الميزان في تفسير القرآن الجزء ١١

الميزان في تفسير القرآن13%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 431

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 431 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 85167 / تحميل: 6662
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وأشبههما : المنع ؛ لأنّ الأرض هنا تابعة ، والمتبوع منقول(١) .

وعندنا أنّ قبل القسمة تثبت الشفعة ، وإلّا فلا.

مسالة ٧٠٤ : لو باع شقصاً فيه زرع لا يجزّ مراراً وأدخله في البيع‌ ، أخذ الشفيع الشقص بحصّته من الثمن دون الزرع ، وبه قال الشافعي(٢) ، خلافاً لأبي حنيفة ومالك(٣) ، وقد سبق(٤) .

وإن كان ممّا يجزّ مراراً ، فالجزّة الظاهرة التي لا تدخل في البيع المطلق كالثمار المؤبَّرة ، والاُصول كالأشجار ، قاله الشافعي(٥) .

وعندنا أنّه لا يدخل في الشفعة أيضاً ولا في البيع على ما تقدّم(٦) .

أمّا ما يدخل تحت مطلق بيع الدار من الأبواب والرفوف والمسامير فالأقرب : أنّه يؤخذ بالشفعة تبعاً ، كالأبنية.

ولو باع شقصاً من طاحونة ، لم يدخل شي‌ء من الأحجار فيها على ما تقدّم(٧) .

وقال الشافعي : يؤخذ التحتاني(٨) إن قلنا بدخوله في البيع ، وفي الفوقاني وجهان(٩) .

____________________

(١) الوسيط ٤ : ٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٦.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٥.

(٤) في ص ١٩٧ - ١٩٨ ، المسألة ٧٠٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٦.

(٦) في ص ٤٧ ، المسألة ٥٧٢.

(٧) في ص ٥٩ ، ضمن المسألة ٥٧٦ ، القسم الثالث.

(٨) أي : الحجر التحتاني.

(٩) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٧.

٢٠١

مسالة ٧٠٥ : شرطنا في محلّ الشفعة من العقار كونه ثابتاً. واحترزنا بالثابت عمّا إذا كان بين اثنين غرفةٌ عالية أو حجرة معلّقة على سقف لأحدهما أو لغيرهما ، فإذا باع [ أحدهما ](١) نصيبه ، فلا شفعة لشريكه ؛ لأنّه لا أرض لها ولا ثبات فأشبهت المنقولات.

ولو كان السقف لهما وبِيع معها ، فالأقرب : أنّه لا شفعة لشريكه أيضاً ؛ لأنّ الأرض التي لهما لا ثبات لها ، وما لا ثبات له في نفسه لا يعدّ(٢) ثباتاً لما هو عليه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) .

والثاني : أنّ الشفعة تثبت ؛ للاشتراك بينهما أرضاً وجدراناً(٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ ما هو أرضهما لا ثبات له.

ولو كان السفل بين اثنين والعلوُّ لأحدهما فباع صاحب العلوِّ العلوَّ ونصيبَه من السفل ، كان للشفيع أخذ السفل لا غير ؛ لأنّ الشفعة لا تثبت في الأرض إلّا إذا كانت مشتركةً ، فكذلك ما فيها من الأبنية ، ولا شركة بينهما في العلوّ ، وهو قول بعض الشافعيّة(٥) .

وقال بعضهم : إنّ الشريك يأخذ السفل ونصف العلوّ بالشفعة ، لأنّ الأرض مشتركة بينهما ، وما فيها تابع لها ، ألا ترى أنّه يتبعها في بيع الأرض عند الإطلاق ، فكذلك في الشفعة(٦) . وليس بشي‌ء.

ولو كانت بينهما أرض مشتركة ، وفيها أشجار لأحدهما ، فباع صاحب الأشجارِ الأشجارَ ونصيبَه من الأرض ، ففيه الخلاف المذكور.

مسالة ٧٠٦ : يشترط كون المبيع مشتركاً بين اثنين لا أزيد‌ ، فلو تعدّد‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٢) كذا ، والظاهر : « لا يفيد » بدل « لا يعدّ ».

(٦-٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٧.

٢٠٢

الشركاء وزادوا على اثنين ، فلا شفعة عند أكثر علمائنا(١) ، خلافاً للعامّة.

لنا : الأصل عدم الشفعة ، أثبتناها في الاثنين ؛ دفعاً لضرورة الشركة ، وهذا المعنى منتفٍ في حقّ الزائد على الاثنين ، فيبقى على أصالة العدم.

وما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله « أنّه قضى بالشفعة في كلّ مشترك(٢) لم يقسم رَبْع أو حائط لا يحلّ له أن يبيعه حتى يؤذنَ شريكه ، فإن شاء أخذ ، وإن شاء ترك ، فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحقّ به »(٣) وهو يدلّ على الاقتصار على الواحد.

ومن طريق الخاصّة : رواية عبد الله بن سنان - الصحيحة - عن الصادقعليه‌السلام قال : « لا تكون الشفعة إلّا لشريكين ما لم يتقاسما ، فإذا صاروا ثلاثةً ، فليس لواحدٍ منهم شفعة »(٤) .

وفي رواية يونس - السابقة(٥) - عن الصادقعليه‌السلام : « وإن زاد على الاثنين فلا شفعة لأحدٍ منهم ».

وقال بعض(٦) علمائنا - وهو قول الجمهور كافّة - : إنّها تثبت مع الكثرة ، لما رواه السكوني عن الصادق عن الباقر عن آبائه عن عليّ : قال : « الشفعة على عدد الرجال »(٧) .

____________________

(١) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٦١٨ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٤٢٤ ، وسلّار في المراسم : ١٨٣ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٦١.

(٢) كذا في « س ، ي » والطبعة الحجريّة ، وفي المصدر : « شركة » بدل « مشترك ».

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٩ / ١٣٤ ، سنن النسائي ٧ : ٣٢٠.

(٤) الكافي ٥ : ٢٨١ / ٧ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ / ٧٢٩ ، الاستبصار ٣ : ١١٦ / ٤١٢.

(٥) في ص ١٩٥ - ١٩٦.

(٦) الشيخ الصدوق في الفقيه ٣ : ٤٦ ، ذيل الحديث ١٦٢.

(٧) التهذيب ٧ : ١٦٦ / ٧٣٦ ، الاستبصار ٣ : ١١٦ - ١١٧ / ٤١٦.

٢٠٣

والطريق ضعيف لا يعوّل عليه.

إذا ثبت هذا ، فالقائلون بثبوت الشفعة مع الكثرة اختلفوا ، فقال بعضهم : إنّها على عدد الرؤوس(١) . وقال بعضهم : إنّها على عدد الأنصباء(٢) .

مسالة ٧٠٧ : شرطنا في المأخوذ أن كان ممّا يقبل القسمة‌ ، كالبساتين والدور المتّسعة وغيرها ؛ لأنّ ما لا يقبل القسمة - كالحمّام والدار الضيّقة والعضائد الضيّقة وما أشبه ذلك - لا تثبت فيه الشفعة عند أكثر علمائنا(٣) - وبه قال عثمان وربيعة والشافعي ومالك في إحدى الروايتين(٤) - لأنّ الشفعة تضرّ بالبائع ؛ لأنّه لا يمكنه أن يخلص نصيبه بالقسمة ، وقد يمتنع المشتري لأجل الشفيع ، ولا يمكنه القسمة ، فيسقط حقّ الشفعة ، فلهذا لم تجب الشفعة.

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٢٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٨ / ١٩٦٥ ، الوسيط ٤ : ٩٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٨٢ ، المغني ٥ : ٥٢٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩٠.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٢٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٨ / ١٩٦٥ ، الوسيط ٤ : ٩٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٩٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٥٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٢ ، المغني ٥ : ٥٢٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩٠.

(٣) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٤٤١ ، المسألة ١٦ ، وسلاّر في المراسم : ١٨٣ ، والمحقّق الحلّي في المختصر النافع : ٢٥٧.

(٤) المغني ٥ : ٤٦٥ و ٤٦٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٨ و ٤٦٩ ، معالم السنن - للخطّابي - ٥ : ١٧٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٤ ، الوجيز ١ : ٢١٥ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٧ و ١٥٨ ، وفي الخلاف - للشيخ الطوسي - ٣ : ٤٤١ ، المسألة ١٦ حكاية قول عثمان أيضاً.

٢٠٤

ولما رواه السكوني عن الصادق ٧ قال : « قال رسول الله ٦ : لا شفعة في سفينة ولا في نهر ولا في طريق »(١) .

وقال بعض(٢) علمائنا : تثبت فيه الشفعة - وبه قال الثوري ومالك في الرواية الاُخرى ، وأبو حنيفة وأصحابه ، وأبو العباس بن سريج من الشافعيّة ، ونقله قولاً آخَر للشافعي(٣) - لعموم قول الصادقعليه‌السلام : « الشفعة جائزة في كلّ شي‌ء »(٤) .

ولأنّ الشفعة تثبت لأجل الضرر بالمشاركة ، والضرر في هذا النوع أكثر ، لأنّه يتأبّد ضرره.

والرواية مقطوعة السند.

وأصل اختلاف الشافعيّة هنا مبنيّ على علّة ثبوت الشفعة في المنقسم(٥) إن قلنا : إنّها تثبت لدفع ضرر الشركة فيما يتأبّد ويدوم ، كتضيّق المداخل ، والتأذّي بحرفة(٦) الشريك أو أخلاقه(٧) أو كثرة الداخلين عليه ، وما أشبه ذلك.

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٨٢ / ١١ ، التهذيب ٧ : ١٦٦ / ٧٣٨ ، الاستبصار ٣ : ١١٨ / ٤٢٠.

(٢) كالسيّد المرتضى في الانتصار : ٢١٥ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٣٨٩.

(٣) المغني ٥ : ٤٦٥ - ٤٦٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٩ ، معالم السنن - للخطّابي - ٥ : ١٧٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٣٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٧.

(٤) الكافي ٥ : ٢٨١ / ٨ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ / ٧٣٠ ، الاستبصار ٣ : ١١٦ / ٤١٣.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « التقسيم » بدل « المنقسم ». والصحيح ما أثبتناه.

(٦) في الطبعة الحجريّة : « بخراءة » بدل « بحرفة » ولها وجه ، وفي « س ، ي » بدلهما : « بجزية ». وهي تصحيف ما أثبتناه من المصدر.

(٧) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « اختلافه » بدل « أخلاقه ». وما أثبتناه من المصدر.

٢٠٥

وأصحّهما : أنّها تثبت لدفع الضرر الذي ينشأ من القسمة من بذل مئونتها ، والحاجة إلى أفراد الحصّة الصائرة إليه بالمرافق الواقعة في حصّة صاحبه ، كالمِصْعَد والمبرز والبالوعة ونحوها ، وكلّ واحد من الضررين وإن كان حاصلاً قبل البيع لكن مَنْ رغب من الشريكين في البيع كان من حقّه أن يخلص الشريك ممّا هو فيه ببيعه منه ، فإذا لم يفعل ، سلّطه الشرع على أخذه. فإن قلنا بالأصحّ ، لم تثبت الشفعة فيما لا ينقسم ؛ لأنّه يؤمن فيه من ضرر القسمة. وإن قلنا بالأوّل ، ثبتت الشفعة فيه(١) .

مسالة ٧٠٨ : المراد من المنقسم ما يتجزّأ ويكون كلّ واحد من جزءيه منتفعاً به من الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة دون غيره ، ولا عبرة بإمكان الانتفاع به من وجوه اُخر ؛ للتفاوت العظيم بين أجناس المنافع.

وقيل : المنقسم ما لا تنقص قيمته نقصاناً فاحشاً ، فلو كانت قيمة الدار مائةً ولو قُسّمت عادت قيمة كلّ نصف إلى ثلاثين ، لم تقسّم ، لما فيها من الضرر(٢) .

وقيل : إنّه الذي يبقى منتفعاً به بعد القسمة بوجه ما ، أمّا إذا خرج عن حدّ الانتفاع بالكلّيّة - أمّا لضيق الخطّة وقلّة النصيب ، أو لأنّ أجزاءه غير منتفع بها وحدها ، كشرب القنا(٣) ، ومصراعي الباب - فلا ينقسم(٤) .

مسالة ٧٠٩ : إذا كانت الطاحونة أو الحمّام كبيرين يمكن إفراد حصّة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٧.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٧.

(٣) في « العزيز شرح الوجيز » بدل « كشرب القنا » : « كماء سراب القنا ». ولعلّها : « كأسراب القنا ». والسرب : القناة الجوفاء التي يدخل منها الماءُ الحائطَ. لسان العرب ١ : ٤٦٦ « سرب ».

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٧ - ١٥٨.

٢٠٦

كلٍّ منهما عن صاحبه من غير تضرّر ، أو كان مع البئر أرض تسلم البئر لأحدهما ، أو كان في الرحى أربعة أحجار دائرة يمكن أن ينفرد كلٌّ منهما بحجرين ، أو كان الطريق واسعاً لا تبطل منفعته بالقسمة ، أو كان الحمّام كثير البيوت يمكن جَعْله حمّامين ، أو متّسع البيوت يمكن جعل كلّ بيت بيتين ، أو كانت البئر واسعة يمكن أن يبنى فيها فتجعل بئرين لكلّ واحدة بياض يقف فيه المستقي ويُلقي فيه ما يخرج منها ، تثبت الشفعة في ذلك كلّه.

ولو كان بين اثنين دار ضيّقة لأحدهما عُشْرها ، فإن قلنا بثبوت الشفعة فيما لا يقسم ، فأيّهما باع نصيبه فلصاحبه الشفعة. وإن حكمنا بمنعها ، فإن باع صاحب العُشْر نصيبه ، لم تثبت لصاحبه الشفعة ؛ لأنّه آمنٌ من أن يطلب مشتريه القسمة ؛ لانتفاء فائدته فيها ، ولو طلب لم يُجِبْ إليه ؛ لأنّه متعنّت مضيّع لماله ، وإذا كان كذلك ، فلا يلحقه ضرر القسمة.

فإن باع الآخَر ، ففي ثبوت الشفعة لصاحب العُشْر وجهان بناءً على أنّ صاحب الأزيد هل يُجاب إذا طلب القسمة ؛ لأنّه منتفع بالقسمة؟ والظاهر عند الشافعي أنّه يجاب(١) . ونحن نقول بخلافه.

ولو كان حول البئر بياض وأمكنت القسمة بأن تُجعل البئر لواحدٍ والبياض لآخَر ، أو كان موضع الحجر والرحى واحداً وله بيت ينتفع به وأمكنت القسمة بأن يجعل موضع الحجر لواحدٍ والبيت لآخَر ، تثبت الشفعة - وهو أحد قولي الشافعي(٢) - وهو مبنيّ على أنّه لا يشترط فيما يصير لكلّ واحدٍ منهما أن يمكن الانتفاع به من الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة.

ولو كان لاثنين مزرعة يمكن قسمتها وبئر يستقى منها باع أحدهما‌

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٨ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٨.

٢٠٧

نصيبه منهما ، تثبت للآخَر الشفعة فيهما إن انقسمت البئر ، أو قلنا بثبوت الشفعة فيما لا ينقسم ، وإلّا ثبتت في المزرعة.

وهل تثبت في البئر؟ الأقوى : أنّها تثبت ؛ لأنّها تابعة ، كالأشجار ، وهو أحد قولي الشافعي(١) .

وأصحّهما : المنع ، والفرق بين البئر والأشجار ظاهر ؛ فإنّ الأشجار ثابتة في محلّ الشفعة ، والبئر مباينة عنه(٢) .

والفرق لا يُخرج البئر عن التبعيّة ، ويُذكر غيره(٣) ، كالحائط.

البحث الثاني : في الآخذ.

مسالة ٧١٠ : أخذ الشفعة يشترط أن يكون شريكاً في المشفوع‌ ، فلا تثبت الشفعة بالجوار ، وإنّما تثبت بالخلطة إمّا في الملك أو في طريقه أو نهره أو ساقيته ، وبه قال عبيد الله بن الحسن العنبري وسوار القاضي(٤) .

ووافقنا الشافعي على أنّ الشفعة لا تثبت للجار - وبه قال عمر وعثمان وعمر بن عبد العزيز وسليمان بن يسار وسعيد بن المسيّب ويحيى ابن سعد الأنصاري ، ومن الفقهاء : ربيعة ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور(٥) - لما رواه العامّة عن النبيّ ٦ أنّه قال : « الشفعة فيما‌

____________________

(١و٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٨.

(٣) أي : أنّ الذي يُذكر في البيع غير البئر.

(٤) المغني ٥ : ٤٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٦ - ٤٦٧ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٧.

(٥) المغني ٥ : ٤٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٦ ، الوجيز ١ : ٢١٥ ، الوسيط ٤ : ٧٢ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٩ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٩ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٥٦.

٢٠٨

لم يقسم ، فإذا وقعت الحدود وصُرّفت(١) الطرق فلا شفعة »(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقرعليه‌السلام : « إذا وقعت السهام ارتفعت الشفعة »(٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « الشفعة لا تكون إلّا لشريك »(٤) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا رفّت الأرف(٥) وحدّت الحدود فلا شفعة »(٦) .

وقال أبو حنيفة والثوري وابن شبرمة وابن أبي ليلى : إنّ الشفعة تثبت بالشركة ثمّ بالشركة في الطريق ثمّ بالجوار(٧) .

وفصّل أبو حنيفة ، فقال : يقدّم الشريك ، فإن لم يكن شركة وكان الطريق مشتركاً كدربٍ لا ينفذ ، فإنّه تثبت الشفعة لجميع أهل الدرب الأقرب فالأقرب ، ولو لم يأخذ هؤلاء ، تثبت للملاصق من درب آخَر خاصّةً ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « الجار أحقّ بسَقَبه(٨) »(٩) وقالعليه‌السلام : « جار‌

____________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « ضربت » بدل « صُرّفت ». وما أثبتناه من المصادر. اُنظر : الهامش التالي.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١١٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٣٥ / ٢٤٩٩ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٥ / ٣٥١٤ ، سنن البيهقي ٦ : ١٠٢.

(٣) الكافي ٥ : ٢٨٠ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٤٦ / ١٦١ ، التهذيب ٧ : ١٦٣ / ٧٢٤.

(٤) التهذيب ٧ : ١٦٤ / ٧٢٥.

(٥) الاُرفة : الحدّ ومعالم الحدود بين الأرضين. الصحاح ٤ : ١٣٣١ « أرف ».

(٦) الكافي ٥ : ٢٨٠ / ٤ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ / ٧٢٧.

(٧) حلية العلماء ٥ : ٢٦٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٩ ، المغني ٥ : ٤٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٦.

(٨) السَّقَب : القرب. النهاية - لابن الأثير - ٢ : ٣٧٧ « سقب ».

(٩) صحيح البخاري ٣ : ١١٥ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٦ / ٣٥١٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٦٥٣ ، ذيل الحديث ١٣٧٠.

٢٠٩

الدار أحقّ بدار جاره أو الأرض »(١) (٢) .

والحديث ممنوع ، وقد طعن فيه جماعة ؛ لأنّ الحديث الأخير رواه الحسن(٣) [ عن ](٤) سمرة(٥) ، وقال أصحاب الحديث : لم يرو عنه إلّا حديثاً واحداً ، وهو حديث العقيقة(٦) (٧) . و « الجار » في الحديث الأوّل يُحمل على الشريك.

إذا ثبت هذا ، فإنّه لا شفعة للجار ، سواء كان ملاصقاً أو مقابلاً.

وقال أبو حنيفة : للجار الملاصق الشفعة ، وللمقابل أيضاً إذا لم يكن الطريق بينهما نافذاً(٨) . وعن ابن سريج من الشافعيّة(٩) تخريج كمذهب أبي حنيفة.

مسالة ٧١١ : قد بيّنّا أنّه لا تثبت الشفعة بالجوار ولا فيما قُسّم ومُيّز إلّا أن يكون بينهما شركة في طريق أو نهر أو ساقية بشرط أو يبيع الدارَ مع الطريق ، والبستانَ مع الشرب أو النهر ؛ لما رواه منصور بن حازم - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن دار فيها دُوْرٌ وطريقهم واحد‌

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٦ / ٣٥١٧.

(٢) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٣٩ / ١٩٤٧ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٧ ، المغني ٥ : ٤٦١ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٦.

(٣) وهو : الحسن البصري. راجع المصادر في الهامش ٦.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ابن ». وذلك تصحيف.

(٥) وهو : سمرة بن جندب. راجع المصادر في الهامش التالي.

(٦) سنن الترمذي ٤ : ١٠١ / ١٥٢٢ ، سنن البيهقي ٩ : ٣٠٣ ، المستدرك - للحاكم - ٤ : ٢٣٧ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٧ : ٢٤٢ - ٢٤٣ / ٦٨٢٧ - ٦٨٣٢ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٨ : ٤٨ / ٤٢٩٠ ، و ١٤ : ١٢٢ / ١٨١٥٦.

(٧) التمهيد ١ : ٣٧ ، الاستذكار ٥ : ١٩ / ٥٦٨٦ ، المغني ٥ : ٤٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦٨.

(٨و٩) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٩.

٢١٠

في عرصة الدار فباع بعضهم منزله من رجل هل لشركائه في الطريق أن يأخذوا بالشفعة؟ فقال : « إن كان باب الدار وما حول بابها إلى الطريق غير ذلك ، فلا شفعة لهم ، وإن باع الطريق مع الدار فلهم الشفعة »(١) .

وعن منصور بن حازم - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : دار بين قوم اقتسموها فأخذ كلّ واحد منهم قطعة وتركوا بينهم ساحة فيها ممرّهم فجاء رجل فاشترى نصيب بعضهم ، إله ذلك؟ قال : « نعم ، ولكن يسدّ بابه ويفتح باباً إلى الطريق ، أو ينزل من فوق البيت ويسدّ بابه ، وإن أراد صاحب الطريق بيعه فإنّهم أحقّ به ، وإلّا فهو طريقه يجي‌ء يجلس على ذلك الباب »(٢) .

وعن منصور بن حازم عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : دار بين قوم اقتسموها وتركوا بينهم ساحة فيها ممرّهم فجاء رجل فاشترى نصيب بعضهم ، إله ذلك؟ قال : « نعم ، ولكن يسدّ بابه ويفتح بابا إلى الطريق أو ينزل من فوق البيت ، فإن أراد شريكهم أن يبيع منقل قدميه فإنّهم أحقّ به ، وإن أراد يجي‌ء حتى يقعد على الباب المسدود الذي باعه لم يكن لهم أن يمنعوه »(٣) .

مسالة ٧١٢ : الدار إمّا أن يكون بابها مفتوحاً إلى دربٍ نافذ‌ ، أو غير نافذ ، فإن كان الأوّل ولا شريك له في الدار ، فلا شفعة فيها لأحدٍ ولا في ممرّها ؛ لأنّ هذا الدرب غير مملوك. وإن كان الثاني ، فالدرب ملك مشترك بين سكّانه على السويّة. فإن باع نصيبه من الممرّ وحده ، فللشركاء الشفعة‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٦٥ / ٧٣١.

(٢) الكافي ٥ : ٢٨١ / ٩ ، التهذيب ٧ : ١٦٥ / ٧٣٢ ، الاستبصار ٣ : ١١٧ / ٤١٨.

(٣) التهذيب ٧ : ١٦٧ - ١٦٨ / ٧٤٣.

٢١١

إن كان واحداً وأمكن قسمته ، وإلّا فلا.

وإن باع الدار بممرّها فللشريك في الممرّ الشفعةُ في الدار وطريقها.

وقال الشافعي : لا شفعة له في الدار ؛ لأنّه لا شركة [ له ](١) فيها ، فصار كما لو باع شقصاً من عقار مشترك وعقاراً غير مشترك(٢) .

وقال أبو حنيفة(٣) كقولنا من إثبات الشفعة.

وإن أرادوا أخذ الممرّ بالشفعة ، قال الشافعي : يُنظر إن كان للمشتري طريق آخَر إلى الدار أو أمكنه فتح بابٍ آخَر إلى شارع ، فلهُمْ ذلك على المشهور إن كان منقسماً ، وإلّا فعلى الخلاف في غير المنقسم.

وقال بعض الشافعيّة : إن كان في اتّخاذ الممرّ الحادث عسر أو مئونة لها وَقْعٌ ، وجب أن يكون ثبوت الشفعة على الخلاف الآتي(٤) .

وإن لم يكن له طريق آخر ولا أمكن اتّخاذه ، ففيه وجوه :

أحدها : أنّهم لا يمكّنون منه ، لما فيه من الإضرار بالمشتري ، والشفعة شرّعت لدفع الضرر ، فلا يزال الضرر بالضرر.

والثاني : أنّ لهم الأخذ ، والمشتري هو المضرّ بنفسه حيث اشترى مثل هذه الدار.

والثالث : أن يقال لهم : إن أخذتموه على أن تمكّنوا المشتري من المرور ، فلكم الأخذ ، وإلّا فلا شفعة لكم جمعاً بين الحقّين(٥) .

والأقرب عندي : أنّ الطريق إن كان ممّا يمكن قسمته والشريك واحد‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « لهم ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٠.

(٤و٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٩.

٢١٢

وبِيع مع الدار المختصّة بالبائع صفقةً ، فللشريك الآخَر أخذ الطريق خاصّةً إن شاء ، وإن شاء أخذ الجميع. وإن لم يمكن قسمته ، لم يكن له أخذه خاصّةً ، بل إمّا أن يأخذ الجميع أو يترك.

وإذا كان في الخان بيوت مشتركة بين مالكين ، فالشركة في صحنه كشركة مالكي الدارين في الدرب المنقطع. وكذا الشركة في مسيل ماء الأرض ، دون الأرض.

مسالة ٧١٣ : لا تثبت الشفعة في المقسوم والجوار بغير الشركة في الطريق والنهر والساقية ولا إذا بِيعت الدار منفردةً عن الطريق ، أمّا لو باعها مع الطريق ثمّ حوّل الباب ، ثبتت الشفعة.

ولو كانت الشركة في الجدار أو السقف أو غير ما ذكرنا من الحقوق ، فلا شفعة ؛ عملاً بالأصل.

ولو كانت المزرعة مختصّةً وبئرها التي يسقى الزرع منها مشتركةً حتى بِيعت المزرعة والبئر ، ففي ثبوت الشفعة في المزرعة بمجرّد الشركة في البئر إشكال ينشأ : من الاقتصار على مورد النصّ فيما يخالف الأصل ، ولا شكّ في مخالفة الشفعة للأصل. ومن أنّها مشتركة في مسقى.

والشافعي ألحق الشركة في البئر بالشركة في الممرّ(١) .

مسالة ٧١٤ : يشترط في الآخذ بالشفعة الإسلام إن كان المشتري مسلما‌ ، وإلّا فلا تثبت الشفعة للذمّيّ على المسلم ، وتثبت للمسلم على الذمّي ، وللذمّي على مثله ، سواء تساويا في الكفر أو اختلفا ولو كان أحدهما حربيّاً ، ذهب إليه علماؤنا - وبه قال الشعبي وأحمد والحسن بن‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٩.

٢١٣

صالح بن حي(١) - لأنّه نوع سبيل ، وقال الله تعالى :( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (٢) .

ولما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « لا شفعة لذمّيٍّ على مسلم »(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « ليس لليهود والنصارى شفعة »(٤) .

ولأنّه تملّك بغير مملّك ، فأشبه الإحياء.

وقال أبو حنيفة والشافعي ومالك والأوزاعي وأصحاب أبي حنيفة : تثبت للذّميّ الشفعةُ على المسلم ؛ لأنّ الشفعة خيار يثبت لإزالة الضرر عن المال ، فاستوى فيه المسلم والذمّي ، كالردّ بالعيب(٥) .

ويمنع كونها خياراً ، وإنّما هو تملّك قهريّ ، فلا يثبت للكافر ؛ للآية(٦) .

____________________

(١) المغني ٥ : ٥٥١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٤٣ ، حلية العلماء ٥ : ٢٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٠ - ٤٩١.

(٢) النساء : ١٤١.

(٣) لم نقف على نصّ الحديث في المصادر الحديثيّة المتوفّرة لدينا ، وقد روى البيهقي في السنن الكبرى ٦ : ١٠٨ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « لا شفعة للنصراني ».

وفي ص ١٠٩ « ليس لليهودي والنصراني شفعة ». وقد أورد الحديث كما في المتن الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٤٥٤ ، المسألة ٣٨ من كتاب الشفعة.

(٤) الكافي ٥ : ٢٨١ / ٦ ، التهذيب ٧ : ١٦٦ / ٧٣٧.

(٥) بدائع الصنائع ٥ : ١٦ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٤ / ١٩٥٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٥ ، حلية العلماء ٥ : ٢٧١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٠ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٩ ، المدوّنة الكبرى ٥ : ٤٥٣ ، المغني ٥ : ٥٥١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٤٣ - ٥٤٤.

(٦) النساء : ١٤١.

٢١٤

مسالة ٧١٥ : تثبت الشفعة للكافر على الكافر وإن اختلفا في الدين‌ ؛ لعموم الأخبار السالمة عن معارضة تسلّط الكافر على المسلم ، وكالردّ بالعيب.

فإن كان الثمن حلالاً ، تثبت(١) الشفعة.

وإن كان خمراً أو خنزيراً ، فإن لم يتقابضاه وترافعا إلى الحاكم ، أبطل البيع ، وسقطت الشفعة.

وإن وقع بعد التقابض والأخذ بالشفعة ، لم يردّه ولا الشفعة ، وصحّ البيع والأخذ.

وإن كان بعد التقابض وقبل الأخذ بالشفعة ، لم يردّ البيع ؛ لأنّهما تقابضا الثمن ، ولم تثبت الشفعة - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّ البيع وقع بثمن حرام ، فلم تثبت فيه الشفعة ، كما لو كان ثمنه مغصوباً.

وقال أبو حنيفة : تجب الشفعة ، بناءً على أصله في أنّ الخمر مال لأهل الذمّة(٣) . وهو غلط.

ولو بِيع شقص فارتدّ الشريك ، فهو على شفعته إن كانت ردّته عن غير فطرة ، وكان المأخوذ منه كافراً. وإن كان عن فطرة أو كان المأخوذ منه مسلماً ، فلا شفعة.

قال الشافعي : إن قلنا : إنّ الردّة لا تزيل الملك ، فهو على شفعته. وإن قلنا : تزيله ، فلا شفعة له. فإن عاد إلى الإسلام وعاد ملكه ، ففي عود‌

____________________

(١) في « س » : « ثبتت ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٩ - ١٦٠ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٦ ، المغني ٥ : ٥٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٤٥.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ١٦ ، المغني ٥ : ٥٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩١.

٢١٥

الشفعة خلاف ، والظاهر : المنع ، وإن قلنا بالوقف فمات أو قُتل على الردّة ، فللإمام أخذه لبيت المال ، كما لو اشترى معيباً أو شرط(١) الخيار وارتدّ ومات ، للإمام ردّه. ولو ارتدّ المشتري ، فالشفيع على شفعته(٢) .

تذنيب : ولو اشترى المرتدّ عن فطرة ، فلا شفعة ؛ لبطلان البيع ، وعن غير فطرة تثبت الشفعة.

مسالة ٧١٦ : هل تثبت الشفعة للوقوف على المساجد والربط والمدارس مثلاً؟ كدار(٣) يستحقّ رجل نصفها والنصف الآخَر ملك المسجد اشتراه متولّي المسجد له ، أو وُهب منه ليصرفه في عمارته ، فباع الرجل نصيبه ، ففي جواز أخذ المتولّي بالشفعة نظر.

قال الشافعي : له ذلك مع المصلحة ، كما لو كان لبيت المال شريك في دار فباع الشريك نصيبه ، للإمام الأخذ بالشفعة(٤) .

وعندي فيه نظر.

ولو كان نصف الدار وقفاً والآخَر طلقاً فباع صاحب الطلق نصيبه ، فإن أثبتنا للموقوف عليه الملك وكان واحداً ، تثبت له الشفعة - على رأي - لرفع ضرر القسمة وضرر مداخلة الشريك. وإن قلنا بعدم ملك الموقوف عليه أو كان متعدّداً وقلنا : لا شفعة مع التعدّد ، فلا شفعة.

وقال الشافعي : إن قلنا : لا يملك الوقف ، فلا شفعة. وإن قلنا : يملك ، فيبني على أنّ الملك هل يفرز عن الوقف؟ إن قلنا : نعم ، ففي‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « بشرط ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٠.

(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة بدل « كدار » : « كذا و». وهو تصحيف.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩١ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٠.

٢١٦

ثبوت الشفعة وجهان :

أحدهما : تثبت لدفع ضرر القسمة ، وعلى هذا فلو كان الوقف على غير معيّن ، أخذه المتولّي إن رأى المصلحة.

وأظهرهما : المنع ؛ لأنّ الوقف لا يستحقّ بالشفعة ، فينبغي أن لا تستحقّ به الشفعة ، ولنقص الملك فيه ، فإنّه لا ينفذ تصرّفه فيه ، فلا يتسلّط على الأخذ.

وإن قلنا : لا يفرز الملك عن الوقف ، فإن منعنا من شفعة ما لا ينقسم ، فلا شفعة. وإن أثبتناه ، فوجهان(١) .

مسالة ٧١٧ : لا يستحقّ الشريك بالمنفعة شفعةً‌ ، فلو كان الشريك لا ملك له في الرقبة بل كان يستحقّ المنافع إمّا موقّتة بالإجارة ، أو مؤبّدة بالوصيّة ، لم يكن له الأخذ بالشفعة.

وكذا ليس للمتواجرين إذا آجر أحدهم أخذه بالشفعة.

وتثبت الشفعة للمكاتب وإن كان من سيّده ، فلو كان السيّد والمكاتب شريكين في الدار ، فلكلٍّ منهما الشفعة على الآخَر.

والمأذون له في التجارة إذا اشترى شقصاً ثمّ باع الشريك نصيبه ، كان له الأخذ بالشفعة ، إلّا أن يمنعه السيّد أو يعفو عن الشفعة ، وله العفو وإن كان مديوناً معسراً وكان في الأخذ غبطة ، كما أنّ له منعه من جميع الاعتياضات في المستقبل.

ولو أراد السيّد أخذه بنفسه ، كان له ذلك ؛ لأنّ أخذ العبد أخذ له في الحقيقة.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩١.

٢١٧

وللشفيع الأخذ بنفسه وبوكيله ، فلا تعتبر الشركة في مباشر الأخذ ، بل فيمن له الأخذ.

البحث الثالث : في المأخوذ منه.

مسالة ٧١٨ : إنّما تؤخذ الشفعة من المشتري الذي تجدّد ملكه بعد ملك الآخذ‌ ، فلو اشترى اثنان دفعةً واحدة ، لم يكن لأحدهما على الآخَر شفعة ؛ لعدم الأولويّة وعدم إمكان الشركة(١) .

وهل يشترط لزوم البيع؟ [ فيه ] نظر أقربه : عدم الاشتراط ، فلو باع الشقص بخيار لهما أو للبائع ، تثبت(٢) الشفعة ، ولا يسقط خيار البائع.

وقال الشافعي : يشترط اللزوم من طرف البائع ، فلا تثبت مع بقاء مدّة الخيار له.

أمّا على قول : إنّ الملك لا ينتقل إلى المشتري في مدّة الخيار : فظاهر.

وأمّا على قول الانتقال : فلأنّ في أخذه إبطالَ خيار البائع ، ولا سبيل للشفيع إلى الإضرار بالبائع وإبطال حقّه(٣) .

وعن بعض الشافعيّة احتمال ثبوت الشفعة(٤) .

وعلى ما قلناه لا يتأتّى المنع ؛ لأنّا لا نسقط حقّ البائع من الخيار ، بل يأخذ الشفيع على حدّ أخذ المشتري.

____________________

(١) أي : الشركة في الشفعة.

(٢) في « س » : « ثبتت ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٢ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٠ - ١٦١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦١.

٢١٨

وأمّا إن كان الخيار للمشتري وحده ، يبنى عندهم على الأقوال في انتقال الملك ، فإن قلنا : إنّ الملك لا ينتقل إلّا بانقطاع الخيار ، أو قلنا : هو مراعى ، تثبت الشفعة ؛ لعدم العلم بانتقال الملك إلى المشتري ، فيستحقّ فيه الشفعة عليه.

وإن قلنا : إنّه ينتقل بنفس العقد ، نقل المزني عن الشافعي أنّها تثبت - وهو مذهبنا ، وبه قال أبو حنيفة - لأنّه قد انتقل الملك إلى المشتري ، ولا حقّ فيه إلّا له ، والشفيع مسلّط عليه بعد لزوم الملك واستقراره ، فقبله أولى ، وإنّما ثبت له خيار الفسخ ، وذلك لا يمنع من الأخذ بالشفعة ، كما لو وجد به عيباً يثبت(١) له الخيار ، وكان للشفيع أخذه.

ونقل الربيع عن الشافعي أيضاً أنّه لا شفعة - وبه قال مالك وأحمد - لأنّ المشتري لم يرض بالتزام العقد ، وفي أخذ الشفيع الشقص التزام له وإيجاب للعهدة عليه ، فلم يكن له ذلك ، كما لو كان الخيار للبائع ، بخلاف الردّ بالعيب ؛ لأنّه إنّما يثبت(٢) له الردّ لأجل الظلامة ، وذلك يزول بأخذ الشفيع.

ونقل الجويني في المسألة طريقين :

إحداهما : ثبوت القولين هكذا ، لكن كلاهما مخرّج(٣) من أنّ المشتري إذا اطّلع على عيب بالشقص وأراد ردّه وأراد الشفيع أخذه بالشفعة ، فعلى قولٍ للشفيع قطع خيار المشتري في الصورتين. وعلى قولٍ لا يمكّن منه.

____________________

(١) في « س ، ي » : « ثبت ».

(٢) في « س » : « ثبت ».

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « مخرّجان ». والظاهر ما أثبتناه.

٢١٩

والثاني : القطع بأنّه لا يأخذه إلى أن يلزم العقد. والفرق بين الردّ بالعيب وبينه أنّ الأخذ بالشفعة يفتقر إلى استقرار العقد وتمامه(١) .

ونقل بعض الشافعيّة فيما إذا قلنا : إنّه بَعْدُ للبائع أو موقوف وجهاً أنّ للشفيع أخذ الشقص؛ لانقطاع سلطنة البائع بلزوم العقد من جهته(٢) .

والأصحّ عندهم : المنع ؛ لأنّ ملك البائع غير زائل على تقدير أنّ الملك للبائع [ و ](٣) غير معلوم الزوال على تقدير الوقف. وعلى الأوّل إذا أخذه الشفيع تبيّنّا أنّ المشتري ملك قبل أخذه ، وانقطع الخيار(٤) .

مسالة ٧١٩ : لو باع أحد الشريكين حصّته بشرط الخيار ثمّ باع الثاني نصيبه بغير خيار في زمن خيار الأوّل وقلنا : إنّ الشفعة لا تثبت مع الخيار - كما هو مذهب الشافعي(٥) - فلا شفعة في المبيع أوّلا للبائع الثاني ، سواء علم به أو لا ، لزوال ملكه ، ولا للمشتري منه وإن تقدّم ملكه على ملك المشتري الأوّل إذا قلنا : إنّه لا يملك في زمن الخيار ؛ لأنّ سبب الشفعة البيع ، وهو سابق على ملكه.

وأمّا الشفعة في المبيع ثانياً فموقوفة إن توقّفنا في الملك على الإجازة أو الفسخ ، وللبائع الأوّل إن أبقينا الملك له ، وللمشتري منه إن أثبتنا الملك له.

ولو فسخ البيع قبل العلم بالشفعة ، بطلت شفعته إن قلنا : إنّ خيار الفسخ يرفع العقد من أصله. وإن قلنا : يرفعه من حين وقوع الفسخ ، فهو‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٣ ، المغني ٥ : ٤٧١ ، الشرح الكبير ٥ : ٥٣٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٣.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر لأجل السياق.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٦٠.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

لا جميعهم كما يستفاد من قوله تعالى الآتي:( قالُوا تَالله إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ ) و سيجي‏ء إن شاء الله تعالى.

( بحث روائي)

في تفسير العيّاشيّ، عن أبي بصير قال: سمعت أباجعفر (عليه السلام) يحدّث: قال: لما فقد يعقوب يوسف (عليهما السلام) اشتدّ حزنه عليه و بكاؤه حتّى ابيضّت عيناه من الحزن و احتاج حاجة شديدة و تغيّرت حالته، و كان يمتار القمح من مصر لعياله في السنة مرّتين: للشتاء و الصيف، و إنّه بعث عدّة من ولده ببضاعة يسيرة إلى مصر- فرفع لهم رفقة خرجت.

فلمّا دخلوا على يوسف و ذلك بعد ما ولّاه العزيز مصر فعرفهم يوسف و لم يعرفه إخوته لهيبة الملك و عزّته فقال لهم: هلمّوا بضاعتكم قبل الرفاق، و قال لفتيانه عجّلوا لهؤلاء الكيل و أوفهم فإذا فرغتم فاجعلوا بضاعتهم هذه في رحالهم و لا تعلموهم بذلك ففعلوا ثمّ قال لهم يوسف: قد بلغني أنّه قد كان لكم أخوان من أبيكم فما فعلا؟ قالوا: أمّا الكبير منهما فإنّ الذئب أكله، و أمّا الصغير فخلّفناه عند أبيه و هو به ضنين و عليه شفيق. قال: فإنّي اُحبّ أن تأتوني به معكم إذا جئتم لتمتاروا فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي و لا تقربون قالوا: سنراود عنه أباه و إنّا لفاعلون.

فلمّا رجعوا إلى أبيهم و فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم في رحالهم قالوا: يا أبانا ما نبغي؟ هذه بضاعتنا ردّت إلينا و كيل لنا كيل قد زاد حمل بعير فأرسل معنا أخانا نكتل و إنّا له لحافظون قال: هل آمنكم عليه إلّا كما أمنتكم على أخيه من قبل.

فلمّا احتاجوا بعد ستّة أشهر بعثهم يعقوب و بعث معهم بضاعة يسيرة و بعث معهم ابن يامين و أخذ عنهم بذلك موثقا من الله لتأتنّني به إلّا أن يحاط بكم أجمعين فانطلقوا مع الرفاق حتّى دخلوا على يوسف فقال: هل معكم ابن يامين؟ قالوا:

٢٦١

نعم هو في الرحل قال لهم: فأتوني به و هو في دار الملك قد خلا وحده فأدخلوه عليه فضمّه إليه و بكى و قال له: أنا أخوك يوسف فلا تبتئس بما تراني أعمل و اكتم ما أخبرتك به و لا تحزن و لا تخف.

ثمّ أخرجه إليهم و أمر فتيانه أن يأخذوا بضاعتهم و يعجّلوا لهم الكيل فإذا فرغوا جعلوا المكيال في رحل ابن يامين ففعلوا به ذلك و ارتحل القوم مع الرفقة فمضوا فلحقهم يوسف و فتيته فنادوا فيهم قال: أيّتها العير إنكم لسارقون، قالوا و أقبلوا عليهم: ما ذا تفقدون؟ قالوا: نفقد صواع الملك و لمن جاء به حمل بعير و أنا به زعيم قالوا: تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض و ما كنّا سارقين قالوا: فما جزاؤه إن كنتم كاذبين؟ قالوا: جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه.

قال: فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثمّ استخرجها من وعاء أخيه قالوا: إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فقال لهم يوسف: ارتحلوا عن بلادنا. قالوا: يا أيّها العزيز إن له أبا شيخاً كبيراً و قد أخذ علينا موثقاً من الله لنردّ به إليه فخذ أحدنا مكانه إنّا نراك من المحسنين إن فعلت، قال: معاذ الله أن نأخذ إلّا من وجدنا متاعنا عنده فقال كبيرهم: إنّي لست أبرح الأرض حتّى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي.

و مضى إخوة يوسف حتّى دخلوا على يعقوب فقال لهم: فأين ابن يامين؟ قالوا: ابن يامين سرق مكيال الملك فأخذه الملك بسرقته فحبس عنده فاسأل أهل القرية و العير حتّى يخبروك بذلك فاسترجع و استعبر و اشتدّ حزنه حتّى تقوس ظهره.

و فيه، عن أبي حمزة الثماليّ عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: صواع الملك الطاس الّذي يشرب فيه.

أقول: و في بعض الروايات أنّه كان قدحا من ذهب و كان يكتال به يوسف (عليه السلام).

و فيه، عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) و في نسخة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قيل له و أنا عنده إنّ سالم بن حفصة روى عنك أنّك تكلّم على سبعين وجها

٢٦٢

لك منها المخرج. قال: ما يريد سالم منّي؟ أ يريد أن أجي‏ء بالملائكة فوالله ما جاء بهم النبيّون، و لقد قال إبراهيم: إِنِّي سَقِيمٌ و و الله ما كان سقيما و ما كذب، و لقد قال إبراهيم: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ و ما فعله كبيرهم و ما كذب، و لقد قال يوسف: أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ و الله ما كانوا سرقوا و ما كذب.

و فيه، عن رجل من أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألت عن قول الله في يوسف:( أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ ) قال: إنّهم سرقوا يوسف من أبيه أ لا ترى أنّه قال لهم حين قالوا و أقبلوا عليهم ما ذا تفقدون؟ قالوا: نفقد صواع الملك و لم يقولوا: سرقتم صواع الملك إنّما عنى أنّكم سرقتم يوسف من أبيه.

و في الكافي، بإسناده عن الحسن الصيقل قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): إنّا قد روينا عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول يوسف( أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ ) فقال: و الله ما سرقوا و ما كذب، و قال إبراهيم:( بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ ) فقال: و الله ما فعل و ما كذب.

قال: فقال أبوعبدالله (عليه السلام): ما عندكم فيها يا صيقل؟ قلت: ما عندنا فيها إلّا التسليم. قال: فقال: إنّ الله أحبّ اثنين و أبغض اثنين أحبّ الخطو فيما بين الصفّين و أحبّ الكذب في الإصلاح، و أبغض الخطو في الطرقات و أبغض الكذب في غير الإصلاح، إنّ إبراهيم إنّما قال: بل فعله كبيرهم إرادة الإصلاح و دلالة على أنّهم لا يفعلون، و قال يوسف إرادة الإصلاح.

أقول: قوله (عليه السلام) إنّه أراد الإصلاح لا ينافي ما في الرواية السابقة أنّه أراد به سرقتهم يوسف من أبيه فكون ظاهر الكلام ممّا لا يطابق الواقع غير كون المتكلّم مريداً به معنى صحيحاً في نفسه غير مفهوم منه في ظرف التخاطب، و الدليل على ذلك قوله (عليه السلام) إنّه أراد الإصلاح و دلّ على أنّهم لا يفعلون حيث جمع بين المعنيين و للّفظ بحسب أحدهما - و هو الثاني - مطابق دون الآخر فافهمه و ارجع إلى ما قدّمناه في البيان.

و في معنى الأحاديث الثلاثة الأخيرة أخبار اُخر مرويّة في الكافي و المعاني

٢٦٣

و تفسيري العيّاشيّ و القمّيّ.

و في تفسير العيّاشيّ، عن إسماعيل بن همّام قال: قال الرضا (عليه السلام) في قول الله تعالى:( إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَ لَمْ يُبْدِها لَهُمْ ) قال: كان لإسحاق النبيّ منطقة يتوارثها الأنبياء و الأكابر، و كانت عند عمّة يوسف، و كان يوسف عندها و كانت تحبّه فبعث إليه أبوه أن ابعثه إليّ و أردّه إليك فبعثت إليه أن دعه عندي الليلة لأشمّه ثمّ أرسله إليك غدوة فلمّا أصبحت أخذت المنطقة فربطها في حقوه و ألبسته قميصا فبعثت به إليه و قالت: سرقت المنطقة فوجدت عليه، و كان إذا سرق أحد في ذلك الزمان دفع إلى صاحب السرقة فأخذته فكان عندها.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس عن النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم): في قوله:( إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ) قال: سرق يوسف (عليه السلام) صنما لجدّه أبي اُمّه من ذهب و فضّة فكسره و ألقاه في الطريق فعيّره بذلك إخوته.

أقول: و الرواية السابقة أقرب إلى الاعتماد، و قد رويت بطرق اُخرى عن الأئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، و يؤيّدها ما روي بغير واحد من طرق أهل البيت و طرق غيرهم: إنّ السجّان قال ليوسف: إنّي لاُحبّك فقال: لا تحبّني فإنّ عمّتي أحبّتني فنسبت إلي السرقة و أبي أحبّني فحسدني إخوتي و ألقوني في الجبّ، و امرأة العزيز أحبّتني فألقوني في السجن.

و في الكافي، بإسناده عن ابن أبي عمير عمّن ذكره عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله عزّوجلّ:( إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) قال: كان يوسف يوسّع المجلس و يستقرض المحتاج و يعين الضعيف.

و في تفسير البرهان، عن الحسين بن سعيد في كتاب التمحيص عن جابر قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) ما الصبر الجميل؟ قال: ذلك صبر ليس فيه شكوى إلى أحد من الناس إنّ إبراهيم بعث يعقوب إلى راهب من الرهبان عابد من العبّاد في حاجة فلمّا رآه الراهب حسبه إبراهيم فوثب إليه فاعتنقه ثمّ قال: مرحبا بخليل

٢٦٤

الرحمن فقال له يعقوب: لست بخليل الرحمن و لكن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، قال له الراهب: فما الّذي بلغ بك ما أرى من الكبر؟ قال: الهمّ و الحزن و السقم.

قال: فما جاز عتبة الباب حتّى أوحى الله إليه: يا يعقوب شكوتني إلى العباد فخرّ ساجداً عند عتبة الباب يقول: ربّ لا أعودُ فأوحى الله إليه إنّي قد غفرت لك فلا تعد إلى مثلها فما شكى شيئاً ممّا أصابه من نوائب الدنيا إلّا أنّه قال يوما:( ما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى الله وَ أَعْلَمُ مِنَ الله ما لا تَعْلَمُونَ ) .

و في الدرّ المنثور، أخرج عبدالرزّاق و ابن جرير عن مسلم بن يسار يرفعه إلى النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) قال: من بثّ لم يصبر ثمّ قرأ( ما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى الله ) .

أقول: و رواه أيضاً عن ابن عديّ و البيهقيّ في شعب الإيمان عن ابن عمر عنه (صلّي الله و عليه وآله وسلّم).

و في الكافي، بإسناده عن حنان بن سدير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: أخبرني عن قول يعقوب لبنيّه:( اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ ) إنّه كان يعلم أنّه حيّ و قد فارقهم منذ عشرين سنة؟ قال: نعم. قلت: كيف علم؟ قال: إنّه دعا في السحر و قد سأل الله أن يهبط عليه ملك الموت فهبط عليه تربال و هو ملك الموت فقال له تربال: ما حاجتك يا يعقوب؟ قال: أخبرني عن الأرواح تقبضها مجتمعة أو متفرّقة؟ فقال: بل أقبضها متفرّقة روحا روحا. قال: فمرّ بك روح يوسف؟ قال: لا، فعند ذلك علم أنّه حيّ فعند ذلك قال لولده:( اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ ) .

أقول: و رواه في المعاني، بإسناده عن حنان بن سدير عن أبيه عنه (عليه السلام) و فيه: قال يعني يعقوب لملك الموت: أخبرني عن الأرواح تقبضها جملة أو تفاريق؟ قال: يقبضها أعواني متفرّقة و تعرض عليّ مجتمعة قال: فأسألك بإله إبراهيم و إسحاق و يعقوب هل عرض عليك في الأرواح روح يوسف؟ قال: لا، فعند ذلك علم أنّه حيّ.

و في الدرّ المنثور، أخرج إسحاق بن راهويه في تفسيره و ابن أبي الدنيا في

٢٦٥

كتاب الفرج بعد الشدّة و ابن أبي حاتم و الطبرانيّ في الأوسط و أبوالشيخ و الحاكم و ابن مردويه و البيهقيّ في شعب الإيمان عن أنس عن النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) و فيه أتى جبريل فقال: يا يعقوب إنّ الله يقرؤك السلام و يقول لك: أبشر و ليفرح قلبك فوعزّتي لو كانا ميّتين لنشرتهما لك فاصنع طعاما للمساكين فإنّ أحبّ عبادي إليّ الأنبياء و المساكين. و تدري لم أذهبت بصرك و قوّست ظهرك و صنع إخوة يوسف به ما صنعوا؟ إنّكم ذبحتم شاة فأتاكم مسكين و هو صائم فلم تطعموه منه شيئاً.

فكان يعقوب (عليه السلام) إذا أراد الغداء أمر مناديا ينادي ألا من أراد الغداء من المساكين فليتغدّ مع يعقوب و إذا كان صائما أمر مناديا فنادى ألا من كان صائما من المساكين فليفطر مع يعقوب.

و في المجمع: في قوله تعالى:( فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً ) الآية: ورد في الخبر: أنّ الله سبحانه قال: فبعزّتي لأردّنّهما إليك من بعد ما توكّلت عليّ.

٢٦٦

( سورة يوسف الآيات ٩٣ - ١٠٢)

اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذا فَأَلْقُوهُ عَلَى‏ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ( ٩٣) وَلَمّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنّدُونِ( ٩٤) قَالُوا تَاللّهِ إِنّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيِم( ٩٥) فَلَمّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى‏ وَجهِهِ فَارْتَدّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُل لّكُمْ إِنّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ( ٩٦) قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنّا كُنّا خَاطِئِينَ( ٩٧) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّي إِنّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرّحِيمُ( ٩٨) فَلَمّا دَخَلُوا عَلَى‏ يُوسُفَ آوَي إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللّهُ آمِنِينَ( ٩٩) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرّوا لَهُ سُجّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نّزَعَ الشّيْطَانُ بَينِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنّ رَبّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ( ١٠٠) رَبّ قَدْ آتَيْتَني مِنَ الْمُلْكِ وَعَلّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَاديثِ فَاطِرَ السّماوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيّ فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ( ١٠١) ذلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ( ١٠٢)

٢٦٧

( بيان‏)

ختام قصّة يوسف (عليه السلام) و تتضمّن الآيات أمر يوسف إخوته بحمل قميصه إلى أبيه و إتيانهم إليه بأهلهم أجمعين ثمّ دخولهم مصر و لقاؤه أبويه.

قوله تعالى: ( اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى‏ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَ أْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ) تتمّة كلام يوسف (عليه السلام) يأمر فيه إخوته أن يذهبوا بقميصه إلى أبيه فيلقوه على وجهه ليشفي الله به عينيه و يأتي بصيراً بعد ما صار من كثرة الحزن و البكاء ضريراً لا يبصر.

و هذا آخر العنايات البديعة الّتي أظهرها الله سبحانه في حقّ يوسف (عليه السلام) على ما يقصّه في هذه السورة ممّا غلب الله الأسباب فحوّلها إلى خلاف الجهة الّتي كانت تجري إليها حسده إخوته فاستذلّوه و غرّبوه عن مستقرّه بإلقائه في الجبّ و بيعه من السيّارة بثمن بخس فجعل الله سبحانه هذا السبب بعينه سببا لقراره في بيت عزيز مصر في أكرم مثوى ثمّ أقرّه في أريكة عزّة تضرّع إليه أمامها إخوته بقولهم:( يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَ أَهْلَنَا الضُّرُّ وَ جِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَ تَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ) .

ثمّ أحبّته امرأة العزيز و نسوة مصر فراودنه عن نفسه ليوردنه في مهلكة الفجور فحفظه الله و جعل ذلك سببا لظهور براءة ساحته و كمال عفّته، ثمّ استذلّوه فسجنوه فجعله الله سببا لعزّته و ملكه.

و جاء إخوته إلى أبيه يوم ألقوه في غيابة الجبّ بقميصه الملطّخ بالدم فأخبروه بموته كذبا فكان القميص سببا لحزن أبيه و بكائه في فراق ابنه حتّى ابيضّت عيناه و ذهب بصره فردّ الله سبحانه به بصره إليه و بالجملة اجتمعت الأسباب على خفضه و أراد الله سبحانه رفعه فكان ما أراده الله دون الّذي توجّهت إليه الأسباب و الله غالب على أمره.

٢٦٨

و قوله:( وَ أْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ) أمر منه بانتقال بيت يعقوب من يعقوب و أهله و بنيه و ذراريه جميعا من البدو إلى مصر و نزولهم بها.

قوله تعالى: ( وَ لَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ ) الفصل القطع و الانقطاع و التفنيد تفعيل من الفند بفتحتين و هو ضعف الرأي، و المعنى لمّا خرجت العير الحاملة لقميص يوسف من مصر و انقطعت عنها قال أبوهم يعقوب لمن عنده من بنيه: إنّي لأجد ريح يوسف لو لا أن ترموني بضعف الرأي أي إنّي لأحسّ بريحه و أرى أنّ اللقاء قريب و من حقّه أن تذعنوا بما أجده لو لا أن تخطّئوني لكن من المحتمل أن تفنّدوني فلا تذعنوا بقولي.

قوله تعالى: ( قالُوا تَالله إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ ) القديم مقابل الجديد و المراد به المتقدّم وجودا، و هذا ما واجهه به بعض بنيه الحاضرين عنده، و هو من سيّي‏ء حظّهم في هذه القصّة تفوّهوا بمثله في بدء القصّة إذ قالوا:( إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) و في ختمها و هو قولهم هذا:( تَالله إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ ) .

و الظاهر أنّ مرادهم بالضلال ههنا هو مرادهم بالضلال هناك و هو المبالغة في حبّ يوسف و ذلك أنّهم كانوا يرون أنّهم أحقّ بالحبّ من يوسف و هم عصبة إليهم تدبير بيته و الدفاع عنه لكنّ أباهم قد ضلّ عن مستوى طريق الحكمة و قدّم عليهم في الحبّ طفلين صغيرين لا يغنيان عنه شيئاً فأقبل بكلّه إليهما و نسيهم، ثمّ لمّا فقد يوسف جزع له و لم يزل يجزع و يبكي حتّى ذهبت عيناه و تقوّس ظهره.

فهذا هو مرادهم من كونه في ضلاله القديم ليسوا يعنون به الضلال في الدين حتّى يصيروا بذلك كافرين:

أمّا أوّلاً: فلأنّ ما ذكر من فصول كلامهم في خلال القصّة يشهد على أنّهم كانوا موحّدين على دين آبائهم إبراهيم و إسحاق و يعقوب (عليه السلام).

و أمّا ثانياً: فلأنّ المقام هاهنا و كذا في بدء القصّة حين قالوا:( إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) لا مساس له بالضلال في الدين حتّى يحتمل رميهم أباهم فيه، و إنّما يمسّ أمراً عمليّاً حيويّاً و هو حبّ أب لبعض أولاده و تقديمه في الكرامة على آخرين

٢٦٩

فهو المعنىّ بالضلال.

قوله تعالى: ( فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى‏ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ الله ما لا تَعْلَمُونَ ) البشير حامل البشارة و كان حامل القميص و قوله:( أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ ) يشير (عليه السلام) إلى قوله لهم حين لاموه على ذكر يوسف:( ما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى الله وَ أَعْلَمُ مِنَ الله ما لا تَعْلَمُونَ‏ ) ، و معنى الآية ظاهر.

قوله تعالى: ( قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ ) القائلون بنو يعقوب بدليل قولهم:( يا أَبانَا) و يريدون بالذنوب ما فعلوه به في أمر يوسف و أخيه، و أمّا يوسف فقد كان استغفر لهم قبل.

قوله تعالى: ( قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) أخّر (عليه السلام) الاستغفار لهم كما هو مدلول قوله:( سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ) و لعلّه إنّما أخّره ليتمّ له النعمة بلقاء يوسف و تطيب نفسه به كلّ الطيب بنسيان جميع آثار الفراق ثمّ يستغفر لهم و في بعض الأخبار: أنّه أخّره إلى وقت يستجاب فيه الدعاء و سيجي‏ء إن شاء الله.

قوله تعالى: ( فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى‏ يُوسُفَ آوى‏ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَ قالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ) في الكلام حذف و التقدير فخرج يعقوب و آله من أرضهم و ساروا إلى مصر و لمّا دخلوا إلخ.

و قوله:( آوى‏ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ ) فسّروه بضمّهما إليه، و قوله:( وَ قالَ ادْخُلُوا مِصْرَ ) إلخ. ظاهر في أنّ يوسف خرج من مصر لاستقبالهما و ضمّهما إليه هناك ثمّ عرض لهما دخول مصر إكراماً و تأدّباً و قد أبدع (عليه السلام) في قوله:( إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ) حيث أعطاهم الأمن و أصدر لهم حكمه على سنّة الملوك و قيد ذلك بمشيّة الله سبحانه للدلالة على أنّ المشيّة الإنسانيّة لا تؤثّر أثرها كسائر الأسباب إلّا إذا وافقت المشيّة الإلهيّة على ما هو مقتضى التوحيد الخالص، و ظاهر هذا السياق أنّه لم يكن لهم الدخول و الاستقرار في مصر إلّا بجواز من ناحية الملك، و لذا

٢٧٠

أعطاهم الأمن في مبتدإ الأمر.

و قد ذكر سبحانه( أَبَوَيْهِ ) و المفسّرون مختلفون في أنّهما كانا والديه أباه و اُمّه حقيقة أو أنّهما يعقوب و زوجه خالة يوسف بالبناء على أنّ اُمّه ماتت و هو صغير، و لا يوجد في كلامه تعالى ما يؤيّد أحد المحتملين غير أنّ الظاهر من الأبوين هما الحقيقيّان.

و معنى الآية( فَلَمَّا دَخَلُوا ) أي أبواه و إخوته و أهلهم( عَلى‏ يُوسُفَ ) و ذلك في خارج مصر( آوى) و ضمّ( إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَ قالَ ) لهم مؤمّنا لهم( ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ) .

قوله تعالى: ( وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَ قالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ ) إلى آخر الآية، العرش هو السرير العالي و يكثر استعماله فيما يجلس عليه الملك و يختصّ به، و الخرور السقوط على الأرض و البدو البادية فإنّ يعقوب كان يسكن البادية.

و قوله:( وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ ) أي رفع يوسف أبويه على عرش الملك الّذي كان يجلس عليه و مقتضى الاعتبار و ظاهر السياق أنّهما رفعا على العرش بأمر من يوسف تصدّاه خدمه لا هو بنفسه كما يشعر به قوله:( وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) فإنّ الظاهر أنّ السجدة إنّما وقعت لأوّل ما طلع عليهم يوسف فكأنّهم دخلوا البيت و اطمأنّ بهم المجلس ثمّ دخل عليهم يوسف فغشيهم النور الإلهيّ المتلألئ من جماله البديع فلم يملكوا أنفسهم دون أن خرّوا له سجّداً.

و قوله:( وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) الضمير ليوسف كما يعطيه السياق فهو المسجود له، و قول بعضهم: إنّ الضمير لله سبحانه نظراً إلى عدم جواز السجود لغير الله لا دليل عليه من جهة اللفظ، و قد وقع نظيره في القرآن الكريم في قصّة آدم و الملائكة قال تعالى:( وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ ) طه: ١١٦.

و الدليل على أنّها لم تكن منهم سجدة عبادة ليوسف أنّ بين هؤلاء الساجدين يعقوب

٢٧١

(عليه السلام) و هو ممّن نصّ القرآن الكريم على كونه مخلصا - بالفتح - لله لا يشرك به شيئاً، و يوسف (عليه السلام) - و هو المسجود له - منهم بنصّ القرآن و هو القائل لصاحبيه في السجن: ما كان لنا أن نشرك بالله من شي‏ء و لم يردعهم.

فليس إلّا أنّهم إنّما أخذوا يوسف آية لله فاتّخذوه قبلة في سجدتهم و عبدوا الله بها لا غير كالكعبة الّتي تؤخذ قبلة فيصّلي إليها فيعبد بها الله دون الكعبة، و من المعلوم أنّ الآية من حيث إنّها آية لا نفسيّة لها أصلا فليس المعبود عندها إلّا الله سبحانه و تعالى، و قد تكرّر الكلام في هذا المعنى فيما تقدّم من أجزاء الكتاب.

و من هنا يظهر أنّ ما ذكروه في توجيه الآية كقول بعضهم: إنّ تحيّة الناس يومئذ كانت هي السجدة كما أنّها في الإسلام السلام، و قول بعضهم: إنّ سنّة التعظيم كانت إذ ذاك السجدة و لم ينه عنها لغير الله بعد كما في الإسلام، و قول بعضهم: كان سجودهم كهيئة الركوع كما يفعله الأعاجم كلّ ذلك غير وجيه.

قوله تعالى: ( قالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا ) إلى آخر الآية لمّا شاهد (عليه السلام) سجدة أبويه و إخوته الأحد عشر ذكر الرؤيا الّتي رأى فيها أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر له ساجدين و أخبر بها أباه و هو صغير فأوّلها له، فأشار إلى سجودهم له و قال:( يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها - أي الرؤيا -رَبِّي حَقًّا ) .

ثمّ أثنى على ربّه شاكراً له فقال:( وَ قَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ) فذكر إحسان ربّه به في إخراجه من السجن و هو ضرّاء و بلاء دفعه الله عنه بتبديله سرّاء و نعمة من حيث لا يحتسب حيث جعله وسيلة لنيله العزّة و الملك.

و لم يذكر إخراجه من الجبّ قبل ذلك لحضور إخوته عنده و كان لا يريد أن يذكر ما يسوؤهم ذكره كرما و فتوّة بل أشار إلى ذلك بأحسن لفظ يمكن أن يشار به إليه من غير أن يتضمّن طعنا فيهم و شنآنا فقال:( وَ جاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَ بَيْنَ إِخْوَتِي ) و النزغ هو الدخول في أمر لإفساده.

و المراد: و قد أحسن بي من بعد أن أفسد الشيطان بيني و بين إخوتي فكان

٢٧٢

من الأمر ما كان فأدّى ذلك إلى فراق بيني و بينكم فساقني ربّي إلى مصر فأقرّني في أرغد عيش و أرفع عزّة و ملك ثمّ قرّب بيننا بنقلكم من البادية إليّ في دار المدنيّة و الحضارة.

يعني أنّه كانت نوائب نزلت بي إثر إفساد الشيطان بيني و بين إخوتي و ممّا أخصّه بالذكر من بينها فراق بيني و بينكم ثمّ رزيّة السجن فأحسن بي ربّي و دفعها عنّي واحدة بعد اُخرى و لم يكن من المحن و الحوادث العاديّة بل رزايا صمّاء و عقوداً لا تنحلّ لكنّ ربّي نفذ فيها بلطفه و نفوذ قدرته فبدّلها أسباب حياة و نعمة بعد ما كانت أسباب هلاك و شقاء و لهذه الثلاثة الأخيرة عقّب قوله:( وَ قَدْ أَحْسَنَ بِي ) إلخ بقوله:( إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ ) .

فقوله:( إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ ) تعليل لإخراجه من السجن و مجيئهم من البدو، و يشير به إلى ما خصّه الله به من العناية و المنّة و أنّ البلايا الّتي أحاطت به لم تكن لتنحلّ عقدتها أو لتنحرف عن مجراها لكنّ الله لطيف لما يشاء نفذ فيها فجعل عوامل الشدّة عوامل رخاء و راحة و أسباب الذلّة و الرقّيّة وسائل عزّة و ملك.

و اللطيف من أسمائه تعالى يدلّ على حضوره و إحاطته تعالى بما لا سبيل إلى الحضور فيه و الإحاطة به من باطن الأشياء و هو من فروع إحاطته تعالى بنفوذ القدرة و العلم قال تعالى:( أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) الملك: ١٤ و الأصل في معناه الصغر و الدقّة و النفوذ يقال: لطف الشي‏ء بالضمّ يلطف لطافة إذا صغر و دقّ حتّى نفذ في المجاري و الثقب الصغار، و يكنّى به عن الإرفاق و الملاءمة و الاسم اللطف.

و قوله:( هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) تعليل لجميع ما تقدّم من قوله:( يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا ) إلخ، و قد علّل (عليه السلام) الكلام و ختمه بهذين الاسمين محاذاة لأبيه حيث تكلّم في رؤياه و قال:( وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ - إلى أن قال -إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) و ليس يبعد أن يفيد اللّام في قوله:( الْعَلِيمُ

٢٧٣

الْحَكِيمُ ) معنى العهد فيفيد تصديقه لقول أبيه (عليه السلام) و المعنى: و هو ذاك العليم الحكيم الّذي وصفته لي يوم أوّلت رؤياي.

قوله تعالى: ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ ) إلى آخر الآية لمّا أثنى (عليه السلام) على ربّه و عدّ ما دفع عنه من الشدائد و النوائب أراد أن يذكر ما خصّه به من النعم المثبتة و قد هاجت به المحبّة الإلهيّة و انقطع بها عن غيره تعالى فترك خطاب أبيه و انصرف عنه و عن غيره ملتفتا إلى ربّه و خاطب ربّه عزّ اسمه فقال:( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ ) .

و قوله:( فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ ) إضراب و ترقّ في الثناء، و رجوع منه (عليه السلام) إلى ذكر أصل الولاية الإلهيّة بعد ما ذكر بعض مظاهرها الجليّة كإخراجه من السجن و المجي‏ء بأهله من البدو و إيتائه من الملك و تعليمه من تأويل الأحاديث فإنّ الله سبحانه ربّ فيما دقّ و جلّ معا، ولي في الدنيا و الآخرة جميعا.

و ولايته تعالى أعني كونه قائماً كلّ شي‏ء في ذاته و صفاته و أفعاله منشأها إيجاده تعالى إيّاها جميعاً و إظهاره لها من كتم العدم فهو فاطر السماوات و الأرض و لذا يتوجّه إليه تعالى قلوب أوليائه و المخلصين من عباده من طريق هذا الاسم الّذي يفيد وجوده تعالى لذاته و إيجاده لغيره قال تعالى:( قالَتْ رُسُلُهُمْ أَ فِي الله شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ) إبراهيم: ١٠.

و لذا بدأ به يوسف (عليه السلام) - و هو من المخلصين - في ذكر ولايته فقال:( فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ ) أي إنّي تحت ولايتك التامّة من غير أن يكون لي صنع في نفسي و استقلال في ذاتي و صفاتي و أفعالي أو أملك لنفسي شيئاً من نفع أو ضرّ أو موت أو حياة أو نشور.

و قوله:( تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) لمّا استغرق (عليه السلام) في مقام الذلّة قبال ربّ العزّة و شهد بولايته له في الدنيا و الآخرة سأله سؤال المملوك المولّى عليه أن يجعله كما يستدعيه ولايته عليه في الدنيا و الآخرة و هو الإسلام

٢٧٤

مادام حيا في الدنيا و الدخول في زمرة الصالحين في الآخرة فإنّ كمال العبد المملوك أن يسلم لربّه ما يريده منه مادام حيّا و لا يظهر منه ما يكرهه و لا يرتضيه فيما يرجع إليه من الأعمال الاختياريّة و أن يكون صالحاً لقرب مولاه لائقا لمواهبه السامية فيما لا يرجع إلى العبد و اختياره، و هو سؤاله (عليه السلام) الإسلام في الدنيا و الدخول في زمرة الصالحين في الآخرة و هو الّذي منحه الله سبحانه لجدّه إبراهيم (عليه السلام)( وَ لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ) البقرة: ١٣١.

و هذا الإسلام الّذي سأله (عليه السلام) أقصى درجات الإسلام و أعلى مراتبه، و هو التسليم المحض لله سبحانه، و هو أن لا يرى العبد لنفسه و لا لآثار نفسه شيئاً من الاستقلال حتّى لا يشغله شي‏ء من نفسه و لا صفاتها و لا أعمالها من ربّه، و إذا نسب إليه تعالى كان إخلاصه عبده لنفسه.

و مما تقدّم يظهر أنّ قوله:( تَوَفَّنِي مُسْلِماً ) سؤال منه لبقاء الإخلاص و استمرار الإسلام مادام حيّا و بعبارة اُخرى أن يعيش مسلما حتّى يتوفّاه الله فهو كناية عن أن يثبته الله على الإسلام حتّى يموت، و ليس يراد به أن يموت في حال الإسلام و لو لم يكن قبل ذلك مسلما، و لا سؤالا للموت و هو مسلم حتّى يكون المعنى أنّي مسلم فتوفّني.

و يتبيّن بذلك فساد ما روي عن عدّة من قدماء المفسّرين أنّ قوله:( تَوَفَّنِي مُسْلِماً ) دعاء منه يسأل به الموت من الله سبحانه حتّى قال بعضهم: لم يسأل أحد من الأنبياء الموت من الله و لا تمنّاه إلّا يوسف (عليه السلام).

قوله تعالى: ( ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَ هُمْ يَمْكُرُونَ ) الإشارة إلى نبإ يوسف (عليه السلام)، و الخطاب للنبي (صلّي الله عليه وآله وسّلم)، و ضمير الجمع لإخوة يوسف و الإجماع العزم و الإرادة.

و قوله:( وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ ) إلخ، حال من ضمير الخطاب من( إِلَيْكَ ) و قوله:( نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَ ما كُنْتَ ) إلى آخر الآية بيان لقوله:( ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ

٢٧٥

الْغَيْبِ ) و المعنى أنّ نبأ يوسف من أنباء الغيب فإنّا نوحيه إليك و الحال أنّك ما كنت عند إخوة يوسف إذ عزموا على أمرهم و هم يمكرون في أمر يوسف.

( بحث روائي)

في تفسير العيّاشيّ، عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل قال: قال يوسف لإخوته:( لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا ) الّذي بلّته دموع عيني( فَأَلْقُوهُ عَلى‏ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً ) لو قد نشر ريحي( وَ أْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ) و ردّهم إلى يعقوب في ذلك اليوم، و جهّزهم بجميع ما يحتاجون إليه فلمّا فصلت عيرهم من مصر وجد يعقوب ريح يوسف فقال لمن بحضرته من ولده إنّي لأجد ريح يوسف لو لا أن تفنّدون.

قال: و أقبل ولده يحثّون السير بالقميص فرحاً و سروراً بما رأوا من حال يوسف و الملك الّذي آتاه الله و العزّ الّذي صاروا إليه في سلطان يوسف، و كان مسيرهم من مصر إلى بلد يعقوب تسعة أيّام فلمّا أن جاء البشير ألقى القميص على وجهه فارتدّ بصيراً، و قال لهم: ما فعل ابن يامين؟ قالوا: خلفناه عند أخيه صالحاً.

قال: فحمد الله يعقوب عند ذلك، و سجد لربّه سجدة الشكر و رجع إليه بصره و تقوّم له ظهره، و قال لولده: تحمّلوا إلى يوسف في يومكم هذا بأجمعكم فساروا إلى يوسف و معهم يعقوب و خالة يوسف( ياميل) فأحثوا السير فرحاً و سروراً فساروا تسعة أيّام إلى مصر.

أقول: كون امرأة يعقوب الّتي سارت معه إلى مصر و هي اُمّ بنيامين خالة يوسف لا اُمّه الحقيقية وقعت في عدّة الروايات و ظاهر الكتاب و بعض الروايات أنّها كانت اُمّ يوسف و أنّه و بنيامين كانا أخوين لاُمّ و إن لم يكن ظهورا يدفع به تلك الروايات.

و في المجمع، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله عزّوجلّ:( وَ لَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ ) قال: وجد يعقوب ريح يوسف حين فصلت من مصر و هو بفلسطين من مسيرة عشرة ليال.

٢٧٦

أقول: و قد ورد في عدّة روايات من طرق العامّة و الخاصّة أنّ القميص الّذي أرسله يوسف إلى يعقوب (عليهما السلام) كان نازلاً من الجنّة، و أنّه كان قميص إبراهيم أنزله إليه جبريل حين اُلقي في النار فألبسه إيّاه فكانت عليه برداً و سلاماً ثمّ أورثه إسحاق ثمّ ورثه يعقوب ثمّ جعله يعقوب تميمة و علّقه على يوسف حين ولد فكان على عنقه حتّى أخرجه يوسف من التميمة ففاحت ريح الجنّة فوجدها يعقوب، و هذه أخبار لا سبيل لنا إلى تصحيحها مضافا إلى ما فيها من ضعف الأسناد.

و مثلها روايات اُخرى من الفريقين تتضمّن كتاباً كتبه يعقوب إلى يوسف و هو يحسبه عزيز آل فرعون لاستخلاص بنيامين يذكر فيها أنّه ابن إسحاق ذبيح الله الّذي أمر الله جدّه إبراهيم بذبحه ثمّ فداه بذبح عظيم. و قد تقدّم في الجزء السابق من الكتاب أنّ الذبيح هو إسماعيل دون إسحاق.

و في تفسير العيّاشيّ، عن نشيط بن ناصح البجليّ قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) أ كان إخوة يوسف أنبياء؟ قال: لا و لا بررة أتقياء و كيف؟ و هم يقولون لأبيهم:( تَالله إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ ) .

أقول: و في الروايات من طرق أهل السنّة و في بعض الضعاف من روايات الشيعة أنّهم كانوا أنبياء، و هذه الروايات مدفوعة بما ثبت من طريق الكتاب و السنّة و العقل من عصمة الأنبياء (عليه السلام)، و ما ورد في الكتاب ممّا ظاهره كون الأسباط أنبياء كقوله تعالى:( وَ أَوْحَيْنا إِلى‏ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطِ ) النساء: ١٦٣ غير صريح في كون المراد بالأسباط هم إخوة يوسف، و الأسباط تطلق على جميع الشعوب من بني إسرائيل الّذين ينتهي نسبهم إلى يعقوب (عليه السلام) قال تعالى:( وَ قَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً ) الأعراف: ١٦٠.

و في الفقيه، بإسناده عن محمّد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول يعقوب لبنيه:( سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ) قال: أخّرهم إلى السحر من ليلة الجمعة.

أقول: و في هذا المعنى بعض روايات اُخر، و في الدرّ المنثور، عن ابن جرير و أبي الشيخ عن ابن عبّاس عن النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) قال: قول أخي يعقوب لبنيه:( سَوْفَ

٢٧٧

أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ) يقول: حتّى يأتي ليلة الجمعة.

و في الكافي، بإسناده عن الفضل بن أبي قرّة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّي الله و عليه وآله وسلّم): خير وقت دعوتم الله فيه الأسحار، و تلا هذه الآية في قول يعقوب( سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ) أخّرهم إلى السحر.

أقول: و روي نظيره في الدرّ المنثور، عن أبي الشيخ و ابن مردويه عن ابن عبّاس: أنّ النبيّ (صلّي الله و عليه وآله وسلّم) سئل لم أخّر يعقوب بنيه في الاستغفار؟ قال: أخّرهم إلى السحر لأنّ دعاء السحر مستجاب.

و قد تقدّم في بيان الآيات كلام في وجه التأخير و لقد أقبل يوسف (عليه السلام) على إخوته حين عرفوه بالفتوّة و الكرامة من غير أن يجبّههم بأدنى ما يسوؤهم و لازم ذلك أن يعفو عنهم و يستغفر لهم بلا مهل و لم يكن موقف يعقوب معهم حين ارتدّ إليه بصره بإلقاء القميص عليه ذاك الموقف.

و في تفسير القمّيّ، حدّثني محمّد بن عيسى: أنّ يحيى بن أكثم سأل موسى بن محمّد بن عليّ بن موسى مسائل فعرضها على أبي الحسن، و كان أحدها: أخبرني عن قول الله:( وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) أ سجد يعقوب و ولده ليوسف و هم أنبياء؟.

فأجاب أبوالحسن (عليه السلام) أمّا سجود يعقوب و ولده ليوسف فإنّه لم يكن ليوسف و إنّما كان ذلك من يعقوب و ولده طاعة لله و تحيّة ليوسف كما كان السجود من الملائكة لآدم و لم يكن لآدم و إنّما كان ذلك منهم طاعة لله و تحيّة لآدم فسجد يعقوب و ولده و يوسف معهم شكراً لله تعالى لاجتماع شملهم أ لم تر أنّه يقول في شكره ذلك الوقت:( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) . الحديث.

أقول: و قد تقدّم بعض الكلام في سجدتهم ليوسف في بيان الآيات، و ظاهر الحديث أنّ يوسف أيضاً سجد معهم كما سجدوا و قد استدلّ عليه بقول يوسف في

٢٧٨

شكره:( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ ) إلخ و في دلالته على ذلك إبهام.

و قد روى الحديث العيّاشيّ في تفسيره، عن محمّد بن سعيد الأزدي صاحب موسى بن محمّد بن الرضا (عليه السلام) قال لأخيه: إنّ يحيى بن أكثم كتب إليه يسأله عن مسائل فأخبرني عن قول الله:( وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) أ سجد يعقوب و ولده ليوسف؟.

قال: فسألت أخي عن ذلك فقال: أمّا سجود يعقوب و ولده ليوسف فشكراً لله تعالى لاجتماع شملهم ألا ترى أنّه يقول في شكر ذلك الوقت:( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ ) الآية.

و ما رواه العيّاشيّ أوفق بلفظ الآية و أسلم من الإشكال ممّا رواه القمّيّ.

و في تفسير العيّاشيّ، عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله:( وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ ) قال: العرش السرير، و في قوله:( وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) قال: كان سجودهم ذلك عبادة لله.

و فيه، عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: فسار تسعة أيّام إلى مصر فلمّا دخلوا على يوسف في دار الملك اعتنق أباه فقبّله و بكى، و رفع خالته على سرير الملك ثمّ دخل منزله فادّهن و اكتحل و لبس ثياب العزّ و الملك ثمّ رجع إليهم - و في نسخة ثمّ خرج إليهم - فلمّا رأوه سجدوا جميعا إعظاماً و شكراً لله فعند ذلك قال:( يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ - إلى قوله -بَيْنِي وَ بَيْنَ إِخْوَتِي ) .

قال: و لم يكن يوسف في تلك العشرين السنة يدّهن و لا يكتحل و لا يتطيّب و لا يضحك و لا يمسّ النساء حتّى جمع الله ليعقوب شمله، و جمع بينه و بين يعقوب و إخوته.

و في الكافي، بإسناده عن العبّاس بن هلال الشاميّ مولى أبي الحسن (عليه السلام) عنه قال: قلت له: جعلت فداك ما أعجب إلى الناس من يأكل الجشب و يلبس الخشن و يخشع. فقال: أ ما علمت أنّ يوسف نبيّ ابن نبيّ كان يلبس أقبية الديباج مزوّرة

٢٧٩

بالذهب فكان يجلس في مجالس آل فرعون يحكم فلم يحتج الناس إلى لباسه و إنّما احتاجوا إلى قسطه.

و إنّما يحتاج من الإمام إلي [ أن ظ ] إذا قال صدق، و إذا وعد أنجز، و إذا حكم عدل لأنّ الله لا يحرّم طعاماً و لا شراباً من حلال و حرّم الحرام قلّ أو كثر و قد قال الله:( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ ) .

و في تفسير العيّاشيّ، عن محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) كم عاش يعقوب مع يوسف بمصر بعد ما جمع الله ليعقوب شمله، و أراه تأويل رؤيا يوسف الصادقة؟ قال: عاش حولين. قلت: فمن كان يومئذ الحجّة لله في الأرض؟ يعقوب أم يوسف؟ قال: كان يعقوب الحجّة و كان الملك ليوسف فلمّا مات يعقوب حمل يوسف عظام يعقوب في تابوت إلى أرض الشام فدفنه في بيت المقدس ثمّ كان يوسف ابن يعقوب الحجّة.

أقول: و الروايات في قصّته (عليه السلام) كثيرة اقتصرنا منها بما فيها مساس بالآيات الكريمة على أنّ أكثرها لا يخلو من تشوّش في المتن و ضعف في السند.

و ممّا ورد في بعضها أنّ الله سبحانه جعل النبوّة من آل يعقوب في صلب لاوي و هو الّذي منع إخوته عن قتل يوسف حيث قال:( لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَ أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ ) الآية و هو القائل لإخوته حين أخذ يوسف أخاه باتّهام السرقة:( فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حتّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ) فشكر الله له ذلك.

و ممّا ورد في عدّة منها أنّ يوسف (عليه السلام) تزوّج بامرأة العزيز و هي الّتي راودته عن نفسه، و ذلك بعد ما مات العزيز في خلال تلك السنين المجدبة، و لا يبعد أن يكون ذلك شكرا منه تعالى لها حين صدقت يوسف بقولها:( الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ) لو صحّ الحديث.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431