الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه0%

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه مؤلف:
تصنيف: دواوين
الصفحات: 345

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه

مؤلف: حيدر محلاتي
تصنيف:

الصفحات: 345
المشاهدات: 75613
تحميل: 6814

توضيحات:

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 345 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75613 / تحميل: 6814
الحجم الحجم الحجم
الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه

مؤلف:
العربية

يدسّها فيه أفكاراً مسممةً

النار تذكو بها والشعب يحترق

ياخالقين بهذا الشعب بلبلةً

بكل ما عملوا فيه وما نطقوا

الشعبُ حرٌّ جريءٌ في إرادته

صلبُ العقيدة في أقواله ذلق

فلا يدين بأفكار مخربة

حمراءَ يُهدَمُ منها الدينُ والخلق

فاننا أمةٌ في الدين مسلمةٌ

بكل ما جاءَ في قرآنها تثق

واننا عربٌ والكرد اخوتنا

جيداً لجيد بهذا المهد نعتنق

ويضع الشاعر اصبعه على مواضع الفتن التي كانت تثار من قبل تلك الحركات ، ويحذر من تمزق الشعب وتفرقه إذا ما استمرت مثل هذه الأحزاب في العمل دون رادع ومانع :

يامصلح الوضع ان الوضع أفسده

تشاحنٌ من دجى رأيين ينبثق

هما أقليةٌ في الشعب قد نجمت

كيما تفرقه والشعب متفق

هذي المبادئ تنأى عن مكاسبها

مكاسبُ الثورة الكبرى وتفترق

أجهز عليها ففي أهدافها خطرٌ

على البلاد وفي تشريعها فرق

تقهقر الشعب من أهدافها خلقاً

ووحدة واقتصاداً وهو منطلق

فأصبحت موبقات الأثم مدرجة

إلى الفضائل فيها يرتقي الخلق

والسلم مجزرة حمراءُ مظلمةٌ

إلى الحمام بها الأرواح تستبق

وأضحت الوحدة الكبرى بنا غرضاً

للطامعين فشعب واحدٌ فرق

وعاد اصلاحنا حقلاً لمزرعة

من المفاسدِ فيها يُزرع القلق

فالأرض قفراء والفلاح مفتقر

للقرض والشعب قد أودى به الملق

وليس يعلم من سارت سفينته

ان الشراع الذي يجري بها خلق

         

١٨١

وقد دأب الشيخ الشاعر لدى تحذيره من خطر هذه الحركات في توجيه خطابه إلى قادة الأمة ، وحثهم على التمسك بمبادئ الدين السديدة ، والعمل بتعاليم الاسلام الرشيدة التي طالما تجسّدت من خلالها الوحدة والتآزر بين كافة شرائح المجتمع :

ياقادة الدين في الاسلام معذرة

ان ضاق في نفثات الصدر ما رحبا

الدين مجدكم ريعت معاقله

من الغزاة وفي أخلاقه نُكبا

لا فوضوية في الاسلام ينشدها

مخربٌ ينشد التفريق والعطبا

وغيرها من مبادي الكفر يتبعها

في الكفر زندقةً يا من إليه صبا

فانّنا أمّة في الدين مسلمةٌ

لا ترتضي غير دين الله منقلبا

نظامنا وهو القرآن نرفعه

على الرؤوس شعاراً يَدرأ الريبا

إلى أن يقول :

لا طائفية والاسلام يربطنا

من الاخاء بقربىً تفضل النسبا

فالطائفية نار من يؤججها

لابدّ أن يغتدي يوماً لها حطبا

وقوةٌ بيد المستعمرين بها

تغزو البلاد وتستولي بها غلبا

وحربةٌ في صميم الشعب يغرسها

مفرقٌ ينشد التضليل والحربا

لا طائفية والتوحيد جامعة

أضحت بها الوحدة الكبرى لنا سببا

الدين والدم والقرآن معجزنا

بها نعانق اخواناً لنا عربا(١)

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ١٣ ، ١٤.

١٨٢

٢ - الشعر الاجتماعي :

انصرف الشيخ الفرطوسي في جانب كبير من شعره إلى الشؤون الاجتماعية وذلك لارتباطه الوثيق واحتكاكه الدائم والمستمر بشرائح المجتمع المختلفة من قبيل أصحاب الحرف والمهنيين ، والعمال والفلاحين بالاضافة إلى المثقفين والمفكرين والأدباء والشعراء.

وقد دفع هذا الارتباط بالشاعر إلى الخوض في ميادين الاجتماع من أجل التعرف على مشاكل الناس ومعالجة أوضاع المجتمع الذي طالما استفحلت فيه المشاكل والمعضلات. وقد ساعدت الظروف الاجتماعية العصيبة التي عصفت بالشاعر طوال حياته على تفهمه لهذا اللون من الشعر واقباله عليه في مناسبات مختلفة.

ولا غرو فان الشاعر الذي ذاق في بداية نشأته أنواع البؤس والشقاء وواكب الحرمان في شتى أدوار حياته لجدير بأن يكثر من الشعر الاجتماعي ويسهب في الحديث عن المآسي والأتراح التي حفّت بأبناء وطنه وأعاقت شعبه عن الرقي والتقدم.

وقد حاول الشاعر من خلال تناوله الموضوعات الاجتماعية البحث عن حلول إصلاحية تكفل لمواطنيه حياة طيّبة لا يشوبها الفقر والحرمان ولا تجد الرذيلة والمفسدة اليها طريقاً ومسلكاً.

وتتلخص محاولات الشيخ الاصلاحية التي قام بها من خلال أشعاره الاجتماعية في الموارد التالية :

١٨٣

أ - محاربة الفقر والفساد :

قبيل الحكم الجمهوري وفي عهد الاحتلال البريطاني عاش الناس فقراً مدقعاً وحياة شظف ونكد لم يكن الفرد يجد لقمة الخبز التي تقيم أوده وتحفظ رمقه. ولم يكن الفقر آنذاك قاصراً على طبقة دون اخرى بل كان شائعاً بين أوسع طبقات المجتمع بلا استثناء.

وقد تناول الشاعر في كثير من قصائده مأساة الفقر وما كان يعانيه الشعب من بؤس وحرمان نتيجة العوز وضيق اليد. ومن هذه القصائد قصيدة « اليتيم » التي صور فيها جانباً من حياة الفقر والشقاء التي كان يعيشها الناس في تلك الآونة :

طفل يتيم أقضّ الجوعُ مضجعه

ملوّع القلب قد أودى به الخور(١)

قد مات والده فاظلمّ مكتئباً

أفق الرجاء عليه مذخبا القمر

إلى أن يقول :

والهفتاه له من ضارعٍ سغب

قد طأطأ الرأس منه الفقر والصغر(٢)

أودى به البؤس من جوع ومن شعث

فاغبرّ منه المحيا الطلق والشعر

يستعطف الناس ممّا قد ألمّ به

وليس فيهم لصوت الحق منتصر

ويسأل القوم إسعافاً وحاجتُه

قرصٌ يكافح فيه الجوع أو كسر

وليس في القوم من يصغي لندبته

وهي الحزينة لولا أنهم صور

يمدّ إحدى يديه سائلاً ويدٌ

يصون فيها محيّاً شأنه الخفر(٣)

معطل الجيد لولا أن جبهته

تندى حياً فتحلي جيده الدرر

__________________

١ - الخَوَر : الضعف. ( لسان العرب ، ج ٤ ، ص ٢٤٢ ).

٢ - الضارع : الضعيف الذليل. ( لسان العرب ، ج ٨ ، ص ٥٣ ).

٣ - الخَفَر : شِدَّةُ الحياء. ( لسان العرب ، ج ٤ ، ص ١٥٢ ).

١٨٤

لا يسأل الناس إلحافاً بحاجته

ولس ينقم إن صدوا وإن بطروا(١)

مطأطئ الرأس في رجليه قد جمدت

دماه من طول ما يرجو وينتظر(٢)

والشاعر نفسه لم يكن بمنأى عن هذه المأساة ، فطالما مرّ بظروف قاسية يوم كان طالباً دينياً لا يصله من الحقوق الشرعية إلاّ النزر القليل حيث لم يكن يكفيه لسد حاجاته وادارة شؤونه.

وقد حاول الشاعر مراراً معالجة هذه الظاهرة الخطيرة في قصائد عديدة من شعره ، منها قصيدة « قادة العلم » التي أرسلها صرخة مدوية يستنهض بها همم الولاة والقادة لدرء هذا الخطر المحدق بحياة الناس وخاصة حياة طلاب العلم :

يا قادة العلم والاصلاح مجدكم

والدين مجدٌ عظيمٌ ثُلَّ وأنثلما

...هذي الأزاهير وهي الغرس بعدكم

وكنتُم قبلُ غرساً ناشئاً فنما

تسد بالترب أفواها قد التقطت

مسامع الفضل منها الدر منتظما

وتستقي من سراب اليأس ظامئة

لأنفس فجرت أحشاؤها حكما

وترتدي الخشن البالي وتلحدها

من البيوت سجون طبقت ظلما

لا تبتغي رغداً في ظل ناعمة

من الحياة تدر الخير والنعما

ولا روىً من أباريق لطائشةٍ

من اللذائذ اضحت تعبد النغما

ولا قصوراً هي الفردوس غارقةً

من النعيم تضم الحور والخدما

لكنها تبتغي قوتاً الى رمقٍ

على الجهاد به تقوى وقد عُدما(٣)

وكان الشاعر في كثير من الأحيان يتوجه في محاولاته الاصلاحية لظاهرة الفقر ، الى الأغنياء والموسرين ليستدر عطفهم ويجلب اهتمامهم تجاه الفقراء

__________________

١ - البَطَر : الطُّغيان في النعمة. ( لسان العرب ، ج ١ ، ص ٤٢٩ ).

٢ - ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ١٦٩ - ١٧١.

٣ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٢٧٧ ، ٢٧٨.

١٨٥

والمعوزين ، على أمل أن يحيا الناس حياة يسيرة لا يشوبها الفقر والعوز :

تعطّف يا غنيّ على الفقير

بما أُوتيتَ من خير كثير

وجد فيما تجود به عليه

ولو في قرص قمح أو شعير

لقد أفناه بؤس ليس يفنى

فأصبح في عداد ذوي القبور

فخذ بيديه إسعافاً لتُحيي

بقايا ذلك القلب الكسير

ولو انصفته لفديت نفساً

له تفديك بالنفس الأخير

الا يدعوك نبلُ النفس يوماً

الى إسعاف خير أخ غيور

الا تدعوك نفسُك للمعالي

كما تدعوه للشرف الخطير

الا يدعوك للإنصاف صوت

يناجيه باعماق الضمير

فجد للبائس العافي بشيٍَ

كثير من حطامك أو يسير(١)

وقد هالت الشاعر مظاهر الفساد والترف التي خلفتها الطبقية الظالمة نتيجة انعدام العدالة الاجتماعية ، والفوضى الأقتصادية السائدة آنذاك. ففي الوقت الذي لم يكن عامة الشعب يجد قوت يومه كانت الأقلية من المتمولين والأقطاعيين تنعم في قصورها ومسارح لهوها غير آبهة بمعاناة البؤساء وشقاء المعوزين والفقراء.

وقد عزّ على الشاعر أن يرى هذه الصور الأليمة والمناظر المريعة دون أن يقف موقفاً حاسماً يسدد من خلاله نقداته اللاذعة تجاه الوضع الاجتماعي المتأزم ، والتدهور الاقتصادي المتفاقم :

يا موطناً عزّت عليه حماته

وهم بنوه الذادة الأطهار

وقضت عليه سياسة مسمومة

هو جاء قد حفت بها الأخطار

_________________

١ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ١٧٢.

١٨٦

بالرغم أن تهنى لديك موارد

يحلوبها الايراد والاصدار

وينعم المستعمرون بظلّها

وبها لهم تستعذب الأوطار

هاتيك دجلةُ وهي امٌ برّة

ولها بنون مثلها أبرار

تتدفق الخيرات من أخلافها

حتى تضيق بدرها أقطار

هي جنة طاف السلام مرفرفاً

فيها وقرَّ من النعيم قرار

لكن يسوؤك أن ترى أبناءها

حرموا قليل الخير وهو كثار

ولقد أثرن لي الشجون بواعث

للشاعرين بها الشجون تثار

دنياً من اللذات ما في عيشها

نكد ولا في صفوها أكدار

للمغريات بها دواع جمة

وبها لرواد الهنا أوطار

تتسابق الأحلام فيها والمنى

والحب واللذات والأسمار

والعزف تهبط بالنفوس وترتقي

أنغامُه ان حُرّك المزمار

أفهكذا بذخٌ الثراء بأهله

يطغى فتعشو منهم الأبصار

في حين أحرار البلاد قضوا بها

سغباً وهم أبناؤها الأحرار

بعداً لأنظمة مراض صححت

ظلمَ الفقيرٍ وليتها تنهار

وتهدمت اسس العدالة ان قضت

أن لا تعيش بظلّها الأحرار(١)

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٢٣٧ - ٢٤١.

١٨٧

ب - مكافحة الجهل والأمية :

حرص الشيخ الفرطوسي على معالجة ظاهرة الأمية التي كانت متفشية بين أصناف مختلفة من المجتمع من خلال دعوته الى بناء المدارس ونشر التعليم والنظر بعين الاعتبار الى تثقيف الناشئة وصيانتهم من عدوى الجهل والأمية :

ثقافة الجيل فرض أين عامله

كيما يقوم ولو في بعض ما وجبا

ضلت عقول فلم تبصر هدى وطغا

ريب فما وجدت من يذهب الريبا

وأجدبت من حقول الفضل ناشئة

اذ لم تجد منهلاً تروى به عذبا

واُرهقت عاطفات برة قتلت

صبراً ولا راحم يحنو بها حدبا

وحكم الجهل في الأوضاع وانقلبت

منا الأمور فساء الوضع منقلبا

فمن يسير بهذا الركب أخّره

انّ المسيّر ألقى اللجم والقتبا

وأين من يصلح الأوضاع أفسدها

أنّ المربي لها لم يحسن الأدبا(١)

وكثيراً ما كان الشيخ يضيق ذرعاً بالجهل المستشري بين عامة الناس ، والخمول المطبق على أبناء مجتمعه ممن كان يأمل بهم رقي البلاد واعتلاء الوطن من خلال اكتسابهم العلوم والفنون ، وسعيهم وراء الثقافة والمعرفة :

الى متى نبقى على خمولنا

يغري بنا الجهلُ ويلهينا اللعب

ونحن بين أمم راقية

كيانُها العلم ودينها الأدب

تعلم أنّ أمّها مدرسة

الاداب حقّاً ولها العرفان أب

قد حشدت أنديةً حافلةً

بما لديها من قصيد وخطب

قد طبّق الكونَ صدى عرفانها

فكلّ سمع وبه منه لجب

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ١٧٤.

١٨٨

ومعشري على الجمود عاكف

لم يتخذ الى رقيه سبب

من شيبة المصاب قد سرت الى

شبابه الخامل حكةُ الجرب

وهل بدون العلم تُهدى أمة

الى صوابها وتدرك الأرب(١)

ولم يكن التعليم حينئذٍ بمستوى جيد ومناسب بحيث يعول عليه في تنشأة الجيل وتربية النشء. فالمناهج التعليمية كانت سقيمة وغير صالحة ، والمعلمون أنفسهم كانوا بحاجة الى تعليم وتثقيف.

وقد تناول الشاعر هذه المشكلة في مواضع مختلفة من شعره ، منها قصيدة « السعادة » حيث اشار الى هذا الموضوع قائلاً :

وقصدت المدارس اللاء فيها

قد غرسنا قلوبنا للنّماء

فاذا بي من الحنان أراها

كضلوع تعطفت بانحناء

واذا النشء كالأزاهير ينمو

وهي تزهو كروضة غنّاء

فتيقّنت من صميم اعتقادي

أنّ فيها سعادةَ الأبناء

واذا بي ارى خيالاً كثيفاً

مطبقاً فوق أرضها والسماء

فيقول الخيال :

أنا ظلّ الجهل المخيم فيها

لم أزل عاكفاً وهذا خبائي

كيف يوحي لها الكمال مرَبّ

ناقص ليس فيه أيُّ غناء

كيف ينمو النشء الوديع وفيها

لقّنوه الدروسَ كالببّغاء

كيف توحي سعادة العلم فيها

لبنينا من أنفس الجهلاء(٢)

ومن هنا تعيّن على الشاعر أن يتوجه بخطابه الى رجال التعليم ليذكرهم

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٣٢٤ ، ٣٢٥.

٢ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ١٣٤ ، ١٣٥.

١٨٩

بواجباتهم تجاه تعليم الجيل وتثقيفه تثقيفاً صحيحاً وسليماً يستطيع من خلاله بلوغ الكمال ونيل الرقي :

يا رجال التعليم في المنشئات

أنتم للعقول خيرُ بناة

هذه المنشئات وهي حقول

زاهرات والنشء كالزهرات

أنتم منبع الفضيلة فيها

وعقول البنين شبه النبات

أحسنوا الغرس في ثراها لكيما

يجتنى منه أحسنُ الثمرات

وأجيدوا رعاية النشء فيها

يا رعاةَ العقول والعاطفات

وثمة موضوع هام وحساس في مجال التعليم تناوله الشاعر كثيراً في شعره وهو تعليم المرأة وتثقيفها. فبالرغم من ردود الفعل المتباينة التي صدرت من قبل علماء الدين في النجف بشأن تعليم المرأة فانّ موقف الشيخ كان موقفاً واضحاً وصريحاً في هذا الخصوص :

أَفيقوا يا بني وطني عجالا

فما يجدي الرقادُ النائمينا

وهبّوا فيه للاصلاح كيما

نراكم للتمدن ناهضينا

أليس ثقافة الجنسين فرضاً

تقوم به الرجال المصلحونا

وفي نور المعارف خير هادٍ

طريق يقتفيه السالكونا

جمال الشعب يوماً أن نراه

يسير الى الثقافة مستبينا

وان ثقافة الأحلام نورٌ

به يُهدى الشبابُ الواثبونا(٢)

         

وقد تركزت دعوة الشيخ الى تعليم المرأة على أساس العقيدة الاسلامية الأكيدة والتعاليم الدينية الصريحة. ففي الوقت الذي حث الشيخ الناس على

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٢٧٣.

٢ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٢٢٩.

١٩٠

ارسال فتياتهم الى دور التعليم ، دعا الى الفصل بين الجنسين في المدارس احترازاً من الفساد والانحطاط الخلقي الذي قد ينتجه الاختلاط :

يا قادة التعليم أخلاقُ الفتى

مرآة ما في النفس من أسرار

صونوا المناهج بالعقائد تجتنوا

من غرس هذا الحقل خير ثمار

هذا الشذوذ على العقيدة قد طغى

فمضى بها في لُجة التيار

هذي الخلاعةُ حفرةٌ وئدت بها

روحُ الكرامة في يد الاقبار

والبنت ام والفتى بعد أبٌ

وهما الصعيد لهذه الانوار

وثقافة الجنسين فرض يلتقي

بثقافة الاسلام في مضمار

والجمع بينهما بصف واحدٍ

في المنشأت مضنة لشنار

انا لنأمل من مربي نشئنا

وهم البناة لهذه الأفكار

أن يغرسوا حب الفضيلة والحيا

بيد العقيدة في ثرى الأزهار

ليرف فوق سماء جيل مسلم

للدين والاخلاق خيرُ شعار

فتصان عصمة ( يوسف ) في دينه

وتصان عفةُ ( مريم ) بأزار(١)

         

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٧٧ ، ٧٨.

١٩١

ج - تعميم العلاج والخدمات الصحية :

لم تكن الخدمات الصحية في عهد الاحتلال بأحسن حالاً من التعليم. فقد كانت هي الاخرى تتخبط في جهالة عمياء وتنوء تحت التخلف والانعدام. وقد شهد العراق في تلك الفترة شيوع الأوبئة والأمراض الخطيرة بسبب انعدام الخدمات الصحية المناسبة وعدم توفر الأطباء المعالجين وقلة الأدوية المكافحة للأمراض.

وموضوع الصحة من المواضيع الرئيسية التي تناولها الشاعر في شعره الاجتماعي لارتباطها الوثيق بسلامة المجتمع وسلامة أفراده. فكان يتأثر تأثراً شديداً لتدهور الوضع الصحي العام ، ويتفجر أسىً وألماً حين يرى أبناء وطنه يفقدون حياتهم نتيجة الجهل وانعدام العلاج الصحيح :

فيا عصر التقدم قد رجعنا

فأصبحانا نسير الى الوراء

أنخبط في ظلام الجهل خبطاً

ونحن بظل عصر الكهرباء

فأين الاكتشافُ وقد علمنا

به أسرار ذرّاتِ الهباء(١)

أيقصر عن مكافحة لداءٍ

يسير بنا الى دنيا الفناء

فقد ذهبت ملايين الضحايا

قرابيناً لديه بلا فداء

وكم شقيت نفوسٌ بائساتٌ

به نُكبت فباتت في شقاء

فمن طفل وديع كان ينمو

بأحضان الطفولة بازدهاء

ذوى فتساقطت منه ذبولاً

رؤىً نثرت كمنثور الغُثاء(٢)

وأم فيه قد فجعت فأضحت

تودّعُه حنوّاً بالبكاء

__________________

١ - الهباء : دقائق الغبار. ( لسان العرب ، ج ١٥ ، ص ٢٣ ).

٢ - الغُثاء : البالي من ورق الشجر. ( لسان العرب ، ج ١٠ ، ص ٢٠ ).

١٩٢

وكم من نابهٍ كانت تُرينا

شمائله نبوغَ الأذكياء

وموهوب على عينيه يبدو

ذكاء العبقري لكل رائي

فمن للبائسين وقد تلاشت

نفوس البائسين من البلاء

فسعياً يا ذوي الاصلاح سعياً

لانقاذ الحياة من الفناء

واشفاقاً على الجنسين منّا

فقد عاثت بنا كفّ العَفاء(١)

وأين مضت يد الاسعاف عنّا

فقد غلب القنوط على الرجاء(٢)

ومن أجل سلامة الناس واستتباب الخدمات الصحيه في البلاد طالب الشاعر في مواضع كثيرة من شعره برفع مستوى الطب والعلاج في البلاد من خلال تأسيس معاهد طبية حديثة ، وبناء مستشفيات صالحة للعلاج تضمن حياة المريض وسلامته :

يا اسرة الطب الكريمة قدّسي

فن الطبابة تُرفعي اكراما

ان الطبيب من القداسة راهب

متبتل يستعظم الآثاما

الى أن يقول :

إنّا نروم معاهداً طبيّةً

يمسي لها العلم الحديث قواما

تثرى بأجهزة تشق حقائقاً

فتزيل هذا الفقر والأوهاما

ونريد تثقيف الأُساة معارفاً

وتجارباً لتنور الأفهاما(٣)

لم تُبن هذي المنشئات قواعداً

حربية حتى تُشاد ضخاما

لكنها بُنيت لأهداف متى

قد حُققت أضحت بها أعلاما(٤)

__________________

١ - العَفاء : الهلاك. ( لسان العرب ، ج ٩ ، ص ٢٩٨ ).

٢ - ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ١٨٥ ، ١٨٦.

٣ - الأساة : جمع آسي ، الطبيب. ( لسان العرب ، ج ١ ، ص ١٤٧ ).

٤ - ديوان الفرطوسي ، ج ٢ ، ص ١٦٩ ، ١٧٠.

١٩٣

د - اصلاح النظام الزراعي :

عانى العراق في ظل الحكم الملكي مشكلة الأقطاع الزراعي التى تأصلت في هذا البلد منذ غابر الأزمان. وقد تجرع الفلاح من غصص الأقطاع ما تجرع. فالأرض التى يدأب في حرثها وزرعها وريّها وحصادها يسلب نتاجها عنوة من قبل الجباة ، فلا يصله منها إلاّ النزر القليل.

وقد أشار الشيخ الفرطوسي الى نظام الاقطاع الجائر في قصائد عديدة ، منها قصيدة « ابن القرية » التي خاطب فيها الفلاح قائلاً :

وافى الحصاد إليك فاعقد مأتماً

للحزن واندب قلبك المفجوعا

قد كان عندك قبل يوم حصادها

أملٌ ترجيه بها فاضيعا

وأتتك تزدحم الجباة ولا أرى

لك ما يسد عتّوها المدفوعا

الزرع والبقرات قوتك بعتها

إثر الشياه ولم تف المجموعا

وأراك اجلدَ من صفاة بينهم

وأرى سواك على الرخاء جزوعا(١)

ماذا بكوخك من حطام يرتجى

من أجله تتجّشمُ التقريعا

فاخرج من الكوخ الحقير الى العرا

واخلع لديهم ثوبك المرقوعا

فعسى يفي بقيا الضريبة منهما

ثمن يصون جبينك المصفوعا

أشبالك الغرثى بطوناً روّعوا

قلب العفرنى بالبكاء فريعا

ضجوا وقد فزعوا إليك من الطوى

هل في عيابك ما يسد الجوعا

أتراهُمُ يتهافتون على النوى

شبه الفراش إذا أحس سطوعا

واذا هوت كسر الرغيف تدافعوا

وتسابقوا طرباً لها وولوعا

سودُ الجسوم عراتها فكأنما

نسجت لهم كف الهجير دروعا(٢)

__________________

١ - الصَّفاة : صخرة ملساء. ( لسان العرب ، ج ٧ ، ص ٣٧١ ).

٢ - ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ١٥٥ ، ١٥٦.

١٩٤

وقد صور الشاعر في كثير من قصائده حال الفلاح وهو يرزح تحت وطأة الاقطاعيين دون رحمة ، في محاولة منه لاصلاح النظام الزراعي ، وتحسين وضع الفلاح الذي طالما عانى من الاقطاع ونظامه التعسفي. ومن هذه القصائد قصيدة « بنت الريف » التي نظمها عام ١٩٤٥ م حيث صور فيها جانباً من معاناة الفلاح في الريف وهي صور منبثقة من واقع الحياة آنذاك :

وهناك شمرَّ كادح عن ساعد

كحسامه ماضي الغرار رهيف

يضرى على التعب الممض كأنه

ليثٌ أُهيج وحقله كغريف(١)

ويخف بالعبء الثقيل سنامه

متجلداً والعبءُ غيرُ خفيف

ويصارع الآلامَ منه بمهجة

فتكت بها الآلام ذات قروف(٢)

يروي الحقول بمقلة تُسقى بها

عن مدمع شبه العهاد وكوف(٣)

وبأختها يرعى فراخاً جوعا

جرداً كأنهم غصون خريف

يتضورون ويكتفون قناعةً

ان اطعموا في كسرة ورغيف

ويعللون نفوسهم في بارق

من خلب شبه السراب خطوف

أن سوف نشبع حين ينضج زرعنا

وسنكتسي بنسيج هذا الصوف(٤)

__________________

١ - الغريف : الأجمة. ( لسان العرب ، ج ١٠ ، ص ٥٤ ).

٢ - القروف : القشور. ( لسان العرب ، ج ١١ ، ص ١٢٧ ).

٣ - العِهاد : المطر. ( لسان العرب ، ج ٩ ، ص ٤٥ ). وكوف : سائل. ( لسان العرب ، ج ١٥ ، ص ٣٨٥ ).

٤ - ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ٣٠٦.

١٩٥

٣ - الشعر الولائي :

يشكل شعر الولاء لأهل البيتعليهم‌السلام محوراً هاماً في الابداع الأدبي للشيخ الفرطوسي. فقد عرف الشيخ بشاعر أهل البيت لكثرة ما نظم في مناقبهم وسجاياهم الكريمة. ومردّ هذا الحب والولاء انمّا يعود الى عمق تمسك الشاعر بالدين الاسلامي القويم ، وتفانيه في محبة أهل البيتعليهم‌السلام باعتبار ذلك معلماً من معالم التقرب الى الله تعالى ، ومنجاةً في يوم الحشر العظيم.

لقد كان الشيخ الفرطوسي « الإنسان الذي عاش الإسلام ، فاكتشف عظمة أهل البيت من خلال الإسلام ورأى من خلال خطهم الفكري والروحي والعملي غنى الفكر الاسلامي وروحيته ومشاريع الإسلام للإنسان والحياة فالتزم بهم خط ولاءٍ ومحبة لا يقترب من الغلو ، بل يتوازن في القاعدة الإسلامية المثلى ، لما هو الحب للأشخاص على أساس أفكارهم وأعمالهم ، لا على أساس أشخاصهم ، والتزم بنهجهم لأنه رأى فيه النهج الذي يستمد كل ملامح الفكر والشريعة والأسلوب من كتاب الله وسنة نبيّة من أقرب طريق »(١)

ولشدة ولائه وفرط تعلقه بآل البيتعليهم‌السلام دأب الشاعر في أن يفتتح ديوانه بقصائد في مدح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام . وقد اتخذ من قصيدة « الباب الذهبي » التي مدح فيها الأمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام مطلعاً لديوانه ، حيث قال في أبياتها الأولى :

نشيدي وأنت له مطلعٌ

من الشمس يعنو له مطلعُ

وقدرك أرفعُ إنّ الثناءَ

وإن جلَّ قدراً به يرفع

__________________

١ - محمد حسين فضل الله ، من كلمة له في تقديم الجزء الثامن من ملحمة أهل البيتعليهم‌السلام ، ص ٤.

١٩٦

ومجدك جاوز أفقَ الخلود

سمواً ونفسك لا تقنع

فقصّر عنه رفيفُ الطموح

وكادت قوادمه تنزع

وأرجع باليأس روّاده

وفي مثل مجدك من يطمع

وأنّى يطاول نجم علي

ختامُ الخلود به يشرع

ومجدُ الامامةِ وترٌ يضم

لمجد النبوة إذ يشفع(١)

وأبيات الأهداء التي قدّم بها الشاعر ديوانه الى الامام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام تفصح هي الاخرى عن مدى اهتمام الشيخ الفرطوسي بشعر الولاء لأهل البيتعليهم‌السلام :

أمير اللّغى منك بَدءُ البيان

وفي غير نهجك لم يختم

ومهد العدالة حيث الحقوق

بغير قضائكَ لم تحتم

إلَه العواطف انّ الشعور

تفجّر بركانه من فمي

وبقيا فؤادي وبقيا الفؤاد

جروح تُشقّ من البلسم

شفعت بها أدمعي والزفير

وما رفّ منها على مبسمي

فكانت نشيد الهنا والأسى

يوقّع في العُرس والمأتم

وها أنا أرفع ألواحها

إليك ملّونة من دمي(٢)

ولم يترك الشيخ الفرطوسي مناسبة لتكريم أهل البيتعليهم‌السلام إلاّ وشارك فيها مشاركة فعالة رغبة منه في إحياء ذكرهمعليهم‌السلام والاشادة بفضلهم وعلمهم ، والإبانة عن مواقفهم الرسالية الخالدة.

__________________

١ - ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ٣٣ ، ٣٤.

٢ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٤.

١٩٧

وما يزال النجفيون يحفظون روائع الشيخ الولائية ، ويرددونها في مختلف المناسبات الدينية. ومن أشهر تلك الروائع قصيدة « مولد الأنوار » التي نظمها الفرطوسي عام ١٩٦٣ م ، في ذكرى مولد الامام الحسينعليه‌السلام حيث قال في مطلعها :

قرآن فضلك فيه يفتتح الفمُ

حمداً وبالاخلاص ذكرك يختم

وبأفق مهدك من جهادك أشرقت

للفتح آياتٌ بوجهك تُرسم

أنت الحسينُ ودون مجدك في العلا

مجد المسيح ودونَ امك مريم

فلقد ولدت مطهراً في بردةٍ

من طهر فاطمة تحاك وتُلحم

ولقد قُتلت بمصرع يسمو به

مجد الممات على الحياة ويعظم

والحق من عينيك ينبع نوره

والصدق في شفتيك جمرٌ مضرم

وضحى جبينك وهو فرقان الهدى

بدم الشهادةِ والسعادة يُوسَم

الى أن يقول :

يا مولد الأنوار مهدك للهدى

أفقٌ تموج بصفحتيه الأنجم

مثلت شخصك صورة قدسية

في القلب يطبعها الولاء فترسم

وجلوت طلعتها وأنت خواطر

في مهدها برؤى الامامة تحلم

فتحرقت شفتاي وقداً من دم

حر على شفتيك قبله الفم

ولمحت في شفق الجبين غمامة

منها على عينيك ظل معتم

ولمست من روح البطولة والابى

شمما يثور وعزة تتقحم

وقرأت للفتح المبارك سورة

بالسهم في صفحات قلبك ترقم

فخضبت ناصيتي بمذبح جثة

في نحرها الدامي يحزُّ المخذم

١٩٨

وعلمت انك هديُ آل محمد

وعريش مهدك يوم خلقك مأتم(١)

ومن رائع شعر الفرطوسي في أهل البيتعليهم‌السلام قصيدة « مولد الزكي » التي نظمها في مولد الامام الحسن المجتبىعليه‌السلام وهي من أجمل قصائده الولائية وأروعها ديباجةً وبياناً. يقول في مطلعها :

سموت بفكري فالتقطت الدراريا

ونسقتها في سلك شعري قوافيا

وقطعت أوتار الفؤاد نوابضاً

ولطفتها حتى استحالت أغانيا

وأسرجت من روحي ذبال عواطف

أطلّت على الدنيا شموعاً زواهيا

هنالك بعثرت الدراري فتارةً

أرصع ثغر الدهر فيها أمانيا

وطوراً أزف العاطفات عرائساً

وأجعلها باسم الولاء نثاريا

ورحت لهاتيك الأغاريد من فمي

وقد عطّرته من شذاها غواليا

أوقعها لحناً من القلب خالصاً

واسكبها خمراً من الحب صافيا

وأنثرها في مولد السبط بهجةً

لآلي أفراحٍ تنير اللياليا

أزف بها للمرتضى خالص الولا

وأحمل للزهراء فيها التهانيا

ثم يحلّق الشاعر في عالم خياله وسماء فكره ليواصل تسجيل عواطفه الجياشية ، وتخليد أحاسيسه الفياضة في هذه المناسبة العطرة :

تفتحت الأكمام عن كل مبسم

يعطّر بالأنفاس حتى الأقاحيا

وأشرقت الأضواء من كل بسمة

تلاطف بالبشرى الضحى المتهاديا

ورفرفت الآمالُ فوق خمائل

من النفس أضحت للأماني مراعيا

وأسفرت الأستار عن كل جلوة

لبكر من الأشعار تسبي الغوانيا

وساد الهنا حتى اكتسى افق السما

ووجه الثرى برداً من اللطف ضافيا

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ١٥ - ١٧.

١٩٩

وأزهرت الدنيا بنور مبارك

أطلّ عليها بالبشائر زاهيا

تلألأ في بيت النبوة مشرقاً

من الحسن الزاكي ينير الدياجيا

إمام الهدى من ذروة العرش نوره

تنزّل كالقرآن بالحق هاديا(١)

ولم يكتف الشيخ الفرطوسي بالمدح وذكر المناقب فقط ، بل كان يتحدى الجاحدين لفضل أهل البيتعليهم‌السلام وينبري للرد عليهم بجلائل الأدلة والبراهين. من ذلك قصيدته « علي والأمامة » التي نظمها عام ١٩٣٧ م ، وفيها رد على المعاندين الذين أنكروا إمامة الامام عليعليه‌السلام :

قل للمعاند قد ضللت جهالة

سفهاً لعقلك من عنود جاهل

أعماك غيك أنترى نور الهدى

فتسير في نهج البصير العاقل

أمن العدالة أن يؤخر سابطقٌ

ويقدمَ المفضولُ دون الفاضل

هذي فضائلُه وذي آثاره

سطعت بآفاق الهدى كمشاعل

فتصفح التأريخ فهي بوجه

غرر صباح نُظّمت كسلاسل

ينبئك من واسى النبي محمّداً

بمواقف مشهودة وغوائل

وفداه عند مبيته بفراشه

في نفسه فوقاه شرّ الباطل

ومن الذي أردى الوليد وشيبة

في يوم بدر بالحمام العاجل

وبيوم احد من طغت عزماته

فرست جبالاً في الزحام الهائل

من فرق الأحزاب حين تجمعت

فرقاً وما في القوم غير الناكل

ورمى على وجه الثرى أصنامها

لما رقى من فوق أشرف كاهل

وبكفه حصن اليهود قد اغتدى

متلاطماً كالموج فوق الساحل

ومن الذي ردت له شمس الضحى

لما اشار لها ارجعي في ( بابل )

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٤٩ ، ٥٠.

٢٠٠