الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه0%

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه مؤلف:
تصنيف: دواوين
الصفحات: 345

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه

مؤلف: حيدر محلاتي
تصنيف:

الصفحات: 345
المشاهدات: 75622
تحميل: 6814

توضيحات:

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 345 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75622 / تحميل: 6814
الحجم الحجم الحجم
الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه

مؤلف:
العربية

القافية ، السناد. والسناد « هو اختلاف ما يجب مراعاته قبل الروي من الحروف والحركات »(١) . ومن أمثلة السناد الواردة في شعر الفرطوسي قوله في فيضان « دجلة والفرات » :

فأصبحت تعجّ في ضجيجها

وتستغيث بالصراخ واللجَبْ

وكم بها من طفلة مذعورة

تبكي وطفلٍ مستريب ينتَحِبْ

إلى أن يقول :

وأرتسم الشقاء في طابعها

وغُيرت منها السمات بالرُعُبْ(٢)

فالروي حرف الباء الساكنة ، إلاّ انّ حركة ما قبل الروي تختلف في الأبيات الثلاثة. ففي البيت الأول حركة الفتحة ، وفي البيت الثاني حركة الكسرة ، وفي البيت الثالث حركة الضمة. ويسمى هذا النوع من السناد الذي يحصل في الروي المقيد ، سناد التوجيه(٣) .

ومثل هذه الموارد قليلة في شعر الفرطوسي. فالصفة الغالبة على شعره قوة البناء ومتانة الأسلوب ، بالإضافة إلى جودة البيان ونصاعة التعبير.

٨ - استخدام المحسنات البديعية :

لم يمعن الشيخ الفرطوسي في السعي وراء المحسنات البديعية واستخدام قوالبها المصطنعة والمقيدة. بل كانت تأتي في سياق تعبيره عن أحاسيسه الحقيقية ومشاعره الصادقة مترسلةً من غير تعسف وتكلّف. وقد حرص الشيخ على أن

__________________

١ - نادر نظام طهراني : العروض العربي ، ص ١٥.

٢ - ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ٣١٢.

٣ - نادر نظام : المصدر السابق.

١٤١

يتبع ألفاظه إلى معانيه ، وأن ينظر إلى المضمون قبل صياغة الشكل.

ومع ذلك فانّ في الديوان محسنات جميلة وردت بصورة عفوية ومن خلال انسياب الكلمات المتناسقة في الشكل والحروف ، والمتناسبة من جهة اللحن والايقاع. ومن هذه المحسنات :

أ - الجناس : « وهو تشابه لفظين في النطق ، واختلافهما في المعنى »(١) . كالجناس بين كلمة « مطلع » بمعنى الابتداء ، و « مطلع » بمعنى طلوع الشمس في هذا البيت :

نشيدي وأنت له مطلع

من الشمس يعنو له مطلع(٢)

والجناس بين كلمة « نضير » بمعنى الحسن الناعم. و « نظير » بمعنى المثيل في البيت التالي :

حياة كلّ ما فيها نضير

ولكن لا تضاهى في نظير(٣)

والجناس بين كلمة « وردي » بمعنى شربي ، و « وردي » بمعنى دعائي في قوله :

فيا وطني العزيز وأنت وردي

لدى ضمئي ووردي في دعائي(٤)

ب - الطباق : « وهو الجمع بين لفظين مُقَابلين في المعنى »(٥) . كالطباق بين كلمتي « رجائي » و « يأسي » في قوله :

يا سماءَ الخيال أنتِ سمائي

أنت دنيا يأسي ودنيا رجائي(٦)

__________________

١ - أحمد الهاشمي : جواهر البلاغة ، ص ٣٤٣.

٢ - ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ٣٣.

٣ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ١٧٥.

٤ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ١٧٩.

٥ - أحمد الهاشمي : جواهر البلاغة ، ص ٣١٣.

٦ - ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ١٣٠.

١٤٢

والطباق بين فعلي « تجود » و « يضنّ » في هذا البيت :

وتجود من كرم بما أوتيته

ويضنُّ غيرك أن تعيش قنوعا(١)

والطباق بين « قريباً » و « بعيداً » في البيت التالي :

ولا تنسوا أحبائي قريباً

بعيداً عن حنوّ الأقرباء(٢)

ج - التورية : وهي « أن يذكر المتكلم لفظاً مفرداً له معنيان ؛ أحدهما قريب غير مقصود ودلالة اللفظ عليه ظاهرة ، والآخر بعيد مقصود ودلالة اللفظ عليه خفيّة »(٣) . كالتورية في هذا البيت :

إذا ما علا بالسيف قرم رأيته

هو الشفع مقسوماً وضربته وتر(٤)

فالظاهر من الشفع والوتر هو المعنى القرآني الذي جاء في الآية الشريفة « والشفع والوتر »(٥) . إلاّ انّ الشاعر أراد معناه اللغوي وهو الشفع بمعنى الزوج ، والوتر بمعنى الفرد.

د - رد العجز على الصدر : وهو أن يجعل أحد اللفظين المكررين والمتجانسين في المصراع الأول ، والآخر في المصراع الثاني(٦) . كما جاء في البيت التالي :

ويصرعها العقل من بطشه

كما هو من بطشها يصرع(٧)

ه - التضمين : « وهو أن يضمّن الشاعر كلامه شيئاً من مشهور شعر الغير »(٨) . كقوله :

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ١٥٣.

٢ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ١٧٩.

٣ - أحمد الهاشمي : جواهر البلاغة ، ص ٣١٠ ، ٣١١.

٤ - ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ٨٦.

٥ - الفجر : ٣.

٦ - أحمد الهاشمي : جواهر البلاغة ، ص ٣٥٤.

٧ - ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ١٢٤.

٨ - أحمد الهاشمي : جواهر البلاغة ، ص ٣٦٢.

١٤٣

سلي الحوادث عن تأريخ نهضتنا

«واستشهدي البيض هل خاب الرجا فينا»(١)

وفيه تضمين لشعر صفي الدين الحلي(٢) من بيت يقول فيه :

سلي الرماحَ العوالي عن معالينا

واستشهدي البيض هل خاب الرجا فينا(٣)

وكذلك التضمين في هذا البيت :

«لا خيل عندي اهديها» فاعقرها

على ثراك سوى شعري وتأبيني(٤)

وفيه اشارة إلى بيت مشهور من قول أبي الطيّب المتنبي(٥) :

لا خيل عندك تهديها ولا مال

فليُسعد النطق إن لم تُسعد الحال(٦)

ويمكن اعتبار البيت التالي نوعاً من التضمين :

فالسيلُ قد بلغ الزُّبى تياره

متدافعاً وتجاوز الطغيان(٧)

فقد أشار الشاعر إلى المثل المشهور « بلغ السيلُ الزُّبى » ، وهو مثل يضرب لما جاوز الحد(٨) .

هذه إضمامة لبعض المحسنات البديعية الواردة في شعر الفرطوسي. وهي قليلة لا يهتم الشاعر بها بقدر ما يهتم بسلامة المعاني ، ونصاعة الأفكار ، وشفافية المضامين ، ووضوح المفاهيم.

__________________

١ - ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ٢١٩.

٢ - عبدالعزيز بن سرايا ( ٦٧٧ - ٧٥٠ ه ). شاعر عصره ، ولد ونشأ في الحلة واشتغل في التجارة. رحل إلى القاهرة سنة ٧٢٦ ه فمدح السلطان الملك الناصر. له ديوان شعر ورسالة بعنوان « العاطل الحالي ». ( الأعلام ، ج ٤ ، ص ١٤١ ).

٣ - ديوان صفي الدين الحلي ، ص ٢٠.

٤ - ديوان الفرطوسي ، ج ٢ ، ص ٦٦.

٥ - أحمد بن الحسين الكندي ( ٣٠٣ - ٣٥٤ ه ). الشاعر الحكيم وأحد مفاخر الأدب العربي. له الأمثال السائرة والحكم البالغة والمعاني المبتكرة. شرح ديوانه شروحاً وافية وكثيرة. ( الأعلام ، ج ١ ، ص ١١٠ ).

٦ - ديوان المتنبي ، ص ٣٩٦.

٧ - ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ٢٨٦.

٨ - أحمد بن محمّد الميداني : مجمع الأمثال ، ج ١ ، ص ١٣٢.

١٤٤

رابعاً : الأدوار

مرّ الشيخ الفرطوسي من خلال تجربته الشعرية الطويلة بأدوار ومراحل مختلفة تفاوتت من حيث العطاء الأدبي بتفاوت الظروف التي عاشها الشاعر في ظل أنظمة الحكم في العراق. ولا شك أنّ الشاعر وباعتباره لسان جيله المعبّر عن آماله وآلامه وأفراحه وأتراحه أوّل من يواجه الضغوط والاضطهاد من قبل الأنظمة الاستبدادية التي دأبت في فرض منطق العنف ، وخنق الحريات الفردية والاجتماعية.

وعلى ضوء هذا الواقع المرّ ، ومن خلال المتابعة التاريخية لنتاج الشاعر يمكن حصر الأدوار الزمنية لشعر الفرطوسي في المراحل التالية :

١ - مرحلة السمو والأزدهار ( ١٩٣٥ - ١٩٥٨ م )

تشكل هذه المرحلة من حياة الشاعر أعظم فترات الأخصاب الشعري التي شهدها الشيخ الفرطوسي طوال عمله الأدبي. فقد شملت أكثر من ثلثي قصائد ديوانه ، وبالتحديد ٤ و٦٧% من مجموع أشعار الديوان. وهذه الفترة التي تمتد في العهد الملكي وتنتهي بثورة ١٤ تموز عام ١٩٥٨ م تعد - وعلى الرغم من ممارسات المحتل التعسفية - من أفضل فترات النشاط الأدبي للشاعر لظروفها الباعثة على النظم والابداع.

وفي ظل تلك الظروف المساعدة والأجواء الباعثة على النشاط والتفاعل استطاع الشاعر أن ينظم معظم قصائده السياسية والاجتماعية ، وأن يطرق مختلف الأغراض الشعرية كالوصف والغزل والمديح والرثاء وغيرها.

١٤٥

٢ - مرحلة الفتور الأولى ( ١٩٥٨ - ١٩٦٣ م )

بعد أن أطيح بالحكم الملكي في العراق بالثورة التي قادها عبدالكريم قاسم عام ١٩٥٨ م ، تطلّع الشعب إلى هذه الثورة والأمل يراودهم في استقلال بلادهم من هيمنة المحتل الأنجليزي وانتهاء عهد مظلم تشبع بالظلم والاضطهاد. وقد راود هذا الأمل قلب الشاعر الذي استقبل الثورة بكل حفاوة وترحيب :

بغدادُ يادارَ السلام تحيةً

للفاتحين تُحفُّ بالإكبار

صوغي أهازيجَ الكرامة نغمة

كالنار تَلهبُ من فمِ القيثار

وتطلعي للاُفق ان نجومه

رَجمت شياطينَ العمى بشرار

لشعور هذا الشعب كيف تدافعت

أفراحُه كتدافعِ التيار

لطلائع الآمال وهي كتائبٌ

زَحفت مع الثوار في مضمار

طولي على هامِ المجرّة رفعةً

وبطولةً في جيشكِ الجرار(١)

وبالرغم من التفاؤل الذي تطلع اليه الشعب في اصلاح الوضع وتحسين المعيشة من خلال الثورة ، إلاّ انّ الوضع أخذ يتأزم شيئاً فشيئاً ، وأخذت الفوضى تعمّ البلاد ، وأخذت الحركات الهدامة ذات المبادئ المنحرفة تدسّ أفكارها المسمومة في الأوساط الثقافية والفكرية ، ممّا دعا الشاعر إلى مطالبة السلطة بإيفاء وعودها من تضمين الحريات ، واحترام القانون ، واستتباب الأمن والاستقرار في البلاد :

يا باعثَ الوعي حياً حين أرهقه

ظلمٌ فلم يَبقَ من أنفاسه رمق

نريدُ حريةً للشعب حيثُ بها

من كل رقيّة سوداءَ ينعتق

محدودةً بنظام لا يصيِّرُها

فَوضى بها حرمةُ القانون تخترق

__________________

١ - ديوان الفرطوسي ، ج ٢ ، ص ٨٢.

١٤٦

نريد للحكم أفذاذاً عباقرةً

من تربة الخير والاصلاح قد خلقوا

يطبقون بهذا الشعب أنظمة

للحكم حيثُ نظامُ العدل ينطبق

فالحكم ميزانُ عدل لا تميل به

عينٌ على اختها يطغى بها النزق

والحكم كالرأس ان الرأس ليس به

عينٌ تنامُ وعينٌ ملؤها أرق(١)

وما لبثت أن تبدلت الآمال إلى آلام ، وراحت الحريات التي طالما حلم بها الشعب وتطلع إليها بعين الأمل تأخذ مسيرها إلى الكبت والخنق. وعادت ثانية ممارسات الظلم والتعسّف تنال المثقفين والمفكرين وتزري بالأدباء والشعراء.

وفي مثل هذه الظروف ، وإثر الاضطهادات والضغوط التي مارسها النظام آنذاك أخذ نتاج الشاعر يتضاءل ليصل إلى أدنى مستوى من عمله الأدبي حيث بلغ ٧ و٤% من مجموع القصائد التي أنشدها في هذه الفترة.

٣ - مرحلة النهوض ( ١٩٦٣ - ١٩٦٨ م )

بعد أن أخفقت ثورة الرابع عشر من تموز عام ١٩٥٨ م في تحقيق الأمن والاستقرار في العراق ، قام عدد من الضباط بقيادة عبدالسلام عارف بانقلاب عسكري في الثامن من شباط عام ١٩٦٣ م أطاح بحكومة عبدالكريم قاسم التي دامت خمس سنوات.

وفي هذه الفترة أي من عام ١٩٦٣ م وحتى عام ١٩٦٨ م نلحظ بعض مظاهر النهضة في نتاج الشاعر حيث وصل نظمه في هذه الفترة قرابة الثلث من قصائد الديوان وتحديداً ٩ و٢٧% من مجموع القصائد.

ومنشأ هذه النهضة لم يكن الوضع السياسي الجديد. فالاضطهادات لم تزل

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٨٩.

١٤٧

قائمة ، ولم يزل الأديب مغلول اليدين ، فاقد الحرية تمارس بحقه أنواع الضغوط والعنف من قبل السلطة :

ماذا يراد من الأديب وقلبُه

للناس ملكٌ وهو حر ( منعمُ )

ليس الأديب بضاعةً في سوقها

تشرى ويرفع مستواها الدرهم

انّ الأديب لسان جيل ما له

في الخطب إلاّ وعيه المتضرمُ

ورسالة للعبقرية فذة

توحي فيرسمها الخيال الملهم

تهوى البساطةَ نفسه وحياته

السوداءُ من تعقيدها تتجهم

انّ الأديب بجسمه قيثارة

وبروحه اغرودة تترنّم

هو بلبل البشرى بأندية الهنا

وهو الغراب إذا يقام المأتمُ

الوضع يُرغمه بأن يغدو له

عبداً وحر ضميره لا يرغم(١)

ولكن النهضة الشعرية التي طرأت على نتاج الشاعر تعود إلى خروج الشاعر من العراق وذهابه إلى « سويسرا » و« لبنان » من أجل العلاج. وفي هذه الفترة القليلة التي ابتعد الشاعر عن جوّ العراق الخانق وذاق طعم الحرية في بلاد الغربة نظم الفرطوسي قصائد كثيرة من بينها جلّ أشعار الغزل التي حواها ديوانه.

ومن هنا تعتبر رحلة الشيخ إلى « سويسرا » و « لبنان » منعطفاً هاماً في مسيرة الشاعر حيث تعاطى فيها نظم الغزل والنسيب الذي لم يطرقه من ذي قبل بسبب القيود التي فرضت عليه من محيطه المقيد وبيئته المحافظة.

٤ - مرحلة الفتور الثانية ( ١٩٦٨ - ١٩٨٣ م )

شهدت هذه الفترة فتوراً ملحوظاً في نتاج الشاعر وخاصّةً في الشعر

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٩١.

١٤٨

السياسي والاجتماعي. ومن المؤكّد انّ الظروف القاسية التي مرّ بها الشاعر آنذاك والضغوط التي كانت تُمارَس بحقه بين الحين والآخر هي التي دعت الشاعر إلى إقلاعه عن نظم الشعر السياسي والاجتماعي.

وفي هذه الفترة بالذات وتحديداً في منتصف السبعينات خطرت ببال الشاعر فكرة نظم الملحمة فكانت عاملاً آخر في اقلاعه عن نظم الشعر في المناسبات وتكريس جلّ اهتمامه في تأليف موسوعته المذكورة. وقد استمر الشاعر في عمله هذا بعد مغادرته العراق عام ١٩٨٠ م وحتى وفاته بالأمارات العربية المتحدة عام ١٩٨٣ م.

١٤٩

١٥٠

الفَصْلُ الثُّانيْ

اتجاهات الفرطوسي الشعرية

١٥١

١٥٢

١ - الشعر السياسي :

اتجه الشيخ الفرطوسي إلى الشعر السياسي اتجاهاً واضحاً اثر المستجدات من الأحداث التي عاشها ولامس واقعها المرير وأحسّ بأثرها الأليم على شعبه وأبناء وطنه. ويعود اهتمام الشيخ بالشعر السياسي إلى بواعث كثيرة ، منها تواجده الفاعل والمستمر في ميادين العمل السياسي والوطني ، بالاضافة إلى النزعة الوجدانية والحبّ الفطري الذي تشبّع به قلب الشاعر تجاه وطنه وتجاه حرية شعبه واستقلاله وازدهاره.

ولم يقتصر اهتمام الشاعر على الأحداث السياسية في العراق فقط ، بل إهتمّ أيضاً بسائر الوقائع السياسية التي كانت تحدث في البلدان العربية الاُخرى ، ممّا يدلّ على توجه الشاعر إلى الشعر القومي وإهتمامه بشؤون وشجون أُمّته في شتّى الأقطار والبلاد العربية :

هذي بلاد العرب وهي مراجلٌ

للعزم تغلي بالدم الفوار

وطلائع الوعي المجلجل أنذرت

جيش الغزاة بجيشها الجرار

عصفت بها (مصر) وثارت (جلق )

وتدافعت ( بغداد ) كالإعصار

ومشت بها ( عدن ) إلى أخواتها

مشي العفرنى للعفرنى الضاري

وطغت (عمان) مثل ( لبنان ) بها

علقاً يفور على جحيم النار

وتفجرت حمماً ( فلسطينٌ ) لها

من كلّ بركان بها موار

١٥٣

ومن ( الجزائر ) والجزائرُ مرجل

يغلي على لهب السعير الواري

ضجت قرابينُ الجهاد ونددت

بفضائع المستعمر الجزار

شعب يسير إلى الحياة وأُمة

تهوى الممات بعزّة وفخار

وبشعب ( عمان ) ستلهب جمرة

منها العزائم تصطلي بشرار

ومتى يصان حماية ثغرٌ بلا

شعبٍ وسلطانٌ بلا أنصار(١)

ويمكن تحديد الموضوعات السياسية التي تناولها الشاعر في ديوانه بالموارد التالية :

أ - القضية الفلسطينية (٢) :

اهتم الشيخ الفرطوسي بقضية فلسطين وشعبها المضطهد باعتبارها أهم قضية شغلت العالم العربي والإسلامي ، وهيمنت على باقي القضايا والأحداث.

__________________

١ - ديوان الفرطوسي ، ج ٢ ، ص ٨٥.

٢ - أثر انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأُولى ، تسنّى لبريطانيا بسط نفوذها على أجزاء من البلاد العربية كانت فلسطين من ضمنها. وقد أصبحت فلسطين تحت الانتداب البريطاني أثر دخول بريطانيا إليها في تشرين الأوّل عام ١٩١٧ م لتتركها في آيار عام ١٩٤٨ م بعد أن مهّدت لقيام الكيان الصهيوني في فلسطين. وقد أثار فعل الانجليز هذا حفيظة الفلسطنيين ، وردود فعل عنيفة ظهرت على شكل مؤتمرات وطنية ، وأحزاب استقلالية ، ومواجهات حادة مع المحتل الصهيوني. ومن هذه المواجهات اندلاع ثورة ١٩٣٦ م التي شكل الفلسطينيون حينها جهازاً شعبياً ليقود الحركة الوطنية ضد الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية. وفي المقابل دأب الصهاينة في سياستهم التوسعية عن طريق الحروب التي شنّوها على العرب المسلمين ، منها حرب ١٩٤٨ م التي تمكّن الاسرائيليون من خلالها السيطرة على أربعة أخماس فلسطين ، وحرب ١٩٥٦ م التي انتزعت أراضي واسعة اُخرى من فلسطين ، وحرب ١٩٦٧ م التي احتلت اسرائيل فيها الضفة الغربية ، وشرقي الاُردن ، وغزة وسيناء ، وثلاثة أرباع الجولان. ومن خلال هذه الحروب انشأت اسرائيل مستوطنات عديدة لايواء اليهود الوافدين إليها من شتى أنحاء العالم. ولا يزال الاستيطان قائماً حتى اليوم ، ولا تزال القضية الفلسطينية عالقة من دون حل. ( موسوعة السياسة ، ج ٤ ، ص ٥٧٢ - ٥٨١ ).

١٥٤

وقد نظم الشاعر في هذا الشأن قصائد كثيرة اتّجه في بعضها اتجاهاً عربياً محضاً ، وفي البعض الآخر اتجه اتجاهاً إسلامياً محضاً ، بينما نجد الروح العربية والإسلامية منصهرة معاً في قصائده الاُخرى التي ظهر فيها الشاعر واضح المعالم باتجاهه العربي الإسلامي الموحّد(١) .

ونلحظ الإتجاه العربي للشاعر في قصيدته « فلسطين » التي نظمها عام ١٩٣٨ م ، والتي يقول في أبياتها الاُولى :

بالسيف اقسم لا بالطرس والقلم

أنّ الأماني بحد الصارم الخذم

والحقّ يشهد أنّ السيف صاحبه

وصاحب السيف قدماً صاحب الهمم

وليس تنهض بالأمر الخطير يدٌ

وما لديها سوى القرطاس والقلم

ولا تسود على أقرانها أممٌ

بدون رعد الظبا أو خفقة العلم

ومن ثم يتوجه إلى العرب ليثير نخوتهم ، ويستنهض عزائمهم من أجل تخليص فلسطين من وطأة المستعمر المحتل الذي أذاق الشعب الفلسطيني شتى ألوان الذل والهوان :

يانخوة العرب ثوري ياحميَّتها

توقدي بسعير منك مضطرم

ماذا القعود وقد ساد الهوان بنا

وشيمة الحر تأبى الجبن ان تضم

وكيف قد طأطأت للضيم أرؤسها

وهي الاُباةُ عرانينٌ ذوو شمم

وكيف لذّلها الورد الهنيَ وقد

أديف ذلك من أبنائها بدم

هبي فتلك فلسطين بها سفكت

دماء يعرب حتى سلن كالديم

جارت عليها يد جبّارة حكمت

على فلسطين بالارهاق والعدم

خانت ضمائرها فيها فما حفظت

ولا رعت لذمام العدل من حرم

__________________

١ - محمد حسين الصغير : فلسطين في الشعر النجفي المعاصر ، ص ٢٤٤.

١٥٥

ما ضرّها خصمها لما به احتدمت

لكن جلَّ أذاها من يد الحكم

صبراً فلسطين فالأحرار شيمتها

ثباتُها واحتفاظاً ربّة الشيم

فعن قريبٍ يبين الحقُّ متضحاً

وتنجلي عنه أستارٌ من الظلم(١)

ومن قصائد الشاعر التي انصهرت فيها الروح العربية والاسلامية قصيدته « تحية الجيوش العربية » التي نظمها اثر سقوط القدس القديمة بيد الجيوش العربية في حرب عام ١٩٤٨ م :

طلائعُ الفتح ونشوةُ الغَلبْ

تهتف بالنصر لأمة العربْ

بشائر تُوصَل في بشائر

كأنها سلاسل من الذهبْ

قد رقصت لها البلاد كلها

وأصبحت تهتز بشراً وطربْ

واحتفل الشرقُ بها محتضناً

لمهدها من الحنو والحدبْ

أما ترى (الأردن) و( القدس ) معاً

تعجّ بالبشر ( كمصر) و(حلبْ)

و(دجلة) (كالنيل) حيث ( بردى )

بموعد الفتح المبين المرتقبْ

نحن بني العرب الكرام بيننا

ساد الوئام وانجلت عنا الريبْ

عناصر الوحدة في أوطاننا

تألّفت وهي شعور ونسبْ

فنظمت أوضاعنا وهي سدىً

ووحدت شعوبنا وهي شعبْ

حتى غدا الجدب إلى الخصب أخاً

وأصبح السهل يعانق الحدبْ

وليس ذا بدعاً فإنّا أُمّةٌ

تربطنا الوحدة في خير سببْ

وانّنا من عنصر متّحدٍ

ولا فروق بيننا سوى اللقبْ

لنا من الإسلام خيرُ جامع

وحسبُنا أنّا بنو أمّ وأبْ

ويواصل الشاعر تأكيده على الوحدة من خلال الاعتماد على النفس ونبذ

__________________

١ - ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ٢٠٩ ، ٢١٠.

١٥٦

المواعيد السياسية الكاذبة والقرارات الدولية الجائرة التي تسلب الشعب حقّه وتنتهك سيادته وكرامته :

تحرقي ياعزماتِ يعرب

وصيّري الواتر للنار حطب

وأنزلي الطاغوت من سمائه

إلى الحضيض جاثياً على الركب

دعي قرار الأمن في ناحية

وفنّدي كل اقتراح وطلب

فقد ملكت الأمر أنت سطوة

في بَدئهِ بعد جهود وتعب

فقرري أنت المصيرَ كله

وليكن الحكم لدولة القضب

لا تغلبي اليوم على الأمر يداً

( فإنّما الأمر غداً لمن غلب )

ومن ثم يعرج الشاعر في قصيدته على المحتل الغاصب ليكيل له الويل والثبور وليتوعده بسوء المنقلب والمصير :

أبناء صهيون وتلك نسبة

يقرن بالخزي لها من انتسب

قد ضُرب الذلُّ عليكم مثلما

بؤتم من الله بسخط وغضب

منّيتُم النفس عمىً في أمل

مُنيتم بالويل منه والحرب

فخيبت آمالكم وآذنت

أوضاعكم لكم بسوء المنقلب

وياعبيد العجل لا أفلحتُم

وكيف يفلح امرؤ أغضب رب

من علّم العبد بأن يسمو على

سيده وهو بأرفع الرتب

أيصبح الرأس مسوداً بيننا

ويصبح السيُد عندنا الذنب

مهازلٌ بها الحياة احتشدت

فاحتشدت من المآسي والكرب

وقد غدا مزمراً من سخف

لطبله الأجوف كل من ضرب

روايةٌ وهميةٌ قد مثّلت

في مسرح من الخيال مقتضب

أمة اسرائيل فيها حملت

من بعد عقمها قروناً وحقب

١٥٧

لكنّها من شؤمها قد وضعت

جنينها ما بين أحضان العطب

ويجدد الشاعر أمله بتحقيق النصر ، وتخليص فلسطين من أغلال الاحتلال والهيمنة الصهيونية بالصبر ، والمثابرة على مقاتلة المحتل واجباره على التراجع من الأراضي الفلسطينية :

صبراً فلسطين وان طال العنا

وجلجلت بك الخطوب والنوب(١)

قد آن تحريرك من رقيّة

قد جلبت لك الشقاء والنصب

بفوهة المدفع حين قصّرت

أقلامنا فما وفت بما وجب

بمنطق القوة حين ألجمت

أفواه من قال بنا ومن كتب

فهلهلي للبشريات والمنى

واستقبلي الشرق بها فالشرق هب

وهذه الصحراء منه احتشدت

فيالقاً طبقت الدنيا لجب(٢)

فالأرض وهي لجة من الدما

والأفق وهو مرجل من اللهب(٣)

هبّ لانقاذك وهو واهب

بالنفس والفوز حليف من وهب(٤)

ويختم الشاعر قصيدته بتحية المقاتلين والمجاهدين من أبناء مصر والأردن وسوريا ولبنان والعراق ممن شاركوا في الحرب التحررية ، ويشيد بمواقفهم البطولية التي حققت جزءاً من أماني وآمال الشعب الفلسطيني المسلم.

__________________

١ - جلجل من الجلجلة وهي شدّة الصوت وحدّته. ( لسان العرب ، ج ٢ ، ص ٣٣٨ ).

٢ - اللّجَب : الصوت والصياح والجَلَبة. ( لسان العرب ، ج ١٢ ، ص ٢٣٧ ).

٣ - المرجل : القِدْر من الحجارة والنحاس. ( لسان العرب ، ج ٥ ، ص ١٦٠ ).

٤ - ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ٢٤٢ - ٢٤٥.

١٥٨

ب - الثورة الجزائرية (١) :

حين قامت الثورة الجزائرية ، وارتفعت أعلامها ، كان الشعراء في كافة البلاد العربية يقفون إلى جانبها بقصائدهم المؤيدة وأشعارهم الحماسية. وفي العراق كان الشعر النجفي في طليعة الشعر العراقي المؤيد للثورة الجزائرية وشعبها الصامد. ولم يشأ الفرطوسي أن يتخلف عن ركب الشعراء الثائرين بل واكب الثورة وبكل حماس منذ انطلاقتها الاُولى. فقد أنشد قصيدة « الجزائر »(٢) عام ١٩٥٦ م وقبل أن يتحقق استقلالها :

ياأمة الشرف المجيد

ذودي عن الأوطان ذودي

هبّي إلى استقلالك الـ

ـغالي مرفرفة البنود

وخذيه مخضوب القو

ادم من دم الشعب النجيد(٣)

__________________

١ - وتعرف أيضاً ب « ثورة المليون شهيد » وهي حرب تحريرية وطنية ثورية ضد الاستعمار الاستيطاني الفرنسي. انطلقت الرصاصة الأُولى للثورة في الثلاثين من تشرين الثاني عام ١٩٥٤ م معلنة قيام الثورة بعد قرن ونيّف من الاستعمار الفرنسي للجزائر. وقد بدأت هذه الثورة بقيام مجموعات صغيرة من الثوار المزودين بأسلحة قديمة ، وبنادق صيد ، وبعض الألغام بعمليات عسكرية استهدفت مراكز الجيش الفرنسي ومواقعه في أنحاء مختلفة من البلاد في وقت واحد. وكانت الثورة تهدف إلى استقلال الجزائر التام ، وسحب القوات الفرنسية ، وإقامة حكومة وطنية ، وإجراء اصلاحات واسعة بالنسبة لملكيات الأرض وتأميم المشروعات الصناعية. وقد تكللت الثورة بالنجاح بعد أن وافقت فرنسا على الاستفتاء العام الذي جرى في الأوّل من تموز عام ١٩٦٢ م ، وفيه اقترع الجزائريون لصالح الاستقلال وإنسحاب فرنسا من الجزائر بعد استعمار دام أكثر من مئة وثلاثين عاماً. ( موسوعة السياسة ، ج ٢ ، ص ١٨٨ - ١٩٢ ).

٢ - قدّم الشاعر قصيدته بمقدمة نثرية قال فيها : « مجازر عسف وانتقام تذبح الانسانية على صعيدها الوحشي وتقبر الفضيلة والنبل في لحدها المظلم وتنسخ الرحمة والعدالة بيدها الأثيمة. كل ذلك لاشباع نهمة استعمار فرنسي مجرم يفرضه بالنار والحديد على شعب عربي مجاهد يتطلّع لحريته واستقلاله وهو مؤمن بحقّه متفان بإيمانه. فأين ذهبت من العالم صرخة الإنسانية المجلجلة بهذا الوحش العقور ».

٣ النجيد : الشجاع. ( لسان العرب ، ج ١٤ ، ص ٤٩ ).

١٥٩

تعلوه أصوات اليـ

ـتامى في أهازيج النشيد

وترف تحت ظلاله

مقلُ الأيامى كالورود

مخضلةً بمدامع

صُهرت على ذهب الخدود(١)

في تربة ورث الجهاد

بها البنون من الجدود

تأريخ مجدك ناصعٌ

عبقٌ من الذكر الحميد

وجهادك الجبّار عنـ

ـوانٌ لاسفار الخلود

تهوي جباهُ الظالمين

له وتعنو بالسجود

وتطول فيه بطولة الـ

ـشهداء في درج الصعود

ضحيت فيه بما غلا

من طارف لك أو تليد

والمجد غرس التضحيات

وصنوها جيداً لجيد(٢)

والموت في سوح الجهاد

ألذُّ من عيش العبيد

ويحمل الشاعر على المستعمر الفرنسي ليذكره بمجازره التي ارتكبها بحقّ الإنسانية ، وبحقّ التأريخ وبحقّ الخُلق والفضيلة :

ياساسة الارهاق في الد

نيا ويابُقيا ثمود

شوهتم التاريخ في

صحف من الارهاب سود

وأبدتم الانصاف في

نقم من الظلم المبيد

وقتلتم نبلُ الضمائر

بالضغائن والحقود

وقبرتم الإنسان في

أخلاقه بين اللحود

ومحوتمُ رسم الفضيلة

من سجلات الوجود

__________________

١ - المخضل : الندي. ( لسان العرب ، ج ٤ ، ص ١٣٠ ).

٢ - الصنو : الأخ. ( لسان العرب ، ج ٧ ، ص ٤٢٥ ).

١٦٠