الميزان في تفسير القرآن الجزء ١١

الميزان في تفسير القرآن13%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 431

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 431 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 81256 / تحميل: 6259
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

إليك، فقير إلى ما في يديك، وأنت غني عنه، وأنت به خبير عليم( وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّـهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّـهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) (١) ( إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) (٢) ( إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) (٣) ( وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) (٤) ».

[١٤٦٨٤] ٨ - ابن أبي جمهور في عوالي اللآلي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، انه شكا إليه رجل قلة الرزق، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ادم الطهارة يدم عليك الرزق » ففعل الرجل ذلك فوسع عليه الرزق.

[١٤٦٨٥] ٩ - وفي درر اللآلي العمادية: عن عبد الله بن سلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من توضأ لكل حدث، ولم يكن دخالا على النساء في البيوتات، ولم يكن يكتسب مالا بغير حق، رزق من الدنيا بغير حساب ».

[١٤٦٨٦] ١٠ - الشيخ إبراهيم الكفعمي في الجنة: رأيت في بعض كتب أصحابنا ما ملخصه: ان رجلا جاء إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: يا رسول الله، اني كنت غنيا فافتقرت، وصحيحا فمرضت، وكنت مقبولا عند الناس فصرت مبغوضا، وخفيفا على قلوبهم فصرت ثقيلا، وكنت فرحانا فاجتمعت علي الهموم، وقد ضاقت علي الأرض بما رحبت، وأجول طول نهاري في طلب الرزق فلا أجد ما أتقوت به، كأن اسمي قد محي من ديوان الأرزاق - إلى أن قال - فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اتق الله وأخلص ضميرك، وادع بهذا الدعاء، وهو دعاء الفرج:

بسم الله الرحمن الرحيم: إلهي طموح الآمال قد خابت الا لديك،

__________________

(١، ٤) الطلاق ٦٥ الآية ٣، ٢.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) الانشراح ٩٤ الآية ٦.

٨ - عوالي اللآلي ج ١ ص ٢٦٨.

٩ - درر اللآلي ج ١ ص ٦.

١٠ - الجنة الواقية « المصباح » ص ٩٥ « الهامش » وعنه في البحار ج ٩٥ ص ٢٠٣ ح ٣٧.

٤١

ومعاكف الهمم قد تقطعت الا عليك، ومذاهب العقول قد سمت الا إليك، فإليك الرجاء، واليك الملتجأ، يا أكرم مقصود، ويا أجود مسؤول، هربت إليك نفسي يا ملجأ الهاربين، باثقال الذنوب احملها على ظهري، وما أجد لي إليك شافعا سوى معرفتي بأنك أقرب من رجاه الطالبون، ولجأ إليه المضطرون، وأمل ما لديه الراغبون، يا من فتق العقول بمعرفته، وأطلق الألسن بحمده، وجعل ما امتن به على عباده كفاية لتأدية حقه، صل على محمد وآله، ولا تجعل للهموم على عقلي سبيلا، ولا للباطل على عملي دليلا، وافتح لي بخير الدنيا(١) يا ولي الخير » فلما دعا به الرجل وأخلص النية عاد إلى ( حسن الإجابة )(٢) .

١٣ -( باب كراهة زيادة الاهتمام بالرزق)

[١٤٦٨٧] ١ - القطب الراوندي في قصص الأنبياء: باسناده إلى الصدوق، عن محمد ابن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفار، عن علي بن محمد القاساني، عن القاسم بن محمد الأصبهاني، عن سليمان بن داود المنقري(١) ، عن حفص بن غياث النخعي، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: « من اهتم لرزقه كتب عليه خطيئة، ان دانيالعليه‌السلام كان في زمن ملك جبار، فاخذه وطرحه في الجب وطرح معه السباع لتأكله، فلم تدن إليه، فأوحى الله تعالى جلت عظمته إلى نبي من أنبيائه ( صلوات الله عليهم ): ان ائت دانيال بطعام، قال: يا رب وأين دانيال؟ قال: تخرج من القرية فيستقبلك ضبع فيدلك عليه، فخرج فانتهى به الضبع إلى ذلك الجب، فإذا بدانيالعليه‌السلام فيه فأدلى له الطعام، فقال دانيال: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، والحمد لله الذي لا يخيب من دعاه والحمد لله الذي يجزي بالاحسان احسانا وبالصبر نجاة، ثم قال أبو عبد الله

__________________

(١) في المصدر زيادة: والآخرة.

(٢) في المصدر والبحار: أحسن حالاته.

الباب ١٣

١ - قصص الأنبياء ص ٢٣٥، وعنه في البحار ج ١٤ ص ٣٦٢ ح ٤.

(١) في المصدر: المقرئ.

٤٢

صلوات الله عليه: أبي الله أن يجعل أرزاق المؤمنين(٢) الا من حيث لا يحتسبون، وأبي الله ان يقبل شهادة لأوليائه في دولة الظالمين ».

[١٤٦٨٨] ٢ - الحسن بن فضل الطبرسي في مكارم الأخلاق: عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا بن مسعود، لا تهتمن(١) للرزق، فان الله تعالى يقول: ( وما من دابة في الأرض الا على الله رزقها )(٢) وقال: ( وفي السماء رزقكم وما توعدون )(٣) وقال: ( وان يمسسك اله بضر فلا كاشف له الا هو وان يمسسك بخير فهو على كل شئ قدير )(٤) ».

[١٤٦٨٩] ٣ - الديلمي في ارشاد القلوب عن ابن عباس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ثلاثة يدخلون الجنة بغير حساب رجل يغسل قميصه وليس(١) له بدل، ورجل لم يطبخ على مطبخ قدرين، ورجل كان عنده قوت يوم ولم يهتم لغد ».

١٤ -( باب كراهة كثرة النوم والفراغ)

[١٤٦٩٠] ١ - نهج البلاغة: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « ما انقض النوم لعزائم الأمور(١) ! ».

__________________

(٢) في المصدر: المتقين.

٢ - مكارم الأخلاق ص ٤٥٥.

(١) في المصدر: لا تهتم.

(٢) هود ١١ الآية ٦.

(٣) الذاريات ٥١ الآية ٢٢.

(٤) الانعام ٦ الآية ١٧.

٣ - إرشاد القلوب ص ١٩٦.

(١) في المصدر: ولم يكن.

الباب ١٤

١ - نهج البلاغة ج ٢ ص ٢٦٢ رقم ٢٣٦ و ج ٣ ص ٢٥٨ رقم ٤٤٠.

(١) في المصدر: اليوم.

٤٣

[١٤٦٩١] ٢ - الآمدي في الغرر: عنهعليه‌السلام قال: « ( ويح النائم )(١) ما أخسره! قصر عمله(٢) وقل أجره ».

وقالعليه‌السلام : « بئس الغريم النوم، يفني قصير العمر، ويفوت كثير الاجر »(٣) .

[١٤٦٩٢] ٣ - العياشي في تفسيره: عن ابن أبي حمزة قال: قلت لأبي الحسنعليه‌السلام : ان أباك أخبرنا بالخلف من بعده، فلو أخبرتنا به، فاخذ بيدي فهزها ثم قال: «( مَا كَانَ اللَّـهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ) (١) قال: فخفقت، فقال: مه، لا تعود عينيك كثرة النوم، فإنها أقل شئ في الجسد شكرا ».

وباقي اخبار الباب تقدم في أبواب التعقيب.

١٥ -( باب كراهة الكسل في أمور الدنيا والآخرة)

[١٤٦٩٣] ١ - كتاب العلاء بن رزين: عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: « اني لأبغض الرجل يكون كسلان عن امر دنياه، فهو عن امر آخرته أكسل ».

ورواه في دعائم الاسلام: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام مثله(١) .

__________________

٢ - غرر الحكم ج ٢ ص ٢٨٢ ح ٣٠.

(١) في المصدر: ويل للنائم.

(٢) في المصدر: عمره.

(٣) نفس المصدر ج ١ ص ٣٤٢ ح ٣٣.

٣ - تفسير العياشي ج ٢ ص ١١٥.

(١) التوبة ٩ الآية ١١٥.

الباب ١٥

١ - كتاب العلاء بن رزين ص ١٥٣.

(١) دعائم الاسلام ج ٢ ص ١٤ ح ٢.

٤٤

[١٤٦٩٤] ٢ - الجعفريات بإسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام : « للكسلان ثلاث علامات: يتوانى حتى يفرط، ويفرط حتى يضيع، ويضيع حتى يأثم ».

[١٤٦٩٥] ٣ - الآمدي في الغرر: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: « الكسل يفسد الآخرة ».

وقالعليه‌السلام (١) : « آفة النجح الكسل ».

وقالعليه‌السلام (٢) : « من دام كسله خاب أمله »(٣) .

وقالعليه‌السلام (٤) : « من التواني يتولد الكسل ».

١٦ -( باب كراهة الضجر والمنى)

[١٤٦٩٦] ١ - الشيخ المفيد في أماليه: عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن الصفار، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار(١) ، عن فضالة بن أيوب، عن ( عجلان أبي صالح )(٢) قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمد ( صلوات الله عليهما ) في حديث: « وإياك والكسل والضجر، فان أبي بذلك كان يوصيني، وبذلك كان يوصيه أبوه، وكذلك في صلاة الليل، انك إذا

__________________

٢ - الجعفريات ص ٢٣٢.

٣ - غرر الحكم: (١) نفس المصدر ج ١ ص ٣٠٨ ح ٥٣.

(٢) نفس المصدر ج ٢ ص ٦٢٣ ح ٢٦٣.

(٣) في المصدر زيادة: وساء عمله.

(٤) نفس المصدر ج ٢ ص ٧٢٦ ح ٣٦.

الباب ١٦

١ - أمالي المفيد ص ١٨١ ح ٤.

(١) كان في السند زيادة: « عن علي »وهي مقحمة.

(٢) في الطبعة الحجرية: « عجلان ابن أبي صالح »وما أثبتناه من المصدر.

٤٥

كسلت لم تؤد إلى ( أحد حقا )(٣) ، وعليك بالصدق والورع وأداء الأمانة، وإذا وعدت فلا تخلف ».

[١٤٦٩٧] ٢ - السيد علي بن طاووس في كشف المحجة: نقلا من رسائل الكلينيرحمه‌الله : باسناده إلى جعفر بن عنبسة، عن عباد بن زياد الأسدي، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، أنه قال: « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في وصيته لولده الحسنعليه‌السلام : إياك والاتكال على المنى، فإنها بضائع النوكى(١) ، وتثبط(٢) عن الآخرة والدنيا ».

وقالعليه‌السلام : « أشرف الغنى ترك المنى ».

[١٤٦٩٨] ٣ - الجعفريات: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد، حدثني موسى قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تمني الا في خير كثير ».

[١٤٦٩٩] ٤ - وبهذا الاسناد قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من تمنى شيئا هو لله تعالى رضى، لم يمت من الدنيا حتى يعطاه ».

[١٤٧٠٠] ٥ - وبهذا الاسناد عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال: « إذا تمنى أحدكم، فليكن مناه في الخير وليكثر، فان الله واسع كريم ».

__________________

(٣) في المصدر: الله حقه.

٢ - كشف المحجة ص ١٦٧.

(١) النوكى: جمع أنوك وهو الأحمق ( لسان العرب - نوك - ج ١٠ ص ٥٠١ ).

(٢) في الطبعة الحجرية: « ومطل » وما أثبتناه من المصدر.

(٣) نفس المصدر: لم نجده، ورواه في نهج البلاغة ج ٣ ص ١٥٩ رقم ٣٤ وعنه في البحار ج ٧٣ ص ١٦٦.

٣ - الجعفريات ص ١٥٤.

٤ - المصدر السابق ص ١٥٤.

٥ - المصدر السابق ص ١٥٥.

٤٦

[١٤٧٠١] ٦ - وبهذا الاسناد عن عليعليه‌السلام كما في نسخة الشهيدرحمه‌الله ، قال: « من تمنى شيئا من فضول الدنيا، من مراكبها وقصورها أو رياشها، عنى نفسه، ولم يشف غيظه، ومات بحسرته ».

[١٤٧٠٢] ٧ - الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول: عن الصادقعليه‌السلام أنه قال لعبد الله بن جندب في وصيته له: « ولا تنظر [ الا ](١) إلى ما عندك، ولا تتمن ما لست تناله فان من قنع شبع، ومن لم يقنع لم يشبع ».

[١٤٧٠٣] ٨ - الآمدي في الغرر: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال: « الأماني شيمة الحمقى ».

وقالعليه‌السلام : « الأماني بضائع النوكى، والآمال غرور الحمقاء »(١) .

وقالعليه‌السلام : « الأماني همة الجهال »(٢) .

وقالعليه‌السلام : « الأماني تخدعك، وعند الحقائق تخذلك »(٣) .

وقالعليه‌السلام : « إياك والمنى، فإنها بضائع النوكى »(٤) .

وقالعليه‌السلام : « أقبح العي الضجر »(٥) .

[١٤٧٠٤] ٩ - الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول: عن رسول الله ( صلى الله

__________________

٦ - الجعفريات: لم نجده في نسختنا.

٧ - تحف العقول ص ٢٢٤.

(١) أثبتناه من المصدر.

٨ - غرر الحكم ودرر الكلم ج ١ ص ١٨ ح ٤٩٠.

(١) نفس المصدر ج ١ ص ٢٤ ح ٦٨١ و ٦٨٢.

(٢) نفس المصدر ص ٢٣ « الطبعة الحجرية ».

(٣) نفس المصدر ج ١ ص ٥٤ ح ١٤٩١، وفيه « تدعك » بدل « تخذلك ».

(٤) نفس المصدر

(٥) نفس المصدر ج ١ ص ١٧٨ ح ٨٦.

٩ - تحف العقول ص ٢٩.

٤٧

عليه وآله )، أنه قال لرجل من بني تميم: « ولا تضجر، فان الضجر يمنعك من الآخرة والدنيا » الخبر.

١٧ -( باب استحباب العمل في البيت للرجل والمرأة)

[١٤٧٠٥] ١ - عبد الله بن جعفر في قرب الإسناد عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن أبي عبد الله، عن أبيهعليهما‌السلام قال: « تقاضى علي وفاطمة صلوات الله عليهما إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الخدمة، فقضى على فاطمة بخدمة ما دون الباب، وقضى على عليعليه‌السلام بما خلفه قال: فقالت فاطمةعليهما‌السلام : فلا يعلم ما داخلني من السرور الا الله، بكفائي(١) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تحمل رقاب الرجال ».

[١٤٧٠٦] ٢ - جامع الأخبار: عن عليعليه‌السلام قال: « دخل علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفاطمةعليه‌السلام جالسة عند القدر، وأنا أنقي العدس، قال: يا أبا الحسن، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: اسمع(١) وما أقول الا ما امر ربي، ما من رجل يعين امرأته في بيتها الا كان له بكل شعرة على بدنه، عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها، وأعطاه الله من الثواب ما أعطاه الله الصابرين، وداود النبي ويعقوب وعيسىعليهم‌السلام ، يا علي من كان في خدمة عياله(٢) في البيت ولم يأنف، كتب الله اسمه في ديوان الشهداء، وكتب الله [ له ](٣) بكل يوم وليلة ثواب ألف شهيد، وكتب له بكل قدم ثواب حجة وعمرة، وأعطاه الله تعالى بكل عرق في جسده مدينة في الجنة.

__________________

الباب ١٧

١ - قرب الإسناد ص ٢٥.

(١) في المصدر باكفائي.

٢ - جامع الأخبار ص ١١٩.

(١) في المصدر زيادة: مني.

(٢) في المصدر: العيال.

(٣) أثبتناه من المصدر.

٤٨

يا علي، ساعة في خدمة البيت، خير من عبادة ألف سنة، وألف حج، وألف عمرة، وخير من عتق ألف رقبة، وألف غزوة، وألف مريض عاده، وألف جمعة، وألف جنازة، وألف جائع يشبعهم، وألف عار يكسوهم، وألف فرس يوجهه في سبيل الله، وخير له من ألف دينار يتصدق على المساكين، وخير له من أن يقرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، ومن ألف أسير اشتراها فأعتقها، وخير له من ألف بدنة يعطي للمساكين، ولا يخرج من الدنيا حتى يرى مكانه من الجنة.

يا علي، من لم يأنف من خدمة العيال دخل الجنة بغير حساب، يا علي خدمة العيال كفارة للكبائر، ويطفئ غضب الرب، ومهور حور العين، ويزيد في الحسنات والدرجات، يا علي، لا يخدم العيال الا صديق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة ».

١٨ -( باب استحباب مرمة(*) المعاش، واصلاح المال)

[١٤٧٠٧] ١ - ثقة الاسلام في الكافي عن بعض أصحابنا رفعه عن هشام بن الحكم، عن موسى بن جعفر، أنه قال: « قال الحسن بن عليعليهما‌السلام في حديث واستثمار المال تمام المروءة ».

[١٤٧٠٨] ٢ - أبو علي في أماليه: عن أبيه، عن المفيد، عن الحسين بن محمد التمار، عن محمد بن القاسم الأنباري، عن أحمد بن عبيد، عن عبد الرحيم بن قيس الهلالي، عن العمري، عن أبي حمزة السعدي، عن أبيه قال: أوصى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى الحسن بن عليعليهما‌السلام فقال فيما أوصى به إليه: « يا بني لا فقر أشد من الجهل - إلى أن قال - وليس للمؤمن بد من أن

__________________

الباب ١٨

(*) الرم: اصلاح ما فسد ولم ما فرق ( النهاية ج ٢ ص ٢٦٨ ).

١ - الكافي ج ١ ص ١٥ ح ١٢.

٢ - أمالي الطوسي ج ١ ص ١٤٥.

٤٩

يكون شاخصا في ثلاث: مرمة لمعاش، وخطوة لمعاد، ولذة في غير محرم ».

[١٤٧٠٩] ٣ - الصدوق في معاني الأخبار: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن خالد، رفعه عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن الحارث الأعور قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام للحسن ابنهعليه‌السلام : « يا بني، ما المروءة؟ فقال العفاف واستصلاح(١) المال ».

[١٤٧١٠] ٤ - نهج البلاغة: في وصيته للحسنعليه‌السلام : « وحفظ ما في يدك، أحب إلي من طلب ما في يد غيرك ».

[١٤٧١١] ٥ - فقه الرضاعليه‌السلام : « واجتهدوا أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لله(١) لمناجاته، وساعة لامر المعاش، وساعة لمعاشرة الاخوان الثقات »، الخبر.

١٩ -( باب استحباب الاقتصاد، وتقرير المعيشة)

[١٤٧١٢] ١ - الجعفريات: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد، حدثني موسى قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث: وما عال امرؤ في اقتصاد ».

[١٤٧١٣] ٢ - وبهذا الاسناد قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا أراد الله

__________________

٣ - معاني الأخبار ص ٢٥٧ ح ٤.

(١) في المصدر: اصلاح.

٤ - نهج البلاغة ج ٣ ص ٥٨ رقم ٣١.

٥ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٤٥.

(١) في المصدر: منه.

الباب ١٩

١ - الجعفريات ص ١٤٩.

٢ - المصدر السابق ص ١٤٩.

٥٠

بأهل بيت خير فقههم في الدين، ورزقهم الرفق في معايشهم، والقصد في شأنهم »، الخبر.

[١٤٧١٤] ٣ - العياشي في تفسيره: عن ابن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، في قوله تعالى:( وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ ) (١) قال: فضم يده، وقال هكذا، فقال:( وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ) (٢) وبسط راحته وقال: « هكذا ».

[١٤٧١٥] ٤ - وعن عجلان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في حديث ذكر فيه أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أعطى قميصه السائل، قال: « فأدبه الله على القصد فقال:( وَلَا تَجْعَلْ ) » الآية.

[١٤٧١٦] ٥ - وعن عامر بن جذاعة قال: دخل على أبي عبد اللهعليه‌السلام رجل فقال: يا أبا عبد الله، قرضا إلى ميسرة، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « إلى غلة تدرك » فقال: لا والله، فقال: « إلى تجارة تؤدى »، فقال: لا والله، قال: « فإلى عقدة تباع » فقال: لا والله، فقال: « فأنت إذا ممن جعل الله له في أموالنا حقا » فدعا أبو عبد اللهعليه‌السلام بكيس فيه دراهم، فادخل يده فناوله قبضة ثم قال: « اتق الله، ولا تسرف ولا تقتر، وكن بين ذلك قواما، ان التبذير من الاسراف، قال الله تعالى:( وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ) (١) (٢) ان الله تعالى لا يعذب على القصد ».

[١٤٧١٧] ٦ - وعن علي بن جذاعة قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: « اتق الله، ولا تسرف ولا تقتر، وكن بين ذلك قواما، ان التبذير من

__________________

٣ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٢٨٩ ح ٦٠.

(١) الاسراء ١٧ الآية ٢٩.

(٢) الاسراء ١٧ الآية ٢٩.

٤ - المصدر السابق ج ٢ ص ٢٨٩ ح ٥٩.

٥ - المصدر السابق ج ٢ ص ٢٨٨ ح ٥٦.

(١) الاسراء ١٧ الآية ٢٦.

(٢) في المصدر زيادة: وقال.

٦ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٢٨٨ ح ٥٥.

٥١

الاسراف، وقال الله تعالى:( وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ) (١) ان الله لا يعذب على القصد ».

[١٤٧٢٨] ٧ - أبو القاسم الكوفي في كتاب الأخلاق: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « ان المؤمن أخذ من الله أدبا، إذا وسع عليه اقتصد، وإذا اقتر عليه اقتصر ».

[١٤٧١٩] ٨ - كتاب حسين بن عثمان: عمن ذكره وغير واحد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « لا يصلح المرء الا على ثلاث(١) : التفقه في الدين، وحسن التقدير في المعيشة، والصبر على النائبة ».

[١٤٧٢٠] ٩ - أحمد بن محمد بن فهد في عدة الداعي: عن عيسى بن موسى قال: قال الصادقعليه‌السلام : « يا عيسى، المال مال الله، جعله ودائع عند خلقه، وأمرهم أن يأكلوا منه قصدا، ويشربوا منه قصدا ويلبسوا منه قصدا، وينكحوا منه قصدا، ويركبوا منه قصدا، ويعودوا بما سوى ذلك على فقراء المؤمنين، فمن تعدى ذلك كان [ ما ](١) أكله حراما، وما شرب منه حراما، وما لبسه(٢) منه حراما، وما نكحه(٣) منه حراما، وما ركبه(٤) منه حراما ».

[١٤٧٢١] ١٠ - القطب الراوندي في القصص: باسناده إلى الصدوق، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود، عن حماد

__________________

(١) الاسراء ١٧ الآية ٢٦.

٧ - كتاب الأخلاق: مخطوط.

٨ - كتاب حسين بن عثمان ص ١٠٨.

(١) في المصدر زيادة: خصال.

٩ - عدة الداعي: لم نجده، وأخرجه العلامة المجلسي في البحار ج ١٠٣ ص ١٦ ح ٧٤ عن اعلام الدين ص ٨٤، علما بأن الأحاديث التي تسبقه منقولة عن عدة الداعي فتأمل.

(١) أثبتناه من البحار.

(٢) في الطبعة الحجرية: ألبسه، وما أثبتناه من المصدر.

(٣) في الطبعة الحجرية: أنكحه، وما أثبتناه من المصدر.

(٤) في الطبعة الحجرية: أركبه، وما أثبتناه من المصدر.

١٠ - قصص الراوندي ص ١٩٩.

٥٢

ابن عيسى، عن الصادقعليه‌السلام أنه قال: « قال لقمان لابنه في حديث: وكن مقتصدا، ولا تمسكه تقتيرا، ولا تعطه تبذيرا ».

[١٤٧٢٢] ١١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « وليكن نفقتك على نفسك وعيالك قصدا، فإن الله يقول:( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ) (١) والعفو: الوسط، وقال الله تعالى:( وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا ) (٢) إلى آخره، وقال العالمعليه‌السلام : ضمنت لمن اقتصد أن لا يفتقر ».

[١٤٧٢٣] ١٢ - دعائم الاسلام: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « الكمال كل الكمال الفقه(١) في الدين، والصبر على النائبة، والتقدير في المعيشة ».

[١٤٧٢٤] ١٣ - الآمدي في الغرر: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: « الاقتصاد ينمي القليل ».

وقالعليه‌السلام : « الاقتصاد ينمي اليسير »(١) .

وقالعليه‌السلام : « الاقتصاد نصف المؤونة »(٢) .

وقالعليه‌السلام : « لن يهلك من اقتصد »(٣) .

وقالعليه‌السلام : « ليس في الاقتصاد تلف »(٤) .

__________________

١١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٣٤.

(١) البقرة ٢ الآية ٢١٩.

(٢) الفرقان ٢٥ الآية ٦٧.

١٢ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٢٥٥ ح ٩٦٩.

(١) في المصدر: التفقه.

١٣ - غرر الحكم ج ١ ص ١٥ ح ٣٨٩.

(١) نفس المصدر ج ١ ص ٢١ ح ٥٦٧.

(٢) نفس المصدر ج ١ ص ٢٢ ح ٦١٥.

(٣) نفس المصدر ج ٢ ص ٥٩٢ ح ٤٤.

(٤) نفس المصدر ج ٢ ص ٥٩٦ ح ٦١.

٥٣

وقالعليه‌السلام : « من لم يحسن الاقتصاد أهلكه الاسراف »(٥) .

وقالعليه‌السلام : « من اقتصد خفت عليه المؤن »(٦) .

وقالعليه‌السلام : « من اقتصد(٧) في الغنى والفقر، فقد استعد لنوائب الدهر »(٨) .

وقالعليه‌السلام : « من صحب الاقتصاد، دامت صحبة الغنى له، وجبر الاقتصاد فقره وخلله »(٩) .

وقالعليه‌السلام : « من المروّة ان تقتصد(١٠) فلا تسرف، وتعد فلا تخلف »(١١) .

٢٠ -( باب وجوب الكد على العيال من الرزق الحلال)

[١٤٧٢٥] ١ - دعائم الاسلام: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: « ما غدوة أحدكم في سبيل الله، بأعظم من غدوته يطلب لولده وعياله ما يصلحهم ».

[١٤٧٢٦] ٢ - الصدوق في الهداية: روي: ان الكاد على عياله من حلال، كالمجاهد في سبيل الله.

[١٤٧٢٧] ٣ - فقه الرضاعليه‌السلام : « واعلم أن نفقتك على نفسك وعيالك

__________________

(٥) غرر الحكم ج ٢ ص ٦٤١ ح ٥٥١.

(٦) نفس المصدر ج ٢ ص ٥٤٩ ح ٦٧٠.

(٧) في المصدر: قصد.

(٨) نفس المصدر ج ٢ ص ٧٠٨ ح ١٣٨٣.

(٩) نفس المصدر ج ٢ ص ٧١٨ ح ١٤٦٣.

(١٠) في المصدر: تقصد.

(١١) نفس المصدر ج ٢ ص ٧٣٤ ح ١٤٠.

الباب ٢٠

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ١٥ ح ٩.

٢ - الهداية ص ١٢.

٣ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٣٤.

٥٤

صدقة، والكاد على عياله من حل، كالمجاهد في سبيل الله ».

[١٤٧٢٨] ٤ - القطب الراوندي في لب اللباب: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « من طلب الدنيا حلالا، استعفافا عن المسألة، وسعيا على عياله، وتعطفا على جاره، لقي الله ووجهه كالقمر ليلة البدر ».

[١٤٧٢٩] ٥ - ابن أبي جمهور في عوالي اللآلي: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: « الكاد على عياله، كالمجاهد في سبيل الله ».

[١٤٧٣٠] ٦ - وفي درر اللآلي: عن ثوبان قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أفضل دينار، دينار أنفقه الرجل على عياله، ودينار أنفقه على دابته في سبيل الله، ودينار أنفقه على أصحابه في سبيل الله، ثم قال: وأي رجل أعظم أجرا، من رجل سعى على عياله صغارا، يعفهم ويغنيهم الله به! ».

[١٤٧٣١] ٧ - مجموعة الشهيدرحمه‌الله : عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: « ومن سعى في نفقة عياله ووالديه، فهو كالمجاهد في سبيل الله ».

٢١ -( باب استحباب شراء العقار، وكراهة بيعه الا ان يشتري بثمنه بدله، وكون العقارات متفرقة)

[١٤٧٣٢] ١ - البحار، عن دلائل الطبري: بإسناده عن موسى بن جعفرعليهما‌السلام قال: حدثني أبي، عن جدهعليه‌السلام : « ان بائع الضيعة ممحوق(١) ، ومشتريها مرزوق ».

__________________

٤ - لب اللباب: مخطوط.

٥ - عوالي اللآلي ج ١ ص ٢٦٨ ح ٧٣.

٦ - درر اللآلي ج ١ ص ١٥.

٧ - مجموعة الشهيد: مخطوط.

الباب ٢١

١ - البحار ج ١٠٢ ص ٦٩ ح ٢٧ عن دلائل الإمامة ص ١٥١.

(١) المحق: النقصان وذهاب البركة ( لسن العرب - محق - ج ١٠ ص ٣٣٨ ).

٥٥

[١٤٧٣٣] ٢ - الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام قال: « قيل: يا رسول الله اي المال خير؟ - إلى أن قال - فأي المال بعد البقر(١) أفضل؟ قال: الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل، نعم المال النخل، من باعها فلم يخلف مكانها، فان ثمنها بمنزلة رماد على رأس شاهقة، اشتدت به الريح في يوم عاصف ».

٢٢ -( باب استحباب مباشرة كبار الأمور، كشراء العقار والرقيق والإبل، والاستنابة فيها سواها، واختيار معالي الأمور، وترك حقيرها)

[١٤٧٣٤] ١ - دعائم الاسلام: عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، انه أوصى بعض أصحابه فقال: « لا تكن دوارا في الأسواق، ولا تل شراء دقائق الأشياء بنفسك، فإنه لا ينبغي(١) للمرء المسلم ذي الدين والحسب ان يشتري دقائق الأشياء بنفسه، خلا ثلاثة أشياء: الغنم، والإبل، والرقيق ».

[١٤٧٣٥] ٢ - ونظر علي(١) عليه‌السلام إلى رجل من أصحابه يحمل بقلا على يده، فقال: « انه يكره للرجل السري ان يحمل الشئ الدنئ، لئلا يتجرأ عليه ».

[١٤٧٣٦] ٣ - الجعفريات: أخبرنا عبد الله بن محمد، أخبرنا محمد بن محمد قال:

__________________

٢ - الجعفريات ص ٢٤٦.

(١) في المصدر: البقرة.

الباب ٢٢

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ١٧ ح ١٨.

(١) في المصدر زيادة: لكم ولا.

٢ - المصدر السابق ج ٢ ص ١٧ ح ١٨.

(١) ليس في المصدر.

٣ - الجعفريات ص ١٩٦.

٥٦

حدثني موسى بن إسماعيل قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالبعليهما‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ان الله عز وجل جواد يحب الجود ومعالي الأمور، ويكره سفسافها ».

٢٣ -( باب كراهة طلب الحوائج من مستحدث النعمة)

[١٤٧٣٧] ١ - الشيخ المفيد في الإختصاص: عن داود الرقي، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « قال: يا داود لئن تدخل يدك في فم التنين(١) إلى المرفق، خير لك من طلب الحوائج ممن لم يكن فكان ».

[١٤٧٣٨] ٢ - الشهيد في الدرة الباهرة: « عن الرضاعليه‌السلام ، أنه قال: « فوت الحاجة، أهون من طلبها إلى غير أهلها ».

[١٤٧٣٩] ٣ - وعن الكاظمعليه‌السلام ، أنه قال: « من ولده الفقر أبطره الغنى ».

٢٤ -( باب عدم جواز ترك الدنيا التي لا بد منها للآخرة، وبالعكس)

[١٤٧٤٠] ١ - القطب الراوندي في قصص الأنبياء: باسناده إلى الصدوق، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن درست، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: « كان لقمان يقول لابنه: يا بني ان الدنيا بحر وقد غرق فيها جبل كثير - إلى أن قال - يا

__________________

الباب ٢٣

١ - الاختصاص ص ٢٣٢، وعنه في البحار ج ١٠٣ ص ٨٦ ح ١٥.

(١) التنين: ضرب من الحيات من أعظمها ( لسان العرب - تنن - ج ١٣ ص ٧٤ ).

٢ - الدرة الباهرة: النسخة المطبوعة خالية من هذا الحديث، ورواه في نهج البلاغة ج ٣ ص ١٦٥ رقم ٦٦، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٥٧ ح ٣٦.

٣ - المصدر السابق ص ٣٦، وعنه في البحار ج ١٠٣ ص ٨٦ ح ١٨.

الباب ٢٤

١ - قصص الأنبياء ص ١٩١.

٥٧

بني خذ من الدنيا بلغة، ولا تدخل فيها دخولا يضر بآخرتك، ولا ترفضها فتكون عيالا على الناس » الخبر.

[١٤٧٤١] ٢ - الجعفريات بإسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كفى بالمرء اثما أن يضيع من يقوت ».

[١٤٧٤٢] ٣ - الخزاز في كفاية الأثر: عن محمد بن وهبان، عن داود بن الهيثم، عن جده إسحاق بن بهلول، عن أبيه بهلول، عن طلحة بن زيد الرقي، عن الزبير ابن عطا، عن عمير بن ( هانئ العنسي )(١) ، عن جنادة بن أبي أمية، عن الحسن ابن عليعليهما‌السلام ، أنه قال: « اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا »، الخبر.

[١٤٧٤٣] ٤ - الحسين بن سعيد الأهوازي في كتاب الزهد: عن محمد بن أبي عمير، عن ( علي الأحمسي )(١) ، عمن أخبره، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، أنه كان يقول: « نعم العون الدنيا على الآخرة ».

٢٥ -( باب استحباب الاغتراب في طلب الرزق، والتبكير إليه، والاسراع في المشي)

[١٤٧٤٤] ١ - دعائم الاسلام: روينا عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن آبائه، عن

__________________

٢ - الجعفريات ص ١٦٥.

٣ - كفاية الأثر ص ٢٢٧.

(١) في الطبعة الحجرية: « ماني العبسي » وفى المصدر « هانئ العيسى » وما أثبتناه هو الصواب ( راجع تقريب التهذيب ج ٢ ص ٨٧ ح ٧٦٥ ).

٤ - كتاب الزهد ص ٥١ ح ١٣٦.

(١) في الطبعة الحجرية: « علي الأحمصي » وفى المصدر: « علي الأحمص » وما أثبتناه هو الصواب ( راجع جامع الرواة ج ١ ص ٥٥٤ ).

الباب ٢٥

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ١٢ ح ١.

٥٨

أمير المؤمنينعليهم‌السلام : ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « إذا أعسر أحدكم(١) فليضرب في الأرض يبتغي من فضل الله، ولا يغم نفسه(٢) ».

الجعفريات: باسناده، عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله مثله(٣) .

[١٤٧٤٥] ٢ - الشيخ المفيد في أماليه: عن أبي بكر الجعابي، عن أحمد بن محمد بن عقدة، عن جعفر بن عبد الله، عن أخيه، عن محمد بن إسحاق بن جعفر، عن محمد بن هلال قال: قال لي أبوك جعفر بن محمد الصادقعليهما‌السلام : « إذا كانت لك حاجة فاغد فيها، فان الأرزاق تقسم قبل طلوع الشمس، وان الله تبارك وتعالى بارك لهذه الأمة في بكورها، وتصدق بشئ عند البكور، فان البلاء لا يتخطى الصدقة ».

[١٤٧٤٦] ٣ - صحيفة الرضاعليه‌السلام : بأسانيدها قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهم بارك لامتي في بكورها: سبتها، وخميسها ».

[١٤٧٤٧] ٤ - القطب الراوندي في فقه القرآن: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « ان الله تبارك وتعالى بارك لامتي في خميسها وسبتها، لأجل الجمعة ».

٢٦ -( باب نوادر ما يتعلق بأبواب مقدمات التجارة)

[١٤٧٤٨] ١ - ابن أبي الحديد في شرح النهج: عن أبي عمر قال: كان سلمان يسف الخوص وهو أمير على المدائن، ويبيعه ويأكل منه، ويقول: لا أحب ان آكل الا

__________________

(١) في المصدر زيادة: فليخرج من بيته.

(٢) في المصدر زيادة: وأهله.

(٣) الجعفريات ص ١٦٥.

٢ - أمالي المفيد ص ٥٣ ح ١٦.

٣ - صحيفة الرضاعليه‌السلام ص ٤٤ ح ٤٩.

٤ - فقه القران ج ١ ص ١٤٧.

الباب ٢٦

١ - شرح النهج ج ١٨ ص ٣٥، وعنه في البحار ج ٢٢ ص ٣٩٠.

٥٩

من عمل يدي، وقد كان تعلم سف الخوص من المدينة.

[١٤٧٤٩] ٢ - أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج: في كتاب سلمان إلى عمر بن الخطاب، في جواب كتاب كتبه إليه إلى، ان قال: واما ما ذكرت اني أقبلت على سف الخوص واكل الشعير، فما هما مما يعير به مؤمن ويؤنب عليه، وأيم الله - يا عمر - لاكل الشعير، وسف الخوص، والاستغناء به عن رفيع المطعم والمشرب، وعن غصب مؤمن، وادعاء ما ليس له بحق، أفضل وأحب إلى الله عز وجل، وأقرب للتقوى، ولقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذا أصاب الشعير أكله وفرح به ولم يسخطه ..، الخبر.

[١٤٧٥٠] ٣ - أبو عمرو الكشي في رجاله: قال: كان محمد بن مسلم رجلا موسرا جليلا، فقال له أبو جعفرعليه‌السلام : « تواضع » فأخذ قوصرة(١) فوضعها على باب المسجد، وجعل يبيع التمر، فجاء قومه فقالوا: فضحتنا، فقال: أمرني مولاي بشئ فلا أبرح حتى أبيع(٢) ، فقالوا: اما إذا أبيت الا هذا، فاقعد في الطحانين، ثم سلموا إليه رحى فقعد على بابه وجعل يطحن. قال أبو النضر: سألت عبد الله بن محمد بن خالد، عن محمد بن مسلم، فقال: كان رجلا شريفا موسرا، فقال له أبو جعفرعليه‌السلام : « تواضع » فلما انصرف إلى الكوفة، اخذ قوصرة من تمر مع الميزان، وجلس على باب المسجد(٣) وجعل ينادي عليه، فأتاه قومه فقالوا: فضحتنا، فقال إن مولاي أمرني بأمر فلن أخالفه، ولن أبرح حتى أفرغ من بيع(٤) هذه القوصرة، فقال له قومه: إذا أبيت

__________________

٢ - الاحتجاج ص ١٣١.

٣ - رجال الكشي ج ١ ص ٣٨٨ ح ٢٧٨.

(١) قوصرة: هي وعاء من قصب يعمل للتمر، ويشدد ويخفف ( النهاية - قوصر - ج ٤ ص ١٢١ )، وفى المصدر: قوصرة من تمر.

(٢) في المصدر زيادة: هذه قوصرة.

(٣) في المصدر زيادة: الجامع.

(٤) في المصدر زيادة: باقي.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

قال (عليه السلام): و كان يوسف من أجمل أهل زمانه فلمّا راهق يوسف راودته امرأة الملك عن نفسه فقال: معاذ الله إنّا أهل بيت لا يزنون فغلّقت الأبواب عليها و عليه و قالت: لا تخف و ألقت نفسها عليه فأفلت منها هاربا إلى الباب ففتحه فلحقته فجذبت قميصه من خلفه فأخرجته منه فأفلت يوسف منها في ثيابه فألفيا سيّدها لدى الباب قالت: ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلّا أن يسجن أو عذاب أليم.

قال: فهمّ الملك بيوسف ليعذّبه فقال له يوسف: ما أردت بأهلك سوءاً بل هي راودتني عن نفسي فسل هذا الصبيّ أيّنا راود صاحبه عن نفسه؟ قال: كان عندها من أهلها صبيّ زائر لها فأنطق الله الصبيّ لفصل القضاء فقال: أيّها الملك انظر إلى قميص يوسف فإن كان مقدوداً من قدّامه فهو الّذي راودها، و إن كان مقدوداً من خلفه فهي الّتي راودته.

فلمّا سمع الملك كلام الصبيّ و ما اقتصّه أفزعه ذلك فزعاً شديداً فجي‏ء بالقميص فنظر إليه فلمّا رآه مقدوداً من خلفه قال لها: إنّه من كيدكنّ إنّ كيدكنّ عظيم. و قال ليوسف: أعرض عن هذا و لا يسمعه منك أحد و اكتمه.

قال: فلم يكتمه يوسف و أذاعه في المدينة حتّى قلن نسوة منهنّ: امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه فبلغها ذلك فأرسلت إليهنّ، و هيّأت لهن طعاماً و مجلساً ثمّ أتتهنّ باُترنج و آتت كلّ واحدة منهنّ سكّينا ثمّ قالت ليوسف: اُخرج عليهنّ فلمّا رأينه أكبرنه و قطّعن أيديهنّ و قلن ما قلن يعني النساء فقالت لهنّ: هذا الّذي لمتنّني فيه تعني في حبّه. و خرجن النسوة من تحتها فأرسلت كلّ واحدة منهنّ إلى يوسف سرّا من صاحبتها تسأله الزيارة فأبى عليهنّ و قال: إلّا تصرف عنّي كيدهنّ أصب إليهنّ و أكن من الجاهلين و صرف الله عنه كيدهنّ.

فلمّا شاع أمر يوسف و امرأة العزيز و النسوة في مصر بدا للملك بعد ما سمع قول الصبيّ ليسجننّ يوسف فسجنه في السجن و دخل السجن مع يوسف فتيان، و كان من قصّتهما و قصّة يوسف ما قصّه الله في الكتاب. قال أبوحمزة: ثمّ انقطع حديث عليّ بن الحسين (عليه السلام).

١٨١

أقول: و روى ما في معناه العيّاشيّ في تفسيره عن أبي حمزة عنه (عليه السلام) باختلاف يسير، و قوله (عليه السلام):( قال معاذ الله إنّا أهل بيت لا يزنون) تفسير بقرينة المحاذاة لقوله في الآية:( إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ ) إلخ و هو يؤيّد ما قدّمناه في بيان الآية أنّ الضمير إلى الله سبحانه لا إلى عزيز مصر كما ذهب إليه أكثر المفسّرين فافهم ذلك.

و قوله: فأبى عليهنّ و قال:( إِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي ) إلخ ظاهر في أنّه (عليه السلام) لم يأخذ قوله:( رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) جزءاً من الدعاء فيوافق ما قدّمناه في بيان الآية أنّه ليس بدعاء.

و في العيون، بإسناده عن حمدان عن عليّ بن محمد بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون و عنده الرضا عليّ بن موسى فقال له المأمون: يا ابن رسول الله أ ليس من قولك: أنّ الأنبياء معصومون؟ قال: بلى- و ذكر الحديث إلى أن قال فيه:( قال ظ) : فأخبرني عن قول الله تعالى:( وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى‏ بُرْهانَ رَبِّهِ ) فقال الرضا (عليه السلام): لقد همّت به و لو لا أن رآي برهان ربّه لهمّ بها لكنّه كان معصوما، و المعصوم لا يهمّ بذنب و لا يأتيه.

و لقد حدّثني أبي عن أبيه الصادق (عليه السلام) أنّه قال: همّت بأن تفعل و همّ بأن لا يفعل فقال المأمون: لله درّك يا أباالحسن.

أقول: تقدّم أنّ ابن الجهم هذا لا يخلو عن شي‏ء لكنّ صدر الحديث أعني جواب الرضا (عليه السلام) يوافق ما قدّمناه في بيان الآية و أمّا ما نقله عن جدّه الصادق (عليه السلام)( أنّها همّت بأن تفعل و همّ بأن لا يفعل) فلعلّ المراد به ما ذكره الرضا (عليه السلام) من الجواب لقبوله الانطباق عليه و لعلّ المراد به همّه بقتلها كما يؤيّده الحديث الآتي فينطبق على بعض الاحتمالات المتقدّمة في بيان الآية.

و فيه، بإسناده عن أبي الصلت الهرويّ قال: لمّا جمع المأمون لعليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) أهل المقالات من أهل الإسلام و من الديانات من اليهود و النصارى و المجوس و الصابئين و سائر أهل المقالات فلم يقم أحد إلّا و قد ألزمه حجّته كأنّه

١٨٢

اُلقم حجرا.

قام إليه عليّ بن محمد بن الجهم فقال: يا ابن رسول الله أ تقول بعصمة الأنبياء؟ فقال: نعم. فقال له: فما تقول في قوله عزّوجلّ في يوسف:( وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها ) ؟ فقال له: أمّا قوله تعالى في يوسف:( وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها ) فإنّها همّت بالمعصية و همّ يوسف بقتلها إن أجبرته لعظيم ما تداخله فصرف الله عنه قتلها و الفاحشة. و هو قوله عزّوجلّ:( كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ ) و السوء القتل و الفحشاء الزنا.

و في الدرّ المنثور، أخرج أبونعيم في الحلية عن عليّ بن أبي طالب: في قوله:( وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها ) قال: طمعت فيه و طمع فيها، و كان من الطمع أن همّ بحلّ التكّة فقامت إلى صنم مكلّل بالدرّ و الياقوت في ناحية البيت فسترته بثوب أبيض بينها و بينه فقال: أي شي‏ء تصنعين؟ فقالت: أستحيي من إلهي أن يراني على هذه الصورة- فقال يوسف (عليه السلام): تستحين من صنم لا يأكل و لا يشرب، و لا أستحيي أنا من إلهي الّذي هو قائم على كلّ نفس بما كسبت؟ ثمّ قال: لا تنالينها منّي أبدا. و هو البرهان الّذي رأى.

أقول: و الرواية من الموضوعات كيف؟ و كلامه و كلام سائر أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) مشحون بذكر عصمة الأنبياء و مذهبهم في ذلك مشهور.

على أنّ سترها الصنم و انتقاله من ذلك إلى ما ذكّره لها من الحجّة لا يعدّ من رؤية البرهان، و قد ورد هذا المعنى في عدّة روايات من طرق أهل البيت (عليهم السلام) لكنّها آحاد لا تعويل عليها. نعم لا يبعد أن تقوم المرأة إلى ستر صنم كان هناك فتنزع نفس يوسف (عليه السلام) إلى مشاهدة آية التوحيد عند ذلك فيرتفع الحجاب بينه و بين ساحة الكبرياء فيرى ما يصرفه عن كلّ سوء و فحشاء كما كان له ذلك من قبل، و قد قال تعالى في حقّه:( إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ ) . فإن صحّ شي‏ء من هذه الروايات فليكن هذا معناه.

و فيه،: أخرج أبوالشيخ عن ابن عبّاس قال: عثر يوسف (عليه السلام) ثلاث عثرات:

١٨٣

حين همّ بها فسجن، و حين قال:( اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ) فلبث في السجن بضع سنين فأنساه الشيطان ذكر ربّه. و حين قال:( إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ ) قالوا: إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل.

أقول: و الرواية تخالف صريح كلامه تعالى حيث يذكر أنّ الله اجتباه و أخلصه لنفسه و أنّ الشيطان لا سبيل له إلى من أخلصه الله لنفسه و كيف يستقيم لمن همّ على أفحش معصية و أنساه الشيطان ذكر ربّه ثمّ كذب في مقاله فعاقبه الله بالسجن ثمّ بلبثه فيه بضع سنين و جبّه بالسرقة أن يعدّه الله صدّيقاً من عباده المخلصين و المحسنين، و يذكر أنّه آتاه الحكم و العلم و اجتباه و أتمّ عليه نعمته، و على هذا السبيل روايات جمّة رواها في الدرّ المنثور، و قد تقدّم نقل شطر منها عند بيان الآيات، و لا تعويل على شي‏ء منها.

و فيه، أخرج أحمد و ابن جرير و البيهقيّ في الدلائل عن ابن عبّاس عن النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) قال: تكلّم أربعة و هم صغار: ابن ماشطة بنت فرعون، و شاهد يوسف، و صاحب جريح، و عيسى بن مريم.

و في تفسير القمّيّ قال: و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام): في قوله:( قَدْ شَغَفَها حُبًّا ) يقول: قد حجبها حبّه عن الناس فلا تعقل غيره، و الحجاب هو الشغاف، و الشغاف هو حجاب القلب.

و فيه، في حديث جمعها النسوة و تقطيعهنّ أيديهنّ قال: فما أمسى يوسف (عليه السلام) في ذلك اليوم حتّى بعثت إليه كلّ امرأة رأته تدعوه إلى نفسها فضجر يوسف في ذلك اليوم فقال:( رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَ إِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَ أَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ) .الحديث.

١٨٤

( سورة يوسف الآيات ٣٥ - ٤٢)

ثُمّ بَدَا لَهُمْ مِن بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنّهُ حَتّى‏ حِينٍ( ٣٥) وَدَخَلَ مَعَهُ السّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الْأَخَرُ إِنّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطّيْرُ مِنْهُ نَبّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ( ٣٦) قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلّا نَبّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذلِكُمَا مِمّا عَلّمَنِي رَبّي إِنّي تَرَكْتُ مِلّةَ قَوْمٍ لاّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ( ٣٧) وَاتّبَعْتُ مِلّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْ‏ءٍ ذلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النّاسِ وَلكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ( ٣٨) يَا صَاحِبَيِ السّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مّتَفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهّارُ( ٣٩) مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلّا أَسْماءً سَمّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلّا للّهِ‏ِ أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلّا إِيّاهُ ذلِكَ الدّينُ الْقَيّمُ وَلكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ( ٤٠) يَاصَاحِبَيِ السّجْنِ أَمّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبّهُ خَمْراً وَأَمّا الْأَخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطّيْرُ مِن رّأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ( ٤١) وَقَالَ لِلّذِي ظَنّ أَنّهُ نَاجٍ مّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبّكَ فَأَنسَاهُ الشّيْطَانُ ذِكْرَ رَبّهِ فَلَبِثَ فِي السّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ( ٤٢)

١٨٥

( بيان)

تتضمّن الآيات شطراً من قصّته (عليه السلام) و هو دخوله السجن و مكثه فيه بضع سنين و هو مقدّمة تقرّبه التامّ عند الملك و نيله عزّة مصر، و فيه دعوته في السجن إلى دين التوحيد، و قد جاء ببيان عجيب، و إظهاره لأوّل مرّة أنّه من اُسرة إبراهيم و إسحاق و يعقوب.

قوله تعالى: ( ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حتّى حِينٍ ) البداء هو ظهور رأي بعد ما لم يكن يقال: بدا لي في أمر كذا أي ظهر لي فيه رأي جديد، و الضمير في قوله:( لَهُمْ ) إلى العزيز و امرأته و من يتلوهما من أهل الاختصاص و أعوان الملك و العزّة.

و المراد بالآيات الشواهد و الأدلّة الدالّة على براءة يوسف (عليه السلام) و طهارة ذيله ممّا اتّهموه به كشهادة الصبيّ و قدّ القميص من خلفه و استباقهما الباب معا، و لعلّ منها تقطيع النسوة أيديهنّ برؤيته و استعصامه عن مراودتهنّ إيّاه عن نفسه و اعتراف امرأة العزيز لهنّ أنّها راودته عن نفسه فاستعصم.

و قوله:( لَيَسْجُنُنَّهُ ) اللّام فيه للقسم أي أقسموا و عزموا ليسجننّه البتّة، و هو تفسير للرأي الّذي بدا لهم، و يتعلّق به قوله:( حتّى حِينٍ ) و لا يخلو من معنى الانتظار بالنظر إلى قطع حين عن الإضافة و المعنى على هذا ليسجننّه حتّى ينقطع حديث المراودة الشائع في المدينة و ينساه الناس.

و معنى الآية: ثمّ ظهر للعزيز و من يتلوه من امرأته و سائر مشاوريه رأي جديد في يوسف من بعد ما رأوا هذه الآيات الدالّة على براءته و عصمته و هو أن يسجنوه حينا من الزمان حتّى ينسى حديث المراودة الّذي يجلب لهم العار و الشين و أقسموا على ذلك.

و يظهر بذلك أنّهم إنّما عزموا على ذلك لمصلحة بيت العزيز و صوناً لاُسرته

١٨٦

عن هوان التهمة و العار، و لعلّ من غرضهم أن يتحفّظوا على أمن المدينة العامّ و لا يخلوا الناس و خاصّة النساء أن يفتتنوا به فإنّ هذا الحسن الّذي أوله امرأة العزيز و السيّدات من شرفاء المدينة و فعل بهم ما فعل من طبعه أن لا يلبث دون أن يقيم في المدينة بلوى.

لكن الّذي يظهر من قوله في السجن لرسول الملك:( ارْجِعْ إِلى‏ رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ) إلى آخر ما قال ثمّ قول الملك لهنّ:( ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ ) ، و قولهن:( حاشَ لله ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ ) ثم قول امرأة العزيز:( الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ) ، كلّ ذلك يدلّ على أنّ المرأة ألبست الأمر بعد على زوجها و أرابته في براءة يوسف (عليه السلام) فاعتقد خلاف ما دلّت عليه الآيات أو شكّ في ذلك، و لم يكن ذلك إلّا عن سلطة تامّة منها عليه و تمكّن كامل من قلبه و رأيه.

و على هذا فقد كان سجنه بتوسّل أو بأمر منها لتدفع بذلك تهمة الناس عن نفسها و تؤدّب يوسف لعلّه ينقاد لها و يرجع إلى طاعتها فيما كانت تأمره به كما هدّدته به بمحضر من النسوة بقولها:( وَ لَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَ لَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ ) .

قوله تعالى: ( وَ دَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ ) إلى آخر الآية الفتى العبد و سياق الآيات يدلّ على أنّهما كانا عبدين من عبيد الملك، و قد وردت به الروايات كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

و قوله:( قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً ) فصل قوله:( قالَ أَحَدُهُما ) للدلالة على الفصل بين حكاية الرؤيا و بين الدخول كما يشعر به ما في السياق من قوله:( أَرانِي ) و خطابه له بصاحب السجن.

و قوله:( أَرانِي ) لحكاية الحال الماضية كما قيل، و قوله:( أَعْصِرُ خَمْراً ) أي أعصر عنبا كما يعصر ليتّخذ خمراً فقد سمّي العنب خمراً باعتبار ما يؤول إليه.

و المعنى أصبح أحدهما و قال ليوسف (عليه السلام) إنّي رأيت فيما يرى النائم أنّي

١٨٧

أعصر عنبا للخمر.

و قوله:( وَ قالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ) أي تنهشه و هي رؤيا اُخرى ذكرها صاحبه. و قوله:( نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) أي قالا نبّئنا بتأويله فاكتفى عن ذكر الفعل بقوله:( قال ) ( و قال ) و هذا من لطائف تفنّن القرآن، و الضمير في قوله:( بِتَأْوِيلِهِ ) راجع إلى ما يراه المدلول عليه بالسياق، و في قوله:( إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) تعليل لسؤالهما التأويل و( نَراكَ ) أي نعتقدك من المحسنين لما نشاهد فيك من سيماهم، و إنّما أقبلا عليه في تأويل رؤياهما لإحسانه، لما يعتقد عامّة الناس أنّ المحسنين الأبرار ذوو قلوب طاهرة و نفوس زاكية فهم ينتقلون إلى روابط الاُمور و جريان الحوادث انتقالاً أحسن و أقرب إلى الرشد من انتقال غيرهم.

و المعنى: قال أحدهما ليوسف: إنّي رأيت فيما يرى النائم كذا و قال الآخر: إنّي رأيت كذا، و قالا له: أخبرنا بتأويل ما رآه كلّ منّا لأنّا نعتقد أنّك من المحسنين، و لا يخفى لهم أمثال هذه الاُمور الخفيّة لزكاء نفوسهم و صفاء قلوبهم.

قوله تعالى: ( قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ) لمّا أقبل صاحبا السجن على يوسف (عليه السلام) في سؤاله عن تأويل رؤيا رأياها عن حسن ظنّ به من جهة ما كانا يشاهدان منه سيماء المحسنين اغتنم (عليه السلام) الفرصة في بثّ ما عنده من أسرار التوحيد و الدعوة إلى ربّه سبحانه الّذي علّمه ذلك فأخبرهما أنّه عليم بذلك بتعليم من ربّه خبير بتأويل الأحاديث و توسّل بذلك إلى الكشف عن سرّ التوحيد و نفي الشركاء ثمّ أوّل رؤياهما.

فقال أوّلا: لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ - و أنتما في السجن - إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ - أي بتأويل ذاكما الطعام و حقيقته و ما يؤول إليه أمره - فأنا خبير بذلك فليكن آية لصدقي فيما أدعوكما إليه من دين التوحيد.

هذا على تقدير عود الضمير في قوله:( بِتَأْوِيلِهِ ) إلى الطعام، و يكون عليه إظهاراً منه (عليه السلام) لآية نبوّته نظير قول المسيح (عليه السلام) لبني إسرائيل:( وَ أُنَبِّؤُكُمْ

١٨٨

بِما تَأْكُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) آل عمران: ٤٩، و يؤيّد هذا المعنى بعض الروايات الواردة من طرق أهل البيت (عليه السلام) كما سيأتي في بحث روائيّ إن شاء الله تعالى.

و أمّا على تقدير عود ضمير( بِتَأْوِيلِهِ ) إلى ما رأياه من الرؤيا فقوله:( لا يَأْتِيكُما طَعامٌ ) إلخ، وعد منه لهما تأويل رؤياهما و وعد بتسريعه غير أنّ هذا المعنى لا يخلو من بعد بالنظر إلى السياق.

قوله تعالى: ( ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ وَ اتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ ) بيّن (عليه السلام) أنّ العلم و التنبّؤ بتأويل الأحاديث ليس من العلم العاديّ الاكتسابيّ في شي‏ء بل هو ممّا علّمه إيّاه ربّه ثمّ علّل ذلك بتركه ملّة المشركين و اتّباعه ملّة آبائه إبراهيم و إسحاق و يعقوب أي رفضه دين الشرك و أخذه بدين التوحيد.

و المشركون من أهل الأوثان يعتقدون بالله سبحانه و يثبتون يوم الجزاء بالقول بالتناسخ كما تقدّم في الجزء السابق من الكتاب لكن دين التوحيد يحكم أنّ الّذي يقدّر له شركاء في التأثير أو في استحقاق العبادة ليس هو الله و كذا عود النفوس بعد الموت بأبدان اُخرى تتنعّم فيها أو تعذّب ليس من المعاد في شي‏ء، و لذلك نفى (عليه السلام) عنهم الإيمان بالله و بالآخرة، و أكّد كفرهم بالآخرة بتكرار الضمير حيث قال:( وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ ) و ذلك لأنّ من لا يؤمن بالله فأحرى به أن لا يؤمن برجوع العباد إليه.

و هذا الّذي يقصّه الله سبحانه من قول يوسف (عليه السلام):( وَ اتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ) هو أوّل ما أنبأ في مصر نسبه و أنّه من أهل بيت إبراهيم و إسحاق و يعقوب (عليه السلام).

قوله تعالى: ( ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْ‏ءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَ عَلَى النَّاسِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ) أي لم يجعل الله سبحانه لنا أهل البيت سبيلا إلى أن نشرك به شيئا و منعنا من ذلك، ذلك المنع من فضل الله و نعمته علينا

١٨٩

أهل البيت و على الناس و لكنّ أكثر الناس لا يشكرون فضله تعالى بل يكفرون به.

و أمّا أنّه تعالى جعلهم بحيث لا سبيل لهم إلى أن يشركوا به فليس جعل إجبار و إلجاء بل جعل تأييد و تسديد حيث أنعم عليهم بالنبوّة و الرسالة و الله أعلم حيث يجعل الرسالة فاعتصموا بالله عن الشرك و دانوا بالتوحيد.

و أمّا أنّ ذلك من فضل الله عليهم و على الناس فلأنّهم أيدوا بالحقّ و هو أفضل الفضل و الناس في وسعهم أن يرجعوا إليهم فيفوزوا باتّباعهم و يهتدوا بهداهم.

و أمّا أنّ أكثر الناس لا يشكرون فلأنّهم يكفرون بهذه النعمة و هي النبوّة و الرسالة فلا يعبؤون بها و لا يتّبعون أهلها أو لأنّهم يكفرون بنعمة التوحيد و يتّخذون لله سبحانه شركاء من الملائكة و الجنّ و الإنس يعبدونهم من دون الله.

هذا ما ذكره أكثر المفسّرين في معنى الآية.

و يبقى عليه شي‏ء و هو أنّ التوحيد و نفي الشركاء ليس ممّا يرجع فيه إلى بيان النبوّة فإنّه ممّا يستقلّ به العقل و تقضي به الفطرة فلا معنى لعدّه فضلا على الناس من جهة الاتّباع بل هم و الأنبياء في أمر التوحيد على مستوى واحد و شرع سواء و لو كفروا بالتوحيد فإنّما كفروا لعدم إجابتهم لنداء الفطرة لا لعدم اتّباع الأنبياء.

لكن يجب أن يعلم أنّه كما أنّ من الواجب في عناية الله سبحانه أن يجهّز نوع الإنسان مضافاً إلى الهامّة من طريق العقل الخير و الشرّ و التقوى و الفجور بما يدرك به أحكام دينه و قوانين شرعه و هو سبيل النبوّة و الوحي، و قد تكرّر توضيحه في أبحاثنا السابقة كذلك من الواجب في عنايته أن يجهّز أفراداً منه بنفوس طاهرة و قلوب سليمة مستقيمة على فطرتها الأصليّة لازمة لتوحيده ممتنعة عن الشرك به يستبقي به أصل التوحيد عصراً بعد عصر و يحيى به روح السعادة جيلا بعد جيل، و البرهان عليه هو البرهان على النبوّة و الوحي فإنّ الواحد من الإنسان العاديّ لا يمتنع عليه الشرك و نسيان التوحيد، و الجائز على الواحد جائز على الجميع و في تلبّس الجميع بالشرك فساد النوع في غايته و بطلان الغرض الإلهيّ في خلقته.

١٩٠

فمن الواجب أن يكون في النوع رجال متلبّسون بإخلاص التوحيد يقومون بأمره و يدافعون عنه و ينبّهون الناس عن رقدة الغفلة و الجهالة بإلقاء حججه و بثّ شواهده و آياته و بينهم و بين الناس رابطة التعليم و التعلّم دون السوق و الاتّباع.

و هذه النفوس إن كانت فهي نفوس الأنبياء و الأئمة (عليهم السلام)، و في خلقهم و بعثهم فضل من الله سبحانه عليهم بتعليم توحيده لهم، و على الناس بنصب من يذكّرهم الحقّ الّذي تقضي به فطرتهم و يدافع عن الحقّ تجاه غفلتهم و ضلالتهم فإنّ اشتغال الناس بالأعمال المادّيّة و مزاولتهم للاُمور الحسّيّة تجذبهم إلى اللّذّات الدنيويّة و تحرّضهم على الإخلاد إلى الأرض فتبعّدهم عن المعنويّات و تنسيهم ما في فطرهم من المعارف الإلهيّة، و لو لا رجال متألّهون متولّهون في الله الّذين أخلصهم بخالصة ذكرى الدار في كلّ برهة من الزمان لاُحيطت الأرض بالعماء، و انقطع السبب الموصول بين الأرض و السماء، و بطلت غاية الخلقة، و ساخت الأرض بأهلها.

و من هنا يظهر أنّ الحقّ أن تنزّل الآية على هذه الحقيقة فيكون معنى الآية: لم يجعل لنا بتأييد من الله سبيل إلى أن نشرك بالله شيئا، ذلك أي كوننا في أمن من الشرك من فضل الله علينا لأنّه الهدى الّذي هو سعادة الإنسان و فوزه العظيم. و على الناس لأنّ في ذلك تذكيرهم إذا نسوا و تنبيههم إذا غفلوا، و تعليمهم إذا جهلوا، و تقويمهم إذا عوجّوا و لكنّ أكثر الناس لا يشكرون الله بل يكفرون بهذا الفضل فلا يعبؤون به و لا يقبلون عليه بل يعرضون عنه. هذا.

و ذكر بعضهم في معنى الآية: أنّ المشار إليه بقوله:( ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا ) إلخ، هو العلم بتأويل الأحاديث. و هو كما ترى بعيد من سياق الآية.

قوله تعالى: ( يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) لفظة الخير بحسب الوزن صفة من قولهم: خار يخار خيرة إذا انتخب و اختار أحد شيئين يتردّد بينهما من حيث الفعل أو من حيث الأخذ بوجه فالخير منهما هو الّذي يفضل على الآخر في صفة المطلوبيّة فيتعيّن الأخذ به فخير الفعلين هو المطلوب منهما الّذي يتعيّن القيام به و خير الشيئين هو المطلوب منهما من جهة الأخذ به

١٩١

كخير المالين من جهة التمتّع به و خير الدارين من جهة سكناها و خير الإنسانين من جهة مصاحبته، و خير الرأيين من جهة الأخذ به، و خير الإلهين من جهة عبادته، و من هنا ذكر أهل الأدب أنّ الخير في الأصل( أخير ) أفعل تفضيل، و الحقيقة أنّه صفة مشبهة تفيد بحسب المادّة ما يفيده أفعل التفضيل من الفضل في القياس.

و بما مرّ يتبيّن أنّ قوله (عليه السلام):( أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) إلخ مسوق لبيان الحجّة على تعيّنه تعالى للعبادة إذا فرض تردّد الأمر بينه و بين سائر الأرباب الّتي تدعى من دون الله لا لبيان أنّه تعالى هو الحقّ الموجود دون غيره من الأرباب أو أنّه تعالى هو الإله الّذي تنتهي إليه الأشياء بدءاً و عوداً دونها أو غير ذلك فإنّ الشي‏ء إنّما يسمّى خيراً من جهة طلبه و تعيينه بالأخذ به بنحو فقوله (عليه السلام): أهو خير أم سائر الأرباب؟ يريد به السؤال عن تعيّن أحد الطرفين من جهة الأخذ به و الأخذ بالربّ هو عبادته.

ثمّ إنّه (عليه السلام) سمّى آلهتهم أرباباً متفرّقين لأنّهم كانوا يعبدون الملائكة و هم عندهم صفات الله سبحانه أو تعيّنات ذاته المقدّسة الّتي تستند إليها جهات الخير و السعادة في العالم فيفرّقون بين الصفات بتنظيمها طولاً و عرضاً و يعبدون كلّا بما يخصّه من الشأن فهناك إله العلم و إله القدرة و إله السماء و إله الأرض و إله الحسن و إله الحبّ و إله الأمن و الخصب و غير ذلك، و يعبدون الجنّ و هم مبادئ الشرّ في العالم كالموت و الفناء و الفقر و القبح و الألم و الغمّ و غير ذلك، و يعبدون أفراداً كالكملين من الأولياء و الجبابرة من السلاطين و الملوك و غيرهم، و هم جميعاً متفرّقون من حيث أعيانهم و من حيث أصنامهم و التماثيل المتّخذة لهم المنصوبة للتوجّه بها إليهم.

و قابل الأرباب المتفرّقين بذكر الله عزّ اسمه و وصفه بالواحد القهّار حيث قال:( أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) فالكلمة تفيد بحسب المعنى خلاف ما يفيده قوله:( أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ ) لضرورة التقابل بين طرفي الترديد.

فالله علم بالغلبة يراد به الذات المقدّسة الإلهيّة الّتي هي حقيقة لا سبيل للبطلان

١٩٢

إليه و وجود لا يتطرّق العدم و الفناء إليه، و الوجود الّذي هذا شأنه لا يمكن أن يفرض له حدّ محدود و لا أمد ممدود لأنّ كلّ محدود فهو معدوم وراء حدّه، و الممدود باطل بعد أمده فهو تعالى ذات غير محدود و وجود غير متناه بحت، و إذا كان كذلك لم يمكن أن يفرض له صفة خارجة عن ذاته مباينة لنفسه كما هو الحال في صفاته لتأدية هذه المغايرة إلى كونه تعالى محدوداً غير موجود في ظرف الصفة و فاقرا لا يجد الصفة في ذاته و لم يمكن أيضاً فرض المغايرة و البينونة بين صفاته الذاتيّة كالحياة و العلم و القدرة لأنّ ذلك يؤدّي إلى وجود حدود في داخل الذات لا يوجد ما في داخل حدّ في خارجه فيتغاير الذات و الصفات و يتكثّر جميعا و يحدّ، و هذا كلّه ممّا اعترفت به الوثنيّة على ما بأيدينا من معارفهم.

فممّا لا يتطرّق إليه الشكّ عند المثبتين لوجود الإله سبحانه لو تفطّنوا أنّ الله سبحانه موجود في نفسه ثابت بذاته لا موجود بهذا النعت غيره، و أنّ ما له من صفات الكمال فهو عينه غير زائد عليه و لا بعض صفات كماله صفات زائد على بعض فهو علم و قدرة و حياة بعينه.

فهو تعالى أحديّ الذات و الصفات أي إنّه واحد في وجوده بذاته ليس قباله شي‏ء إلّا موجوداً به لا مستقلّاً بالوجود و واحد في صفاته أي ليس هناك صفة له حقيقيّة إلّا أن تكون عين الذات فهو الّذي يقهر كلّ شي‏ء لا يقهره شي‏ء.

و الإشارة إلى هذا كلّه هي الّتي دعته (عليه السلام) أن يصف الله سبحانه بالواحد القهّار حيث قال:( أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) أي إنّه تعالى واحد لكن لا واحد عدديّ إذا اُضيف إليه آخر صار اثنين بل واحد لا يمكن أن يفرض قباله ذات إلّا و هي موجودة به لا بنفسها و لا أن يفرض قباله صفة له إلّا و هي عينه و إلّا صارت باطلة كلّ ذلك لأنّه بحث غير محدود بحدّ و لا منته إلى نهاية.

و قد تمّت الحجّة على الخصم منه (عليه السلام) في هذا السؤال بما وصف الأرباب بكونهم متفرّقين، و إيّاه تعالى بالواحد القهّار لأنّ كون ذاته المتعالية واحداً قهّاراً يبطل التفرقة - أيّ تفرقة مفروضة - بين الذات و الصفات، فالذات عين

١٩٣

الصفات و الصفات بعضها عين بعض فمن عبد الذات عبد الذات و الصفات و من عبد علمه فقد عبد ذاته، و إن عبد علمه و لم يعبد ذاته فلم يعبد لا علمه و لا ذاته و على هذا القياس.

فإذا فرض تردّد العبادة بين أرباب متفرّقين و بين الله الواحد القهّار تعالى و تقدّس تعيّنت عبادته دونهم إذ لا يمكن فرض أرباب متفرّقين و لا تفرقة في العبادة.

نعم يبقى هناك شي‏ء و هو الّذي يعتمد عليه عامّة الوثنيّة من أنّ الله سبحانه أجلّ و أرفع ذاتاً من أن تحيط به عقولنا أو يناله أفهامنا فلا يمكننا التوجّه إليه بعبادته و لا يسعنا التقرّب منه بعبوديّته و الخضوع له، و الّذي يسعنا هو أن نتقرّب بالعبادة إلى بعض مخلوقاته الشريفة الّتي هي مؤثّرات في تدبير النظام العالميّ حتّى يقرّبونا منه و يشفعوا لنا عنده فأشار (عليه السلام) في الشطر الثاني من كلامه أعني قوله:( ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً ) إلخ إلى دفعه.

قوله تعالى: ( ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لله أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) إلخ، بدأ (عليه السلام) بخطاب صاحبيه في السجن أوّلا ثمّ عمّم الخطاب للجميع لأنّ الحكم مشترك بينهما و بين غيرهما من عبدة الأوثان.

و نفي العبادة إلّا عن الأسماء كناية عن أنّه لا مسمّيات وراء هذه الأسماء فتقع العبادة في مقابل الأسماء كلفظة إله السماء و إله الأرض و إله البحر و إله البرّ و الأب و الاُمّ و ابن الإله و نظائر ذلك.

و قد أكّد كون هذه الأسماء ليس وراءها مسمّيات بقوله:( أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ) فإنّه في معنى الحصر أي لم يضع هذه الأسامي أحد غيركم بل أنتم و آباؤكم وضعتموها، ثمّ أكّده ثانياً بقوله:( ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ) و السلطان هو البرهان لتسلّطه على العقول أي ما أنزل الله بهذه الأسماء أو بهذه التسمية من برهان يدلّ على أنّ لها مسمّيات وراءها، و حينئذ كان يثبت لها الاُلوهيّة أي المعبوديّة فصحّت عبادتكم لها.

١٩٤

و من الجائز أن يكون ضمير( بِها ) عائداً إلى العبادة أي ما أنزل الله حجّة على عبادتها بأن يثبت لها شفاعة و استقلالاً في التأثير حتّى تصحّ عبادتها و التوجّه إليها فإنّ الأمر إلى الله على كلّ حال. و إليه أشار بقوله بعده:( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لله ) .

و هو أعني قوله:( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لله ) ممّا لا ريب فيه البتّة إذ الحكم في أمر ما لا يستقيم إلّا ممّن يملك تمام التصرّف، و لا مالك للتصرّف و التدبير في اُمور العالم و تربية العباد حقيقة إلّا الله سبحانه فلا حكم بحقيقة المعنى إلّا له.

و هو أعني قوله:( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لله ) مفيد فيما قبله و ما بعده صالح لتعليلهما معا، أمّا فائدته في قوله قبل:( ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ) فقد ظهرت آنفاً، و أمّا فائدته في قوله بعد:( أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) فلأنّه متضمّن لجانب إثبات الحكم كما أنّ قوله قبل:( ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ) متضمّن لجانب السلب، و حكمه تعالى نافذ في الجانبين معا فكأنّه لمّا قيل:( ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ) قيل:( فما ذا حكم به في أمر العبادة) فقيل:( أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) و لذلك جي‏ء بالفعل.

و معنى الآية - و الله أعلم - ما تعبدون من دون الله إلّا أسماء خالية عن المسمّيات لم يضعها إلّا أنتم و آباؤكم من غير أن ينزّل الله سبحانه من عنده برهانا يدلّ على أنّ لها شفاعة عند الله أو شيئا من الاستقلال في التأثير حتّى يصحّ لكم دعوى عبادتها لنيل شفاعتها، أو طمعا في خيرها أو خوفا من شرّها.

و أمّا قوله:( ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) فيشير به إلى ما ذكره من توحيد الله و نفي الشريك عنه، و القيّم هو القائم بالأمر القوي على تدبيره أو القائم على ساقه غير المتزلزل و المتضعضع، و المعنى أنّ دين التوحيد وحده هو القويّ على إدارة المجتمع و سوقه إلى منزل السعادة، و الدين المحكم غير المتزلزل الّذي فيه الرشد من غير غيّ و الحقّيّة من غير بطلان، و لكنّ أكثر الناس لاُنسهم بالحسّ و المحسوس و انهماكهم في زخارف الدنيا الفانية حرموا سلامة

١٩٥

القلب و استقامة العقل لا يعلمون ذلك، و إنّما يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا و هم عن الآخرة معرضون.

أمّا أنّ التوحيد دين فيه الرشد و مطابقة الواقع فيكفي في بيانه ما أقامه (عليه السلام) من البرهان، و أمّا أنّه هو القويّ على إدارة المجتمع الإنسانيّ فلأن هذا النوع إنّما يسعد في مسير حياته إذا بنى سنن حياته و أحكام معاشه على مبني حقّ مطابق للواقع فسار عليها لا إذا بناها على مبني باطل خرافيّ لا يعتمد على أصل ثابت.

فقد بان من جميع ما تقدّم أنّ الآيتين جميعا أعني قوله:( يا صاحِبَيِ السِّجْنِ - إلى قوله -أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) برهان واحد على توحيد العبادة، محصّله أنّ عبادة المعبود إن كانت لاُلوهيّته في نفسه و وجوب وجوده بذاته فالله سبحانه في وجوده واحد قهّار لا يتصوّر له ثان و لا مع تأثيره مؤثّر آخر فلا معنى لتعدّد الآلهة، و إن كانت لكون آلهة غير الله شركاء له شفعاء عنده فلا دليل على ثبوت الشفاعة لهم من قبل الله سبحانه بل الدليل على خلافه فإنّ الله حكم من طريق العقل و بلسان أنبيائه أن لا يعبد إلّا هو.

و بذلك يظهر فساد ما أورده البيضاويّ في تفسيره تبعا للكشّاف أنّ الآيتين تتضمّنان دليلين على التوحيد فما في الاُولى و هو قوله:( أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) دليل خطابيّ، و ما في الثانية و هو قوله:( ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً ) إلخ برهان تامّ.

قال البيضاويّ: و هذا من التدرّج في الدعوة و إلزام الحجة بيّن لهم أوّلا رجحان التوحيد على اتّخاذ الآلهة على طريق الخطابة ثمّ برهن على أنّ ما يسمّونها آلهة و يعبدونها لا تستحقّ الإلهيّة فإنّ استحقاق العبادة إمّا بالذات و إمّا بالغير و كلا القسمين منتف عنهما ثمّ نصّ على ما هو الحقّ القويم و الدين المستقيم الّذي لا يقتضي العقل غيره و لا يرتضي العلم دونه. انتهى.

و لعلّ الّذي حداه إلى ذلك ما في الآية الاُولى من لفظة الخير فاستظهر منه الرجحان الخطابيّ، و قد فاته ما فيها من قيد( الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) و قد عرفت تقرير

١٩٦

ما تتضمّنه الآيتان من البرهان، و أنّ الّذي ذكره من معنى الآية الثانية هو مدلول مجموع الآيتين دون الثانية فحسب.

و ربّما يقرّر مدلول الآيتين برهانين على التوحيد بوجه آخر ملخّصه أنّ الله الواحد الّذي يقهر بقدرته الأسباب المتفرّقة الّتي تفعل في الكون و يسوقها على تلائم آثارها المتفرّقة المتنوّعة بعضها مع بعض حتّى ينتظم منها نظام واحد غير متناقض الأطراف كما هو المشهود من وحدة النظام و توافق الأسباب خير من أرباب متفرّقين تترشّح منها لتفرّقها و مضادّتها أنظمة مختلفة و تدابير متضادّة تؤدّي إلى انفصام وحدة النظام الكونيّ و فساد التدبير الواحد العموميّ.

ثمّ الآلهة المعبودة من دون الله أسماء لا دليل على وجود مسمّياتها في الخارج بتسميتكم لا من جانب العقل و لا من جانب النقل لأنّ العقل لا يدلّ إلّا على التوحيد و الأنبياء لم يؤمروا من جهة الوحي إلّا بأن لا يعبد إلّا الله وحده. انتهى.

و هذا التقرير - كما ترى - ينزّل الآية الاُولى على معنى قوله تعالى:( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا ) الأنبياء: ٢٢، و يعمّم الآية الثانية على نفي اُلوهيّة آلهة إلّا الله بذاتها و نفي اُلوهيّتها من جهة إذن الله في شفاعتها.

و يرد عليه أوّلا: أنّ فيه تقييداً لإطلاق قوله:( الْقَهَّارُ ) من غير مقيّد فإنّ الله سبحانه كما يقهر الأسباب في تأثيرها يقهر كلّ شي‏ء في ذاته و صفته و آثاره فلا ثاني له في وجوده و لا ثاني له في استقلاله في نفسه و في تأثيره فلا يتأتّى مع وحدته القاهرة على الإطلاق أن يفرض شي‏ء يستقلّ عنه في وجوده، و لا أمر يستقلّ عنه في أمره، و الإله الّذي يفرض دونه إمّا مستقلّ عنه في ذاته و آثار ذاته جميعا و إمّا مستقلّ عنه في آثار ذاته فحسب، و كلا الأمرين محال كما ظهر.

و ثانياً: أنّ فيه تعميما لخصوص الآية الثانية من غير معمّم فإنّ الآية - كما عرفت - تنيط كونها آلهة بإذن الله و حكمه كما هو ظاهر قوله:( ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لله ) إلخ و من الواضح أنّ هذه الاُلوهيّة المنوطة بإذنه تعالى و حكمه اُلوهيّة شفاعة لا اُلوهيّة ذاتيّة أي اُلوهيّة بالغير لا ما هو أعمّ

١٩٧

من الاُلوهيّة بالذات و بالغير جميعا.

قوله تعالى: ( يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَ أَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الّذي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ ) معنى الآية ظاهر، و قرينة المناسبة قاضية بأنّ قوله:( أَمَّا أَحَدُكُما ) إلخ، تأويل رؤيا من قال منهما:( إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً ) و قوله:( وَ أَمَّا الْآخَرُ ) إلخ، تأويل لرؤيا الآخر.

و قوله:( قُضِيَ الْأَمْرُ الّذي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ ) لا يخلو من إشعار بأنّ الصاحبين أو أحدهما كذب نفسه في دعواه الرؤيا و لعلّه الثاني لمّا سمع تأويل رؤياه بالصلب و أكل الطير من رأسه، و يتأيّد بهذا ما ورد من الرواية من طرق أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) أنّ الثاني من الصاحبين قال له: إنّي كذبت فيما قصصت عليك من الرؤيا فقال (عليه السلام):( قُضِيَ الْأَمْرُ الّذي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ ) أي إنّ التأويل الّذي استفتيتما فيه مقضيّ مقطوع لا مناص عنه.

قوله تعالى: ( وَ قالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ) الضمائر في قوله:( قالَ ) و( ظَنَّ ) و( فَلَبِثَ ) راجعة إلى يوسف أي قال يوسف للّذي ظنّ هو أنّه سينجو منهما: اذكرني عند ربّك بما يثير رحمته لعلّه يخرجني من السجن.

و إطلاق الظنّ على اعتقاده مع تصريحه لهما بأنّه من المقضيّ المقطوع به و تصريحه بأنّ ربّه علمه تأويل الأحاديث لعلّه من إطلاق الظنّ على مطلق الاعتقاد و له نظائر في القرآن كقوله تعالى:( الّذينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ ) : البقرة: ٤٦.

و أمّا قول بعضهم: إنّ إطلاق الظنّ على اعتقاده يدلّ على أنّه إنّما أوّل ما أوّل عن اجتهاد منه. يفسده ما قدّمنا الإشارة إليه أنّه صرّح لهما بعلمه في قوله:( قُضِيَ الْأَمْرُ الّذي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ ) و الله سبحانه أيّد ذلك بقوله:( وَ لِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ ) و هذا ينافي الاجتهاد الظنّيّ.

و قد احتمل أن يكون ضمير( ظَنَّ ) راجعاً إلى الموصول أي قال يوسف

١٩٨

لصاحبه الّذي ظنّ ذلك الصاحب أنّه ناج منهما. و هذا المعنى لا بأس به إن ساعده السياق.

و قوله:( فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ) إلخ، الضميران راجعان إلى( الّذي ) أي فأنسا الشيطان صاحبه الناجي أن يذكره لربّه أو عند ربّه فلبث يوسف في السجن بضع سنين و البضع ما دون العشرة فإضافة الذكر إلى ربّه من قبيل إضافة المصدر إلى معموله المعدّى إليه بالحرف أو إلى المظروف بنوع من الملابسة.

و أمّا إرجاع الضميرين إلى يوسف حتّى يفيد أنّ الشيطان أنسى يوسف ذكر الله سبحانه فتعلّق بذيل غيره في نجاته من السجن فعوقب على ذلك فلبث في السجن بضع سنين كما ذكره بعضهم و ربّما نسب إلى الرواية.

فممّا يخالف نصّ الكتاب فإنّ الله سبحانه نصّ على كونه (عليه السلام) من المخلصين و نصّ على أنّ المخلصين لا سبيل للشيطان إليهم مضافا إلى ما أثنى الله عليه في هذه السورة.

و الإخلاص لله لا يستوجب ترك التوسّل بالأسباب فإنّ ذلك من أعظم الجهل لكونه طمعا فيما لا مطمع فيه بل إنّما يوجب ترك الثقة بها و الاعتماد عليها و ليس في قوله:( اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ) ما يشعر بذلك البتّة.

على أنّ قوله تعالى بعد آيتين:( وَ قالَ الّذي نَجا مِنْهُما وَ ادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ) إلخ، قرينة صالحة على أنّ الناسي هو الساقي دون يوسف.

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام): في قوله:( ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حتّى حِينٍ ) فالآيات شهادة الصبيّ و القميص المخرق من دبر و استباقهما الباب حتّى سمع مجاذبتها إيّاه على الباب، فلما عصاها لم تزل مولعة بزوجها حتّى حبسه.

و دخل معه السجن فتيان يقول: عبدان للملك أحدهما خبّاز و الآخر صاحب الشراب، و الّذي كذب و لم ير المنام هو الخبّاز.

١٩٩

و ذكر الحديث عليّ بن إبراهيم القمّيّ قال: و وكّل الملك بيوسف رجلين يحفظانه فلمّا دخل السجن قالوا له: ما صناعتك؟ قال: اُعبّر الرؤيا. فرأى أحد الموكّلين في منامه كما قال يعصر خمرا. قال يوسف: تخرج و تصير على شراب الملك و ترتفع منزلتك عنده، و قال الآخر: إنّي أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه، و لم يكن رأى ذلك فقال له يوسف: أنت يقتلك الملك و يصلبك و تأكل الطير من رأسك، فضحك الرجل و قال: إنّي لم أر ذلك فقال يوسف كما حكى الله:( يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَ أَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الّذي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ ) .

فقال أبوعبدالله (عليه السلام) في قوله:( إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) قال: كان يقوم على المريض، و يلتمس للمحتاج، و يوسّع على المحبوس فلمّا أراد من يرى في نومه يعصر خمراً الخروج من الحبس قال له يوسف:( اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ) فكان كما قال الله:( فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ) .

أقول: و في الرواية اضطراب لفظيّ، و ظاهرها أنّ صاحبيه في السجن لم يكونا مسجونين و إنّما كانا موكّلين عليه من قبل الملك، و لا يلائم ذلك ظاهر قوله تعالى:( وَ قالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا ) و قوله:( قالَ الّذي نَجا مِنْهُما ) .

و في تفسير العيّاشيّ، عن سماعة عن قول الله:( اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ) قال: هو العزيز.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب العقوبات و ابن جرير و الطبراني و ابن مردويه عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم): لو لم يقل يوسف الكلمة الّتي قال ما لبث في السجن طول ما لبث- حيث يبتغي الفرج من عند غير الله تعالى.

أقول: و رواه عن ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن أبي هريرة عنه (صلّي الله عليه وآله وسلّم)، و لفظه:( رحم الله يوسف لو لم يقل: اذكرني عند ربّك ما لبث في السجن طول ما لبث) و روي مثله عن عكرمة و الحسن و غيرهما.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431