الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٥

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 461

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 461
المشاهدات: 125864
تحميل: 5998


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 461 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 125864 / تحميل: 5998
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 5

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ألجزء الخامس

بقية شعراء الغدير في القرن

السادس وشعراءه في القرن السابع

وهم اثنى عشر شاعراً

والله المستعان

وفي هذا الجزء من أهمِّ الأبحاث العلميَّة الدينيَّة

مالا غنى عنه لكلِّ دينيّ إبتغى الحقّ وارتاد الحقيقة

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

أحمدك أللهمَّ يا من تجلّيت للقلوب بالعظمة، واحتجبت عن الأبصار بالعزَّة، واقتدرت على الأشياء بالقدرة، فلا الأبصار تثبت لرؤيتك، ولا الأوهام تبلغ كنه عظمتك، ولا العقول تدرك غاية قدرتك.

حمداً لك يا سبحان! على ما مننت به علينا من النعم الجسيمة وأسبغتها، وتفضَّلت بالآلاء الجمَّة، وألحمت ما أسديت، وأجبت ما سُئلت، وهي كما تقول: وآتاكم من كلِّ ما سألتموه وإن تعدّوا نعمة الله لا تُحصوها.

حمداً لك يا متعال! على ما طهَّرتنا به من دنس الكفر ودرن الشِّرك، وأوضحت به لنا سبل الهداية، ومناسك الوصول إليك، من بعث أفضل رسلك وأعظم سفراءك، وخاتم أنبياءكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكتابك العزيز، لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين.

حمداً لك يا ذا الجلال! على ما أتممت به نعمك، وأكملت به دين نبيِّك من ولاية أمير المؤمنين أخي رسولك، وأبي ذريَّته، وسيِّد عترته، وخليفته من بعده، وأنزلت فيها القرآن وقلت: أليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا.

حمداً لك يا عزيز! على ما وفَّقتنا له من إتِّباع نبي ِّ ك المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخليفتيه في اُمَّته، كتابك الكريم وعترته أهل بيته الذين فرضت علينا طاعتهم، وأمرتنا بمودَّتهم وجعلتها أجر الرسالة الخاتمة وسمَّيتها بالحسنة وقلت: ومَنْ يقترف حسنةً نزد له فيها حُسناً إنَّ الله غفورٌ شكورٌ.

ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والديَّ وأن أعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريَّتي إنّي تبت إليك وإنّي من المسلمين.

الأميني

٢

بقّية شعراء الغدير

في القرن السّادس

٥٣

ألسيد محمد الاقساسي

ألمتوفّى ح ٥٧٥

وحقِّ عليٍّ خير مَن وطأ الثرى

وأفخر مَن بعد النبيِّ قد افتخرْ

خليفته حقّاً ووارث علمه

به شرّفت عدنان وافتخرت مضرْ

ومن قام في يوم « الغدير » بعضده

نبيُّ الهدى حقّاً فسائل به عمرْ

ومن كسر الأصنام لم يخش عارها

وقد طال ما صلّى لها عصبةٌ اُخرْ

وصهر رسول الله في ابنته التي

على فضلها قد أنزل الآي سورْ

أليِّة عبد حقِّ من لا يرى له

سوى حبِّه يوم القيامة مدَّخرْ

لأحزنني يوم الوداع وسرَّني

قدومك بالجلّى من الأمن والظفرْ

عارض الشاعر بهذه الأبيات بيتين لبعض العامَّة وهما:

وحقِّ إبي بكر الذي هو خير مَن

على الأرض بعد المصطفى سيِّد البشرْ

لقد أحدث التَّوديع عند وداعنا

لواعجه بين الجوانح تستعرْ(١)

( ألشاعر )

محمَّد بن علي بن فخر الدين أبي الحسين حمزة بن كمال الشرف أبي الحسن محمَّد ابن أبي القاسم الحسن الأديب إبن أبي جعفر محمَّد بن علي الزاهد إبن محمَّد الأصغر الأقساسي إبن يحيى بن الحسين ذي العبرة إبن زيد الشهيد بن الإمام عليِّ بن الحسين عليهما السَّلام.

( آل الأقساسي ) من أرفع البيوت العلويَّة لها أغصانٌ باسقةٌ موصولةٌ بالدوح

____________________

١ - الطليعة في شعراء الشيعة ٢ مخطوط.

٣

النبويِّ اليافع، بزغت بهم العراق عصوراً متطاولة، وإن كان منبعث غرسهم الزّاكي الكوفة من قرية كبيرة أو كورة يقال لها: أقساس مالك(١) وهم بين عالمٍ مُتبحِّر، و مُحدِّثٍ ثقة، ولغويٍّ متضلّع، وشاعرٍ متأنِّق، وأميرٍ ظافرٍ، ونقيب فاضلٍ وأوَّل من عرف بهذه النسبة السيِّد محمَّد الأصغر إبن يحيي. وأولاده تتشعَّب عدّة شعب منهم:

بنو جوذاب وهم: أولاد عليِّ محمَّد الأصغر. و

بنو الموضح أولاد أحمد بن محمّد الأصغر. و

بنو قرَّة العين أولاد أحمد بن عليِّ الزاهد بن محمَّد الأصغر. و

بنو صعوة أولاد أحمد بن محمَّد بن عليِّ الزاهد بن محمَّد الأصغر. ومن بني صعوة طاهر بن أحمد ذكره السمعاني في « الأنساب » فقال: طاهر بن أحمد بن محمَّد بن علي الأقساسي كان يُلقَّب بصعوة، وكان ديِّناً ثقةً يروي عن أبي الحسن بن محمَّد بن سليمان العربي العدوي عن حراش عن أنس بن مالك.

والأقساسيّون هم سلسلة المترجم. جدّه الأعلى أبو القاسم الحسن الأقساسي المعروف بالأديب إبن أبي جعفر محمَّد ترجمه إبن عساكر في « تاريخ الشام » ٤ ص ٢٤٧ فقال: إنَّه قدم دمشق وكان أديباً شاعراً دخل دمشق في المحرَّم سنة ٣٤٧ ونزل في الحرمين وكان شيخاً مهيباً نبيلاً حسن الوجه والشيبة، بصيراً بالشعر واللغة يقول الشعر، من أجود آل أبي طالب حظّاً، وأحسنهم خلقاً، وكان يُعرف بالأقساسي نسبة إلى موضوع نحو الكوفة.

وقال إبن الفوطي كما في المحكَي عن مجمع آدابه: سافر الكثير وكان قد تأدَّب وكتب مليحاً وله جماعةٌ من الأصحاب قرأت بخطِّه إلى إبن نباتة السعدي:

إنَّ العراق ولا أغشّك ثُلّةٌ

قد نام راعيها فأين الذيبُ

بنيانها الخراب وأهلها

سوط العذاب عليهمُ مصبوبُ

ملكوا وسامهم الدنيَّة معشرٌ

لا العقل راضهمُ ولا التهذيبُ

____________________

١ - معجم البلدان ١ ص ٣١٢: منسوبة الى مالك بن عبد هند بن نجم « بضم الاول وفتح الثاني » بن منعة بن برجان « الى آخر النسب » والقس: تتبع الشى وطلبه، وجمعه: أقساس فيجوز أن يكون مالك تطلب هذا الموضوع وتتبع عمارته فسمى بذلك.

٤

كلُّ الفضائل عندهم مهجورةٌ

والحرُّ فيهم كالسّماح غريبُ

وكمال الدين الشرف أبو الحسن(١) محمَّد بن أبي القاسم الحسن المذكور ولّاه الشريف علم الهدى [ المترجم في شعراء القرن الخامس ] نقابة الكوفة وإمارة الحاجِّ فحجَّ بالناس مراراً وتوفّي سنة ٤١٥ كما في كتب التاريخ(٢) ورثاه الشريف المرتضى بقوله(٣) :

عرفتُ ويا ليتني ما عرفت

فمرُّ الحياة لمن قد عرفْ

فها أنا ذا طول هذا الزَّمان

بين الجوى تارةً والأسفْ

فمن راحلٍ لا أياب له

وماضٍ وليس له من خلفْ

فلا الدَّهر يمتعني بالمقيم

ولا هو يرجع لي من سلفْ

أرونيَ إن كنتمُ تقدرون

من ليس يكرع كأس التلفْ؟

ومن ليس رهناً لداعي الحمام

إذا ما دعا باسمه أو هتفْ؟

وما الدَّهر إلّا الغرور الخدوع

فماذا الغرام به والكلفْ؟

وما هو إلّا كلمح البروق

وإلّا هبوبٌ خريفٌ عصفْ

ولم أر يوماً وإن ساءني

كيوم حمام « كمال الشرفْ »

كأنِّيَ بعد فراق له

وقطع لأسباب تلك الألفْ

أخو سفرٍ شاسعٍ ما لهُ

من الزّاد إلّا بقايا لطف

وعوَّضني بالرُّقاد السّهاد

وأبدلني بالضياء السّرفْ

فراقٌ وما بعده ملتقى

وصدٌّ وليس له منعطفْ

وعاتبت فيك صروف الزمان

ومن عاتب الدهر لم ينتصفْ

وقد خطف الموت كلَّ الرجال

ومثلك من بيننا ما خطفْ

وما كنتَ إلّا أبيّ الجنان

على الضيم محتمياً بالأنفْ

____________________

١ - كناه العلم الحجة السيد ابن طاووس في كتاب « اليقين » بأبي يعلى.

٢ - منتظم ابن الجوزي ٨ ص ١٩، كامل ابن الاثير ٩ ص ١٢٧، تاريخ ابن كثير ١٢ ص ١٨، مجالس المؤمنين ص ٢١١.

٣ - توجد القصيدة في ديوان الشريف المرتضى المخطوط. وذكر منها أبياتا ابن الجوزي في المنتظم ٨ ص ٢٠.

٥

خليّاً من العار صفر الأزار

مدى الدَّهر من دنس أو نطفْ

واُذري الدُّموع ويا قلّما

يردّ الفوائت دمعٌ ذرفْ

ومن أين ترنو إليك العيون

وأنت ببوغائها في سخفْ؟

فبن ما مللت وكم بائن

مضى موسعاً من قلى أو شنفْ

وسقِّي ضريحك بين القبور

من البرّ ما شئته واللطفْ

ولا زال من جانبيه النسيم

يعاوده والرياض الأنفْ

وصيّرك الله من قاطني

الجنان وسكّان تلك الغرفْ

تجاور آباءك الطاهرين

ويتَّبع السالفين الخلفْ

قال ابن الأثير في « الكامل » ٩ ص ١٢١: حجَّ بالناس أبو الحسن الأقساسي سنة ٤١٢ فلمّا بلغوا فيد حصرهم العرب فبذل لهم الناصحي(١) [ أبو محمَّد قاضي القضاة ] خمسة آلاف دينار فلم يقنعوا، وصمَّموا العزم على أخذ الحاجِّ وكان مقدّمهم رجلا يُقال له حمار بن عُدي [بضمّ العين ] من بني نبهان فركب فرسه وعليه درعه وسلاحه وجال جولة يرهب بها، وكان من سمرقند شابُّ يوصف بجودة الرمي، فرماه بسهم فقتله وتفرَّق أصحابه وسلم الحاجّ فحجّوا وعادوا سالمين.

وقال في ص ١٢٧: في هذه السنة « يعني ٤١٥ » عاد الحجّاج من مكّة إلى العراق على الشّام لصعوبة الطريق المعتاد، وكانوا لما وصلوا إلى مكّة بذل لهم الظاهر العلوي صاحب مصر أموالاً جليلة، وخلعاً نفيسةً، وتكلّف شيئاً كثيراً وأعطى لكلّ رجل في الصحبة جملةً من المال ليظهر لأهل خراسان ذلك، وكان على تسيير الحاجِّ الشريف أبو الحسن الأقساسي، وعلى حجّاج خراسان « حسنك » نايب يمين الدولة إبن سبكتكين فعظم ما جرى على الخليفة القادر بالله وعبر [ حسنك ] دجلة وسارْ إلى خراسان، وتهدَّد القادر بالله إبن الأقساسي فمرض ومات ورثاه المرتضى وغيره.

لكمال الشرف شرح قصيدة السَّلامي(٢) التي أوَّلها:

____________________

١ - من بيوتات نيسابور العلمية تنتمى الى ناصح بن طلحة بن جعفر بن يحيى، ذكر السمعانى جمعا من رجالها في « الانساب » فى حرف النون.

٢ - محمد بن عبد الله المخزومى من أولاد الوليد بن المغيرة كان من مقدمي شعراء العراق ولد ٣٣٦ وتوفى ٣٩٣، ترجمه الثعالبى، وابن الجوزى فى المنتظم، وابن خلكان فى تاريخه.

٦

سلامٌ على زمزم والصفا

...........................

ينقل عنه سيّدنا الحجّة السيّد ابن طاوس في كتاب « اليقين » في الباب الخامس والخمسين بعد المائة، والباب الذي بعده.

م - وقال إبن الجوزي في « المنتظم » ٨ ص ١٩: ولأبي الحسن الأقساسي شعرٌ مليحٌ ومنه قوله في غلام اسمه بدر:

يا بدر وجهك بدرُ

وغنج عينيك سحرُ

وماء خدَّيك وردٌ

وماء ثغرك خمرُ

اُمرت عنك بصبرٍ

وليس لي عنك صبرُ

تأمرني بالتسلّي

ما لي من الشوق أمرُ]

وجدُّ المترجم فخر الدّين أبو الحسين حمزة بن كمال الشرف محمَّد ذكره النَّسابة العمري في « المجدي » وقال: هو نقيب الكوفة كان صديقي ذا فضلٍ وحلمٍ ورياسة ومواساة.

ولفخر الدين هذا أخٌ يُسمّى أبو محمّد يحيى ذكره السمعاني في « الأنساب » وقال: كان ثقةً نبيلاً سمع أبا عبد الله محمّد بن عبد الله القاضي الجعفري، روى لنا عنه أبو القاسم إسماعيل بن أحمد السمرقندي(١) وأبو الفضل محمّد بن عمر الأرموي(٢) ببغداد وأبو البركات عمر بن إبراهيم الحسني(٣) بالكوفة، وكانت ولادته في شوّال سنة خمس وتسعين وثلثمائة وتوف ّ ي سنة نيف وسبعين وأربعمائة.وذكره الحموي في معجم البلدان ج ١ ص ٣١٢.

وأمّا شاعرنا المعنيُّ بالترجمة فذكره إبن الأثير في كامله ١١ ص ١٧٤ وقال: وفيها [ يعني سنة ٥٧٥ ] توفّي محمّد بن علي بن حمزة الأقساسي نقيب العلويّين بالكوفة وكان ينشد كثيرا:

رُبَّ قوم في خلائقهم

غَررٌ قد صيّروا غُررا

____________________

١ - كان مكثراً من الحديث عالى الرواية ولد بدمشق ٤٥٤ وتوفى ٥٣٦.

٢ - الارموى من اهل « ارمية » احدى بلاد آذربايجان سكن بغداد وتخرجها عليه كثير من اعلامها، ولد ٤٥٧ وتوفى ٥٤٧.

٣ - مفتى الكوفة كان مشاركا فى العلوم ولد سنة ٤٤٢ وتوفى ٥٣٩ وصلى عليه ثلاثون ألفاً. حسيني النسب من ذرية زيد الشهيد.

٧

ستَرَ المال القبيح لهم

سترى إن زال ما سترا

وله أخوه علم الدين أبو محمّد الحسن النقيب الطاهر إبن عليّ بن حمزة وُلِدَ في الكوفة ونشأ بها توفّي ٥٩٣، ذكره إبن كثير في « البداية والنهاية » ١٣ ص ١٦ فقال: كان شاعراً مطبقاً، إمتدح الخلفاء والوزراء، وهو من بيت مشهور بالأدب والرياسة والمروءة، قدم بغداد فامتدح المقتفي والمستنجد وابنه المستضئ وابنه الناصر فوّلاه [ الناصر ] النقابة، وكان شيخاً مهيباً جاوز الثمانين، وقد أورد له إبن الساعي قصائد كثيرة منها:

إصبر على كيد الزَّما

ن فما يدوم على طريقه

سبق القضاء فكن به

راضٍ ولا تطلب حقيقة

كم قد تغلّب مرَّة

وأراك من سعة وضيقه

ما زال في أولاده

يجري على هذه الطريقة

وترجمه سيّدنا القاضي المرعشي في [ مجالس المؤمنين ] ص ٢١١، وقال: الميرزا في [ رياض العلماء ] كان من أجلّة السادات والشرفاء والعلماء والاُدباء والشعراء بالكوفة، يروي عنه الشيخ عليّ بن عليّ بن نما وهو من مشايخ أصحابنا.

ولعلم الدين مقرّظاً كتاب « الإفصاح عن شرح معاني الصحاح »(١) كما في « تجارب السلف » لابن سنجر ص ٣١٠ قوله:

ملكٌ ملكه الفصاحة حتّى

ماله في اقتنائها من ملاحِ

وأبان البيان حتّى لقد

أخرس بالنطق كلَّ ذي إفصاحِ

وجلا كلِّ غامضٍ من معانٍ

حملتها لنا متون الصّحاحِ

في كتابٍ وحقّه ما رعاهُ

قبله ذو هدىً ولا إصلاحِ

وخلف علم الدين ولده قطب الدين أبا عبد الله الحسين نقيب نقباء العلويِّين في بغداد، وكان عالماً شاعراً مطَّلعاً على السير والتواريخ قلّد النقابة بعد عزل قوام الدين « أبي علي الحسن بن معد المتوفّى ٦٣٦ » عن النقابة سنة ٦٢٤.

____________________

١ - تأليف عون الدين يحيى بن هبيرة المتوفى ٥٥٥ وهو يشتمل على تسعة عشر كتاباً. راجع تاريخ ابن خلكان ٢ ص ٣٩٤.

٨

وفي الحوادث الجامعة ص ٢٢٠: توفّي فيها « يعني سنة ٦٤٥ » النقيب قطب الدين أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن علي المعروف بابن الأقساسي العلوي ببغداد، وكان أديباً فاضلاً يقول شعراً جيِّداً، بدرت منه كلمة في أيّام الخليفة الناصر على وجه التصحيف وهي: - أردنا خليفة جديد - فبلغت الناصر فقال: لا يكفي حلقة لكن حلقتين، وأمر بتقييده وحمله إلى الكوفة فحُمِلَ وسُجِنَ فيها فلم يزل محبوساً إلى أن استخلف الظاهر « سنة ٦٢٣ » فأمر باطلاقه، فلمّا استخلف المستنصر بالله « ٦٢٤ » رفق عليه فقرَّبه وأدناه ورتَّبه نقيباً وجعله من ندمائه، وكان ظريفاً خليعاً طيِّب الفكاهة حاضر الجواب.

وصل الملك الناصر ناصر الدّين داود بن عيسى في المحرَّم سنة ٦٣٣ إلى بغداد واجتاز بالحلَّة السيفيّة وبها الأمير شرف الدّين علي، ثمَّ توجَّه منها إلى بغداد فخرج إلى لقائه النقيب الطاهر قطب الدّين أبو عبد الله الحسين إبن الأقساسي، وفي سلخ ربيع الأوَّل من السنة المذكورة وصل الأمير ركن الدّين إسماعيل صاحب الموصل إلى بغداد وخرج إلى لقائه النقيب الحسين بن الأقساسي وخادمان من خدم الخليفة.

قصد الخليفة المستنصر بالله سنة ٦٣٤ مشهد الامام موسى بن جعفر عليهما السَّلام في ثالث رجب فلمّا عاد أبرز ثلاثة آلاف دينار إلى أبي عبد الله بن الحسين الأقساسي نقيب الطالبيِّين وأمره أن يفرِّقها على العلويِّين المقيمين في مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والحسين وموسى بن جعفر عليهم السَّلام(١) .

حضر في سنة ٦٣٧(٢) ألأمير سليمان بن نظام الملك متولّي المدرسة النظاميّة مجلس أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي بباب بدر، فتاب وتواجد وخرق ثيابه و كشف رأسه، وقام وأشهد الواعظ والجماعة على انَّه قد أعتق جميع ما يملكه من رقيق، ووقف أملاكه، وخرج ما يملكه، فكتب إليه النقيب الطاهر أبو عبد الله الحسين إبن الأقساسي أبياتاً طويلةَ يقول فيها(٣) :

يا ابن نظام الملك يا خير مَن

تاب ومَن لاقى به الزهدُ

____________________

١ - الحوادث الجامعة ٧٧ - ٧٩ ملخصا:

٢ - الحوادث الجامعة ص ٩٥.

٣ - الحوادث الجامعة ص ١٢٤.

٩

يا ابن وزير الدولتين الذي

يروح للمجد كما يغدو

يا بن الذي أنشأ من ماله

مدرسة طالعها سعدُ

قد سرَّني زهدك عن كلِّ ما

يرغب فيه الحرُّ والعبدُ

بان لك الحقُّ وأبصرت ما

أعيننا عن مثله رُمدُ

وقلت للدنيا: إليك ارجعي

ما عن نزوعي عنك لي بُدُّ

ما لذَّلي بعدك حتى استوى

في فيّ منك الصّاب والشهدُ

شيمتك الغدر كما شيمتي

حسن الوفاء المحض والودُّ

إلى أن قال:

لا يقصد الناس إلى دورهم

لكن إلى منزلك القصدُ

وخدمة الناس لها حرمة

وكان ما تفعله يبدو

والناس قد كانوا رقوداً وقد

أيقظتهم فانتبه الضدُّ

وقسّمت فيك ظنون الورى

وكلّهم للقول يعتدُّ

فبعضهم قال: يدوم الفتى

وبعضهم قد قال: يرتدُّ

وقد أتى تشرين وهو الذي

إليه عين العيش تمتدُّ

ما يسكن البيت وقد جاءه

إلّا مريضٌ مسَّه الجهدُ

وكلّ ما يفعله حيلة

منه ونصب ما له حدُّ

فقلت: لا والله ما رأيه

هذا ولا فيكم له ندُّ

وإنَّما هذا سليمان قد

صفا له في زهده الوردُ

مثل سليمان الذي أعرضت

يوماً عليه الضمّر الجردُ

فعاف أن يدخلها قلبه

والهزل لا يشبهه الجدُّ

ويقول فيها:

ليهنك الرشد إلى كلِّ ما

يضلُّ عنه الجاهل الوغدُ(١)

أسقطت من جيش أبي مرَّة

وأكثر الناس له جندُ

وقمت لِلَّه بما يرتجى

بمثله الجنَّة والخلدُ

____________________

١ - أبو مرة كنية لابليس.

١٠

فاصبر فما يدرك غايات ما

يطلب إلّا الحازم الجلدُ

وفي سنة ٦٤٣(١) تقدَّم الخليفة [ المستعصم أبو أحمد عبد الله ] بارسال طيور من الحمام إلى أربع جهات لتصنيف أربعة أصناف منها مشهد حذيفة بن اليمان بالمداين، ومشهد العسكري بسرَّ من رأى، ومشهد غني بالكوفة، والقادسيَّة، ونفذ مع كلِّ عدَّة من الطيور عدلان ووكيلاً، وكُتب بذلك سجلُّ شهد فيه العدول على القاضي بثبوته عنده، وسمِّيت هذه الأصناف باليمانيّات. والعسكريّات. والغنويّات. و القادسيّات. ونظم النقيب الطاهر قطب الدين الحسين بن الأقساسي في ذلك أبياتاً و عرضها على الخليفة أوَّلها:

خليفة الله يا من سيف عزمته

موكّلٌ بصروف الدَّهر يصرفها

ويقول فيها:

إنَّ الحمام التي صنَّفتها شرفت

على الحمام التي من قبل نعرفها

والقادسيّات أطيارٌ مقدَّسةٌ

إذ أنت يا مالك الدنيا مصنِّفها

وبعدها غنويّاتٌ تنال بها

غنى الحياة وما يهوي مؤلِّفها

والعسكريّات أطيارٌ مشرَّفةٌ

وليس غيرك في الدنيا يشرِّفها

ثمَّ الحمام اليمانيّات ما جعلت

إلّا سيوفاً على الأعداء ترهفها

لا زلت مستعصماً بالله في نعمٍ

يهدي لمجدك أسناها وألطفها

ثمَّ سأل أن يقبض منها من يد الخليفة فأجاب سؤاله وأحضره بين يديه وقبضه فلمّا عاد إلى داره نظم أبياتاً أوَّلها:

إمام الهدى أوليتني منك أنعماً

رددن عليَّ العيش فينان أخضرا

وأحضرتني في حضرة القدس ناظراً

إلى خير خلق الله نفساً وعنصراً

وعلّيت قدري بالحمام وقبضها

مناولة من كفِّ أبلج أزهرا

رفعت بها ذكري وأعليت منصبي

فحزت بها عزّاً ومجداً على الورى

حمامٌ إذا خفت الحمام ذكرتها

فصرت بذاك الذكر منها معمّرا

ويقول في آخرها:

____________________

١ - الحوادث الجامعة ٢٠٣.

١١

قضى الله أن يبقى إماماً معظَّماً

مدى الدهر ما لاح الصَّباح وأسفرا

فدم يا أمير المؤمنين مخلّداً

على الملك منصور الجيوش مظفّرا

في المحرَّم من سنة ٦٣٠(١) قلّد العدل مجد الدين أبو القاسم هبة الدين بن المنصوري الخطيب نقابة نقباء العبّاسيّين والصَّلاة والخطابة، وخلع عليه قميص أطلس بطراز مذهَّباً ودرّاعة خاراً أسود، وعمامة ثوب خاراً أسود مذهَّب بغير ذوابة، وطيلسان قصب كحلي، وسيف محلّى بالذهب، وامتطى فرساً بمركب ذهباً وقرئ بعض عهده في دار الوزارة وسلّم إليه، وركب في جماعة إلى دار أنعم عليه بسكناها في المطبق من دار الخلافة وأنعم عليه بخمسمائة دينار، وهو من أعيان عدول مدينة السَّلام وأفاضل أرباب الطريقة المتكلّمين بلسان أهل الحقيقة، كان يصحب الفقراء دائماً ويأخذ نفسه بالرّياضة والسّياحة والصوم الدّائم والتخشّن والتباعد من العالم، وكان الموفّق عبد الغافر ابن الفوطي من جملة تلامذته فعمل فيه أبياتاً طويلة، ولما انتهى حالها إلى الديوان أنكر ذلك عليه ووكّل به أيّاماً ولم يخرج إلّا بشفاعته وأوَّل الأبيات:

ناديتُ شيخي من شدَّة الحربِ

وشيخنا في الحرير والذهبِ

في دسته جالساً ببسملةٍ

بين يديه مَن قام في أدبِ

وركبة منه كنت أعهده

يذمّ أربابها على الرُّتبِ

وكان أبناؤها لديه على

سخطٍ من الله شامل الغضبِ

أصاب في الرأي من دعاك لها

وأنت لما أجبت لم تسبِ

أوَّل صوت دعاك عن عرض

لبّيته مقبلاً على السببِ

ويقول فيها:

قد كنتَ ذاك الّذي تظنُّ به

لو لم تكن مسرعاً إلى الرُّتبِ

شيخي أين الّذي يُعلّمنا الز

هد ويعتدُّه من القربِ؟

أين الّذي لم يزلْ يُسلِّكنا

إلى خروج عن كلِّ مكتسبِ؟

أين الّذي لم يزلْ يعرِّفنا

فضل التمري بالجوع والتّعب؟

ومنها:

____________________

١ - الحوادث الجامعة ص ٣٨.

١٢

أين الَّذي لم يزلْ يُرغِّبنا

في الصّوف لبساًله وفي الجشبِ؟

وأين من غرَّنا بزخرفةٍ

متى اعتقدناه زاهد العربِ؟

وأين ذاك التجريد يشعرنا

إنَّ سواه في السعي لم يخبِ؟

وأين من لم يزل يذمُّ لنا

الدنيا وقول المحال والكذبِ؟

وأين من لم يزل بأدمعه

يخدعنا باكياً على الخشبِ؟

وأين من كان في مواعظه

يصول زجراً عن كلِّ مجتنبِ؟

ويقطع القول لا يتمّمه

منغلباً بالسّماع والطربِ؟

ويقسم الغمر انَّه رجلٌ

ليس له في الوجود من أربِ

لو كانت الأرض كلّها ذهباً

أعرض عنها إعراض مكتئبِ

أسفر ذاك الناموس مختيلاً

عن راغبٍ في التراث مُستلبِ

وكان ذاك الصراخ يزعجنا

شكوى فقير على الدنا وصبِ

شيخي بعد الذمّ الصريح لما

أبيته جئته على طلبِ

نسيتَ ما قلته على ورعٍ

عنّي لما اكتسبت بالدأبِ

ويلٌ له إن يمت بخدمته

يمتْ كفوراً وليس بالعجبِ

ما كان مال السلطان مكتسباً

لمسلم سالمٍ من العطبِ(١)

فكتب النقيب قطب الدين الحسين بن الأقساسي إلى النقيب مجد الدين المذكور أبياتاً كالمعتذر عنه والمسلّي له يقول في أوّلها:

إنَّ صاحب النبيّ كلّهمُ

غير عليّ وآله النّجبِ

مالوا إلى الملك بعد زهدهمُ

واضطربوا بعده على الرتبِ

وكلّهم كان زاهداً ورعاً

مشجِّعاً في الكلام والخطبِ

فأخذ عليه مآخذ فيما يرجع إلى ذكر الصحابة والتابعين وتصدّى له جماعة وعملوا قصايد في الردّ عليه، وبالغوا في التشنيع عليه، حتّى انَّ قوماً استفتوا عليه الفقهاء ونسبوه إلى أنَّه طعن في الصحابة والتابعين ونسبهم إلى قلّة الدين فأفتاهم الفقهاء بموجب ما صدرت به الفتيا.

____________________

١ - بعد هذا البيت أربعة عشر بيتاً ضربنا عنها صفحاً.

١٣

وقال ابن أبي الحديد في شرح « نهج البلاغة » ج ٢ ص ٤٥: سألت بعض من أثق به من عقلاء شيوخ أهل الكوفة عمّا ذكره الخطيب أبو بكر في تاريخه [ ج ١ ص ١٣٨ ] إنَّ قوماً يقولون: إنَّ هذا القبر الذي تزوره الشيعة إلى جانب الغريِّ هو قبر المغيرة بن شعبة؟! فقال: غلطوا في ذلك قبر المغيرة وقبر زياد بالثويَّة من أرض الكوفة ونحن نعرفهما وننقل ذلك عن آبائنا وأجدادنا وأنشدني قول الشاعر يرثي زياداً وقد ذكره أبو تمام في الحماسة.

صلّى الإ~له على قبر وطهَّره

عند الثويَّة يسفي فوقه المورُ(١)

زفت اليه قريش نعش سيِّدها

فالحلم والجود فيه اليوم مقبورُ

أبا المغيرة والدنيا مفجِّعة

وانَّ من غرَّه الدنيا لمغرورُ إلخ

وسألت قطب الدين نقيب الطالبيِّين أبا عبد الله الحسين بن الأقساسي رحمه الله تعالى عن ذلك فقال: صدق من أخبرك، نحن وأهلها كافَّة نعرف مقابر ثقيف إلى الثويَّة وهي إلى اليوم معروفةٌ وقبر المغيرة فيها إلّا أنَّها لا تعرف قد ابتلعها السبخ وزبد الأرض وفورانها فطمست واختلط بعضها ببعض، ثمَّ قال: إن شئت أن تتحقَّق أنَّ قبر المغيرة في مقابر ثقيف فانظر إلى كتاب « الأغاني » لأبي الفرج علي بن الحسين، والمح ما قاله في ترجمة المغيرة وأنَّه مدفونٌ في مقابر ثقيف، ويكفيك قول أبي الفرج فإنَّه الناقد البصير والطبيب الخبير فتصفَّحت ترجمة المغيرة في الكتاب المذكور فوجدت الأمر كما قاله النقيب.

توجد ترجمة قطب الدين الأقساسي في تاريخ إبن كثير ١٣ ص ١٧٣، قد أثنى عليه وقال: أورد له إبن السّاعي أشعاراً كثيرة رحمه الله.

أفرد العلّامة سيّدنا المرعشي في [ مجالس المؤمنين ] ص ٢١٢ ترجمة باسم عزِّ الدين بن الأقساسي وقال: إنَّه من أشراف الكوفة ونقبائها، كان فاضلاً أديباً، له في قرض الشعر يدٌ غير قصيرة، روي أنَّ الخليفة المستنصر العباسي خرج يوماً إلى زيارة قبر سلمان الفارسي سلام الله عليه ومعه السيّد المذكور إبن الأقساسي فقال له الخليفة في الطريق: إنَّ من الأكاذيب ما يرويه غلاة الشيعة من محبيء علي بن أبي طالبعليه‌السلام

____________________

١ - المور: التراب تثيره الريح.

١٤

من المدينة إلى المداين لما توفي سلمان وتغسيله إيّاه ومراجعته في ليلته إلى المدينة فأجابه ابن الأقساسي بالبديهة بقوله:

أنكرتَ ليلة إذ صار الوصيُّ إلى

أرض المداين لما أن لها طلبا

وغسَّل الطّهر سلماناً وعاد إلى

عراص يثرب والاصباح ما وجبا

وقلتَ: ذلك من قول الغلاة وما

ذنب الغلاة إذا لم يوردوا كذبا؟

فآصف قبل ردِّ الطرف من سبأ

بعرش بلقيس وافى يخرق الحجبا

فأنت في آصف لم تغل فيه بلى

في ( حيدر ) أنا غال انَّ ذا عجبا

إن كان أحمد خير المرسلين؟ فذا

خير الوصيِّين أو كلّ الحديث هبا

هذه الأبيات ذكرها العلّامة السماوي في [ الطليعة ] ونسبها إلى شاعرنا في الغدير السيِّد محمد الأقساسي، وحسب انَّه هو صاحب المستنصر، ذاهلاً عن تاريخي ولادة المستنصر ووفاة السيّد صاحب الغديريَّة فإنّ السيِّد توفّي كما مرَّ سنة ٥٧٥، والخليفة المستنصر ولد سنة ٥٨٩ بعد وفاة السيّد بأربعة عشر سنة واستخلف في سنة ٦٢٤.

وجعل العلّامة السيّد الأمين في « اعيان الشيعة » في الجزء الحادي والعشرين ص ٢٣٣ ترجمة تحت عنوان أبي محمّد عزّ الدين الحسن بن حمزة الأقساسي وذكر القصَّة والأبيات له ولم يعلم هو من أين نقله، والحسن بن حمزة يكون عمّ شاعرنا فيتقدَّم على المستنصر بأكثر من صاحب الغديريَّة.

وذكر إبن شهر اشوب في « المناقب » ١ ص ٤٤٩ هذه الأبيات بتغيير يسير و زيادة ونسبها إلى أبي الفضل التميمي(١) وإليك لفظها.

سمعت منّي يسيراً من عجائبه

وكلُّ أمر ( عليٍّ ) لم يزل عجبا

أدريت في ليلة سار الوصيُّ إلى

أرض المداين لما أن لها طلبا

فألحد الطّهر ( سلماناً ) وعاد إلى

عراص يثرب والاصباح ما قربا

كآصف قبل ردِّ الطرف من سبأ

بعرش بلقيس وافى تخرق الحجبا

فكيف في آصف لم تغل أنت؟ بلى

بحيدر أنا غالٍ أورد الكذبا

إن كان أحمد خير المرسلين؟ فذا

خير الوصيِّين أو كلُّ الحديث هبا

____________________

١ - أحد شعراء أهل البيت.

١٥

وقلت ما قلت من قول الغلاة فما

ذنب الغلاة إذا قالوا الذي وجبا؟

فرواية إبن شهر اشوب هذه الأبيات تثبت عدم كونها من نظم السيِّد قطب الدين الأقساسي ايضاً إذ ابن شهر اشوب توفي سنة ٥٨٨ قبل ولادة المستنصر بسنة، وقبل وفاة السيِّد القطب بسبع وخمسين سنة، ولعلّها لأبي الفضل التميمي أو لغيره من أسلاف آل الأقساسي الأوّلين، وأنشدها قطب الدين للمستنصر.

لفت نظر

يبلغني من وراء حجب البغضاء والإحن تكذيب هذه المكرمة الباهرة لمولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام وعزوها إلى الغلوّ مستنداً إلى إحالة طيّ هذه المسافة البعيدة في هذا الوقت اليسير، ولو عقل المسكين انَّ هاتيك الإحالة على فرضها عاديَّة لا عقليَّة، وإلّا لما صحَّ حديث المعراج [ ولم يكن إلّا جسمانيّاً ] المتواتر المعدود من ضروريّات الدين.

ولا صحَّت قصَّة آصف بن برخيا المحكيَّة في القرآن الكريم، ولما تمكّن عفريتٌ من الجنّ من أن يأتي بعرش بلقيس قبل أن يقوم سليمان من مقامه، ولم يرده سليمان ولا الذكر الحكيم، غير أنَّ سليمان أراد ذلك بأسرع منه، وشمول القدرة الإ~لهيَّة على التسيير الحثيث والبطئ شرع سواء، كما أنَّها بالنسبة إلى كليَّة الاُمور الصعبة والسهلة كذلك، فقد يكرَّم الله الوليّ المقرَّب بأقداره على أشياء لم يقدر عليه من هو دونه، وقد خلق الله النّاس أطواراً، فتراهم متفاوتين في القُدَر، فيقوى هذا على ما لا يقوى عليه ذاك، وليس لقدرة الله سبحانه حدُّ محدود، ومن هنا وهناك اختلفت عاديّات الموجودات في شؤونها وأطوارها، فالمسافة التي يطويها الفارس في أمد محدود، غير ما يطويه الراجل، وللسيّارات البخاريّة عدوٌ مُربٍ على الجميع، وإنَّك تستصغر ذلك العدو إذا قسته بالطائرات الجويَّة لأنَّك تجدها تطوي في خمس ساعات مثلاً ما تطويه الناس في خمسة أشهر.

وهذه طيَّارة مستكشفة بريحيَّة ١٩ تحرّكت من باريك في صباح ٢٤ ابريل سنة ١٩٢٤ فوصل في المساء إلى بخارست بعد أن قطع ١٢٥٠ ميلاً في ١١ ساعة، وفي اليوم التالي أضاف إليها ٧٧٠ ميلاً اُخرى، ولم تمض عليه خمسة أيّام حتّى كان قد وصل إلى الهند، وقطع مسافة قدرها ٣٧٣٠ ميلاً، وقد وصلت سرعة الطيّارات إلى ما فوق

_١_

١٦

١٥٠ ميلاً في الساعة الواحدة، وتحارب البعض منها في ارتفاع بلغ ٢٢٠٠٠ قدماً(١)

ومن الممكن أن يكشف لنا العلم في مستقبله ما هو أسرع سيراً من هاتيك كلّها.

إذن فأيّ وازع من أن يكون من عاديّات الوليّ مهما أراد التمكّن من أمثال هذا السير؟! وما ذلك على الله بعزيز. على أنَّا لا نساوي مولانا أمير المؤمنين ومَن جرى مجراه من أئمَّة الهدى عليهم السَّلام بغيرهم من أفراد الرعيّة، ولا بأحدٍ من أولياء الله المقرّبين ولا بأحد من حملة العلم والمكتشفين، فنجوِّز فيهم صدور المعجز متى اقتضته المصلحة، بل: هو من واجب مقامهم.

وإن تعجبْ فعجبٌ أنَّ فئتاً ممَّن ران على قلوبهم ما كانوا يعملون تحاول دحض هذه المكرمة في مولانا أمير المؤمنين وهم يخضعون لمثلها في غيره ممَّن هو دونه من دون أيّ غمز ونكير.

١ - روى الحافظ إبن عساكر في تاريخه ٤ ص ٣٣ عن السرّي بن يحيى قال: كان حبيب بن محمَّد العجمي البصري يُرى يوم التروية بالبصرة ويوم عرفة بعرفات.

٢ - قال الحافظ إبن كثير في تاريخه ١٣ ص ٩٤: ذكروا انَّ الشيخ عبد الله اليونيني المتوفّى ٦١٧ كان يحجُّ في بعض السنين في الهواء، وقد وقع هذا لطائفة كبيرة من الزهَّاد وصالحي العباد ولم يبلغنا هذا عن أحد من أكابر العلماء وأوَّل من يذكر عنه هذا: حبيب العجمي، وكان من أصحاب الحسن البصري ثمَّ من بعده من الصّالحين.

٣ - كان أحمد بن محمَّد أبو بكر الغسّاني الصيداوي المتوفّى ٣٧١ ينام بعد ما صلّى العصر إلى ما قبل صلاة المغرب، فجاءه رجلٌ ذات يوم يزوره بعد العصر فغفل فتحدّث معه وترك عادة النوم فلمَّا انصرف سأله الخادم عنه فقال: هذا عريف الأبدال يزورني في السنة مرة. قال: فلم أزل أرصده إلى مثل ذلك الوقت حتّى جاء الرَّجل فوقفت حتّى فرغ من حديثه ثمّ سأله الشيخ أين تريد؟ فقال: أزور أبا محمّد الضرير في مغار، قال الخادم: فسألته أن يأخذني معه فقال: بسم الله، فمضيت معه فخرجنا حتّى صرنا عند قناطر الماء فأذَّن المؤذِّن المغرب قال: ثمَّ أخذ بيدي وقال: قل: بسم الله، قال:

____________________

١ - بسائط الطيران ص ٨٢، ١١٨.

١٧

فمشينا دون العشر خطأ فإذا نحن عند المغارة وهي مسير إلى ما بعد الظهر قال: فسلّمنا على الشيخ وصلّينا عنده وتحدّثنا عنده فلمّا ذهب ثلث الليل قال لي: تحبُّ أن تجلس ههنا أو ترجع إلى بيتك؟ فقلتُ: أرجع فأخذ بيدي وسمّى ببسم الله ومشينا نحو العشر خطأ فإذا نحن على باب صيدا فتكلَّم بشئ فانفتح الباب ودخلت ثمَّ عاد الباب.

[ تاريخ إبن عساكر ١ ص ٤٤٣ ]

٤ - كان ببغداد رجلٌ من التجّار قال: إنّي صلّيت يوماً الجمعة وخرجت فرأيت بشر الحافي يخرج من المسجد مسرعاً فقلت في نفسي: انظر إلى هذا الرَّجل الموصوف بالزهد لا يستقرُّ في المسجد ثمَّ إنَّني اتبعته فرأيته تقدَّم إلى الخبّاز واشترى بدرهم خبزاً فقلت: انظر إلى الرَّجل يشتري خبزاً، ثم اشترى شواء بدرهم فازددت عليه غيظاً، ثمَّ تقدَّم إلى الحلوائى فاشترى فالوذجاً فقلت: والله لا أتركه حتى يجلس ويأكل ثمّ إنه خرج إلى الصَّحراء فقلت: إنّه يريد الخضرة، فما زال يمشي إلى العصر وأنا أمشي خلفه، فدخل قرية وفي القرية مسجدٌ وفيه رجلٌ مريض فجلس عند رأسه وجعل يلقّمه فقمت لأنظر في القرية وبقيت ساعة ثمّ رجعت فقلت للعليل: اين بشر؟ فقال: ذهب إلى بغداد، فقلت: كم بيني وبين بغداد؟ قال: أربعون فرسخاً، فقلت. إنّا لِلَّه و إنّا إليه راجعون، أيش عملت في نفسي؟ وليس معي ما أكتري ولا أقدر على المشي، فقال لي: اجلس حتى يرجع فجلست إلى الجمعة القابلة فجاء بشر في ذلك الوقت ومعه شئ فأعطاه إلى المريض فأكله فقال له العليل: يا أبا نصر هذا الرَّجل صحبك من بغداد وبقي عندي منذ الجمعة فردّه إلى موضعه، فنظر إليَّ كالمغضب وقال: لِمَ صحبتني؟ فقلت: أخطأت، فقال: قم فامش فمشيت معه إلى قرب المغرب فلمّا قربنا قال: أين محلّتك من بغداد؟ فقلت: في موضع كذا قال: إذهب ولا تعد. [ تاريخ ابن عساكر ٣ ص ٢٣٦ ].

٥ - قال الشيخ الجليل أبو الحسن علي: كنت يوماً جالساً عند باب خلوة خالي الشيخ أحمد [ الرفاعي المتوفّى ٥٨٧ ] رضي الله عنه وليس فيها غيره وسمعت عنده حسّاً فنظرت فإذا عنده رجلٌ ما رأيته قبل فتحدَّثا طويلاً ثمّ خرج الرجل من كوَّة في حائط الخلوةِ ومرَّ في الهوى كالبرق الخاطف فدخلت على خالي وقلت له: من الرَّجل؟ فقال: أوَ رأيته؟ قلت: نعم، قال: هو الرَّجل الذي يحفظ الله به قطر البحر المحيط، وهو أحد

١٨

الأربعة الخواصّ، إلّا أنّه هجر منذ ثلاث وهو لا يعلم، فقلت له: يا سيِّدي ما سبب هجره؟ قال: إنّه مقيمٌ بجزيرة في البحر المحيط، ومنذ ثلاث ليالي أمطرت جزيرته حتّى سالت أوديتها، فخطر في نفسه: لو كان هذا المطر في العمران. ثمّ استغفر الله تعالى، فهجر بسبب اعتراضه، فقلت له: أعلمته؟ قال: لا إنِّي استحييت منه، فقلت له لو أذنتَ لي لأعلمته، فقال: أوَ تفعل ذلك؟ قلت: نعم، فقال: رنق فرنقت ثمّ سمعت صوتاً: يا عليُّ ارفع رأسك. فرفعت راسي من رنقي فإذا أنا بجزيرة في البحر المحيط فتحيَّرت في أمري وقمت أمشي فيها فإذا ذلك الرَّجل فسلّمت عليه وأخبرته، فقال ناشدتك الله إلّا فعلت ما أقول لك، قلت: نعم. قال. ضع خرقتي في عنقي واسحبني على وجهي وناد عليّ: هذا جزاء من تعرَّض على الله سبحانه. قال فوضعت الخرقة في عنقه وهممت بسحبه وإذا هاتف يقول: يا علي دعه فقد ضجَّت عليه ملائكة السَّماء باكية عليه وسائلةً فيه وقد رضي الله عنه. قال: فأغمي عليَّ ساعة ثمّ سرى عنّي وإذا أنا بين يدي خالي في خلوته والله ما أدري كيف ذهبت ولا كيف جئت.[ مرآة الجنان ٣ ص ٤١١ ].

٦ - حكى الشيخ الصالح غانم بن يعلى التكريتي قال: سافرت مرّة من اليمن في البحر المالح فلمّا توسَّطنا بحر الهند وغلب علينا الريح أخذتنا الأمواج من كلّ جانب وانكسرت بنا السفينة فنجوت على لوح منها فألقاني إلى جزيرة فطفت فيها فلم أر فيها أحداً وإذا هي كثيرة الخيرات رأيت فيها مسجداً فدخلته، فإذا فيه أربعة نفر فسلّمت عليهم، فردّوا عليَّ السَّلام، وسألوني عن قصَّتي فأخبرتهم، وجلست عندهم بقيَّة يومي ذلك، فرأيت من توجّههم وحسن إقبالهم على الله تعالى أمراً عظيما، فلمّا كان وقت العشاء دخل الشيخ حيوة الحراني، فقاموا يبادرون إلى السَّلام عليه، فتقدَّم وصلّى بهم العشاء، ثمّ استرسلوا في الصَّلاة إلى طلوع الفجر، فسمعت الشيخ حيوة يناجي ويقول: إ~لهي لا أجد لي في سواك مطمعاً [ إلى آخر الدعاء ] ثمّ قال: بكى بكاءً شديداً، ورأيت الأنوار قد حفّت بهم، وأضاء ذلك المكان كإضاءة القمر ليلة البدر ثمّ خرج الشيخ حيوة من المسجد وهو يقول:

سير المحب إلى المحبوب إعجالُ

والقلب فيه من الأحوال بلبالُ

أطوي المحانة من قفر على قدم

إليك يدفعني سهلٌ وأجبالُ

١٩

فقال لي اولئك النفر: اتبع الشيخ فتبعته وكانت الأرض برّها وبحرها و سهلها وجبلها يطوى تحت أقدامنا طيّاً كنت أسمعه كلّما خطا خطوة يقول: يا ربّ حيوة كن لحيوة.وإذا نحن بحرّان في أسرع وقت، فوافينا الناس يصلّون بها صلاة الصبح.

[ مرآة الجنان ٣ ص ٤٢١ ]

٧ - ذكر محمّد بن علي الحبّاك خادم الشيخ جلال الدين السيوطي المتوفّى ٩١١: إنَّ الشيخ قال له يوماً وقت القيلولة وهو عند زاوية الشيخ عبد الله الجيوشي بمصر بالقرافة: أتريد أن تصلّي العصر بمكّة بشرط أن تكتم ذلك عليَّ حتى أموت؟ قال: فقلت نعم.قال: فأخذ بيدي وقال: غمِّض عينيك فغمضتها فرحل بي نحو سبع وعشرين خطوة ثمَّ قال لي: افتح عينيك فإذا نحن بباب المعلّاة فزرنا اُمّنا خديجة، والفضل بن عياض، و سفيان بن عيينة، وغيرهم ودخلت الحرم فطفنا وشربنا من ماء زمزم، وجلسنا خلف المقام حتّى صلّينا العصر، وطفنا وشربنا من ماء زمزم ثمّ قال لي: يا فلان ليس العجب من طيّ الأرض لنا وإنّما العجب من كون أحد من أهل مصر المجاورين لم يعرفنا.ثمّ قال لي: إن شئت تمضي معي وإن شئت تقيم حتى يأتي الحاجّ؟! قال: فقلت أذهب مع سيِّدي.فمشينا إلى باب المعلّاة وقال لي: غمِّض عينيك فغمضتها فهرول بي سبع خطوات ثمّ قال لي: افتح عينك فإذا نحن بالقرب من الجيوشي فنزلنا إلى سيِّدي عمر بن الفارض.

[ شذرات الذهب ٨ ص ٥٠ ]

٨ - ذكر السخاوي في طبقاته: انَّ الشيخ معالي سأل الشيخ سلطان بن محمود البعلبكي المتوفّى ٦٤١ فقال: يا سيّدي كم مرَّة رحت إلى مكّة في ليلة؟ قال: ثلاث عشرة مرَّة، قلت: قال الشيخ عبد الله اليونيني: لو أراد أن لا يصلِّي فريضة إلّا في مكّة لفعل.

[ شذرات الذهب ٥ ص ٢١١ ]

٩ - ذكر الحافظ إبن الجوزي في « صفة الصفوة » ٤ ص ٢٢٨ عن سهل بن عبد الله قال: لقد رأيت رجلاً يقال له: مالك بن القاسم جبليّ وقد جاء ويده غمرة فقلت له: إنّك قريب عهد بالأكل؟ فقال لي استغفر الله فإنَّني منذ أسبوع لم آكل، ولكن: أطعمت والدتي وأسرعت لألحق صلاة الفجر وبينه وبين الموضع الذي جاء منه سبعمائة فرسخ. فهل أنت مؤمن بذلك؟ فقلت: نعم. فقال: ألحمد لله الذي أراني مؤمناً موقناً.

٢٠