الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢

الميزان في تفسير القرآن12%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 481

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 131666 / تحميل: 8004
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الله اطلبهما فلا أجدهما - قال: فقال: وماهما؟ قلت: ادعوني أستجب لكم فندعوه فلا نرى إجابة، قال أفترى الله أخلف وعده؟ قلت: لا، قال: فمه؟ قلت: لا أدري قال: لكنّي اُخبرك من أطاع الله فيما أمر به ثمّ دعاه من جهه الدعاء أجابه، قلت: وما جهة الدعاء؟ قال: تبدء فتحمد الله وتمجّده وتذكر نعمه عليك فتشكره ثمّ تصلّي على محمّد وآله ثمّ تذكر ذنوبك فتقرّ بها، ثمّ تستغفر منها فهذه جهة الدعاء، ثمّ قال: وما الآية الاُخرى؟ قلت: وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وأرانى اُنفق ولا أرى خلفاً، قال: أفترى الله أخلف وعده؟ قلت: لا، قال: فمه؟ قلت: لا أدرى، قال: لو أنّ أحدكم اكتسب المال من حلّه وأنفق في حقّه لم ينفق درهماً إلّا أخلف الله عليه.

اقول: والوجه في هذه الأحاديث الواردة في آداب الدعاء ظاهرة فإنّها تقرّب العبد من حقيقة الدعاء والمسألة.

وفي الدرّ المنثور عن ابن عمر، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله إذا أراد أن يستجيب لعبد أذن له في الدعاء.

وعن ابن عمر أيضاً عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة، وفي رواية من فتح له في الدعاء منكم فتحت له أبواب الجنّة.

اقول: وهذه المعنى مرويّ من طرق أئمّة أهل البيت أيضاً: من اُعطي الدّعاء اُعطي الإجابة، ومعناه واضح ممّا مرّ.

وفي الدرّ المنثور أيضاً عن معاذ بن جبل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو عرفتم الله حقّ معرفته لزالت لدعائكم الجبال.

اقول: وذلك أنّ الجهل بمقام الحقّ وسلطان الربوبيّة والركون إلى الأسباب يوجب الإذعان بحقيقة التأثير للأسباب وقصر المعلولات على عللها المعهودة وأسبابها العاديّة حتّى أنّ الإنسان ربّما زال عن الإذعان بحقيقة التأثير للأسباب لكن يبقى الإذعان بتعيّن الطرق ووساطة الأسباب المتوسّطة فإنّا نرى أنّ الحركة والسير يوجب الاقتراب من المقصد ثمّ إذا زال منّا الاعتقاد بحقيقة تأثير السير في الاقتراب اعتقدنا بأنّ السير واسطة والله سبحانه وتعالى هو المؤثّر هناك لكن يبقى الاعتقاد بتعيّن الوساطة

٤١

وأنّه لو لا السير لم يكن قرب ولا اقتراب، وبالجملة أنّ المسبّبات لا تتخلّف عن أسبابها وإن لم يكن للأسباب إلّا الوساطة دون التأثير، وهذا هو الّذي لا يصدّقه العلم بمقام الله سبحانه فإنّه لا يلائم السلطنة التامّة الإلهيّة، وهذا التوهّم هو الّذي أوجب أن نعتقد استحالة تخلّف المسبّبات عن أسبابها العاديّة كالثقل والانجذاب عن الجسم، والقرب عن الحركة، والشبع عن الأكل، والرىّ عن الشرب، وهكذا، وقد مرّ في البحث عن الإعجاز أنّ ناموس العلّيّة والمعلوليّة، وبعبارة اُخرى توسّط الأسباب بين الله سبحانه وبين مسبّباتها حقّ لا مناص عنه لكنّه لا يوجب قصر الحوادث على أسبابها العاديّة بل البحث العقليّ النظريّ، والكتاب والسنّة تثبت أصل التوسّط وتبطل الانحصار، نعم المحالات العقليّة لا مطمع فيها.

إذا عرفت هذا علمت: أنّ العلم بالله يوجب الإذعان بأنّ ما ليس بمحال ذاتيّ من كلّ ما تحيله العادة فإنّ الدعاء مستجاب فيه كما أنّ العمدة من معجزات الأنبياء راجعة إلى استجابة الدعوة.

وفي تفسير العيّاشيّ عن الصادقعليه‌السلام : في قوله تعالى: فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي يعلمون أنّي أقدر أن اُعطيهم ما يسألوني.

وفي المجمع، قال: وروي عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنّه قال: وليؤمنوا بي أي وليتحقّقوا أنّي قادر على إعطائهم ما سألوه لعلّهم يرشدون، أي لعلّهم يصيبون الحقّ، أي يهتدون إليه.

٤٢

( سورة البقرة آية ١٨٧)

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ( ١٨٧ )

( بيان)

قوله تعالى: ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُم ) ، الإحلال بمعنى الإجازة، وأصله من الحلّ مقابل العقد، والرفث هوالتصريح بما يكنّى عنه ممّا يستقبح ذكره، من الألفاظ الّتي لا تخلو عنها مباشرة النساء، وقد كنّي به هيهنا عن عمل الجماع وهو من أدب القرآن الكريم وكذا سائر الألفاظ المستعملة فيه في القرآن كالمباشرة والدخول والمسّ واللّمس والإتيان والقرب كلّها ألفاظ مستعملة على طريق التكنية، وكذا لفظ الوطئ والجماع وغيرهما المستعملة في غير القرآن ألفاظ كنائيّة وإن أخرج كثرة الاستعمال بعضها من حدّ الكناية إلى التصريح، كما أنّ ألفاظ الفرج والغائط بمعناهما المعروف اليوم من هذا القبيل، وتعدية الرفث بإلى لتضمينه معنى الإفضاء على ما قيل.

قوله تعالى: ( هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ) ، الظاهر من اللّباس معناه المعروف، وهو ما يستر به الإنسان بدنة، والجملتان من قبيل الاستعارة فإنّ كلّاً من الزوجين يمنع صاحبه عن اتّباع الفجور وإشاعته بين أفراد النوع فكان كلّ منهما لصاحبه لباساً

٤٣

يواري به سوأته ويستر به عورته.

وهذه استعارة لطيفة، وتزيد لطفاً بانضمامها إلى قوله: اُحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم، فإنّ الإنسان يستر عورته عن غيره باللّباس، وأمّا نفس اللّباس فلا ستر عنه فكذا كلّ من الزوجين يتّقى به صاحبه عن الرفث إلى غيره، وأمّا الرفث إليه فلا لأنّه لباسه المتّصل بنفسه المباشر له.

قوله تعالى: ( عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُم ) ، الاختيان والخيانة بمعنى، وفيه معنى النقص على ما قيل وفي قوله: أنّكم تختانون، دلالة على معنى الاستمرار، فتدلّ الآية على أنّ هذه الخيانة كانت دائرة مستمرّة بين المسلمين منذ شرّع حكم الصيام فكانوا يعصون الله تعالى سرّاً بالخيانة لأنفسهم، ولو لم تكن هذه الخيانة منهم معصية لم ينزل التوبة والعفو، وهما وإن لم يكونا صريحين في سبق المعصية لكنّهما - وخاصّة إذا اجتمعا - ظاهران في ذلك.

وعلي هذا فالآية دالّة على أنّ حكم الصيام كان قبل نزول الآية حرمة الجماع في ليلة الصيام، والآية بنزولها شرّعت الحليّة ونسخت الحرمة كما ذكره جمع من المفسّرين، ويشعر به أو يدلّ عليه قوله: اُحلّ لكم، وقوله: كنتم تختانون، وقوله: فتاب عليكم وعفا عنكم، وقوله: فالآن باشروهنّ، إذ لو لا حرمة سابقة كان حقّ الكلام أن يقال: فلا جناح عليكم أن تباشروهنّ أو ما يؤدّي هذا المعنى، وهو ظاهر.

وربّما يقال: أنّ الآية ليست بناسخة لعدم وجود حكم تحريميّ في آيات الصوم بالنسبة إلى الجماع أو إلى الأكل والشرب، بل الظاهر كما يشعر به بعض الروايات المرويّة من طرق أهل السنّة والجماعة، أنّ المسلمين لمّا نزل حكم فرض الصوم وسمعوا قوله تعالى: كتب عليكم الصيام كما كتب على الّذين من قبلكم الآية، فهموا منه التساوي في الأحكام من جميع الجهات، وقد كانت النصارى كما قيل: إنّما ينكحون ويأكلون ويشربون في أوّل اللّيل ثمّ يمسكون بعد ذلك فأخذ بذلك المسلمون، غير أنّ ذلك صعب عليهم، فكان الشبّان منهم لا يكفّون عن النكاح سرّاً مع كونهم يرونه معصيه وخيانة لأنفسهم، والشيوخ ربّما أجهدهم الكفّ عن الأكل والشرب بعد النوم، وربّما

٤٤

أخذ بعضهم النوم فحرم عليه الأكل والشرب بزعمه فنزلت الآية فبيّنت أنّ النكاح والأكل والشرب غير محرّمة عليهم بالليل في شهر رمضان، وظهر بذلك: أنّ مراد الآية بالتشبيه في قوله تعالى: كما كتب على الّذين من قبلكم التشبيه في أصل فرض الصوم لا في خصوصيّاته، وأمّا قوله تعالى: اُحلّ لكم، فلا يدلّ على سبق حكم تحريميّ بل على مجرّد تحقّق الحلّيّة كما في قوله تعالى:( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ ) المائدة - ٩٦، إذ من المعلوم أنّ صيد البحر لم يكن محرّماً على المحرمين قبل نزول الآية، وكذا قوله تعالى:( عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ ) ، إنّما يعني به أنّهم كانوا يخونون بحسب زعمهم وحسبانهم ذلك خيانة ومعصية ولذا قال: تختانون أنفسكم ولم يقل: تختانون الله كما قال:( لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ ) الأنفال - ٢٧، مع احتمال أن يراد بالاختيان النقص، والمعنى علم الله أنّكم كنتم تنقصون أنفسكم حظوظها من المشتهيات من نكاح وغيره، وكذا قوله تعالى: فتاب عليكم وعفا عنكم، غير صريح في كون النكاح معصية محرّمة هذا.

وفيه ما عرفت: أنّ ذلك خلاف ظاهر الآية فإنّ قوله تعالى: اُحلّ لكم، وقوله: كنتم تختانون أنفسكم، وقوله: فتاب عليكم وعفا عنكم، وإن لم تكن صريحة في النسخ غيرأنّ لها كمال الظهور في ذلك، مضافاً إلى قوله تعالى: فالآن باشروهنّ الخ، إذ لو لم يكن هناك إلّا جواز مستمرّ قبل نزول الآية وبعدها لم يكن لهذا التعبير وجه ظاهر، وأمّا عدم اشتمال آيات الصوم السابقة على هذه الآية على حكم التحريم فلا ينافي كون الآية ناسخة فإنّها لم تبيّن سائر أحكام الصوم أيضاً مثل حرمة النكاح والأكل والشرب في نهار الصيام. ومن المعلوم أنّ رسول الله كان قد بيّنه للمسلمين قبل نزول هذه الآية فلعلّه كان قد بيّن هذا الحكم فيما بيّنه من الأحكام، والآية تنسخ ما بيّنه الرسول وإن لم تشتمل كلامه تعالى على ذلك.

فإنّ قلت: قوله تعالى: هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ، يدلّ على سبب تشريع جواز الرفث فلا بدّ أن لا يعمّ الناسخ والمنسوخ لبشاعة أن يعلّل النسخ بما يعمّ الناسخ والمنسوخ معاً وإن قلنا: إنّ هذه التعليلات الواقعة في موارد الأحكام حكم ومصالح

٤٥

لا علل، ولا يلزم في الحكمة أن تكون جامعة ومانعة كالعلل فلو كان الرفث محرّماً قبل نزول الآية ثمّ نسخ بالآية المحلّلة لم يصحّ تعليل نسخ التحريم بأنّ الرجال لباس للنساء وهنّ لباس لهم.

قلت: اولا إنّه منقوض بتقييد قوله: اُحلّ لكم بقوله: ليلة الصيام مع أنّ حكم اللّباس جار في النهار كاللّيل وهو محرّم في النهار،وثانياً: أنّ القيود المأخوذة في الآية من قوله: ليلة الصيام، وقوله: هنّ لباس لكم، وقوله: أنّكم كنتم تختانون أنفسكم، تدلّ على علل ثلاث مترتّبة يترتّب عليها الحكم المنسوخ والناسخ فكون أحد الزوجين لباساً للآخر يوجب أن يجوز الرفث بينهما مطلقاً، ثمّ حكم الصيام المشار إليه بقوله: ليلة الصيام، والصيام هو الكفّ والإمساك عن مشتهيات النفس من الأكل والشرب والنكاح يوجب تقييد جواز الرفث وصرفه إلى غير مورد الصيام، ثمّ صعوبة كفّ النفس عن النكاح شهراً كاملاً عليهم ووقوعهم في معصية مستمرّة وخيانة جارية يوجب تسهيلاً ما عليهم بالترخيص في ذلك ليلاً، وبذلك يعود إطلاق حكم اللّباس المقيّد بالصيام إلى بعض إطلاقه وهو أن يعمل به ليلاً لا نهاراً، والمعنى - والله أعلم -: أنّ إطلاق حكم اللّباس الّذي قيّدناه بالصيام ليلاً ونهاراً وحرّمناه عليكم حلّلناه لكم لما علمنا أنّكم تختانون أنفسكم فيه وأردنا التخفيف عنكم رأفة ورحمة. وأعدنا إطلاق ذلك الحكم عليه في ليلة الصيام وقصرنا حكم الصيام على النهار فأتمّوا الصيام إلى اللّيل.

والحاصل: أنّ قوله تعالى: هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ، وإن كان علّة أو حكمة لإحلال أصل الرفث إلّا أنّ الغرض في الآية ليس متوجّهاً إليه بل الغرض فيها بيان حكمة جواز الرفث ليلة الصيام وهو مجموع قوله: هنّ لباس لكم إلى قوله: وعفا عنكم، وهذه الحكمة مقصورة على الحكم الناسخ ولا يعمّ المنسوخ قطعاً.

قوله تعالى: ( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ) ، أمر واقع بعد الحضر فيدلّ على الجواز، وقد سبقه قوله تعالى: في أوّل الآية: اُحلّ لكم والمعنى فمن الآن تجوز لكم مباشرتهنّ، والابتغاء هو الطلب، والمراد بابتغاء ماكتب الله هو طلب

٤٦

الولد الّذي كتب الله سبحانه ذلك على النوع الإنسانيّ من طريق المباشرة، وفطرهم على طلبه بما أودع فيهم من شهوة النكاح والمباشرة، وسخّرهم بذلك على هذا العمل فهم يطلبون بذلك ما كتب الله لهم وإن لم يقصدوا ظاهراً إلّا ركوب الشهوة ونيل اللّذة كما أنّه تعالى كتب لهم بقاء الحياة والنموّ بالأكل والشرب وهو المطلوب الفطريّ وإن لم يقصدوا بالأكل والشرب إلّا الحصول على لذّة الذوق والشبع والريّ، فإنّما هو تسخير إلهيّ.

وأمّا ما قيل: إنّ المراد بما كتب الله لهم الحلّ والرخصة فإنّ الله يحبّ أن يؤخذ برخصه كما يحبّ أن يؤخذ بعزائمه، فيبعّده: أنّ الكتابة في كلامه غير معهودة في مورد الحليّة والرخصة.

قوله تعالى: ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) ، الفجر فجران، فجر أوّل يسمّى بالكاذب لبطلانه بعد مكث قليل وبذنب السرحان لمشابهته ذنب الذئب إذا شاله، وعمود شعاعيّ يظهر في آخر اللّيل في ناحية الأفق الشرقيّ إذا بلغت فاصلة الشمس من دائره الأفق إلى ثمانية عشر درجة تحت الأفق، ثمّ يبطل بالاعتراض فيكون معترضاً مستطيلاً على الأفق كالخيط الأبيض الممدود عليه وهو الفجر الثاني ويسمّى الفجر الصادق لصدقه فيما يحكيه ويخبر به من قدوم النهار واتّصاله بطلوع الشمس.

ومن هنا يعلم أنّ المراد بالخيط الأبيض هو الفجر الصادق، وأنّ كلمة من، بيانيّة وأنّ قوله تعالى: حتّى يتبيّن لكم الخيط الأسود من قبيل الاستعارة بتشبيه البياض المعترض على الاُفق من الفجر، المجاور لما يمتدّ معترضاً معه من سواد اللّيل بخيط أبيض يتبيّن من الخيط الأسود.

ومن هنا يعلم أيضاً: أنّ المراد هو التحديد بأوّل حين من طلوع الفجر الصادق فإنّ ارتفاع شعاع بياض النهار يبطل الخيطين فلا خيط أبيض ولا خيط أسود.

قوله تعالى: ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) ، لمّا دلّ التحديد بالفجر على وجوب الصيام إلى الليل بعد تبيّنه استغنى عن ذكره إيثاراً للإيجاز بل تعرّض لتحديده بإتمامه إلى الليل، وفي قوله: أتمّوا دلالة على أنّه واحد بسيط وعبادة واحدة تامّة من غير

٤٧

أن تكون مركّبة من اُمور عديدة كلّ واحد منها عبادة واحدة، وهذا هو الفرق بين التمام والكمال حيث أنّ الأوّل انتهاء وجود ما لا يتألّف من أجزاء ذوات آثار والثاني انتهاء وجود ما لكلّ من أجزائه أثر مستقلّ وحده. قال تعالى:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) المائدة - ٣، فإنّ الدين مجموع الصلاة والصوم والحجّ وغيرها الّتي لكلّ منها أثر يستقلّ به، بخلاف النعمة على ما سيجئ بيانه إنشاء الله في الكلام على الآية.

قوله تعالى: ( وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ) ، العكوف والاعتكاف هو اللّزوم والاعتكاف بالمكان الإقامة فيه ملازماً له.

والاعتكاف عبادة خاصّة من أحكامها لزوم المسجد وعدم الخروج منه إلّا لعذر والصيام معه، ولذلك صحّ أن يتوهّم جواز مباشرة النساء في ليالي الاعتكاف في المسجد بتشريع جواز الرفث ليلة الصيام فدفع هذا الدخل بقوله تعالى: ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد.

قوله تعالى: ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ) ، أصل الحدّ هو المنع وإليه يرجع جميع استعمالاته واشتقاقاته كحدّ السيف وحدّ الفجور وحدّ الدار والحديد إلى غير ذلك، والنهي عن القرب من الحدود كناية عن عدم اقترافها والتعدّي إليها، أي لا تقترفوا هذه المعاصي الّتي هي الأكل والشرب والمباشرة أو لا تتعدّوا عن هذه الأحكام والحرمات الإلهيّة الّتي بيّنها لكم وهي أحكام الصوم بإضاعتها وترك التقوى فيها.

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ عن الصادقعليه‌السلام قال: كان الأكل والنكاح محرّمين في شهر رمضان بالليل بعد النوم يعني كلّ من صلّى العشاء ونام ولم يفطر ثمّ انتبه حرم عليه الإفطار، وكان النكاح حراما في الليل والنهار في شهر رمضان، وكان رجل من أصحاب رسول الله يقال له خوّات بن جبير الأنصاري أخو عبدالله بن جبير الّذي كان رسول الله وكلّه بفم الشعب يوم اُحد في خمسين من الرماة ففارقه أصحابه وبقي في اثنى عشر رجلا

٤٨

فقتل على باب الشعب، وكان أخوه هذا خوّات بن جبير شيخاً كبيراً ضعيفاً، وكان صائماً مع رسول الله في الخندق، فجاء إلى أهله حين أمسى فقال عندكم طعام؟ فقالوا: لا تنم حتّى نصنع لك طعاماً فأبطأت عليه أهله بالطعام فنام قبل أن يفطر، فلمّا انتبه قال لأهله: قد حرم علىّ الأكل في هذه الليلة فلمّا أصبح حضر حفر الخندق فاُغمى عليه فرآه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرقّ له وكان قوم من الشبّان ينكحون باللّيل سرّاً في شهر رمضان فأنزل الله: اُحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم الآية، فأحلّ الله تبارك وتعالى النكاح بالليل من شهر رمضان، والأكل بعد النوم إلى طلوع الفجر لقوله: حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، قال: هو بياض النهار من سواد اللّيل.

اقول: وقوله: يعني إلى قوله: وكان رجل، من كلام الراوي، وهذا المعنى مرويّ بروايات اُخرى، رواها الكلينيّ والعيّاشيّ وغيرهما، وفي جميعها أنّ سبب نزول قوله: وكلوا واشربوا الخ إنّما هو قصّة خوّات بن جبير الأنصاري وأنّ سبب نزول قوله: اُحلّ لكم الخ، ماكان يفعله الشبّان من المسلمين.

وفي الدرّ المنثور عن عدّة من أصحاب التفسير والرواية عن البراء بن عازب قال: كان أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا كان الرجل صائماً فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتّى يمسي وإنّ قيس بن صرمة الأنصاريّ كان صائماً فكان يومه ذاك يعمل في أرضه فلمّا حضر الإفطار أتى امرأته فقال: هل عندك طعام؟ قالت: لا ولكن انطلق فأطلب لك فغلبته عينه فنام وجائت امرأته فلمّا رأته نائماً قالت: خيبة لك، أنمت؟ فلمّا انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنزلت هذه الآية اُحلّ لكم ليلة الصيام الرفث، إلى قوله: من الفجر ففرحوا بها فرحاً شديداً.

اقول: وروي بطرق اُخر القصّة وفي بعضها أبو قبيس بن صرمة وفي بعضها صرمة بن مالك الأنصاريّ على اختلاف مّا في القصّة.

وفي الدرّ المنثور أيضاً: وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عبّاس: أنّ لمسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلّوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة،

٤٩

ثم إنّ ناساً من المسلمين أصابوا الطعام والنساء في رمضان بعد العشاء، منهم عمر بن الخطّاب فشكوا ذلك إلى رسول الله فأنزل الله اُحلّ لكم ليلة الصيام، إلى قوله: فالآن باشروهنّ يعني انكحوهنّ.

اقول: والروايات من طرقهم في هذا المعنى كثيرة وفي أكثرها اسم من عمر، وهي متّحدة في أنّ حكم النكاح باللّيل كحكم الأكل والشرب وأنّها جميعاً كانت محلّلة قبل النوم محرّمة بعده، وظاهر ما أوردناه من الرواية الاُولى أنّ النكاح كان محرّماً في شهر رمضان باللّيل والنهار جميعاً بخلاف الأكل والشرب فقد كانا محلّلين في أوّل الليل قبل النوم محرّمين بعده، وسياق الآية يساعده فإنّ النكاح لو كان مثل الأكل والشرب محللّا قبل النوم محرّماً بعده كان الواجب في اللّفظ أن يقيّد بالغاية كما صنع ذلك بقوله: كلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض الخ، وقد قال تعالى: اُحلّ لكم ليلة الصيام الرفث، ولم يأت بقيد يدلّ على الغاية، وكذا ما اشتمل عليه بعض الروايات: أنّ الخيانة ما كانت تختصّ بالنكاح بل كانوا يختانون في الأكل والشرب أيضاً لا يوافق ما يشعر به سياق الآية من وضع قوله: علم الله أنّكم كنتم تختانون أنفسكم (الخ)، قبل قوله: كلوا واشربوا.

وفي الدرّ المنثور أيضاً: أنّ رسول الله قال: الفجر فجران فأمّا الّذي كأنّه ذنب السرحان فإنّه لا يحلّ شيئاً ولا يحرّمه، وأمّا المستطيل الّذي يأخذ الاُفق فإنّه يحلّ الصلاة ويحرّم الطعام.

اقول: والروايات في هذا المعنى مستفيضة من طرق العامّة والخاصّة وكذا الروايات في الاعتكاف وحرمة الجماع فيه.

٥٠

( سورة البقرة آية ١٨٨)

وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ( ١٨٨)

( بيان)

قوله تعالى: ( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ ) ، المراد بالأكل الأخذ أو مطلق التصرّف مجازاً، والمصحّح لهذا الإطلاق المجازيّ كون الأكل أقرب الأفعال الطبيعيّة الّتي يحتاج الإنسان إلى فعلها وأقدمها فالإنسان أوّل ما ينشاء وجوده يدرك حاجته إلى التغذّي ثمّ ينتقل منه إلى غيره من الحوائج الطبيعيّة كاللّباس والمسكن والنكاح ونحو ذلك، فهو أوّل تصرّف يستشعر به من نفسه، ولذلك كان تسمية التصرّف والأخذ - وخاصّة في مورد الأموال - أكلاً لا يختصّ باللغة العربيّة بل يعمّ سائر اللغات.

والمال ما يتعلّق به الرغبات من الملك، كأنّه مأخوذ من الميل لكونه ممّا يميل إليه القلب، والبين هو الفصل الّذي يضاف إلى شيئين فأزيد، والباطل يقابل الحقّ الّذي هو الأمر الثابت بنحو من الثبوت.

وفي تقييد الحكم، أعني قوله: ولا تأكلوا أموالكم، بقوله: بينكم، دلالة على أنّ جميع الأموال لجميع الناس وإنّما قسّمه الله تعالى بينهم تقسيماً حقّاً بوضع قوانين عادلة تعدّل الملك تعديلاً حقّاً يقطع منابت الفساد لا يتعدّاه تصرّف من متصرّف إلّا كان باطلاً، فالآية كالشارحة لإطلاق قوله تعالى: خلق لكم ما في الأرض جميعاً وفي إضافته الأموال إلى الناس إمضاء منه لما استقرّ عليه بناء المجتمع الإنسانيّ من اعتبار أصل الملك واحترامه في الجملة من لدن استكن هذا النوع على بسيط الأرض على ما يذكره النقل والتاريخ، وقد ذكر هذا الأصل في القرآن بلفظ الملك والمال و

٥١

لام الملك والاستخلاف وغيرها في أزيد من مائة مورد ولا حاجة إلى إيرادها في هذا الموضع، وكذا بطريق الاستلزام في آيات تدلّ على تشريع البيع والتجارة ونحوهما في بضعة مواضع كقوله تعالى:( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ) البقره - ٢٧٥، وقوله تعالى:( لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ ) النساء - ٢٨، وقوله تعالى:( وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا ) التوبة - ٢٤، وغيرها، والسنّة المتواترة تؤيّده.

قوله تعالى: ( وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا ) ، الإدلاء هو إرسال الدلو في البئر لنزح الماء كنّي به عن مطلق تقريب المال إلى الحكّام ليحكموا كما يريده الراشي، وهو كناية لطيفة تشير إلى استبطان حكمهم المطلوب بالرشوة الممثّل لحال الماء الّذي في البئر بالنسبة إلى من يريده، والفريق هو القطعة المفروقة المعزولة من الشئ، والجملة معطوفة على قوله: تأكلوا، فالفعل مجزوم بالنهي، ويمكن أن يكون الواو بمعنى مع والفعل منصوباً بان المقدّرة، التقدير مع أن تأكلوا فتكون الآيه بجملتها كلاماً واحداً مسوقاً لغرض واحد، وهو النهي عن تصالح الراشي والمرتشي على أكل أموال الناس بوضعها بينهما وتقسيمها لأنفسهما بأخذ الحاكم ما اُدلى به منها إليه وأخذ الراشي فريقاً آخر منها بالإثم وهما يعلمان أنّ ذلك باطل غير حقّ.

( بحث روائي)

في الكافي عن الصادقعليه‌السلام في الآية: كانت تقامر الرجل بأهله وماله فنهاهم الله عن ذلك.

وفي الكافي أيضاً عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : قول الله عزّوجلّ في كتابه: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام، قال يا أبا بصير إنّ الله عزّوجلّ قد علم أنّ في الاُمّة حكّاماً يجورون، أمّا إنّه لم يعن حكّام أهل العدل ولكنّه عنى حكّام أهل الجور، يا أبا محمّد لو كان لك على رجل حقّ فدعوته إلى حكّام أهل العدل فأبى عليك إلّا أن يرافعك إلى حكّام أهل الجور ليقضوا له لكان ممّن يحاكم إلى الطاغوت وهو قول الله عزّوجلّ: ألم تر إلى الّذين يزعمون أنّهم آمنوا

٥٢

بما اُنزل إليك وما اُنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت.

وفي المجمع قال: روي عن أبي جعفرعليه‌السلام : يعني بالباطل اليمين الكاذبة يقطع بها الأموال.

اقول: وهذه مصاديق والآية مطلقة.

( بحث علمي اجتماعي)

كلّ ما بين أيدينا من الموجودات المكوّنة - ومنها النبات والحيوان والإنسان - فإنّه يتصرّف في الخارج عن دائرة وجوده ممّا يمكن أن ينتفع به في إبقاء وجوده لحفظ وجوده وبقائه، فلا خبر في الوجود عن موجود غير فعّال، ولا خبر عن فعل يفعله فاعله لا لنفع يعود إليه، فهذه أنواع النبات تفعّل ما تفعّل لتنتفع به لبقائها ونشؤها وتوليد مثلها، وكذلك أقسام الحيوان والإنسان تفعل ما تفعل لتنتفع به بوجه ولو انتفاعاً خياليّاً أو عقليّاً، فهذا ممّا لا شبهة فيه.

وهذه الفواعل التكوينيّة تدرك بالغريزة الطبيعيّة، والحيوان والإنسان بالشعور الغريزيّ أنّ التصرّف في المادّة لرفع الحاجة الطبيعيّة والانتفاع في حفظ الوجود والبقاء لا يتمّ للواحد منها إلّا مع الاختصاص بمعنى أنّ الفعل الواحد لا يقوم بفاعلين (فهذا حاصل الأمر وملاكه) ولذلك فالفاعل من الإنسان أوما ندرك ملاك أفعاله فإنّه يمنع عن المداخلة في أمره والتصرّف فيما يريد هو التصرّف فيه، وهذا أصل الاختصاص الّذي لا يتوقّف في اعتباره إنسان وهو معنى اللّام الّذي في قولنا لي هذا ولك ذلك، ولي أن أفعل كذا ولك أن تفعل كذا.

ويشهد به ما نشاهده من تنازع الحيوان فيما حازه من عشّ أو كنّ أو وكر أو ما أصطاده أو وجده، ممّا يتغذّى به أو ما ألفه من زوج ونحو ذلك، وما نشاهده من تشاجر الأطفال فيما حازوه من غذاء ونحوه حتّى الرضيع يشاجر الرضيع على الثدي، ثمّ إنّ ورود الإنسان في ساحة الاجتماع بحكم فطرته وقضاء غريزته لا يستحكم به إلّا ما أدركه بأصل الفطرة إجمالاً، ولا يوجب إلّا إصلاح ما كان وضعه أوّلاً وترتيبه

٥٣

وتعظيمه في صورة النواميس الإجتماعيّة الدائرة، وعند ذلك يتنوّع الاختصاص الإجماليّ المذكور أنواعاً متفرّقه ذوات أسام مختلفه فيسمّى الاختصاص الماليّ بالملك وغيره بالحقّ وغير ذلك.

وهم وإن أمكن أن يختلفوا في تحقّق الملك من جهة أسبابه كالوراثة والبيع والشراء والغصب بقوّة السلطان وغير ذلك، أو من جهة الموضوع الّذي هو المالك كالإنسان الّذي هو بالغ أو صغير أو عاقل أو سفيه أو فرد أو جماعة إلى غير ذلك من الجهات، فيزيدوا في بعض، وينقصوا من بعض، ويثبتوا لبعض وينفوا عن بعض، لكنّ أصل الملك في الجملة ممّا لا مناص لهم عن اعتباره، ولذلك نرى أنّ المخالفين للملك يسلبونه عن الفرد وينقلونه إلى المجتمع أو الدولة الحاكمة عليهم وهم مع ذلك غير قادرين على سلبه عن الفرد من أصله ولن يقدروا على ذلك فالحكم فطريّ، وفي بطلان الفطرة فناء الإنسان.

وسنبحث في ما يتعلّق بهذا الأصل الثابت من حيث أسبابه كالتجارة والربح والإرث والغنيمة والحيازة ومن حيث الموضوع كالبالغ والصغير وغيرهما في موارد يناسب ذلك إنشاء الله العزيز.

٥٤

( سورة البقرة آية ١٨٩)

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ( ١٨٩ )

( بيان)

قوله تعالى: ( يَسْأَلُونَكَ - إلى قوله -وَالْحَجِّ ) ، الأهلّة جمع هلال ويسمّى القمر هلالاً أوّل الشهر القمريّ إذا خرج من تحت شعاع الشمس اللّيلة الاُولى والثانية كما قيل، وقال بعضهم اللّيالي الثلاث الاُول، وقال بعضهم حتّى يتحّجر، والتحجّر أن يستدير بخطّة دقيقة، وقال بعضهم: حتّى يبهر نوره ظلمة اللّيل وذلك في اللّيلة السابعة ثمّ يسمّى قمراً ويسمّى في الرابعة عشر بدراً، واسمه العامّ عند العرب الزبرقان.

والهلال مأخوذ من استهلّ الصبيّ إذا بكى عند الولادة أو صاح، ومن قولهم: أهلّ القوم بالحجّ إذا رفعوا أصواتهم بالتلبية، سمّي به لأنّ الناس يهلّون بذكره إذا رأوه. والمواقيت جمع ميقات وهو الوقت المضروب للفعل، ويطلق أيضاً: على المكان المعيّن للفعل كميقات أهل الشام وميقات أهل اليمن، والمراد ههنا الأوّل.

وفي قوله تعالى: يسئلونك عن الأهلّة، وإن لم يشرح أنّ السؤال في أمرها عمّاذا؟ أعني حقيقة القمر وسبب تشكّلاتها المختلفة في صورالهلال والقمر والبدر كما قيل، أو عن حقيقة الهلال فقط، الظاهر بعد المحاق في أوّل الشهر القمريّ كما ذكره بعضهم أو عن غير ذلك.

ولكن إتيان الهلال في السؤال بصورة الجمع حيث قيل: يسئلونك عن الأهلّة

٥٥

دليل على أنّ السؤال لم يكن عن ماهيّة القمر واختلاف تشكّلاته إذ لو كان كذلك لكان الأنسب أن يقال: يسئلونك عن القمر لا عن الأهلّة وأيضاً لو كان السؤال عن حقيقة الهلال وسبب تشكّله الخاصّ كان الأنسب أن يقال: يسئلونك عن الهلال إذ لا غرض حينئذ يتعلّق بالجمع، ففي إتيان الأهلّة بصيغة الجمع دلالة على أنّ السؤال إنّما كان عن السبب أو الفائدة في ظهور القمر هلالاً بعد هلال ورسمه الشهور القمريّة وعبّر عن ذلك بالأهلّة لأنّها هي المحقّقة لذلك فاُجيب بالفائدة.

ويستفاد ذلك من خصوص الجواب: قل هي مواقيت للناس والحجّ، فإنّ المواقيت وهي الأزمان المضروبة للأفعال، والأعمال إنّما هي الشهور دون الأهلّة الّتي ليست بأزمنة وإنّما هي أشكال وصور في القمر.

وبالجملة قد تحصّل أنّ الغرض في السؤال إنّما كان متعلّقاً بشأن الشهور القمريّة من حيث السبب أو الفائدة فاُجيب ببيان الفائدة وأنّها أزمان وأوقات مضروبة للناس في اُمور معاشهم ومعادهم فإنّ الإنسان لا بدّ له من حيث الخلقة من أن يقدّر أفعاله وأعماله الّتي جميعها من سنخ الحركة بالزمان، ولازم ذلك أن يتقطّع الزمان الممتدّ الّذي ينطبق عليه اُمورهم قطعاً صغاراً وكباراً مثل الليل والنهار واليوم والشهر والفصول والسنين بالعناية الإلهيّة الّتي تدبّر اُمور خلقه وتهديهم إلى صلاح حياتهم، والتقطيع الظاهر الّذي يستفيد منه العالم والجاهل والبدويّ والحضريّ ويسهل حفظه على الجميع إنّما هو تقطيع الأيّام بالشهور القمريّة الّتي يدركه كلّ صحيح الإدراك مستقيم الحواسّ من الناس دون الشهور الشمسيّة الّتي ما تنبّه لشأنها ولم ينل دقيق حسابها الإنسان إلّا بعد قرون وأحقاب من بدء حياته في الأرض وهو مع ذلك ليس في وسع جميع الناس دائماً.

فالشهور القمريّة أوقات مضروبة معيّنة للناس في اُمور دينهم ودنياهم وللحجّ خاصّة فإنّه أشهر معلومات، وكأنّ اختصاص الحجّ بالذكر ثانياً تمهيد لما سيذكر في الآيات التالية من اختصاصه ببعض الشهور.

قوله تعالى: ( وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا - إلى قوله -مِنْ أَبْوَابِهَا ) ،

٥٦

ثبت بالنقل أنّ جماعة من العرب الجاهليّ كانوا إذا أحرموا للحجّ لم يدخلوا بيوتهم عند الحاجة من الباب بل اتّخذوا نقباً من ظهورها ودخلوا منه فنهى عن ذلك الإسلام وأمرهم بدخول البيوت من أبوابها، ونزول الآية يقبل الانطباق على هذا الشأن، وبذلك يصحّ الاعتماد على ما نقل من شأن نزول الآية على ما سيأتي نقله.

ولولا ذلك لأمكن أن يقال: إنّ قوله: وليس البرّ إلى آخره، كناية عن النهي عن امتثال الأوامر الإلهيّة والعمل بالأحكام المشرّعة في الدين إلّا على الوجه الّذي شرّعت عليه، فلا يجوز الحجّ في غير أشهره، ولا الصيام في غير شهر رمضان وهكذا وكانت الجملة على هذا متمّماً لأوّل الآية، وكان المعنى: أنّ هذه الشهور أوقات مضروبة لأعمال شرّعت فيها ولايجوز التعدّي بها عنها إلى غيرها كالحجّ في غير أشهره، والصوم في غير شهر رمضان وهكذا فكانت الآية مشتملة على بيان حكم واحد.

وعلى التقدير الأوّل الّذي يؤيّده النقل فنفى البرّ عن إتيان البيوت من ظهورها يدلّ على أنّ العمل المذكور لم يكن ممّا أمضاه الدين وإلّا لم يكن معنى لنفى كونه برّاً فإنّما كان ذلك عادة سيّئة جاهليّة فنفى الله تعالى كونه من البرّ، وأثبت أنّ البرّ هو التقوي، وكان الظاهر أن يقال: ولكنّ البرّ هو التقوي، وإنّما عدل إلى قوله: ولكنّ البرّ من اتّقى، إشعاراً بأنّ الكمال إنّما هو في الاتّصاف بالتقوى وهو المقصود دون المفهوم الخالي كما مرّ نظيره في قوله تعالى: ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن الآية.

والأمر في قوله تعالى: وأتوا البيوت من أبوابها، ليس أمراً مولويّاً وإنّما هو إرشاد إلى حسن إتيان البيوت من أبوابها لما فيه من الجرى على العادة المألوفة المستحسنة الموافقة للغرض العقلائيّ في بناء البيوت ووضع الباب مدخلاً ومخرجاً فيها، فإنّ الكلام واقع موقع الردع عن عادة سيّئة لا وجه لها إلّا خرق العادة الجارية الموافقة للغرض العقلائيّ، فلا يدلّ على أزيد من الهداية إلى طريق الصواب من غير إيجاب، نعم الدخول من غير الباب بمقصد أنّه من الدين بدعة محرّمة.

قوله تعالى: ( وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ، قد عرفت في أوّل السورة أنّ التقوى

٥٧

من الصفات الّتي يجامع جميع مراتب الإيمان ومقامات الكمال، ومن المعلوم أنّ جميع المقامات لا يستوجب الفلاح والسعادة كما يستوجبه المقامات الأخيرة الّتي تنفي عن صاحبها الشرك والضلال وإنّما تهدي إلى الفلاح وتبشّر بالسعادة، ولذلك قال تعالى: واتّقوا الله لعلّكم تفلحون، فأتى بكلمة الترجّي، ويمكن أن يكون المراد بالتقوى امتثال هذا الأمر الخاصّ الموجود في الآية وترك ما ذمّه من إتيان البيوت من ظهورها.

( بحث روائي)

في الدرّ المنثور أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس قال: سأل الناس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الأهلّة فنزلت هذه الآية يسئلونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للناس يعلمون بها أجل دينهم وعدّة نسائهم ووقت حجّهم.

أقول: وروى هذا المعنى فيه بطرق اُخر عن أبي العالية وقتادة وغيرهما، وروي أيضاً أنّ بعضهم سأل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن حالات القمرالمختلفة فنزلت الآية. وهذا هو الّذي ذكرنا آنفاً أنّه مخالف لظاهر الآية فلا عبرة به.

وفي الدرّ المنثور أيضاً: أخرج وكيع، والبخاريّ، وابن جرير عن البراء: كانوا إذا أحرموا في الجاهليّة دخلوا البيت من ظهره فأنزل الله: وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقى وأتوا البيوت من أبوابها.

وفي الدرّ المنثور أيضاً أخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصحّحه عن جابر قال: كانت قريش تدعى الحمس وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من باب في الإحرام فبينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بستان إذ خرج من بابه وخرج معه قطبة بن عامر الأنصاريّ فقالوا: يا رسول الله إنّ قطبة بن عامر رجل فاجر و إنّه خرج معك من الباب فقال له: ما حملك على ما فعلت قال: رأيتك فعلته ففعلته كما فعلت قال: إنّي رجل أحمس قال: فإنّ ديني دينك فأنزل الله ليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها.

اقول: وقد روي قريباً من هذا المعنى بطرق اُخرى، والحمس جمع أحمس

٥٨

كحمر وأحمر من الحماسة وهي الشدّة سمّيت به قريش لشدّتهم في أمر دينهم أو لصلابتهم وشدّة باسهم.

وظاهر الرواية أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد أمضى قبل الواقعة الدخول من ظهور البيوت لغير قريش ولذا عاتبه بقوله: ما حملك على ما صنعت الخ، وعلى هذا فتكون الآية من الآيات الناسخة، وهي تنسخ حكماً مشرّعاً من غير آية هذا، ولكنّك قد عرفت أنّ الآية تنافيه حيث تقول: ليس البرّ بأن تأتوا، وحاشا الله سبحانه أن يشرّع هو أو رسوله بأمره حكماً من الأحكام ثمّ يذمّه أو يقبحّه وينسخه بعد ذلك وهو ظاهر.

وفي محاسن البرقيّ عن الباقرعليه‌السلام في قوله تعالى: وأتوا البيوت من أبوابها قال: يعني أن يأتي الأمر من وجهه أيّ الاُمور كان.

وفي الكافي عن الصادقعليه‌السلام : الأوصياء هم أبواب الله الّتي منها يؤتي ولولاهم ما عرف الله عزّوجلّ وبهم احتجّ الله تبارك وتعالى على خلقه.

أقول: الرواية من الجرى وبيان لمصداق من مصاديق الآية بالمعنى الّذي فسّرت به في الرواية الاُولى، ولا شكّ أنّ الآية بحسب المعنى عامّة وإن كانت بحسب مورد النزول خاصّة، وقولهعليه‌السلام ولولاهم ما عرف الله، يعني البيان الحقّ والدعوة التامّة الّذين معهم، وله معنى آخر أدقّ لعلّنا نشير إليه فيما سيأتي إنشاء الله والروايات في معنى الروايتين كثيرة.

٥٩

( سورة البقرة آية ١٩٠ - ١٩٥)

وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ( ١٩٠ ) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ( ١٩١ ) فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( ١٩٢ ) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ( ١٩٣ ) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ( ١٩٤ ) وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ( ١٩٥ )

( بيان)

سياق الآيات الشريفة يدلّ على أنّها نازلة دفعة واحدة، وقد سيق الكلام فيها لبيان غرض واحد وهو تشريع القتال لأوّل مرّة مع مشركي مكّة، فإنّ فيها تعرّضاً لإخراجهم من حيث أخرجوا المؤمنين، وللفتنة، وللقصاص، والنهي عن مقاتلتهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوا عنده، وكلّ ذلك اُمور مربوطة بمشركي مكّة، على أنّه تعالى قيّد القتال بالقتال في قوله: وقاتلوا في سبيل الله الّذين يقاتلونكم، وليس معناه الاشتراط أي قاتلوهم إن قاتلوكم وهو ظاهر، ولا قيداً احترازيّاً، والمعنى قاتلوا الرجال دون النساء والولدان الّذين لا يقاتلونكم كما ذكره بعضهم، إذ لا معنى لقتال من لا يقدر على القتال حتّى ينهى عن مقاتلته، ويقال: لا تقاتله بل إنّما الصحيح النهى عن قتله دون قتاله.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

هل كان صعباً تطبيق قواعد الإسلام في الحياة اليومية؟

كنت أتقصّد التفريق بين الممارسات الإسلامية والثقافة الإسلامية وذلك ما كان يختلط على الناس. «كوني أوروبية، اعتناقي الإسلام لا يعني بالضرورة ارتدائي العباءة في لندن» فالعباءة هي زي ثقافي ولكن اللباس الفضفاض هو المطلوب في الإسلام وليس الأمر محصوراً بارتداء العباءة. فأنا أصلّي، أدفع الصدقات والخمس، أمتنع كلياً عن شرب الكحول والمحرّمات ولكن ليس المطلوب مني أن ألبس العباءة مع أنني أمتلك واحدة أستمتع بارتدائها في المنزل. ولكن بطبيعة الحال، أثناء تواجدي في أوروبا - أرتدي الزي الأوروبي مع مراعاة الحجاب.

فأنا أرى الكثير من الممارسات والقيم الإسلامية في أوروبا كاحترام حقوق الإنسان والحفاظ على النظافة والبيئة وهذه القيم الإسلامية وللأسف مفقودة اليوم عند أغلبية المجتمعات الإسلامية. وهذا بالذات ما عناه المستشرق محمد أسد عندما قال: «تستطيع أن ترى الكثير من الإسلام في أوروبا والقليل من المسلمين، والكثير من المسلمين في الشرق ولكن القليل من الإسلام الحقيقي».

ما هي التحديات التي يفرضها تخلي المرء عن ديانته الأولى واعتناقه لديانة أخرى؟

إنّ التحول إلى الإسلام له تحدياته، خصوصاً على صعيد وجود بيئة مماثلة للتعايش معها. فمثلاً من الصعوبات التي تطرح: وجود زوج لائق لامرأة اعتنقت الإسلام، حيث تصبح الواحدة منا عالقة بين عالمين. فأنا شخصياً امرأة مطلَّقة وأعاني أحياناً من لسعة الوحدة.كذلك المسلمون يتحمسون كثيراً لاعتناق الآخرين لديانتهم ولكنني دائماً أقول، ماذا عن البيئة الحاضنة فيما بعد؟ حيث يبدأ العمل الحقيقي عندها. فهم يشجعون الناس على اعتناق الإسلام ومن ثم يتركونهم وحدهم لمصيرهم. أنا محظوظة ربما بإنشاء شبكة من الصداقات. ولكن كم مرّ علي من الأعياد لم أستطع الإحتفال بها كوني كنت وحيدة. فالعيد كان بالنسبة إليّ أداء الصلاة ومن ثم متابعة اليوم بشكل عادي للأسف.

ولكنني أجد إيجابية في ذلك أحياناً، عندما ينتهي بي الأمر في الأعياد بالعشاء مع أحد الذين اعتنقوا الإسلام كذلك ولا يجد من يعيّد معه.

٣٠١

فالعزلة هي ما يترتب علينا عند اعتناقنا مذهباً ما وتخلينا عن مذهب آخر، ففي عيد الميلاد، لا أكون فرداً مرحّباً به في عائلتي كوني اخترت سلوك طريق آخر. وفي شهر رمضان أجد نفسي وحيدة حيث لا يوجد من يتسحّر معي أو يتناول معي الإفطار إلا إن دعاني أحدهم. ولكنّ العزاء دائماً أنّ الله بصحبتي وهو خير صاحب.

وإن كان الإيمان بالله هو الذي يجعلني أقاوم تلك التحديات ولكنني سمعت عن كثيرين اعتنقوا الإسلام حديثاً قد عادوا وانكفؤوا عن ذلك بسبب عدم وجود الدعم المعنوي الكافي من المجتمع الإسلامي المحيط. ومنذ فترة التقيت بامرأة كانت قد اعتنقت الإسلام لفترة عشر سنوات ولكنها عادت لتصبح اليوم وزيرة مسيحية مجدداً.

أخيراً ما الرسالة التي وجهتها إلى الناس من خلال كتابك؟

لقد وجهت رسالة من خلال كتابي إلى الناس الذين يتعلقون اليوم بالمظاهر المادية للحياة. الكثير من الشبان يحلمون بما كنت أمتلكه في الـ «أم تي ڤي» من تسلية ومعارف وشهرة وثقافة.. كنت أمتلك كل ذلك ويمكنني القول بأنّني لم أكن أشعر بالسعادة ولا أفكّر أبداً باسترجاع حياتي السابقة. ذلك الفراغ الذي كنت أحسّ به قبل اعتناقي للإسلام امتلأ اليوم من خلال وجود هدف لحياتي وعلاقة مميزة مع الله وحلم بالجنة.

وتختم بايكر بالقول: أكثر ما يقلقني اليوم هو أنّ غالبية سكان بريطانيا يبنون معارفهم عن الإسلام من خلال ما تمليه عليهم وسائل الإعلام. فالناس هنا لا يذهبون إلى المكتبات ويشترون الكتب ليتعرفوا على الإسلام، بل يكتفون بقراءة الدايلي مايل أو مشاهدة التلفاز لتكوين رأيهم عن الإسلام. كل ما ينقصنا هو التعليم والتثقيف. ولذلك أنا دائماً جاهزة لإجراء المقابلات، لكي أتكلم وأشرح أكثر عن الإسلام. فمثلاً عندما تتصل صحيفة الصن بأحدهم لإجراء حوار، يمتنع عن القبول، ولكنني أفعل لأنّ إلقاء قطرة واحدة من الحقيقة في ذلك المحيط الشاسع يمكن أن يكون له أثر».

٣٠٢

بايكر اليوم تبقي نفسها منشغلة بتحسين صورة الإسلام في بريطانيا. وكانت واحدة من الذين نظموا حملة «ألهمني الرسول محمد (ص)» في لندن التي هدفت إلى تقديم صورة مشرقة عن الإسلام من خلال ملصقات يتم وضعها في مواقف الحافلات وعلى سيارات الأجرة وكانت صورتها ظهرت على إحدى الملصقات وقد كتب تحتها «أؤمن بحماية البيئة وكذلك الرسول محمد (ص)». وقد تلقّت وسائل الإعلام تلك الحملة بالقبول. وفي الآونة الأخيرة أجرت معها شبكة البي بي سي لقاءً حول الفيلم المسيء للإسلام «براءة المسلمين».

الأخ يحيى

انطباعات من مسلم جديد

القرآن: الوحي الأخير

استدركت ضرورة وحتمية بعث نبي جديد بعد النبي عيسى (ع) نتيجة الابتكارات المنسوبة إلى الوحي الإلهي فكانت الحاجة لنبي آخر بعد عيسى (ع) مع وحي آخر بعد الإنجيل. لهذا بعث الله محمداً (ص) مع آخر رسالة، (أي القرآن)، لإعادة كل البشرية إلى الإيمان وعبادة إله واحد هو الله، دون شركاء أو وسطاء. وفقاً للمسلمين، القرآن الكريم، مصدر دائم لهداية الناس، وقد قدم توضيحاً عقلانياً للدور التاريخي الرائع للنبي عيسى (ع)، فقد ورد اسم (عيسى) خمساً وعشرين مرة في القرآن الكريم الذي يتضمن سورة اسمها مريم تيمناً باسم والدة نبي الله عيسى: السيدة مريم بنت عمران (عليها السلام).

فالحتمية الإلهية لنزول وحي جديد، وجدتها في الآيات القرآنية التالية التي أقنعتني جدا:) وَمَا کَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ یُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَکِنْ تَصْدِیقَ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ وَتَفْصِیلَ الْکِتَابِ لا رَیْبَ فِیهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِینَ ﴿37﴾﴾ [يونس: 37]، و﴿ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْیَقِینِ ﴿51﴾ ﴾ [الحاقة: 51]. تزامناً، كنت أشعر بالقلق خوفاً من حصول تحريف في القرآن الكريم لأنها كانت مشكلة كبيرة مع الكتب السماوية السابقة. فقرأت بأن القرآن لن يتغير أو لن يتم إلغاؤه:﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿9﴾ ﴾ [الحجر: 9].

٣٠٣

وعرفت لاحقاً أن بعض الظواهر العلمية مذكورة في القرآن، وهذا ما يؤكد مصداقية الاعتقاد بأن القرآن هو كلام الله. فهناك آيات تصف تكوين الجنين داخل رحم أمه، وتكوين الجبال، وأصل الكون، والمخ، والبحار، والأمواج والسحب. إنه فوق استيعاب أي شخص أن يتصور أنّ هذه الحقائق كانت مكتشفة منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، ذلك أنه تم الكشف عن هذه الحقائق وتم تأكيدها في الآونة الأخيرة بواسطة علميات أُجريت بآليات متطورة.

الإسلام: جوهر وذروة الأديان السماوية

يعتقد المسلمون أن الغرض الأساسي لخلق الجنس البشري هو عبادة الله. كما قال في القرآن الكريم،﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ﴿56﴾ ﴾ [الذاريات: 56] وبحسب عالم إسلامي معروف في الغرب فإن «النظام الأكثر اكتمالا من العبادة المتاحة للإنسان اليوم هو النظام الموجود في دين الإسلام، وكلمة «الإسلام» تعني «التسليم والخضوع لإرادة الله (عزّ وجل)»، على الرغم من أنه يشارالى الإسلام عادة باسم ثالث الديانات التوحيدية الثلاث، فإنه ليس ديناً جديداً على الإطلاق. إنه دين جاء به جميع أنبياء الله للبشرية. فالإسلام هو دين آدم وإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام).

ويضيف العالم «بما أن الله واحد، والبشر هو نوع واحد، فبالنتيجة الدين الذي سيبعثه الله للناس هو دين موحد، فالحاجات الروحية والاجتماعية البشرية هي ذاتها والطبيعة البشرية لم تتغير منذ تم إنشاء أول رجل وامرأة

وبما أن رسالة الله كانت دائما هي نفسها، أدركت أنه من واجب جميع البشر البحث عن الحقيقة في التدين وليس مجرد القبول والاتباع الأعمى للدين الذي يتولاه مجتمعهم أو الوالدين، وفقاً للقرآن،﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّیْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُکُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُکْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِیَّاهُ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ ﴿40﴾ ﴾ [يوسف: 40].

٣٠٤

وفيما يتعلق بالفطرة، قال النبي محمد (ص)، ما معناه كل مولود يولد على الفطرة لكن والديه يحولانه إلى اليهودية أو المسيحية أو المجوسية. وعلاوة على ذلك، قال الله تعالى:﴿ فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ ﴿30﴾ ﴾ [الروم: 30].

كذلك، تعلمت أنه لا يوجد دين آخر مقبول عند الله الى جانب الإسلام، كما قال بوضوح في القرآن الكريم:﴿ وَمَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الإسْلامِ دِینًا فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِی الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِینَ ﴿85﴾ ﴾ [آل عمران: 85].

فاستنتجت أن الانسان قد يهمل هدى الله ويقيم لنفسه معايير خاصة للمعيشة. ولكن في نهاية المطاف، سوف يكتشف أنه لم يكن يتبع إلا سراباً.

عابر

واصلت قراءة القرآن والتعرف على أقوال وأفعال النبي محمد (ص)، فلاحظت أن الإسلام يرى الإنسان (العبد) كرجل عابر لهذه الحياة، والآخرة هي الدار المقر.

فنحن هنا لفترة قصيرة، ولا يمكن أن نأخذ أي شيء معنا من هذه الحياة إلا إيماننا بالله وأفعالنا الحسنة. وبالتالي، ينبغي أن نكون مثل المسافر الذي يمر عبر الأراضي فقط ولا يأخذ أي شيء منها.يجب علينا أن نفهم أن معنى أن نكون على قيد الحياة هو أن نكون تحت اختبارات متواصلة. فهناك المعاناة والفرح والألم والغبطة. هذه الاختبارات من الخير والشر هدفها بلورة الصفات الروحية العليا فينا. نحن غير قادرين على الاستفادة من هذه التجارب إلا إذا بذلنا قصارى جهدنا، بحيث يكون لدينا ثقة كاملة بالله وتقبل ما يقدر الله لنا بصبر.

٣٠٥

الطريق إلى الجنة

كان لا بد من معرفة المزيد عن الجنة إذ إنها بالتأكيد الهدف النهائي الذي يسعى إليه كل فرد، يقول الله،﴿إِنَّمَا یُؤْمِنُ بِآیَاتِنَا الَّذِینَ إِذَا ذُکِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا یَسْتَکْبِرُونَ ﴿15﴾ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنْفِقُونَ ﴿16﴾ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِیَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْیُنٍ جَزَاءً بِمَا کَانُوا یَعْمَلُونَ ﴿17﴾ ﴾ [السجدة: 17] فصرت على بينة أن سروري غداً هو أبعد من كل خيال، إذ سأعيش هذا الفرح العارم في ظل الخالق.

كنت أتساءل أي النفوس تستحق هذه المكافأة؟ هذا الثواب أعظم من أن يكون له ثمن. قيل لي أن الثمن هو الايمان الحقيقي بالله والطاعة له ولنبيه محمد (ص) وآل بيته (عليهم السلام).

أدركت أن البشرية يجب أن تعبد الله لتحقيق البر والوضع الروحي اللازم لدخول الجنة.هذا يعني أنه على البشر الفهم أن العبادة لا غنى عنها كما الأكل والتنفس وليست مجرد معروف يقومون به تجاه الله.لذلك نحن بحاجة لقراءة القرآن لمعرفة أي نوع من الناس يريدنا الله أن نكون ونحاول أن نصبح على هذا النحو. إذاً هذا هو الطريق إلى الجنة.

التغلب على عقبة:

في هذه المرحلة، شعرت بأنني 80٪ أريد أن أصبح مسلماً، ولكن ما كان يدفعني إلى الخلف أنني كنت قلقاً من ردّة فعل عائلتي وأصدقائي لو علموا بأنني أصبحت مسلماً.

فأعربت عن قلقي لأخ مسلم فقال لي أنه في يوم القيامة، لا أحد سيكون قادراً على مساعدتك، لا والدك، ولا والدتك أو أي من أصدقائك. لذلك، إذا كنت تعتقد أن الإسلام هو الدين الحق، يجب أن تتقبله وتعيش حياتك لإرضاء واحد أحد هو الذي خلقك، وهو الله.

وهكذا، أصبح جلياً بالنسبة لي أننا جميعا في قارب واحد؛ وأن كل نفس ذائقة الموت ثم سنكون جميعاً مسؤولين عن معتقداتنا وعن أفعالنا أمام الله.

٣٠٦

شريط فيديو ذو مغزى:

في هذه المرحلة من بحثي عن الحقيقة، كنت على وشك اعتناق الاسلام. شاهدت محاضرة إسلامية على شريط فيديو حول الغرض من الحياة. وكان الموضوع الرئيسي لهذه المحاضرة أن الغرض من الحياة يمكن تلخيصه في كلمة واحدة، هي الإسلام (التسليم لإرادة الله).

على عكس الأديان أو المعتقدات الأخرى، فإن مصطلح «الإسلام» لا يرتبط بأي شخص أو مكان معين. قد أسمى الله الدين في الآية القرآنية التالية:﴿ إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ ﴾ [آل عمران: 19] فأي شخص يعتنق الإسلام يسمى مسلماً بغض النظر عن عرق ذلك الشخص أو جنسه أو جنسيته. هذا هو واحد من الأسباب التي تجعل الإسلام دينآً عالمياً.

قبل بحثي عن الحقيقة، لم أنظر بجدية إلى الإسلام كخيار بسبب الصورة السلبية المستمرة عن المسلمين في وسائل الإعلام. وقد أظهر مقطع من شريط الفيديو كيف أن المسلمين وعلى الرغم من تميز الإسلام بالمعاييرالأخلاقية العالية، ليسوا جميعاً متمسكين بهذه المعايير.و يمكن قول الشيء نفسه عن أتباع الديانات الأخرى.

فهمت أخيراً أننا لا نستطيع أن نحكم على الديانات من خلال تصرفات أتباعها وحدها، كما فعلت، لأن عامة البشر غير معصومين. على هذا الحساب، لا ينبغي لنا أن نحكم على الإسلام من تصرفات أنصاره، ولكن عن طريق الوحي (القرآن الكريم) وسنة النبي محمد (ص) وأهل بيته (عليهم السلام).

النقطة الأخيرة التي التقطتها هي أهمية الامتنان لله. فالله يذكر في القرآن أنه ينبغي لنا أن نكون ممتنين لحقيقة أنه خلقنا:﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَکُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِکُمْ لا تَعْلَمُونَ شَیْئًا وَجَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ ﴿78﴾ ﴾ [النحل: 78].

٣٠٧

الحقيقة تكشف عن نفسها:

بمجرد انتهاء العرض،اختبرت كشف النقاب عن روحي، شعرت أنّ عبئاً كبيراً من الخطايا زال عن كتفي. وعلاوة على ذلك، شعرت بنفسي كأنني أرتفع عن الأرض وأحلّق، رافضاً المسرات المؤقتة في هذا العالم من أجل الأفراح الأبدية في الآخرة.

هذه التجربة، إلى جانب عملية طويلة من التفكير، حلت أحجية «الغرض من الحياة». وكشفت أن الإسلام هو الحقيقة، وبالتالي كان علي تحديد هدفي من الحياة، ومعتقدي، اتجاهي وأفعالي.

فدخلت بوابة الإسلام بالإعلان عن نية الإيمان بالقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.

أُبلغت بأن هذه الشهادة تؤكد الاعتقاد بجميع الأنبياء والمرسلين من الله، جنباً إلى جنب وبالتالي فإن كل رسول ونبي هو تحديث واستكمال لدين واحد حتى وصلنا إلى آخر الأنبياء محمد (ص) وإلى الوحي النهائي من الله [القرآن].

انطباعات من مسلم جديد:

أثناء بحثي عن الحقيقة، الدرس الذي تخطى جميع الدروس، هو أن كل المعبودات الأخرى ما عدا الله هي مجرد أوهام.

فالإذعان لإرادة الله أشعرني بالسلام مع الخالق، مع الآخرين، وأخيراً، مع نفسي. ونتيجة لذلك، بت أشعر بالامتنان جداً، وهذا من رحمة الله، الذي أنقذني من أعماق الجهل وصعد بي إلى نور الحقيقة.

الإسلام، الدين الحق في جميع الأوقات والأماكن ولكل الشعوب، هو رمز كامل للحياة إذ يوجّه الإنسان لتحقيق الغرض من وجوده على الأرض، ويعد له اليوم الذي سيعود فيه الى خالقه.

اتباع هذا المسار بطريقة ورعة تمكن الواحد منا من اكتساب رضوان الله فنكون أقرب إليه وسط المسرات التي لا نهاية لها من الجنة والخلاص من عذاب جهنم. مكافأة إضافية بأن تكون حياتنا الحالية أسعد بكثير عندما نتخذ مثل هذا الخيار.

٣٠٨

التمتع بالضلالة:

وقد أعطى اعتناق الاسلام لي أكثر من نظرة ثاقبة في الطبيعة الوهمية لهذه الحياة. على سبيل المثال، إحدى الركائز الأساسية للإسلام هي تحرير الإنسان. فعندما يطلق مسلم على نفسه اسم «عبد الله»، ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على التحرر من العبودية لجميع الأشكال الأخرى، وعلى الرغم من أن الإنسان المعاصر قد يظن أنه متحرر، وهو في الحقيقة عبد لرغباته. مخدوع ومضلل من هذه الحياة الدنيوية. يقول الله تعالى:﴿ أَرَ‌أَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴿43﴾ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَ‌هُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 43، 44].

لذلك يجب علينا ألا ندع حماسنا للاستمتاع بمتع هذه الحياة الزائلة يعرِّض فرصة الاستمتاع بملذات الجنة للخطر. كما يقول الله في القرآن:﴿ زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِینَ وَالْقَنَاطِیرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَیْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِکَ مَتَاعُ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴿14﴾ قُلْ أَؤُنَبِّئُکُمْ بِخَیْرٍ مِنْ ذَلِکُمْ لِلَّذِینَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِینَ فِیهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِیرٌ بِالْعِبَادِ ﴿15﴾ ﴾ [آل عمران: 14، 15].

ولذلك، فإن المنافسة الحقيقية في هذه الحياة ليست على تراكم الثروة أو الرغبة في الشهرة، بل بالقيام بالاعمال الصالحة لإرضاء الله، مع الاحتفاظ بالجزء القانوني من التمتع في هذه الحياة.

الطريق الصحيح إلى الله:

هناك العديد من البدائل الدينية المتاحة للإنسان، والأمر متروك له لاختيار أي ديانة يرغب في اتباعها. إنَّه أشبه بالتاجر مع العديد من السلع أمامه، وهو الذي يختار أي سلعة ليتاجر بها. من الواضح أنّه سوف يختار ما يعتقد أنّه الأكثر ربحاً. ومع ذلك، فإن التاجر يبقى غير متأكد وغير ضامن للربح؛ حيث يمكن أن يكسب اليوم ويمكن أن يخسر غداً كل شيء.

في المقابل، فإن المؤمن في وحدانية تسليمه لله، يكون متأكداً تماماً أنّه إذا كان يتبع طريق الهداية [القرآن وسنة النبي محمد (ص)، وآل بيته (عليهم السلام)] سيكون بلا شك مصيره النجاح والثواب في نهاية هذا الطريق، ولحسن الحظ، يبدأ هذا النجاح أيضاً في بداية اختيار هذا المسار.

٣٠٩

أنا مسلمة جديدة...

رقية وارث مقصود

ليس من أمر أسهل من اعتناق الإِسلام - لحظة يدرك الإنسان أن الله حق وأن الله موجود حقاً ويقر بأن النبي العربي محمد (ص) هو حقاً خاتم رسل الله ضمن سلسلة الأنبياء الآخرين المذكورين في الإنجيل يكون قد خطى فعلياً الخطوة الأولى.

تسمى لحظة الإشراق هذه التقوى والإحسان. فجأة تدرك أن الله يراك ويعرفك وإن كنت لا تعرفه ولا تراه.

الخطوة الثانية في مسيرة اعتناق الإِسلام هي التعبير وبوضوح عن لحظة الإيمان هذه - أي نطق الشهادة: «أشهد» لتتوالى الخطوات طوال حياتك.

كيف أعيش كمسلمة:

أن تصبح جزءاً من الجالية المسلمة المحلية وتلج في نمط الحياة هذا أمر يختلف تماماً عن مجرد أن تصبح مسلماً على مستوى العقل.

فهذا يتطلب من الكثيرات من معتنقات الإِسلام درجة عالية من العزم والثقة. فأنتِ لن تواجهي عائلتك وأصدقائك الذين يعتقدون أنك قد أصبت بالجنون فقط، ولكن كامرأة عليك أيضاً أن تستجمعي قواك للدخول إلى عالم المسجد حيث الرجال العابسو الوجوه ذوو اللحى الطويلة لن يكلموك.

فإن كنت واحدة من معتنقات الإِسلام في بعض نواحي إنكلترا الشمالية حيث يغلب على المساجد الطابع الآسيوي، يجدر بك أن تعلمي الكثير عن الثقافات الآسيوية بالإضافة إلى تعلّم الإِسلام.

تنجلي تلك العبسات عن حياء ورقة وتقوى وصداقة صادقة وضيافة وكرم؛ ولكن يعتبر من الفظاظة أن يبدو الرجل وكأنه متحمس للتحدث مع النساء أو للنظر إليهن أكثر من نظرة واحدة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الكثير من المساجد لا تحوي بعد على مصلّى للنساء.

٣١٠

اكتساب الثقة:

لكننا نحن الذين نعتنق الإِسلام نكتسب الثقة شيئاً فشيئاً، فلم نعد نشعر بأنه علينا أن نتظاهر بأننا عرب أو باكستانيون لنشعر بالانتماء.

فنحن نعلم الآن أن المسلمين متواجدون في كل مكان حول العالم من الأسكيمو إلى أستراليا.

يمكننا أن نختار أسماء عربية، كما يمكننا أن نبقى على أسمائنا القديمة فهذا الأمر ليس ذا قيمة حقاً.

على النساء اختيار ملابس معينة كالبنطال الفضفاض والسترة الطويلة أو التنورة الطويلة. وإن كنا لا نشعر بالانسجام في المساجد المحلية لأننا لا نتقن اللغة العربية، فنحن بدأنا بتنظيم مساجد داخل البيوت ونشكل جماعات فيما بيننا وندعو الآسيويين أيضاً ليكونوا ضيوفنا.

أطياف متعددة من المسلمين.... عائلة واحدة:

بدأنا نحن - معتنقو الإِسلام الجدد - بالقراءة بما فيه الكفاية وبتحصيل العلم بما يمكِّننا من التعبير عن آرائنا حول الأمور من حولنا. فنحن عندنا النضج الكافي لندرك أن ليس كل المسلمين قديسين. فالبشر بشر وجلّنا بعيد عن الكمال.

هكذا نتغلب على الشعور بالخيبة عندما نكتشف أن ليس كل مسلم يحيا كما ينبغي على المسلم أن يحيا للوصول إلى الكمال وبالتالي لا نستسلم أو نتهمهم بالنفاق؛ بل على العكس نبذل أقصى جهدنا لنحيا حياتنا بأفضل طريقة ممكنة.

شيئاً فشيئاً يدرك كافة معتنقي الإِسلام وجود الكثير من أنواع المسلمين.

بعض المسلمين روحانيون في حين أن آخرين يهتمون بظاهر العبادات.

لكن شعورنا يزداد بأنه بإمكاننا أن نجد مكاناً لأنفسنا إلى جانب الآخرين في هذه الأمة الواسعة والعائلة الممتدة، وطالما أننا نقوم بأقصى جهدنا فإن الله سيثيبنا على نوايانا الحسنة.

٣١١

جيمي بور

من عارضة أزياء إلى امرأة مسلمة

السلام عليكم، إسمي جيمي

وُلدت وترعرعت على المسيحية الحديثة غير الطائفية ولم أجد فيها أجوبة لما كنت أبحث عنه، ولمدة 31 عاماً كمسيحية، لم أشعر يوماً بالله. حاولت وبكل ما بوسعي ولكني لم أشعر به على الإطلاق. كنت عارضة لبلادي ولمدة خمس سنوات، تعاطيتُ الكثير من المخدرات خلال تلك الفترة كنت أستخدمها كمساعد لفقدان الوزن وكنت أستخدمها لمرة واحدة لأُبعد نفسي عن الإكثار من تناول الطعام. كنت أعتقد بأنني قوية لأتجنب الإدمان على المخدرات التي تحوّل كل من يستخدمها إلى مدمن. بدأتُ أفكر بأني سآخذها لأسبوعين إلّا أنني أصبحتُ مدمنة ليل نهار. أخذتني المخدرات إلى الحضيض والدمار الكامل، فقد كان زوجي يتعاطى المخدرات كذلك. ما دفعه ليكون عنيفاً معي، حتى أني كنت خائفة على حياتي.

قررت أن أتوقف عن تعاطيها، فليس هذا ما أريده لحياتي. فقلت له أنني سأتوقف عنها، ضحك وقال: «لن تستطيعي التوقف». فقلت: «سأتوقف عنها». وتوقفت عن تناولها ذلك اليوم ولم أنظر إلى الخلف مرة أخرى، ولم يكن لديَّ أي برنامج لإعادة التأهيل أو أي مساعدة خارجية أو نظام دعم. كان زوجي يضحك، محاولاً أن يثنيني عن عزمي حتى أعود لتناولها من جديد، وبعد ذلك رُزقت بولدي الصغير. تغيّرت نظرتي إلى الحياة بأكملها. فقد أحببتُ ذلك الطفل الصغير الرائع والذي يحتاج إلى أم صالحة، أحببته كثيراً. فأردت تغيير كل شيء كنت قد ركزت عليه سابقاً، لأجله.

كنت في السابق قادرة على فعل أي شيء أريد أن أقوم به، فقد كنت جزءاً من مشاهد هوليوود التي يرغب الجميع بأن يكون جزءاً منها. لم أكن شخصاً جيداً، كنت في السابق، أشرب الكحول وأتعاطى المخدرات. ولكنني لم أعد أريد القيام بهذه الأمور بعد الآن.

٣١٢

قمتُ بالبحث عن الإِسلام لفترة قبل أن أصبح مسلمة، أردتُ أن أعرف وبشكلٍ أساسي سبب كراهية العالم للمسلمين بهذا القدر، لأنني رأيت ما رأيتُ في نشرات الأخبار، ورأيتُ الظلم والعنف وهذا ما دفعني للبحث عن الحقيقة ولمعرفة ما إذا كان الإِسلام كذلك. بدأتُ البحث عن الموضوع، وكلما بحثت أكثر كلما غصت أعمق في الموضوع. فوجدتُ الحقيقة.

تفاجأ الكثير من الناس عندما تخليتُ عن كل الملذات السابقة لأجل أن أكون مسلمة. والغريب هو أنني عندما نطقت الشهادتين أسست بتلاشي الرغبات للقيام بتلك الأمور وبشكل كامل. إنه لشيء رائع أن أستمتع وأشعر بالسلام في قلبي كوني مسلمة.

أعتقد أن الشيء الأساسي الذي أثار إعجابي بالإِسلام هو احترام المرأة. فهناك الكثير من الاحترام للمرأة والأمور التي تقوم بها النساء، حياتنا نحن النساء ليست سهلة، فلدينا الكثير لنفكر فيه ونقلق بشأنه، كعائلاتنا وأزواجنا وأطفالنا. فتربية الأطفال هو أمر صعب جداً، بالإضافة إلى الأعمال المنزلية والطبخ والاعتناء بأزواجنا.. إنها وظيفة صعبة.

وفي الواقع فإن الإِسلام يحترم المرأة لتلك الأسباب. كان سبباً لفصلنا عن الرجال في المساجد حتى لا يتشتت الرجال. يفهم الإِسلام القوة الكامنة في جاذبيتنا ومظهرنا وهو ما يتأثر به الرجال، والإِسلام يحترم هذا الأمر. ما إن أدركتُ هذا حتى تمكنت الفكرة مني وأردتُ أن أصبح مسلمة. اعتناقي للإِسلام أشعرني بالاختلاف فقد جعلني أشعر بالسلام المطلق. كنت في السابق أشعر بعدم الاستقرار، فالكثير من الأشياء كانت في حالة عدم استقرار، والسبب في هذا هو عدم اتخاذ قرار بشأنها. لم يكن لديَّ أيَّ هدف في ذهني ولم يكن هناك سبب لوجودي، لكن اعتناقي للإِسلام أعطاني السلام والأمان والتوازن وهو ما احتجت إليه في حياتي، إسلامي جعل من الأشياء حقيقة، وتستحق أن أكون هنا من أجلها، فأخيراً صار هناك هدف لحياتي وأنا أفهم الآن ما هو الغرض منها. لا نملك الفرصة دوماً للالتقاء بالناس الذين نحتاجهم بصورة جوهرية لنفهمهم. هذا ما جعلني أتردد على المسجد لأتقرب إلى الناس وأفهمهم. وكلما زاد ترددي إلى المسجد، كلما ازداد عدد النساء اللواتي أحطن بي واعتنين بي ومنحنني العطف الموجود في الإِسلام.

٣١٣

لم أفكر أبداً ولو لمرة واحدة في حياتي بأني سأصبح مسلمة على الإطلاق. فقناعاتي تجاه المسلمين كانت مغلوطة للغاية فأنا لم أحبهم، فقد كنت أعتقد بأنهم سيئون ولم أكن لأفكر ولو لمرة بأني سأكون واحدة منهم. ولكن اليوم أنا فخورة وسعيدة جداً، وأريد أن أرتدي الحجاب ليعرف الناس أني مسلمة، حتى لو كرهوني فأنا لا أهتم. أنا أريد أن أبيِّن لهم أن الله موجود في أي شخص وليس فقط في الشرق أوسطيين.

٣١٤

راكيل: مسلمة أميركية...

ضابطة شرطة سابقة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إسمي راكيل، وقد اعتنقت الإسلام.

لقد كنت ضابطة شرطة في مدينة ديترويت وعملت هناك منذ عام 1996 وحتى عام 2004 وقد أُطلق علَيّ النار عام 2002، وكان ذلك أثناء تأدية وظيفتي وكدت أفارق الحياة.

لم أكن أذهب إلى الكنيسة في واقع الأمر، لقد نشأت في منزل مسيحي، فأبواي قسين مسيحيين، وقرأت الكثير عن الكاثوليكية.

لقد لاحظت أن الإسلام منطقي من الناحية الفكرية، أنا لم أحلل الأديان الأخرى وأدرسها، إلّا أنها تبدو وكأنها تحمل الكثير من صنع الإنسان، وأفكاره بدلاً من شريعة الله الأصلية، وهذا كان يزعجني كثيراً. ثم وجدت الإسلام، أكثر دقة تاريخياً ومن حيث أصالة النصوص، ولم يتم تشويهه من خلال الكثير من الترجمات المختلفة.

أعتقد أنه في عام 2002، تم إنقاذ حياتي لسبب، وأعتقد أن هذا السبب هو أن أتمكن من اعتناق الإسلام وأن أصبح مسلمة. لم أكن أعرف كيف أعبد الله، لم أعرف ما هو الدين الذي ينبغي أن أؤمن به، حتى التقيت ببعض الأصدقاء المسلمين، وقد حدثوني باستفاضة، وفسَّروا لي الكثير. لقد كنت أشعر بالقلق حيال إعلان الشهادة لأنني لا أعرف الكثير من الكلمات الإسلامية حتى الآن، فساندتني إحدى الأخوات التي كانت ترعاني في المسجد، وساعدتني حتى أعلن شهادتي وكان الأمر رائعاً فعلاً. لقد استمتعت بمجرد الإعلان أني أشهد أن لا لا إله إلّا الله أمام كل من في المسجد وكان ذلك أبرز الأحداث بالنسبة لي. لم أعد أخاف الموت فيجب أن لا نخشى إلّا الله، ونتحلى بالإيمان، لأنَّ الله واحد وأنا أعرف ذلك لأنني كنت على شفير الموت ولو كنت قد توفيت ذلك اليوم، لا أعرف إن كنت في هذه الحالة سيكون مصيري إلى نار جهنم أم لا، أما الآن فتملأني الثقة والطمأنينة والسعادة لأنني أعرف مصيري إن حدث لي شيء اليوم.

٣١٥

كان سيصيبني الجنون إن تابعت عملي كضابطة شرطة، لأن الناس يهاجمون المسلمين في ديترويت دون سبب على الإطلاق، لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، كان الأمر فظيعاً وقد أزعجني، وكنت أردّ بأن كونهم مسلمين لا يعني أنهم متطرفون حيث أزعجني ما رأيت - كضابطة شرطة - في الشوارع والأسلوب الذي كانت تتم به معاملتهم فقد كان في ذلك انعدام للضمير.

أعرف أن تعلُّم لغة جديدة قد يكون محبطاً للبعض، فهي في الأساس ثقافة جديدة، وليست ديناً فحسب، بل أسلوب حياة. وبالنسبة لي لم يكن ذلك محبطاً، كل ما في الأمر هو رغبتي في تعلمها بسرعة أكبر، وأريد أن أتقنها بمفردي، لكن هذا ليس سهلاً وعلَيَّ أن أتعلم كل شيء تقريباً عبر الإنترنت حتى كيفية ارتداء الحجاب، إنها تجربة مذهلة. بدأت أمتنع عن الكثير من المحرمات كشرب الكحول ولم أعد أتناول لحم الخنزير، وبالطبع أشتري الآن لحماً حلالاً. أصبحت في الأربعين وكنت أعرف أنني أرغب في إدخال هذه التغييرات إلى حياتي، وآن الأوان لأنعم بالسلام والهدوء في حياتي وأتقرب إلى الله، وكنت مستعدة تماماً لهذا التغيير وكنت أعرف أن هذا ما تفتقده حياتي. عندما أصلي، أشعر أنَّ الصلاة مؤثرة جداً وأشعر بقدر هائل من الحماية.

أقرأ القرآن الكريم كل يوم، وأجد فيه آداب الإسلام وأتعلم شيئاً جديداً، والناس يقدمون الكثير من المساعدة، فبالرغم من اختلاف العرق، لا يصدر الناس عليك أحكاماً إذا دخلت وأنت أمريكي. بل يقدمون الكثير من الدعم، فالكل يعاملك بكل لطف ويساعد في تعليمك وتوجيهك.

أكثر ما يعجبني في الإسلام هو الحجاب، فأنا أستمتع به، لأكون صادقة تماماً، لا سيما هنا في لاس فيغاس حيث ينظر الرجال إلى النساء بشكل غريب وهذا يثير الخوف. وهكذا أشعر بمزيد من الراحة والأمان. أما في ما يتعلق بإخبار أصدقائي عن اعتناقي الإسلام، لست متأكدة من ردود أفعالهم فمثلاً أفضل صديقاتي من الطفولة تعمل في الواقع في الكنيسة الكاثوليكية، وأعرف أن رد فعلها لهذا سيكون سيئاً، وقد لا نكون أصدقاء بعد الآن. والبعض أظهروا لي الكثير من الدعم أو طرحوا أسئلة مثيرة للاهتمام كذلك، فكان من اللطيف أن أتمكن من أن أنقل أفكاري لهم. من أبرز الأسئلة التي طرحها أصدقائي بصفة خاصة، سواء من الرجال أو النساء، لماذا تغطين رأسك؟ ولماذا تغطين ذراعيك؟

٣١٦

لا سيما عندنا في لاس فيغاس، لأن المجتمع هنا مختلف للغاية مقارنة حتى بالمجتمعات الأمريكية العادية، الناس هنا يرتدون ألبسة مكشوفة خاصة النساء، فقلت بكل بساطة، الأمر يتعلق بالاحتشام، وقد لاحظت أن الناس ينظرون إليّ بشكل مختلف، حتى أن بعض أصدقائي ذكروا أن بعض الناس ينظرون إليّ بمزيد من الإحترام لأنّ الرجال لا ينظرون إليّ كشيء، بل ينظرون إلى وجهي. في ما يتعلق بأفراد أسرتي فهو سيف ذو حدين، إنني أفتقدهم كأشخاص، لكنني لا أفتقد دينهم على الإطلاق. وقد كانوا في غاية القسوة معي، فقد كانت لديّ تجارب رهيبة ومخيفة للغاية، كان والداي يصطحبانني منذ صغري لحضور ممارسات طرد الأرواح الشريرة. فكان لذلك أثر عاطفي هائل على نفسي طوال الوقت. والداي لا يعرفان أنني اعتنقت الإسلام، لم يكن أمامي سوى خيار واحد في رأيهما، وكان إما اختيار أن أكون مسيحية ذات شخصية جذابة مثلهما أو لا يحترمانني مطلقاً وقد أقصياني من العائلة وكان ذلك قبل أن أعتنق الإسلام.

أفضِّل أن تكون لي أسرة مسلمة وأن يكون الله في حياتي، الله الحق، وليس مجموعة من القواعد والقوانين التي أرساها البشر، لقد تسبب دينهما بالكثير من الألم لي، لكن هذا الدين ليس كذلك.

أنا أريد أن أنشر هذا الدين، وأنشر الحب وأنشر السعادة وأنشر السلام، وأوضح للناس أنه يلزم القضاء على كل هذه النماذج النمطية، وأن الإسلام ليس إرهاباً، وأنه رائع للغاية وهذا ما أرغب أنا شخصياً في أن أوضحه للناس.

٣١٧

أسلم بعد جنازة صديقه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وُلِدتُ وترعرعت في مدينة هاليفاكس في نوفا سكوتيا، أبي رجل أبيض من منطقة برنس إدوارد في كندا وأمي امرأة سوداء من مجتمع يُدعى لوكاس فيل في نوفا سكوتيا.

أمي كانت مسيحية ولقد اعتدت الذهاب معها إلى الكنيسة، وحتى عندما توقفت هي كنت أنا الوحيد من أفراد عائلتي الذي يذهب إلى هناك، عندما كبرت وأصبحت في مرحلة آخر المراهقة، توقفت عن الذهاب إلى الكنيسة، فلم أكن مهتمّاً بمفهوم الدين.

لا زلت أؤمن بالله والعديد من المعتقدات الدينية المسيحية لكنني لم أؤمن بهذا التنظيم الديني.

لقد كنت أعيش في منطقة دارتموت، هي تقع على ميناء مدينة هاليفاكس، ترعرعت هناك حيث كان يوجد عائلة باكستانية كبيرة مسلمة، كنت صديقاً لهم وتعلّمت منهم عن الإسلام بعض الأشياء، فقد كان أحد أفرادها متديّناً، فقد كنت أراه دائماً يذهب إلى المسجد ويصلّي، كان عمري 16 سنة تقريباً عندما أصبحتُ مهتمّاً بالدين الإسلامي وبدأت بالاستفسار عنه، من أصدقائي. وحين بلغت السابعة عشرة - وفي الصيف الذي ما بين الأول الثانوي والثاني الثانوي - انتقلت مع أبي وزوجته من دارتموت للعيش في هاليفاكس، حيث كان هناك العديد من العرب المسلمين، وكانت هذه النقلة بمثابة الصدمة الثقافية بالنسبة لي، لأنني كنت أعيش في كول هاربور، حيث المسلمون قلّة لا تراهم في كل مكان، وبالتالي لا ترى الحجاب أو أيّ شيء من هذا القبيل، بينما في بدفورد يوجد العديد من المسلمين العرب الذين يمكنك معرفتهم بسيماهم. بعد فترة من وصولي إلى هناك، عرف أحد الإخوة العراقيين أنني مهتم بالإسلام فجاء وقال لي بأنهم يقيمون صلاة الجمعة كل أسبوع في المدرسة الثانوية التي كنت أرتادها في وقت استراحة الغداء، فدعاني.

ذهبنا إلى هناك يوم الجمعة والحمد لله كانت تجربة جيدة جداً. كان الخطيب شاباً يافعاً مرحِّباً ومضيافاً وصلّيت معهم على الرغم من أنني لم أعِ ما أفعل، فلقد كنت أقلّدهم. بعد الصلاة تحدّثت إلى الخطيب ورجل آخر كان يأتي للصلاة كل جمعة.

٣١٨

وفي أحد الأيام وبعد انتهائنا من الصلاة سألني ذلك الرجل: «ما رأيك بالإسلام؟» فقلت له: «أنا أؤمن بالدين الإسلامي وأعتقد أنه الدين الصحيح والطريقة المُثلى للحياة» فأجابني: «إذاً يجب أن تصبح مسلماً!» تفاجأت حينها لأنني كنت صغيراً ولا زال أمامي الكثير لأتعلّمه. قال لي: «يجب أن تُسلم لأنك لا تعلم متى ستموت» عندها ضحكت لأنني كنت أبلغ من العمر السابعة عشرة فقط وما زلت صغيراً على الموت، سأموت عندما أصبح جَدَّاً في الثمانينات ويمتلئ شعري شيباً وأحفادي من حولي، فلم أكترث لما كان يقوله.

ذهبت إلى هناك 4 أو 5 مرات بعدها، إلى أن جاءت إجازة الصيف فلم أعد أذهب إلى المدرسة. لكن في يوم من أيام الإجازة الصيفية، كنت أعمل في مطعم، حيث تلقّينا اتصالاً مفاجئاً في وقت الإغلاق من المديرة، التي أخبرتنا فيما بعد أنَّ خالد توفي في حادث اصطدام سيارة. من هو خالد؟ خالد هو أحد الإخوة الفلسطينيين كان يعمل معنا في المطعم لمدة قصيرة وكان صديقي أيضاً فلقد كنا نرتاد نفس المدرسة وتخرجّنا منها معاً. عندما سمعت الخبر لم أصدّقه لأوّل وهلة. هاتفتُ المديرة التي نقلت إلينا الخبر وعندما سمعت صوتها تبكي عرفت حينها بأنه قد مات فعلاً.

لم أستوعب ما الذي يحدث في ذلك الوقت، لكنني في طريقي إلى البيت ماشياً، انهرت باكياً. كانت المرة الأولى التي عرفت فيها أنَّ أحداً توفي في نفس عمري، فكلانا كنا نبلغ الثامنة عشرة من العمر، فقد صدمتني هذه الفاجعة في الصميم..

يوم دفن الجثّة، تعلّمت كيفية الوضوء حيث هاتفت صديقي وعلّمني كيف أتوضأ. وذهبنا أنا وصديقي إلى المسجد في دارتموت لصلاة الجنازة ثم بعد ذلك توجهنا إلى مقبرة المسلمين.

كان الجو مفعماً بالحزن فإخوته وأبوه كانوا هناك والجميع منخرط في البكاء.

عندما وضعوا التراب فوق جثمانه بدأت أنا بالبكاء الشديد، أثناء ذلك شاهدت الشيخ الذي قال لي يجب أن تسلم لأنك لا تعلم متى ستموت. كان هذا بمثابة إشارة لي من عند الله أني قد أموت قريباً وأنَّ كلام الشيخ كان صحيحاً وأنني يجب أن أسلم.

٣١٩

ذهبت إليه مباشرة وأخبرته أنني أريد أن أسلم فقال لي: «أهلاً أليكس، كيف حالك؟ من الرائع رؤيتك مرة أخرى، أتمنى أنك ما زلت مهتمّاً بالإسلام». وسبحان الله في تلك اللحظة، وفي ذلك المكان عند المسجد بجانب المقبرة قلت: «أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله».

بعد ذلك مباشرةً حان وقت صلاة المغرب، وسألني أحد الإخوة إذا كنت أعرف كيفية الوضوء، فقلت نعم. ثم ذهبت إلى دورة المياه لأتوضأ لكنني نسيت مراحل الوضوء فمكثت هناك وقتاً طويلاً محاولاً التذكر. وعندما فرغت من الوضوء كانوا قد انتهوا من صلاة المغرب لكن الشيخ لم يصلِّ بعد وكان بانتظاري ثم صلّينا معاً والحمد لله نشأت بيننا صداقة طيبة من بعد ذلك، فقد استمريت في مقابلته يومياً بعد ذلك لمدة أسبوع حيث علمني سورة الفاتحة وأركان الإسلام.

قبل الإسلام لم أكن أعرف ما الذي يجب أن أفعله وما الذي أريده وما الطريقة المُثلى للعيش.

كنت أعيش وفقاً لفلسفتي الخاصة منجرفاً إلى العديد من العادات السيئة ولكن الحمد لله هداني ربي إلى الطريق الصحيح قبل الوقوع في الطريق السيء.

الكثير قد يجادل بأنَّ السبب وراء اعتناقي الدين الإسلامي هو عاطفتي. ولكن لم تكن الأسباب كذلك، لأنني كنت مقتنعاً أصلاً بأنَّ الدين الإسلامي هو الدين الحق لكنني كنت بحاجة إلى دفعة في الاتجاه الصحيح. فهذه الحادثة جعلتني أعي أنني قد أموت في أي دقيقة وكانت الحادثة إشارة لي بما أنني كنت مقتنعاً بالإسلام فلماذا أنتظر حتى أبلغ العشرين أو الثلاثين أو الأربعين من عمري؟ ولهذا أسلمت وبذلت جهداً في تعلّم الإسلام وأركانه ومبادئه.

أتوق إلى شهر رمضان هذا العام، وأستمتع باختباره مجدداً. نؤدي الشعائر الدينية بشكل أفضل كقراءة الأدعية والذهاب إلى المسجد دوماً وتلاوة القرآن الكريم.

أنا الآن أكثر اقتناعاً من قبل بأنَّ الدين الإسلامي هو الدين الصحيح لأنني رأيت براهين القرآن الكريم ومعجزاته.

حياتي بعد الإسلام تحسّنت كثيراً، فالإسلام هداني إلى الاتجاه الصحيح للحياة وهو أن أعيش حياة مستقيمة ومتديّنة بعد أن كنت متخبطاً قبل ذلك.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481