الميزان في تفسير القرآن الجزء ١١

الميزان في تفسير القرآن18%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 431

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 431 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 81258 / تحميل: 6259
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

تحديد التربة الحسينية :

س / قال الفاضل المقداد السيوري ( قده ) : « ورد متواتراً ، أنّ الشفاء في تربته ، وكثرة الثواب بالتسبيح بها ، والسجود عليها ، ووجوب تعظيمها ، وكونها دافعة للعذاب عن الميت ، وأماناً من المخاوف ، وأنّ الإستنجاء بها حرام ، فهل هي مختصة بمحل أم لا ؟ » (٢٢٣)

جـ / يمكن تلخيص رأي الأعلام فيما ذكره الفقيه السبزواري : « القدر المتيقن من محل أخذ التربة هو القبر الشريف وما يقرب منه على وجه يلحق به عرفاً ، ولعله كذلك الحائر المقدس بأجمعه ، لكن في بعض الأخبار ، يؤخذ طين قبر الحسين عليه السلام من عند القبر على سبعين ذراعاً ، وفي بعضها طين قبر الحسين فيه شفاء وإنْ أخذ على رأس ميل ، بل وفي بعضها أنه يستشفى فيما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال ، بل وفي بعضها على عشرة أميال ، وفي بعضها فرسخ في فرسخ ، بل وروي إلى أربعة فراسخ ، ولعلّ الإختلاف من جهة تفاوت مراتبها في الفضل فكل ما قرب إلى القبر الشريف ؛ كان أفضل ، والأحوط الإقتصار عل ی ما حول القبر إل ی سبعين ذراعاً ، وفيما زاد على ذلك أنْ يستعمل ممزوجاً بماء أو شربة على نحو لا يصدق عليه الطين ويستشفى به رجاء »(٢٢٤)

ومن أراد التوسع ، فعليه بمراجعة ( جواهر الكلام ج ٣٦ / ٣٦٤ ـ ٣٦٧ ) وغيره من الكتب الفقهية

______________________

(٢٢٣) ـ السيوري ، الشيخ جمال الدين مقداد بن عبدالله : التنقيح الرائع ، ج ٤ / ٥١

(٢٢٤) ـ السبزواري ، السيد عبدالأعلى : مهذب الأحكام ، ج ٢٣ / ١٨٥

١٤١

س / في حالة الشك في أن هذه تربة الحسينعليه‌السلام أم لا ، ماذا يصنع ؟

جـ / يقول الفقيه السبزواري ( قده ) : « إنْ أخذ التربة بنفسه أو علم من الخارج بأنّ هذا الطين من تلك التربة المقدسة فلا إشكال ، وكذا إذا قامت على ذلك البينة ، بل الظاهر كفاية قول عدل واحد بل شخص ثقة ، وهل يكفي إخبار ذي اليد بكونه منها أو بذله على أنه منها ؟ لا يعد ذلك وإنْ كان الأحوط في غير صورة العلم ، وقيام البينة تناولها بالإمتزاج بماء أو شربة »(٢٢٥)

وقال الشيخ المامقاني ( قده ) : « ويثبت كون الطين طين قبره الشريف بالبينة الشرعية ، وهل يثبت بقول ذي اليد الشيعي ؟ وجهان ، أظهرهما ذلك »(٢٢٦)

طريقة الإستشفاء :

س / هل توجد طريقة للإستشفاء بالتربة الحسينية ؟

جـ / نعم ، وقد ذكر الفقهاء ذلك وهذه كلماتهم كالتالي :

قال المحقق الأردبيلي ( قده ) : « الأخبار في جواز أكلها الإستشفاء كثيرة ، والأصحاب مطبقين عليه ، وهل يشترط أخذه بالدعاء وقراءة( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ ) ؟ ظاهر بعض الروايات في كتب المزار ذلك ، بل مع شرائط أخرى ، حتى ورد أنه قال شخص : إني أكلت وما شفيت ، فقالعليه‌السلام له : إفعل كذا وكذا وورد أيضاً أنّ له غسلاً وصلاة خاصة والأخذ على وجه خاص وربطه وختمه بخاتم يكون نقشه كذا ، ويكون أخذه مقداراً خاصاً ، ويحتمل أنْ يكون ذلك لزيادة

______________________

(٢٢٥) ـ المصدر السابق / ١٨٨ ـ ١٨٩

(٢٢٦) ـ المامقاني ، الشيخ عبد الله : مرآة الكمال ، ج ٣ / ٢٤٠

١٤٢

الشفاء وسرعته وتبقيته لا مطلقاً ، فيكون مطلقاً جائزاً كما هو مشهور ، وفي كتب الفقه مسطور »(٢٢٧)

وقال الفقيه السبزواري ( قده ) : « لأخذ التربة المقدسة وتناولها عند الحاجة آداب وأدعية مذكورة في محالها خصوصاً في كتب المزار ، ولاسيما مزار بحار الأنوار ، لكن الظاهر أنها كلها شروط كمال لسرعة تأثيرها لا أنها شرط لجواز تناولها »(٢٢٨)

وقال الشيخ الأعسم في إرجوزته :

وللحسين تربة فيها الشفا

تشفي الذي على الحِمام أشرفا(٢٢٩)

المقدار المحدد للإستشفاء :

س / هل يوجد قدر محدد للإستشفاء بتربة الحسين عليه‌السلام ؟

ج / المعروف من كلمات الأعلام أنّ القدر المحدد للإستشفاء هو بقدر الحمصة ، بل نسب الفقيه السبزواري ذلك إلى الإجماع والنصوص(٢٣٠)

وقال الشيخ الأعسم :

حَدّ له الشارع حداً خَصّصَهْ

تحريم ما قد زاد فوق الحِمَّصة(٢٣١)

وقال الفاضل المقداد ( قده ) : « قيد الشيخ في( النهاية ) المتناول باليسير ، وهو حسن وإختاره ابن إدريس والعلامة : لحصول الغرض والشفاء في ذلك ، فما زاد يكون حراماً ولما كان اليسير أمراً إضافياً ؛ لأنه رب يسير كثير بالإضافة

______________________

(٢٢٧) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٥٧ / ١٦٠

(٢٢٨) ـ السبزواري ، السيد عبدالأعلى : مهذب الأحكام ، ج ٢٣ / ١٨٤

(٢٢٩) ـ الأعسم ، الشيخ عبدالرزاق : النفحات الذكية ، في شرح الأرجوزة الأعسمية / ١٣٢ ـ ١٣٣

(٢٣٠) ـ السبزواري ، السيد عبدالأعلى : مهذب الأحكام ج ٢٣ / ١٨٣

(٢٣١) ـ الأعسم ـ الشيخ عبدالرزاق : النفحات الذكية في شرح الأرجوزة الأعسمية / ١٣٣

١٤٣

إلى ما هو أقل منه ، ورب كثير يسير بالإضافة إلى ما هو أكثر منه ؛ قيّده المصنف بقدر الحمصة لينضبط ، وهل يجوز الإكثار منه ؟ الأصح لا ، لما ورد عنهمعليهم‌السلام : من أكل زائداً عن ذلك فكأنما أكل من لحومنا »(٢٣٢)

وقال الشيخ المجلسي ( قده ) : « وقد مر التصريح بهذا المقدار في الأخبار ، وكان الأحوط(٢٣٣) عدم التجاوز عن مقدار عدسة لما رواه الكليني عن علي ابن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّ الناس يروون أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :إنّ العدس بارك عليه سبعون نبياً فقال : هو الذي تسمونه عندكم الحمص ونحن نسميه العدس » (٢٣٤)

إيضاح واستنتاج :

«الحِمّصة : واحدة الحمص بكسر الحاء وفتح الميم المشددة ؛ هي القيراط الصيرفي والحمصة في كلام علماء العراق هي : الحبة المتعارفة عند العراقيين ، وهي القيراط الصيرفي الذي وزنه أربع حبات قمح »(٢٣٥)

القيراط الصيرفي : « هو أربع حبات أو أربع قمحات كما نص عليه السيد الأمين في ( الدرة البهية / ٨ ) وكما نص عليه في ( حلية الطلاب / ٥٣ ) ، وفي ( كشف الحجاب / ٥٨ ) ، حيث قالا : أربع قمحات قيراط »(٢٣٦)

والقيراط : « هو عشرون جزءاً من الغرام كما في ( حلية الطلاب / ١١٣ ) وقد إختبرناه ؛ فوجدناه صحيحاً فهو : ( ١ / ٥ غرام ) ، فالخمسة قراريط ـ

______________________

(٢٣٢) ـ السيوري ، الشيخ جمال الدين مقداد بن عبدالله : التنقيح الرائع ، ج ٤ / ٥٠

(٢٣٣) ـ ظاهر العبارة ( وان كان الأحوط ) ـ المؤلف

(٢٣٤) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر ، بحار الأنوار ، ج ٥٧ / ١٦١

(٢٣٥) ـ العاملي ، الشيخ إبراهيم سليمان : الأوزان والمقادير / ٢١

(٢٣٦) ـ نفس المصدر / ٢٤

١٤٤

أعني العشرين قمحة ـ هي غرام كما هو واضح »(٢٣٧) فالنتيجة أن الحمصة تساوي ( ١ / ٥ غرام ) ، وهي تعادل العدسة المذكورة في الرواية تقريباً

الدعاء عند الإستشفاء بتربة الحسين (عليه‌السلام ) :

وردت عدة أدعية عند إستعمال التربة الحسينية مذكورة في كتب المزار(٢٣٨) نذكر منها التالي :

عند تناول التربة وأخذها :

قال الشيخ الأعسم في ارجوزته :

لها دعاءانِ فيدعو الداعي

في وقتَّي الأخذ و الإبتلاعِ(٢٣٩)

١ ـ عن أبي أسامة قال : ( كنت في جماعة من عصابتنا بحضرة سيدنا الصادقعليه‌السلام ؛ فأقبل علينا أبو عبد اللهعليه‌السلام فقال : إنّ الله جعل تربة جدي الحسينعليه‌السلام شفاء من كل داء ، وأماناً من كل خوف ، فإذا تناولها أحدكم ؛ فليقبلها ويضعها على عينيه ، وليمرّها على ساير جسده وليقل :اللهم بحق هذه التربة ، وبحق من حَلّ بها وثوى فيها ، وبحق أبيه وأمه وأخيه والأئمة من ولده ، وبحق الملائكة الحافّين به ، إلا جعلتها شفاءً من كل داء ، وبرءاً من كل مرض ، ونجاة من كل آفة ، وحرزاً مما أخاف وأحذر ، ثم ليستعملها ) (٢٤٠)

٢ ـ عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال : ( إذا تناول أحدكم من طين قبر الحسينعليه‌السلام فليقل :اللّهُمَّ إنّي أسألُك بِحقِّ المَلَكِ الّذي تَنَاوَله ، والرّسُولِ الّذي بَوّأهُ ،

______________________

(٢٣٧) ـ المصدر السابق / ٩٢

(٢٣٨) ـ راجع : بحار الأنوار ، ج ٩٨ / ١١٨ ـ ١٤٠ وكامل الزيارات ( باب ٩٣ ، ٩٤ )

(٢٣٩) ـ الأعسم ، الشيخ عبدالرزاق : النفحات الذكية في شرح الارجوزة الاعسمية / ١٣٣

(٢٤٠) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٩٨ / ١١٩

١٤٥

والوَصِيَّ الّذي ضُمِّنَ فيه ، أنْ تَجعَلَه شِفَاءً مِنْ كُلِّ داءٍ كذا وكذا ، وتُسمِّي ذلك الداء ) (٢٤١)

٣ ـ عن أبي جعفر الموصلي ، أن أبا جعفرعليه‌السلام قال : إذا أخذت طين قبر الحسينعليه‌السلام فقل :( اللّهُمّ بِحَقِّ هذه التُّربَة ، وبحَقِّ المَلَكِ المُوَكَّل بِهَا ، وبحَقِّ المَلَكِ الذّي كرّبهَا ، وبِحَقِّ الوّصيِّ الّذي هُوَ فيها ، صَلِّ على مُحَمّد وآلِ محمدٍ ، واجْعَلْ هذا الطّينَ شِفَاءً لي منْ كُلِّ داءٍ ، وأَمَاناً منْ كُلِّ خَوْفٍ ) (٢٤٢)

٤ ـ وروي : إذا أخذته فقل :( بِسْم الله ، اللّهُمّ بِحَقِّ هذه التُّرْبَة الطّاهرَة ، وبِحَقِّ البُقْعَةِ الطَّيَّبةِ ، وبِحقَّ الوَصِيِّ الّذِي تُوارِيه ، وبِحَقِّ جَدِه وأبيه وأمه وأخيه والمَلائِكةِ الّذين يَحُفُّونَ به ، والمَلَائِكةِ العُكُوف على قَبْر وَليِّك ، ينتظرون نَصْرَه صَلّى اللهُ عَلَيْهِم أجمعين ، إجْعَل لي فيه شِفَاءً من كُلّ دَاء ، وأماناً من كُلّ خَوْفٍ ، وغِنىً من كُلّ فَقْرٍ ، وعِزّاً من كُلّ ذُلّ ، وأوسِعْ به عَلَيّ في رِزْقي ، وأصِحّ به جِسْمِي ) (٢٤٣)

٥ ـ وروي أن رجلاً سأل الصادقعليه‌السلام فقال : ( إني سمعتك تقول : إن تربة الحسينعليه‌السلام من الأدوية المفردة ، وإنها لا تمر بداء إلا هضمته ، فقال : قد كان ذلك ( أو قد قلت ذلك ) فما بالك ؟ فقال : إني تناولتها فما إنتفعت بها ، قال : أما إن لها دعاء فمن تناولها ولم يدعُ به واستعملها لم يكن ينتفع بها ، قال : فقال له : ما يقول إذا تناولها ؟ قال : تقبلها قبل كل شيء وتضعها على عينيك ، ولا تناول منها أكثر من حِمّصَه ، فإن من تناول منها ______________________

(٢٤١) ـ ابن قولويه ، الشيخ جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٤٦٩ ـ ٤٧٢

(٢٤٢) ـ نفس المصدر

(٢٤٣) ـ نفس المصدر

١٤٦

أكثر فكأنما أكل من لحومنا ودمائنا ، فإذا تناولت ؛ فقل :اللّهم إني أسْأَلُك بِحَقِّ المَلَكِ الذي قبضها ، وبِحَقِّ المَلَكِ الذي خَزَنَها ، وأسْأَلُك بِحَقِّ الوَصِيِّ الذي حَلَّ فيها ، أن تُصَلِّي على محمد وآل محمد ، وأن تَجعَلَهُ شِفَاءً من كُلِّ دَاءٍ ، وأمَاناً من كُلِّ خَوْفٍ ، وحِفْظَاً من كُلِّ سُوءٍ . فإذا قلت ذلك فاشددها في شيء وأقرأ عليها إنا أنزلناه في ليلة القدر ، فإن الدعاء الذي تقدم لأخذها ؛ هو الإستئذان عليها ، واقرأ إنا أنزلناه ختمها )(٢٤٤)

عند أكلها للإستشفاء :

١ ـ روى الشيخ في المصباح ، عن الصادقعليه‌السلام : ( طين قبر الحسينعليه‌السلام شفاء من كل داء ؛ فإذا أكلت منه ؛فقل : بسم الله و بالله ، اللهم إجعله رزقاً واسعاً ، وعلماً نافعاً ، وشفاء من كل داء ، إنك على كل شئ قدير ، اللهم رب التربة المباركة ، ورب الوصي الذي وارته ، صلِّ على محمد وآل محمد ، واجعل هذا الطين شفاءً من كل داء ، وأماناً من كل خوف ) (٢٤٥)

٢ ـ وروي حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنه قال :( مَنْ أكَلَ مِنْ طِينِ قَبْرِ الحسين عليه‌السلام غير مستشفٍ به فكأنما أكل من لحومنا ، فإذا إحتاج أحدكم للأكل منه ليستشفي به ، فليقل : بِسْمِ الله وبالله ، اللّهُمّ رَبَّ هذه التُّربَةِ المُبَارَكَةِ الطّاهِرَةِ ، ورَبّ النُّور الّذي أُنزل فيه ، ورَبّ الجَسَدِ الذي سَكَن فيه ، ورَبّ الملائكة المُوكِّلين به ، إجْعَلْهُ لي شِفاءً من دَاءِ كذا وكذا ، وأجرع من الماء جرعه خلفه ، وقل : اللّهُمَّ إجْعَلْه رِزْقَاً وَاسعاً ،

______________________

(٢٤٤) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : مصباح المتهجد / ٥١٠ ـ ٥١١

(٢٤٥) ـ الأمين ، السيد محسن : مفاتيح الجنات ، ج ١ / ٤٥٥

١٤٧

وعِلْماً نَافِعاً ، وشِفَاءً من كل دَاءٍ وسُقْمٍ فإن الله تعالى يدفع عنك بها كل ما تجد من السقم والغم إن شاء الله تعالى ) (٢٤٦)

٣ ـ عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال :( طين قبر الحسين عليه‌السلام شفاء من كل داء ، وإذا أكلته فقل : بسم الله وبالله ، اللّهُمّ أجْعَلْهُ رِزْقَاً واسِعاً ، وعِلْماً نافِعاً ، وشِفاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ إنّكَ على كُلِّ شيء قدير ) (٢٤٧)

٤ ـ وروي عنهعليه‌السلام قال :( إذا أكلته تقول : اللّهُمّ رَبِّ هذه التُّربَة المباركة ، ورَبّ هذا الوَصِيّ الذي وَارَتْهُ ، صَلِّ على محمد وآل محمد ، واجْعَلْهُ عِلْماً نافِعَاً ، ورِزْقَاً واسعاً ، وشِفَاءً من كُلِّ داء ) (٢٤٨)

٥ ـ وروي عنهعليه‌السلام قال :( إذا أخذت من تربة المظلوم ووضعتها في فيك فقل : اللّهُمّ إنّي أسْأَلُك بِحَقِّ هذه التُّربَة ، وبِحَقّ المَلَكِ الذي قَبَضَها ، والنّبيِّ الذي حَضَنَها ، والإمام الذي حَلّ فيها ، أن تُصلِّي على محمدٍ وآل محمدٍ ، وأن تَجْعَل لي فيها شِفَاء نافِعَاً ، ورِزْقَاً واسِعَاً ، وأمَانَاً من كُلّ خَوْف ودَاءِ فإذا قال ذلك ؛ وهب الله له العافية ) (٢٤٩)

عند حملها للإحتراز :

ذكر ابن طاووس : « إنه لما ورد الصادقعليه‌السلام إلى العراق إجتمع إليه الناس فقالوا : يا مولانا تربة قبر مولانا الحسين شفاء من كل داء ، وهل هي أمان من كل خوف ؟ فقال : نعم إذا أراد أن تكون أماناً من كل خوف ؛ فليأخذ السبحة من تربته ويدعو دعاء ليلة المبيت على الفراش ثلاث مرات وهو :( أمسيت اللهم

______________________

(٢٤٦) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : مصباح النهجد / ٥١٠ ـ ٥١١

(٢٤٧) ـ ابن قولويه ، الشيخ جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٤٧٩

(٢٤٨) ـ نفس المصدر / ٤٧٧

(٢٤٩) ـ نفس المصدر

١٤٨

معتصماً بذمامك المنيع الذي لا يطاول إلخ ) ، ثم يقبل السبحة ويضعها على عينيه ويقول :( اللّهُمّ إنّي أسْألُك بِحَقّ هذه التُّربَة ، وبِحَقّ صَاحِبها ، وبِحَقّ جَدّه وأبيه ، وبحق أمه وأخيه ، وبِحَقِّ ولده الطاهرين ، إجْعَلْها شِفَاءً من كُلِّ دَاءٍ ، وأمَاناً من كُلِّ خَوْفٍ ، وحِفْظَاً من كُلِّ سُوء ، ثم يضعها في جيبه فإن فعل ذلك في الغدوة ؛ فلا يزال في أمان حتى العشاء ؛ وإن فعل ذلك في العشاء ، فلا يزال في أمان الله حتى الغدوة » (٢٥٠)

ـ عن أبي حمزة الثمالي قال : قال الصادقعليه‌السلام :( إذا أردت حمل الطين ـ طين قبر الحسين عليه‌السلام ) ـ ، فأقرأ فاتحة الكتاب ، والمعوذتين ، و( قُلْ هُوَ
اللَّـهُ أَحَدٌ
) ، و( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) ، و( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ،ويس ، وآية الكرسي ، وتقول :( اللّهُمّ بِحَقِّ مُحَمدٍ عَبْدِك وحَبيبكَ ونَبِيِّك ورَسُولِكَ وأمِينكَ ، وبِحَقِّ أميرِ المُؤمِنين عَليِّ بن أبي طالب عَبْدِكَ وأخي رسُولِك ، وبِحَقِّ فَاطِمةَ بِنْتِ نَبِيِّكَ وزوْجَة وَليِّكَ ، وبِحَقِّ الحَسَنِ والحُسَيْنِ ، وبِحَقِّ الأئمَّة الرّاشِدَينَ ، وبِحَقِّ هذه التُّرْبَةِ ، وبِحَقِّ المَلَكِ المُوَكِّل بها ، وبِحَقِّ الوَصيّ الّذي حَلّ فيها ، وبِحَقِّ الجَسَدِ الّذي تضمّنَتْ ، وبِحَقِّ السِّبْطِ الّذي ضمنت ، وبِحَقِّ جَميعِ مَلائِكتِكَ وانْبِيَائِك ورُسُلِكَ ، صَلّ على مُحَمّدٍ وآل محمدٍ ، واجعَلْ هذا الطِّين شِفَاءً لي وَلَمن يَسْتَشْفِي به من كُلِّ دَاءٍ وسُقْمَ ومَرَضٍ ، وأمَاناً مِنْ كُلِّ خَوْفٍ اللّهُمّ بِحَقِّ محمد وأهلِ بيته إجْعَله عِلْماً نافِعَاً ، ورِزْقَاً واسعاً ، وشِفَاء من كُلِّ دَاءٍ وسُقْم ، وآفة وعَاهةٍ ، وجميع الأوجاع كلها ، إنك على كل شيء قدير )

______________________

(٢٥٠) ـ ابن طاووس ، السيد رضي الدين علي بن موسى : فلاح السائل / ٢٢٤ ـ ٢٢٥

١٤٩

وتقول :( اللّهُمّ رَبَّ هذه التُّربَة المباركَة الميمونَةِ ، والمَلَكِ الذي هَبَط بَها ، والوَصّي الذي هو فيها ، صلِّ على محمد وآل محمد وسلّم وأنفعني بها ، إنّك على كلِّ شيء قدير ) (٢٥١)

ـ وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام :( اللّهُمّ إنَّي أخَذْتُه مِنْ قَبْرِ وَليِّكَ وابن وَليِّكَ ، فَاجْعَلْهُ لي أمْنَاً وحِرْزَاً لما أخَافُ ومَالَا أخَافُ ) (٢٥٢)

______________________

(٢٥١) ـ ابن قولويه ، الشيخ جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٤٧٥ ـ ٤٧٦

(٢٥٢) ـ آل طعان ، الشيخ احمد بن الشيخ صالح : الصحيفة الصادقية / ٢٩٤

١٥٠

١٥١
١٥٢

توطئة :

س / عرفنا مما سبق المقصود بالتربة الحسينية ، وطريقة الإستشفاء بها ، وبقي شئ وهو ما هي الأدلة التي يمكن أنْ تعتمدها الشيعة الإمامية في الإستشفاء بهذه التربة الزكية ؟

ج / من أهم الأدلة التي يمكن عرضها هي التالي :

الدليل النقلي :

وهو يتكون من عنصرين هما :

الأول : حث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الإستشفاء بتربة المدينة ، ويمكن ذكر ذلك في طائفتين :

الأولى ـ الإستشفاء بغبار المدينة :

١ ـ ( غبار المدينة شفاء من الجذام )(٢٥٣)

٢ ـ ( غبار المدينة يبرئ الجذام )(٢٥٤)

٣ ـ ( إنّ في غبارها شفاء من كل داء )(٢٥٥)

الثانية ـ الإستشفاء بتراب المدينة :

أ ـ ( والذي نفسي بيده إنّ تربتها لمؤمنة ، وأنها شفاء من الجذام )(٢٥٦)

ب ـ ( مالكم يا بني الحارث رَوْبَى ؟ قالوا : أصابتنا يا رسول الله هذه الحمى ، قال فأين أنتم عن صُعَيْب )(٢٥٧)

______________________

(٢٥٣ ـ ٢٥٦) ـ المتقي الهندي ، علاء الدين علي بن حسام الدين : كنز العمال ، ج ١٣ / ٢٠٥

ـ السمهودي ، السيد نور الدين ، علي : وفاء الوفاء ، ج ١ / ( ٦٧ ـ ٦٨ )

(٢٥٧) ـ قال أبو القاسم ، طاهر بن يحيى العلوي : صعيب : وادي بطحان دون الماجشونية ، وفيه حفرة مما يأخذ الناس منه ، وهو اليوم إذا وبأ إنسان أخذ منه وقال ابن النجار عقبه : وقد رأيت أنا هذه الحفرة اليوم ، والناس يأخذون منها ، وذكروا أنهم قد جربوه ، فوجدوه صحيحاً ) وفاء الوفاء ، ١ / ٦٨

١٥٣

قالوا : يا رسول الله ما نصنع به ؟ قال : تأخذون من ترابه فتجعلونه في ماء ، ثم يتفل عليه أحدكم ويقول : بسم الله ، تُرابُ أرضنا ، بريق بعضنا ، شفاء لمريضنا ، بإذن ربنا ففعلوا فتركتهم الحمى )(٢٥٨)

ج ـ وروى ابن زَبَالة : ( أنّ رجلاً أتى به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبرجله قرحة ، فرفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرف الحصيرة ، ثم وضع إصبعه التي تلي الإبهام على التراب بعدما مسّها بريقه ، بسم الله ، ريق بعضنا ، بتربة أرضنا يشفي سقيمنا ، بإذن ربنا ، ثم وضع إصبعه على القرحة فكأنما حُلّ من عِقَال )(٢٥٩)

تعقيب وإستدراك :

« قال الزركشي : ينبغي أنْ يستثنى من منع نقل تراب الحرم تربة حمزة رضي الله عنه ، لإطباق الناس على نقلها للتداوي بها »(٢٦٠)

« وحكى البرهان بن فرحون ، عن الإمام العالم أبي محمد عبد السلام بن إبراهيم بن ومصال الحاحاني قال : نقلت من كتاب الشيخ العالم أبي محمد صالح الهزميري قال : قال صالح بن عبد الحليم : سمعت أبا محمد عبد السلام بن يزيد الصنهاجي يقول : سألت أحمد ابن بكوت عن تراب المقابر الذي كان الناس يحملونه للتبرك هل يجوز أو يمنع ؟ فقال : هو جائز ومازال الناس يتبركون بقبور العلماء والشهداء والصالحين ، وكان الناس يحملون تراب قبر سيدنا حمزة بن عبد المطلب في القديم من الزمان قال ابن فرحون عَقِبَهُ : والناسُ اليوم يأخذون من تربة قريبة من مشهد سيدنا حمزة ، ويعملون خرزاً يشبه

______________________

(٢٥٨) ـ السمهودي ، السيد نور الدين ، علي بن حسام الدين : وفاء الوفاء ، ج ١ / ٦٨

(٢٥٩) ـ نفس المصدر / ٦٩

(٢٦٠) ـ نفس المصدر

١٥٤

السبح وإستدل ابن فرحون بذلك على جواز نقل تراب المدينة ، وقد علمت مما تقدم أن نقل تراب حمزة ـ رضی الله عنه ـ إنما للتداوي ؛ ولهذا لا يأخذونها من القبر بل من المسيل الذي عندْ المسجد ) ؟ »(٢٦١)

أقول : إنّ التبرك والإستشفاء بتراب المدينة وغبارها ، وما ذكرته الروايات من فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذلك سيرة المسلمين من الأصحاب والتابعين ، هي سيرة الشيعة الإمامية في التبرك و الإستشفاء بتربة الحسينعليه‌السلام ، فكيف ينكر عليها بالخصوص دون غيرها ؟!!

الثاني ـ حق أهل البيت على الإستشفاء بتربة الحسين :

وردت أحاديث كثيرة في التبرك والإستشفاء بتربة الحسينعليه‌السلام ، وهذه بعضها كالتالي :

١ ـ عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال :( عند رأس الحسين عليه‌السلام لتربة حمراء فيها شفاء من كل داء ) (٢٦٢)

٢ ـ عن ابن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام :( يأخذ الإنسان من طين قبر الحسين عليه‌السلام فينتفع به ويأخذ غيره فلا ينتفع ، فقال : لا والله لا يأخذه أحد وهو يرى أن الله ينفعه به إلا نفعه به ) (٢٦٣)

٣ ـ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :( من أصابة عِلّة ؛ فبدأ بطين قبر الحسين عليه‌السلام شفاه الله من تلك العلة ؛ إلا أن تكون علّة السام ) (٢٦٤)

______________________

(٢٦١) ـ المصدر السابق / ١١٦

(٢٦٢) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن : وسائل الشيعة ، ج ١٠ / ٤٠٩ ( باب (٧٠) من المزار وما يناسبه ، حديث ـ ٢ ، ١ )

(٢٦٣) ـ نفس المصدر

(٢٦٤) ـ نفس المصدر / ٤١٢ (باب ـ ٧٠ ـ ، حديث ١٣)

١٥٥

٤ ـ عن الكاظمعليه‌السلام في حديث( ولا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبركوا به ، فإنّ كل تربة لنا مُحرّمة إلا تربة جدي الحسين بن علي عليه‌السلام ، فإن الله عَزّ وجَلّ جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا ) (٢٦٥)

٥ ـ عن سعد بن سعد الأشعري ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال سألته عن الطين الذي يؤكل فقال :( كل طين حرام كالميتة والدم وما أُهِلّ لغير الله به ما خلا طين قبر الحسين عليه‌السلام ، فإنه شفاء من كل داء ) (٢٦٦)

٦ ـ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :( أكل الطين حرام على بني آدم ما خلا طين قبر الحسين عليه‌السلام ، من أكله من وجع ؛ شفاه الله ) (٢٦٧)

وبعد ذكر هذه الأحاديث المروية عن أهل بيت العصمة والطهارة ، فهل يشك مسلم في التبرك والإستشفاء بتربة سيد الشهداء أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ؟ بل هو وأخوه سيدا شباب أهل الجنة ، وأحد سبطي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن تحدث عن فضله القرآن الكريم والأحاديث النبوية ، ومن ثبت في حقه أنّ تربته الطاهرة الزكيه قبضها جبريل وأعطاها لجده المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكل ذلك من المسَلّمات بين الصحابة والتابعين ، فلماذا النبذ والعتاب الشديد اللهجة على عمل الشيعة الإمامية من التبرك والإستشفاء بتربته الطاهرة ؟!

ألا يكفي كل ذلك على صحة عمل الشيعة الإمامية وبرائتهم من كل ما اُتهموا به من أباطيل ؟

______________________

(٢٦٥) ـ المصدر السابق / ٤١٤ ( باب ـ ٧٢ ـ ، حديث ، ٢ )

(٢٦٦) ـ نفس المصدر / ٤١٥ ـ حديث (٣)

(٢٦٧) ـ نفس المصدر ، ج ١٦ / ٣٩٧ ، ( باب ٥٩ ـ باب عدم تحريم أكل طين قبر الحسين (ع) بقصد الشفاء ، حديث ٤ )

١٥٦

الدليل العلمي :

يتضح هذا الدليل بعد ذكر السؤال التالي والإجابة عليه

س / هل الإستشفاء بتربة الحسين عليه‌السلام ونحوها من الإستشفاء بماء زمزم وماء الميزاب ، من التبرك فقط ، أو لوجود أثر طبي وكيميائي زيادة على ذلك ؟

ج / إختلف العلماء في ذلك على رأيين هما :

الأول ـ التبرك والإيحاء :

قال الشيخ المجلسي ( قده ) : « وقد يكون بعض الأدوية التي لا مناسبة لها بمرض على سبيل الإفتتان والإمتحان ، ليمتاز المؤمن المخلص القوي الإيمان من المنتحل أو ضعيف الإيمان ، فإذا إستعمله الأول إنتفع به لا لخاصيته وطبعه ، بل لتوسله بمن صدر عنه ويقينه وخلوص متابعته ، كالإنتفاع بتربة الحسين عليه السلام ، وبالمعوذات ، والأدعية »(٢٦٨) وعلى هذا بعض علماء الأمامية

وإستنتج الدكتور النسيمي الآتي :

« يتفق علماء المسلمين مع الأطباء في شأن الإيحاء وأثره في المعالجة »(٢٦٩)

وقال أيضاً : « يقصد بالمعالجة الروحية منذ القديم ، تطمين المريض ورفع معنوياته ، والإيحاء اليه بأنّ مرضه سيسير عاجلاً في طريق الشفاء وفي الغالب في وسائلها أنْ تكون غير عقارات ، وقد تكون عقارات يراد بها الإيحاء بأنها دواء لِعِلّة المريض عندما يكون علاجها الناجح مفقوداً أو غير مكتشف »(٢٧٠)

______________________

(٢٦٨) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ج ٥٩ / ٧٦

(٢٦٩) ـ النسيمي ، الدكتور محمود ناظم : الطب النبوي والعلم الحديث ، ج ٣ / ١٨٧

(٢٧٠) ـ نفس المصدر / ١٣٥

١٥٧

وقال أيضاً : « يعتقد المسلمون في النتائج الحسنة للرقي المشروعة بأمر زائد على الإيحاء ، هو معونة الله القادر على كل شيء يُقدِّمها حتى في غير الأمراض النفسية والوظيفية ، إجابة لدعوة المضطر الصادرة من أعماق نفسه أو معونة أو إكراماً لعبده الصالح والراقي والمرقي الذي رجاه »(٢٧١)

الثاني ـ التبرك ووجود خصائص طبية وكيميائية :

قال الشيخ كاشف الغطاء ( قده ) : « أفلا يجوز أنْ تكون لتلك الطينة عناصر تكون بلسماً شافياً من جملة من الأسقام ، قاتلة للميكروبات ولا نكران ولا غرابة ، فتلك وصفة روحية من طبيب رباني يرى بنور الوحي والإلهام ما في طبائع الأشياء ، وبعرف أسرار الطبيعة وكنوزها الدفينة التي لم تصل إليها عقول البشر بعد ، ولعلّ البحث والتحري والمثابرة سوف يوصل اليها ، ويكشف سِرّها ، ويَحلُّ طَلْسَمَها ، كما إكتشف سِرّ كثير من العناصر ذات الأثر العظيم مما لم تصل إليه معارف الأقدمين ، ولم يكن ليخطر على باب واحد منهم مع نقدهم وسمو أفكارهم وعظم آثارهم ، وكم من سِرّ دفين ومنفعة جليلة في موجودات حقيرة وضئيلة لم تزل مجهولة لا تخطر على بال ولا تمر على خيال ، وكفي ( بالبنسلين ) وأشباهه شاهداً على ذلك ، نعم لا تزال أسرار الطبيعة مجهولة إلى أن يأذن الله للباحثين بحِلِّ رموزها وإستخراج كنوزها ، والأمور مرهونة بأوقاتها ولكل أجل كتاب ، ولا يزال العلم في تجدد فلا تبادر إلى الإنكار إذا بلغك أن بعض المرضى عجز الأطباء عن علاجهم ، وحصل

______________________

(٢٧١) ـ المصدر السابق / ١٨٧

١٥٨

لهم الشفاء بقوة روحية ، وأصابع خفية من إستعمال التربة الحسينية ، أو من الدعاء والإلتجاء إلى القدرة الأزلية ، أو ببركة دعاء بعض الصالحين »(٢٧٢)

ويؤيد هذا الرأي الشواهد التالية :

١ ـ ما ذكره المهندس يحي حمزة كوشك في كتابه ( زمزم طعام طعم وشفاء سقم ) ، الذي صدر عام ١٤٠٣ هـ : « وتؤكد التحاليل الكيميائية ومقارنتها بالمواصفات العالمية ، على أنّ ماء زمزم صالح تماماً للشرب ، وأنّ أثره الصحي جيد ، وقد وجد أنّ تركيز عنصر الصوديوم يُعدُّ مرتفعاً لكن لا يوجد ضمن المواصفات العالمية المنشورة جداً لأعلى تركيز للصوديوم ، كما وجد أنّ الأربعة عناصر السامة الموجودة : وهي الزرنيخ ، والكاذميوم ، والرصاص ، والسيلينيوم ، هي أقل من مستوى الضرر بكثير بالنسبة للإستخدام البشري ، لذلك فإنّ مياه زمزم خالية من أي أضرار صحية ، بل هي مفيدة جداً بقدرة الله تعالى »(٢٧٣)

٢ ـ « وبرهن العالم واكسمان ، والدكتور إلبرت ، أنّ التراب جراثيم نافعة يمكن إستخراجها ومعالجة الأمراض السارية بها وفعلاً اُستخرج دواء من التراب بإسم ( استربتوماسين ) الذي يعالج بها السل ، والتايفوئيد ، والجراحات المزمنة ، والإسهال القوي ، وذات الرئة وإلتهاب الحلق »(٢٧٤)

٣ ـ «والعلاج بالطين طريقة أثبتت التجارب نجاحها في إحداث الشفاء من كثير من الأمراض التي إستعصت على العقاقير المسكنة والمهدئة والمنشطة وغيرها

______________________

(٢٧٢) ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : الأرض والتربة الحسينية / ٢٨ ـ ٢٩

(٢٧٣) ـ عبد القادر ، د / أحمد المهندس ( ماء زمزم الأمن المائي وصحة الحجيج ) ، القافلة ـ م / ٤٢ محرم / لعام ١٤١٤ هـ ص / ٤٤

(٢٧٤) ـ الدهان ، سعيد ناصر : القرآن والعلوم / ١٦٨

١٥٩

.. وأفادت في الوقاية من آفات أخرى أي أن لها إتجاهين : إتجاهاً وقائياً وعلاجياً

ويتم إستخدام العلاج بالطين للمرضى القادمين من أمريكا والمجر ويوغسلافيا وجميع أنحاء أوروبا ، للوقاية من السمنة ، والسكر ، وإضطرابات النمو عند الأطفال ، وإلتهابات الجهاز التنفسي ، ونوبات الربو ، والأعصاب ، كما أفادت النساء في الوقاية من الإختلافات في العظم الهورموني وحالات الدوالي كما ينصح به لمن لم تمارس أعمالاً فيزيائية متعبة ، أو لديه ميول نحو السمنة كما أظهر العلاج بالطين نتائج مذهلة في معالجة كثير من الأمراض الجلدية الإكزمائية التي إستعصت على المراهم والأدوية »(٢٧٥)

هذه بعض الشواهد المؤيدة لرأي الشيخ كاشف الغطاء ( قده ) في دليله المتقدم

وبعد هذا ، فأي مانع أنْ تكون في التربة الحسينية تلك الخصوصية الطبية والكيميائية كما كانت في ماء زمزم ؟ والخلاصة التي توصلنا إليها في الدليل العلمي ، إنّ التربة الحسينية بما تحمله من خصائص البركة إنما هي كرامة إلهية للحسينعليه‌السلام كما أنّ مقتضى البركة والكرامة أنْ توجد فيها خصائص طبية وكيميائية تفوق وجودها في التراب والطين الآخر الموجود في بقاع الأرض وكذلك المياه ، وقد حصل لماء زمزم ، ومقتضى هذه الكرامة الإلهية أنْ تكون على مدى العصور ، يحظى بها من إعتقد بها ، ويحرم منها من جهلها وتهاون بها وقد أشار إلى هذا إمامنا الصادقعليه‌السلام بقوله : ( وإنما يفسدها ما يخالطها من أوعيتها وقلة اليقين لمن يعالج بها ، فأما من أيقن أنها له شفاء إذا تعالج بها ؛ كفته بإذن الله من غيرها مما يتعالج به ، ويفسدها الشياطين والجن من أهل الكفر

______________________

(٢٧٥) ـ عبد الصمد ، محمد كامل : ثبت علمياً ، ج ١ / ( ٣٨ ـ ٣٩ )

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

قال (عليه السلام): و كان يوسف من أجمل أهل زمانه فلمّا راهق يوسف راودته امرأة الملك عن نفسه فقال: معاذ الله إنّا أهل بيت لا يزنون فغلّقت الأبواب عليها و عليه و قالت: لا تخف و ألقت نفسها عليه فأفلت منها هاربا إلى الباب ففتحه فلحقته فجذبت قميصه من خلفه فأخرجته منه فأفلت يوسف منها في ثيابه فألفيا سيّدها لدى الباب قالت: ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلّا أن يسجن أو عذاب أليم.

قال: فهمّ الملك بيوسف ليعذّبه فقال له يوسف: ما أردت بأهلك سوءاً بل هي راودتني عن نفسي فسل هذا الصبيّ أيّنا راود صاحبه عن نفسه؟ قال: كان عندها من أهلها صبيّ زائر لها فأنطق الله الصبيّ لفصل القضاء فقال: أيّها الملك انظر إلى قميص يوسف فإن كان مقدوداً من قدّامه فهو الّذي راودها، و إن كان مقدوداً من خلفه فهي الّتي راودته.

فلمّا سمع الملك كلام الصبيّ و ما اقتصّه أفزعه ذلك فزعاً شديداً فجي‏ء بالقميص فنظر إليه فلمّا رآه مقدوداً من خلفه قال لها: إنّه من كيدكنّ إنّ كيدكنّ عظيم. و قال ليوسف: أعرض عن هذا و لا يسمعه منك أحد و اكتمه.

قال: فلم يكتمه يوسف و أذاعه في المدينة حتّى قلن نسوة منهنّ: امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه فبلغها ذلك فأرسلت إليهنّ، و هيّأت لهن طعاماً و مجلساً ثمّ أتتهنّ باُترنج و آتت كلّ واحدة منهنّ سكّينا ثمّ قالت ليوسف: اُخرج عليهنّ فلمّا رأينه أكبرنه و قطّعن أيديهنّ و قلن ما قلن يعني النساء فقالت لهنّ: هذا الّذي لمتنّني فيه تعني في حبّه. و خرجن النسوة من تحتها فأرسلت كلّ واحدة منهنّ إلى يوسف سرّا من صاحبتها تسأله الزيارة فأبى عليهنّ و قال: إلّا تصرف عنّي كيدهنّ أصب إليهنّ و أكن من الجاهلين و صرف الله عنه كيدهنّ.

فلمّا شاع أمر يوسف و امرأة العزيز و النسوة في مصر بدا للملك بعد ما سمع قول الصبيّ ليسجننّ يوسف فسجنه في السجن و دخل السجن مع يوسف فتيان، و كان من قصّتهما و قصّة يوسف ما قصّه الله في الكتاب. قال أبوحمزة: ثمّ انقطع حديث عليّ بن الحسين (عليه السلام).

١٨١

أقول: و روى ما في معناه العيّاشيّ في تفسيره عن أبي حمزة عنه (عليه السلام) باختلاف يسير، و قوله (عليه السلام):( قال معاذ الله إنّا أهل بيت لا يزنون) تفسير بقرينة المحاذاة لقوله في الآية:( إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ ) إلخ و هو يؤيّد ما قدّمناه في بيان الآية أنّ الضمير إلى الله سبحانه لا إلى عزيز مصر كما ذهب إليه أكثر المفسّرين فافهم ذلك.

و قوله: فأبى عليهنّ و قال:( إِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي ) إلخ ظاهر في أنّه (عليه السلام) لم يأخذ قوله:( رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ) جزءاً من الدعاء فيوافق ما قدّمناه في بيان الآية أنّه ليس بدعاء.

و في العيون، بإسناده عن حمدان عن عليّ بن محمد بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون و عنده الرضا عليّ بن موسى فقال له المأمون: يا ابن رسول الله أ ليس من قولك: أنّ الأنبياء معصومون؟ قال: بلى- و ذكر الحديث إلى أن قال فيه:( قال ظ) : فأخبرني عن قول الله تعالى:( وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى‏ بُرْهانَ رَبِّهِ ) فقال الرضا (عليه السلام): لقد همّت به و لو لا أن رآي برهان ربّه لهمّ بها لكنّه كان معصوما، و المعصوم لا يهمّ بذنب و لا يأتيه.

و لقد حدّثني أبي عن أبيه الصادق (عليه السلام) أنّه قال: همّت بأن تفعل و همّ بأن لا يفعل فقال المأمون: لله درّك يا أباالحسن.

أقول: تقدّم أنّ ابن الجهم هذا لا يخلو عن شي‏ء لكنّ صدر الحديث أعني جواب الرضا (عليه السلام) يوافق ما قدّمناه في بيان الآية و أمّا ما نقله عن جدّه الصادق (عليه السلام)( أنّها همّت بأن تفعل و همّ بأن لا يفعل) فلعلّ المراد به ما ذكره الرضا (عليه السلام) من الجواب لقبوله الانطباق عليه و لعلّ المراد به همّه بقتلها كما يؤيّده الحديث الآتي فينطبق على بعض الاحتمالات المتقدّمة في بيان الآية.

و فيه، بإسناده عن أبي الصلت الهرويّ قال: لمّا جمع المأمون لعليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) أهل المقالات من أهل الإسلام و من الديانات من اليهود و النصارى و المجوس و الصابئين و سائر أهل المقالات فلم يقم أحد إلّا و قد ألزمه حجّته كأنّه

١٨٢

اُلقم حجرا.

قام إليه عليّ بن محمد بن الجهم فقال: يا ابن رسول الله أ تقول بعصمة الأنبياء؟ فقال: نعم. فقال له: فما تقول في قوله عزّوجلّ في يوسف:( وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها ) ؟ فقال له: أمّا قوله تعالى في يوسف:( وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها ) فإنّها همّت بالمعصية و همّ يوسف بقتلها إن أجبرته لعظيم ما تداخله فصرف الله عنه قتلها و الفاحشة. و هو قوله عزّوجلّ:( كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ ) و السوء القتل و الفحشاء الزنا.

و في الدرّ المنثور، أخرج أبونعيم في الحلية عن عليّ بن أبي طالب: في قوله:( وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها ) قال: طمعت فيه و طمع فيها، و كان من الطمع أن همّ بحلّ التكّة فقامت إلى صنم مكلّل بالدرّ و الياقوت في ناحية البيت فسترته بثوب أبيض بينها و بينه فقال: أي شي‏ء تصنعين؟ فقالت: أستحيي من إلهي أن يراني على هذه الصورة- فقال يوسف (عليه السلام): تستحين من صنم لا يأكل و لا يشرب، و لا أستحيي أنا من إلهي الّذي هو قائم على كلّ نفس بما كسبت؟ ثمّ قال: لا تنالينها منّي أبدا. و هو البرهان الّذي رأى.

أقول: و الرواية من الموضوعات كيف؟ و كلامه و كلام سائر أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) مشحون بذكر عصمة الأنبياء و مذهبهم في ذلك مشهور.

على أنّ سترها الصنم و انتقاله من ذلك إلى ما ذكّره لها من الحجّة لا يعدّ من رؤية البرهان، و قد ورد هذا المعنى في عدّة روايات من طرق أهل البيت (عليهم السلام) لكنّها آحاد لا تعويل عليها. نعم لا يبعد أن تقوم المرأة إلى ستر صنم كان هناك فتنزع نفس يوسف (عليه السلام) إلى مشاهدة آية التوحيد عند ذلك فيرتفع الحجاب بينه و بين ساحة الكبرياء فيرى ما يصرفه عن كلّ سوء و فحشاء كما كان له ذلك من قبل، و قد قال تعالى في حقّه:( إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ ) . فإن صحّ شي‏ء من هذه الروايات فليكن هذا معناه.

و فيه،: أخرج أبوالشيخ عن ابن عبّاس قال: عثر يوسف (عليه السلام) ثلاث عثرات:

١٨٣

حين همّ بها فسجن، و حين قال:( اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ) فلبث في السجن بضع سنين فأنساه الشيطان ذكر ربّه. و حين قال:( إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ ) قالوا: إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل.

أقول: و الرواية تخالف صريح كلامه تعالى حيث يذكر أنّ الله اجتباه و أخلصه لنفسه و أنّ الشيطان لا سبيل له إلى من أخلصه الله لنفسه و كيف يستقيم لمن همّ على أفحش معصية و أنساه الشيطان ذكر ربّه ثمّ كذب في مقاله فعاقبه الله بالسجن ثمّ بلبثه فيه بضع سنين و جبّه بالسرقة أن يعدّه الله صدّيقاً من عباده المخلصين و المحسنين، و يذكر أنّه آتاه الحكم و العلم و اجتباه و أتمّ عليه نعمته، و على هذا السبيل روايات جمّة رواها في الدرّ المنثور، و قد تقدّم نقل شطر منها عند بيان الآيات، و لا تعويل على شي‏ء منها.

و فيه، أخرج أحمد و ابن جرير و البيهقيّ في الدلائل عن ابن عبّاس عن النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) قال: تكلّم أربعة و هم صغار: ابن ماشطة بنت فرعون، و شاهد يوسف، و صاحب جريح، و عيسى بن مريم.

و في تفسير القمّيّ قال: و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام): في قوله:( قَدْ شَغَفَها حُبًّا ) يقول: قد حجبها حبّه عن الناس فلا تعقل غيره، و الحجاب هو الشغاف، و الشغاف هو حجاب القلب.

و فيه، في حديث جمعها النسوة و تقطيعهنّ أيديهنّ قال: فما أمسى يوسف (عليه السلام) في ذلك اليوم حتّى بعثت إليه كلّ امرأة رأته تدعوه إلى نفسها فضجر يوسف في ذلك اليوم فقال:( رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَ إِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَ أَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ) .الحديث.

١٨٤

( سورة يوسف الآيات ٣٥ - ٤٢)

ثُمّ بَدَا لَهُمْ مِن بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنّهُ حَتّى‏ حِينٍ( ٣٥) وَدَخَلَ مَعَهُ السّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الْأَخَرُ إِنّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطّيْرُ مِنْهُ نَبّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ( ٣٦) قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلّا نَبّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذلِكُمَا مِمّا عَلّمَنِي رَبّي إِنّي تَرَكْتُ مِلّةَ قَوْمٍ لاّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ( ٣٧) وَاتّبَعْتُ مِلّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْ‏ءٍ ذلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النّاسِ وَلكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ( ٣٨) يَا صَاحِبَيِ السّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مّتَفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهّارُ( ٣٩) مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلّا أَسْماءً سَمّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلّا للّهِ‏ِ أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلّا إِيّاهُ ذلِكَ الدّينُ الْقَيّمُ وَلكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ( ٤٠) يَاصَاحِبَيِ السّجْنِ أَمّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبّهُ خَمْراً وَأَمّا الْأَخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطّيْرُ مِن رّأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ( ٤١) وَقَالَ لِلّذِي ظَنّ أَنّهُ نَاجٍ مّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبّكَ فَأَنسَاهُ الشّيْطَانُ ذِكْرَ رَبّهِ فَلَبِثَ فِي السّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ( ٤٢)

١٨٥

( بيان)

تتضمّن الآيات شطراً من قصّته (عليه السلام) و هو دخوله السجن و مكثه فيه بضع سنين و هو مقدّمة تقرّبه التامّ عند الملك و نيله عزّة مصر، و فيه دعوته في السجن إلى دين التوحيد، و قد جاء ببيان عجيب، و إظهاره لأوّل مرّة أنّه من اُسرة إبراهيم و إسحاق و يعقوب.

قوله تعالى: ( ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حتّى حِينٍ ) البداء هو ظهور رأي بعد ما لم يكن يقال: بدا لي في أمر كذا أي ظهر لي فيه رأي جديد، و الضمير في قوله:( لَهُمْ ) إلى العزيز و امرأته و من يتلوهما من أهل الاختصاص و أعوان الملك و العزّة.

و المراد بالآيات الشواهد و الأدلّة الدالّة على براءة يوسف (عليه السلام) و طهارة ذيله ممّا اتّهموه به كشهادة الصبيّ و قدّ القميص من خلفه و استباقهما الباب معا، و لعلّ منها تقطيع النسوة أيديهنّ برؤيته و استعصامه عن مراودتهنّ إيّاه عن نفسه و اعتراف امرأة العزيز لهنّ أنّها راودته عن نفسه فاستعصم.

و قوله:( لَيَسْجُنُنَّهُ ) اللّام فيه للقسم أي أقسموا و عزموا ليسجننّه البتّة، و هو تفسير للرأي الّذي بدا لهم، و يتعلّق به قوله:( حتّى حِينٍ ) و لا يخلو من معنى الانتظار بالنظر إلى قطع حين عن الإضافة و المعنى على هذا ليسجننّه حتّى ينقطع حديث المراودة الشائع في المدينة و ينساه الناس.

و معنى الآية: ثمّ ظهر للعزيز و من يتلوه من امرأته و سائر مشاوريه رأي جديد في يوسف من بعد ما رأوا هذه الآيات الدالّة على براءته و عصمته و هو أن يسجنوه حينا من الزمان حتّى ينسى حديث المراودة الّذي يجلب لهم العار و الشين و أقسموا على ذلك.

و يظهر بذلك أنّهم إنّما عزموا على ذلك لمصلحة بيت العزيز و صوناً لاُسرته

١٨٦

عن هوان التهمة و العار، و لعلّ من غرضهم أن يتحفّظوا على أمن المدينة العامّ و لا يخلوا الناس و خاصّة النساء أن يفتتنوا به فإنّ هذا الحسن الّذي أوله امرأة العزيز و السيّدات من شرفاء المدينة و فعل بهم ما فعل من طبعه أن لا يلبث دون أن يقيم في المدينة بلوى.

لكن الّذي يظهر من قوله في السجن لرسول الملك:( ارْجِعْ إِلى‏ رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ) إلى آخر ما قال ثمّ قول الملك لهنّ:( ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ ) ، و قولهن:( حاشَ لله ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ ) ثم قول امرأة العزيز:( الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ) ، كلّ ذلك يدلّ على أنّ المرأة ألبست الأمر بعد على زوجها و أرابته في براءة يوسف (عليه السلام) فاعتقد خلاف ما دلّت عليه الآيات أو شكّ في ذلك، و لم يكن ذلك إلّا عن سلطة تامّة منها عليه و تمكّن كامل من قلبه و رأيه.

و على هذا فقد كان سجنه بتوسّل أو بأمر منها لتدفع بذلك تهمة الناس عن نفسها و تؤدّب يوسف لعلّه ينقاد لها و يرجع إلى طاعتها فيما كانت تأمره به كما هدّدته به بمحضر من النسوة بقولها:( وَ لَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَ لَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ ) .

قوله تعالى: ( وَ دَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ ) إلى آخر الآية الفتى العبد و سياق الآيات يدلّ على أنّهما كانا عبدين من عبيد الملك، و قد وردت به الروايات كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

و قوله:( قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً ) فصل قوله:( قالَ أَحَدُهُما ) للدلالة على الفصل بين حكاية الرؤيا و بين الدخول كما يشعر به ما في السياق من قوله:( أَرانِي ) و خطابه له بصاحب السجن.

و قوله:( أَرانِي ) لحكاية الحال الماضية كما قيل، و قوله:( أَعْصِرُ خَمْراً ) أي أعصر عنبا كما يعصر ليتّخذ خمراً فقد سمّي العنب خمراً باعتبار ما يؤول إليه.

و المعنى أصبح أحدهما و قال ليوسف (عليه السلام) إنّي رأيت فيما يرى النائم أنّي

١٨٧

أعصر عنبا للخمر.

و قوله:( وَ قالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ) أي تنهشه و هي رؤيا اُخرى ذكرها صاحبه. و قوله:( نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) أي قالا نبّئنا بتأويله فاكتفى عن ذكر الفعل بقوله:( قال ) ( و قال ) و هذا من لطائف تفنّن القرآن، و الضمير في قوله:( بِتَأْوِيلِهِ ) راجع إلى ما يراه المدلول عليه بالسياق، و في قوله:( إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) تعليل لسؤالهما التأويل و( نَراكَ ) أي نعتقدك من المحسنين لما نشاهد فيك من سيماهم، و إنّما أقبلا عليه في تأويل رؤياهما لإحسانه، لما يعتقد عامّة الناس أنّ المحسنين الأبرار ذوو قلوب طاهرة و نفوس زاكية فهم ينتقلون إلى روابط الاُمور و جريان الحوادث انتقالاً أحسن و أقرب إلى الرشد من انتقال غيرهم.

و المعنى: قال أحدهما ليوسف: إنّي رأيت فيما يرى النائم كذا و قال الآخر: إنّي رأيت كذا، و قالا له: أخبرنا بتأويل ما رآه كلّ منّا لأنّا نعتقد أنّك من المحسنين، و لا يخفى لهم أمثال هذه الاُمور الخفيّة لزكاء نفوسهم و صفاء قلوبهم.

قوله تعالى: ( قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ) لمّا أقبل صاحبا السجن على يوسف (عليه السلام) في سؤاله عن تأويل رؤيا رأياها عن حسن ظنّ به من جهة ما كانا يشاهدان منه سيماء المحسنين اغتنم (عليه السلام) الفرصة في بثّ ما عنده من أسرار التوحيد و الدعوة إلى ربّه سبحانه الّذي علّمه ذلك فأخبرهما أنّه عليم بذلك بتعليم من ربّه خبير بتأويل الأحاديث و توسّل بذلك إلى الكشف عن سرّ التوحيد و نفي الشركاء ثمّ أوّل رؤياهما.

فقال أوّلا: لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ - و أنتما في السجن - إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ - أي بتأويل ذاكما الطعام و حقيقته و ما يؤول إليه أمره - فأنا خبير بذلك فليكن آية لصدقي فيما أدعوكما إليه من دين التوحيد.

هذا على تقدير عود الضمير في قوله:( بِتَأْوِيلِهِ ) إلى الطعام، و يكون عليه إظهاراً منه (عليه السلام) لآية نبوّته نظير قول المسيح (عليه السلام) لبني إسرائيل:( وَ أُنَبِّؤُكُمْ

١٨٨

بِما تَأْكُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) آل عمران: ٤٩، و يؤيّد هذا المعنى بعض الروايات الواردة من طرق أهل البيت (عليه السلام) كما سيأتي في بحث روائيّ إن شاء الله تعالى.

و أمّا على تقدير عود ضمير( بِتَأْوِيلِهِ ) إلى ما رأياه من الرؤيا فقوله:( لا يَأْتِيكُما طَعامٌ ) إلخ، وعد منه لهما تأويل رؤياهما و وعد بتسريعه غير أنّ هذا المعنى لا يخلو من بعد بالنظر إلى السياق.

قوله تعالى: ( ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ وَ اتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ ) بيّن (عليه السلام) أنّ العلم و التنبّؤ بتأويل الأحاديث ليس من العلم العاديّ الاكتسابيّ في شي‏ء بل هو ممّا علّمه إيّاه ربّه ثمّ علّل ذلك بتركه ملّة المشركين و اتّباعه ملّة آبائه إبراهيم و إسحاق و يعقوب أي رفضه دين الشرك و أخذه بدين التوحيد.

و المشركون من أهل الأوثان يعتقدون بالله سبحانه و يثبتون يوم الجزاء بالقول بالتناسخ كما تقدّم في الجزء السابق من الكتاب لكن دين التوحيد يحكم أنّ الّذي يقدّر له شركاء في التأثير أو في استحقاق العبادة ليس هو الله و كذا عود النفوس بعد الموت بأبدان اُخرى تتنعّم فيها أو تعذّب ليس من المعاد في شي‏ء، و لذلك نفى (عليه السلام) عنهم الإيمان بالله و بالآخرة، و أكّد كفرهم بالآخرة بتكرار الضمير حيث قال:( وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ ) و ذلك لأنّ من لا يؤمن بالله فأحرى به أن لا يؤمن برجوع العباد إليه.

و هذا الّذي يقصّه الله سبحانه من قول يوسف (عليه السلام):( وَ اتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ) هو أوّل ما أنبأ في مصر نسبه و أنّه من أهل بيت إبراهيم و إسحاق و يعقوب (عليه السلام).

قوله تعالى: ( ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْ‏ءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَ عَلَى النَّاسِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ) أي لم يجعل الله سبحانه لنا أهل البيت سبيلا إلى أن نشرك به شيئا و منعنا من ذلك، ذلك المنع من فضل الله و نعمته علينا

١٨٩

أهل البيت و على الناس و لكنّ أكثر الناس لا يشكرون فضله تعالى بل يكفرون به.

و أمّا أنّه تعالى جعلهم بحيث لا سبيل لهم إلى أن يشركوا به فليس جعل إجبار و إلجاء بل جعل تأييد و تسديد حيث أنعم عليهم بالنبوّة و الرسالة و الله أعلم حيث يجعل الرسالة فاعتصموا بالله عن الشرك و دانوا بالتوحيد.

و أمّا أنّ ذلك من فضل الله عليهم و على الناس فلأنّهم أيدوا بالحقّ و هو أفضل الفضل و الناس في وسعهم أن يرجعوا إليهم فيفوزوا باتّباعهم و يهتدوا بهداهم.

و أمّا أنّ أكثر الناس لا يشكرون فلأنّهم يكفرون بهذه النعمة و هي النبوّة و الرسالة فلا يعبؤون بها و لا يتّبعون أهلها أو لأنّهم يكفرون بنعمة التوحيد و يتّخذون لله سبحانه شركاء من الملائكة و الجنّ و الإنس يعبدونهم من دون الله.

هذا ما ذكره أكثر المفسّرين في معنى الآية.

و يبقى عليه شي‏ء و هو أنّ التوحيد و نفي الشركاء ليس ممّا يرجع فيه إلى بيان النبوّة فإنّه ممّا يستقلّ به العقل و تقضي به الفطرة فلا معنى لعدّه فضلا على الناس من جهة الاتّباع بل هم و الأنبياء في أمر التوحيد على مستوى واحد و شرع سواء و لو كفروا بالتوحيد فإنّما كفروا لعدم إجابتهم لنداء الفطرة لا لعدم اتّباع الأنبياء.

لكن يجب أن يعلم أنّه كما أنّ من الواجب في عناية الله سبحانه أن يجهّز نوع الإنسان مضافاً إلى الهامّة من طريق العقل الخير و الشرّ و التقوى و الفجور بما يدرك به أحكام دينه و قوانين شرعه و هو سبيل النبوّة و الوحي، و قد تكرّر توضيحه في أبحاثنا السابقة كذلك من الواجب في عنايته أن يجهّز أفراداً منه بنفوس طاهرة و قلوب سليمة مستقيمة على فطرتها الأصليّة لازمة لتوحيده ممتنعة عن الشرك به يستبقي به أصل التوحيد عصراً بعد عصر و يحيى به روح السعادة جيلا بعد جيل، و البرهان عليه هو البرهان على النبوّة و الوحي فإنّ الواحد من الإنسان العاديّ لا يمتنع عليه الشرك و نسيان التوحيد، و الجائز على الواحد جائز على الجميع و في تلبّس الجميع بالشرك فساد النوع في غايته و بطلان الغرض الإلهيّ في خلقته.

١٩٠

فمن الواجب أن يكون في النوع رجال متلبّسون بإخلاص التوحيد يقومون بأمره و يدافعون عنه و ينبّهون الناس عن رقدة الغفلة و الجهالة بإلقاء حججه و بثّ شواهده و آياته و بينهم و بين الناس رابطة التعليم و التعلّم دون السوق و الاتّباع.

و هذه النفوس إن كانت فهي نفوس الأنبياء و الأئمة (عليهم السلام)، و في خلقهم و بعثهم فضل من الله سبحانه عليهم بتعليم توحيده لهم، و على الناس بنصب من يذكّرهم الحقّ الّذي تقضي به فطرتهم و يدافع عن الحقّ تجاه غفلتهم و ضلالتهم فإنّ اشتغال الناس بالأعمال المادّيّة و مزاولتهم للاُمور الحسّيّة تجذبهم إلى اللّذّات الدنيويّة و تحرّضهم على الإخلاد إلى الأرض فتبعّدهم عن المعنويّات و تنسيهم ما في فطرهم من المعارف الإلهيّة، و لو لا رجال متألّهون متولّهون في الله الّذين أخلصهم بخالصة ذكرى الدار في كلّ برهة من الزمان لاُحيطت الأرض بالعماء، و انقطع السبب الموصول بين الأرض و السماء، و بطلت غاية الخلقة، و ساخت الأرض بأهلها.

و من هنا يظهر أنّ الحقّ أن تنزّل الآية على هذه الحقيقة فيكون معنى الآية: لم يجعل لنا بتأييد من الله سبيل إلى أن نشرك بالله شيئا، ذلك أي كوننا في أمن من الشرك من فضل الله علينا لأنّه الهدى الّذي هو سعادة الإنسان و فوزه العظيم. و على الناس لأنّ في ذلك تذكيرهم إذا نسوا و تنبيههم إذا غفلوا، و تعليمهم إذا جهلوا، و تقويمهم إذا عوجّوا و لكنّ أكثر الناس لا يشكرون الله بل يكفرون بهذا الفضل فلا يعبؤون به و لا يقبلون عليه بل يعرضون عنه. هذا.

و ذكر بعضهم في معنى الآية: أنّ المشار إليه بقوله:( ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا ) إلخ، هو العلم بتأويل الأحاديث. و هو كما ترى بعيد من سياق الآية.

قوله تعالى: ( يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) لفظة الخير بحسب الوزن صفة من قولهم: خار يخار خيرة إذا انتخب و اختار أحد شيئين يتردّد بينهما من حيث الفعل أو من حيث الأخذ بوجه فالخير منهما هو الّذي يفضل على الآخر في صفة المطلوبيّة فيتعيّن الأخذ به فخير الفعلين هو المطلوب منهما الّذي يتعيّن القيام به و خير الشيئين هو المطلوب منهما من جهة الأخذ به

١٩١

كخير المالين من جهة التمتّع به و خير الدارين من جهة سكناها و خير الإنسانين من جهة مصاحبته، و خير الرأيين من جهة الأخذ به، و خير الإلهين من جهة عبادته، و من هنا ذكر أهل الأدب أنّ الخير في الأصل( أخير ) أفعل تفضيل، و الحقيقة أنّه صفة مشبهة تفيد بحسب المادّة ما يفيده أفعل التفضيل من الفضل في القياس.

و بما مرّ يتبيّن أنّ قوله (عليه السلام):( أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) إلخ مسوق لبيان الحجّة على تعيّنه تعالى للعبادة إذا فرض تردّد الأمر بينه و بين سائر الأرباب الّتي تدعى من دون الله لا لبيان أنّه تعالى هو الحقّ الموجود دون غيره من الأرباب أو أنّه تعالى هو الإله الّذي تنتهي إليه الأشياء بدءاً و عوداً دونها أو غير ذلك فإنّ الشي‏ء إنّما يسمّى خيراً من جهة طلبه و تعيينه بالأخذ به بنحو فقوله (عليه السلام): أهو خير أم سائر الأرباب؟ يريد به السؤال عن تعيّن أحد الطرفين من جهة الأخذ به و الأخذ بالربّ هو عبادته.

ثمّ إنّه (عليه السلام) سمّى آلهتهم أرباباً متفرّقين لأنّهم كانوا يعبدون الملائكة و هم عندهم صفات الله سبحانه أو تعيّنات ذاته المقدّسة الّتي تستند إليها جهات الخير و السعادة في العالم فيفرّقون بين الصفات بتنظيمها طولاً و عرضاً و يعبدون كلّا بما يخصّه من الشأن فهناك إله العلم و إله القدرة و إله السماء و إله الأرض و إله الحسن و إله الحبّ و إله الأمن و الخصب و غير ذلك، و يعبدون الجنّ و هم مبادئ الشرّ في العالم كالموت و الفناء و الفقر و القبح و الألم و الغمّ و غير ذلك، و يعبدون أفراداً كالكملين من الأولياء و الجبابرة من السلاطين و الملوك و غيرهم، و هم جميعاً متفرّقون من حيث أعيانهم و من حيث أصنامهم و التماثيل المتّخذة لهم المنصوبة للتوجّه بها إليهم.

و قابل الأرباب المتفرّقين بذكر الله عزّ اسمه و وصفه بالواحد القهّار حيث قال:( أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) فالكلمة تفيد بحسب المعنى خلاف ما يفيده قوله:( أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ ) لضرورة التقابل بين طرفي الترديد.

فالله علم بالغلبة يراد به الذات المقدّسة الإلهيّة الّتي هي حقيقة لا سبيل للبطلان

١٩٢

إليه و وجود لا يتطرّق العدم و الفناء إليه، و الوجود الّذي هذا شأنه لا يمكن أن يفرض له حدّ محدود و لا أمد ممدود لأنّ كلّ محدود فهو معدوم وراء حدّه، و الممدود باطل بعد أمده فهو تعالى ذات غير محدود و وجود غير متناه بحت، و إذا كان كذلك لم يمكن أن يفرض له صفة خارجة عن ذاته مباينة لنفسه كما هو الحال في صفاته لتأدية هذه المغايرة إلى كونه تعالى محدوداً غير موجود في ظرف الصفة و فاقرا لا يجد الصفة في ذاته و لم يمكن أيضاً فرض المغايرة و البينونة بين صفاته الذاتيّة كالحياة و العلم و القدرة لأنّ ذلك يؤدّي إلى وجود حدود في داخل الذات لا يوجد ما في داخل حدّ في خارجه فيتغاير الذات و الصفات و يتكثّر جميعا و يحدّ، و هذا كلّه ممّا اعترفت به الوثنيّة على ما بأيدينا من معارفهم.

فممّا لا يتطرّق إليه الشكّ عند المثبتين لوجود الإله سبحانه لو تفطّنوا أنّ الله سبحانه موجود في نفسه ثابت بذاته لا موجود بهذا النعت غيره، و أنّ ما له من صفات الكمال فهو عينه غير زائد عليه و لا بعض صفات كماله صفات زائد على بعض فهو علم و قدرة و حياة بعينه.

فهو تعالى أحديّ الذات و الصفات أي إنّه واحد في وجوده بذاته ليس قباله شي‏ء إلّا موجوداً به لا مستقلّاً بالوجود و واحد في صفاته أي ليس هناك صفة له حقيقيّة إلّا أن تكون عين الذات فهو الّذي يقهر كلّ شي‏ء لا يقهره شي‏ء.

و الإشارة إلى هذا كلّه هي الّتي دعته (عليه السلام) أن يصف الله سبحانه بالواحد القهّار حيث قال:( أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) أي إنّه تعالى واحد لكن لا واحد عدديّ إذا اُضيف إليه آخر صار اثنين بل واحد لا يمكن أن يفرض قباله ذات إلّا و هي موجودة به لا بنفسها و لا أن يفرض قباله صفة له إلّا و هي عينه و إلّا صارت باطلة كلّ ذلك لأنّه بحث غير محدود بحدّ و لا منته إلى نهاية.

و قد تمّت الحجّة على الخصم منه (عليه السلام) في هذا السؤال بما وصف الأرباب بكونهم متفرّقين، و إيّاه تعالى بالواحد القهّار لأنّ كون ذاته المتعالية واحداً قهّاراً يبطل التفرقة - أيّ تفرقة مفروضة - بين الذات و الصفات، فالذات عين

١٩٣

الصفات و الصفات بعضها عين بعض فمن عبد الذات عبد الذات و الصفات و من عبد علمه فقد عبد ذاته، و إن عبد علمه و لم يعبد ذاته فلم يعبد لا علمه و لا ذاته و على هذا القياس.

فإذا فرض تردّد العبادة بين أرباب متفرّقين و بين الله الواحد القهّار تعالى و تقدّس تعيّنت عبادته دونهم إذ لا يمكن فرض أرباب متفرّقين و لا تفرقة في العبادة.

نعم يبقى هناك شي‏ء و هو الّذي يعتمد عليه عامّة الوثنيّة من أنّ الله سبحانه أجلّ و أرفع ذاتاً من أن تحيط به عقولنا أو يناله أفهامنا فلا يمكننا التوجّه إليه بعبادته و لا يسعنا التقرّب منه بعبوديّته و الخضوع له، و الّذي يسعنا هو أن نتقرّب بالعبادة إلى بعض مخلوقاته الشريفة الّتي هي مؤثّرات في تدبير النظام العالميّ حتّى يقرّبونا منه و يشفعوا لنا عنده فأشار (عليه السلام) في الشطر الثاني من كلامه أعني قوله:( ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً ) إلخ إلى دفعه.

قوله تعالى: ( ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لله أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) إلخ، بدأ (عليه السلام) بخطاب صاحبيه في السجن أوّلا ثمّ عمّم الخطاب للجميع لأنّ الحكم مشترك بينهما و بين غيرهما من عبدة الأوثان.

و نفي العبادة إلّا عن الأسماء كناية عن أنّه لا مسمّيات وراء هذه الأسماء فتقع العبادة في مقابل الأسماء كلفظة إله السماء و إله الأرض و إله البحر و إله البرّ و الأب و الاُمّ و ابن الإله و نظائر ذلك.

و قد أكّد كون هذه الأسماء ليس وراءها مسمّيات بقوله:( أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ) فإنّه في معنى الحصر أي لم يضع هذه الأسامي أحد غيركم بل أنتم و آباؤكم وضعتموها، ثمّ أكّده ثانياً بقوله:( ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ) و السلطان هو البرهان لتسلّطه على العقول أي ما أنزل الله بهذه الأسماء أو بهذه التسمية من برهان يدلّ على أنّ لها مسمّيات وراءها، و حينئذ كان يثبت لها الاُلوهيّة أي المعبوديّة فصحّت عبادتكم لها.

١٩٤

و من الجائز أن يكون ضمير( بِها ) عائداً إلى العبادة أي ما أنزل الله حجّة على عبادتها بأن يثبت لها شفاعة و استقلالاً في التأثير حتّى تصحّ عبادتها و التوجّه إليها فإنّ الأمر إلى الله على كلّ حال. و إليه أشار بقوله بعده:( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لله ) .

و هو أعني قوله:( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لله ) ممّا لا ريب فيه البتّة إذ الحكم في أمر ما لا يستقيم إلّا ممّن يملك تمام التصرّف، و لا مالك للتصرّف و التدبير في اُمور العالم و تربية العباد حقيقة إلّا الله سبحانه فلا حكم بحقيقة المعنى إلّا له.

و هو أعني قوله:( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لله ) مفيد فيما قبله و ما بعده صالح لتعليلهما معا، أمّا فائدته في قوله قبل:( ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ) فقد ظهرت آنفاً، و أمّا فائدته في قوله بعد:( أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) فلأنّه متضمّن لجانب إثبات الحكم كما أنّ قوله قبل:( ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ) متضمّن لجانب السلب، و حكمه تعالى نافذ في الجانبين معا فكأنّه لمّا قيل:( ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ) قيل:( فما ذا حكم به في أمر العبادة) فقيل:( أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) و لذلك جي‏ء بالفعل.

و معنى الآية - و الله أعلم - ما تعبدون من دون الله إلّا أسماء خالية عن المسمّيات لم يضعها إلّا أنتم و آباؤكم من غير أن ينزّل الله سبحانه من عنده برهانا يدلّ على أنّ لها شفاعة عند الله أو شيئا من الاستقلال في التأثير حتّى يصحّ لكم دعوى عبادتها لنيل شفاعتها، أو طمعا في خيرها أو خوفا من شرّها.

و أمّا قوله:( ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) فيشير به إلى ما ذكره من توحيد الله و نفي الشريك عنه، و القيّم هو القائم بالأمر القوي على تدبيره أو القائم على ساقه غير المتزلزل و المتضعضع، و المعنى أنّ دين التوحيد وحده هو القويّ على إدارة المجتمع و سوقه إلى منزل السعادة، و الدين المحكم غير المتزلزل الّذي فيه الرشد من غير غيّ و الحقّيّة من غير بطلان، و لكنّ أكثر الناس لاُنسهم بالحسّ و المحسوس و انهماكهم في زخارف الدنيا الفانية حرموا سلامة

١٩٥

القلب و استقامة العقل لا يعلمون ذلك، و إنّما يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا و هم عن الآخرة معرضون.

أمّا أنّ التوحيد دين فيه الرشد و مطابقة الواقع فيكفي في بيانه ما أقامه (عليه السلام) من البرهان، و أمّا أنّه هو القويّ على إدارة المجتمع الإنسانيّ فلأن هذا النوع إنّما يسعد في مسير حياته إذا بنى سنن حياته و أحكام معاشه على مبني حقّ مطابق للواقع فسار عليها لا إذا بناها على مبني باطل خرافيّ لا يعتمد على أصل ثابت.

فقد بان من جميع ما تقدّم أنّ الآيتين جميعا أعني قوله:( يا صاحِبَيِ السِّجْنِ - إلى قوله -أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) برهان واحد على توحيد العبادة، محصّله أنّ عبادة المعبود إن كانت لاُلوهيّته في نفسه و وجوب وجوده بذاته فالله سبحانه في وجوده واحد قهّار لا يتصوّر له ثان و لا مع تأثيره مؤثّر آخر فلا معنى لتعدّد الآلهة، و إن كانت لكون آلهة غير الله شركاء له شفعاء عنده فلا دليل على ثبوت الشفاعة لهم من قبل الله سبحانه بل الدليل على خلافه فإنّ الله حكم من طريق العقل و بلسان أنبيائه أن لا يعبد إلّا هو.

و بذلك يظهر فساد ما أورده البيضاويّ في تفسيره تبعا للكشّاف أنّ الآيتين تتضمّنان دليلين على التوحيد فما في الاُولى و هو قوله:( أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) دليل خطابيّ، و ما في الثانية و هو قوله:( ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً ) إلخ برهان تامّ.

قال البيضاويّ: و هذا من التدرّج في الدعوة و إلزام الحجة بيّن لهم أوّلا رجحان التوحيد على اتّخاذ الآلهة على طريق الخطابة ثمّ برهن على أنّ ما يسمّونها آلهة و يعبدونها لا تستحقّ الإلهيّة فإنّ استحقاق العبادة إمّا بالذات و إمّا بالغير و كلا القسمين منتف عنهما ثمّ نصّ على ما هو الحقّ القويم و الدين المستقيم الّذي لا يقتضي العقل غيره و لا يرتضي العلم دونه. انتهى.

و لعلّ الّذي حداه إلى ذلك ما في الآية الاُولى من لفظة الخير فاستظهر منه الرجحان الخطابيّ، و قد فاته ما فيها من قيد( الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) و قد عرفت تقرير

١٩٦

ما تتضمّنه الآيتان من البرهان، و أنّ الّذي ذكره من معنى الآية الثانية هو مدلول مجموع الآيتين دون الثانية فحسب.

و ربّما يقرّر مدلول الآيتين برهانين على التوحيد بوجه آخر ملخّصه أنّ الله الواحد الّذي يقهر بقدرته الأسباب المتفرّقة الّتي تفعل في الكون و يسوقها على تلائم آثارها المتفرّقة المتنوّعة بعضها مع بعض حتّى ينتظم منها نظام واحد غير متناقض الأطراف كما هو المشهود من وحدة النظام و توافق الأسباب خير من أرباب متفرّقين تترشّح منها لتفرّقها و مضادّتها أنظمة مختلفة و تدابير متضادّة تؤدّي إلى انفصام وحدة النظام الكونيّ و فساد التدبير الواحد العموميّ.

ثمّ الآلهة المعبودة من دون الله أسماء لا دليل على وجود مسمّياتها في الخارج بتسميتكم لا من جانب العقل و لا من جانب النقل لأنّ العقل لا يدلّ إلّا على التوحيد و الأنبياء لم يؤمروا من جهة الوحي إلّا بأن لا يعبد إلّا الله وحده. انتهى.

و هذا التقرير - كما ترى - ينزّل الآية الاُولى على معنى قوله تعالى:( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا ) الأنبياء: ٢٢، و يعمّم الآية الثانية على نفي اُلوهيّة آلهة إلّا الله بذاتها و نفي اُلوهيّتها من جهة إذن الله في شفاعتها.

و يرد عليه أوّلا: أنّ فيه تقييداً لإطلاق قوله:( الْقَهَّارُ ) من غير مقيّد فإنّ الله سبحانه كما يقهر الأسباب في تأثيرها يقهر كلّ شي‏ء في ذاته و صفته و آثاره فلا ثاني له في وجوده و لا ثاني له في استقلاله في نفسه و في تأثيره فلا يتأتّى مع وحدته القاهرة على الإطلاق أن يفرض شي‏ء يستقلّ عنه في وجوده، و لا أمر يستقلّ عنه في أمره، و الإله الّذي يفرض دونه إمّا مستقلّ عنه في ذاته و آثار ذاته جميعا و إمّا مستقلّ عنه في آثار ذاته فحسب، و كلا الأمرين محال كما ظهر.

و ثانياً: أنّ فيه تعميما لخصوص الآية الثانية من غير معمّم فإنّ الآية - كما عرفت - تنيط كونها آلهة بإذن الله و حكمه كما هو ظاهر قوله:( ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لله ) إلخ و من الواضح أنّ هذه الاُلوهيّة المنوطة بإذنه تعالى و حكمه اُلوهيّة شفاعة لا اُلوهيّة ذاتيّة أي اُلوهيّة بالغير لا ما هو أعمّ

١٩٧

من الاُلوهيّة بالذات و بالغير جميعا.

قوله تعالى: ( يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَ أَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الّذي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ ) معنى الآية ظاهر، و قرينة المناسبة قاضية بأنّ قوله:( أَمَّا أَحَدُكُما ) إلخ، تأويل رؤيا من قال منهما:( إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً ) و قوله:( وَ أَمَّا الْآخَرُ ) إلخ، تأويل لرؤيا الآخر.

و قوله:( قُضِيَ الْأَمْرُ الّذي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ ) لا يخلو من إشعار بأنّ الصاحبين أو أحدهما كذب نفسه في دعواه الرؤيا و لعلّه الثاني لمّا سمع تأويل رؤياه بالصلب و أكل الطير من رأسه، و يتأيّد بهذا ما ورد من الرواية من طرق أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) أنّ الثاني من الصاحبين قال له: إنّي كذبت فيما قصصت عليك من الرؤيا فقال (عليه السلام):( قُضِيَ الْأَمْرُ الّذي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ ) أي إنّ التأويل الّذي استفتيتما فيه مقضيّ مقطوع لا مناص عنه.

قوله تعالى: ( وَ قالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ) الضمائر في قوله:( قالَ ) و( ظَنَّ ) و( فَلَبِثَ ) راجعة إلى يوسف أي قال يوسف للّذي ظنّ هو أنّه سينجو منهما: اذكرني عند ربّك بما يثير رحمته لعلّه يخرجني من السجن.

و إطلاق الظنّ على اعتقاده مع تصريحه لهما بأنّه من المقضيّ المقطوع به و تصريحه بأنّ ربّه علمه تأويل الأحاديث لعلّه من إطلاق الظنّ على مطلق الاعتقاد و له نظائر في القرآن كقوله تعالى:( الّذينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ ) : البقرة: ٤٦.

و أمّا قول بعضهم: إنّ إطلاق الظنّ على اعتقاده يدلّ على أنّه إنّما أوّل ما أوّل عن اجتهاد منه. يفسده ما قدّمنا الإشارة إليه أنّه صرّح لهما بعلمه في قوله:( قُضِيَ الْأَمْرُ الّذي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ ) و الله سبحانه أيّد ذلك بقوله:( وَ لِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ ) و هذا ينافي الاجتهاد الظنّيّ.

و قد احتمل أن يكون ضمير( ظَنَّ ) راجعاً إلى الموصول أي قال يوسف

١٩٨

لصاحبه الّذي ظنّ ذلك الصاحب أنّه ناج منهما. و هذا المعنى لا بأس به إن ساعده السياق.

و قوله:( فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ) إلخ، الضميران راجعان إلى( الّذي ) أي فأنسا الشيطان صاحبه الناجي أن يذكره لربّه أو عند ربّه فلبث يوسف في السجن بضع سنين و البضع ما دون العشرة فإضافة الذكر إلى ربّه من قبيل إضافة المصدر إلى معموله المعدّى إليه بالحرف أو إلى المظروف بنوع من الملابسة.

و أمّا إرجاع الضميرين إلى يوسف حتّى يفيد أنّ الشيطان أنسى يوسف ذكر الله سبحانه فتعلّق بذيل غيره في نجاته من السجن فعوقب على ذلك فلبث في السجن بضع سنين كما ذكره بعضهم و ربّما نسب إلى الرواية.

فممّا يخالف نصّ الكتاب فإنّ الله سبحانه نصّ على كونه (عليه السلام) من المخلصين و نصّ على أنّ المخلصين لا سبيل للشيطان إليهم مضافا إلى ما أثنى الله عليه في هذه السورة.

و الإخلاص لله لا يستوجب ترك التوسّل بالأسباب فإنّ ذلك من أعظم الجهل لكونه طمعا فيما لا مطمع فيه بل إنّما يوجب ترك الثقة بها و الاعتماد عليها و ليس في قوله:( اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ) ما يشعر بذلك البتّة.

على أنّ قوله تعالى بعد آيتين:( وَ قالَ الّذي نَجا مِنْهُما وَ ادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ) إلخ، قرينة صالحة على أنّ الناسي هو الساقي دون يوسف.

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام): في قوله:( ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حتّى حِينٍ ) فالآيات شهادة الصبيّ و القميص المخرق من دبر و استباقهما الباب حتّى سمع مجاذبتها إيّاه على الباب، فلما عصاها لم تزل مولعة بزوجها حتّى حبسه.

و دخل معه السجن فتيان يقول: عبدان للملك أحدهما خبّاز و الآخر صاحب الشراب، و الّذي كذب و لم ير المنام هو الخبّاز.

١٩٩

و ذكر الحديث عليّ بن إبراهيم القمّيّ قال: و وكّل الملك بيوسف رجلين يحفظانه فلمّا دخل السجن قالوا له: ما صناعتك؟ قال: اُعبّر الرؤيا. فرأى أحد الموكّلين في منامه كما قال يعصر خمرا. قال يوسف: تخرج و تصير على شراب الملك و ترتفع منزلتك عنده، و قال الآخر: إنّي أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه، و لم يكن رأى ذلك فقال له يوسف: أنت يقتلك الملك و يصلبك و تأكل الطير من رأسك، فضحك الرجل و قال: إنّي لم أر ذلك فقال يوسف كما حكى الله:( يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَ أَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الّذي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ ) .

فقال أبوعبدالله (عليه السلام) في قوله:( إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) قال: كان يقوم على المريض، و يلتمس للمحتاج، و يوسّع على المحبوس فلمّا أراد من يرى في نومه يعصر خمراً الخروج من الحبس قال له يوسف:( اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ) فكان كما قال الله:( فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ) .

أقول: و في الرواية اضطراب لفظيّ، و ظاهرها أنّ صاحبيه في السجن لم يكونا مسجونين و إنّما كانا موكّلين عليه من قبل الملك، و لا يلائم ذلك ظاهر قوله تعالى:( وَ قالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا ) و قوله:( قالَ الّذي نَجا مِنْهُما ) .

و في تفسير العيّاشيّ، عن سماعة عن قول الله:( اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ) قال: هو العزيز.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب العقوبات و ابن جرير و الطبراني و ابن مردويه عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم): لو لم يقل يوسف الكلمة الّتي قال ما لبث في السجن طول ما لبث- حيث يبتغي الفرج من عند غير الله تعالى.

أقول: و رواه عن ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن أبي هريرة عنه (صلّي الله عليه وآله وسلّم)، و لفظه:( رحم الله يوسف لو لم يقل: اذكرني عند ربّك ما لبث في السجن طول ما لبث) و روي مثله عن عكرمة و الحسن و غيرهما.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431