الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه0%

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه مؤلف:
تصنيف: دواوين
الصفحات: 345

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه

مؤلف: حيدر محلاتي
تصنيف:

الصفحات: 345
المشاهدات: 75615
تحميل: 6814

توضيحات:

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 345 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75615 / تحميل: 6814
الحجم الحجم الحجم
الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه

مؤلف:
العربية

وفضائل ليست تعد و( هل أتى )

و( النجم ) و( النبأ العظيم ) دلائلي

عميت عيون لاترى شمس الضحى

عند استقامة كل ظل مائل(١)

وقد اشتهر الشيخ الفرطوسي - بالاضافة الى مديحه الولائي - برثاء أهل البيتعليهم‌السلام وخاصة رثاء الامام الحسينعليه‌السلام ومن استشهد معه في وقعة الطف بكربلاء. ولشعر الفرطوسي في هذا الحدث الأليم وقع مميز وجاذبية خاصة أقبل عليه خطباء المنابر الحسينية يرددونه في مجالسهم لما فيه من تأثير شديد ووقع عظيم في قلوب الناس والمستمعين :

أفدي حسيناً حين خفّ مودعاً

قبراً به ثقلُ النبوة أودعا

وافى الى توديعه وفؤادُه

بمدى الفراق يكاد أن يتقطعا

وغدا يبث له زفير شجونه

بشكاته والطرف يذري الأدمعا

يا جدّ حسبي ما أكابد من عناً

في هذه الدنيا يُقضّ المضجعا

فأجابه صبراً بنيَّ على الأذى

حتى تنالَ بذا المقام الأرفعا

ولقد حباك الله أمراً لم يكن

بسوى الشهادة ظهره لك طيعا

وكأنني بك يا بنيَّ بكربلا

تمسي ذبيحاً بالسيوف مبضعا

ولقد رآه بمشهد من زينب

هو والوصي وأمهُ الزهرا معا

ملقىً برمضاء الهجير على الثرى

تطأ السنابك صدره والأضلعا

في مصرع سفكت عليه دماؤه

أفدي بنفسي منه ذاك المصرعا(٢)

وهكذا يسير الشاعر في اشعاره الولائية بروح مفعمة بحب أهل البيتعليهم‌السلام مشيراً بفضائلهم الكريمة ، وتضحياتهم الجسيمة من أجل اعلاء الاسلام والدفاع عنه والذود عن قيمه العالية وتعاليمه العظيمة.

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ١١٨ ، ١١٩.

٢ - المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٩٣.

٢٠١

٢٠٢

الفَصْلُ الثَّالِثُ

الأَغراض الشعرية

عند الفرطوسي

٢٠٣

٢٠٤

١ - شعر المديح :

لم يعد المديح في عصر الشيخ الفرطوسي أداة فخر وتفاضل ، أو وسيلة كسب ومنالة كما كان سائداً في العصورة السابقة. فقد طرأت عليه تغييرات حديثة - كما هو الحال في سائر أغراض الشعر - أخرجته من ماضيه المقيد والمحدود الى حاضره الفاعل والمتجدد.

فشعر المديح الذي كان يعج سابقاً بالصفات الشخصية الزائفة والألفاظ المتملقة الكاذبة أصبح اليوم متحلياً بصدق الشعور والعاطفة ، قريباً الى سمع المتلقي ، بعيداً عن الغلو والمبالغة ، حافلاً بمواهب الممدوح الكريمة ذات الصلة بماضي الأمة المجيد ، وتاريخها المشرق والعريق.

ومن هنا أصبح للمديح قيماً موضوعية جديدة ، اضافة الى قيمه الفنية الموروثة ، من خلال تناوله شؤوناً انسانية رفيعة ، وموضوعات اجتماعية هامة تتصل بواقع الانسان وبتراثه الحضاري الأصيل.

وقد دأب الشيخ الفرطوسي في ادخال العناصر الحضارية في شعر المديح رغبة منه في توظيف هذا اللون من الشعر لصالح الوضع العام والواقع المعاش. فهو يدخل في مديحه مواضيع اساسية ترتبط بواقع الأمة الحالي ليجعل منه ضرباً من الشعر الملتزم الذي يتوخى منه هدفاً واضحاً ومعيناً.

فها هو يشيد بالمشاعر القومية والأحاسيس الوطنية لدى ترحيبه بالدكتور

٢٠٥

زكي مبارك الذي زار النجف عام ١٩٣٧ م ، في الوقت الذي أمست الأمة بحاجة ماسة الى رص الصفوف ولمّ الشمل تجاه غزو المعتدين وأطماع المستعمرين والمحتلين :

يا نجل مصر ومن في كل مفخرة

اليه تنسب كأس السبق والغلب

هذا العراق الى مصر تحيتُه

تُزفُ محفوفةً بالشوق والعتب

فقل لمصر بما يطوي العراق ثقي

من صبوة بسوى الاخلاص لم تثب

ما فرقت بيننا للأجنبي يد

لو كان قد جمعتنا وحدةُ العرب

إني ليحزنني والحر يحزنه

أنّ العروبة ما لاقت سوى النصب

كل البلاد بها ساد الوئام سوى

جزيرة العرب لم تهدأ بلا شغب

أخذت عليها سياساتٌ منوعةٌ

قد جرعتها كؤوس الضيم والعطب

وعاقها عن مناها أنها مُنعت

أن تقتفي أيّ مجرى سائغ عذب

يا أمة العرب هبي للوفاق معي

واستقبلي زمر الآمال والأرب

لتصلحي كلَّ امرٍ منك منشعب

بالاتفاق بلا جهد ولا تعب

قولي معي بفم الإخلاص هاتفة

بوحدة الصف تحيا أمة العرب(١)

         

وكثيراً ما تتجلى الصور الحضارية والرسوم التراثية في مدائح الفرطوسي ، وخاصة المدائح العامة التي لا تقتصر على شخص معين. فنلاحظ ذلك مثلاً في قصيدة الشاعر التي نظمها تكريماً للوفد العلمي المصري الذي زار النجف في ٢١/٢/١٩٤٣ م ، حيث قال في مطلعها :

أقصر يراعيَ لست بالخل الوفي

ان لم تعبر عن هواي بما يفي

وجفوت حدك ان نبوت فلم تُجد

تكريم من وافى وانت به حفي

__________________

١ - ديوان الفرطوسي ، ج ٢ ، ص ١٨٦.

٢٠٦

هذا ربيع الفضل قد أهدى الى

واديك من نفحاته ما يصطفي

فانشق عبير الفضل منها واقتطف

منه ثمار العلم حتى تكتفي

وانشر لواءَ الفضل خفاقاً على هذي

النفوس وبالحياة لها اهتفِ

الى أن يقول مخاطباً الوفد :

يا سادة غمروا النفوس بروعة

أضحت بها زمر العواطف تحتفي

طوفوا على (وادي الحمى) وتصفحوا

ما فيه من أثر يروق المقتفي

فبهذه الربوات أو أخواتها

قام ( الخورنق ) كاليفاع المشرف

وهنا ( المناذرة ) المخلد ذكرهم

بمآثر بسوى العلى لم توصف

عقدوا بنود النصر فوق أجادل

لسوى الفخار عيونها لم تطرف

فغدت بهم دنيا المفاخر والعلى

تختال بين محلق ومرفرف

هذي بقايا مجدكم فتزودوا

منها ومن وادي الغري الاشرف

ومتى نفوسكم به قد آنست

قبساً يضيء شعاعه للمسدف

فقعوا هنالك خاشعين فقبلكم

موسى الكليم هوى لهول الموقف

فهنا الامام المرتضى فتزودوا

منه ومن عرفانه المستطرف(١)

ومن قصائد الشاعر التي سلك فيها المسلك ذاته قصيدة « وفد المعارف » التي ألقاها في جمعية الرابطة الأدبية في النجف إحتفاءً بوفد المعارف المؤلف من الأستاذ جوهر ورفقائه من الاساتذة المصريين وذلك عام ١٩٤٣ م :

حييت يا خير وفد آهل شرفا

لولاه نادي المعالي غير مأهول

وعشتم يا حماة الضاد من مضر

ممنّعين بعز غير مفلول

فأنتم المثل السامي لنهضتنا

بما لكم من مقام غير مجهول

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ١٧٦ - ١٧٨.

٢٠٧

وكم لكم في نوادي الفضل من أثر

مخلد الذكر من جيل الى جيل

أجللت فيكم مزاياً عزّ مفردها

عن المثيل ولم تخضع لتمثيل

من كل عاطرة غرّاء قد عُقدت

على جبين المعالي خير اكليل

طابت بنفحتها الافاق مذ عبقت

منها شمائل هاتيك البهاليل(١)

وفي مجال المديح خاض الشاعر ضرباً مميزاً منه وهو مديح علماء الدين لارتباطه بالعاطفة الدينية والأخلاق الاسلامية. وقد استأثر هذا اللون من الشعر باهتمام الشاعر فنظم قصائد عديدة مدح فيها علماء الدين العاملين الذين دأبوا في العمل الأسلامي ووقفوا مواقف مشرفة في الذود عن مهد الدين وكرامة المسلمين.

ومن العلماء المجاهدين الذين خصهم الشاعر بمدحه الحجة الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء. فقط نظم قصيدة في مدحه عند مجيئه من المؤتمر الاسلامي في الباكستان عام ١٩٥١ م ، قال في مطلعها :

للفتح آيات بوجهك تُعرف

هل أن طلعتك السعيدة مصحف

شعت على قسمات وجهك مثلما

شعت بقلبي من ولائك أحرف

هي أحرف ذهبية خُطت على

قلبي وريشتها فم متلهف

أبصرت قلبي ظلمة من يأسه

ورأيتها فجر المنى اذ يكشف

أجللتها من أن تمسَ قداسةً

واسم ( الحسين ) مقدس ومشرف

فغرستها في تربة ازكى ثرىً

في الطهر من قلب الوليد وانظف

الى أن يقول :

أأبا الفضائل والفضائل بعضها

للبعض اُلاّف وأنت المألف

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ١٨٠ ، ١٨١.

٢٠٨

لك كل يوم نهضة جبارة

منها ميادين المفاخر ترجف

ومواقف غراء في أجوائها

للآن أصداء الثنا بك تعصف

ما غاب منها موقف إلاّ بدا

لك موقف هو للجهاد مشرف

كسلاسل ذهبية موصولة

بسلاسل أحداثها لا توصف

المسجد الأقصى يردد ذكرها

والجامع الاموي فيها يهتف(١)

ويتابع الشاعر سرد أوصاف ممدوحه مبيناً خصائصه المميزة التي حقق من خلالها أهدافه السامية ومطالبه العالية والرفيعة :

إنّ الفصاحة دولةٌ جبارةٌ

تهوي العروش ومجدها لا ينسف

أنت المليك المستقل بعرشها

والنصر اكليل عليك مرفرف

ونوافذ الكلم البليغ اجلّها

من أن يقال لها سهام تُرهف

تخطي السهام كما تصيب وانها

أبداً تسدد كل ما تستهدف

ولسانك الجبار لولا انني

ظلما أجور عليه قلت المرهف

واذا استطلت على يراعك اعفني

قصد اللسان فقلت فيه مثقف

وعصاك ايتك الكريمة في يد

بيضاء وهي لكل سحر تلقف

ويختم الشاعر قصيدته بقوله :

إنّا لنبغي للجهاد قيادة

يرتاعُ منها المستبد ويرجف

ونريد افئدةً على أضلاعها

تطغى عزائمُها وحيناً تعصف

وأناملاً يهوي على تقبيلها

في حين تلطمه فم متكلف

ونروم اصلاحاً لانظمة بها

لعب الغريم وعاث فيها المجحف

ونريد أفكارا مثقفة بها

نسمو ومن عرفانها نتثقف

__________________

١ - اشارة الى موقف الشيخ في الجامع الاموي والمسجد الاقصى عند ذهابه للشام وفلسطين.

٢٠٩

وعقائداً دينية ميمونة

في النشء يغرسها أب متعطف

إنا لننشد مصلحين نفوسهم

عن حمل ما قد حُمّلوا لاتضعف(١)

وعلى هذا النحو يسير الشاعر في مدائحه لعلماء الدين المجاهدين الذين تحمّلوا اشد أنواع الظلم والاضطهاد من أجل اعلاء كلمة الله في الأرض ، وصيانة الدين الاسلامي من كيد المنحرفين والمبغضين.

٢ - شعر الرثاء :

أكثر الشيخ الفرطوسي من تناول شعر الرثاء بسبب الظروف العصيبة التي مرّ بها ، والمصائب والنوائب التي حلّت عليه طيلة حياته. وفي ديوانه حقل خاص بأشعار الرثاء دعاه « دموع » ، قال عنه : « يضم هذا الحقل الحزين باقة من العواطف نظمت سلسلة نشائدها من نثارة الدموع وجمرات الضلوع. غرستُ على ألواحها شقائق من قطعات قلبي وسقيتها من جداول دموعي ولاطفت أزهارها بلفحات من زفرات صدري ، وطارحتها من قيثار فمي بأهازيج من الحنين والأنين تستعرض مسرحها الكئيب فلاترى الاّ عيناً باكية ومهجة دامية وعاطفة ذاكية فهي صورة صادقة من خواطري ولوحة منحوتة من قلبي ، طبعت على صفحاتها آلامي وعواطفي ونشرت صحائف مطوية من ذكر يأتي(٢) ».

ومن أبرز مرثيات الشيخ قصائده في الرثاء الخاص التي عبّر فيها عن معاناة شخصية مؤلمة تفاقمت إثر فقده لأعز افراد اسرته ، من ابنيه « علي وعبدالرزاق » ، وأخويه « جبار وعبدالزهراء » وعمه « الشيخ علي الفرطوسي ».

__________________

١ - ديوان الفرطوسي ، ج ٢ ، ص ١٥٣ - ١٥٩.

٢ - المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٢٣٥.

٢١٠

وأول قصيدة تطالعنا في حقل المراثي قصيدة « قلب مظلم » التي نظمها الشاعر عام ١٣٦٩ ه في رثاء ولده « علي » الذي مات إثر صدمة قاسية أصابت قلبه من بعض أترابه حين كان يمرح في ملعب الطفولة. يقول الشاعر في مطلع القصيدة :

شفتاك في علٍّ وفي نهل

أشهى الى نفسي من العسل

ياقوتتان على فم عذب

يفتر عن سمطين من خضل

قد ذابتا صهراً على كبدي

وانبتَّ عقدهما من الغلل

جرحان قد حفّا بزنبقة

بيضاء كالمراة في الصقل

فتحا لرشف النور فانطبقا

وعليهما طبق من الظلل

قيثارتان وقد تحطمتا

فتحطمت دنياً من الزجل

قارورة السلوى هما لفمي

وألذُّ منها عنده قُبلي

ولطالما عاقرت مرشفها

فتفجرت من شهدة الأمل

سُكبت وما روّت سُلافتها

شفتيّ من عذب من النهل

وينتقل الشاعر الى تصوير عمق الفاجعة التي الّمت به بعد أن أسهب في الحديث عن أوصاف ولده الذي طالما آنسه في وحشته ، وأذهب عنه عناء الحياة وتعبها بابتساماته الجميلة وضحكاته الطفولية البريئة :

يا زفرة في النفس عاصفةً

بزوابع الآلام في زجل

يا صدمة للقلب قد هدمت

أركانه من حادث جلل

أنزلتِ صاعقة على كبدي

ونفذت سهماً قط لم يمل

قد كنت أحسب انه جلد

صلد على الأحداث كالجبل...

وارحمتاه لبائس نكدٍ

لأب شريد اللّب منخذل

٢١١

فكأنه من سقمه قفص

متحطم الأضلاع من خلل

عينان مظلمتان فوقهما

جفنان منطبقان كالظلل

شفتان جامدتان فوق فم

متلثم بالصمت مشتمل

عقلٌ بلا رشد يسير به

فقد الصواب فعاد بالزلل

فكرٌ بلا وعي يحس به

فقد السداد فآب بالخطل

جسدٌ بلا قلب ينوء به

كمحمّل ينزو على وحل

يا منزل السلوى برحمته

أنزل به السلوى على عجل(١)

وسوى هذه القصيدة قصائد اخرى في الرثاء الخاص ، منها قصيدة « يا شقيقي » التي نظمها الشاعر عند مصرع أخيه « جبار » الذي توفي وهو شاب إثر عملية جراحية فاشلة. وقد جاء في جانب من هذه القصيدة :

شقيق نفسي وكم في النفس من حُرق

موقودة عاد منها القلب مضطرما

لو كان يجدي الفدا أو يرتضى بدلاً

عنك الردى حينما في شخصك اصطدما

لكنت افديك في نفسي وما ملكت

كفي واحسب اني عدت مغتنما

أبكي شبابك غضا مورقا قصفت

كف الردى عوده الزاهي وما رُحما

أرثيك في مدمع قان قد امتزجت

سوداء قلبي به فانهل منسجما

أفديك من مدنف والحزن يقلقه

مروع القلب في أحشائه كلما

واهي القوى عاد مرهوناً بعلته

قد ضمدوا جرحه الدامي وما التئما

مضنى معنىً من الآلام قد نسجت

له الحوادث ثوباً شاحباً سقما

على سرير المنايا السود مضطجع

وهناً يصارع جباراً به اصطدما

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٢٣٧ - ٢٤٢.

٢١٢

حيران في سكرة للموت مرهبة

وغمرة تستزل العزم والهمما(١)

والى جانب الرثاء الخاص تناول الشيخ الفرطوسي رثاء علماء الدين وكبار المصلحين ممن حازوا رهان السبق في الاصلاح الاجتماعي والتوعية الدينية ، من أمثال الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء ، والشيخ محمد رضا الشبيبي ، وآخرين من اعلام الفكر والدين.

ومن روائع مرثيات الشيخ لعلماء الدين ، قصيدته التي ألقاها في الحفلة التأبينية التي اقيمت في مسجد براثا ببغداد بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاة الشيخ محمد رضا الشبيبي عام ١٣٨٥ ه ، حيث قال في مطلعها :

طُويت وأنت المصلح المتحرر

بك للبلاد رسالة ومحرر

أفهكذا تئد الطلائع حفرةٌ

منها فيُطوى للفتوح معسكر

ويُلف في أفق الجهاد لواؤه

والنصر يخفق حينما هو ينشر

ويصاب قلب الشعب بين ضلوعه

والوعي ينبض والعواطف تسعر

ويحف من عين الرجاء معينها

في حين قلب اليأس أو شك يثمر

ويموت لحن المجد ساعة خلقه

ألماً على شفة الخلود فيقبر

وتحطم الكأس التي يروى بها

ظمأ الحياة ونبعها يتفجر

رزئت بفقدك في القيادة امة

أنت اللسان لها وأنت المزبر

وتلفعت باليتم من نهضاتها

بكرٌ تدور بها وانت المحور

والقصيدة طويلة احصى الشاعر من خلالها فضائل الشيخ الشبيبي ومآثره العظيمة التي انجزها طيلة عمله السياسي ونشاطه الوطني. وقد سلط الشاعر الضوء على جانب منها حين قال :

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٢٤٦ ، ٢٤٧.

٢١٣

عالجت أوضاع البلاد بخبرة

وتجارب فيها يقاس المخبر

وعرضت حلاّ للمشاكل نافعاً

بمداه أبعاد السياسة تسبر

أرشدت فيه الحاكمين لرشدهم

نصحاً ومثلك بالنصيحة يجدر

ونقدت بناءً بنقدك لافظمٌ

يزري ولا قلم يشيد فيؤجر

فعرضت مشكلة البلاد وحلها

في حين لو بقيت تميت وتُفقر

وأبنت أنّ من الضرائب ماغدا

عبثاً تنوء به البلاد وتوقر

وفساد اصلاح الزراعة آفةٌ

منها يموت الاقتصاد ويقبر

والبرلمان هو الضمان لامةٍ

من سلطة فردية تتحرر

حاولت تضميد الجروح ببلسم

يوسى به قلب البلاد ويجبر

وأردت تصحيحاً لأخطاء بها

تزري وأنظمة بها تتقهقر

وسياسة الاصلاح تجبر كلما

بسياسة الارهاب أضحى يُكسر

ثم يختم الشاعر قصيدته مشيداً بمواقف الشيخ الشبيبي البطولية التي قاوم بها قوى الاحتلال الغاشمة بكل حزم وصلابة :

لك في الجهاد مواقف جبارة

بك تستطيل وكل مجد يقصر

هدرت لتحرير البلاد شقاشق

منها وأشداق البطولة تهدر

والاحتلال وقد تزلزل بطشه

بصواعق من بطشها تتفجر

جبت القفار على متون عزائم

هي كالبحار بها المخاطر تكثر

لم يلو عزمك ما يريع وأنت في

لجج المهالك والمفاوز تصحر...(١)

ولم تقتصر مراثي الشيخ على علماء الدين فقط بل شملت ايضاً السياسيين والزعماء الوطنيين ممن دأبوا في تحقيق مصالح الشعب وتلبية مطالبه على قدر

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٣١٠ - ٣١٦.

٢١٤

استطاعتهم وفي مدار صلاحياتهم المحدودة.

ومن هؤلاء الزعيم الوطني سعد صالح(١) الذي عرف بمواقفه السياسية الجريئة ومطالباته الاستقلالية المتكررة في عهد الاحتلال البريطاني. وقد رثاه الشيخ الفرطوسي بقصيدة طويلة ، جاء في مطلعها :

أعرني جَنان الليث والمقول الحرا

وخذ من رثائي جمرة تلهب الذكرى

وماذا الذي يجدي الرثاء وان أكن

نظمت الدراري في نشائده شعرا

فلست كمن يُرثى فيفخر بالثنا

وأنت الذي يسمو الثناء به فخرا

ولكن مجد الرافدين «لسعده»

تداعى فاذكى كل عاطفة جمرا(٢)

٣ - شعر الوصف :

من الأغراض الشعرية التي تناولها الشيخ الفرطوسي في شعره كثيراً الوصف. ولا يخفى ما للوصف من قيمة فنية في العمل الأدبي وخاصة في الشعر. فمن خلال الوصف يمكن تمثيل الحقيقة على هيئة صور ليلتقطها الحس بلا قطتيه الفاعلتين؛ السمع والبصر. ومن خلال الوصف يمكن تجسيد الواقع المستتر واللامرئي بحيث يسهل ادراكه عن طريق الحس الباطني ان لم يكن ميسراً عن طريق الحس الظاهري.

وقد حرص الشيخ على توظيف الوصف توظيفاً فاعلاً باعتباره أداة مؤثرة في نفس المتلقي ، تأخذه الى عالم من المناظر والمرئيات لا يدركها إلاّ من خلال

__________________

١ - سعد صالح ( ١٣١٤ - ١٣٦٨ ه ). سياسي محنك ، وزعيم مستقيم. شغل مناصب ادارية ووزارية وبرلمانية عدة. عرف بصرامة الرأي وجدية الموقف. ( شعراء الغري ، ج ٤ ، ص ١٢٤ ).

٢ - ديوان الفرطوسي ، ج ٢ ، ص ٣٢٣.

٢١٥

حس الشاعر المرهف الذي يستطيع بريشته الفنية أن يعبر عن غرضه الأسمى والأهم بواسطة الوصف والتصوير.

ومن هنا أصبح بإمكان المتلقي أن يرصد أهداف الشاعر وأغراضه الأساسية في نهاية قصائده الوصفية ، باعتبار انّ الوصف ليس غاية الشاعر المنشودة وانما وسيلة يصل بها الى المضامين الرفيعة التي توخاها الشاعر من قصيدته.

فنجد مثلاً قصيدة « بنت الريف » التي صور فيها الشاعر الطبيعة أجمل تصوير تبدأ بالتصاوير التقليدية والأوصاف المألوفة التي حرص الشعراء على تصويرها في أشعارهم الوصفية :

طف بالقرى واهبط بدنيا الريف

واستجل سر جمالها المكشوف

تجد الطبيعة عندها مجلوّةً

حيث الطبيعة من بنات الريف

والحسن سطرٌ والربوع صحائف

خطت بها الألطاف خير حروف

أنّى التفت وجدت في جنباتها

مرأىً يروق لقلبك المشغوف

في الروض وهو منسقٌ ومؤلف

في أبدع التنسيق والتأليف

في الشاطيء الزاهي وقد صفت على

حافاته أزهاره كصفوف

في النهر وهو يجيش في طغيانه

متدفقاً يجري بغير وقوف

في نغمة الشادي وقد مالت به

نفحات أعطاف الغصون الهيف

في كل شيءٍ منه أسفر ضاحكاً

وجه الطبيعة من ربى وطفوف(١)

ثم يواصل الشاعر وصف مظاهر الطبيعة في الريف ، مفصلاً جمالها الخلاّب وصفاءها الرائع لكي يصل في النهاية الى مقصوده الحقيقي من وصفه وهو تصوير

__________________

١ - الطفوف جمع طف : الشاطيء. ( لسان العرب ، ج ٨ ، ص ١٧٢ ).

٢١٦

حياة البؤس والشقاء التي كان يعانيها الفلاح آنذاك في ظل نظام الاقطاع الجائر :

وهناك شمَّر كادح عن ساعد

كحسامه ماضي الغرار رهيف

يروي الحقول بمقلة تُسقى بها

عن مدمع شبه العهاد وكوف

وبأختها يرعى فراخاً

جوعاً جرداً كأنهم غصون خريف

يتضورون ويكتفون قناعةً

ان اطعموا في كسرة ورغيف

إلى أن يقول :

حتى اذا وافى الحصاد وأقبلت

معه الجباة السود شبه حتوف

فاذا الزروع وغيرها ما سددت

دين الغريم ولاوفت بطفيف

واذا بهم يتضرعون لربهم

عن كل قلب موجع ملهوف

أفنعدم الستر البسيطَ لعورة

منّا تصان به عن التكشيف

أو برقعاً فيه العذارى تتقي

نظر المريب اذا رنا لصليف

وترى سوانا رافلاً متبختراً

بمطارف براقة وشفوف

أفهكذا الانصاف أصبح حاكماً

ان يلهم الاجحاف كل ضعيف(١)

والقصيدة مليئة بمثل هذه الصور الأليمة والمناظر المريعة والحزينة. وقد حرص الشاعر على تجسيدها في شعره رغبة منه في توظيف الوصف لصالح الأهداف والمطالب الاجتماعية.

ولم يكن هذا المسلك قاصراً على وصف الطبيعة فقط. فقد شمل أيضاً وصف الأماكن التي عاش فيها الشاعر أو مرّ بها من خلال أسفاره ورحلاته.

فها هو ينظم قصيدة في وصف « طاق كسرى » لا لمجرد الوصف فقط بل لنيل العبر والدروس :

__________________

١ - ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ٣٠٣ - ٣٠٧.

٢١٧

قف بالمدائن واستنطق بها العبرا

عن ألف جيل وجيل فوقها عبرا

واستعرض الدهر أشكالاً مصورة

فيها لتعرف من أحوالها صورا

واستخبر الرسم عنها حين تقرأه

فسوف يعطيك من تأريخها خبرا

فالرسم سفرٌ بليغ فيه قد رسمت

لنا الحوادث من أخبارها سيرا

والعين ان تك قد فاتتك رؤيتها

فلن يفوتك منها أن ترى الأثرا

ثم يبدأ الشاعر وصف مشاهداته قائلاً :

وقفت فيها فلم أنظر بها أثراً

الاّ وروعته تستوقف النظرا

كأن روعة رب التاج قد خلعت

حتى على الرسم منها مطرفاً نظرا(١)

فاعجب لمرأى تهز النفسَ روعته

ولم تجد منه إلاّ الرسم والعفرا(٢)

فكيف لو شاهدته زاهياً ورأت

« كسرى » وايوانه بالزهو قد عمرا

وابصرت منه دنياً ملؤها صورٌ

فتانةٌ تسحر الالباب والفكرا

وتتقارن المعاني الشعرية مع الأوصاف دون انفصال وانقطاع مما يجعل الوصف جزءاً من المعاني التي توخاها الشاعر في قصيدته :

أنشودةٌ أنت للأجيال خالدة

لذاك أضحى فم الدنيا لها وترا

وآيةٌ طأطأ الدهر الخطير لها

لما تسامت على عليائه خطرا

وفكرةٌ في دماغ الفن زاولها

قرناً فقرناً ليبديها فما اقتدرا

حتى اذا نضجت أفكاره ولدت

نتيجة ترهب الأجيال والعصرا

فأنت معجزةٌ للفن خالدة

بها وجدنا نتاجَ الفن مزدهرا

وان للفنّ اعجازاً يصوره

لنا الخلود وقد شمنابك الصورا(٣)

__________________

١ - المُطْرَف : رداء من خز. ( لسان العرب ، ج ٨ ، ص ١٤٩ ).

٢ - العَفَر : ظاهر التراب. ( لسان العرب ، ج ٩ ، ص ٢٨٢ ).

٣ - ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ٢٩١ ، ٢٩٢.

٢١٨

والجدير ذكره ان الشاعر نهج المسلك ذاته في وصف الأشياء أيضاً. فهو عندما يصف قلمه مثلاً يخاطبه وكأنه كائن ذو روح يتوخى منه الخير والصلاح ، ويضع على عاتقه مهمة البناء والاصلاح :

يا رسول البيان كم ذا أرتنا

معجزات البيان منك رسولا

تتلقى مواهبَ الروح وحيا

فتعي كل لحظة انجيلا

كم معان كشفت عنها غطاءً

للخفا كان فوقها مسدولا

ورموز حللتها بوضوح

فأجدت الايضاح والتحليلا

أنت سلك يمده العقل نوراً

حين يُهدى فيذهبُ التضليلا

أنت تبني دنياً وتهدم دنياً

حين تُفني جيلاً وتخلق جيلا

أنت أقوى من العفرنى جَناناً

حين تسطو وان بدوت عليلا

أنت أشجى من الحمامة لحناً

حين يغدو منك الصرير هديلا

أنت امضى من المهند حدّاً

حين تنضو غرارك المصقولا(١)

٤ - شعر الغزل :

تناول الشيخ الفرطوسي الغزل باعتباره غرضاً من أغراض الشعر التقليدية وليس تعبيراً عن تجربة حب واقعية أو تبادل عاطفي حقيقي. ففي بيئة متشددة كالنجف حيث القيود الصارمة المفروضة على اختلاط الجنسين ، والأعراف التقليدية المتزمتة على المرأة ، لا مجال لبلورة مثل هذه الظواهر الاجتماعية على الاطلاق.

__________________

١ - ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ٢٦٠ ، ٢٦١.

٢١٩

ومن هنا أصبح التغزل الحسي شائعاً لدى الشعراء ، يكثرون من إبراز المحاسن الجسدية للمرأة في محاولة منهم لمحاكاة شعراء السلف ، والتعبير عن لواعج النفس التي طالما عانت كبت الغرائز الفطرية ، والحرمان النفسي والعاطفي.

ولم يكن الفرطوسي بمنأى عن أترابه الشعراء. فقد تطرق هو الآخر الى الغزل الحسي ، والتغني بمرئيات الجمال النسوي دون أن يظهر فيه مجون أو نزول الى حضيض الشهوات :

على خديك أجمل وردتين

قطافهما الشهيُّ بقُبلتين

وفي عينيك للعشاق سحرٌ

ومبعثه سواد المقلتين

وفي شفتيك للشفقين لون

يخضب منه فجر المبسمين

يموج الحسن بينهما شعاعاً

فيجلى منه ليل الخصلتين(١)

ولكن ظاهره الغزل الحسي ظهرت متأخرة في شعر الفرطوسي وتحديداً عند خروجه من العراق وإقامته مدة في « سويسرا » و « لبنان ». ففي مثل هذا المحيط المتحرر استطاع الشاعر أن يصف مشاهداته العينية بكل حرية وبدون قيد أو شرط :

جُرح قلب المشوق من مقلتيك

قبلة وقّعت على شفتيك

ورحيق الرضاب منك شهيّا

هو خمري والكأس من مبسميك

انا أهوى سود العيون لسحر

هو معنى السواد في مقلتيك

الى أن يقول :

أعشق الورد لون خديك فيه

ورقيق الأديم من وجنتيك

تعشق العين من جبينك شمساً

حين تهوى الهلال من حاجبيك

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٢٠٣.

٢٢٠