الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٥

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 461

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 461
المشاهدات: 125884
تحميل: 5998


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 461 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 125884 / تحميل: 5998
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 5

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فشرٌّعنا إلى عمر، بحسب آل عمر أن يُحاسب منهم رجلٌ واحدٌ ويُسئل عن أمر اُمَّة محمَّد، لقد جهدت نفسي وحرَّمت أهلي، وإن نجوت كفافاً لا وزر ولا أجر إنِّي لسعيدٌ، وانظر فإن استخلفت؟ فقد استخلف من هو خيرٌ منِّي، وإن أترك؟ فقد ترك من هو خيرٌ منِّي، ولن يضيِّع الله دينه. فخرجوا ثمَّ راحوا فقالوا: يا أمير المؤمنين! لو عهدت عهداً؟ فقال: قد كنت أجمعت بعد مقالتي لكم أن انظر فاُولِّي رجلاً أمركم هو أحراكم أن يحملكم على الحقِّ - وأشار إلى عليٍّ - ورهقتني غشيةٌ فرأيت رجلاً دخل جنَّة قد غرسها فجعل يقطف كل غضَّة ويانعة فيضمّه إليه ويصيِّره تحته، فعلمت أنِّ الله غالبٌ أمره، ومُتوفّ عمر، فما اُريد أن أتحمَّلها حيّاً وميِّتاً، عليكم هؤلاء الرَّهط. ألحديث.

وذكره إبن عبد ربِّه في العقد الفريد ٢: ٢٥٦.

ليتني أدري وقومي كيف تطلب الصّحابة من عمر الإستخلاف وتصفح عن تلكم النّصوص الجمَّة؟ وكيف يخالفها عمر ويرى أبا عبيدة وسالماً أهلاً للخلافة ويتمنىّ حياتهما؟ ثمَّ يجعلها شورى؟ ثم كيف يرى الحديثين في فضل الرَّجلين حجَّةً لاستخلافهما ولم يرَ ما ورد في الكتاب والسِّنة من اُلوف المناقب في عليٍّعليه‌السلام عذراً عند ربِّه إنْ سُئِلَ عن استخلافه؟ وكيف لم يجد من نطق القرآن بعصمته، ونزلت فيه آية التطهير، وعدَّه الكتاب نفس النبيّ الأقدس أهلاً للاستخلاف؟ وما باله لم يستخلف عبد الله بن عمر لجهله بمسألة واحدة؟ وكان أكثر علماً من أبيه، ولم يكن عمر يرى الخليفة إلّا خازناً وقاسماً غير مفتقر إلى أيِّ علم كما صحّ عنه في خطبة له من قوله:

أيّها النّاس! مَن أراد أن يسأل عن القرآن فليأت اُبيَّ بن كعب. ومَن أراد أن يسأل عن الفرائض؟ فليأت زيد بن ثابت. ومن أراد أن يسأل عن الفقه؟ فليأت معاذ بن جبل. ومَن أراد أن يسأل عن المال فليأتني، فإنَّ الله جعلني خازناً وقاسماً(١) .

١١ - وما عن إبن عمر إنَّه قال لعمر: إنّ النّاس يتحدَّثون انّك غير مستخلف ولو كان لك راعي إبل أو راعي غنم ثمّ جاء وترك رعيته رأيت أن قد فرط، ورعية الناس أشدُّ من رعية الإبل والغنم، ماذا تقول لِلَّه عزّ وجلّ إذا لقيته ولم تستخلف على عباده؟ قال: فأصابه كآبة ثمَّ نكس رأسه طويلاً ثمّ رفع رأسه وقال: إنّ الله تعالى حافظ الدين وأيّ

____________________

١ - يأتي الكلام حول هذه الخطبة وصحتها في الجزء السادس.

٣٦١

ذلك أفعل فقد سُنَّ لي. إن لم استخلف؟ فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يستخلف، وإن أستخلف؟ فقد استخلف أبو بكر. قال عبد الله: فعرفت انِّه غير مستخلف.

أخرجه أبو نعيم في « الحلية » ١ ص ٤٤، وابن السمّان في « الموافقة » كما في « الرِّياض النضرة » ٢ ص ٧٤، م - وأخرجه مسلم في الصَّحيح عن إسحاق بن إبراهيم وغيره عن عبد الرزّاق، والبخاري من وجه آخر عن معمر كما في « سنن البيهقي ٨: ١٤٩، وفي لفظة: قلتُ له: إنّي سمعتُ النّاس يقولون مقالةً فآليت أن أقولها لك: زعموا انّك غير مستخلف وقد علمت أنّه لو كان لك راعي غنم فجاءك وقد ترك رعايته رأيت أن قد ضيَّع فرعاية النّاس أشدّ. قال: فوافقه قولي فأطرق مليّاً ثمّ رفع رأسه فقال: إنّ الله يحفظ دينه وإن لا أستخلف؟ فإنّ رسول الله لم يستخلف وإن استخلف؟ فإنَّ أبا بكر قد استخلف. ألحديث. وبهذا اللفظ ذكره إبن الجوزي في سيرة عمر ص ١٩٠ ].

١٢ - وما أخرجه أبو زرعة في كتاب « العلل » عن إبن عمر قال: لَمّا طُعن عمر قلت: يا أمير المؤمنين لو اجتهدت بنفسك وأمَّرت عليهم رجلاً؟ قال: اقعدوني. قال عبد الله فتمنَّيت لو انَّ بيني وبينه عرض المدينة فرقاً منه حين قال: اقعدوني. ثمَّ قال: والذي نفسي بيده لأردَّنها إلى الذي دفعها إليَّ أوَّل مرَّة. ألرِّياض النضرة ٢: ٧٤.

١٣ - وما روى إبن قتيبة في « الإمامة والسياسة » ص ٢٢ من أنَّ عمر لَمّا أحسَّ بالموت قال لابنه عبد الله: اذهب الى عائشة واقرئها منِّي السَّلام واستأذنها أن اُقبر في بيتها مع رسول الله ومع أبي بكر فأتاها عبد الله فأعلمها فقالت: نعم وكرامة، ثمَّ قالت: يا بُنيَّ أبلغ عمر سلامي وقل له: لا تدع اُمة محمّد بلا راعٍ، إستخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملًا، فإنّي أخشى عليهم الفتنة. فأتى عبد الله فأعلمه فقال: ومن تأمرني أن أستخلف لو أدركت أبا عبيدة بن الجرّاح باقياً، استخلفته وولّيته فإذا قدمت على ربّي فسألني وقال لي: مَن ولَّيت على اُمَّة محمّد؟ قلت: أي ربّ! سمعت عبدك ونبيَّك يقول: لكلِّ اُمَّة أمين وأمين هذه الاُمَّة أبو عبيدة إبن الجرّاح.

ولو أدركت معاذ بن جبل إستخلفته؟ فإذا قدمت على ربّي فسألني: مَن ولَّيت على اُمَّة محمّد؟ قلت: أي ربّ! سمعت عبدك ونبيَّك يقول: إنّ معاذ بن جبل يأتي بين يدي العلماء يوم القيامة، ولو أدركت خالد بن وليد؟ لولَّيته فإذا قدمت على ربّي فسألني: مَن ولَّيت على اُمَّة محمّد؟ قلت:

٣٦٢

أي ربّ! سمعت عبدك ونبيَّك يقول: خالد بن وليد سيفٌ من سيوف الله سلَّه على المشركين. ولكنّي سأستخلف النفر الذي توفّي رسول الله وهو عنهم راض. ألحديث. وذكر في أعلام النساء ٢: ٨٧٦.

قال الأميني: ليت عمر بن الخطاب كان على ذُكر ممّا سمعه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عليٍّ أمير المؤمنين ولو حديثاً واحداً ممّا أخرجه عنه الحفّاظ فكان يستخلفه ويراه عذراً عند ربِّه حينما سأله عمّن ولّاه اُمّة محمَّد، ولعلّه كان يكفيه ذكر ما أجمعت الاُمّة الإسلاميّة عليه من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي مخلِّفٌ فيكم الثقلين - أو تاركٌ فيكم خليفتين - إن تمسَّكتم بهما لن تضلّوا أبداً: كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتّى يردا علىَّ الحوض. وعليُّ سيِّد العترة.

م - أليس عمر هو راوي ما جاء في الصِّحاح والمسانيد من طريقه في عليٍّعليه‌السلام من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليُّ منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنَّه لا نبيَّ بعدي؟.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم خيبر: لاُعطينَّ الراية غداً رجلا يحبُّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله؟.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خمّ: من كنت مولاه فعليُّ مولاه، أللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه؟.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما اكتسب مكتسبٌ مثل فضل عليٍّ، يهدي صاحبه إلى الهدى، ويردُّ عن الرَّدى؟.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو أنَّ السَّماوات السَّبع والأرضين السَّبع وُضعت في كفَّة ووضع ايمان عليٍّ في كفَّة لرجح ايمان عليّ؟(١) .

ألم تكن آي المباهلة والتطهير والولاية إلى أمثالها الكثير الطيِّب النازل في الثناء على سيِّد العترة تساوي عند عمر تلكم الموضوعات المختلقة في أُولئك الذين تمنّى حياتهم؟!

والخطب الفظيع انَّ عمر كان يرى مثل سالم بن معقل - أحد الموالي مولى بني حذيفة وكان من عجم الفرس - أهلاً للخلافة وصاحبها الوحيد، ويتمنّى حياته لما طُعن بقوله:

____________________

١ - هذه الاحاديث جاءت كلها من طريق عمر بن الخطاب كما يأتي تفصيله.

٣٦٣

لو كان سالم حيّاً ما جعلتها شورى.(١)

هلاً عزيزٌ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا يُعادَل صنوه أمير المؤمنين حتّى الموالي والعبيد من اُمَّته بعد تلكم النّصوص الواردة فيه كتاباً وسنَّة؟ ألم يكن عمر نفسه محتجّاً يوم السقيفة على الأنصار بقول النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألأئمَّة من قريش؟ فلماذا نسيه؟ وكيف يرى لمولى بني حذيفة قسطاً من الخلافة؟

ألم يكن عمر هو الذي ألحّ على أبي بكر في خالد بن الوليد أن يعزله ويرجمه و يقتله؟ لَمّا قتل مالك بن نويرة، ونزى على حليلته، وقتل أصحابه المسلمين، وفرَّق شمله، وأباد قومه، ونهب أمواله، أنسي قوله لأبي بكر: إنَّ في سيف خالد رهقاً؟ أم قوله فيه: عدوُّ الله عدا على امرئ مسلم فقتله ثمَّ نزا على امرأته؟ أم قوله لخالد: قتلت امرءاً مسلماً ثمَّ نزوت على امرأته، والله لأرجمنَّك بأحجارك؟.

نعم: ألسّياسة الشاذَّة عن مناهج الصّلاح تتحف صاحبها كلَّ حين لساناً ومنطقاً يختصّان به، وهذه الخواطر والآراء والأمانيُّ واللهجة الملهوجة هي نتاج السّياسة المحضة تضادّ نداء كتاب الله ونداء الصَّادع الكريم، وهي التي جرّت الشقاء والشقاق على اُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى اليوم ].

١٤ - وما أخرجه البلاذري في « أنساب الأشراف » ٥: ١٦ عن إبن عبّاس قال. قال عمر: لا أدري ما أصنع باُمَّة محمّد - وذلك قبل أن يُطعن - فقلت: ولِمَ تهتمُّ وأنت تجد من تستخلفه عليهم؟ قال: أصاحبكم يعني عليّاً؟ قلت: نعم هو أهلٌ لها في قرابته برسول الله وصهره وسابقته وبلائه. فقال عمر: إنَّ فيه بطالة وفكاهة. قلت: فأين أنت عن طلحة؟ قال: فأين الزهو والنخوة؟ قلت: عبد الرَّحمن بن عوف؟ قال: هو رجلٌ صالحٌ على ضعف. قلت: فسعد؟ قال: ذاك صاحب مقنت وقتال لا يقوم بقرية لو حُمل أمرها. قلت: فالزبير؟ قال: لقيس مؤمن الرضى كافر الغضب شحيحٌ، إنَّ هذا الأمر لا يصلح إلّا لقويٍّ في غير عنف، رفيق في غير ضعف، جوادٍ في غير سرف، قلت: فأين أنت عن عثمان؟ قال: لو وليها لحمل بني أبي معيط على رقاب الناس ولو فعلها لقتلوه.

____________________

١ - طبقات ابن سعد ٣: ٢٤٨، التمهيد للباقلاني ٢٠٤، الاستيعاب ٢: ٥٦١، طرح التثريب ١: ٤٩.

٣٦٤

١٥ - وما صحَّ عن عليّ أمير المؤمنين من انّه خطب يوم الجمل فقال: أمّا بعد: فإنَّ هذه الإمارة لم يعهد إلينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها عهداً يُتبع أثره، ولكن رأيناها تلقاء أنفسنا، استخلف أبو بكر فأقام واستقام، ثمَّ استخلف عمر فأقام واستقام، ثمَّ ضرب الدهر بجرانه، أخرجه الحاكم في « المستدرك » ٣ ص ١٠٤، وإبن كثير في تاريخه ٥ ص ٢٥٠، وإبن حجر في « الصَّواعق » نقلاً عن أحمد.

١٦ - وما صحَّ عن أبي وائل قال: قيل لعليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا تستخلف علينا؟ قال: ما استخلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأستخلف، ولكن إن يرد الله بالناس خيراً فسيجمعهم بعدي على خيرهم كما جمعهم بعد نبيِّهم على خيرهم.

أخرجه الحاكم في « المستدرك » ٣ ص ٧٩ وصحّحه هو والذهبي، وأخرجه البيهقي في سننه ٨: ١٤٩، وابن كثير في تاريخه ٥: ٢٥١ وقال: إسنادٌ جيِّدٌ، وذكره إبن حجر في « الصَّواعق » ص ٢٧ عن البزّار وقال: رجاله رجال الصَّحيح.

١٧ - وما أخرجه أحمد عن عبد الله بن سبع في حديث قالوا لعليّ: إن كنت علمت ذلك - يعني القتل -؟ فاستخلف إذا. قال: لا، أكلكم إلى ما وكلكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) وأخرجه البيهقي بلفظ: أترككم كما ترككم رسول الله. يه ٦ ص ٢١٩. وبهذا اللفظ ذكره ابن حجر في « الصَّواعق » ص ٢٧ وقال: أخرجه جمعٌ كالبزار بسند حسن، والإمام أحمد وغيرهما بسند قويّ كما قال؟ الذهبي.

١٨ - وما صحَّ عن عائشة قالت: لو كان رسول الله مستخلفاً لاستخلف أبا بكر وعمر. أخرجه مسلم في صحيحه كما في « الرِّياض » ١: ٢٦، والحاكم في « المستدرك » ٣: ٧٨.

١٩ - وما ورد في إحتجاج اٌمّ سلمة على عائشة من قولها: كنت أنا وأنتِ مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفر له وكان عليُّ يتعاهد نعلي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيخصفهما ويتعاهد أثوابه فيغسلها فنقبت له نعل فأخذها يومئذ يخصفها وقعد في ظلِّ شجرة وجاء أبوكِ و معه عمر فأستأذنا عليه فقمنا إلى الحجاب ودخلا يحادثانه فيما أرادا ثمَّ قالا: يا رسول الله إنّا لا ندري قدر ما تصحبنا فلو أعلمتنا مَن يستخلف علينا ليكون لنا بعدك مفزعاً؟ فقال لهما: أما إنيِّ قد أرى مكانه ولو فعلت لتفرّقتم عنه كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون

____________________

١ - الرياض النضرة ١ ص ١٥٩، و ج ٢ ص ٢٤٥.

٣٦٥

بن عمران. فسكتا ثمَّ خرجا فلمّا خرجنا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قلتٍ له وكنتِ أجرأ عليه منّا: مَن كنت يا رسول الله مستخلفاً عليهم؟ فقال: خاصف النعل. فنزلنا فلم نر أحداً إلّا عليّاً فقلتِ: يا رسول الله: ما أرى إلّا عليّاً. فقال: هو ذاك. فقالت عائشة: نعم أذكر ذلك. أعلام النساء ٢ ص ٧٨٩.

٢٠ - وما روي من خطبة لعايشة خطبتها بالبصرة: أيّها الناس! والله ما بلغ ذنب عثمان أن يُستحلّ دمه، ولقد قتل مظلوماً، غضبنا لكم من السَّوط والعصا ولا نغضب لعثمان من القتل؟ وانّ من الرأي أن تنظروا إلى قتلة عثمان فيقتلوا به، ثمَّ يردّ هذا الأمر شورى على ما جعله عمر بن الخطاب. فمن قائلٍ يقول: صدقتِ. وآخر يقول: كذبتِ.

فلم يبرح النّاس يقولون ذلك حتّى ضرب بعضهم وجوه بعض - قال الأميني: كضرب. هذه الأحاديث بعضها وجوه بعض - أعلام النساء ٢ ص ٧٩٦.

٢١ - وما عن حذيفة رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله! لو استخلفت علينا؟ قال: إن أستخلف عليكم خليفة فتعصوه ينزل بكم العذاب. قالوا: لو استخلفت علينا أبا بكر؟ قال إن أستخلفه عليكم تجدوه قويّاً في أمر الله ضعيفاً في جسده. قالوا: لو استخلفت علينا عمر؟ قال: إن أستخلفه عليكم تجدوه قوياً أمينا لا تأخذه في الله لومة لائم. قالوا: لو استخلفت علينا عليّاً؟ قال: إنَّكم لا تفعلوا وإن تفعلوا تجدوه هادياً مهديّاً يسلك بكم الطريق المستقيم. أخرجه الحاكم في « المستدرك » ٣ ص ٧٠، وأبو نعيم في « حلية الأولياء » ١ ص ٦٤ وليس فيه استخلاف أبي بكر وعمر ومنه يظهر تحريف يد الأمانة الحديث.

م ٢٢ - وما روي عن ابن عبّاس قال: قالوا للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رسول الله! استخلف علينا بعدك رجلاً نعرفه وننهى إليه أمرنا، فإنّا لا ندري ما يكون بعدك. فقال: إن استعملت عليكم رجلاً فأمركم بطاعة الله فعصيتموه كان معصيته معصيتي ومعصيتي معصية الله عزَّ وجلَّ، وإن أمركم بمعصية الله فأطعتموه كانت لكم الحجَّة عليَّ يوم القيامة، ولكن أكلكم إلى الله عزَّ وجلَّ. أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه ١٣: ١٦٠ ].

٢٣ - ثمَّ إن صحّت تلكم النّصوص وكانت الخلافة عهداً من الله سبحانه وجاء به جبريل وارتجّت دونه السّماوات، وهتفت به الملائكة، وصدع به النبيُّ الكريم، وأبى الله ورسوله والمؤمنون إلّا أبا بكر فما المبرِّر له ممّا صحَّ عنه في صحيح البخاري

٣٦٦

في باب فضل أبي بكر من قوله يوم السقيفة مخاطباً الحضور: فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة الجرَّاح؟

وفي تاريخ الطبري ٣ ص ٢٠٩: قال أبو بكر: هذا عمر وهذا أبو عبيدة فأيّهما شئتم فبايعوا.

وفي ص ٢٠١، ومسند أحمد ١ ص ٥٦: إنّي قد رضيت لكم أحد هذين الرَّجلين فايّهما شئتم: عمر أو أبا عبيدة.

وفي الإمامة والسياسة ١ ص ٧: إنَّما أدعوكم إلى أبي عبيدة أو عمر وكلاهما قد رضيت لكم ولهذا الأمر وكلاهما له أهلٌ. وفي ص ١٠ قال: إنِّي ناصحٌ لكم في أحد الرَّجلين: أبي عبيدة بن الجراح أو عمر، فبايعوا من شئتم منهما.

قال الأميني: بخٍ بخٍ. حسب النبيِّ الأعظم مجداً وشرفاً، والإسلام عزّاً و منعةً، والمسلمين فخراً وكرامة استخلاف مثل أبي عبيدة الجرّاح ولم يكن إلّا حفّاراً مكّياً يحفر القبور بالمدينة، وكان فيها حفّاران(١) ليس إلّا وهما: أبو عبيدة وأبو طلحة.

فما أسعد حظَّ هذه الاُمَّة أن يكون في حفّاري قبورها من يُشغل منصّة النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعده، ويسدُّ ذلك الفراغ، ويكون هو مرجع العالم في أمر الدِّين والدنيا، وأيّ وازعٍ أبا عبيدة من أن يكون خليفةً لائتمانه؟ بعدما كاد معاوية بن أبي سفيان أن يكون نبيّاً و يُبعث لائتمانه وعلمه كما مرّ في ص ٣٠٨.

غير أنِّي لست أدري ما كانت الحالة يوم ذاك في السّماوات عند ايهاب أبي بكر الخلافة الإسلاميَّة لأبي عبيدة؟! وهي كانت ترتجُّ والملائكة تهتف والله يأبى إلّا أبا بكر مهما سئلها النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّعليه‌السلام وقد أنزله منزلة نفسه نصّاً من الله العزيز.

نعم: كان حقّاً على السَّماوات أن يتفطَّرن منه وتنشقُّ الأرض وتخرُّ الجبال هدّاً.

٢٤ - وما الذي جوَّز لأبي بكر قوله لعمر بعد قوله له: - أبسط يدك يا أبا بكر فلاُبايعك -: بل أنت يا عمر فأنت أقوى لها منّي؟ وكان كلّ واحد منهما يريد صاحبه

____________________

١ - الطبقات الكبرى لابن سعد ص ٨١٥ - ٨١٩، سيرة ابن هشام ٤: ٣٤٣، تاريخ الطبري ٣: ٢٠٤. الامتاع للمقريزي ص ٥٤٨، تاريخ ابن كثير ٥: ٢٦٦، ٢٦٨، السيرة الحلبية ٣: ٣٩٣.

٣٦٧

يفتح يده يضرب عليها، ففتح عمر يد أبي بكر وقال: إنَّ لك قوَّتي مع قوَّتك(١) .

٢٥ - وكيف كان يرى أبو بكر الأمر للمهاجرين ويجعل للأنصار الوزارة ويقول: منّا الاُمراء ومنكم الوزراء؟ تاريخ الطبري ٣: ١٩٩، ٢٠٨، الرِّياض: ١٦٢٢، ١٦٣.

٢٦ - وما الذي سوَّغ لأبي بكر قوله: إنّي وليتُ هذا الأمر وأنا له كارهٌ، والله لوددت أنَّ بعضكم كفانيه؟ صفة الصفوة ١: ٩٩.

كيف كان يكره أمراً جعله الله له، وجاء به جبريل، وأخبر به النبيُّ الطاهر؟ ثمَّ كيف كان يودُّ أن يكفيه غيره؟ وقد حيل بين النبيِّ وبين أمله مهما سأله الله لعليٍّ، ولم يجعل الله لمشيئة نبيّه في الأمر قيمة، وأبى إلّا أبا بكر.

٢٧ - وما المسوِّغ لأبي بكر في استقالته الخلافة من النّاس وقوله مرَّة بعد اخرى: أقيلوني أقيلوني لست بخيركم(٢) ؟ وقوله: لا حاجة لي في بيعتكم أقيلوني بيعتي(٣) فكيف كان يرى للنّاس في إقالته اختياراً، ولردِّه ما شاء الله وعهده لنبيّه مساغاً؟.

٢٨ - وما كان وجه إحتجابه عن الناس ثلاثاً يُشرف عليهم كلّ يوم يقول: أقلتكم بيعتي فبايعوا من شئتم؟(٤) أو يُخيِّر الناس سبعة أيّام؟ كيف كان يرى لنفسه خياراً في حلِّ عقد بيعته عن رقاب الناس وإقالتهم وقد أبى الله والمؤمنون إلّا إيّاه؟ ثمَّ كيف يكل أمر الاُمَّة إلى مشيئتها وقد رُدَّت مشيئة النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك؟ ووقع في السّماوات ما وقع يوم أعربصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن اُمنيّته.

٢٩ - وما كان عذره في قوله من خطبة له: أيّها الناس؟ هذا عليُّ بن أبي طالب لا بيعة لي في عنقه وهو بالخيار من أمره، ألا وأنتم بالخيار جميعاً في بيعتكم، فان رأيتم لها غيري فأنا أوَّل من يبايعكم؟ ألسيرة ألحلبية ٣: ٣٨٩.

لعلَّ الحرَّية في الرَّأي حول البيعة حدثت بعد ما وقع دونها ما وقع في السّماوات والأرض.

م - بعد ما هرول عمر بين يدي أبي بكر ونبر حتّى أزبد شدقاه. بعد ما قيل لحباب بن المنذر البدوي مخالف تلك البيعة: إذن يقتلك الله. بعد ما حُطّم أنف الحباب وضُرب

____________________

١ - تاريخ الطبري ٣: ١٩٩، السيرة الحلبية ٣: ٣٨٦، الصواعق ص ٧.

٢ - الصواعق المحرقة ص ٣٠.

٣ - الامامة والسياسة ١ ص ١٤.

٤ - الامامة والسياسة ١ ص ١٦، الرياض النضرة ١ ص ١٧٥.

_٢٣_

٣٦٨

يده. بعد ما نودي على سعد أمير الخزرج: اقتلوه قتله الله إنَّه منافق. بعد ما أخذ قيس بن سعد لحية عمر قائلاً: والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة. بعد ما قال الزُّبير وقد سلَّ سيفه: لا أغمده حتّى يُبايع عليُّ. بعد ما قال عمر: عليكم الكلب - يعني الزُّبير - فأخذ السيف من يده وضُرب به على الحجر. بعد ما دافعوا مقداداً في صدره. بعد التهاجم على دار النبوّة، وكشف بيت فاطمة، وإخراج من كان فيه للبيعة عنوةً. بعد ما أقبل عمر بقبس من نار إلى دار فاطمة. بعد ما قال عمر: لتخرجنَّ إلى البيعة أو لأحرقنّها على مَن فيها. بعد ما خرجت بضعة المصطفى عن خدرها وهي تبكي و تنادي بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من إبن الخطاب وابن أبي قحافة بعد ما قادوا عليّاًعليه‌السلام إلى البيعة كما يُقاد الجمل المخشوش. بعد ما قيل له: بايع والّا تُقتل. بعد ما لاذ بقبر أخيه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باكياً قائلاً: يا بن اُمّ إنَّ القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني. بعد، بعد، إلى مائة بعد(١) ].

ولعلَّ تلك الشدَّة في إباءة الله وملائكته والمؤمنين خلافة أيّ أحد إلّا أبا بكر كانت مكذوبة على الله وعلى رسوله والمؤمنين، أو كانت صحيحة غير أنَّها مقيَّدة بإرادة أبي بكر نفسه ومشيئته. لاها الله كانت مكذوبةً ليس إلّا.

٣٠ - وما المجوِّز لعمر قوله لأبي عبيدة الجرّاح لَمّا قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ابسط يدك فلاُبايعك فأنت أمين هذه الاُمّة على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال أبو عبيدة لعمر: ما رأيت لك فَهَّة(٢) مثلها منذ أسلمت، أتبايعني وفيكم الصدِّيق وثاني اثنين؟

مسند أحمد ١ ص ٣٥، طبقات ابن سعد ٣ ص ١٢٨، نهاية ابن الأثير ٣ ص ٢٤٧، صفة الصفوة ١: ٩٧، ألسيرة الحلبيَّة ٣: ٣٨٦، ألصَّواعق ٧.

فما الذي دعاه إلى ذلك الخلاف الفاحش على تلكم النّصوص؟ وما كان ذلك الإستبداد بالرأي تجاه النصِّ المؤكّد من الله العزيز؟ نعم: وكم له من نظير.

٣١ - وكيف كان عمر يرى الأمر شورى بين المسلمين ويقول: من بايع أميراً من غير مشورة المسلمين فلا بيعة له ولا بيعة للذي بايعه تغرَّة أن يقتلا؟

____________________

١ - تأتي مصادر هذه الجمل كلها في الجزء السابع.

٢ - الفهة: العى، الغفلة، والسقطة.

٣٦٩

مسند أحمد ١: ٥٦، تاريخ ابن كثير ٥: ٢٤٦.

م ٣٢ - وأخرج مسلم في صحيحه في كتاب الفرايض ٢ ص ٣، وأحمد في مسنده ج ١ ص ٤٨ عن عمر انَّه قام خطيباً فقال: إنّي رأيت رؤيا كأنّ ديكاً نقرني نقرتين، ولا أرى ذلك إلّا لحضور أجلي وإنّ ناساً يأمرونني أن أستخلف وإنَّ الله عزَّ وجل لم يكن ليضيِّع خلافته ودينه ولا الذي بعث به نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإن عجل بي أمرٌ فالخلافة شورى في هؤلاء الرَّهط الستَّة. ألحديث.

وأخرجه البيهقي في سننه ٨ ص ١٥٠ فقال: أخرجه مسلم في الصحيح من حديث إبن أبي عروبة وغيره. وحكاه عن مسلم الحافظ ابن الديبع في تيسير الوصول ٢: ٤٩ ].

٣٣ - وما الذي أباح لعمر أو لغيره من الصّحابة قولهم في خلافة أبي بكر: إنّها كانت فلتة وقى الله شرها(١) .

أو: فلتة كفلتات الجاهليَّة(٢) فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه؟(٣) .

كيف تُسمّى تلك الخلافة فلتةً بعد؟ لكم البشارات والإنباءات المتواصلة طيلة حياة النبيِّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبعد إعلامه أصحابه بها مرَّةً بعد اُخرى إلى أن لفظ نفسه الأخير؟ و كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بنصٍّ من تلكم الرِّوايات - لم يرَ فيها حاجة إلى وصيَّة بكتاب، ولم يترقّب فيها خلاف أيّ أحد على أبي بكر، وكيف يُرى فيها الشرُّ والحالة هذه؟ والصَّحابة كلّهم عدولٌ، وأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر، وأبى الله أن يختلف عليه كما مرَّ حديثه.

م ٣٤ - وما الذي سوَّغ لعمر عرضه على عبد الرَّحمن بن عوف أن يستخلفه و يجعله وليّ عهده، فقال عبد الرَّحمن: أتُشير عليَّ بذلك إذا استشرتك؟ فقال: لا والله. فقال عبد الرَّحمن: إذا لا أرضى أن أكون خليفة بعدك.

ألفتوحات الاسلاميَّة ٢ ص ٤٢٧ ].

٣٥ - وما بال الأنصار بأسرها قد تخلّفت عن البيعة(٤) واجتمعت على خلاف ما في

____________________

١ - صحيح البخاري في باب رجم الحبلى من الزنا اذا احصنت في الجزء الاخير، ج ١٠ ص ٤٤، مسند احمد ١ ص ٥٥، تاريخ الطبري ٣: ٢٠٠، أنساب البلاذري ٥ ص ١٥، سيرة ابن هشام ٤ ص ٣٣٨، تيسير الوصول ٢ ص ٤٢، ٤٤، كامل ابن الأثير ٢: ١٣٥، نهاية ابن الأثير ٣: ٢٣٨ الرياض النضرة ١: ١٦١، تاريخ ابن كثير ٥: ٢٤٦، السيرة الحلبية ٣: ٣٨٨، ٣٩٢، الصواعق المحرقة ٥ و ٨ وقال: سند صحيح، تمام المتون للصفدي ص ١٣٧، تاج العروس ١ ص ٥٦٨.

٢ - تاريخ الطبري ٣: ٢١٠.

٣ - الصواعق المحرقة ص ٢١.

٤ - مسند احمد ١ ص ٥٥.

٣٧٠

تلكم النصوص، وأبت بيعة أبي بكر وقالت: لا نبايع إلّا علياً؟ أو قالت: منّا أميرٌ ومنكم اميرٌ(١) وكيف تقاعس عنها طلحة والزبير والمقداد وسلمان وعمّار وأبو ذر وخالد بن سعيد ورجال من المهاجرين؟(٢) وأبوا إلّا عليّاً واجتمعوا في دارهعليه‌السلام وأخرجتهم يد السياسة الوقتيّة إلى البيعة عنوةً ونودي عليهم: والله لأحرقنَّ عليكم أو لتخرجنَّ إلى البيعة؟ وما شأن الصَّحابي العظيم سعد بن عبادة يأنف من بيعة أبي بكر ويقول: أيم الله لو انَّ الجنّ اجتمعت لكم مع الأنس ما بايعتكم حتّى اُعرض على ربيّ وأعلم ما حسابي؟ وكان لا يصلّي بصلاتهم ولا يجمع معهم ويحجّ ولا يفيض معهم بافاضتهم. تاريخ الطبري ٣: ١٩٨، ٢٠٠، ٢٠٧، ٢١٠. وما عذر العبّاس عمِّ النبيِّ الطاهر وبني هاشم في تخلّفهم عن تلك البيعة والصَّفح عن تلكم العهود المؤكّدة؟.

٣٦ - وقبل هذه كلّها إباية عليّ أمير المؤمنين تلك البيعة الإنتخابيَّة وحجاجه المفحم على أهلها، قال إبن قتيبة: ثمَّ إنَّ علياً كرَّم الله وجهه اُتي به إلى أبي بكر وهو يقول: أنا عبد الله، أخو رسول الله. فقيل له: بايع أبا بكر. فقال: أنا أحقّ بهذا الأمر منكم لا اُبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتأخذوه منّا أهل البيت غصباً، ألستم زعمتم للأنصار انّكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمَّد منكم! فأعطوكم المقادة وسلّموا إليكم الإمارة، فإذا أحتجُّ عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار، نحن أولى برسول الله حيّاً وميّتاً فانصفونا إن كنتم تؤمنون، وإلّا فبوِّوا بالظلم وأنتم تعلمون. فقال له عمر: إنَّك لستَ متروكاً حتّى تُبايع، فقال له عليُّ: إحلب حلباً لك شطره، وشدِّ له اليوم يمدِّده عليك غداً. ثمَّ قال: والله يا عمر! لا أقبل قولك ولا اُبايعه. فقال أبو بكر: فان لم تبايع فلا أكرهك - فقال أبو عبيدة بن الجراح كرم الله وجهه: يا ابن عم! إنّك حديث السنِّ وهؤلاء مشيخة قومك، ليس لك مثل تجربتهم و معرفتهم بالاُمور، ولا أرى أبا بكر إلّا أقوى على هذا الأمر منك، وأشدّ احتمالاً واستطلالاً، فسلّم لأبي بكر هذا الأمر، فإنَّك إن تعش ويطل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليقٌ و حقيقٌ في فضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك.

____________________

١ - مسند أحمد ١ ص ٤٠٥، طبقات ابن سعد ٢ ص ١٢٨.

٢ - الرياض النضرة ١ ص ١٦٧.

٣٧١

فقال عليٌّ كرم الله وجهه: ألله ألله يا معشر المهاجرين! ألّا تخرجوا سلطان محمَّد في العرب من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم، وتدفعون أهله عن مقامه في الناس وحقِّه، فوالله يا معشر المهاجرين! لنحن أحقُّ الناس به لأنّا أهل البيت ونحن أحقُّ بهذا الأمر منكم، ما كان فينا القارئ لكتاب الله، ألفقيه في دين الله، ألعالم بسنن رسول الله، ألمتطلّع لأمر الرعيَّة، ألدافع عنهم الاُمور السيّئة، ألقاسم بينهم بالسويَّة، والله إنَّه لفينا، فلا تتَّبعوا الهوى فتضلّوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحقِّ بعداً.

قال بشير بن سعد الأنصاري: لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا عليّ قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلفت عليك.

قال: وخرج عليُّ كرَّم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على دابَّة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة. فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرَّجل، ولو انَّ زوجكِ وابن عمكِ سبق الينا قبل أبي بكر ما عدلنا به، فيقول عليُّ كرم الله وجهه: أفكنت أدع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيته لم أدفنه وأخرج اُنازع الناس سلطانه؟ فقالت فاطمة: ما صنع أبو الحسن إلّا ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم.

وقال: إنَّ أبابكر رضي الله عنه تفقَّد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند عليّ كرم الله وجهه فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار عليّ فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب و قال: والَّذي نفس عمر بيده لتخرجنَّ أو لأحرقنّها على مَن فيها. فقيل له: يا أبا حفص! إنَّ فيها فاطمة. قال: وإن. فخرجوا فبايعوا إلّا عليّاً فإنّه زعم انَّه قال: حلفت أن لا أخرج ولا ثوبي أضع على عاتقي حتّى أجمع القرآن، فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها فقالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوء محضراً منكم، تركتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جنازةً بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردّوا لنا حقّاً. فأتى عمر أبا بكر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلّف عنك بالبيعة؟ فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له: إذهب فادع لي عليّاً. فذهب إلى عليّ فقال: ما حاجتك؟ فقال: يدعوك خليفة رسول الله. فقال عليُّ: لسريعٌ ما كذبتم على رسول الله. فرجع فأبلغ الرِّسالة قال: فبكى أبو بكر طويلاً فقال عمر الثانية: أن لا تمهل هذا المتخلّف عنك بالبيعة فقال أبو بكر رضي الله عنه

٣٧٢

لقنفذ: عُد إليه فقل له: أمير المؤمنين يدعوك لتبايع، فجاءه قنفذ فأدّى ما اُمر به، فرفع عليٌّ صوته فقال: سبحان الله؟ لقد ادَّعى ما ليس له. فرجع قنفذ فأبلغ الرِّسالة فبكى أبو بكر طويلاً ثمَّ قام عمر فمشى معه جماعةٌ حتّى أتوا باب فاطمة فدقّوا الباب فلمّا سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول الله؟ ماذا لقينا بعدك من إبن الخطاب وابن أبي قحافة. فلمّا سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تتصدَّع وأكبادهم تتفطَّر، وبقي عمر ومعه قومٌ فأخرجوا عليّاً فمضوا به إلى أبي بكر فقالوا له: بايع. فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟ قالوا: إذا والله الذي لا إ~له إلّا هو نضرب عنقك. قال: إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله. قال عمر: أمَّا عبد الله فنعم وأمّا أخو رسوله فلا(١) وأبو بكر ساكتٌ لا يتكلّم فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟ فقال: لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه، فلحق عليٌّ بقبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصيح ويبكي وينادي: يا بن اُمّ! إنَّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني الإمامة والسياسة ١ ص ١٢ - ١٤.

٣٧ - وما الذي سوَّغ لأبي بكر وعمر وأبي عبيدة أن يجعلوا للعبَّاس عمِّ النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بايعاز من مغيرة بن شعبة نصيباً في الأمر يكون له ولعقبه من بعده؟ قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة » ج ١: ١٥: فأتى المغيرة بن شعبة فقال: أترى يا أبا بكر أن تلقوا العبّاس فتجعلوا له في هذا الأمر نصيباً يكون له ولعقبه وتكون لكما الحجّة على عليّ وبني هاشم إذا كان العبّاس معكم؟ قال: فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة حتّى دخلوا على العبّاس رضي الله عنه، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه ثمَّ قال: إنَّ الله بعث محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيّاً وللمؤمنين وليّاً فمنَّ الله تعالى بمقامه بين أظهرنا حتّى اختار له الله ما عنده فخلّي على الناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم في مصلحتهم متَّفقين لا مختلفين فاختاروني عليهم والياً ولاُمورهم راعياً، وما أخاف بحمد الله وهناً ولا حيرةً ولا جبناً، وما توفيقي إلّا بالله العليّ العظيم، عليه توكّلت وإليه اُنيب، وما زال يبلغني عن طاعن يطعن بخلاف

____________________

١ - اسلفنا فى الجزء الثالث ص ١١٢ - ١٢٥ خمسين حديثا في المواخاة بين رسول الله و أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما ومنها ما هو المتواتر الصحيح الثابت، أخرجه الحفاظ عن جمع من الصحابة ومنهم عمر بن الخطاب، وحديث المواخاة من المتسالم عليه عند الامة الاسلامية، وعمر أحد رواته كما جاء بطريق صحيح، غير أن السياسة الوقتية سوّغت لعمر انكارها يوم ذاك.

٣٧٣

ما اجتمعت عليه عامّة المسلمينِ ويتَّخذونكم لحافاً، فأحذروا أن تكونوا جهد المنيع فإمّا دخلتم فيما دخل فيه العامَّة، أو دفعتموهم عمّا مالوا إليه، وقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيباً يكون لك ولعقبك من بعدك إذ كنت عمّ رسول الله، وإن كان الناس قد رؤا مكانك ومكان أصحابك فعدلوا الأمر عنكم، على رسلكم بني عبد المطلب! فإنَّ رسول الله منّا ومنكم.

ثمَّ قال عمر: اي والله واُخرى: إنّا لم نأتكم حاجةً منّا إليكم، ولكنّا كرهنا أن يكون الطعن منكم فيما اجتمع عليه العامَّة، فتفاقم الخطب بكم وبهم، فانظروا.

فتكلّم العبّاس فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال: إنَّ الله بعث محمّداً كما زعمت نبيّاً و للمؤمنين وليّاً فمنَّ الله بمقامه بين أظهرنا حتّى اختار له ما عنده فخلّى النّاس أمرهم ليختاروا لأنفسهم مصيبين لِلحقِّ لا مائلين عنه بزيغ الهوى، فإن كنت برسول الله طلبت؟ فحقَّنا أخذت، وإن كنت بالمؤمنين طلبت؟ فنحن منهم متقدِّمون فيهم، وإن كان هذا الأمر إنَّما يجب لك بالمؤمنين؟ فما وجب إذ كنّا كارهين، فأمّا ما بذلت لنا فإن يكن حقّاً لك؟ فلا حاجة لنا فيه، وإن يكن حقّاً للمؤمنين؟ فليس لك أن تحكم عليهم، وإن كان حقّنا؟ لم نرض عنك فيه ببعض دون بعض.

وأما قولك: إنَّ رسول الله منّا ومنكم فإنَّه قد كان من شجرةٍ نحن أغصانها وأنتم جيرانها.

٣٨ - وما عذر مَن استشكل على أبي بكر في استخلافه عمراً على الصَّحابة؟ قالت عايشة رضي الله عنها لما ثقل أبي دخل عليه فلان وفلان فقالوا: يا خليفة رسول الله! ماذا تقول لربّك غداً إذا قدمت عليه وقد استخلفت علينا إبن الخطاب؟ قالت: فأجلسناه فقال: أبِالله ترهبوني؟ أقول: استخلفت عليهم خيرهم. سنن البيهقي ٨ ص ١٤٩ ].

٣٩ - وما الَّذي أقعد عليّاً أمير المؤمنين عن بيعة عثمان يوم الشورى بعد ما بايعه عبد الرَّحمن بن عوف وزملائه وكان عليٌّ قائماً فقعد، فقال له عبد الرَّحمن: بايع و إلّا ضربت عنقك، ولم يكن مع أحد يومئذ سيفٌ غيره، فيقال: إنَّ عليّاً خرج مغضباً فلحقه أصحاب الشورى وقالوا: بايع وإلّا جاهدناك. فأقبل معهم حتّى بايع عثمان. ألأنساب للبلاذري ٥: ٢٢.

٣٧٤

قال الطبري في تاريخه ٥: ٤١. جعل الناس يبايعونه وتلكّا عليٌّ فقال عبد الرَّحمن: ومَن نكث فإنمّا ينكث على نفسه، ومَن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً. فرجع عليّ يشقُّ النّاس حتّى بايع وهو يقول: خدعةٌ وأيّما خدعة.

وفي الإمامة والسّياسة ١ ص ٢٥ قال عبد الرَّحمن: لا تجعل يا عليّ سبيلاً إلى نفسك فإنّه السَّيف لا غيره. وفي صحيح البخاري ١: ٢٠٨: لا يجعلنَّ على نفسك سبيلا.

قال الأميني: كان قتل المتخلِّف عن البيعة في ذلك الموقف وصيَّة من عمر بن الخطاب كما أخرجه الطبري في تاريخه ٥ ص ٣٥ قال وقال - عمر - لصهيب: صلِّ بالناس ثلاثة أيّام وأدخل عليّاً وعثمان والزبير وسعداً وعبد الرَّحمن بن عوف وطلحة - إن قدم -(١) وأحضر عبد الله بن عمر ولا شئ له من الأمر وقم على رؤسهم فإن اجتمع خمسةٌ ورضوا رجلاً وأبى واحدٌ فاشدخ رأسه. أو: اضرب رأسه بالسيف. وإن اتّفق أربعةٌ فرضوا رجلاً منهم وأبى إثنان فاضرب رؤسهما، فإن رضي ثلاثةٌ رجلاً منهم وثلاثةٌ رجلاً منهم فحكّموا عبد الله بن عمر فأيُّ الفريقين حكم له فليختاروا رجلاً منهم، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرَّحمن بن عوف واقتلوا الباقين إن رغبوا عمَّا اجتمع عليه الناس. وذكره البلاذري في « الأنساب » ٥ ص ١٦، ١٨، وابن قتيبة في « الإمامة والسياسة » ١ ص ٢٣. وابن عبد ربِّه في « العقد الفريد » ٢: ٢٥٧.

أفمن هذا الحديثِ تعجبون وتَضحكون ولا تبكون

[ ألنجم ٥٩ ]

____________________

١ - كان غائبا في ماله بالسراة.

٣٧٥

ما هذه الدمدمة والهمهمة؟

ليست هذه الرِّوايات إلّا جلبةً وصخباً تِجاه الحقيقة الراهنة، ووِجاه الخلافة الحقَّة الثابتة بالنصوص الصَّريحة الصحيحة لأمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالبعليه‌السلام قد صدع بها النبيُّ الأمين وحياً من الله العزيز من يوم بدء الدعوة إلى آخر نفس لفظه.

إن هي إلّا اللغط والشغب دون أمر ليس لخلق الله فيه أيّ خيرة، وقد نصَّ النبيُّ الأعظم في بدء دعوته على أنَّ الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء وذلك يوم عرض نفسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بني عامر بن صعصعة ودعاهم إلى الله فقال له قائلهم: أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك ثمَّ اظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال: إنَّ الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء(١)

إن هي إلّا سلسة بلاء وحلقة شقاء تجرُّ الاُمّة إلى الضَّلال، وتسفُّ بها إلى حضيض التعاسة، وتديمها في الجهل المبير، ومهاوي الدمار.

إن هي إلّا ولائد النزعات الباطلة، والأهواء المضلّة، لا مقيل لها في مستوى الحقِّ والصِّدق، ولا قيمة لها في سوق الإعتبار.

إن هي إلّا نسيجة يد الإفك والزّور، حبكها التزحزح عن قانون العدل، والتنحّي عن شرعة الحقِّ، والبُعد عن حكم الأمانة.

إن هي إلّا صبغة الهثِّ والدجل شُوّهت بها صفحات التاريخ، لا يرتضيها أيُّ دينيّ من رجالات المذاهب، ولا يُعوِّل عليها المثقَّف النابه، ولا يتَّخذها السالك إلى الله سبيلا، ولا يجد الباحث عن الحقِّ فيها اُمنيّته.

إن هي إلّا نبرات فيها نترات لفّقتها المطامع في لماظة العيش، ونُجفة الحياة، وزخارف الدنيا القاضية على سعادة البشر.

إن هي إلّا قبسات الفتن المضلّة، وجذوات مقابس العاطفة والهوى، تفتن الجاهل المسكين، وتحيده عن رشده، وتجعله في بهيتة من أمر دينه، فتحترق بها اصول سعادته في الحياة الدُّنيا.

____________________

١ - سيرة ابن هشام ٢: ٣٣، الروض الانف ١: ٢٦٤، السيرة الحلبية ٢: ٣، السيرة النبوية لزيني دحلان ١: ٣٠٢،

٣٧٦

إن هي إلّا مدرِّسات الاُمّة فاحش التقوُّل. وسيّئ الإفك والافتعال، تعلّمها الحياد عن مناهج الصِّدق والأمانة، وتحثّها على الكذب على الله وعلى قدس صاحب الرِّسالة وعلى اُمناؤه وثقات اُمَّته.

هل يجد الباحث سبيلاً لنجاته عن هذه الورطات المدلهمَّة؟ وهل يُرجى له الفوز من تلكم السَّلاسل وقد صفَّدته من حيث لا يشعر؟ أيٌّ مصدر وثيق يحقُّ أن يثق به الرَّجل؟ وعلى أيِّ كتاب أو علىّ أي سنَّة حريٌّ بأن يحيل أمره؟ أليست الكتب مشحونةً بتلكم الأكاذيب المفتعلة المنصوصة على وضعها؟ أليست تلكم المئات من اُلوف الأحاديث المكذوبة مبثوثة في طيّات التآليف والصّحف؟ ما حيلة الرَّجل وهو يرى المؤلِّفين بين من يذكرها مرسلاً إيّاها إرسال المسلّم، وبين مَن يُخرجها بالإسناد ويردفها بما يموّه على الحقّ ممّا يُعرب عن قوَّتها؟ أو يرويها غير مشفَّع بما فيها من الغميزة متناً أو إسناداً؟ كلُّ ذلك في مقام سرد الفضائل، أو إثبات الدعاوي الفارغة في المذاهب. ثمَّ ما حيلته؟ وهو يشاهد وراء أُولئك الأوضاح من المؤلِّفين أفّاك القرن الرّابع عشر - القصيمي - رافعاً عقيرته بقوله: ليس في رجال الحديث من أهل السنَّة من هو متَّهم بالوضع والكذابة. راجع ص ٢٠٨.

فما ذنب الجاهل المسكين والحالة هذه في عدم عرفان الحقِّ؟ وما الذي يعرِّفه صحيح السنَّة من سقيمها؟ وأيّ يد تنجيه من عادية التقوُّل والتزوير؟ وهل من مصلح يحمل بين جنبيه عاطفةً دينيَّةً صادقةً ينقذه عن ورطات القالة وغمرات الدَّجل؟.

نعم: كتبنا له في الألواح من كلِّ شئٍ موعظة، وفصَّلنا لكلِّ شيء، ليهلك من هلك عن بيِّنة ويحيى من حيَّ عن بيَّنة، ولقد جئناهم بكتاب فصَّلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون، وآتيناهم بيِّنات من الأمر فما اختلفوا إلّا من بعد ما جاءهم العلم، بغياً بينهم، إنَّ ربَّك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون، ثمَّ جعلناك على شريعة من الأمر فاتَّبعها ولا تتَّبع أهواء الَّذين لا يعلمون، فلا يصدَّنَّك عنها مَن لا يُؤمن بها و اتَّبع هواه فتردى، والسَّلام على مَن اتَّبع الهدى.

م حكم الوضّاعين

قال الحافظ جلال الدين السيوطي في « تحذير الخواصّ » ص ٢١: فائدةٌ لا أعلم

٣٧٧

شيئاً من الكبائر قال أحدٌ من أهل السنَّة بتكفير مرتكبه إلّا الكذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنَّ الشيخ أبا محمّد الجويني(١) من أصحابنا وهو والد إمام الحرمين(٢) قال: إنَّ من تعمَّد الكذب عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكفر كفراً يخرجه عن الملّة. وتبعه على ذلك طائفةٌ منهم: الإمام ناصر الدين إبن المنير من أئمَّة المالكيَّة، وهذا يدلُّ على انَّه أكبر الكبائر لأنَّه لا شيئ من الكبائر يقتضي الكفر عند أحد من أهل السنَّة. إنتهى.

حكم الحفاظ

لتلكم الموضوعات المبهرجة

يتبيَّن حكم مخرِّجي تلكم الرِّوايات المكذوبة على نبيِّ العظمة في الكتب و المعاجم من أئمَّة الحديث وحفّاظه، ومن رجال السير والتاريخ خلفاً وسلفاً ممّا أخرجه الخطيب وصحَّحه إبن الجوزي من قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من روى منّي حديثاً وهو يرى انَّه كذبٌ فهو أحد الكذّابين.(٣) والله يقول: ولو تقوَّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثمَّ لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين وإنّه لتذكرةٌ للمتَّقين وإنّا لنعلم أنَّ منكم مكذَّبين(٤)

أفترى أُولئك الحفّاظ والمؤرِّخين عالمين بحقيقة تلكم الأكاذيب المفتعلة؟ قد ضلّوا من قبلُ وأضلّوا كثيراً وضلّوا عن سواء السَّبيل، ومن أظلم ممَّن افترى‏ على الله كذباً أُولئك يُعرضون على‏ ربِّهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على‏ ربِّهم ألا لعنة الله على الظالمين(٥) أم تراهم جاهلين بها؟ وما لهم بذلك من علم فكذبوا صمّاً و عميانا، ويحسبون انَّهم على شيء، ومنهم اُمِّيون لا يعلمون الكتاب إلّا أمانيَّ وإنْ هم إلّا يظنّون، فمن أظلم ممّن افترى على الله كذباً ليضلَّ النّاس بغير علم، إنَّ الله لا يهدي القوم الظالمين، فويلٌ لهم ممّا كتبت أيديهم وويلٌ لهم ممّا يكسبون.

____________________

١ - امام الشافعية عبد الله بن يوسف المتوفى ٤٣٨ كان اماماً في الفقه والأصول والأدب والعربية. وجوين قرية من نواحي نيسابور.

٢ - أبو المعالي عبد الملك بن الشيخ أبي محمد المتوفى ٤٧٨.

٣ - تاريخ بغداد ٤ ص ١٦١، المنتظم ٨ ص ٢٦٨.

٤ - سورة الحاقة: ٤٤، ٤٥، ٤٦، ٤٧، ٤٨، ٤٩.

٥ - سورة هود: ١٨.

٣٧٨

ألقرن السّادس

٥٤

قطب الدين الراوندى

ألمتوفّى: ٥٧٣

بنو الزَّهراء آباء اليتامى

إذا ما خوطبوا قالوا: سلاما

همُ حجج الإ~له على البرايا

فمن ناواهمُ يلق الأثاما

فكان نهارهم أبداً صياما

وليلهمُ كما تدري قياما

ألم يجعل رسول الله يوم الـ

ـغدير عليّاً الأعلى إماما؟

ألم يك حيدرٌ قرماً هماماً؟

ألم يك حيدرٌ خيراً مقاما؟

وله قوله:

لآل المصطفى شرفٌ محيطُ

تضايق عن مرام-يه البسيطُ

إذا كثر البلايا في البرايا

فكلُّ منهمُ جاشٌ ربيطُ

إذا ما قام قائمهم بوعظ

فإنَّ كلامه درُّ لقيطُ

أو امتلأت بعدلهمُ ديارٌ

تقاعس دونه الدَّهر القسوطُ

هم العلماء إن جهل البرايا

هم الموفون إن خان الخليطُ

بنو أعمامهم جاروا عليهم

ومال الدهر إذ مال الغبيطُ

لهم في كلِّ يوم مستجدٍّ

لدى أعدائهم دمٌّ عبيطُ

تناسوا ما مضى بغدير خمّ

فأدركهم لشقوتهم هبوطُ

ألا لعنت اُميّة قد أضاعوا

( الحسين ) كأنّه فرخ سميطُ(١)

على آل الرَّسول صلاة ربّي

طوال الدَّهر ما طلع الشميطُ(٢)

____________________

١ - السميط: الخفيف الحال.

٢ - الشمط: الخلط. ويقال للصبح: الشميط. لاختلاطه باقي ظلمة الليل. توجد الابيات المذكورة في ( مستدرك الوسائل ) ٣: ٤٨٩، وفي بعض المجاميع الادبية.

٣٧٩

( ألشاعر )

قطب الدين أبو الحسين سعد(١) بن هبة الله بن الحسن بن عيسى الراوندي، إمامٌ من أئمَّة المذهب، وعينٌ من عيون الطائفة، وأوحديُّ من أساتذة الفقه والحديث، وعبقريٌّ من رجالات العلم والأدب، لا يُلحق شأوه في مآثره الجمّة، ولا يُشقُّ له غبارٌ في فضايله ومساعيه المشكورة، وخدماته الدينيَّة، وأعماله البارَّة، وكتبه القيِّمة.

يوجد ذكره الجميل بالإطراء والثناء عليه في الفهرست للشيخ منتجب الدين. معالم العلماء. أمل الآمل. لسان الميزان ٤: ٤٨. رياض العلماء. الإجازة الكبيرة للسَّماهيجي رياض الجنّة في الرَّوضة الرابعة. لؤلؤة البحرين. منتهى المقال ص ١٤٨، مستدرك الوسايل ٣: ٤٨٩. روضات الجنّات ص ٣٠١. تنقيح المقال ٢ ص ٢٢. الكُنى والألقاب ٣: ٥٨.

مشايخه والرواة عنه

يروي قدِّس سرُّه عن زرافات من حملة العلم وأساتذة المذهب منهم:

١ - ألشيخ أبو السّعادات هبة الله بن علي البغدادي المتوفّى ٥٢٢.

٢ - ألسيّد عماد الدين أبو الصَّمصام ذو الفقار بن محمّد الحسيني المروزي أدركه الشيخ منتجب الدين حدود ٥٢٠ وله يومئذ من العمر ١١٥ عاماً.

٣ - ألشّيخ أبو المحاسن مسعود بن محمّد الصواني المتوفّى ٥٤٤ كما اُرِّخ في تاريخ بيهق.

٤ - ألشّيخ عماد الدّين محمّد بن أبي القاسم الطبري مؤلَف « بشارة المصطفى لشيعة المرتضى »

٥ - ألشّيخ أبو عليّ الطبرسي صاحب « مجمع البيان » المتوفّى ٥٤٨ كما اُرِّخ في نقد الرِّجال.

٦ - ألشّيخ ركن الدين أبو الحسن عليّ بن عليّ بن عبد الصّمد النيسابوري التميمي.

٧ - ألشّيخ محمّد بن عليّ بن عبد الصّمد أخو الشيخ ركن الدين المذكور.

____________________

١ - في غير واحد من المصادر الوثيقة: سعيد.

٣٨٠