الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه0%

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه مؤلف:
تصنيف: دواوين
الصفحات: 345

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه

مؤلف: حيدر محلاتي
تصنيف:

الصفحات: 345
المشاهدات: 75600
تحميل: 6814

توضيحات:

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 345 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75600 / تحميل: 6814
الحجم الحجم الحجم
الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي حياته وأدبه

مؤلف:
العربية

٢ - السطوح : وفي هذه المرحلة يدرس الطالب الكتب الموضوعة في الفقه الاستدلالي ، ومتون اصول الفقه التي تتضمن عرض الآراء الفقهية والعلمية ومناقشتها بتوسع وحرية مطلقة.

٣ - بحث الخارج : وهي آخر مراحل الدارسة الدينية ، حيث يحضر فيها الطالب دروس اعلام المجتهدين وكبار العلماء في الفقه والاصول وتمتاز هذه المرحلة بحرية الطالب المطلقة في المناقشة وابداء الرأي اثناء المحاضرة وبعدها. وفي هذه المرحلة يداوم الطالب على حضور دورة كاملة أو عدة دورات في الفقه والاصول ثم يقدم كتاباته أو تقريراته لاستاذه فاذا نالت قبوله ورضاه يمنحه شهادة يقال لها ( الاجازة ) وعندها يصبح الطالب مجازاً للاجتهاد ومؤهلاً لاستنباط الأحكام الشرعية(١) .

وبالرغم من التطور الذي شهده نظام التعليم في النصف الثاني من القرن العشرين فإنّ الاسلوب الدراسي والمنهج التعليمي في الجامعة النجفية لم يطرأ عليه من التغيير والتطور شيء يذكر اللهم الاّ بعض المحاولات الحديثة التي قام بها بعض العلماء النابهين ممن اطلعوا على أساليب الدراسة الحديثة ونالوا قسطاً وافراً من العلوم والفنون المعاصرة.

ومن هذا المنطلق بدأت فكرة التجديد في المناهج الدراسية تتفاعل وتشغل فكر المجددين من طلاب العلوم الدينية الذين حرصوا كل الحرص على أن تبقى المدرسة الدينية مواكبة لمسيرة التطور العلمي غير متخلفة عنه. وقد لعب الطلاب وخاصة الشعراء منهم دوراً ريادياً في بث الدعوة الاصلاحية والحث على التجديد والتطوير في المناهج الدراسية. ومن هؤلاء الشعراء يأتي السيد مصطفى

__________________

١ - جعفر الخليلي : موسوعة العتبات المقدسة ، ج ٧ ، ص ٩٢ - ١٠٠.

٤١

جمال الدين(١) في طليعة شعراء الاصلاح ، وكان قد سدد نقدات لاذعة وجريئة للمناهج الدراسية القديمة ، منها ما يقول من قصيدة :

هذي ( المناهج ) أطمارٌ مُهَلهَلةٌ

مَرَّتْ على نسجها الأحداثُ والعُصُرُ

وسوف يأتي زمانٌ لا ترونَ بها

الاّ خيوطاً لهمسِ الريحِ تنتثرُ(٢)

وما فتيء الشاعر في سورته ضد المناهج القائمة يصعّد من حملاته ويدعو علماء الدين الى مراجعتها وتعديلها وفقاً لمتطلبات العصر حتى قال قصيدته بعنوان ( صونوا مناهجكم تصونوا دينكم ) :

يا قومُ حسبكُم الخمولُ فقد مضى

زَمنٌ بفِطْرتها تَشِبُّ الرُضَّع

والعصرُ عصرٌ لا يَشِبُّ وليدُه

إلاّ ليُعجِبَهُ المِفَنُّ المُبِدع

( عصرُ المدارسِ ) عَذْبها وأُجاجها

تبني العقول بما يضرُّ وينفع

لا عصرُ ( كُتّابٍ ) قُصارى جُهده

صُحفٌ مباركة ، وآيٌ مُمتِع(٣)

صونوا ( مناهجكم ) تصونوا دينكم

وابنوا العقولَ ، يَقُم عليها مجمع

فالدين ليس يَرُبُّهُ ويسوسُه

شيخ بمحرابِ الدجى يتضرَّع

ولقد عَهِدنا الدينَ عندَ محمدٍ

سيفاً بحالكةِ المنايا يَلمَع

ومنابراً طَلَعت على آفاقها

خُطَبٌ من الصُبحِ المنوَّر أنصَعُ

ومُبشرّين سَرَوْا بِهَدي كتابِهِ

كالريحِ تَسري بالشذى وتَضَوَّع

أنّى سرى الداعي فثمةَ معهدٌ

يَرتادُ مِنبَره اللبيبُ الأروع

__________________

١ - مصطفى جمال الدين ( ١٩٢٧ - ١٩٩٦ م ). شاعر مرهف وأديب مبدع. من آثاره : « الديوان » ، و « الإيقاع في الشعر العربي من البيت الى التفعيلة » ، و « التدوير في القصيدة المعاصرة ». ( معجم رجال الفكر والادب في النجف ، ج ١ ، ص ٣٦٢ ).

٢ - الديوان ، ص ٣٢.

٣ - الكُتَّاب جمعه كتاتيب : موضع التعليم. ( لسان العرب ، ج ١٢ ، ص ٢٣ ).

٤٢

وإذا فَخرتُم بالمساجدِ أنّكُم

عُمّارُها ، فهُمُ السُجودُ الرُكَّعُ

هذا الجهادُ ، فأينَ من عليائِهِ

جُبَبٌ مُخرَّقَةٌ وشيخٌ مُهطِعُ(١)

وقد لاقت هذه الدعوة قبولاً حسناً من قبل جيل الشباب على الرغم من معارضة المحافظين ومخالفتهم لتعديل النظام الدراسي. فدخلت مواد جديدة الى الدروس الدينية مثل الفلسفة الحديثة ، والفقه المقارن ، وعلم الاجتماع ، وعلم النفس ، واللغة الانجليزية واُلّفت كتب حديثة الاسلوب في مختلف العلوم الدينية ك « اصول الفقه » و « الفلسفة الاسلامية » و « المنطق » للشيخ محمّد رضا المظفر ، و « دروس في الفقه الاستدلالي » للشيخ محمّد تقي الايرواني ، وغيرها من المؤلفات الحديثة الاخرى. هذا بالنسبة الى المدارس الدينية ، أمّا المدارس الحكومية العامة التي كانت تعنى بالعلوم العصرية فقد كان في النجف قبل الاحتلال البريطاني وعلى عهد حكومة الأتراك مدرسة ابتدائية تشرف عليها الحكومة بدأ تشكيلها سنة ١٣٠٠ ه. واضافة الى هذه المدرسة فقد كان للايرانيين مدرستان في النجف مدرسة تسمى « العلوي » أُسست سنة ١٣٢٦ ه ، ومدرسة اخرى تسمى « المدرسة الرضوية »(٢) . ومع تطور الحياة وشمولية التعليم انتشرت المدارس الابتدائية والاعدادية والثانوية في النجف حتى ناهز عددها اليوم العشرات.

وفي معرض الحديث عن المرافق الثقافية في النجف لابد من الإشارة الى مؤسسة دينية هامة - عدا الحوزة العلمية - وهي كلية الفقه التي أسسها الشيخ محمّد رضا المظفر(٣) سنة ١٩٥٨ م ، والتي عُنيت بتخريج المختصين بالعلوم الاسلامية

__________________

١ - الديوان ، ص ٣٦٨ ، ٣٦٩.

٢ - جعفر آل محبوبة : ماضي النجف وحاضرها ، ج ١ ، ص ١٤٦.

٣ - محمّد رضا المظفر ( ١٣٢٢ - ١٣٨٣ ه ). من روّاد الحركة الإصلاحية في النجف ، وأحد أبرز علماء الحوزة العلمية. من آثاره : « السقيفة » ، و « أصول الفقه » و « أحلام اليقظة ».

٤٣

واللغة العربية.

ولهذه الكلية مساهمة كبرى في تطوير الدراسة الدينية في النجف من خلال ضمها العلوم الحديثة في نظام الدراسة الدينية وتطبيق النظام الاكاديمي في التعليم الديني وإدخال نظام الدراسة الصفية ، ونظام الامتحانات الدورية ، ونظام منح الشهادة الرسمية التي تؤهل الطالب الديني لمواصلة دراساته العليا.

امّا العلوم التي تدرّس فيها فهي : الفقه الامامي ، والفقه المقارن ، وأصول الفقه ، والتفسير ، والحديث ، والمنطق ، والفلسفة الاسلامية ، والفلسفة الحديثة ، والتاريخ الاسلامي ، والنحو والصرف ، والبلاغة ، والعروض ، وتاريخ الادب العربي ، وعلم الاجتماع ، وعلم النفس ، والتربية ، واصول التدريس ، واللغة الانجليزية(١) .

وقد رفدت الحركة العلمية والثقافية في النجف كثرة المكتبات العامة والخاصة فيها. فالنجف وعلى الرغم من حدودها الجغرافية الضيقة كانت غنيّة بنفائس المكتبات والخزائن الثمينة. ولم تكن للحكومة يد في إنشاء هذه المكتبات فهي من صنع العلماء ومساعيهم الفردية. ومن أشهر هذه المكتبات مكتبة الشيخ علي آل كاشف الغطاء(٢) ، ومكتبة الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام

__________________

١ - جعفر الدجيلي : موسوعة النجف الأشرف ، ج ٦ ، ص ٣٠٥ ، ٣٠٦.

٢ - من أشهر مكتبات النجف وأوسعها. قامت على مخلفات أشهر مكتبات النجف الكبرى وما تبعثر منها. جمع قماطير هذه المكتبة الثمينة الشيخ علي ابن الشيخ محمّد رضا آل كاشف الغطاء ( ١٢٦٨ - ١٣٥٠ ه ) الذي أنفق جلّ عمره في جمع الكتب واستنساخها من خلال اسفاره الكثيرة الى الهند وايران وتركيا وغيرها من البلاد. ( ماضي النجف وحاضرها ، ج ١ ، ص ١٦٣ ، ١٦٤ ).

٤٤

العامة(١) ، ومكتبة السيد الحكيم العامة(٢) .

ومن العوامل المهمة التي ساعدت على توسيع المكتبات واثرائها بانواع الكتب والمؤلفات ظهور المطابع ودور النشر. فقد اسست اول مطبعة في العراق سنة ١٨٥٦ م ثم تلتها مطبعة اخرى في سنة ١٨٦١ م(٣) امّا في النجف فكانت اول مطبعة جُلبت اليها هي « مطبعة حبل المتين » طبعت فيها بعض الكتب العربية والفارسية الدينية بالاضافة الى بعض المجلات والجرائد(٤) . وانتشرت في النجف عدة مطابع ساهمت مساهمة فعالة في إحياء التراث الاسلامي ، ونشر العلوم والمعارف ، منها المطبعة العلمية(٥) ، ومطبعة النجف(٦) ، ومطبعة النعمان(٧) .

ومع انتشار المطابع وازدياد دور النشر في النجف ازدهرت الصحافة ازدهاراً باهراً ، وأقبل الأُدباء على هذا الرافد المعرفي الهام إقبالاً منقطع النظير. ولعل ذلك يعود الى تناول الصحافة قضايا الفكر والادب والسياسة والاجتماع

__________________

١ - من امهات المكتبات في النجف. أُسست سنة ١٣٧٣ ه برعاية الشيخ عبد الحسين الأميني ( ١٣٢٢ - ١٣٩٠ ه ) بُنيت على الطراز الحديث وتضم بين دفتيها عشرات الآلآف من الكتب المطبوعة والمخطوطة بشتى اللغات والعلوم. ( ماضي النجف وحاضرها ، ج ١ ، ص ١٧٢ ).

٢ - أُسست سنة ١٣٧٧ ه في المسجد الهندي بعناية المرجع الديني السيد محسن الحكيم وقد خصصت لها مبالغ كبيرة للانفاق عليها وتنميتها وتركيزها ، كما جلبت لها كتب نفيسة كثيرة ومخطوطات قيمة ثمينة. ( ماضي النجف وحاضرها ، ج ١ ، ص ١٧٣ ).

٣ - عناد اسماعيل الكبيسي : الادب في صحافة العراق منذ بداية القرن العشرين ، ص ٣٨.

٤ - جعفر آل محبوبه : ماضي النجف وحاضرها ، ج ١ ، ص ١٧٤.

٥ - وردت النجف سنة ١٣٥٢ ه وهي من المطابع الحجرية لصاحبها الشيخ محمّد ابراهيم الكتبي. وقد انتقلت بعد وفاته الى أولاده وقد أجريت عليها تحسينات كثيرة ، كما جلب اليها مكائن حديثة ( ماضي النجف وحاضرها ، ج ١ ، ص ١٧٦ ).

٦ - من المطابع المهمة الحديثة التي انشئت في النجف سنة ١٩٥٥ م ، صاحبها الشيخ هادي الاسدي ، وقد طبع فيها كثير من الكتب العلمية والفقهية. ( ماضي النجف وحاضرها ، ج ١ ، ص ١٧٧ ).

٧ - صاحبها حسن الشيخ ابراهيم الكتبي ، وهي من المطابع الجيدة الحديثة ، وقد طبع فيها كثير من الكتب العلمية والادبية ، وقد تأسست سنة ١٣٧٦ ه ( ماضي النجف وحاضرها ، ج ١ ، ص ١٧٧ ).

٤٥

بواقعية وموضوعية لم يألفها النجفيون آنذاك. ومن أقدم مطبوعات النجف مجلة « العلم » التي أصدرها السيد محمّد علي هبة الدين الشهرستاني(١) سنة ١٣٢٨ ه وكانت مجلة علمية دينية(٢) .

ومن المجلات التي لاقت شهرة وذيوعاً بين المثقفين مجلة « الاعتدال » لصاحبها محمّد علي البلاغي(٣) ، وكانت مجلة شهرية مصورة تبحث في العلم والأدب والأخلاق والاجتماع صدر أول عدد منها سنة ١٣٥١ ه ، وانقطعت عن الصدور بعد أن دخلت عامها السادس(٤) . وقد صدرت في النجف صحف ومجلات كثيرة لا يزال بعضها مستمراً في الصدور(٥) .

وقد اشتهر في النجف صحفيون كبار يأتي في مقدمتهم الأديب جعفر الخليلي(٦) الذي تعد صحفه من ركائز النهضة الصحافية الحديثة في العراق. واول جريدة أصدرها في النجف كانت جريدة « الفجر الصادق » وذلك في عام ١٩٣٠ م ، وكانت اسبوعية استمرت في الصدور عاماً واحداً. ثم أصدر سنة ١٩٣٤ جريدة « الراعي » لم تدم الاّ سنة واحدة حيث اغلقتها الحكومة لدوافع سياسية. وفي عام

__________________

١ - محمّد علي هبة الدين الحسيني الشهرستاني ( ١٣٠١ - ١٣٨٦ ه ) عالم مجتهد ومصلح مجدد. ولد في سامراء وهاجر الى النجف للدراسة. من مؤلفاته : « المعجزة الخالدة » ، و « توحيد أهل التوحيد » ، و « نهضة الحسينعليه‌السلام ». ( معجم رجال الفكر والادب في النجف ، ج ٢ ، ص ٧٦١ ، ٧٦٢ ).

٢ - جعفر آل محبوبه : ماضي النجف وحاضرها ، ج ١ ، ص ١٧٨ ، ١٧٩.

٣ - محمّد علي البلاغي ( ١٣٣١ - ١٣٩٤ ه ). كاتب كبير وشاعر وصحافي قدير. كتب واكثر في الصحافة العراقية. له ديوان شعر. ( معجم رجال الفكر والادب في النجف ، ج ١ ، ص ٢٥٦ ).

٤ - جعفر آل محبوبه : ماضي النجف وحاضرها ، ج ١ ، ص ١٨١.

٥ - للتوسع ينظر المصدر السابق ، ج ١ ، ص ١٧٨ - ١٨٣ ، ودليل النجف ، ص ١٠٤ - ١٠٦.

٦ - جعفر الخليلي ( ١٩٠٢ - ١٩٨٥ م ) أديب قدير وكاتب شهير. زاول الصحافة مدة عشرين سنة. كتب والّف في حقول شتى. من مؤلفاته : « موسوعة العتبات المقدسة » ، و « مقدمة للقصة العراقية الحديثة » ، و « القصة العراقية قديماً وحديثاً ». ( هكذا عرفتهم ، ج ٤ ، ص ٢٠٣ - ٢٢٢ ).

٤٦

١٩٣٥ م أصدر الخليلي جريدة « الهاتف » ثم انتقل بها الى بغداد عام ١٩٤٨ م. وقد استمرت في الصدور ما يناهز عشرين عاماً ثم اغلقت عام ١٩٥٤ م(١) .

وثمة ظاهرة ثقافية اخرى امتازت بها النجف عن سائر البلدان العراقية وهي كثرة ادبائها وشعرائها اضافة الى وفرة مفكريها وعلمائها. فقد نبغ في النجف على مرّ العصور شعراء كثيرون كانت لهم مكانة شامخة ومنزلة عليا في عالم الشعر والأدب. وإذا ما استعلمنا مؤثرات واسباب هذه الميزة الفريدة فإننا سنقف على عوامل دينية واجتماعية وسياسية دخيلة جعلت النجف بيئة فكرية وادبية مميزة لم تحظ بها سائر المدن العراقية « فالى النجف يتجه اكثر العراقيين في الحركة الفكرية ، والبورصة الفكرية لأكثر مدن العراق وقراه المهمة في النجف. فانّ للأفكار النجفية هيمنة على العراقيين ولها سعراً ولها قيمة ليست للأفكار البغدادية ، وللمقال أو العقيدة النجفية أو الرأي النجفي ميزة خاصة عند العراقيين »(٢) .

ولمركزية النجف العلمية والدينية ودورها الريادي في تعميم العلوم الاسلامية باعث هام في ازدهار الشعر والادب في هذه المدينة. فقد ظهر من علمائها نوابغ في الشعر والأدب اختط كل منهم مدرسة في عالم النظم والقصيد. ولا يعني هذا ان الشعر أصبح حكراً على طبقة خاصة من الناس بل بالعكس فان الشعر قد تفشى بين جميع الطبقات حتى أصبح من طبيعة الفرد النجفي. وفي هذا الخصوص يقول جعفر آل محبوبه : « الشعر في النجف طبيعي في نفوس أكثر أبنائه لاكسبي وغريزي ، لا تعلمي.فترى الشاعر النجفي من حين ما يشب يتغذى لبان الآداب ويرضع أخلاف النبوغ والعبقرية ولذا ترى أن الشعر فاش في أكثرهم.

__________________

١ - جعفر الخليلي : هكذا عرفتهم ، ج ٤ ، ص ٢٢٣.

٢ - علي الشرقي : موسوعة الشيخ علي الشرقي النثرية ، ج ٢ ص ١٥٧.

٤٧

فيشترك في صوغ الشعر ونظمه الطبقتان ( العليا ) : وهم العلماء وحملة العلم ، و ( السفلى ) : وهم سائر الناس من أهل الحرف والصناعات الدارجة ممن لم يتحلّ بالعلم ولم يسلك منهجه(١) ».

أمّا عن طبيعة الأدب النجفي فقد بقي حتى مستهل القرن العشرين مقلداً أدب العصور الغابرة يحاكيها في الأسلوب والبناء والموضوع ، بعيداً كلّ البعد عن تمثيل الحياة الاجتماعية والسياسية. الاّ انّ مظاهر البعث والتجدد أخذت طريقها اليه مع إطلالة النهضة الحديثة فظهرت بوادر الأبداع تتجلى في ألفاظ الشعر ومعانيه ، وأوزانه وقوافيه ، وأساليبه واخيلته ، مما دعا الى ظهور طبقات متعددة من الشعراء يمكن تصنيفهم كالآتي :

الطبقة الأُولى : طبقة العلماء المحافظين ممن غلبت عليهم الصبغة الروحية ، والنزعة العلمية ، من مثل الشيخ جواد الشبيبي(٢) ، والسيد رضا الهندي(٣) ، والشيخ محمّد السماوي(٤) .

الطبقة الثانية : طبقة الرعيل الأول من الشعراء المجددين الذين أدخلوا التجدد الحديث في شعرهم ، وأبدعوا في موضوعاته وأساليبه ، أمثال الشيخ محمّد

__________________

١ - ماضي النجف وحاضرها ، ج ١ ص ٣٩١.

٢ - جواد الشبيبي ( ١٢٨١ - ١٣٦٣ ه ) من زعماء الحركة الفكرية وأقطاب الأدب في النجف. عرف في الأوساط الثقافية عالماً جليلاً واديباً مبدعاً. من آثاره : « الدر المنثور على صدور الدهور » ، و « ديوان شعر ». ( معجم رجال الفكر والادب في النجف ، ج ٢ ، ص ٧١٧ ).

٣ - السيد رضا الموسوي الهندي ( ١٢٩٠ - ١٣٦٢ ه ) من الشعراء النابغين ، ومن أساتذة الفقه والاصول والأدب. له : « بلغة الراحل في اصول الدين » ، و « الميزان العادل في الفرق بين الحق والباطل » ، و « ديوان شعر ». ( معجم رجال الفكر والادب في النجف ، ج ٣ ص ١٣٤٨ ).

٤ - محمّد السماوي ( ١٢٩٢ - ١٣٧٠ ه ) من المتضلعين في التاريخ واللغة والشعر والادب. من آثاره : « الكواكب السماوية » ، و « إبصار العين في معرفة أنصار الحسينعليه‌السلام » ، و « عنوان الشرف في تأريخ النجف ». ( معجم رجال الفكر والادب في النجف ، ج ٢ ، ص ٦٨٦ ).

٤٨

رضا الشبيبي ، والشيخ علي الشرقي(١) .

الطبقة الثالثة : وهم شعراءالتجديدالحديث ممن غلب الطابع السياسي والاجتماعي على شعرهم. من هؤلاء : محمد مهدي الجواهري ، والسيد محمد صالح بحر العلوم(٢) ، والسيد احمد الصافي النجفي(٣) .

الطبقة الرابعة : وهي طبقة الشعراء المتحررين الذين دعوا الى مواكبة المسيرة الحضارية الحديثة بأشعارهم الصريحة والجريئة. ومن شعراء هذه الطبقة : صالح الجعفري ، والدكتور عبد الرزاق محيي الدين(٤) ، والسيد محمود الحبوبي(٥) .

الطبقة الخامسة : وهي طبقة الجيل الجديد من العلماء الشعراء الذين طوروا الشعر الاسلامي وعملوا في توظيفه في شتى شؤون الحياة. ومن أعلام هذه الطبقة :

__________________

١ - علي الشرقي ( ١٣٠٩ - ١٣٨٥ ). شاعر وطني وسياسي معروف. زاول السياسة والعمل الوطني مدة طويلة. من آثاره : ديوانه « عواطف وعواصف » ، و « الأحلام » ، و « نكت القلم » ، و « الغراف والبطايح » ، ( شعراء الغري ، ج ٧ ، ص ٣ ).

٢ - السيد محمد صالح بحر العلوم ( ١٩٠٨ - ١٩٩٢ م ). شاعر وطني كافح الاستعمار ردحاً من الزمن وسجن مرات عديده. من آثاره : ديوانه « العواصف » ، و « أقباس الثورة » ، ( معجم رجال الفكر والادب في النجف ، ج ١ ، ص ٢١٦ ).

٣ - السيد احمد الصافي النجفي ( ١٣١٤ - ١٣٩٧ ه ). من كبار شعراء العراق أصدر عدة دواوين ، منها : « أشعة ملونة » ، و « الأغوار » ، و « الحان اللهيب » ، و « الامواج » ، وترجم رباعيات الخيام شعراً. ( معجم رجال الفكر والادب في النجف ، ج ٢ ، ص ٧٩٣ ).

٤ - عبد الرزاق محيي الدين ( ١٣٢٨ - ١٤٠٤ ه ). من أساتذة الادب واللغة العربية. ترأس المجمع العلمي العراقي بعد الشيخ محمد رضا الشبيبي. من آثاره : « أبو حيان التوحيدي » ، و « أدب المرتضى من سيرته وآثاره ». ( معجم رجال الفكر والادب في النجف ، ج ٣ ، ص ١١٧٦ ).

٥ - السيد محمود الحبوبي. ( ١٣٢٣ - ١٣٨٩ ه ) من مشاهير شعراء العراق ومن أعلام الادب في النجف. له : « رباعيات الحبوبي » ، و « ديوان الحبوبي » ، و « آراء في الشعر والقصة ». ( معجم رجال الفكر والادب في النجف ، ج ١ ، ص ٣٨٨ ).

٤٩

السيد محمد جمال الدين الهاشمي(١) ، والشيخ عبد المنعم الفرطوسي ، والشيخ علي الصغير(٢) .

الطبقة السادسة : وهي الطبقة التي عُرفت آنذاك بطبقة الشباب الناهض(٣) وقد امتاز روّادها بآرائهم النهضوية وأفكارهم التجددية. وفي مقدمة هذه الطبقة : محمد صادق القاموسي(٤) ، والدكتور مصطفى جمال الدين ، والدكتور احمد الوائلي(٥) .

ويزداد الشعراء تفاعلاً بازدياد الاحتفالات والمهرجانات العامة التي كانت تقام في النجف وخاصة في الأعياد والمناسبات الدينية. وقد تركت هذه الاحتفالات أثراً واضحاً في حركة الشعر النجفي بوجه خاص والشعر العراقي بوجه عام. واضافة الى هذه الاحتفالات العامة فقد كانت المجالس الخاصة والندوات الأدبية التي كانت تعقد في دور وجهاء البلد وبيوت الشخصيات السياسية والعلمية والأدبية من العوامل المؤثرة في تنشيط حركة الشعر والادب

__________________

١ - السيد محمد جمال الدين الهاشمي ( ١٣٣٢ - ١٣٩٧ ه ). من العلماء المجتهدين والشعراء المجيدين. له دواوين شعرية كثيرة لم ينشر منها الاّ ديوان « مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآله : ». من مؤلفاته المطبوعة : « الادب الجديد » ، و « المرأة وحقوق الانسان ». ( معجم رجال الفكر والادب في النجف ، ج ٣ ص ١٣٢٦ ).

٢ - علي الصغير ( ١٩١٢ - ١٩٧٥ م ). مجتهد جليل وعالم فاضل. والصغير في طليعة شعراء النجف وعلمائها. نبغ شاعراً وحصل على فضيلة عالية متوسمة بالعلم الوافر والفضل الجم. من آثاره : « الديوان الخاص » ، و « محاضرات في الفقه الجعفري ». ( معجم رجال الفكر والادب في النجف ، ج ٢ ، ص ٧٢٧ ).

٣ - محمد بحر العلوم : حصاد الأيام ، ص ٣٣٤.

٤ - محمد صادق القاموسي ( ١٣٤١ - ١٤٠٨ ). شاعر مطبوع وأديب مرهف الحس. له : « ديوان شعر » وكتب مخطوطة لم تطبع. ( معجم رجال الفكر والادب في النجف ، ج ٣ ، ص ٩٦٩ ).

٥ - أحمد الوائلي ولد في النجف سنة ١٣٤٦ ه. خطيب متكلم وشاعر مجيد وأديب متضلع.عرف بجودة البيان والاطلاع الواسع والاسلوب العلمي وعذوبة المنطق. له : « ديوان الوائلي » ، و « هوية التشيع » ، ومؤلفات أخرى. ( معجم رجال الفكر والادب في النجف ، ج ٣ ، ص ١٣١٥ ).

٥٠

في النجف. وقد عرفت النجف قديماً بندواتها ومجالسها الكثيرة ، وفي هذا الشأن يقول جعفر الخليلي : « والمجالس كانت عنوان النجف منذ كان تأريخ النجف ، وهي تمثل النجف تمثيلاً فيه الكثير من واقع البلد وحقيقته وأهدافه ، وفي هذه المجالس كانوا يتبادلون الآراء والأفكار السياسية ، وفي هذه المجالس كانت توضع الخطط ، وتعد المناهج العامة ثم هي بعد ذلك أشبه بقاعات المحاضرات ، والدرس ، والمباراة الشعرية ، بل كثيراً ما قامت هذه المجالس بمهمة المحكمة ففصلت بين المتشاكين ، وتوسطت في حل المشاكل على قدر ما لصاحب المجلس من لياقة وقابلية ، والمرتادون لهذه المجالس وإن كانوا من طبقات مختلفة ولكنهم كانوا عيون البلد ووجوههم لا يصلح غيرهم أن يمثل النجف تمثيلاً واقعياً في أفكاره وآرائه وما هي عليه من مواهب أدبيه فنية ، والى مثل هذه المجالس يعود الفضل الأول في بذرة الاستقلال ، ووضع أول خطة لكيفية المطالبة باستقلال العراق ، ومن هذه المجالس انبعثت فكرة ثورة النجف الأولى في وجه الانجليز ، والى مثل هذه المجالس يعود الفضل في تضييق دائرة الحروب القبلية(١) ».

وعن هذه المجالس نشأت جمعيات ونوادي كثيرة اهتمت في الدرجة الاولى بالشعر والادب ، وبنشر العلوم والفنون في الدرجة الثانية. ومن هذه الجمعيات ما كانت على شكل تجمعات إخوانية لم تحمل طابعاً رسمياً ك « أسرة الأدب اليقظ(٢) » ، ومنها جمعيات رسمية تأسست بإذن حكومي وبنظام داخلي

__________________

١ - هكذا عرفتهم ، ج ١ ، ص ٣١٦.

٢ - جمعية أدبية تشكلت في الخمسينات. وضع أساسها ثلة من الشعراء الشباب آنذاك منهم السيد مصطفى جمال الدين ، والشيخ جميل حيدر ، والشيخ محمد الهجري. ( مصطفى جمال الدين : الديوان ، ص ٤٢ - ٤٧ ).

٥١

مقرر كجمعية « الرابطة العلمية الادبية(١) » التي تأسست سنة ١٥٣١ ه. و « جمعية منتدى النشر(٢) » ، و « جمعية التحرير الثقافي »(٣) .

__________________

١ - سيأتي الحديث عنها لاحقاً.

٢ - أسست عام ١٣٥٤ ه وقامت بدور تطوير الحياة الدراسية والثقافية في النجف الاشرف ، ففتحت ( المجمع الثقافي ) الذي قام باعداد عدة مواسم ثقافية ، ألقيت فيها الكثير من المحاضرات العلمية والأدبية. أصدرت كتباً كثيرة منها : « حقائق التأويل » للشريف الرضي ، و « الشيعة والإمامة » للشيخ محمد حسين المظفر. ( دليل النجف ، ص ١٠٢ ).

٣ - اُسست عام ١٣٦٤ ه ، وشاركت ثقافياً بإصدار مجلة باسم ( النشاط الثقافي ) ، واجتماعياً بفتح مدرسة دينية. ( دليل النجف ، ص ١٠٣ ).

٥٢

البَابُ الثَّاني

السيرة

٥٣

٥٤

١ اسمه ومولده ونشأته:

هو الشيخ عبد المنعم ابن الشيخ حسين ابن الشيخ حسن ابن الشيخ عيسى ابن الشيخ حسن الفرطوسي المعروف بالفرطوسي الكبير(١) .

ولد سنة ١٣٣٥ ه(٢) ، في قرية تسمى « الرقاصة » من أعمال « المجر الكبير(٣) بمحافظة العمارة في جنوب العراق(٤) . وكان ذلك ابّان رحيل والده الشيخ حسين مع أفراد عائلته من النجف الى العمارة إثر الأضطرابات والحوادث التي نشبت بسبب الاحتلال البريطاني للعراق. ولم يلبث الوالد أن عاد ثانية الى النجف ومعه ابنه الصبي بعد أن قضى مدة في القرية المذكورة.

نشأ الفرطوسي في مدينة النجف المعروفة بمحيطها الديني وبيئتها المحافظة ، وقد أحبّ مدينته حبّا جمّا طالما حَنّ إليها وعبّر عن اشتياقه اليها في

__________________

١ - ينظر الملحق رقم (١).

٢ - اختلف المؤرخون في تاريخ ولادة الشاعر. فالشيخ آقا بزرك الطهراني ذكر أنّه ولد سنة ١٣٣٣ ه ( الذريعة ، ج ٩ ، ص ٧٠٠ و ج ١٦ ، ص ٢٧٥ ) ، بينما جاء في بعض المصادر انه ولد سنة ١٣٣٤ ه ( معجم رجال الفكر والادب في النجف ج ٢ ، ص ٩٣٧. ماضي النجف وحاضرها ، ج ٣ ، ص ٦٥ ). والصحيح ما اثبتناه حسبما اكده الشاعر في مقدمة ديوانه ( ج ١ ، ص ١٨ ).

٣ - المجر الكبير : قضاء في محافظة العمارة مركزه المجر الكبير يقع على الضفة اليسرى من نهر ( المجرية ) المتشعب من دجلة جنوبي العمارة على مسافة ٢٩ كيلو متراً منها. ( اصول أسماء المدن والمواقع العراقية ، ج ١ ، ص ٢٧٢ ).

٤ - حميد المطبعي : موسوعة اعلام العراق في القرن العشرين ، ج ١ ، ص ١٣٧.

٥٥

جملة من قصائده وفي اكثر من مناسبة. يقول من قصيدة:

أحنُّ لتربة بحمى ( علي )

يفوح بطيب نفحتها الرغام

وأشتاق المرابع من ثراها

يطيب بها لمشتاق مقام(١)

ويقول ايضاً :

مدينة النجف الغرّاء يا أُفقا

يوحى ويا تربة تحيي بما خصبا

كم احتضنت وكم خرّجت نابغة

فذاً وشيخاً على أسفاره حدِبا

فأنت مدرسة للعلم جامعة

تقري العقول وترويها بما عذباً(٢)

قرأ عبد المنعم في بدايات دراسته على والده الذي عني بتربيته واهتم بتنشئته تنشئةً دينية صالحة. وقد تركت هذه العناية الأبوية آثارها في توجيه الصبي توجيها علمياً صحيحياً. الاّ انّ نعمة الأبوة لم تدم طويلاً على الصبي فقد فجع بفقد والده وهو في سن الثانية عشرة ، فكفله عمه الشيخ علي(٣) الذي أولاه من عنايته وعطفه ما أولاه ، فكان يجمع ما بقي لأخيه من نتاج الأرض الزراعي القليل ويدفعه الى والدة الصبي التي بذلت هي الأخرى جهوداً جبارة في تربية ولدها عبد المنعم وتربية أشقائه في ظروف قاسية وحياة ضيقة صعبة.

وفي الخامسة عشرة من عمره يبلغ عبد المنعم منعطفاً تاريخياً هاماً من مسيرة حياته. ففي هذه السن يلبس العمامة البيضاء ويصبح شيخاً روحانياً يشعر

__________________

١ - ديوان الفرطوسي ، ج ٢ ، ص ١٦٥.

٢ - المصدر السابق ج ٢ ، ص ١٦١.

٣ - الشيخ علي الفرطوسي : من اعلام اسرته وهو عالم جليل على جانب عظيم من الاخلاق العالية. تخرج على العلامتين الشيخ احمد والشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء وحضر عند غيرهم من اعلام عصره. توفي سنة ١٣٧١ ه عن عمر يقارب الثمانين ودفن في ايوان العلماء بجوار مرقد الامام عليعليه‌السلام . ( ينظر ما ضي النجف وحاضرها ، ج ٣ ، ص ٦٧ ، وكذلك الملحق رقم ( ١ ) ).

٥٦

بالمسؤولية ويدرك ثقل العبء الملقى على عاتقه. يقول عن نفسه : « وفي الخامسة عشرة لبست العمامة ( الشعار الديني ) وأصبحت اشعر بالمسؤولية في تنظيم حياة عائلتي التي يبلغ عددها خمسة أفراد فأثقلت كاهلي بعبء السفر وكانت المنطقة التي اقصدها من ريف العراق هي ( ناحية المجر الكبير ) حيث منحت قطعة من الأرض الزراعية أعيش من نتاجها الضئيل حسب صلتنا بمشايخها الموروثة من الآباء »(١) .

وهكذا بدأت حياة الفرطوسي الفتى تأخذ مسيرها صوب تحمل المسؤوليات الجسام ، والتعامل بموضوعية مع الواقع المر الذي فرض عليه وهو في سن مبكرة. ولم تنل من عزيمة الفتى الصعاب التي كانت تعترض مسيرة حياته والمشاكل التي كانت تحدق به من كل حدب وصوب. فقد واصل طريقه - بالرغم من انشغاله بتوفير لقمة العيش - في طلب العلم وتحصيل المعارف من خلال مثابرته واجتهاده في البحث والدراسة حتى بلغ القمة في التدريس واصبح في وعي المجتمع النجفي ، وفي الحوزة العلمية « الفاضل الذي يعترف الجميع بعلمه لاسيما علوم العربية التي كان مدرسها البارز الذي يتهافت عليه الطلاب هناك ليستفيدوا من إحاطته الشاملة ، ومن أسلوبه الأدبّي المشرق(٢) ».

ومع تقدمه في مجال العلم والمعرفة بدأ نجم الفرطوسي يتألق في سماء الأدب وخاصة في محافل الشعر وحلبات الأدب التي كانت تقام دائماً وبدون انقطاع في النجف. وبفضل موهبته الشعرية ونبوغه الخارق في ارتجال الشعر ونظم القصيد تصدر الشاعر مجالس الأدب وتربع على عرش حلباته حتى أصبح

__________________

١ - ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ١٩.

٢ - عبد المنعم الفرطوسي : ملحمة أهل البيتعليهم‌السلام ، ج ٨ ، ص ٣.

٥٧

شاعرها الأوحد بلا منازع ، واشتهر ب « شاعر الحلبات الاسلامية(١) ».

٢ - أسرته وقبيلته :

ينحدر الشيخ عبد المنعم من عشيرة ( آل فرطوس ) احدى العشائر العربية العريقة في جنوب العراق. نزحت من الحجاز الى العراق في العهد العثماني لتسكن في بداية الأمر في مناطق « الناصرية » ، وكان يرأسها أيام هجرتها الشيخ « غزي بن فضل » الذي سكن في محلة « الفضل » من بغداد وأخذت عنه اسمها الحالي. ويبدو انّ الحادث الذي راح ضحيته الشيخ « چليب » شيخ آل فرطوس ، إبّان العهد العثماني دفع آل فرطوس الى التفرق ، فاتجهت مجاميع منها الى « البصرة » واُخرى الى « العمارة » وبقي منها من بقي في « الناصرية(٢) ».

وعشيرة آل فرطوس هي من عشائر « الغزي(٣) » الطائية. وقد ذكر المؤرخ عباس العزاوي انّ آل فرطوس فخذ من « الغزي » من « بني لام » بالعراق يسكن في أراضي « العبد » في « الچبايش » ومنه في محافظة « العمارة » ، وفروعه : « آل عطاس » ، و « البوزبارة » ، و « البوارسي » ، و « العبادة » ، و « آل سلمة(٤) ».

ويشير العزاوي في موضع آخر الى انّ آل فرطوس فخذ من « آل خزيّم » من « آل شبل » بالعراق. وقد عدّ بعضهم أصله من « خفاجة » وآخرون من

__________________

١ - عبد الصاحب الموسوي : الشيخ اليعقوبي ، دراسة نقدية في شعره ، ص ٥٢.

٢ - ثامر عبد الحسن العامري : موسوعة العشائر العراقية ، ج ١ ، ص ١٢٥.

٣ - آل غزي : عشيرة متوطنة تشتغل بالزراعة والري تنتسب الى « الفضول » من عشائر « بني لام » في الضفة اليمنى من الفرات في المنطقة المحصورة بين « سوق الشيوخ » ، و « الناصرية » ، و « الدراجي ». ( العشائر العراقية ، ج ١ ص ، ١٨١. عشائر العراق ، ج ٣ ، ص ٢٢٨ ).

٤ - عشائر العراق ، ج ٣ ، ص ١٢٣.

٥٨

« غزي(١) ».

ومن المؤرخين من يعزو نسب الفرطوسيين الى « الظوالم » وهي عشيرة من « فزارة » تتفرع الى : « العكش » ، و « الحسان » ، و « الهزي » ، و « الهديان » ، و « المحايطة » ، و « الحمود » ، و « الشموط » ، و « الشنشول(٢) ».

ومهما يكن من أمر فان الصحيح من نسب هذه العشيرة انّها تنتسب الى « آل غزي » حسبما اكده الشاعر في مقدمة ديوانه حيث ذكر انّه من الفرع الذي يسكن « العمارة(٣) ». والى ذلك يشير المؤرخ جعفر آل محبوبة لدى حديثه عن اسرة « آل الفرطوسي » في النجف حيث قال : « جُلّ آل فرطوس يقطنون في « العمارة » ومنها نزحوا الى بعض الانحاء الأخرى ك « الناصرية » و « الشنافية » وغيرهما من الأنحاء ولهم بيت مشهور في النجف معروف بهذه النسبة « آل الفرطوسي ». نزحوا الى النجف في أواخر القرن الثاني عشر وهم من البيوت العربية المحتفظة بمكانتها العلمية والمحافظة على سمعتها واعتبارها. أول من هاجر من هذه الاسرة الى النجف جدها الأعلى الشيخ حسن على عهد الشيخ صاحب كشف الغطاء »(٤) .

__________________

١ - المصدر السابق ، ج ٣ ، ص ٢٥١.

٢ - عبد الجليل الطاهر : العشائر العراقية ، ج ١ ص ، ٢٢٩.

٣ - ديوان الفرطوسي ، ج ١ ، ص ١٧.

٤ - ماضي النجف وحاضرها ، ج ٣ ، ص ٦٢.

٥٩

٣- جدّه :

هو الشيخ حسن ابن الشيخ عيسى(١) ابن الشيخ حسن(٢) الفرطوسي. قال عنه الشيخ محمد حرز الدين : « فقيه عالم محقق ، اشتهر بالفقاهة وحسن الاستنباط بين معاصريه. جليل القدر ، رفيع المنزلة معظماً عند الأكابر. صار مرجعاً للتقليد في أواخر أيامه عند سواد العراق(٣) ».

هاجر الى النجف الأشرف ، وتلمذ للشيخ مرتضى الأنصاري ، والشيخ راضي النجفي ، والشيخ مهدي كاشف الغطاء ، والشيخ محمد حسين الكاظمي ، والسيد المجدد الشيرازي(٤) .

له « الفقه الاستدلالي » شرح فيه كتاب شرائع الاسلام للمحقق الحلي. ألّف منه تسع مجلدات ، من أول الطهارة الى آخر التيمم ، وأخرجه الى البياض ولداه الشيخ علي والشيخ حسين في ثلاث مجلدات كبار وضخام(٥) . توفي في النجف سنة ١٣٢١ ه ، ودفن بايوان العلماء خلف الحرم العلوي الشريف(٦) .

__________________

١ - الشيخ عيسى الفرطوسي : كان ورعاً فاضلاً محل ثقة واطمئنان عند الشيخ صاحب كشف الغطاء. أرسله وكيلاً عنه الى ناحية « المجرة » من سوق الشيوخ وبقي فيها مدة طويلة مشغولاً بأرشاد الناس وتعليمهم. كان له مسجد هناك يقيم فيه الجماعة. توفي في محل اقامته مع عائلته في طاعون جارف ولم يبق من عائلته حي سوى الشيخ حسن المذكور. ( ماضي النجف وحاضرها ، ج ٣ ، ص ٦٧ ).

٢ - الشيخ حسن الفرطوسي : كان ورعاً تقياً فاضلاً معاصراً للشيخ صاحب كشف الغطاء وكان معروفاً باستجابة الدعاء. نزل عليه الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء ضيفاً وأمر بالصلاة خلفه ودعا له بالذرية الصالحة. ( ماضي النجف وحاضرها ، ج ٣ ، ص ٦٣ ).

٣ - معارف الرجال في تراجم العلماء والادباء ، ج ١ ، ص ٢٥٥.

٤ - أقابزرك الطهراني : هدية الرازي ، ص ٨٣.

٥ - آقابزرك الطهراني : الذريعة الى تصانيف الشيعة ، ج ١٦ ، ص ٢٨٦.

٦ - آقابزرك الطهراني : نقباء البشر فى القرن الرابع عشر ، ج ١ ، ص ٤٢٥.

٦٠