ، لأنّ النصاب لم يتعيّن للصرف إلى هذه الجهة.

ج - لو اشترى عرضاً للتجارة بعرض للقُنية كأثاث البيت كان حول السلعة من حين ملكها للتجارة ، وبه قال الشافعي وأحمد(١) .

وقال مالك : لا يدور في حول التجارة إلّا أن يشتريها بمال تجب فيه الزكاة كالذهب والفضة(٢) .

د - لو باع مال التجارة بالنقد من الذهب أو الفضة وقصد بالأثمان غير التجارة انقطع الحول ، وبه قال الشافعي(٣) ، لأنّه مال تجب الزكاة في عينه دون قيمته فانقطع الحول بالبيع به كالسائمة.

وقال أحمد : لا ينقطع ، لأنّه من جنس القيمة التي تتعلّق الزكاة بها فلم ينقطع الحول معها به(٤) .

والفرق : أنّ قصد التجارة انقطع ، وتعلّقت به حول زكاة اُخرى.

ولو قصد بالثمن التجارة ، فالأقرب عدم الانقطاع ، وبنى على حول الأول ؛ لأنّا لا نشترط في زكاة التجارة بقاء الأعيان بل القَيِم.

ه- لو أبدل عرض التجارة بما تجب الزكاة في عينه كالسائمة ولم يَنْو به التجارة لم يبن حول أحدهما على الآخر إجماعاً ؛ لأنّهما مختلفان ، وإن أبدله بعرض للقُنية بطل الحول.

و - لو اشتراه بنصاب من السائمة لم يبن على حوله إجماعاً ، لأنّهما مختلفان.

____________________

(١) المجموع ٦ : ٥٦ ، فتح العزيز ٦ : ٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٢ ، المغني ٢ : ٦٢٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٧.

(٢) حلية العلماء ٣ : ١٠٣.

(٣ و ٤ ) المغني ٢ : ٦٢٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٦.

٢٢٣

ز - لا يشترط بقاء عين السلعة طول الحول إجماعاً ، بل قيمتها وبلوغ القيمة النصاب.

مسألة ١٥٤ : لا تجتمع زكاة التجارة والمالية في مالٍ واحد‌ اتّفاقاً ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا ثني(١) في الصدقة )(٢) .

فلو ملك نصاباً من السائمة فحال الحول ، والسوم ونية التجارة موجودان قدّمت زكاة المال عندنا ؛ لأنّها واجبة دون زكاة التجارة ؛ لاستحبابها.

ومن قال بالوجوب اختلفوا ، فالذي قاله الشيخ - تفريعاً على الوجوب - : تقديم المالية أيضاً(٣) ؛ وبه قال الشافعي - في الجديد - لأنّها أقوى ؛ لانعقاد الإجماع عليها واختصاصها بالعين فكانت أولى(٤) .

وقال أبو حنيفة والثوري ومالك وأحمد والشافعي في القديم : يزكّيه زكاة التجارة ، لأنّها أحظّ للمساكين ، لتعلّقها بالقيمة فتجب فيما زاد بالحساب ، لأنّ الزائد عن النصاب قد وجد سبب وجوب زكاته فتجب كما لو لم يبلغ بالسوم نصاباً(٥) .

ونمنع اعتبار ترجيح المساكين ، بل مراعاة المالك أولى ؛ لأنّ الصدقة مواساة فلا تكون سبباً لإِضرار المالك ولا موجبة للتحكّم في ماله.

____________________

(١) أي : لا تؤخذ الزكاة مرّتين في السنة. النهاية لابن الأثير ١ : ٢٢٤.

(٢) كنز العمّال ٦ : ٣٣٢ / ١٥٩٠٢.

(٣) الخلاف ٢ : ١٠٤ ، المسألة ١٢٠ ، والمبسوط للطوسي ١ : ٢٢٢.

(٤) الاُم ٢ : ٤٨ ، المجموع ٦ : ٥٠ ، فتح العزيز ٦ : ٨١ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٠ ، المغني ٢ : ٦٢٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٨.

(٥) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧٠ ، المغني ٢ : ٦٢٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٨ ، المجموع ٦ : ٥٠ ، فتح العزيز ٦ : ٨١ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٠ ، المنتقى للباجي ٢ : ١٢١ ، وفيها ما عدا المجموع قال مالك بوجوب زكاة العين ؛ على خلاف ما نسب إليه المصنّف ، وأمّا في المجموع فلم يتعرض النووي لقوله.

٢٢٤

فروع :

أ - لو انتفى السوم ثبتت زكاة التجارة وإن كان النصاب ثابتاً ، وكذا لو انتفى النصاب وحصل السوم ؛ لعدم التصادم.

ب - لو فقد شرط زكاة التجارة بأن قصر الثمن عن النصاب أو طلبت بخسارة وجبت زكاة المال إجماعاً ، لعدم التضاد.

ج - لو سبق تعلّق وجوب المالية بأن يملك أربعين من الغنم قيمتها دون مائتي درهم ثم صارت في نصف الحول تعدل مائتين قدّمت زكاة المال ، لثبوت المقتضي في آخر الحول ، السالم عن معارضة المانع.

وقال بعض الجمهور بتأخّر وجوب الزكاة حتى يتم حول التجارة ، لأنّه أنفع للفقراء(١) . وهو ممنوع.

وعلى ما اخترناه إذا تمّ حول التجارة لم يزك الزائد عن النصاب ، لأنّه قد زكّى العين فلا يتعلّق بالقيمة.

وقال بعض الجمهور : تجب زكاة التجارة في الزائد عن النصاب ، لوجود المقتضي فإنّه مال للتجارة حال عليه الحول وهو نصاب(٢) .

وهو ممنوع ؛ لوجود المانع وهو تعلّق الزكاة بالعين.

د - لو اشترى أرضاً أو نخلاً للتجارة فزرعت الأرض وأثمر النخل فاتّفق حولهما بأن يكون بدوّ الصلاح في الثمرة واشتداد الحبّ عند تمام الحول ، وكانت قيمة الأرض والنخل بمفردها نصابا للتجارة فإنّه يزكّي الثمرة والحبّ زكاة العشر ، ويزكّي الأصل زكاه القيمة ، ولا تثبت في الثمرة الزكاتان ، وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور(٣) ، لأنّ زكاة العُشر أحظّ للفقراء فإنّ العُشر أكثر من ربع العُشر ، ولأنّ زكاة المال متّفق عليها.

____________________

(١ و ٢ ) المغني ٢ : ٦٢٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٩.

(٣) المغني ٢ : ٦٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤١.

٢٢٥

وقال أحمد : يزكّي الجميع زكاة التجارة ؛ لأنّه مال تجارة فتجب فيه زكاتها كالسائمة(١) .

والفرق : زكاة السوم أولى ، على أنّا نقول بموجبه هناك.

ه- لو اشترى أربعين سائمة للتجارة فعارض بها(٢) في أثناء الحول بأربعين سائمة للتجارة أيضاً ، فإن شرطنا في المالية بقاء عين النصاب سقطت وثبتت زكاة التجارة ، لعدم المانع ، وإلّا أوجبنا زكاة المال.

ولو عارضها بأربعين للقُنية سقطت زكاة التجارة وانعقد حول المالية من المعارضة.

ولو اشترى أربعين للقُنية وأسامها ، ثم عراضها في أثناء الحول بأربعين سائمة للتجارة انعقد حول المالية أو التجارة - على الخلاف - من حين المعارضة.

و - عبد التجارة يخرج عنه الفطرة وزكاة التجارة على ما يأتي.

ز - لو اشترى معلوفة للتجارة ثم أسامها ، فإن كان بعد تمام الحول ثبتت زكاة التجارة في الحول الأوّل ، وانعقد حول الماليّة من حين الإسامة ، وإن كان في الأثناء احتمل زكاة التجارة عند تمام الحول ؛ لعدم المانع ، وانعقاد حول الماليّة من حين الإِسامة.

مسألة ١٥٥ : إذا نوى بعرض التجارة القُنية صار للقنية وسقطت الزكاة‌ عند علمائنا - وبه قال الشافعي وأحمد وأصحاب الرأي(٣) - لأنّ القُنية الأصل ، ويكفي في الردّ إلى الأصل مجرّد النيّة ، ولأنّ نيّة التجارة شرط لثبوت الزكاة في‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤١.

(٢) المعارضة : بيع المتاع بالمتاع لا نقد فيه. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ٢١٤ « عرض ».

(٣) المجموع ٦ : ٤٩ - ٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٠ ، المغني ٢ : ٦٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٠ - ٦٣١.

٢٢٦

العروض ، فإذا نوى القنية زال الشرط.

وقال مالك في رواية : لا يسقط حكم التجارة بمجرّد النية كما لو نوى بالسائمة العلف(١) .

والفرق أنّ الإِسامة شرط دون نيّتها فلا ينتفي الوجوب إلّا بانتفاء السوم.

وإذا صار العرض للقُنية بنيّتها فنوى به التجارة لم يصر للتجارة بمجرّد النية على ما قدّمناه ، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي(٢) .

تذنيب : لو كانت عنده ماشية للتجارة نصف حول فنوى بها الإسامة وقطع نية التجارة انقطع حول التجارة واستأنف حولا للماليّة - وبه قال الثوري وأبو ثور وأصحاب الرأي(٣) - لأنّ حول التجارة انقطع بنيّة الاقتناء ، وحول السوم لا يبنى على حول التجارة.

والوجه : أنّها إن كانت سائمةً ابتداء الحول وجبت المالية عند تمامه - وبه قال إسحاق(٤) - لأنّ السوم سبب لوجوب الزكاة وجد في جميع الحول خالياً عن المعارض فتجب به الزكاة ، كما لو لم ينو التجارة.

مسألة ١٥٦ : المشهور عندنا وعند الجمهور أنّ نماء مال التجارة بالنتاج مال تجارة أيضاً‌ - وهو أحد قولي الشافعي(٥) - لأنّ الولد بعض الاُمّ فحكمه حكمها ، فلو اشترى جواري للتجارة فأولدت كانت الأولاد تابعةً لها ، هذا إذا لم تنقص قيمة الاُمّ بالولادة ، فإن(٦) نقصت جعل الولد جابراً بقدر قيمته ؛ لأنّ‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٦٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣١ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٠.

(٢) المغني ٢ : ٦٢٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣١ ، حلية العلماء ٣ : ٩٩ ، المجموع ٦ : ٤٨ ، فتح العزيز ٦ : ٤١.

(٣) المغني ٢ : ٦٢٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٢ - ٦٣٣.

(٤) المغني ٢ : ٦٢٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٣.

(٥) فتح العزيز ٦ : ٦٥.

(٦) في « ف » والطبعة الحجرية : فلو.

٢٢٧

سبب النقصان انفصاله.

وللشافعي قول آخر : إنّه ليس مالَ التجارة ؛ لأنّ الفائدة التي تحصل من عين المال لا تناسب الاستنماء بطريق التجارة(١) . وهو ممنوع.

إذا ثبت هذا ، فإنه يبتدئ بالحول في النتاج من حين انفصاله ، ولا يبني على حول الأصل ، خلافاً للشافعي(٢) ، وقد سبق(٣) .

فروع :

أ - لو اشترى من الماشية السائمة نصاباً للتجارة فنتجت ، فعندنا تقدّم زكاة المال ، ولا يتبع النتاج الاُمّهات في الحول ، فلم ينعقد سبب المالية في النتاج ، فيبقى سبب التجارة سالماً عن المعارض ، فينعقد حولها من حين الانفصال ، فتثبت الزكاة فيها بعد الحول ، ثم يعتبر حول المالية إن حصل السوم.

ب - لا يبنى النصاب هنا على نصاب الاُمّهات بمعنى أنه يقوّم النتاج بأحد النقدين فإن بلغت قيمته مائتي درهم أو عشرين ديناراً تعلّقت الزكاة به ، ولا يضمّ إلى الاُمّهات في النصاب ، لأنّ الاُمّهات لها زكاة بانفرادها ، ولا يكفي في اعتبار نصابها أربعون درهماً أو أربعة دنانير ، وإن كانت قيمة الاُمهات نصاباً فإشكال.

ج - لو اشترى حديقة للتجارة فأثمرت عنده ، وقلنا : إنّ ثمار التجارة مال تجارة ، أو اشتراها وهي مثمرة مع الثمار فبدا الصلاح عنده حكمنا بوجوب زكاة المال في الثمرة على ما قدّمناه.

ولا تسقط به زكاة التجارة عن قيمة الأشجار - وهو أحد وجهي‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٦٥.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٦٦.

(٣) سبق في المسألة ٣٤.

٢٢٨

الشافعية(١) - لأنّه ليس فيها زكاة مال حتى تسقط بها زكاة التجارة.

وفي الآخر : تسقط ، لأنّ المقصود منها ثمارها وقد أخذنا زكاتها(٢) .

وهو ممنوع.

وكذا لا تسقط عن أرض الحديقة.

وللشافعية طريقان : أحدهما : طرد الوجهين(٣) . والثاني : القطع بعدم السقوط ، لبُعد الأرض عن التبعية ؛ لأنّ الثمار خارجة عن الشجرة ، والشجرة حاصلة ممّا اُودع في الأرض لا من نفسها(٤) .

وأمّا الثمار التي اُخرج الزكاة المالية منها فإنّ حول التجارة ينعقد عليها أيضاً ، وتثبت الزكاة فيها في الأحوال المستقبلة للتجارة وإن كانت الماليّة لا تتكرر ، ويحسب ابتداء الحول للتجارة من وقت إخراج العشر بعد القطاف لا من وقت بدوّ الصلاح ، لأنّ عليه [ بعد ](٥) بدوّ الصلاح تربية [ الثمار ](٦) للمساكين ، فلا يجوز أن يحسب عليه وقت التربية.

د - لو اشترى أرضاً مزروعة للتجارة فأدرك الزرع ، والحاصل نصاب تعلّقت زكاة المال بالزرع ثم يبتدئ حول زكاة التجارة بعد التصفية ، وللشافعية الوجوه السابقة(٧) في الثمرة.

ولو اشترى أرضاً للتجارة وزرعها ببذر القُنية فعليه العُشر في الزرع ، وزكاة التجارة في الأرض ، ولا تسقط زكاة التجارة عن الأرض بأداء العُشر إجماعاً.

ه- الدَّين لا يمنع من زكاة التجارة كما لا يمنع من زكاة العين.

____________________

(١ و ٢ ) المجموع ٦ : ٥٢ ، فتح العزيز ٦ : ٨٣.

(٣) أي : الوجهان اللذان تقدّما آنفاً.

(٤) المجموع ٦ : ٥٢ ، فتح العزيز ٦ : ٨٣ - ٨٤.

(٥ و ٦ ) زيادة يقتضيها السياق.

(٧) سبق في المسألة ١٥٤ الوجهان للشافعي ، وانظر : فتح العزيز ٦ : ٨٣ ، والمجموع ٦ : ٥٢.

٢٢٩

الفصل الثاني

في باقي الأنواع التي تستحب فيها الزكاة‌

مسألة ١٥٧ : كلّ ما يخرج من الأرض من الغلّات غير الأربع تستحب فيها الزكاة‌ إن كان ممّا يكال أو يوزن كالعدس والماش والاُرز والذرّة وغيرها بشرط بلوغ النصاب في الغلّات الأربع - وهو خمسة أوسق - لعموم قولهعليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )(١) .

والقدر المخرج هو العشر إن سقي سيحاً أو بعلاً أو عذياً ، ونصفه إن سقي بالقرب والدوالي كما في الغلّات.

ولو اجتمعا حكم للأغلب ، فإن تساويا قسّط ويؤخذ من نصفه العشر ومن نصفه نصف العُشر ، وتثبت بعد إخراج المؤن كالواجب.

ولا زكاة في الخُضراوات.

وفي ضمّ ما يزرع مرّتين في السنة كالذرّة بعضه مع بعض نظر ، وكذا الدّخن ، والأقرب : الضمّ ، لأنّها في حكم زرع عام واحد.

____________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ١٣٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٣ / ٩٧٩ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٤ / ١٥٥٨ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٢ / ١٧٩٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٩ / ٢٠ ، مسند أحمد ٢ : ٤٠٣ ، و ٣ : ٩٧ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٢١.

٢٣٠

ويدلّ على استحباب الزكاة بعد ما تقدّم : قول الصادقعليه‌السلام : « كلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة » وقال : « جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الصدقة في كلّ شي‌ء أنبتته الأرض إلّا الخضر والبقول وكلّ شي‌ء يفسد من يومه »(١) .

وقالعليه‌السلام وقد سأله زرارة في الذرة شي‌ء؟ فقال : « الذرّة والعدس والسّلت والحبوب فيها مثل ما في الحنطة والشعير ، وكلّ ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي تجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة»(٢) .

أمّا الخُضر فلا زكاة فيها إلّا أن تباع ، ويحول على ثمنها الحول ، وتكون الشرائط موجودةً فيه ، لقول الصادقعليه‌السلام : « ليس على الخضر ولا على البطيخ ولا على البقول وأشباهه زكاة إلّا ما اجتمع عندك من غلّة فبقي عندك سنة »(٣) .

وسأل زرارة الصادقعليه‌السلام هل في القَضْب(٤) شي‌ء؟ قال : « لا »(٥) .

وسأل الحلبي ، الصادقعليه‌السلام ما في الخضرة؟ قال : « وما هي؟ » قلت : القضب والبطيخ ومثله من الخضر. فقال : « لا شي‌ء عليه إلّا أن يباع مثله بمال فيحول عليه الحول ففيه الصدقة » وعن شجر العضاة(٦) من الفرسك(٧) وأشباهه فيه زكاة؟ قال : « لا » قلت : فثمنه(٨) ؟ قال : « ما حال‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٦٥ / ١٧٦ ، والكافي ٣ : ٥١٠ / ٢.

(٢) التهذيب ٤ : ٦٥ / ١٧٧.

(٣) الكافي ٣ : ٥١١ / ١ ، التهذيب ٤ : ٦٦ / ١٧٩.

(٤) القضب : كلّ نبت اقتضب واُكل طريّاً. مجمع البحرين ٢ : ١٤٤ « قضب ».

(٥) التهذيب ٤ : ٦٦ / ١٨٠.

(٦) العضاة : كلّ شجر يعظم وله شوك. الصحاح ٦ : ٢٢٤٠ « عضه ».

(٧) الفرسك : ضرب من الخوخ ليس يتفلّق عن نواه. الصحاح ٤ : ١٦٠٣ « فرسك ».

(٨) في « ف » والتهذيب : قيمته.

٢٣١

عليه الحول من ثمنه فزكِّه »(١) .

مسألة ١٥٨ : لا تجب الزكاة في الخيل‌ بإجماع أكثر العلماء ، وبه قال - في الصحابة - عليعليه‌السلام وعمر وابنه ، وفي التابعين : عمر بن عبد العزيز وعطاء والنخعي والشعبي والحسن البصري ، وفي الفقهاء : مالك والشافعي والأوزاعي والليث بن سعد واحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد(٢) .

لما رواه عليعليه‌السلام : « أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق »(٣) .

وقالعليه‌السلام : ( ليس في الجَبْهة ولا في النخّة ولا في الكسعة صدقة )(٤) والجبهة : الخيل ؛ والنخة : الرقيق ، والكسعة : الحمير(٥) .

وقال ابن قتيبة : هي العوامل من الإِبل والبقر والحمير.

ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « وليس في الحيوان غير هذه الثلاثة الأصناف شي‌ء »(٦) وعنى الإِبل والبقر والغنم.

وللأصل ، ولأنّ كلّ جنس لا تجب الزكاة في ذكورة إذا انفردت لا تجب في إناثه ، ولكونه كالحُمُر.

وقال أبو حنيفة : إن كانت ذكوراً وإناثاً وجب فيها ، وإن كانت إناثاً منفردة فروايتان ، وكذا إن كانت ذكوراً منفردة ؛ لما رواه الصادقعليه‌السلام عن الباقر‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٢ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٦٧ / ١٨٢.

(٢) المغني ٢ : ٤٨٦ - ٤٨٧ ، المجموع ٥ : ٣٣٩ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٣.

(٣) سنن البيهقي ٤ : ١١٨ ، وشرح معاني الآثار ٢ : ٢٨ ، ومسند أحمد ١ : ١٢١ و ١٤٥.

(٤) سنن البيهقي ٤ : ١١٨ ، وغريب الحديث - للهروي - ١ : ٧.

(٥) قاله أبو عبيدة كما في غريب الحديث - للهروي - ١ : ٧.

(٦) التهذيب ٤ : ٢ / ٢ ، الاستبصار ٢ : ٢ / ٢.

٢٣٢

عليه‌السلام عن جابر أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( في الخيل السائمة في كلّ فرس دينار )(١) .

ولأنّه يطلب نماؤه من جهة السوم فأشبه النعم(٢) .

والحديث محمول على الاستحباب ، والنعم يضحّى بجنسها ، وتجب(٣) فيها من عينها ، بخلاف الخيل.

مسألة ١٥٩ : أجمع علماؤنا على استحباب الزكاة في الخيل بشروط ثلاثة : السوم والأنوثة والحول ، لأنّ زرارة قال للصادقعليه‌السلام : هل في البغال شي‌ء؟ قال : « لا » فقلت : فكيف صار على الخيل ولم يصر على البغال؟ فقال : « لأنّ البغال لا تلقح ، والخيل الإِناث ينتجن ، وليس على الخيل الذكور شي‌ء » قال ، قلت : هل على الفرس والبعير يكون للرجل يركبها شي‌ء؟ فقال : « لا ، ليس على ما يعلف شي‌ء ، إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها(٤) عامها الذي يقتنيها فيه الرجل ، فأمّا ما سوى ذلك فليس فيه شي‌ء »(٥) .

مسألة ١٦٠ : قدر المخرج عن الخيل‌ عن كلّ فرس عتيق ديناران في كلّ حول ، وعن البرذون دينار واحد عند علمائنا ، لقول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وضع أمير المؤمنينعليه‌السلام على الخيل العتاق الراعية في كلّ‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٤ : ١١٩.

(٢) المغني ٢ : ٤٨٦ - ٤٨٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٣ - ١٤ ، فتح الباري ٣ : ٢٥٥.

(٣) أي : تجب الزكاة.

(٤) ورد في النُسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، والطبعة الحجرية : مراحها. وما أثبتناه من المصادر ، والمرج : الموضع الذي ترعى فيه الدواب. الصحاح ١ : ٣٤٠ ، القاموس المحيط ١ : ٢٠٧ « مرج ».

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٠ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٧ - ٦٨ / ١٨٤.

٢٣٣

فرس في كلّ عام دينارين ، وجعل على البراذين ديناراً »(١) .

وقال أبو حنيفة : يتخيّر صاحبها إن شاء أعطى من كلّ فرس ديناراً ، وإن شاء قوّمها وأعطى ربع عُشر قيمتها ؛ لما رواه جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام عن أبيه الباقرعليه‌السلام عن جابر : ( أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( في الخيل السائمة في كلّ فرس دينار )(٢) .

وهو دليل لنا لا له.

مسألة ١٦١ : العقار المتّخذ للنماء تستحب الزكاة في حاصله‌ ، ولا يشترط فيه الحول ولا النصاب ؛ للعموم ، بل يخرج ممّا يحصل منه ربع العُشر ، فإن بلغ نصاباً وحال عليه الحول وجبت الزكاة ، لوجود المقتضي ، ولا تستحب الزكاة في شي‌ء غير ذلك من الأثاث والأمتعة والأقمشة المتّخذة للقنية بإجماع العلماء.

____________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٠ / ١ ، التهذيب ٤ : ٦٧ / ١٨٣ ، الاستبصار ٢ : ١٢ / ٣٤.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٣٤ ، المغني ٢ : ٤٨٦ - ٤٨٧ ، فتح الباري ٣ : ٢٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٤ ، وانظر أيضاً : سنن البيهقي ٤ : ١١٩.

٢٣٤

٢٣٥

المقصد الرابع

في الإِخراج‌

وفيه فصول :

الأول : في من تخرج الزكاة إليه.

وفيه مباحث‌

٢٣٦

٢٣٧

الأول : في الأصناف‌

مسألة ١٦٢ : أصناف المستحقين للزكاة ثمانية‌ بإجماع العلماء ، وهُم الذين ذكرهم الله تعالى في قوله :( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (١) .

وقد اختلف الفقهاء في الفقراء والمساكين أيّهما أسوأ حالاً ، فقال الشيخ : الفقير : الذي لا شي‌ء له ، والمسكين هو : الذي له بُلغة من العيش لا تكفيه(٢) . فجعل الفقير أسوأ حالاً ، وبه قال الشافعي والأصمعي(٣) ، لأنّه تعالى بدأ به ، والابتداء يدلّ على شدّة العناية والاهتمام في لغة العرب.

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله استعاذ من الفقر(٤) ، وقال : ( اللّهم أحيني مسكيناً ، وأمتني مسكيناً ، واحشرني في زمرة المساكين )(٥) .

____________________

(١) التوبة : ٦٠.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٤٦ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٠٦.

(٣) المجموع ٦ : ١٩٦ - ١٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٥١ - ١٥٢ ، المغني ٧ : ٣١٣.

(٤) سنن النسائي ٨ : ٢٦١ ، سنن البيهقي ٧ : ١٢ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٥٤٠ - ٥٤١ ، مسند أحمد ٢ : ٣٠٥ ، ٣٢٥ ، ٣٥٤.

(٥) سنن الترمذي ٤ : ٥٧٧ / ٢٣٥٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٨١ / ٤١٢٦ ، سنن البيهقي ٧ : ١٢ ، المستدرك - للحاكم - ٤ : ٣٢٢.

٢٣٨

ولقوله تعالى( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ ) (١) وهي تساوي جملة من المال.

ولأنّ الفقر مشتق من كسر الفقار وذلك مهلك.

وقال آخرون : المسكين أسوأ حالاً من الفقير(٢) . وبه قال أبو حنيفة والفراء وثعلب وابن قتيبة ، واختاره أبو إسحاق(٣) ؛ لقوله تعالى( أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ ) (٤) وهو المطروح على التراب ، لشدّة حاجته ، ولأنّه يؤكّد به ، ولقول الشاعر :

أمّا الفقير الذي كانت حلوبته

وفق العيال فلم يترك له سبد(٥)

والمروي عن أهل البيتعليهم‌السلام هذا ، قال الصادقعليه‌السلام : « الفقير : الذي لا يسأل ، والمسكين أجهد منه ، والبائس أجهدهم »(٦) .

ولا فائدة للفرق بينهما في هذا الباب ؛ لأنّ الزكاة تدفع إلى كُلّ منهما ، والعرب تستعمل كلّ واحد منهما في معنى الآخر.

نعم يحتاج إلى الفرق بينهما في باب الوصايا والنذور وغيرهما ، والضابط في الاستحقاق : عدم الغنى الشامل لهما.

مسألة ١٦٣ : قد وقع الإِجماع على أنّ الغني لا يأخذ شيئاً من الزكاة‌ من‌

____________________

(١) الكهف : ٧٩.

(٢) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٣٩ ، وسلّار في المراسم : ١٣٢.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ٣ : ٨ ، اللباب ١ : ١٥٣ - ١٥٤ ، المجموع ٦ : ١٩٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٢ ، المغني ٧ : ٣١٣ ، تفسير غريب القرآن - لابن قتيبة - : ١٨٨ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٣ : ١٢٢.

(٤) البلد : ١٦.

(٥) البيت للراعي ، كما في تهذيب اللغة - للأزهري - ٩ : ١١٤.

(٦) الكافي ٣ : ٥٠١ / ١٦ ، التهذيب ٤ : ١٠٤ / ٢٩٧.

٢٣٩

نصيب الفقراء ؛ للآية(١) ، ولقولهعليه‌السلام : ( لا تحلّ الصدقة لغني )(٢) .

ولكن اختلفوا في الغنى المانع من الأخذ ، فللشيخ قولان ، أحدهما : حصول الكفاية حولاً له ولعياله(٣) ، وبه قال الشافعي ومالك(٤) ، وهو الوجه عندي ، لأنّ الفقر هو الحاجة.

قال الله تعالى( يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ ) (٥) أي المحاويج إليه ، ومن لا كفاية له محتاج.

وقولهعليه‌السلام : ( لا تحلّ الصدقة إلّا لثلاثة : رجل أصابته فاقة حتى يجد سداداً من عيش ، أو قواماً من عيش )(٦) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « لا تحل(٧) لغني » يعني الصدقة ، قال هارون بن حمزة فقلت له : الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعته وله عيال ، فإن أقبل عليها أكلها عياله ولم يكتفوا بربحها؟ قال : « فلينظر ما يستفضل منها فيأكله هو ومن يسعه ذلك ، وليأخذ لمن لم يسعه من عياله »(٨) .

____________________

(١) التوبة : ٦٠.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١١٨ / ١٦٣٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٩ / ١٨٣٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٤٢ / ٦٥٢ ، سنن النسائي ٥ : ٩٩ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٠٧ ، مسند أحمد ٢ : ١٦٤ ، ١٩٢ ، ٣٨٩ و ٥ : ٣٧٥.

(٣) الخلاف ، كتاب قسم الصدقات ، المسألة ٢٤ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٦.

(٤) المجموع ٦ : ١٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٣ ، المغني ٢ : ٥٢٢ و ٧ : ٣١٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٩.

(٥) فاطر : ١٥.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٧٢٢ / ١٠٤٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٢٠ / ١٦٤٠ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٢٠ / ٢ ، سنن الدارمي ١ : ٣٩٦ ، وفيها بدل ( لا تحل الصدقة ) : ( لا تحل المسألة ).

(٧) في المصدر : « لا تصلح ».

(٨) التهذيب ٤ : ٥١ / ١٣٠.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481