الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٢

الميزان في تفسير القرآن 0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 409

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 409
المشاهدات: 83855
تحميل: 5590


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 409 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 83855 / تحميل: 5590
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 12

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ذكرها و إذهاب أثرها فلم يكن من الكتاب العزيز الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، و لا منزّها من الاختلاف، و لا قولاً فصلاً و لا هادياً إلى الحقّ و إلى طريق مستقيم، و لا معجزاً يتحدّى به و لا، و لا، فما معنى الآيات الكثيرة الّتي تصف القرآن بأنّه في لوح محفوظ، و أنّه كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، و أنّه قول فصل، و أنّه هدى، و أنّه نور، و أنّه فرقان بين الحقّ و الباطل، و أنّه آية معجزة، و أنّه، و أنّه؟.

فهل يسعنا أن نقول: إنّ هذه الآيات على كثرتها و إباء سياقها عن التقييد مقيّدة بالبعض فبعض الكتاب فقط و هو غير المنسيّ و منسوخ التلاوة لا يأتيه الباطل و قول فصل و هدى و نور و فرقان و معجزة خالدة؟.

و هل جعل الكلام منسوخ التلاوة و نسيا منسيّا غير إبطاله و إماتته؟ و هل صيرورة القول النافع بحيث لا ينفع للأبد و لا يصلح شأنا ممّا فسد غير إلغائه و طرحه و إهماله؟ و كيف يجامع ذلك كون القرآن ذكرا؟.

فالحقّ أنّ روايات التحريف المرويّة من طرق الفريقين و كذا الروايات المرويّة في نسخ تلاوة بعض الآيات القرآنيّة مخالفة للكتاب مخالفة قطعيّة.

و الجواب عن الوجه الرابع: أنّ أصل الأخبار القاضية بمماثلة الحوادث الواقعة في هذه الاُمّة لما وقع في بني إسرائيل ممّا لا ريب فيه، و هي متظافرة أو متواترة، لكن هذه الروايات لا تدلّ على المماثلة من جميع الجهات، و هو ظاهر بل الضرورة تدفعه.

فالمراد بالمماثلة هي المماثلة في الجملة من حيث النتائج و الآثار، و حينئذ فمن الجائز أن تكون مماثلة هذه الاُمّة لبني إسرائيل في مسألة تحريف الكتاب إنّما هي في حدوث الاختلاف و التفرّق بين الاُمّة بانشعابها إلى مذاهب شتّى يكفّر بعضهم بعضاً و افتراقها إلى ثلاث و سبعين فرقة كما افترقت النصارى إلى اثنتين و سبعين و اليهود إلى واحدة و سبعين و قد ورد هذا المعنى في كثير من هذه الروايات حتّى ادّعى بعضهم كونها متواترة.

١٢١

و من المعلوم أنّ الجميع مستندون فيما اختاروه إلى كتاب الله، و ليس ذلك إلّا من جهة تحريف الكلم عن مواضعه، و تفسير القرآن الكريم بالرأي، و الاعتماد على الأخبار الواردة في تفسير الآيات من غير العرض على الكتاب و تمييز الصحيح منها من السقيم.

و بالجملة أصل الروايات الدالّة على المماثلة بين الاُمّتين لا يدلّ على شي‏ء من التحريف الّذي يدّعونه نعم وقع في بعضها ذكر التحريف بالتغيير و الإسقاط، و هذه الطائفة على ما بها من السقم مخالفة للكتاب كما تقدّم.

( الفصل ٤- الجمع الأوّل للمصحف)

في تاريخ اليعقوبي: قال عمر بن الخطّاب لأبي بكر: يا خليفة رسول الله إنّ حملة القرآن قد قتل أكثرهم يوم اليمامة فلو جمعت القرآن فإنّي أخاف عليه أن يذهب حملته، فقال له أبوبكر: أفعل ما لم يفعله رسول الله؟ فلم يزل به عمر حتّى جمعه و كتبه في صحف، و كان مفرّقا في الجريد و غيرها.

و أجلس خمسة و عشرين رجلا من قريش و خمسين رجلا من الأنصار فقال: اكتبوا القرآن و اعرضوا على سعيد بن العاص فإنّه رجل فصيح.

و روى بعضهم: أنّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام كان جمعه لما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أتى به يحمله على جمل فقال: هذا القرآن قد جمعته. قال: و كان قد جزّأه سبعة أجزاء ثمّ ذكر الأجزاء.

و في تاريخ أبي الفداء: و قتل في قتال مسيلمة جماعة من القرّاء من المهاجرين و الأنصار، و لما رأى أبوبكر كثرة من قتل أمر بجمع القرآن من أفواه الرجال و جريد النخل و الجلود، و ترك ذلك المكتوب عند حفصة بنت عمر زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، انتهى.

و الأصل فيما ذكراه الروايات فقد أخرج البخاريّ في صحيحة عن زيد بن ثابت قال: أرسل إليّ أبوبكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطّاب عنده فقال أبوبكر إنّ عمر أتاني فقال: إنّ القتل قد استحرّ بقرّاء القرآن و إنّي أخشى أن

١٢٢

يستحرّ القتل بالقرّاء في المواطن فيذهب كثير من القرآن، و إنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن، فقلت لعمر: كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال عمر: هذا و الله خير فلم يزل يراجعني حتّى شرح الله صدري لذلك و رأيت الّذي رأى عمر.

قال زيد: قال أبوبكر: إنّك شابّ عاقل لا نتّهمك و قد كنت تكتب الوحي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتتبّع القرآن فاجمعه فوالله لو كلّفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ ممّا أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: هو و الله خير.

فلم يزل أبوبكر يراجعني حتّى شرح الله صدري للّذي شرح له صدر أبي بكر و عمر فتتبّعت القرآن أجمعه من العسف و اللخاف و صدور الرجال، و وجدت آخر سورة التوبة مع خزيمة الأنصاريّ لم أجدها مع غيره:( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ ) حتّى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتّى توفّاه الله تعالى ثمّ عند عمر حياته ثمّ عند حفصة بنت عمر.

و عن ابن أبي داود من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: قدم عمر فقال: من كان تلقّى من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئاً من القرآن فليأت به و كانوا يكتبون ذلك في الصحف و الألواح و العسب، و كان لا يقبل من أحد شيئاً حتّى يشهد شهيدان.

و عنه أيضاً من طريق هشام بن عروة عن أبيه - و في الطريق انقطاع - أن أبابكر قال لعمر و لزيد: اقعدوا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شي‏ء من كتاب الله فاكتباه.

و في الإتقان عن ابن أشتة في المصاحف، عن الليث بن سعد قال: أوّل من جمع القرآن أبوبكر و كتبه زيد، و كان الناس يأتون زيد بن ثابت فكان لا يكتب آية إلّا بشاهدي عدل، و إنّ آخر سورة براءة لم يوجد إلّا مع أبي خزيمة بن ثابت فقال: اكتبوها فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل شهادته بشهادة رجلين فكتب و إنّ عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها لأنّه كان وحده.

١٢٣

و عن ابن أبي داود في المصاحف، من طريق محمّد بن إسحاق عن يحيى بن عبّاد بن عبدالله بن الزبير عن أبيه قال: أتاني الحارث بن خزيمة بهاتين الآيتين من آخر سورة براءة فقال: أشهد أنّي سمعتهما من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و وعيتهما، فقال عمر: و أنا أشهد لقد سمعتهما ثمّ قال: لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة فانظروا آخر سورة من القرآن فألحقوها في آخرها.

و عنه أيضاً من طريق أبي العالية عن اُبيّ بن كعب: أنّهم جمعوا القرآن فلمّا انتهوا إلى الآية الّتي في سورة براءة( ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ ) ظنّوا أنّ هذا آخر ما اُنزل فقال اُبيّ: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقرأني بعد هذا آيتين( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ ) إلى آخر السورة.

و في الإتقان، عن الدير عاقوليّ في فوائده حدّثنا إبراهيم بن يسار حدّثنا سفيان بن عيينة عن الزهريّ عن عبيد عن زيد بن ثابت قال: قال: قبض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لم يكن القرآن جمع في شي‏ء.

و في مستدرك الحاكم، بإسناده عن زيد بن ثابت قال: كنّا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نؤلّف القرآن من الرقاع‏، الحديث.

أقول: و لعلّ المراد ضمّ بعض الآيات النازلة نجوماً إلى بعض السور أو إلحاق بعض السور إلى بعضها ممّا يتماثل صنفاً كالطوال و المئين و المفصّلات، فقد ورد لها ذكر في الأحاديث النبويّة، و إلّا فتأليف القرآن و جمعه مصحفاً واحداً إنّما كان بعد ما قبض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا إشكال، و على مثل هذا ينبغي أن يحمل ما يأتي.

في صحيح النسائيّ، عن ابن عمر قال: جمعت القرآن فقرأت به كلّ ليلة فبلغ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: اقرأه في شهر.

و في الإتقان، عن ابن أبي داود بسند حسن عن محمّد بن كعب القرظيّ قال: جمع القرآن على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة من الأنصار: معاذ بن جبل و عبادة بن الصامت و اُبيّ بن كعب و أبو الدرداء و أبو أيّوب الأنصاريّ.

و فيه، عن البيهقيّ في المدخل عن ابن سيرين قال: جمع القرآن على عهد رسول

١٢٤

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربعة لا يختلف فيهم معاذ بن جبل و اُبيّ بن كعب و أبو زيد و اختلفوا في رجلين من ثلاثة: أبي الدرداء و عثمان و قيل: عثمان و تميم الداريّ.

و فيه، عنه و عن ابن أبي داود عن الشعبيّ قال: جمع القرآن في عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبعة: اُبيّ و زيد و معاذ و أبوالدرداء و سعيد بن عبيد و أبوزيد و مجمع بن حارثة، و قد أخذه إلّا سورتين أو ثلاث.

و فيه، أيضاً عن ابن أشتة في كتاب المصاحف من طريق كهمس عن ابن بريدة قال: أوّل من جمع القرآن في مصحف سالم مولى أبي حذيفة أقسم لا يرتدي برداء حتّى يجمعه فجمعه. الحديث.

أقول: أقصى ما تدلّ عليه هذه الروايات مجرّد جمعهم ما نزلت من السور و الآيات، و أمّا العناية بترتيب السور و الآيات كما هو اليوم أو بترتيب آخر فلا. هذا هو الجمع الأوّل في عهد أبي بكر.

( الفصل ٥- الجمع الثاني)

و قد جمع القرآن ثانياً في عهد عثمان لما اختلفت المصاحف و كثرت القراءات.

قال اليعقوبي في تاريخه: و جمع عثمان القرآن و ألفّه و صيّر الطوال مع الطوال و القصار مع القصار من السور، و كتب في جمع المصاحف من الآفاق حتّى جمعت ثمّ سلقها بالماء الحارّ و الخلّ، و قيل: أحرقها فلم يبق مصحف حتّى فعل به ذلك خلا مصحف ابن مسعود.

و كان ابن مسعود بالكوفة فامتنع أن يدفع مصحفه إلى عبدالله بن عامر و كتب( إليه ظ ‏) عثمان أن أشخصه إن لم يكن هذا الدين خبالا و هذه الاُمّة فسادا فدخل المسجد و عثمان يخطب فقال عثمان: إنّه قد قدمت عليكم دابّة سوء فكلم ابن مسعود بكلام غليظ فأمر به عثمان فجرّ برجله حتّى كسر له ضلعان فتكلّمت عائشة و قالت قولاً كثيراً.

و بعث بها إلى الأمصار و بعث بمصحف إلى الكوفة و مصحف إلى البصرة و مصحف إلى المدينة و مصحف إلى مكّة و مصحف إلى مصر و مصحف إلى الشام و مصحف

١٢٥

إلى البحرين و مصحف إلى اليمن و مصحف إلى الجزيرة.

و أمر الناس أن يقرؤا على نسخة واحدة، و كان سبب ذلك أنّه بلغه أنّ الناس يقولون: قرآن آل فلان فأراد أن يكون نسخته واحدة، و قيل: إنّ ابن مسعود كان كتب بذلك إليه فلمّا بلغه أنّه كان يحرق المصاحف قال: لم اُرد هذا، و قيل: كتب إليه بذلك حذيفة بن اليمان. انتهى موضع الحاجة.

و في الإتقان، روى البخاريّ عن أنس: أنّ حذيفة بن اليمان قدم على عثمان و كان يغازي أهل الشام في فتح أرمينيّة و آذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال لعثمان: أدرك الاُمّة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود و النصارى فأرسل إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثمّ نردّها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت و عبدالله بن الزبير و سعيد بن العاص و عبدالرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف.

و قال عثمان للرهط القرشيّين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم و زيد بن ثابت في شي‏ء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنّه إنّما نزل بلسانهم ففعلوا حتّى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردّ عثمان الصحف إلى حفصة و أرسل إلى كلّ اُفق بمصحف ممّا نسخوا و أمر بما سواه من القرآن في كلّ صحيفة أو مصحف أن يحرق.

قال زيد: آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاريّ:( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ ) فألحقناها في سورتها في المصحف.

و فيه، أخرج ابن أشتة من طريق أيّوب عن أبي قلابة قال: حدّثني رجل من بني عامر يقال له: أنس بن مالك قال: اختلفوا في القرآن على عهد عثمان حتّى اقتتل الغلمان و المعلّمون فبلغ ذلك عثمان بن عفّان فقال: عندي تكذّبون به و تلحنون فيه فمن نأى عنّي كان أشدّ تكذيبا و أكثر لحنا يا أصحاب محمّد اجتمعوا و اكتبوا للناس إماماً.

فاجتمعوا فكانوا إذا اختلفوا و تدارؤوا في آية قالوا: هذه أقرأها رسول الله

١٢٦

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلانا فيرسل إليه و هو على رأس ثلاث من المدينة فيقال له: كيف أقرأك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آية كذا و كذا؟ فيقول كذا و كذا فيكتبونها و قد تركوا لذلك مكاناً.

و فيه، عن ابن أبي داود من طريق ابن سيرين عن كثير بن أفلح قال: لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلاً من قريش و الأنصار فبعثوا إلى الربعة الّتي في بيت عمر فجي‏ء بها و كان عثمان يتعاهدهم فكانوا إذا تدارؤوا في شي‏ء أخّروه.

قال محمّد: فظننت أنّما كانوا يؤخّرونه لينظروا أحدثهم عهداً بالعرضة الأخيرة فيكتبونه على قوله.

و فيه، أخرج ابن أبي داود بسند صحيح عن سويد بن غفلة قال: قال عليّ: لا تقولوا في عثمان إلّا خيراً فوالله ما فعل الّذي فعل في المصاحف إلّا عن ملإ منّا قال ما تقولون في هذه القرّاء؟ فقد بلغني أنّ بعضهم يقول: إنّ قراءتي خير من قراءتك و هذا يكاد يكون كفراً قلنا: فما ترى؟( قال: أرى ظ ‏) أن يجمع الناس على مصحف واحد فلا يكون فرقة و لا اختلاف. قلنا: فنعم ما رأيت.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن الضريس عن علباء بن أحمر أنّ عثمان بن عفّان: لما أراد أن يكتب المصاحب أرادوا أن يلقوا الواو الّتي في براءة:( وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ ) قال اُبيّ: لتلحقنّها أو لأضعنّ سيفي على عاتقي فألحقوها.

و في الإتقان، عن أحمد و أبي داود و الترمذيّ و النسائيّ و ابن حبّان و الحاكم عن ابن عبّاس قال: قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال و هي من المثاني و إلى براءة و هي من المئين فقرّبتم بينهما و لم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم و وضعتموهما في السبع الطوال.

فقال عثمان: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تنزل عليه السورة ذات العدد فكان إذا اُنزل عليه الشي‏ء دعا بعض من كان يكتب، فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة الّتي يذكر فيها كذا و كذا، و كانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، و كانت

١٢٧

براءة من آخر القرآن نزولاً و كانت قصّتها شبيهة بقصّتها فظننت أنّها منها فقبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لم يبيّن لنا أنّها منها.

فمن أجل ذلك قرنت بينهما، و لم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم و وضعتها في السبع الطوال.

أقول: السبع الطوال - على ما يظهر من هذه الرواية و روي أيضاً عن أبي جبير - هي البقرة و آل عمران و النساء و المائدة و الأنعام و الأعراف و يونس، و قد كانت موضوعة في الجمع الأوّل على هذا الترتيب ثمّ غيّر عثمان هذا الترتيب فأخذ الأنفال و هي من المثاني و براءة و هي من المئين قبل المثاني فوضعهما بين الأعراف و يونس مقدّماً الأنفال على براءة.

( الفصل ٦- حول روايات الجمعين)

الروايات الموضوعة في الفصلين السابقين هي أشهر الروايات الواردة في باب جمع القرآن و تأليفه بين صحيحة و سقيمة، و هي تدلّ على أنّ الجمع الأوّل كان جمعاً لشتات السور المكتوبة في العسب و اللخاف و الأكتاف و الجلود و الرقاع و إلحاق الآيات النازلة متفرّقة إلى سور تناسبها.

و أنّ الجمع الثاني و هو الجمع العثمانيّ كان ردّ المصاحف المنتشرة عن الجمع الأوّل بعد عروض تعارض النسخ و اختلاف القراءات عليها إلى مصحف واحد مجمع عليه عدا ما كان من قول زيد أنّه ألحق قوله:( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ ) الآية، في سورة الأحزاب في المصحف فقد كانت المصاحف تتلى خمس عشرة سنة و ليست فيها الآية.

و قد روى البخاريّ عن ابن الزبير قال: قلت لعثمان( وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً ) قد نسختها الآية الاُخرى فلم تكتبها أو تدعها؟ قال: يا ابن أخي لا اُغيّر شيئاً منه من مكانه.

و الّذي يعطيه النظر الحرّ في أمر هذه الروايات و دلالتها - و هي عمدة ما في هذا الباب - أنّها آحاد غير متواترة لكنّها محفوفة بقرائن قطعيّة فقد كان النبيّ

١٢٨

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبلّغ الناس ما نزّل إليه من ربّه من غير أن يكتم منه شيئاً، و كان يعلّمهم و يبيّن لهم ما نزّل إليهم من ربّهم على ما نصّ عليه القرآن، و لم يزل جماعة منهم يعلّمون و يتعلّمون القرآن تعلّم تلاوة و بيان و هم القرّاء الّذين قتل جمّ غفير منهم في غزوة اليمامة.

و كان الناس على رغبة شديدة في أخذ القرآن و تعاطيه و لم يترك هذا الشأن و لا ارتفع القرآن من بينهم و لا يوماً أو بعض يوم حتّى جمع القرآن في مصحف واحد ثمّ اُجمع عليه فلم يبتل القرآن بما ابتليت به التوراة و الإنجيل و كتب سائر الأنبياء.

أضف إلى ذلك روايات لا تحصى كثرة وردت من طرق الشيعة و أهل السنّة في قراءاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيراً من السور القرآنيّة في الفرائض اليوميّة و غيرها بمسمع من ملإ الناس، و قد سمّي في هذه الروايات جمّ غفير من السور القرآنيّة مكّيّتها و مدنيّتها.

أضف إلى ذلك ما تقدّم‏ في رواية عثمان بن أبي العاص: في تفسير قوله تعالى:( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ ) الآية: النحل: ٩٠ من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ جبريل أتاني بهذه الآية و أمرني أن أضعها في موضعها من السورة، و نظير الرواية في الدلالة ما دلّ على قراءتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبعض السور النازلة نجوماً كآل عمران و النساء و غيرها فيدلّ على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأمر كتّاب الوحي بإلحاق بعض الآيات في موضعها.

و أعظم الشواهد القاطعة ما تقدّم في أوّل هذه الأبحاث أنّ القرآن الموجود بأيدينا واجد لما وصفه الله تعالى من الأوصاف الكريمة.

و بالجملة الّذي تدلّ عليه هذه الروايات هي:

أوّلاً: أنّ الموجود فيما بين الدفّتين من القرآن هو كلام الله تعالى فلم يزد فيه شي‏ء و لم يتغيّر منه شي‏ء و أمّا النقص فإنّها لا تفي بنفيه نفياً قطعيّاً كما روي بعدّة طرق أنّ عمر كان يذكر كثيراً آية الرجم و لم تكتب عنه و أمّا حملهم الرواية و سائر ما ورد في التحريف - و قد ذكر الآلوسيّ في تفسيره أنّها فوق حدّ الإحصاء - على منسوخ التلاوة فقد عرفت فساده و تحقّقت أنّ إثبات منسوخ التلاوة أشنع من

١٢٩

إثبات أصل التحريف.

على أنّ من كان له مصحف غير ما جمعه زيد أوّلاً بأمر من أبي بكر و ثانياً بأمر من عثمان كعليّعليه‌السلام و اُبيّ بن كعب و عبدالله بن مسعود لم ينكر شيئاً ممّا حواه المصحف الدائر غير ما نقل عن ابن مسعود أنّه لم يكتب في مصحفه المعوّذتين و كان يقول: إنّهما عوذتان نزل بهما جبرئيل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليعوّذ بهما الحسنينعليهما‌السلام ، و قد ردّه سائر الصحابة و تواترت النصوص من أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام على أنّهما سورتان من القرآن.

و بالجملة الروايات السابقة - كما ترى - آحاد محفوفة بالقرائن القطعيّة نافية للتحريف بالزيادة و التغيير قطعا دون النقص إلّا ظنّاً، و دعوى بعضهم التواتر من حيث الجهات الثلاث لا مستند لها.

و التعويل في ذلك على ما قدّمناه من الحجّة في أوّل هذه الأبحاث أنّ القرآن الّذي بأيدينا واجد للصفات الكريمة الّتي وصف الله سبحانه بها القرآن الواقعيّ الّذي أنزله على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ككونه قولاً فصلاً و رافعاً للاختلاف و ذكراً و هادياً و نوراً و مبيّناً للمعارف الحقيقيّة و الشرائع الفطريّة و آية معجزة إلى غير ذلك من صفاته الكريمة.

و من الحريّ أن نعوّل على هذا الوجه فإنّ حجّة القرآن على كونه كلام الله المنزل على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي نفسه المتّصفة بهاتيك الصفات الكريمة من غير أن يتوقّف في ذلك على أمر آخر وراء نفسه كائنا ما كان فحجّته معه أينما تحقّق و بيد من كان و من أيّ طريق وصل.

و بعبارة اُخرى لا يتوقّف القرآن النازل من عند الله إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كونه متّصفاً بصفاته الكريمة على ثبوت استناده إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنقل متواتر أو متظافر - و إن كان واجداً لذلك - بل الأمر بالعكس فاتّصافه بصفاته الكريمة هو الحجّة على الاستناد فليس كالكتب و الرسائل المنسوبة إلى المصنّفين و الكتاب، و الأقاويل المأثورة عن العلماء و أصحاب الأنظار المتوقّفة صحّة استنادها إلى نقل قطعيّ و

١٣٠

بلوغ متواتر أو مستفيض مثلاً بل نفس ذاته هي الحجّة على ثبوته.

و ثانياً: أنّ ترتيب السور إنّما هو من الصحابة في الجمع الأوّل و الثاني و من الدليل عليه ما تقدّم في الروايات من وضع عثمان الأنفال و براءة بين الأعراف و يونس و قد كانتا في الجمع الأوّل متأخّرتين.

و من الدليل عليه ما ورد من مغايرة ترتيب مصاحف سائر الصحابة للجمع الأوّل و الثاني كليهما كما روي أنّ مصحف عليّعليه‌السلام كان مرتّبا على ترتيب النزول فكان أوّله اقرأ ثمّ المدّثّر ثمّ نون ثمّ المزّمّل ثمّ تبّت ثمّ التكوير و هكذا إلى آخر المكّيّ و المدنيّ نقله في الإتقان عن ابن فارس، و في تاريخ اليعقوبيّ ترتيب آخر لمصحفهعليه‌السلام .

و نقل عن ابن أشتة في المصاحف بإسناده عن أبي جعفر الكوفيّ ترتيب مصحف اُبيّ و هو يغاير المصحف الدائر مغايرة شديدة، و كذا عنه فيه بإسناده عن جرير بن عبد الحميد ترتيب مصحف عبدالله بن مسعود آخذاً من الطوال ثمّ المئين ثمّ المثاني ثمّ المفصّل و هو أيضاً مغاير للمصحف الدائر.

و قد ذهب كثير منهم إلى أنّ ترتيب السور توقيفيّ و أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الّذي أمر بهذا الترتيب بإشارة من جبريل بأمر من الله سبحانه حتّى أفرط بعضهم فادّعى ثبوت ذلك بالتواتر و ليت شعري أين هذا التواتر و قد تقدّمت عمدة روايات الباب و لا أثر فيها من هذا المعنى، و سيأتي استدلال بعضهم على ذلك بما ورد من نزول القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا جملة ثمّ منها على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تدريجاً.

و ثالثاً: أنّ وقوع بعض الآيات القرآنيّة الّتي نزلت متفرّقة موقعها الّذي هي فيه الآن لم يخل عن مداخلة من الصحابة بالاجتهاد كما هو ظاهر روايات الجمع الأوّل و قد تقدّمت.

و أمّا رواية عثمان بن أبي العاص عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية بهذا الموضع من السورة( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ ) الآية فلا تدلّ على أزيد من فعلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض الآيات في الجملة لا بالجملة، و على

١٣١

تقدير التسليم لا دلالة لما بأيدينا من الروايات المتقدّمة على مطابقة ترتيب الصحابة ترتيبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و مجرّد حسن الظنّ بهم لا يسمح للروايات بدلالة تدلّ بها على ذلك و إنّما يفيد أنّهم ما كانوا ليعمدوا إلى مخالفة ترتيبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما علموه لا فيما جهلوه. و في روايات الجمع الأوّل المتقدّمة أوضح الشواهد على أنّهم ما كانوا على علم بمواضع جميع الآيات و لا بنفسها.

و يدلّ على ذلك الروايات المستفيضة الّتي وردت من طرق الشيعة و أهل السنّة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و المؤمنين إنّما كانوا يعلمون تمام السورة بنزول البسملة كما رواه أبوداود و الحاكم و البيهقيّ و البزّار من طريق سعيد بن جبير - على ما في الإتقان -، عن ابن عبّاس قال: كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يعرف فضل السورة حتّى تنزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم زاد البزّار: فإذا نزلت عرف أنّ السورة قد ختمت و استقبلت أو ابتدأت سورة اُخرى.

و أيضا عن الحاكم من وجه آخر عن سعيد عن ابن عبّاس قال: كان المسلمون لا يعلمون انقضاء السورة حتّى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم فإذا نزلت علموا أنّ السورة قد انقضت‏، إسناده على شرط الشيخين.

و أيضاً عنه من وجه آخر عن سعيد عن ابن عباس: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا جاءه جبريل فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم علم أنّها سورة، إسناده صحيح.

أقول: و روي ما يقرب من ذلك في عدّة روايات اُخر و روي ذلك من طرق الشيعة عن الباقرعليه‌السلام .

و الروايات - كما ترى - صريحة في دلالتها على أنّ الآيات كانت مرتّبة عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحسب ترتيب النزول فكانت المكّيّات في السورة المكّيّة و المدنيّات في سورة مدنيّة اللّهمّ إلّا أن يفرض سورة نزل بعضها بمكّة و بعضها بالمدينة، و لا يتحقّق هذا الفرض إلّا في سورة واحدة.

و لازم ذلك أن يكون ما نشاهده من اختلاف مواضع الآيات مستنداً إلى اجتهاد من الصحابة.

١٣٢

توضيح ذلك أنّ هناك ما لا يحصى من روايات أسباب النزول يدلّ على كون آيات كثيرة في السور المدنيّة نازلة بمكّة و بالعكس و على كون آيات من القرآن نازلة مثلاً في أواخر عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هي واقعة في سور نازلة في أوائل الهجرة و قد نزلت بين الوقتين سور اُخرى كثيرة، و ذلك كسورة البقرة الّتي نزلت في السنة الاُولى من الهجرة و فيها آيات الربا و قد وردت الروايات على أنّها من آخر ما نزلت على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى ورد عن عمر أنّه قال: مات رسول الله و لم يبيّن لنا آيات الربا، و فيها قوله تعالى:( وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ) الآية: البقرة: ٢٨١، و قد ورد أنّها آخر ما نزل من القرآن على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فهذه الآيات النازلة مفرّقة الموضوعة في سور لا تجانسها في المكّيّة و المدنيّة موضوعة في غير موضعها بحسب ترتيب النزول و ليس إلّا عن اجتهاد من الصحابة.

و يؤيّد ذلك‏ ما في الإتقان، عن ابن حجر: و قد ورد عن عليّ أنّه جمع القرآن على ترتيب النزول عقب موت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخرجه ابن أبي داود و هو من مسلّمات مداليل روايات الشيعة.

هذا ما يدلّ عليه ظاهر روايات الباب المتقدّمة لكن الجمهور أصرّوا على أنّ ترتيب الآيات توقيفيّ فآيات المصحف الدائر اليوم و هو المصحف العثمانيّ مرتّبة على ما رتّبها عليه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإشارة من جبريل، و أوّلوا ظاهر الروايات بأنّ جمع الصحابة لم يكن جمع ترتيب و إنّما كان جمعاً لما كانوا يعلمونه و يحفظونه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من السور و آياتها المرتّبة، بين دفّتين و في مكان واحد.

و أنت خبير بأنّ كيفيّة الجمع الأوّل الّذي تدلّ عليها الروايات تدفع هذه الدعوى دفعا صريحاً.

و ربّما استدلّ عليه بما ادّعاه بعضهم من الإجماع على ذلك فقد نقل السيوطيّ في الإتقان عن الزركشيّ دعوى الإجماع عليه و عن أبي جعفر بن الزبير نفي الخلاف فيه بين المسلمين، و هو إجماع منقول لا يعتمد عليه بعد وجود الخلاف في أصل التحريف

١٣٣

و دلالة ما تقدّم من الروايات على خلافه.

و ربّما استدلّ عليه بالتواتر و يوجد ذلك في كلام كثير منهم ادّعوا تواتر الترتيب الموجود عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو عجيب‏ و قد نقل في الإتقان، بعد نقله ما رواه البخاريّ و غيره بعدّة طرق عن أنس أنّه قال: مات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لم يجمع القرآن غير أربعة: أبوالدرداء و معاذ بن جبل و زيد بن ثابت و أبو زيد، و في رواية:( اُبيّ بن كعب) بدل أبي الدرداء - عن المازريّ أنّه قال: و قد تمسّك بقول أنس هذا جماعة من الملاحدة و لا متمسّك لهم فيه فإنّا لا نسلّم حمله على ظاهره سلّمنا و لكن من أين لهم أنّ الواقع في نفس الأمر كذلك؟ سلّمناه لكن لا يلزم من كون كلّ من الجمّ الغفير لم يحفظه كلّه أن لا يكون حفظ مجموعة الجمّ الغفير و ليس من شرط التواتر أن يحفظ كلّ فرد جميعه بل إذا حفظ الكلّ الكلّ و لو على التوزيع كفى، انتهى.

أمّا دعواه أنّ ظاهر كلام أنس غير مراد فهو ممّا لا يصغي إليه في الأبحاث اللفظيّة المبنيّة على ظاهر اللفظ إلّا بقرينة من نفس كلام المتكلّم أو ما ينوب منابه أمّا مجرّد الدعوى و الاستناد إلى قول آخرين فلا.

على أنّه لو حمل كلام أنس على خلاف ظاهره كان من الواجب أن يحمل على أنّ هؤلاء الأربعة إنّما جمعوا في عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معظم القرآن و أكثر سورة و آياته لا على أنّهم و غيرهم من الصحابة جمعوا جميع القرآن على ما في المصحف العثمانيّ و حفظوا ترتيب سوره و آياته و ضبطوا موضع كلّ واحدة واحدة منها عن آخرها فهذا زيد بن ثابت نفسه - و هو أحد الأربعة المذكورين في حديث أنس و المتصدّي للجمع الأوّل و الثاني كليهما - يصرّح في رواياته أنّه لم يحفظ جميع الآيات.

و نظيره ما في الإتقان، عن ابن أشتة في المصاحف بسند صحيح عن محمّد بن سيرين قال: مات أبوبكر و لم يجمع القرآن و قتل عمر و لم يجمع القرآن.

و أمّا قوله: سلّمناه و لكن من أين لهم أنّ الواقع في نفس الأمر كذلك؟

١٣٤

فمقلوب على نفسه فمن أين لهذا القائل أنّ الواقع في نفس الأمر كما يدّعيه و قد عرفت الشواهد على خلاف ما يدّعيه؟.

و أمّا قوله: إنّه يكفي في تحقّق التواتر أن يحفظ الكلّ كلّ القرآن على سبيل التوزيع فمغالطة واضحة لأنّه إنّما يفيد كون مجموع القرآن من حيث المجموع منقولاً بالتواتر و أمّا كون كلّ واحدة واحدة من الآيات القرآنيّة محفوظة من حيث محلّها و موضعها بالتواتر فلا و هو ظاهر.

و نقل في الإتقان، عن البغويّ أنّه قال في شرح السنّة: الصحابة جمعوا بين الدفّتين القرآن الّذي أنزله الله على رسوله من غير أن زادوا أو نقصوا منه شيئاً خوف ذهاب بعضه بذهاب حفظته فكتبوه كما سمعوا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير أن قدّموا شيئاً أو أخّروه أو وضعوا له ترتيباً لم يأخذوه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلقّن أصحابه و يعلّمهم ما نزل عليه من القرآن على الترتيب الّذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبريل إيّاه على ذلك و إعلامه عند نزول كلّ آية أنّ هذه الآية تكتب عقب آية كذا في سورة كذا.

فثبت أنّ سعي الصحابة كان في جمعه في موضع واحد لا في ترتيبه فإنّ القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب أنزله الله جملة إلى السماء الدنيا ثمّ كان ينزّله مفرّقاً عند الحاجة و ترتيب النزول غير ترتيب التلاوة انتهى.

و نقل عن ابن الحصار أنّه قال: ترتيب السور و وضع الآيات مواضعها إنّما كان بالوحي كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: ضعوا آية كذا في موضع كذا، و قد حصل اليقين من النقل المتواتر بهذا الترتيب من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و إنّما أجمع الصحابة على وضعه هكذا في المصحف انتهى: و نقل أيضاً ما يقرب من ذلك عن جماعة غيرهم كالبيهقيّ و الطيبيّ و ابن حجر.

أمّا قولهم: إنّ الصحابة إنّما كتبوا المصحف على الترتيب الّذي أخذوه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غير أن يخالفوه في شي‏ء فممّا لا يدلّ عليه شي‏ء من الروايات المتقدّمة، و إنّما المسلّم من دلالتها أنّهم إنّما أثبتوا ما قامت عليه البيّنة

١٣٥

من متن الآيات و لا إشارة في ذلك إلى كيفيّة ترتيب الآيات النازلة مفرّقة و هو ظاهر نعم في رواية ابن عبّاس المتقدّمة عن عثمان ما يشير إلى ذلك غير أنّ الّذي فيه أنّه كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمر بعض كتاب الوحي بذلك و هو غير إعلامه جميع الصحابة ذلك على أنّ الرواية معارضة بروايات الجمع الأوّل و أخبار نزول بسم الله و غيرها.

و أمّا قولهم: إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقّن الصحابة هذا الترتيب الموجود في مصاحفنا بتوقيف من جبريل و وحي سماويّ فكأنّه إشارة إلى حديث عثمان بن أبي العاص المتقدّم في آية( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ ) و قد عرفت ممّا تقدّم أنّه حديث واحد في خصوص موضع آية واحدة، و أين ذلك من مواضع جميع الآيات المفرّقة.

و أمّا قولهم: إنّ القرآن مكتوب على هذا الترتيب في اللوح المحفوظ أنزله الله إلى السماء الدنيا ثمّ أنزله الله مفرّقاً عند الحاجة إلخ، فإشارة إلى ما روي مستفيضاً من طرق الشيعة و أهل السنّة من نزول القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثمّ نزوله منها نجوماً إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكن الروايات ليس فيها أدنى دلالة على كون القرآن مكتوباً في اللوح المحفوظ منظّماً في السماء الدنيا على الترتيب الموجود في المصحف الّذي عندنا و هو ظاهر.

على أنّه سيأتي إن شاء الله الكلام في معنى كتابة القرآن في اللوح المحفوظ و نزوله إلى السماء الدنيا في ذيل ما يناسب ذلك من الآيات كأوّل سورتي الزخرف و الدخان و سورة القدر.

و أمّا قولهم: إنّه قد حصل اليقين بالنقل المتواتر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا الترتيب الموجود في المصاحف فقد عرفت أنّه دعوى خالية عن الدليل و أنّ هذا التواتر لا خبر عنه بالنسبة إلى كلّ آية آية كيف و قد تكاثرت الروايات أنّ ابن مسعود لم يكتب في مصحفه المعوّذتين و كان يقول إنّهما ليستا من القرآن و إنّما نزل بهما جبريل تعويذاً للحسنين، و كان يحكّهما عن المصاحف، و لم ينقل عنه أنّه رجع عن قوله فكيف خفي عليه هذا التواتر طول حياته بعد الجمع الأوّل.

١٣٦

( الفصل ٧- الكلام حول روايات الإنساء)

يتعلّق بالبحث السابق البحث في روايات الإنساء - و قد مرّت إشارة إجماليّة إليها - و هي عدّة روايات وردت من طرق أهل السنّة في نسخ القرآن و إنسائه حملوا عليها ما ورد من روايات التحريف سقوطاً و تغييراً.

فمنها ما في الدرّ المنثور، عن ابن أبي حاتم و الحاكم في الكنى و ابن عديّ و ابن عساكر عن ابن عبّاس قال: كان ممّا ينزل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوحي بالليل و ينساه بالنهار فأنزل الله:( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) .

و فيه، عن أبي داود في ناسخه و البيهقيّ في الدلائل عن أبي أمامة: أنّ رهطا من الأنصار من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبروه أنّ رجلاً قام من جوف الليل يريد أن يفتتح سورة كان قد وعاها فلم يقدر منها على شي‏ء إلّا بسم الله الرحمن الرحيم و وقع ذلك لناس من أصحابه فأصبحوا فسألوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن السورة فسكت ساعة لم يرجع إليهم شيئاً ثمّ قال: نسخت البارحة فنسخت من صدورهم و من كلّ شي‏ء كانت فيه.

أقول: و القصّة مرويّة بعدّة طرق في ألفاظ متقاربة مضموناً.

و فيه، عن عبدالرزّاق و سعيد بن منصور و أبي داود في ناسخه و ابنه في المصاحف و النسائيّ و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و الحاكم و صحّحه عن سعد بن أبي وقّاص: أنّه قرأ:( ما ننسخ من آية أو ننسأها) فقيل له: إنّ سعيد بن المسيّب يقرأ( نُنْسِها ) فقال سعد: إنّ القرآن لم ينزل على المسيّب و لا آل المسيّب قال الله:( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى‏ ) ( وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ ) .

أقول: يريد بالتمسّك بالآيتين إنّ الله رفع النسيان عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيتعيّن أن يقرأ( ننسأها) من النسي‏ء بمعنى الترك و التأخير فيكون المراد بقوله:( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ ) إزالة الآية عن العمل دون التلاوة كآية صدقة النجوى، و بقوله:( أو ننسأها) ترك الآية و رفعها من عندهم بالمرّة و إزالتها عن العمل و التلاوة كما روي تفسيرها بذلك عن ابن عبّاس و مجاهد و قتادة و غيرهم.

١٣٧

و فيه، أخرج ابن الأنباريّ عن أبي ظبيان قال: قال لنا ابن عباس: أيّ القراءتين تعدّون أوّل؟ قلنا: قراءة عبدالله و قراءتنا هي الأخيرة. فقال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعرض عليه جبريل القرآن كلّ سنة مرّة في شهر رمضان و أنّه عرضه عليه في آخر سنة مرّتين فشهد منه عبدالله ما نسخ ما بدلّ.

أقول: و هذا المعنى مرويّ بطرق اُخرى عن ابن عبّاس و عبدالله بن مسعود نفسه و غيرهما من الصحابة و التابعين و هناك روايات اُخر في الإنساء.

و محصّل ما استفيد منها أنّ النسخ قد يكون في الحكم كالآيات المنسوخة المثبتة في المصحف، و قد يكون في التلاوة مع نسخ حكمها أو من غير نسخ حكمها و قد تقدّم في تفسير قوله:( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ ) البقرة: ١٠٦ و سيأتي في قوله:( وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ ) النحل: ١٠١ أنّ الآيتين أجنبيّتان عن الإنساء بمعنى نسخ التلاوة، و تقدّم أيضاً في الفصول السابقة أنّ هذه الروايات مخالفة لصريح الكتاب فالوجه عطفها على روايات التحريف و طرح القبيلين جميعاً.

١٣٨

( سورة الحجر الآيات ١٠ - ١٥)

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ( ١٠) وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ( ١١) كَذَٰلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ( ١٢) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ  وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ( ١٣) وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ( ١٤) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ( ١٥)

( بيان)

لمّا ذكر استهزاءهم بكتابه و نبيّه و ما اقترحوا عليه من الإتيان بالملائكة آية للرسالة عقّبه بثلاث طوائف من الآيات و هي المصدّرة بقوله:( وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ ) إلخ و قوله:( وَ لَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً ) إلخ و قوله:( وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ ) إلخ.

فبيّن في اُوليها أنّ هذا الاستهزاء دأب و سنّة جارية للمجرمين و ليسوا بمؤمنين و لو جاءتهم آيّة آية، و في الثانية أنّ هناك آيات سماويّة و أرضيّة كافية لمن وفّق للإيمان و في الثالثة أنّ الاختلاف بالإيمان و الكفر في نوع الإنسان و ضلال أهل الضلال ممّا تعيّن لهم يوم أبدع الله خلق الإنسان، فخلق آدم و جرى هنالك ما جرى من أمر الملائكة بالسجود و إباء إبليس عن ذلك.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ ) إلى آخر الآيتين. الشيع جمع شيعة و هي الفرقة المتّفقة على سنّة أو مذهب يتّبعونه قال تعالى:( مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَ كانُوا شِيَعاً كلّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) الروم: ٣٢.

و قوله:( وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا ) أي رسلا و قد حذف للاستغناء عنه فإنّ العناية بأصل تحقّق الإرسال من قبل من غير نظر إلى من اُرسل بل بيان أنّ البشر الأوّلين

١٣٩

كالآخرين جرت عادتهم على أن لا يحترموا الرسالة الإلهيّة و يستهزؤا بمن أتى بها و يمضوا على إجرامهم لتكون في ذلك تعزية للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يضيق صدره بما قابلوه به من الإنكار و الاستهزاء كما سيعود إليه في آخر السورة بقوله:( وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ ) الخ: الآية ٩٧ من السورة.

و المعنى: طب نفساً فنحن نزّلنا الذكر عليك و نحن نحفظه و لا يضيقنّ صدرك بما يقولون فهو دأب المجرمين من الاُمم الإنسانيّة اُقسم لقد أرسلنا من قبلك في فرق الأوّلين و شيعهم و حالهم هذه الحال ما يأتيهم من رسول إلّا كانوا به يستهزؤن.

قوله تعالى: ( كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ) إلى آخر الآيتين. السلوك: النفاذ و الإنفاذ يقال: سلك الطريق أي نفذ فيه و سلك الخيط في الإبرة أي أنفذه فيها و أدخله و ذكروا أنّ سلك و أسلك بمعنى.

و الضميران في( نَسْلُكُهُ ) و( بِهِ ) للذكر المتقدّم ذكره و هو القرآن الكريم و المعنى أنّ حال رسالتك و دعوتك بالذكر المنزل إليك تشبه حال الرسالة من قبلك فكما أرسلنا من قبلك فقابلوها بالردّ و الاستهزاء كذلك ندخل هذا الذكر و ننفذه في قلوب هؤلاء المجرمين، و نبّأ به: أنّهم لا يؤمنون بالذكر و قد مضت طريقة الأوّلين و سنّتهم في أنّهم يستهزؤن بالحقّ و لا يتّبعونه فالآيتان قريبتا المعنى من قوله:( فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ ) .

و ربّما قيل: إنّ الضميرين للشرك أو الاستهزاء المفهوم من الآيات السابقة و الباء في( بِهِ ) للسببيّة، و المعنى كذلك ننفذ الشرك أو الاستهزاء في قلوب المجرمين لا يؤمنون بسبب الشرك أو الاستهزاء إلخ.

و هو معنى بعيد، و المتبادر إلى الذهن من لفظة( لا يُؤْمِنُونَ بِهِ ) أنّ الباء للتعدية دون السببيّة.

و ربّما قيل: إنّ الضمير الأوّل للاستهزاء المفهوم من سابق الكلام و الثاني للذكر المذكور سابقاً، و المعنى مثل ما سلكنا الاستهزاء في قلوب شيع الأوّلين نسلك الاستهزاء و ننفذه في قلوب هؤلاء المجرمين لا يؤمنون بالذكر إلخ.

١٤٠