الميزان في تفسير القرآن الجزء ١١

الميزان في تفسير القرآن18%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 431

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 431 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 81282 / تحميل: 6259
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

لا جميعهم كما يستفاد من قوله تعالى الآتي:( قالُوا تَالله إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ ) و سيجي‏ء إن شاء الله تعالى.

( بحث روائي)

في تفسير العيّاشيّ، عن أبي بصير قال: سمعت أباجعفر (عليه السلام) يحدّث: قال: لما فقد يعقوب يوسف (عليهما السلام) اشتدّ حزنه عليه و بكاؤه حتّى ابيضّت عيناه من الحزن و احتاج حاجة شديدة و تغيّرت حالته، و كان يمتار القمح من مصر لعياله في السنة مرّتين: للشتاء و الصيف، و إنّه بعث عدّة من ولده ببضاعة يسيرة إلى مصر- فرفع لهم رفقة خرجت.

فلمّا دخلوا على يوسف و ذلك بعد ما ولّاه العزيز مصر فعرفهم يوسف و لم يعرفه إخوته لهيبة الملك و عزّته فقال لهم: هلمّوا بضاعتكم قبل الرفاق، و قال لفتيانه عجّلوا لهؤلاء الكيل و أوفهم فإذا فرغتم فاجعلوا بضاعتهم هذه في رحالهم و لا تعلموهم بذلك ففعلوا ثمّ قال لهم يوسف: قد بلغني أنّه قد كان لكم أخوان من أبيكم فما فعلا؟ قالوا: أمّا الكبير منهما فإنّ الذئب أكله، و أمّا الصغير فخلّفناه عند أبيه و هو به ضنين و عليه شفيق. قال: فإنّي اُحبّ أن تأتوني به معكم إذا جئتم لتمتاروا فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي و لا تقربون قالوا: سنراود عنه أباه و إنّا لفاعلون.

فلمّا رجعوا إلى أبيهم و فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم في رحالهم قالوا: يا أبانا ما نبغي؟ هذه بضاعتنا ردّت إلينا و كيل لنا كيل قد زاد حمل بعير فأرسل معنا أخانا نكتل و إنّا له لحافظون قال: هل آمنكم عليه إلّا كما أمنتكم على أخيه من قبل.

فلمّا احتاجوا بعد ستّة أشهر بعثهم يعقوب و بعث معهم بضاعة يسيرة و بعث معهم ابن يامين و أخذ عنهم بذلك موثقا من الله لتأتنّني به إلّا أن يحاط بكم أجمعين فانطلقوا مع الرفاق حتّى دخلوا على يوسف فقال: هل معكم ابن يامين؟ قالوا:

٢٦١

نعم هو في الرحل قال لهم: فأتوني به و هو في دار الملك قد خلا وحده فأدخلوه عليه فضمّه إليه و بكى و قال له: أنا أخوك يوسف فلا تبتئس بما تراني أعمل و اكتم ما أخبرتك به و لا تحزن و لا تخف.

ثمّ أخرجه إليهم و أمر فتيانه أن يأخذوا بضاعتهم و يعجّلوا لهم الكيل فإذا فرغوا جعلوا المكيال في رحل ابن يامين ففعلوا به ذلك و ارتحل القوم مع الرفقة فمضوا فلحقهم يوسف و فتيته فنادوا فيهم قال: أيّتها العير إنكم لسارقون، قالوا و أقبلوا عليهم: ما ذا تفقدون؟ قالوا: نفقد صواع الملك و لمن جاء به حمل بعير و أنا به زعيم قالوا: تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض و ما كنّا سارقين قالوا: فما جزاؤه إن كنتم كاذبين؟ قالوا: جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه.

قال: فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثمّ استخرجها من وعاء أخيه قالوا: إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فقال لهم يوسف: ارتحلوا عن بلادنا. قالوا: يا أيّها العزيز إن له أبا شيخاً كبيراً و قد أخذ علينا موثقاً من الله لنردّ به إليه فخذ أحدنا مكانه إنّا نراك من المحسنين إن فعلت، قال: معاذ الله أن نأخذ إلّا من وجدنا متاعنا عنده فقال كبيرهم: إنّي لست أبرح الأرض حتّى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي.

و مضى إخوة يوسف حتّى دخلوا على يعقوب فقال لهم: فأين ابن يامين؟ قالوا: ابن يامين سرق مكيال الملك فأخذه الملك بسرقته فحبس عنده فاسأل أهل القرية و العير حتّى يخبروك بذلك فاسترجع و استعبر و اشتدّ حزنه حتّى تقوس ظهره.

و فيه، عن أبي حمزة الثماليّ عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: صواع الملك الطاس الّذي يشرب فيه.

أقول: و في بعض الروايات أنّه كان قدحا من ذهب و كان يكتال به يوسف (عليه السلام).

و فيه، عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) و في نسخة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قيل له و أنا عنده إنّ سالم بن حفصة روى عنك أنّك تكلّم على سبعين وجها

٢٦٢

لك منها المخرج. قال: ما يريد سالم منّي؟ أ يريد أن أجي‏ء بالملائكة فوالله ما جاء بهم النبيّون، و لقد قال إبراهيم: إِنِّي سَقِيمٌ و و الله ما كان سقيما و ما كذب، و لقد قال إبراهيم: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ و ما فعله كبيرهم و ما كذب، و لقد قال يوسف: أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ و الله ما كانوا سرقوا و ما كذب.

و فيه، عن رجل من أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألت عن قول الله في يوسف:( أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ ) قال: إنّهم سرقوا يوسف من أبيه أ لا ترى أنّه قال لهم حين قالوا و أقبلوا عليهم ما ذا تفقدون؟ قالوا: نفقد صواع الملك و لم يقولوا: سرقتم صواع الملك إنّما عنى أنّكم سرقتم يوسف من أبيه.

و في الكافي، بإسناده عن الحسن الصيقل قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): إنّا قد روينا عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول يوسف( أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ ) فقال: و الله ما سرقوا و ما كذب، و قال إبراهيم:( بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ ) فقال: و الله ما فعل و ما كذب.

قال: فقال أبوعبدالله (عليه السلام): ما عندكم فيها يا صيقل؟ قلت: ما عندنا فيها إلّا التسليم. قال: فقال: إنّ الله أحبّ اثنين و أبغض اثنين أحبّ الخطو فيما بين الصفّين و أحبّ الكذب في الإصلاح، و أبغض الخطو في الطرقات و أبغض الكذب في غير الإصلاح، إنّ إبراهيم إنّما قال: بل فعله كبيرهم إرادة الإصلاح و دلالة على أنّهم لا يفعلون، و قال يوسف إرادة الإصلاح.

أقول: قوله (عليه السلام) إنّه أراد الإصلاح لا ينافي ما في الرواية السابقة أنّه أراد به سرقتهم يوسف من أبيه فكون ظاهر الكلام ممّا لا يطابق الواقع غير كون المتكلّم مريداً به معنى صحيحاً في نفسه غير مفهوم منه في ظرف التخاطب، و الدليل على ذلك قوله (عليه السلام) إنّه أراد الإصلاح و دلّ على أنّهم لا يفعلون حيث جمع بين المعنيين و للّفظ بحسب أحدهما - و هو الثاني - مطابق دون الآخر فافهمه و ارجع إلى ما قدّمناه في البيان.

و في معنى الأحاديث الثلاثة الأخيرة أخبار اُخر مرويّة في الكافي و المعاني

٢٦٣

و تفسيري العيّاشيّ و القمّيّ.

و في تفسير العيّاشيّ، عن إسماعيل بن همّام قال: قال الرضا (عليه السلام) في قول الله تعالى:( إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَ لَمْ يُبْدِها لَهُمْ ) قال: كان لإسحاق النبيّ منطقة يتوارثها الأنبياء و الأكابر، و كانت عند عمّة يوسف، و كان يوسف عندها و كانت تحبّه فبعث إليه أبوه أن ابعثه إليّ و أردّه إليك فبعثت إليه أن دعه عندي الليلة لأشمّه ثمّ أرسله إليك غدوة فلمّا أصبحت أخذت المنطقة فربطها في حقوه و ألبسته قميصا فبعثت به إليه و قالت: سرقت المنطقة فوجدت عليه، و كان إذا سرق أحد في ذلك الزمان دفع إلى صاحب السرقة فأخذته فكان عندها.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس عن النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم): في قوله:( إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ) قال: سرق يوسف (عليه السلام) صنما لجدّه أبي اُمّه من ذهب و فضّة فكسره و ألقاه في الطريق فعيّره بذلك إخوته.

أقول: و الرواية السابقة أقرب إلى الاعتماد، و قد رويت بطرق اُخرى عن الأئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، و يؤيّدها ما روي بغير واحد من طرق أهل البيت و طرق غيرهم: إنّ السجّان قال ليوسف: إنّي لاُحبّك فقال: لا تحبّني فإنّ عمّتي أحبّتني فنسبت إلي السرقة و أبي أحبّني فحسدني إخوتي و ألقوني في الجبّ، و امرأة العزيز أحبّتني فألقوني في السجن.

و في الكافي، بإسناده عن ابن أبي عمير عمّن ذكره عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله عزّوجلّ:( إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) قال: كان يوسف يوسّع المجلس و يستقرض المحتاج و يعين الضعيف.

و في تفسير البرهان، عن الحسين بن سعيد في كتاب التمحيص عن جابر قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) ما الصبر الجميل؟ قال: ذلك صبر ليس فيه شكوى إلى أحد من الناس إنّ إبراهيم بعث يعقوب إلى راهب من الرهبان عابد من العبّاد في حاجة فلمّا رآه الراهب حسبه إبراهيم فوثب إليه فاعتنقه ثمّ قال: مرحبا بخليل

٢٦٤

الرحمن فقال له يعقوب: لست بخليل الرحمن و لكن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، قال له الراهب: فما الّذي بلغ بك ما أرى من الكبر؟ قال: الهمّ و الحزن و السقم.

قال: فما جاز عتبة الباب حتّى أوحى الله إليه: يا يعقوب شكوتني إلى العباد فخرّ ساجداً عند عتبة الباب يقول: ربّ لا أعودُ فأوحى الله إليه إنّي قد غفرت لك فلا تعد إلى مثلها فما شكى شيئاً ممّا أصابه من نوائب الدنيا إلّا أنّه قال يوما:( ما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى الله وَ أَعْلَمُ مِنَ الله ما لا تَعْلَمُونَ ) .

و في الدرّ المنثور، أخرج عبدالرزّاق و ابن جرير عن مسلم بن يسار يرفعه إلى النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) قال: من بثّ لم يصبر ثمّ قرأ( ما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى الله ) .

أقول: و رواه أيضاً عن ابن عديّ و البيهقيّ في شعب الإيمان عن ابن عمر عنه (صلّي الله و عليه وآله وسلّم).

و في الكافي، بإسناده عن حنان بن سدير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: أخبرني عن قول يعقوب لبنيّه:( اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ ) إنّه كان يعلم أنّه حيّ و قد فارقهم منذ عشرين سنة؟ قال: نعم. قلت: كيف علم؟ قال: إنّه دعا في السحر و قد سأل الله أن يهبط عليه ملك الموت فهبط عليه تربال و هو ملك الموت فقال له تربال: ما حاجتك يا يعقوب؟ قال: أخبرني عن الأرواح تقبضها مجتمعة أو متفرّقة؟ فقال: بل أقبضها متفرّقة روحا روحا. قال: فمرّ بك روح يوسف؟ قال: لا، فعند ذلك علم أنّه حيّ فعند ذلك قال لولده:( اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ ) .

أقول: و رواه في المعاني، بإسناده عن حنان بن سدير عن أبيه عنه (عليه السلام) و فيه: قال يعني يعقوب لملك الموت: أخبرني عن الأرواح تقبضها جملة أو تفاريق؟ قال: يقبضها أعواني متفرّقة و تعرض عليّ مجتمعة قال: فأسألك بإله إبراهيم و إسحاق و يعقوب هل عرض عليك في الأرواح روح يوسف؟ قال: لا، فعند ذلك علم أنّه حيّ.

و في الدرّ المنثور، أخرج إسحاق بن راهويه في تفسيره و ابن أبي الدنيا في

٢٦٥

كتاب الفرج بعد الشدّة و ابن أبي حاتم و الطبرانيّ في الأوسط و أبوالشيخ و الحاكم و ابن مردويه و البيهقيّ في شعب الإيمان عن أنس عن النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) و فيه أتى جبريل فقال: يا يعقوب إنّ الله يقرؤك السلام و يقول لك: أبشر و ليفرح قلبك فوعزّتي لو كانا ميّتين لنشرتهما لك فاصنع طعاما للمساكين فإنّ أحبّ عبادي إليّ الأنبياء و المساكين. و تدري لم أذهبت بصرك و قوّست ظهرك و صنع إخوة يوسف به ما صنعوا؟ إنّكم ذبحتم شاة فأتاكم مسكين و هو صائم فلم تطعموه منه شيئاً.

فكان يعقوب (عليه السلام) إذا أراد الغداء أمر مناديا ينادي ألا من أراد الغداء من المساكين فليتغدّ مع يعقوب و إذا كان صائما أمر مناديا فنادى ألا من كان صائما من المساكين فليفطر مع يعقوب.

و في المجمع: في قوله تعالى:( فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً ) الآية: ورد في الخبر: أنّ الله سبحانه قال: فبعزّتي لأردّنّهما إليك من بعد ما توكّلت عليّ.

٢٦٦

( سورة يوسف الآيات ٩٣ - ١٠٢)

اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذا فَأَلْقُوهُ عَلَى‏ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ( ٩٣) وَلَمّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنّدُونِ( ٩٤) قَالُوا تَاللّهِ إِنّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيِم( ٩٥) فَلَمّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى‏ وَجهِهِ فَارْتَدّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُل لّكُمْ إِنّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ( ٩٦) قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنّا كُنّا خَاطِئِينَ( ٩٧) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّي إِنّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرّحِيمُ( ٩٨) فَلَمّا دَخَلُوا عَلَى‏ يُوسُفَ آوَي إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللّهُ آمِنِينَ( ٩٩) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرّوا لَهُ سُجّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نّزَعَ الشّيْطَانُ بَينِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنّ رَبّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ( ١٠٠) رَبّ قَدْ آتَيْتَني مِنَ الْمُلْكِ وَعَلّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَاديثِ فَاطِرَ السّماوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيّ فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ( ١٠١) ذلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ( ١٠٢)

٢٦٧

( بيان‏)

ختام قصّة يوسف (عليه السلام) و تتضمّن الآيات أمر يوسف إخوته بحمل قميصه إلى أبيه و إتيانهم إليه بأهلهم أجمعين ثمّ دخولهم مصر و لقاؤه أبويه.

قوله تعالى: ( اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى‏ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَ أْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ) تتمّة كلام يوسف (عليه السلام) يأمر فيه إخوته أن يذهبوا بقميصه إلى أبيه فيلقوه على وجهه ليشفي الله به عينيه و يأتي بصيراً بعد ما صار من كثرة الحزن و البكاء ضريراً لا يبصر.

و هذا آخر العنايات البديعة الّتي أظهرها الله سبحانه في حقّ يوسف (عليه السلام) على ما يقصّه في هذه السورة ممّا غلب الله الأسباب فحوّلها إلى خلاف الجهة الّتي كانت تجري إليها حسده إخوته فاستذلّوه و غرّبوه عن مستقرّه بإلقائه في الجبّ و بيعه من السيّارة بثمن بخس فجعل الله سبحانه هذا السبب بعينه سببا لقراره في بيت عزيز مصر في أكرم مثوى ثمّ أقرّه في أريكة عزّة تضرّع إليه أمامها إخوته بقولهم:( يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَ أَهْلَنَا الضُّرُّ وَ جِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَ تَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ) .

ثمّ أحبّته امرأة العزيز و نسوة مصر فراودنه عن نفسه ليوردنه في مهلكة الفجور فحفظه الله و جعل ذلك سببا لظهور براءة ساحته و كمال عفّته، ثمّ استذلّوه فسجنوه فجعله الله سببا لعزّته و ملكه.

و جاء إخوته إلى أبيه يوم ألقوه في غيابة الجبّ بقميصه الملطّخ بالدم فأخبروه بموته كذبا فكان القميص سببا لحزن أبيه و بكائه في فراق ابنه حتّى ابيضّت عيناه و ذهب بصره فردّ الله سبحانه به بصره إليه و بالجملة اجتمعت الأسباب على خفضه و أراد الله سبحانه رفعه فكان ما أراده الله دون الّذي توجّهت إليه الأسباب و الله غالب على أمره.

٢٦٨

و قوله:( وَ أْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ) أمر منه بانتقال بيت يعقوب من يعقوب و أهله و بنيه و ذراريه جميعا من البدو إلى مصر و نزولهم بها.

قوله تعالى: ( وَ لَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ ) الفصل القطع و الانقطاع و التفنيد تفعيل من الفند بفتحتين و هو ضعف الرأي، و المعنى لمّا خرجت العير الحاملة لقميص يوسف من مصر و انقطعت عنها قال أبوهم يعقوب لمن عنده من بنيه: إنّي لأجد ريح يوسف لو لا أن ترموني بضعف الرأي أي إنّي لأحسّ بريحه و أرى أنّ اللقاء قريب و من حقّه أن تذعنوا بما أجده لو لا أن تخطّئوني لكن من المحتمل أن تفنّدوني فلا تذعنوا بقولي.

قوله تعالى: ( قالُوا تَالله إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ ) القديم مقابل الجديد و المراد به المتقدّم وجودا، و هذا ما واجهه به بعض بنيه الحاضرين عنده، و هو من سيّي‏ء حظّهم في هذه القصّة تفوّهوا بمثله في بدء القصّة إذ قالوا:( إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) و في ختمها و هو قولهم هذا:( تَالله إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ ) .

و الظاهر أنّ مرادهم بالضلال ههنا هو مرادهم بالضلال هناك و هو المبالغة في حبّ يوسف و ذلك أنّهم كانوا يرون أنّهم أحقّ بالحبّ من يوسف و هم عصبة إليهم تدبير بيته و الدفاع عنه لكنّ أباهم قد ضلّ عن مستوى طريق الحكمة و قدّم عليهم في الحبّ طفلين صغيرين لا يغنيان عنه شيئاً فأقبل بكلّه إليهما و نسيهم، ثمّ لمّا فقد يوسف جزع له و لم يزل يجزع و يبكي حتّى ذهبت عيناه و تقوّس ظهره.

فهذا هو مرادهم من كونه في ضلاله القديم ليسوا يعنون به الضلال في الدين حتّى يصيروا بذلك كافرين:

أمّا أوّلاً: فلأنّ ما ذكر من فصول كلامهم في خلال القصّة يشهد على أنّهم كانوا موحّدين على دين آبائهم إبراهيم و إسحاق و يعقوب (عليه السلام).

و أمّا ثانياً: فلأنّ المقام هاهنا و كذا في بدء القصّة حين قالوا:( إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) لا مساس له بالضلال في الدين حتّى يحتمل رميهم أباهم فيه، و إنّما يمسّ أمراً عمليّاً حيويّاً و هو حبّ أب لبعض أولاده و تقديمه في الكرامة على آخرين

٢٦٩

فهو المعنىّ بالضلال.

قوله تعالى: ( فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى‏ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ الله ما لا تَعْلَمُونَ ) البشير حامل البشارة و كان حامل القميص و قوله:( أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ ) يشير (عليه السلام) إلى قوله لهم حين لاموه على ذكر يوسف:( ما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى الله وَ أَعْلَمُ مِنَ الله ما لا تَعْلَمُونَ‏ ) ، و معنى الآية ظاهر.

قوله تعالى: ( قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ ) القائلون بنو يعقوب بدليل قولهم:( يا أَبانَا) و يريدون بالذنوب ما فعلوه به في أمر يوسف و أخيه، و أمّا يوسف فقد كان استغفر لهم قبل.

قوله تعالى: ( قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) أخّر (عليه السلام) الاستغفار لهم كما هو مدلول قوله:( سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ) و لعلّه إنّما أخّره ليتمّ له النعمة بلقاء يوسف و تطيب نفسه به كلّ الطيب بنسيان جميع آثار الفراق ثمّ يستغفر لهم و في بعض الأخبار: أنّه أخّره إلى وقت يستجاب فيه الدعاء و سيجي‏ء إن شاء الله.

قوله تعالى: ( فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى‏ يُوسُفَ آوى‏ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَ قالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ) في الكلام حذف و التقدير فخرج يعقوب و آله من أرضهم و ساروا إلى مصر و لمّا دخلوا إلخ.

و قوله:( آوى‏ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ ) فسّروه بضمّهما إليه، و قوله:( وَ قالَ ادْخُلُوا مِصْرَ ) إلخ. ظاهر في أنّ يوسف خرج من مصر لاستقبالهما و ضمّهما إليه هناك ثمّ عرض لهما دخول مصر إكراماً و تأدّباً و قد أبدع (عليه السلام) في قوله:( إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ) حيث أعطاهم الأمن و أصدر لهم حكمه على سنّة الملوك و قيد ذلك بمشيّة الله سبحانه للدلالة على أنّ المشيّة الإنسانيّة لا تؤثّر أثرها كسائر الأسباب إلّا إذا وافقت المشيّة الإلهيّة على ما هو مقتضى التوحيد الخالص، و ظاهر هذا السياق أنّه لم يكن لهم الدخول و الاستقرار في مصر إلّا بجواز من ناحية الملك، و لذا

٢٧٠

أعطاهم الأمن في مبتدإ الأمر.

و قد ذكر سبحانه( أَبَوَيْهِ ) و المفسّرون مختلفون في أنّهما كانا والديه أباه و اُمّه حقيقة أو أنّهما يعقوب و زوجه خالة يوسف بالبناء على أنّ اُمّه ماتت و هو صغير، و لا يوجد في كلامه تعالى ما يؤيّد أحد المحتملين غير أنّ الظاهر من الأبوين هما الحقيقيّان.

و معنى الآية( فَلَمَّا دَخَلُوا ) أي أبواه و إخوته و أهلهم( عَلى‏ يُوسُفَ ) و ذلك في خارج مصر( آوى) و ضمّ( إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَ قالَ ) لهم مؤمّنا لهم( ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ) .

قوله تعالى: ( وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَ قالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ ) إلى آخر الآية، العرش هو السرير العالي و يكثر استعماله فيما يجلس عليه الملك و يختصّ به، و الخرور السقوط على الأرض و البدو البادية فإنّ يعقوب كان يسكن البادية.

و قوله:( وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ ) أي رفع يوسف أبويه على عرش الملك الّذي كان يجلس عليه و مقتضى الاعتبار و ظاهر السياق أنّهما رفعا على العرش بأمر من يوسف تصدّاه خدمه لا هو بنفسه كما يشعر به قوله:( وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) فإنّ الظاهر أنّ السجدة إنّما وقعت لأوّل ما طلع عليهم يوسف فكأنّهم دخلوا البيت و اطمأنّ بهم المجلس ثمّ دخل عليهم يوسف فغشيهم النور الإلهيّ المتلألئ من جماله البديع فلم يملكوا أنفسهم دون أن خرّوا له سجّداً.

و قوله:( وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) الضمير ليوسف كما يعطيه السياق فهو المسجود له، و قول بعضهم: إنّ الضمير لله سبحانه نظراً إلى عدم جواز السجود لغير الله لا دليل عليه من جهة اللفظ، و قد وقع نظيره في القرآن الكريم في قصّة آدم و الملائكة قال تعالى:( وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ ) طه: ١١٦.

و الدليل على أنّها لم تكن منهم سجدة عبادة ليوسف أنّ بين هؤلاء الساجدين يعقوب

٢٧١

(عليه السلام) و هو ممّن نصّ القرآن الكريم على كونه مخلصا - بالفتح - لله لا يشرك به شيئاً، و يوسف (عليه السلام) - و هو المسجود له - منهم بنصّ القرآن و هو القائل لصاحبيه في السجن: ما كان لنا أن نشرك بالله من شي‏ء و لم يردعهم.

فليس إلّا أنّهم إنّما أخذوا يوسف آية لله فاتّخذوه قبلة في سجدتهم و عبدوا الله بها لا غير كالكعبة الّتي تؤخذ قبلة فيصّلي إليها فيعبد بها الله دون الكعبة، و من المعلوم أنّ الآية من حيث إنّها آية لا نفسيّة لها أصلا فليس المعبود عندها إلّا الله سبحانه و تعالى، و قد تكرّر الكلام في هذا المعنى فيما تقدّم من أجزاء الكتاب.

و من هنا يظهر أنّ ما ذكروه في توجيه الآية كقول بعضهم: إنّ تحيّة الناس يومئذ كانت هي السجدة كما أنّها في الإسلام السلام، و قول بعضهم: إنّ سنّة التعظيم كانت إذ ذاك السجدة و لم ينه عنها لغير الله بعد كما في الإسلام، و قول بعضهم: كان سجودهم كهيئة الركوع كما يفعله الأعاجم كلّ ذلك غير وجيه.

قوله تعالى: ( قالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا ) إلى آخر الآية لمّا شاهد (عليه السلام) سجدة أبويه و إخوته الأحد عشر ذكر الرؤيا الّتي رأى فيها أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر له ساجدين و أخبر بها أباه و هو صغير فأوّلها له، فأشار إلى سجودهم له و قال:( يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها - أي الرؤيا -رَبِّي حَقًّا ) .

ثمّ أثنى على ربّه شاكراً له فقال:( وَ قَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ) فذكر إحسان ربّه به في إخراجه من السجن و هو ضرّاء و بلاء دفعه الله عنه بتبديله سرّاء و نعمة من حيث لا يحتسب حيث جعله وسيلة لنيله العزّة و الملك.

و لم يذكر إخراجه من الجبّ قبل ذلك لحضور إخوته عنده و كان لا يريد أن يذكر ما يسوؤهم ذكره كرما و فتوّة بل أشار إلى ذلك بأحسن لفظ يمكن أن يشار به إليه من غير أن يتضمّن طعنا فيهم و شنآنا فقال:( وَ جاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَ بَيْنَ إِخْوَتِي ) و النزغ هو الدخول في أمر لإفساده.

و المراد: و قد أحسن بي من بعد أن أفسد الشيطان بيني و بين إخوتي فكان

٢٧٢

من الأمر ما كان فأدّى ذلك إلى فراق بيني و بينكم فساقني ربّي إلى مصر فأقرّني في أرغد عيش و أرفع عزّة و ملك ثمّ قرّب بيننا بنقلكم من البادية إليّ في دار المدنيّة و الحضارة.

يعني أنّه كانت نوائب نزلت بي إثر إفساد الشيطان بيني و بين إخوتي و ممّا أخصّه بالذكر من بينها فراق بيني و بينكم ثمّ رزيّة السجن فأحسن بي ربّي و دفعها عنّي واحدة بعد اُخرى و لم يكن من المحن و الحوادث العاديّة بل رزايا صمّاء و عقوداً لا تنحلّ لكنّ ربّي نفذ فيها بلطفه و نفوذ قدرته فبدّلها أسباب حياة و نعمة بعد ما كانت أسباب هلاك و شقاء و لهذه الثلاثة الأخيرة عقّب قوله:( وَ قَدْ أَحْسَنَ بِي ) إلخ بقوله:( إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ ) .

فقوله:( إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ ) تعليل لإخراجه من السجن و مجيئهم من البدو، و يشير به إلى ما خصّه الله به من العناية و المنّة و أنّ البلايا الّتي أحاطت به لم تكن لتنحلّ عقدتها أو لتنحرف عن مجراها لكنّ الله لطيف لما يشاء نفذ فيها فجعل عوامل الشدّة عوامل رخاء و راحة و أسباب الذلّة و الرقّيّة وسائل عزّة و ملك.

و اللطيف من أسمائه تعالى يدلّ على حضوره و إحاطته تعالى بما لا سبيل إلى الحضور فيه و الإحاطة به من باطن الأشياء و هو من فروع إحاطته تعالى بنفوذ القدرة و العلم قال تعالى:( أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) الملك: ١٤ و الأصل في معناه الصغر و الدقّة و النفوذ يقال: لطف الشي‏ء بالضمّ يلطف لطافة إذا صغر و دقّ حتّى نفذ في المجاري و الثقب الصغار، و يكنّى به عن الإرفاق و الملاءمة و الاسم اللطف.

و قوله:( هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) تعليل لجميع ما تقدّم من قوله:( يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا ) إلخ، و قد علّل (عليه السلام) الكلام و ختمه بهذين الاسمين محاذاة لأبيه حيث تكلّم في رؤياه و قال:( وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ - إلى أن قال -إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) و ليس يبعد أن يفيد اللّام في قوله:( الْعَلِيمُ

٢٧٣

الْحَكِيمُ ) معنى العهد فيفيد تصديقه لقول أبيه (عليه السلام) و المعنى: و هو ذاك العليم الحكيم الّذي وصفته لي يوم أوّلت رؤياي.

قوله تعالى: ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ ) إلى آخر الآية لمّا أثنى (عليه السلام) على ربّه و عدّ ما دفع عنه من الشدائد و النوائب أراد أن يذكر ما خصّه به من النعم المثبتة و قد هاجت به المحبّة الإلهيّة و انقطع بها عن غيره تعالى فترك خطاب أبيه و انصرف عنه و عن غيره ملتفتا إلى ربّه و خاطب ربّه عزّ اسمه فقال:( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ ) .

و قوله:( فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ ) إضراب و ترقّ في الثناء، و رجوع منه (عليه السلام) إلى ذكر أصل الولاية الإلهيّة بعد ما ذكر بعض مظاهرها الجليّة كإخراجه من السجن و المجي‏ء بأهله من البدو و إيتائه من الملك و تعليمه من تأويل الأحاديث فإنّ الله سبحانه ربّ فيما دقّ و جلّ معا، ولي في الدنيا و الآخرة جميعا.

و ولايته تعالى أعني كونه قائماً كلّ شي‏ء في ذاته و صفاته و أفعاله منشأها إيجاده تعالى إيّاها جميعاً و إظهاره لها من كتم العدم فهو فاطر السماوات و الأرض و لذا يتوجّه إليه تعالى قلوب أوليائه و المخلصين من عباده من طريق هذا الاسم الّذي يفيد وجوده تعالى لذاته و إيجاده لغيره قال تعالى:( قالَتْ رُسُلُهُمْ أَ فِي الله شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ) إبراهيم: ١٠.

و لذا بدأ به يوسف (عليه السلام) - و هو من المخلصين - في ذكر ولايته فقال:( فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ ) أي إنّي تحت ولايتك التامّة من غير أن يكون لي صنع في نفسي و استقلال في ذاتي و صفاتي و أفعالي أو أملك لنفسي شيئاً من نفع أو ضرّ أو موت أو حياة أو نشور.

و قوله:( تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) لمّا استغرق (عليه السلام) في مقام الذلّة قبال ربّ العزّة و شهد بولايته له في الدنيا و الآخرة سأله سؤال المملوك المولّى عليه أن يجعله كما يستدعيه ولايته عليه في الدنيا و الآخرة و هو الإسلام

٢٧٤

مادام حيا في الدنيا و الدخول في زمرة الصالحين في الآخرة فإنّ كمال العبد المملوك أن يسلم لربّه ما يريده منه مادام حيّا و لا يظهر منه ما يكرهه و لا يرتضيه فيما يرجع إليه من الأعمال الاختياريّة و أن يكون صالحاً لقرب مولاه لائقا لمواهبه السامية فيما لا يرجع إلى العبد و اختياره، و هو سؤاله (عليه السلام) الإسلام في الدنيا و الدخول في زمرة الصالحين في الآخرة و هو الّذي منحه الله سبحانه لجدّه إبراهيم (عليه السلام)( وَ لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ) البقرة: ١٣١.

و هذا الإسلام الّذي سأله (عليه السلام) أقصى درجات الإسلام و أعلى مراتبه، و هو التسليم المحض لله سبحانه، و هو أن لا يرى العبد لنفسه و لا لآثار نفسه شيئاً من الاستقلال حتّى لا يشغله شي‏ء من نفسه و لا صفاتها و لا أعمالها من ربّه، و إذا نسب إليه تعالى كان إخلاصه عبده لنفسه.

و مما تقدّم يظهر أنّ قوله:( تَوَفَّنِي مُسْلِماً ) سؤال منه لبقاء الإخلاص و استمرار الإسلام مادام حيّا و بعبارة اُخرى أن يعيش مسلما حتّى يتوفّاه الله فهو كناية عن أن يثبته الله على الإسلام حتّى يموت، و ليس يراد به أن يموت في حال الإسلام و لو لم يكن قبل ذلك مسلما، و لا سؤالا للموت و هو مسلم حتّى يكون المعنى أنّي مسلم فتوفّني.

و يتبيّن بذلك فساد ما روي عن عدّة من قدماء المفسّرين أنّ قوله:( تَوَفَّنِي مُسْلِماً ) دعاء منه يسأل به الموت من الله سبحانه حتّى قال بعضهم: لم يسأل أحد من الأنبياء الموت من الله و لا تمنّاه إلّا يوسف (عليه السلام).

قوله تعالى: ( ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَ هُمْ يَمْكُرُونَ ) الإشارة إلى نبإ يوسف (عليه السلام)، و الخطاب للنبي (صلّي الله عليه وآله وسّلم)، و ضمير الجمع لإخوة يوسف و الإجماع العزم و الإرادة.

و قوله:( وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ ) إلخ، حال من ضمير الخطاب من( إِلَيْكَ ) و قوله:( نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَ ما كُنْتَ ) إلى آخر الآية بيان لقوله:( ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ

٢٧٥

الْغَيْبِ ) و المعنى أنّ نبأ يوسف من أنباء الغيب فإنّا نوحيه إليك و الحال أنّك ما كنت عند إخوة يوسف إذ عزموا على أمرهم و هم يمكرون في أمر يوسف.

( بحث روائي)

في تفسير العيّاشيّ، عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل قال: قال يوسف لإخوته:( لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا ) الّذي بلّته دموع عيني( فَأَلْقُوهُ عَلى‏ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً ) لو قد نشر ريحي( وَ أْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ) و ردّهم إلى يعقوب في ذلك اليوم، و جهّزهم بجميع ما يحتاجون إليه فلمّا فصلت عيرهم من مصر وجد يعقوب ريح يوسف فقال لمن بحضرته من ولده إنّي لأجد ريح يوسف لو لا أن تفنّدون.

قال: و أقبل ولده يحثّون السير بالقميص فرحاً و سروراً بما رأوا من حال يوسف و الملك الّذي آتاه الله و العزّ الّذي صاروا إليه في سلطان يوسف، و كان مسيرهم من مصر إلى بلد يعقوب تسعة أيّام فلمّا أن جاء البشير ألقى القميص على وجهه فارتدّ بصيراً، و قال لهم: ما فعل ابن يامين؟ قالوا: خلفناه عند أخيه صالحاً.

قال: فحمد الله يعقوب عند ذلك، و سجد لربّه سجدة الشكر و رجع إليه بصره و تقوّم له ظهره، و قال لولده: تحمّلوا إلى يوسف في يومكم هذا بأجمعكم فساروا إلى يوسف و معهم يعقوب و خالة يوسف( ياميل) فأحثوا السير فرحاً و سروراً فساروا تسعة أيّام إلى مصر.

أقول: كون امرأة يعقوب الّتي سارت معه إلى مصر و هي اُمّ بنيامين خالة يوسف لا اُمّه الحقيقية وقعت في عدّة الروايات و ظاهر الكتاب و بعض الروايات أنّها كانت اُمّ يوسف و أنّه و بنيامين كانا أخوين لاُمّ و إن لم يكن ظهورا يدفع به تلك الروايات.

و في المجمع، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله عزّوجلّ:( وَ لَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ ) قال: وجد يعقوب ريح يوسف حين فصلت من مصر و هو بفلسطين من مسيرة عشرة ليال.

٢٧٦

أقول: و قد ورد في عدّة روايات من طرق العامّة و الخاصّة أنّ القميص الّذي أرسله يوسف إلى يعقوب (عليهما السلام) كان نازلاً من الجنّة، و أنّه كان قميص إبراهيم أنزله إليه جبريل حين اُلقي في النار فألبسه إيّاه فكانت عليه برداً و سلاماً ثمّ أورثه إسحاق ثمّ ورثه يعقوب ثمّ جعله يعقوب تميمة و علّقه على يوسف حين ولد فكان على عنقه حتّى أخرجه يوسف من التميمة ففاحت ريح الجنّة فوجدها يعقوب، و هذه أخبار لا سبيل لنا إلى تصحيحها مضافا إلى ما فيها من ضعف الأسناد.

و مثلها روايات اُخرى من الفريقين تتضمّن كتاباً كتبه يعقوب إلى يوسف و هو يحسبه عزيز آل فرعون لاستخلاص بنيامين يذكر فيها أنّه ابن إسحاق ذبيح الله الّذي أمر الله جدّه إبراهيم بذبحه ثمّ فداه بذبح عظيم. و قد تقدّم في الجزء السابق من الكتاب أنّ الذبيح هو إسماعيل دون إسحاق.

و في تفسير العيّاشيّ، عن نشيط بن ناصح البجليّ قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) أ كان إخوة يوسف أنبياء؟ قال: لا و لا بررة أتقياء و كيف؟ و هم يقولون لأبيهم:( تَالله إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ ) .

أقول: و في الروايات من طرق أهل السنّة و في بعض الضعاف من روايات الشيعة أنّهم كانوا أنبياء، و هذه الروايات مدفوعة بما ثبت من طريق الكتاب و السنّة و العقل من عصمة الأنبياء (عليه السلام)، و ما ورد في الكتاب ممّا ظاهره كون الأسباط أنبياء كقوله تعالى:( وَ أَوْحَيْنا إِلى‏ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطِ ) النساء: ١٦٣ غير صريح في كون المراد بالأسباط هم إخوة يوسف، و الأسباط تطلق على جميع الشعوب من بني إسرائيل الّذين ينتهي نسبهم إلى يعقوب (عليه السلام) قال تعالى:( وَ قَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً ) الأعراف: ١٦٠.

و في الفقيه، بإسناده عن محمّد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول يعقوب لبنيه:( سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ) قال: أخّرهم إلى السحر من ليلة الجمعة.

أقول: و في هذا المعنى بعض روايات اُخر، و في الدرّ المنثور، عن ابن جرير و أبي الشيخ عن ابن عبّاس عن النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) قال: قول أخي يعقوب لبنيه:( سَوْفَ

٢٧٧

أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ) يقول: حتّى يأتي ليلة الجمعة.

و في الكافي، بإسناده عن الفضل بن أبي قرّة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم): خير وقت دعوتم الله فيه الأسحار، و تلا هذه الآية في قول يعقوب( سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ) أخّرهم إلى السحر.

أقول: و روي نظيره في الدرّ المنثور، عن أبي الشيخ و ابن مردويه عن ابن عبّاس: أنّ النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) سئل لم أخّر يعقوب بنيه في الاستغفار؟ قال: أخّرهم إلى السحر لأنّ دعاء السحر مستجاب.

و قد تقدّم في بيان الآيات كلام في وجه التأخير و لقد أقبل يوسف (عليه السلام) على إخوته حين عرفوه بالفتوّة و الكرامة من غير أن يجبّههم بأدنى ما يسوؤهم و لازم ذلك أن يعفو عنهم و يستغفر لهم بلا مهل و لم يكن موقف يعقوب معهم حين ارتدّ إليه بصره بإلقاء القميص عليه ذاك الموقف.

و في تفسير القمّيّ، حدّثني محمّد بن عيسى: أنّ يحيى بن أكثم سأل موسى بن محمّد بن عليّ بن موسى مسائل فعرضها على أبي الحسن، و كان أحدها: أخبرني عن قول الله:( وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) أ سجد يعقوب و ولده ليوسف و هم أنبياء؟.

فأجاب أبوالحسن (عليه السلام) أمّا سجود يعقوب و ولده ليوسف فإنّه لم يكن ليوسف و إنّما كان ذلك من يعقوب و ولده طاعة لله و تحيّة ليوسف كما كان السجود من الملائكة لآدم و لم يكن لآدم و إنّما كان ذلك منهم طاعة لله و تحيّة لآدم فسجد يعقوب و ولده و يوسف معهم شكراً لله تعالى لاجتماع شملهم أ لم تر أنّه يقول في شكره ذلك الوقت:( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) . الحديث.

أقول: و قد تقدّم بعض الكلام في سجدتهم ليوسف في بيان الآيات، و ظاهر الحديث أنّ يوسف أيضاً سجد معهم كما سجدوا و قد استدلّ عليه بقول يوسف في

٢٧٨

شكره:( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ ) إلخ و في دلالته على ذلك إبهام.

و قد روى الحديث العيّاشيّ في تفسيره، عن محمّد بن سعيد الأزدي صاحب موسى بن محمّد بن الرضا (عليه السلام) قال لأخيه: إنّ يحيى بن أكثم كتب إليه يسأله عن مسائل فأخبرني عن قول الله:( وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) أ سجد يعقوب و ولده ليوسف؟.

قال: فسألت أخي عن ذلك فقال: أمّا سجود يعقوب و ولده ليوسف فشكراً لله تعالى لاجتماع شملهم ألا ترى أنّه يقول في شكر ذلك الوقت:( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ ) الآية.

و ما رواه العيّاشيّ أوفق بلفظ الآية و أسلم من الإشكال ممّا رواه القمّيّ.

و في تفسير العيّاشيّ، عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله:( وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ ) قال: العرش السرير، و في قوله:( وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) قال: كان سجودهم ذلك عبادة لله.

و فيه، عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: فسار تسعة أيّام إلى مصر فلمّا دخلوا على يوسف في دار الملك اعتنق أباه فقبّله و بكى، و رفع خالته على سرير الملك ثمّ دخل منزله فادّهن و اكتحل و لبس ثياب العزّ و الملك ثمّ رجع إليهم - و في نسخة ثمّ خرج إليهم - فلمّا رأوه سجدوا جميعا إعظاماً و شكراً لله فعند ذلك قال:( يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ - إلى قوله -بَيْنِي وَ بَيْنَ إِخْوَتِي ) .

قال: و لم يكن يوسف في تلك العشرين السنة يدّهن و لا يكتحل و لا يتطيّب و لا يضحك و لا يمسّ النساء حتّى جمع الله ليعقوب شمله، و جمع بينه و بين يعقوب و إخوته.

و في الكافي، بإسناده عن العبّاس بن هلال الشاميّ مولى أبي الحسن (عليه السلام) عنه قال: قلت له: جعلت فداك ما أعجب إلى الناس من يأكل الجشب و يلبس الخشن و يخشع. فقال: أ ما علمت أنّ يوسف نبيّ ابن نبيّ كان يلبس أقبية الديباج مزوّرة

٢٧٩

بالذهب فكان يجلس في مجالس آل فرعون يحكم فلم يحتج الناس إلى لباسه و إنّما احتاجوا إلى قسطه.

و إنّما يحتاج من الإمام إلي [ أن ظ ] إذا قال صدق، و إذا وعد أنجز، و إذا حكم عدل لأنّ الله لا يحرّم طعاماً و لا شراباً من حلال و حرّم الحرام قلّ أو كثر و قد قال الله:( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ ) .

و في تفسير العيّاشيّ، عن محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) كم عاش يعقوب مع يوسف بمصر بعد ما جمع الله ليعقوب شمله، و أراه تأويل رؤيا يوسف الصادقة؟ قال: عاش حولين. قلت: فمن كان يومئذ الحجّة لله في الأرض؟ يعقوب أم يوسف؟ قال: كان يعقوب الحجّة و كان الملك ليوسف فلمّا مات يعقوب حمل يوسف عظام يعقوب في تابوت إلى أرض الشام فدفنه في بيت المقدس ثمّ كان يوسف ابن يعقوب الحجّة.

أقول: و الروايات في قصّته (عليه السلام) كثيرة اقتصرنا منها بما فيها مساس بالآيات الكريمة على أنّ أكثرها لا يخلو من تشوّش في المتن و ضعف في السند.

و ممّا ورد في بعضها أنّ الله سبحانه جعل النبوّة من آل يعقوب في صلب لاوي و هو الّذي منع إخوته عن قتل يوسف حيث قال:( لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَ أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ ) الآية و هو القائل لإخوته حين أخذ يوسف أخاه باتّهام السرقة:( فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حتّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ) فشكر الله له ذلك.

و ممّا ورد في عدّة منها أنّ يوسف (عليه السلام) تزوّج بامرأة العزيز و هي الّتي راودته عن نفسه، و ذلك بعد ما مات العزيز في خلال تلك السنين المجدبة، و لا يبعد أن يكون ذلك شكرا منه تعالى لها حين صدقت يوسف بقولها:( الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ) لو صحّ الحديث.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

وبذلك سيستهزيء بالاسلام واحكامه ، ولن يكون حريصاً في تعليمه للطلاب ، فهل نترك ابناءنا يتعلمون ويفهمون الاسلام من خلال هؤلاء.

هذه يا سيد بيضاوي مادة التربية الدينية التي تدرّس في مدارسنا !!

عباس بيضاوي : فيما يتعلق بالتربية الدينية ، كلامك صحيح ، لكن يجب ان لا نغفل ان التربية والتعليم في بلادنا تقدمت خطوات واسعة وقامت بانجازات كثيرة.

الشيخ : سيد البيضاوي ! ارىٰ انه من الافضل لك ان تترك الدفاع عن مؤسسات التربية والتعليم الىٰ شخص آخر ! فما هي الخطوات الواسعة والانجازات التي تمت في مجال التربية والتعليم ، ولو ترىٰ شبابنا يسيرون في الاتّجاه الصحيح ، فهو سبب نبوغهم الذاتي واصالتهم وجهود بعض الخيّرين من الاساتذة وعلماء الدين ، وليس سببه برامج التربية والتعليم التي تقررها الوزارة ، خاصة في ضوء الظروف الحالية السائدة في البلاد وتكاليف الدراسة التي ستجعل العلم في هذا البلد أيضاً محصوراً بابناء التجار والمستثمرين.

داء بلا دواء

ولو تركنا هذا كله ، فهناك مشكلة كبيرة ومهمة ستواجه البلد في المستقبل ، وهذهِ المشكلة هي من صنع الثقافة السائدة والتربية والتعليم الحالي ، وهي عدم وجود عدد لازم من الفروع والجمعيات الصناعية والمهنية ، لان طلابنا لا يحلمون الّا بمنضدة وكرسي في احدىٰ الدوائر المكيّفة جيداً وان يكون احد موظفي الدولة ، ولا يفكر احد بمجالات اخرىٰ مثل : الزراعة

٣٦١

والميكانيك وغيرها من الفروع المنتجة والمفيدة للمجتمع.

اصدقائي الاعزاء !

من خلال هذا التفكير السائد ، ومع الاخذ بان جميع ابناءنا سيذهبون يوماً ما الىٰ المدارس والثانويات والجامعات ، ارجو أن تحكموا علىٰ مستقبل البلاد ومصيرها ، لان جيلنا القادم جميعه يريد وظائف حكومية ، وسنضطر في السنوات القادنة الىٰ استيراد التجار والمزارعين والخياطين والخبازين و من الخارج ونضيفهم الىٰ جدول وارداتنا التي لا يمكن احصاءها ، وطبيعي فان الذنب في ذلك يعود الىٰ برامج التربية والتعليم. والآن يا أخي بيضاوي ! اذ قلنا هذهِ الثقافة لو لم تكن نتيجتها انحطاط البلاد وتبعية البلاد للأجانب علىٰ الاقل ، فأنها ثقافة ناقصة لا قيمة لها ؟

ـ تأييد الجميع واقرارهم.

٣٦٢

الموسيقىٰ من الناحيتين الصحّيّة والنفسية

في هذهِ اللحظة ارتفع فجأة صوت موسيقىٰ صاخبة من الغرفة المجاورة ، وكانت مرتفعة بحيث لم يكن بالاستطاعة سماع كلام الشيخ. فغضب اصدقاءه جميعاً ، اما الدكتور فنهض الىٰ الغرفة المجاورة ، وعندما فتح بابها ، خاطب الشخص الذي كان بحمل مذياعاً : أيُّها السيد المحترم ! لو كنت تحب سماع الموسيقىٰ. فلماذا تزعج الآخرين ؟ لربما هناك في الغرفة المجاورة مريض او شخصاً يشكو من الصداع او ضعف عصبي. أمّا صاحب المذياع الذي كان في الظاهر شاباً مؤدباً ، لكنه وللأسف في حقيقته بعيد عن كل أدب ونزاهة فما ان سمع كلام الدكتور المنطقي ، قال بخشونة : ما الذي تقوله ؟ نحن أحرار في هذا البلد نستطيع عمل كل ما يحلو لنا.

فقال له الدكتور : عزيزي ، اي قانون اعطاك كل تلك الحرية ، بحيث يمكنك سلب راحة الآخرين وحقوقهم ؟! ألا تعلم ان حرية الفرد للحد الذي لا تضر بحريات الآخرين وحقوقهم ، وأيضاً فالسيارة والقطار من الاماكن العامة التي لا يحق للشخص عمل ما يزعج الآخرين فيها ؟! وبغض النظر عن كل ذلك. ما هذا الذي تقوم به ، انت تتلف اعصابك وقواك بهذهِ الايقاعات البشعة ؟!

فقال الشاب للدكتور : الظاهر انك رجعي ، فما المانع من سماع الموسيقىٰ ، أليست الروح أيضاً بحاجة الىٰ غذاء.

٣٦٣

فأجابه الدكتور : لو كنت تريد معرفة تأثير الموسيقىٰ السلبي علىٰ الروح والعقل تعالى الىٰ غرفتنا واستمع الىٰ بحث يقدمه شيخ عالم في هذا الموضوع.

بعد هذا الاقتراح نهض الشاب مع الدكتور وجاء الىٰ الغرفة التي اجتمع فيها الشيخ واصدقاءه ، فسلما وجلسا ، ثم توجه الدكتور الىٰ الشيخ وقال له : ايها العم العزيز ، هذا الشاب يريد ان يعرف تأثير الموسيقىٰ في الصحة والنفس ، في ضوء آخر نظريات كبار العلماء.

الشيخ : كثيرة هي الاضرار التي تتركها الموسيقىٰ علىٰ الصحة والنفس ، ولكن ، قبل الخوض في تأثيرات الموسيقى السلبية ، لابد من الاشارة الىٰ ان علماء الفسيولوجيا قسمّوا الجهاز العصبي عند الانسان الىٰ قسمين :

1 ـ الاعصاب الارتباطية.

2 ـ الاعصاب النباتية.

والاعصاب النباتية تنقسم بدورها الىٰ قسمين هما : السمباتيك والباراسمباتيك.

والاعصاب السمباتيك في الجسم هي : تضييق الاوردة والشرايين ، بسط العضلات ، منع الترشح ، رفع ضغط الدم.

أمّا وظيفة الباراسمباتيك ، فهي تماماً عكس الاولىٰ ، مثل : توسيع الاوردة والشرايين ، قبض العضلات ، ايجاد الترشح ، تخفيض ضغط الدم.

٣٦٤

وما دامت هاتان المجموعتان العصبيتان بدون محرك خارجي ، فانهما تعملان بشكل منظم معاً وتشتركان في الحفاظ علىٰ تعادل الجسم ، ولكن اذا كان هناك محرك خارجي ، فانهما تخرجان من حالتهما الطبيعية وتكون النتيجة اضطرابات نفسية وجسدية عديدة.

ومن أهم العوامل الخارجية المحركة والتي تخلّ بتعادل السمباتيك مع الباراسمباتيك هي الارتعاشات الموسقية. فالموسيقىٰ وعلىٰ شكليها الحزين والمُسرّ تؤثر احياناً علىٰ تعادل هاتين المجموعتين العصبيتين بحيث تخلّ بالكثير من اعمال الجسم الطبيعة مثل : الدفع والترشح وضغط الدم وضربات القلب و مما يعرض الشخص الىٰ الكثير من الامراض. فالموسيقىٰ الصاخبة ونتيجة لتحريك الاعصاب النباتية ، قد تؤدي احياناً الىٰ اضطرابات نفسية تجعل الشخص يقوم بحركات ونشاطات مفاجئة ولا ارادية كالضحك والثرثرة والفرح المفرط والهيجان وقد ينتهي به الامر الىٰ نوع من الجنون يتميز بالانفعال الشديد(1) .

اصدقائي الاعزاء !

بعد هذهِ المقدّمة سأوضح لكم الآثار السلبية للموسيقىٰ بالتفصيل ، وهي عبارة عن :

1 ـ الموسيقىٰ سبب رئيسي في الانهيار العصبي :

________________

(1) mania

٣٦٥

اهم تأثير للموسيقىٰ هو اضعفاها للأعصاب ودورها في الانهيار العصبي ، واهمية هذا الامر جعلت عالمنا المعاصر يعيش حالة من الرعب ، لان ضعف الاعصاب يعد العامل الرئيسي ومصدراً لكل والوكعات الجسمية والنفسية ، ويعدّ ضعف الاعصاب من الامراض التي يصعب علاجها اليوم وهو اخطر من مرض السلّ كما انه شائع اليوم في جميع انحاء العالم خاصة الدول الغربية ، ولهذا قامت دراسات وابحاث عديدة حوله من قبل المحافل والمؤسسات الطبية وقد بينت النتائج ان الموسيقىٰ الصاخبة هي السبب الرئيسي له.

وهد أكّد هذا الرأي العديد من علماء اوروبا وامريكا ، وقبل به الجميع بالتدريج ، للحد الذي قام فيه عدد من المثقفين والكتاب والعلماء الامريكيين ، بأعداد لائحة وقدموها الىٰ مجلس الشيوخ الامريكي. لمنع اقامة حفلات موسيقية صاخبة في الاماكن العامة ، لأنها السبب في الكثير من الامراض ، وخاصة ضعف الاعصاب.(1)

2 ـ الموسيقىٰ سبب ضعف الارادة والالتفات غير الطبيعي :

ومن التأثيرات السلبية الاُخرىٰ للموسيقى ، هو تضعيف الارادة وايجاد التفاته غير طبيعية عند المستمع ، لان الموسيقىٰ وبسبب التأثيرات الصوتية والارتعاشات توجد حالة من البهتة والالتفات غير الطبيعي عند المستمع ، مما يؤدي بدوره الىٰ تأثيرات مبهمة في المخ علىٰ حدّ قول علماء النفس(2) ، وهو

________________

(1) الاسلام والموسيقىٰ ، نقلاً عن مجلة « ديمانش ايولستر » الباريسية.

(2) psychologie

٣٦٦

عامل رئيسي في ضعف الارادة ، لأن المستع وكأنما يركز كل قواه في اُذنيه وبذلك يفقد السيطرة علىٰ سائر اعضاء جسمه ، ولهذا نشاهد احياناً حركات يقوم بها المستمع للموسيقىٰ ، دون ارادة ، وهو في الحقيقة نوع من الرقص الخفيف.

3 ـ الموسيقىٰ سبب في جمود الذهن :

ومن التأثيرات التي تتركها الموسيقىٰ علىٰ الانسان ، هو الركود والجمود الفكري والذهني ، للحد الذي سميت فيه الموسيقىٰ بحجاب العقل ، لان الانجذاب الروحي الذي يحدث عند الشخص الذي يسمع الموسيقىٰ ، يؤدي به الىٰ نوع من الصمت والتحجر العقلي ، بحيث انه حتىٰ لو كان من كبار المفكرين ، في تلك اللحظة ، يصبح عقله غير منتج ، ولو كان من كبار القضاة فسيعجز في تلك اللحظة عن البتّ في ابسط حادث ، بعبارة اخرىٰ ستتأثر قواه العقلية بالاصوات الموسيقية الىٰ حد يعجز عن استخدام عقله في المجالات العلمية ومن اجل حلّ المعضلات الاجتماعية ، ولذلك فكبار المفكرين وبعض الاحيان الطلبة الجامعيين الذين يسمعون الموسيقىٰ بكثرة ، بطيئون في الامور الفكرية ومتخلفون في مجال الرياضيات.(1)

4 ـ الموسيقىٰ سبب ارتفاع ضغط الدم :

التأثير الرابع للموسيقىٰ ، هو انها احد اسباب ارتفاع ضغط الدم ، فقد قام احد الاطباء الاوروبيين بتجربة لمعرفة العلاقة بين الموسيقىٰ وارتفاع ضغط الدم فوضع جهازاً لقياس الضغط علىٰ يديه وفتح المذياع يستمع

________________

(1) الاسلام والموسيقىٰ.

٣٦٧

لمختلف البرامج الموسيقية ، فتوصل من خلال تلك التجربة الىٰ النتائج التالية :

أ ـ كلما كانت الموسيقىٰ عنيفة اكثر ، ازداد ضغط الدم ، وعندما كان يستمع لموسيقىٰ خاملة تؤدي للكسل والانحلال. كان انخفاض مؤشر الضغط بحدّ ارعب فيه الطبيب.

ب ـ بعض البرامج الموسيقية ، لم تكن مؤثرة في المستمع بأي نحو من الانحاء.

ج ـ كان لبعض الموسيقىٰ تأثير مهدىء ، وباستمرارها لفترة جعلت الضغط ينخفض اقل من الحدّ الطبيعي.

د ـ وكانت هناك نوع من الموسيقىٰ ، لها تأثير علىٰ ضغط دم الدكتور بحيث اعتبرت تهديداً حقيقياً علىٰ صحته.(1)

5 ـ الموسيقىٰ من عوامل الجنون :

في بعض سجون روسيا الخاصة بالسجناء السياسيين هناك تعذيب خاص يسمىٰ « هومة او باتيك ». وعلىٰ غرار ذلك ، قاموا في احد سجون « روسيا » بتعريض سجين سياسي الىٰ موسيقىٰ وطنية منها النشيد الوطني الروسي. وذلك كي يعلموه حب الوطن ! لكن المسكين جُنَّ بعد خمسة اشهر فقط.(2)

________________

(1) الاسلام والموسيقىٰ ، نقلاً عن مجلة « ريدرز ايجست » ، ترجمة الدكتور صائبي.

(2) الاسلام والموسيقىٰ ، ترجمة ، جينور.

٣٦٨

6 ـ الموسيقىٰ سبب في الفجور :

ومن اهم التأثيرات الموسيقىٰ السيئة ، هي انها تسوق المستمع خاصة الفتيان والفتيات نحو الفاحشة ، لانها تحرك قواهم الشهوانية ، لأن الشباب وقبل سماعهم الموسيقىٰ ربما يعيشون حالة حياء وخجل او عوامل اخلاقية اخرىٰ لذلك لا يرضون بارتكاب اعمال حيوانية منافية للعفّة ، لكنهم يكونون مستعدين للقيام بأقبح الاعمال تحت تأثير الموسيقىٰ الصاخبة ، ولذلك يمكن القول ان الموسيقىٰ وخاصة الصاخبة منها لها دور كبير في اشاعة الفحشاء والمنكر اليوم.

7 ـ الموسيقىٰ تميت العواطف :

من تأثيرات الموسيقىٰ الاُخرىٰ ، انها تميت العاطفة والاحاسيس في مستمعها ، ولقد شوهد اشخاص كثيرون كانوا علىٰ درجة عالية من العاطفة والاحساس والشعور وكانوا يتأثرون لمشاهدة ابسط منظر ، لكنهم فقدوا تلك العاطفة وذلك الشعور بعد ان استمعوا للموسيقىٰ بشكل مستمر ، بحيث اصبحت اعنف المواقف لا تأثر فيهم قيد انملة ، وكلما ازداد سماع الموسيقىٰ قلّت العاطفة.

وهنا لابد من الاشارة الىٰ اننا قد نشاهد تأثر اهل الموسيقىٰ الشديد لمشهد بسيط يشاهدونه وقد يبكون أيضاً عليه ، ولكن هذا التأثر والبكاء سببه ضعف الارادة وعدم وجود تعادل لديهم ، لهذا علينا ان نفرّق بين العاطفة وضعف الارادة والاعصاب.

٣٦٩

اصدقائي الاعزاء !

هذهِ بعض اضرار الموسيقىٰ الصحية والنفسية ، والآن لنسمع نظريات بعض اشهر علماء اوروبا حول تأثيرات الموسيقىٰ السلبية :

رأي الدكتور ولف :(1)

ذكرت مجلة « ديمانش ايلوستر » التي تصدر في باريس :

« علىٰ الرغم من ان علماء القرن الاخير ، التفتوا الىٰ التأثيرات السيئة التي تتركها الموسيقىٰ في الانسان ، لكنه لا يزال العديد من الناس يجهلون ذلك ، حتىٰ اثبت الدكتور ولف پروفسور في جامعة كولومبيا(2) قبل سنوات ان افضل واكثر الالحان الموسيقية جذابيّة هي اكثرها تأثيراً علىٰ اعصاب الانسان ، خاصة اذا كان الطقس حاراً فان تأثيراتها المخربة تزداد ، وفي مناطق حاره مثل السعودية وبعض نواحي ايران فان تأثيرها سيء للغاية ».(3)

رأي الدكتور الكسيس كارل(4)

يقول الدكتور كارل ، عالم الفسيولوجيا الفرنسي الكبير :

________________

(1) Wolf

(2) Colombia

(3) الاسلام والموسيقى.

(4) Dr, A. carril

٣٧٠

« لربما ينتج عن ارضاء بعض الشهوات نوع من الاهمية ، ولكن ليس هناك شيء اسفه من الحياة التي لا تعرف سوىٰ الرقص والتجوال بالسيارات ومشاهدة الافلام وسمع الموسيقىٰ » !!

ويضيف : « العديد من العمال الشباب يملأون اوقات فراغهم بالذهاب لدور السينما والديسكوهات والنوادي الليلية ، او قراءة القصص السخيفة والهذيان مع بعضهم ، او سماع اكاذيب المذياع ، وبعض الطلاب لا يستطيعون حفظ دروسهم الّا عن طريق المذياع ، والمذياع ايضاً كالسينما والموسيقىٰ يجعل الذين يولعون به في غاية الكسل. ومع ان التنزه اكثر من الحدّ الطبيعي ، لا ينسجم مع الحياة. لأن الحياة عمل ، الّا ان اغلب الطلاب والموظفين والعمال و يعتبرون النزهة الشرط الوحيد في الحياة ! »

وفي بحث آخر يقول الدكتور كارل :

« ان اتجاه العمال المفرط نحو المشروبات الكحولية دمرّ مجتمعنا ، والبرامج الرياضية الرديئة التي تبث من الاذاعة او التلفزة ، اخذت بمعنويات ابناءنا ، ومع ان الحكومات منعت منذ زمن تناول لحم الحيوانات المصابة بالسلّ وأمراض اخرىٰ ، إلّا اننا بحاجة اليوم الىٰ قوانين تحدّ من انتشار تناول المشروبات الروحية المفرط والسفلس والامراض النفسية التي تسببها الافلام السينمائية والاذاعة والتلفزة والمجلات ، ولان اتلاف الوقت بمشاهدة الافلام السينمائية وسماع المذياع يقللان من الذكاء.(1)

________________

(1) الاسلام والموسيقىٰ.

٣٧١

افضل جائزة لأفضل مغني !

اصدقائي الاعزاء !

وبعد ان سمعتم بالتأثيرات السيئة التي تتركها الموسيقىٰ علىٰ صحة الانسان وسلامته النفسية ، وكذلك الىٰ نظريات كبار علماء اوروبا وامريكا في هذا الصدد ، أليس من المؤسف ان تقدم في بلادنا سنوياً جائزة لافضل ملحّن ومغني وعازف ، تبلغ قيمتها ستون الف تومان(1) في حين ان جائزة افضل كتاب في السنة لا تتعدىٰ خمسة آلاف تومان فقط ؟! ألن يتساءل العالم : ما الذي يحدث في ايران حتىٰ انها تفضل المغنين والملحنيين علىٰ العلماء ، تفضل الشاب او الشابة الذي لا يعرف سوىٰ الغناء او العزف وتلهية الشعب المسكين واغفاله ، علىٰ العالم الذي قضىٰ جلّ حياته في طلب العلم والبحث العلمي ، وفي مثل هذا البلد ما هو مصير العلماء والعلم. فهل سيتقدم ويتطور بلد تكون فيه الراقصات اكثر قيمة من العلماء ؟! واذن ، علام كل هذهِ المهاترات والتبجحات ، بدعم العلم والثقافة ؟! بالاضافة الىٰ ذلك ، أليس في هذا البلد من هو احق بمثل تلك الجوائز ؟! وأما كان من الافضل ان يعطىٰ هذا المبلغ لافضل مزارع ، حتىٰ ينتج محاصيل جيدة ، او الىٰ موظف يخدم بلده وشعبه بصدق ، او الىٰ عامل ومهني مبدع ؟! ألا يحق للانسان الذي يشاهد هذهِ الاعمال التي تجري في البلدان يقول لو اننا متخلفون عن الغرب خمسين سنة صناعياً ، فاننا وبعض حكامنا متخلفون اكثر من ذلك عن الغرب فكرياً. فالكثير من اعمال

________________

(1) صحيفة اطلاعات ، العدد 10133.

٣٧٢

التي قام بها الغرب في الخمسين سنة الماضية تركها اليوم بعد ان وقف علىٰ مضارها الصحية والاجتماعية. في حين ان بلادنا لا زالت تريد الاتجاه نحو تلك الاشياء التي نبذها الغرب ، وتخصص لها جوائز باسم الفن ! والظاهر ان الفن الايراني هذه الايام اقتصر علىٰ الغناء والرقص فقط !!

الاسلام لا يمانع من استخدام المذياع او التلفاز

ولكن.. ارحموا اطفالكم وابناءكم

ايها المسلمون الغيارىٰ ! وايها الطامحون بسعادة انفسهم وأسرهم ! ويا من لا زال ضجيج حضارة الغرب لم يصمّ اسماعهم ويستطيعون سماع الحقائق واتباعها ! تعالوا وارحموا اطفالكم وصغاركم الذين لا ذنب لهم ، واذا لم تستطيعوا السيطرة علىٰ المذياع والتلفاز داخل البيت فالافضل ان لا تدخلوهما اليه.

ايها المسلمون الغيارىٰ ! أتعلمون عظمة الذنب الذي ترتكبونه وانتم تأخذون مثل هذهِ الاجهزة الىٰ منازلكم ( مع الاخذ بالبرامج الاستعمارية التي تبثها القنوات الاستعمارية في بلادنا ) ، فبشراءكم لهذهِ الاجهزة وادخالها للبيت دون السيطرة عليها ، تجعلون افكار وعقول نساءكم وابناءكم بيد حفنة من المغنين والمغنيات والراقصات !.

ايها المسلمون الشرفاء ، كيف ترضون بأن تصبح عقول ابناءكم مراتع لأفكار هؤلاء المنحطين والفاسقين ، الذين سيبعدون ابناءكم واهليكم عن كل فضيلة وخُلُق. وبالنتيجة سيجدون بعد فترة ورغم انكم منعتم اطفالكم

٣٧٣

وابناءكم من الاختلاط بمثل هؤلاء الناس. الّا انهم يعرفون كل انواع الرقص والغناء ، أتدرون من اين تعلموا ذلك ؟ نعم انا اقول لكم ، لقد تعلموا هذا الدرس القبيح والسيء من الراديو والتلفاز الذي ادخلتموه بأيديكم الىٰ البيت.

الاذاعة والتلفزة اللتان يقع عليهما جزء كبير من مسؤولية ارشاد الناس وتوجيههم بالمعنىٰ الحقيقي ، اصبحا اداة بيد الحكومات لكي تلقن الشعب ما ترتضيه هي ، وهذه الادوات في بلادنا اصبحت تعرّف لنا الراقصات والاميين والمستبدين بعناوين مختلفة مثل الفنانات والشخصيات البارزة والرجال العظماء و...!

اصدقائي الاعزاء !

ألا تعلمون ان الجهاز الاعلامي في بلادنا اصبح من اهم اسباب شقاء المجتمع وتعاسته ، ويقوم بتوجيه شبابنا وصغارنا ( جيل المستقبل ) نحو الرذيلة والفساد والشقاء دون ضجّة وبأعصاب باردة جداً ، وللأسف الشديد نشاهد انتشار هذين الجهازين ( المذياع والتلفاز ) في جميع الاماكن ، فالاسر التي لا تجد لقمة عيش تسدّ بها جوع اطفالها ، لابد ان تشتري احد هذين وخاصة التلفاز لانه اصبح من ضروريات الحياة الحديثة كما يقولون !!! وارجو ان لا نتصور ان الاسلام يحرم المذياع او التلفاز بحد ذاتها ، فهذان الجهازان قيمان جداً ، ويمكن الاستفادة منهما كثيراً في تثقيف الناس ورفع المستوىٰ العلمي ، اما عدم جوازه للجميع فهو بسبب البرامج التي تبثها هذهِ الاجهزة

٣٧٤

اليوم ، ولانهما اصبحا منطلقاً لتنفيذ مخططات الاعداء في افساد الشاب وتدمير ثقافة الامة والشعب ، ولان الاذاعة والتلفزة اصبحتا مركزاً للهو والفساد والغناء ، وهما من عوامل تخلف الناس فكرياً وروحياً ، ولهذا السبب يعتبر امتلاك المذياع والتلفاز غير جائز للجميع ، لانهما فارغان من البرامج المفيدة وليس فيها الا اغنية تتلوها اغنية اخرىٰ ورقص يتلوه رقص آخر و... هكذا ، فهل وصل هذا الشعب المسكين الىٰ هذهِ الدرجة من السعادة في العيش ، بحيثُ لابد ان يقضي ساعات طويلة من يومه بالغناء والرقص !!

اجل كل ذلك من اجل خنق صوت الشعب ، واغفاله عن التفكير بثرواته التي تنهب ، ومن اجل ان لا يلتفت الىٰ حياة الذل التي يعيشها ، وحتىٰ لا يفكر : الىٰ متىٰ نكون تبعاً للأجانب الذين يقضون في كل شاردة وواردة عندنا ، في حين ان العديد من شعبنا يموت لانه لا يمتلك ما يأكله او حتىٰ جرعة ماء مصفّىٰ يشربها ، والظاهر ان الاجانب وعملاؤهم لم يجدوا افضل من هذهِ الوسائل لاغفال الناس وألهاءهم ، وليس هناك افضل من تلك الاصوات العذبة ! والراقصات ( الفنانات ) الجميلات ! لهذا الغرض.

أليست هذهِ الالحان الراقصة والملهية ، هي ـ علىٰ الاقل ـ مصداقاً بارزاً لـ « اللهو واللعب » الذي ينهىٰ عنه القرآن الكريم.

٣٧٥

المشروبات الكحولية

آه يا ناس ادركوني قتلني هذا النذل هذا الساقط

بمجرد سماعهم لهذهِ الكلمات نهض الركاب من مكانهم وخرجوا من غرفهم ليعرفوا حقيقة الامر وما الذي حدث ، وهكذا خرج الشيخ واصدقاءه ليروا ما الامر ، لكن ازدحام المسافرين الذين كانوا ينظرون الىٰ حادث وقع ، حال دون مشاهدتهم ، لكن شرطة القطار قامت بتفريق المسافرين وادخالهم الىٰ غرفهم ، وبما ان غرفة الشيخ كانت قريبة من مكان الحادث ، لذلك تمكنوا من ان يشاهدوا جثة شاب ملقات علىٰ الأرض تسبح بدمائها فيما الشرطة تمسك بشاب آخر ثمل واقتادته الىٰ جهة اخرىٰ من القطار. وعندما سأل الشيخ واصدقاءه عن الحادث ، قال بعض المسافرين : ان هذين الشابان كان يلعبان القمار وهما ثملين وبعد ربح وخسارة لكل منهما اخذا يتمازحان ، لكن مزاحهم انتهىٰ الىٰ العراك ، ولم نسمع إلّا واحدهما ينادي : آه يا ناس ادركوني قتلني هذا النذل هذا الساقط ، فخرجنا ورأينا ما شاهدتموه انتم أيضاً ، فتأثر الشيخ واصدقاءه كثيراً لهذا الحادث واقفلوا راجعين الىٰ غرفهم.

الدكتور : لا ادري اي مرض هذا القمار والخمر الذي ينتشر بين هذا الشعب المسكين ، ومسؤولي البلد غافلون ولا يعملون شيئاً لتخليص الناس منه.

٣٧٦

عباس بيضاوي : ماذا تفعل الدولة ، فالمشروب لا يمكن اجتثاثه ، لانه ضروري في بعض الاحيان ! وعلىٰ الناس ان لا يفرطوا في تناوله.

الشيخ : اتدري ماذا تقول يا سيد بيضاوي ، فهل تريد ان يبقىٰ هذا السمّ المهلك في البلد ؟! اتدري ما الذي تفعله المشروبات بأجسام هذا الشعب المسكين والشقيّ ؟

عباس بيضاوي : اعلم بعض مضاره ، ولكن ليست بحد الذي ادعوا لاجتثاثه من البلد ، فإذا تفضلت علينا برأي الصحة والطب فيه ، لربما اشاركك الرأي في منعه تماماً.

الشيخ : ان مضار المشروبات الكحولية اكثر من ان احصيها في هذه العجالة ، لكني سأتحدث عنها باختصار :

1 ـ المعتادون علىٰ المشروبات الكحولية اعمارهم قصيرة :

اثبت الدكتور باركر احد اشهر اطباء نيويورك. ان موت خمسين شاباً ( 21 ـ 22 سنة ) من المدمنين علىٰ شرب المسكر ، يقابله موت اقل من عشرة شباب غير مدمنين عليه.

وكذلك ، طبقاً للابحاث التي قام بها الانجليزي المشهُور بيسون ، فإن الشباب الذين يتصور انهم يعيشون الىٰ سنّ الخمسين سنة. لا تستمر اعمارهم اكثر من خمس وثلاثين سنة بسبب تناول المشروبات الكحولية.

ويقول السيد « توماس هويتغر » ان شركات التأمين علىٰ الحياة ، ثبت لديها ان اعمار الاشخاص المدمنين علىٰ تناول المشروبات الكحولية اقل من

٣٧٧

اعمار الآخرين بنسبة 25 الىٰ 30 بالمئة ؛ أي لو كان متوسط اعمار غير المدمنين اربعين سنة ، فان متوسط اعمار المدمنين سيكون ثلاثون او ثمان وعشرون سنة.(1)

ويقول وزير الصحة الفرنسي ( برناردشنو ) في احصائية مدهشة حول خسائر المشروبات الكحولية :

« ان خسائر الافراط في تناول المشروبات الكحولية بلغ سنة 1956 عشريف الف شخص »(2) .

ويقول الامين العام للجنة الدولية لمكافحة المسكرات :

ان 25% من الاخطار والسوانح التي تظهر في العمل ، و 57% من حوادث السيارات في فرنسا سببها استعمال المشروبات الكحولية.(3)

2 ـ المشروبات يؤدي الىٰ مرض الكحولية :

يقول الطبيب الفرنسي المعروف ، السيد دوبوي ، في كتابه « الطب الحديث » : تسوق المشروبات متناوليها نحو مرض يسمىٰ الكحولية ( Alcoholism ) ، فالسكران يشعر في بداية الامر بنوع من اللذة والنشوة ، لكن تلك اللذة تتحول بسرعة الىٰ ألم وضعف ، ولكن هذهِ اللذة السريعة هي التي تجعل الاشخاص يدمنون علىٰ شرب المسكر ، وهذا الادمان والافراط في شرب المسكر يؤدي بهم الىٰ نوع من التسمم يسري في جميع الاعضاء والدم و

________________

(1) مضار المشروبات الكحولية.

(2) مجلة الصحة ، العدد 12.

(3) المصدر نفسه.

٣٧٨

يصل الامر الىٰ سوء الهضم وتعطل عمل المعدة والكبد ، وتسوء حالة المجاري التنفسية وكذلك المجاري البولية ، ويظهر اختلال في الاعصاب ، وبالنهاية يؤدي الىٰ الجنون والخرف ، وفي بعض الاحيان يموت الشخص قبل تلك الحالة ؟

يقول الدكتور « غاليته بواسيه » الفرنسي :

في جميع المشروبات الكحولية سمّ يدعىٰ الكحول ( Alcohol ) وطبيعي كلما كان الحكول كثيراً في المشروبات ازدادت اضراره أيضاً.

ولهذا فالخمرة التي يوجد في كل عشرين غرام منها 8 ـ 10 غرامات كحول تكون اكثر ضراراً من سائر المشروبات الروحية.

والكحولية : هي التسمم الذي ينشأ عن الافراط في تناول المشروبات الكحولية والتي تؤدي الىٰ تلف احشاء المريض وتوقف العديد من اعضائه ، فيتجه المدمن نحو الموت دون ان يشعر ، والكحولية لا تحدث فجأة ، بل تظهر بالتدريج »(1) .

3 ـ تأثير المشروبات الكحولية علىٰ الدورة الدموية :

ان تناول الكحول يؤدي الىٰ الاخلال في عمل الدم وايصاله الغذاء الىٰ انسجة الجسم. كما تؤدي الىٰ تراكم الدهنيات المحيطة بالقلب مما يضعّف حركة القلب ، لذلك ، فان نبض المدمنين علىٰ الكحول بطيء في الغالب وغير منظم ، وهو السبب في اكثر امراض القلب ، كما ان الكحول يؤدي الىٰ

________________

(1) مضار المشروبات الكحولية.

٣٧٩

تصلب الشرايين وبالنتيجة الىٰ ارتفاع ضغط الدم ، وقد ينتهي الامر بتمزق الشراين.(1)

4 ـ تأثير المشروبات الكحولية علىٰ القلب :

ذكر استاذ كلية الطب ورئيس مستشفىٰ « سينا » في خطاب له :

« مع ان للقلب عصبان : احدهما. « بنومونماستريك » الذي يبطيء الانقباضات او يجعلها معتدلة ، والآخر ، « سمباتيك » الذي يسرّع الانقباضات ، فلو قطع هذين العصبين ، لأستمر القلب في نشاطه ، بشرط أن لا يكون الشخص مدمناً علىٰ الكحول اولاً ، ومصاباً بمرض السفلس ثانياً »(2)

5 ـ تأثير المشروبات الكحولية علىٰ الجهاز التنفسي :

ان المشروبات الكحولية تؤدي الىٰ تورم الحنجرة والقصبة الهوائية فيخشن صوته ويزداد عنده السعال نتيجة للتحريكات التي تحصل في القصبة.

كما ان المشروبات الكحولية تجعل الانسان المستعد يصاب بمرض السلّ ، فالاحصائيات اشارت الىٰ ان اغلب المسلولين هم من المدمنين علىٰ المشروبات الكحولية.

وقد اثبت « البروفسور ماس » ان لمرض السلّ الرئوي ارتباط وثيق

________________

(1) المصدر نفسه.

(2) م. ن.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431