الصحاح من الآثار في فضائل النبي وآله الاطهار

الصحاح من الآثار في فضائل النبي وآله الاطهار33%

الصحاح من الآثار في فضائل النبي وآله الاطهار مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 110

الصحاح من الآثار في فضائل النبي وآله الاطهار
  • البداية
  • السابق
  • 110 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 77881 / تحميل: 8138
الحجم الحجم الحجم
الصحاح من الآثار في فضائل النبي وآله الاطهار

الصحاح من الآثار في فضائل النبي وآله الاطهار

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

والأحاديث الواردة بِهذا المضمون مستفيضة، بل لا يَبْعُد دعوى تواترها ولو مِن حيث المعنى، مضافاً إلى صحّة أسانيد ما ذُكِر. فإذا كان عليّ (عليه السلام) أقضى الناس، وأعلمهم بمقتضى تلك الأخبار فيكون هو الخليفة دون غيره، لقُبح تقدّم المفضول على الفاضل عقلاً ونقلاً، ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقّ أَحَقّ أَن يُتّبَعَ أَمْ مَن لاَ يَهِدّي إِلاّ أَن يُهْدَى‏ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) .

وأمّا سائر الخلفاء فقد اعترفوا في موارد عديدة بتقدّم عليّ (عليه السلام) في عِلمه وتأخّرهم عنه:

هذا أبو بكر يقول: ( ولّيتُكم ولستُ بخيركم ) (١) أو ( أقيلوني ولست بخيركم ) (٢) أو ( عليكم بعليّ بن أبي طالب ) (٣) .

وهذا عُمر بن الخطّاب يقول: ( إنّ هذا أعلم نبينا وبكتاب نبينا ) (٤) و( لو أنّ السماوات والأرض وضِعت في كفّة ووزن إيمان عليّ لرجح إيمانُ عليّ ) (٥) و( لولاك لافتضحنا ) (٦) و( أعوذ بالله مِن معضلة لا عليّ بها ) (٧) و( عجزت النساء أنْ تلدن مثل عليّ بن أبي طالب ) (٨)

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢/ ١٠٦، تذكرة الخواص ٦٧.

(٢) سر العالمين، المقالة الرابعة.

(٣) إحقاق الحق ٤/ ٢٥٠ عن لسان الميزان عن أبي الأسود.

(٤) كما عن كتاب زين الفتى في شرح سورة هل أتى.

(٥) مناقب الخوارزمي ٧٨، إحقاق الحق ٥/ ٦١.

(٦) كما عن صحيح البخاري ٣/ ٨١، سُنن أبي داود ١/ ٣١٧، سنن ابن ماجة ٢/ ٢٦٩، سنن البيهقي ٥/ ١٥٩، فتوح البلدان ٥٥، الرياض النضرة ٢/ ٢٠، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢/ ٢٠١، أخبار مكّة.

(٧) فرائد السمطين ٧٥ و١٤٩، نور الأبصار ٧٩، الصواعق المحرقة ٧٦، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة ١٨، الاستيعاب ٣/ ٣٨، أسد الغابة ٤/ ٢٢.

(٨) مناقب الخوارزمي ٤٨، ينابيع المودّة ٧٥، فرائد السمطين ٧٥.

٢١

و( عليٌّ أقضانا ) (١) و( لولا عليّ لهلك عمر ) (٢) و( كلّ الناس أفقه مِن عُمر ) (٣) و( أنت خيرهم فتوى ) (٤) و( هذا مولاي ومولى كلّ مؤمن، فمن لم يكُن مولاه فليس بمؤمن ) (٥) .

وهذا عثمان يقول: ( لولا عليّ لهلك عثمان ) (٦) أو ( أنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام يشقّق الخطب ) (٧) .

وهذا معاوية يقول: ( ذهب الفقه والعٍلم بموت ابن أبي طالب ) (٨) .

وهذه عائشة بنت أبي بكر تقول: ( زينوا مجالسكم بذكر عليّ ) (٩) و( لقد علمت أنّ عليّاً أحبُّ إليك مِن أبي - مرّتين أو ثلاث ) (١٠) و( والله ما أعلم رجلاّ كان أحبّ إلى

____________________

(١) طبقات ابن سعد ٢/ ٣٤ و١٠٣.

(٢) مناقب الخوارزمي ٤٨، سيرة عمر ١٠٦، المستدرك ١/ ٤٥٧، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة ١٨.

(٣) كما عن شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١/ ١٨٢، الرياض النضرة ٢/ ٥٧، نور الأبصار ٥٦، الفتوحات الإسلاميّة ٢/ ٤٠٨، ونقل في الغدير مائة مورد ونقل تلميذه السيّد الحكمي عنه أنّه قال استخرجت مائة مورد أُخرى سأكتبها في سائر مجلّدات الغدير.

(٤) طبقات ابن سعد ٣/ ١٠٣.

(٥) شواهد التنزيل ٢٦٥.

(٦) كما عن الحافظ العاصمي في زين الفتى في تفسير سورة هل أتى، من طريق شيخه أبي بكر محمّد بن إسحاق همشاذ يرفعه.

(٧) تاريخ اليعقوبي ٢/ ١٤٠.

(٨) الاستيعاب ٣/ ٤٥.

(٩) مناقب ابن المغازلي ٢١١، وقد نقلناه عنه في كتابنا ( جامع فضائل أهل البيت ) .

(١٠) مجمع الزوائد ٩/ ١٢٧.

٢٢

رسول الله مِن عليّ، ولا في الأرض امرأة كانت أحبّ إلى رسول الله مِن امرأته ) (١) و( أمّا أنّه لأعْلَم الناس بالسنّة ) (٢) .

وهذا عبد الله بن عبّاس يقول: ( والله لقد أُعطي عليّ بن أبي طالب تسعة أعشار العِلم، وأيم الله لقد شاركهم في العشرة العاشرة ) (٣) .

وهذا عبد الله بن مسعود يقول: ( كنّا نتحدّث أنّ أقضى أهل المدينة عليّ بن أبي طالب ) (٤) .

وهذا سعيد بن المسيّب يقول: ( ما كان أحد من الناس يقول: سلوني غير عليّ ابن أبي طالب ) (٥) .

في شدّة إيمانه (عليه السلام) وتقواه:

١ - أخبرني احمد بن جعفر القطيعي، ثنا عبد الله بن احمد بن حنبل، حدّثني أبي، ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني عبد الله ابن عبد الرحمن بن معمّر أبو طوالة الأنصاري، عن سليمان بن محمّد بن كعب بن عجزة، عن زينب بنت أبي سعيد، عن أبي سعيد الخدري، قال: شُكِي عليّ بن أبي طالب إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقام فينا خطيباً فسمعته يقول: ( أيّها الناس لا تشكوا عليّاً، فوالله إنّه لا خشن في ذات الله، وفي سبيل الله ).

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرجاه (٦) .

____________________

(١) المستدرك من الصحيحين ٣/ ١٣٤.

(٢) الاستيعاب ٣/ ٣٩.

(٣) الاستيعاب ٣/ ٣٩.

(٤) أسد الغابة ٤/ ٢٢.

(٥) الاستيعاب ٣/ ٣٩.

(٦) المستدرك من الصحيحين ٣/ ١٣٤.

٢٣

٢ - عن ابن عبّاس أنّ عليّاً كان يقول في حياة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):

( والله عزّ وجل يقول: ( أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) (١) والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله تعالى، والله لئن مات أو قُتِل لأُقاتلن على ما قُتِل عليه حتّى أموت، والله إنّي لأخوة ووليّه وابن عمّه ووارثه، فمّن أحقّ به منّي ) .

رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح (٢) .

٣ - عن جرير بن سمرة قال: لماّ كان مِن أهل البصرة الذي كان بينهم وبين عليّ بن أبي طالب، انطلقت حتّى أتيت المدينة، فأتيت ميمونة بنت الحارث وهي مِن بني هلال، فسلّمت عليها فقالت: مَن الرجل؟ قلت: مِن أهل العراق. قالت مِن أيّ أهل العراق؟ قلت: من أهل الكوفة. قالت: من أيّ أهل الكوفة؟ قلت: مِن بني عامر. قالت: مرحباً قُرباً على قُرب ورحباً على رحب فمجيء ما جاء بك؟ قلت: كان بين عليّ وطلحة الذي كان فأقبلت فبايعت عليّاً قالت: فالحقّ به فو الله ما ضُلّ به - حتّى قالتها ثلاثاً.

رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير جرير بن سمرة وهو ثقة (٣) .

دلالة هذه الأخبار على شدّة إيمانه وتقواه ظاهرة أو صريحة، بل الثاني منه يدلّ على أنّه الوصيّ وخليفة النبيّ ووارثه وأخوه وابن عمّه وأحقّ به.

في أنّه (عليه السلام) الهادي:

١ - أخبرنا أبو عمر عثمان بن احمد السمّاك، ثنا عبد الرحمن بن محمّد بن منصور الحارثي، ثنا حسين بن حسن الأشقر، ثنا منصور بن أبي الأسود، عن الأعمش

____________________

(١) سورة آل عمران ١٤٤.

(٢) مجمع الزوائد ٩/ ١٣٤.

(٣) المصدر ٩/ ١٣٥.

٢٤

عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبد الله الأسدي، عن عليّ ( إِنّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ ) قال عليّ: ( رسول الله المنذر وأنا الهادي ) (٢) .

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرجاه (٣) .

وقد وردت جملة من الروايات بهذا المضمون، وسند بعضها صحيح كما عرفت، فلا ينبغي الإشكال فيها من حيث السند.

ومقتضى إطلاق لفظ ( الهادي ) هو الهداية في جميع أُمور الدين والدنيا، فيكون هو الخليفة؛ لأنّها لا تتحقّق إلاّ من كان هذا شأنه. ويؤيّده أو يدلّ عليه وقوعه بعد ( المُنذر )، الذي هو النبيّ (صلّى الله عليه وآله) - كما فسّر به في الأخبار.

في أنّه (عليه السلام) المبين ما اختلفوا فيه:

١ - حدّثنا عبدان بن يزيد بن يعقوب الدقّاق من أصل كتابه، ثنا إبراهيم بن الحسين بن ديزل، ثنا أبو نعيم ضرار بن صرد، ثنا معمر بن سلمان، قال: أبي يذكر عن الحسن، عن انس بن مالك أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لعليّ: ( أنت تُبيّن لأُمّتي ما اختلفوا فيه بعدي ) .

هذا حديثٌ صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرجاه (٣) .

فإذا كان هو المبيّن لما اختلفت الأُمّة فيه - بمقتضى هذه الصحيحة وغيرها - فيكون هو الخليفة دون غيره ممّن يحتاج إليه في عِلمه كما مرّ، فانّ هذا مِن مناصب الخليفة كما لا يخفى.

فالصحيحة - مثل غيرها من الروايات المستفيضة أو المتواترة - تدلّ على

____________________

(١) سورة الرعد: ٧.

(٢) المستدرك من الصحيحين ٣/ ١٢٩.

(٣) المستدرك من الصحيحين ٣/ ١٢٢.

٢٥

خلافته (عليه السلام)، ولا أقلّ من أنّها مُشعرة بها ولو بضربٍ مِن الكناية، وهي أبلغ مِن التصريح.

في زهده (عليه السلام):

١ - محمّد بن كعب الفرضي أنّ عليّاً قال: ( لقد رأيتني مع رسول الله، وإنّي لأربط الحجر على بطني من الجوع، وإنّ صدقة مالي لتبلغ أربعين ألفاً ) وفي رواية: ( وإنّ صدقتي اليوم لأربعين ألفاً ) .

رواه كلّه احمد، ورجال الروايتين رجال الصحيح غير شريك بن عبد الله النخعي، وهو حسن الحديث ولكنْ اختلفوا في سماع محمّد بن كعب مِن عليّ. والله أعلم (١) .

معلوميّة حسن الزهد والإيثار تغنينا عن ذكر ما يدلّ على مدحهما من الآيات والروايات، فلذا كان الأنبياء والأولياء ومن تبعهم من المؤمنين متّصفين بهما، بل إنّهما مِن أشهَر أوصافهم. فطوبى للزاهدين في الدنيا والراغبين في الآخرة (٢) .

وكان عليّ (عليه السلام) في المرتبة العليا من الزهد والإيثار، كما أنّه كان كذلك في سائر الأوصاف الحسنة (٣) .

ومِن المعلوم أنّ لهما دخلا كبيراً في الأُمور الدينيّة والدنيويّة، خصوصاً في الأُمور الاجتماعيّة منها.

____________________

(١) مجمع الزوائد ٩/ ١٢٣.

(٢) اقتباس من الرواية.

(٣) وقد قيل في النظم الفارسي:

حسن يوسف يد موسى دم عيسى دارى  آنچه خوبان همه دارند تو تنها دارى

٢٦

في أنّه (عليه السلام) مع القرآن والقرآن معه:

١ - أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الله الحفيد، ثنا احمد بن نصر، ثنا عمرو ابن طلحة القناد الثقة المأمون، ثنا عليّ بن هاشم بن البريد، عن أبيه، قال حدّثني أبو سعيد التيمي، عن أبي ثابت مولى أبي ذر قال: كنت مع عليّ يوم الجمل، فلمّا رأيت عائشة واقفة دخلني بعض ما يدخل الناس، فكشف الله عن ذلك عند صلاة الظهر، فقاتلت مع أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلمّا فرغ ذهبت إلى المدينة فأتيت أُمّ سلمة فقلت: إنّي والله ما جئت اسأل طعاماً ولا شراباً، ولكنّي مولى لأبي ذر. فقالت: مرحباً. فقصصت عليها قصّتي، فقالت: أين كنت حين طارت القلوب مطائرها. قلت: إلى حيث كشف الله ذلك عنّي عند زوال الشمس. قالت: أحسنت، سمعت رسول الله يقول: ( عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ، لنْ يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ) .

هذا حديثٌ صحيح الإسناد، وأبو سعيد التيمي هو عقيصاء ثقة ولم يُخرجاه (١) .

والأحاديث التي تدلّ على هذا المعنى متعدّدة مع صحّة سند بعضها، فلا ينبغي الإشكال فيها مِن جهة السند. وأمّا دلالة هذا الحديث وما أشبهه على عظمته فما لا ريب فيه، وإذا كان (عليه السلام) مع القرآن والقرآن معه بمقتضى هذه الأخبار فيكون صادقاً ومع الحقّ في جميع أفعاله وأقواله.

وفي ادعائه الخلافة في موارد عديدة - كما تراها في نهج البلاغة وغيره - يكون صادقاً فيه وهو أحقّ به ومتقدّم على غيره.

____________________

(١) المستدرك من الصحيحين ٣/ ١٢٦.

٢٧

في أنّه (عليه السلام) يُقاتل على تأويل القرآن:

١ - عن أبي سعيد قال: كنّا ننتظر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فخرج علينا مِن بعض بيوت نسائه، قال: فقمنا معه فانقطعت نعله، فتخلّف عليها عليّ بخصفها، ومضى رسول الله ومضينا معه، ثمّ قام ينتظره وقمنا معه، فقال: ( إنّ منكم مَن يُقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله ). فاستشرفنا وفينا أبو بكر وعمر، فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ( لا ولكنّه خاصف النعل ). قال: فجئنا نبشره. قال: فكأنّه قد سمعه.

رواه احمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة (١) .

٢ - عن احمد والحاكم بسندٍ صحيح عن أبي سعيد الخدري: أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لعليّ: ( أنّك تُقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلتُ على تنزيله ) (٢) .

اعلم أنّ مقاتلته (عليه السلام) على تأويل القرآن بعد النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، مثل مقاتلته على تنزيله في حياته من أعظم فضائله ومناقبه، فلذا تمنّى غيره من الأصحاب أنْ يكون هو المعني بكلام الرسول. وهذا ممّا يؤيّد أنّه (عليه السلام) لائق بمقام الخلافة دون غيره.

في أنّه (عليه السلام) أمير البررة وقاتل الكفرة:

١ - حدّثنا أبو بكر محمّد بن عليّ الفقيه الإمام الشاش ببخارى، ثنا نعمان

____________________

(١) مجمع الزوائد ٩/ ١٣٣.

(٢) الصواعق المحرقة ٧٤، تاريخ الخلفاء ٦٦، وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٣/ ٢٧٧ أنّه رواه كثير من المحدّثين.

٢٨

ابن هارون البلدي، ثنا أبو جعفر احمد بن عبد الله بن يزيد الحرّاني، ثنا عبد الرزاق ثنا سفيان الثوري، عن عبد الله بن عثمان بن خيثم، عن عبد الرحمن بن عثمان قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو اخذ بضبع عليّ بن أبي طالب وهو يقول: ( هذا أمير البررة، قاتل الكفرة، منصور مَن نصره، مخذول مَن خذله ) - ثمّ مدّ بها صوته.

هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يُخرجاه (١) .

فإذا كان عليّ (عليه السلام) أمير البررة فيكون أمير غيرهم بطريق أولى، فدلالة هذه الصحيحة على عظمته بل على خلافته ممّا لا ينبغي الإشكال فيه.

في أنّه (عليه السلام) مع الحقّ والحقّ معه:

١ - أخبرنا احمد بن كامل القاضي، ثنا أبو قالبة، ثنا أبو عتاب سهل بن حماد، ثنا المختار بن نافع التميمي، ثنا أبو حيّان التيمي، عن أبيه عن عليّ قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ( رحم الله عليّاً، اللهمّ أدر الحقّ معه حيث دار ) .

هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يُخرجاه (٢) .

٢ - وقد ثبت عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال: ( علي مع الحق والحق ومع علي يدور حيثما دار ) (٣) .

ونحوهما غيرهما من النصوص الدالة على أنّ مطلق الحق معه كما أنه معه (٤) .

____________________

(١) المستدرك من الصحيحين ٣/ ١٢٩.

(٢) المصدر السابق ٣/ ١٢٤.

(٣) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١/ ٢٩٧.

(٤) مثل ما روى في فرائد السمطين ٤١ عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ( الحق مع عليّ بن أبي طالب حيث دار ) .

٢٩

وقد ادّعى (عليه السلام) الخلافة بعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيكون صادقاً في دعواه، وإلاّ لا يكون مع الحقّ ولا الحقّ معه، وهو خلاف منطوق هذه الأخبار وسائر الأدلّة الدالّة على عصمته من الآية والرواية.

في أنّه (عليه السلام) إمام المتّقين وسيّد المسلمين:

١ - أبو بكر بن إسحاق، أنبأ محمّد بن أيّوب، نا عمرو بن الحصين العقيلي أنبأ يحيى بن العلاء الرازي، ثنا هلال بن أبي حميد، عن عبد الله بن اسعد بن زرارة عن أبيه، قال: قال رسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ( أوحي إليّ في عليّ ثلاث: أنّه سيّد المسلمين، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين ) .

هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يُخرجاه (١) .

والأحاديث الواردة بهذا المضمون تبلغ حدّ الاستفاضة، بل لا يبعد تواترها إجمالا مع صحّة سند بعضها (٢) .

ومقتضى إطلاق هذه الألفاظ - مع كون المضاف إليه هو الجمع المحلّى باللام - مِن دون استثناء كونه الخليفة بعد الرسول الأكرم، وإلاّ كان ذلك الغير إماما وسيّداً عليه، وهو خلاف الإطلاق.

ويشهد على ما ذكرنا نسبة الأوصاف إلى الوحي، فانّه يُستفاد من هذه النسبة كونه أمراً عظيماً، فلذا يحتاج إليه، وليس ذلك إلاّ الخلافة التي هي رئاسة إلهيّة جاعلها هو الله تعالى. ومن هنا نرى أنّه عزّ شأنه ينسبها في جميع الموارد المذكورة في القرآن الكريم إلى نفسه، فيقول عزّ من قائل ( إِنّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) (٣)

____________________

(١) المستدرك من الصحيحين ٣/ ١٣٧.

(٢) وقد نقلنا سبعة منها في كتاب جامع فضائل أهل البيت.

(٣) سورة البقرة: ٣٠.

٣٠

( إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً ) (١) .

والمراد هي الخلافة بالمعنى الأعم، مِن النبوّة والإمامة التي هي الولاية، فإنّ النبيّ له النبوّة والولاية معاً، والإمام له الولاية خاصّة، فالمشترك بينهما هو الولاية.

وبيان ذلك موكول إلى محلّه. نسأل الله أنْ يجعلنا مِن العارفين بحقّهم، حتّى ننتفع بأنوارهم ونقتبس مِن آثارهم.

في أنّه (عليه السلام) الملجأ والمرجع:

١ - عن ذؤيب أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لمّا حضر قالت صفيّة: يا رسول الله لكلّ امرأة من نساِئك أهل تلجأ إليهم، وإنّك أجليت أهلي، فإنْ حدث حدثٌ فإلى مَن؟ قال: ( علي بن أبي طالب ).

رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح (٢) .

الظاهر مِن قولها: (فالى مَن) أنّه سؤال عن المرجع في أُمور الدين والدنيا، كما أنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان كذلك، ولا خصوصيّة لشيء في ذلك، فلذا لم يقيّد في السؤال والجواب بقيدٍ خاص. فإرجاع النبيّ إليه دليلٌ على أنّه إمام المسلمين وخليفته، خصوصاً في حال الاحتضار الذي هو قرينة عليه.

في أنّ حبّه (عليه السلام) حبّ الله وبغضه بغض الله:

١ - عن الطبراني بسندٍ حسن، عن أُمّ سلمه، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: ( مَن أحبّ عليّاً فقد أحبّني، ومَن أحبّني فقد أحبّ الله، ومَن أبغض عليّاً

____________________

(١) سورة البقرة: ١٢٤.

(٢) مجمع الزوائد ٩/ ١١٢ - ١١٣.

٣١

فقد أبغضني، ومَن أبغضني فقد أبغض الله ) (١) .

ونحوه غيره مِن النصوص (٢) . ويُستفاد منه أنّه (عليه السلام) كالنبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، حيث رتّب عليه ما يترتّب على نفسه الشريفة مِن آثار حبّه وبغضه، فيكون مُشعراً أو ظاهراً في أنّه خليفته.

في وصيّة النبيّ بولايته:

١ - أخبرنا أبو الحسن عليّ بن عبد الله بن أبي الحسن البغدادي بدمشق، أخبرنا المُبارك بن الحسن الشهرزوري اجازة، اخبرنا أبو القاسم بن البسري أبو عبد الله العكبري، حدّثنا محمّد بن احمد الرقّام، حدّثنا محمّد بن احمد بن يعقوب، حدّثني جدّي، حدّثنا عبد العزيز بن الخطّاب، حدّثنا عليّ بن هاشم، عن أبي رافع، عن أبي عبيدة محمّد بن عمّار بن ياسر، عن أبيه عمّار بن ياسر قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ( أوصي مَن آمن بي، وصدقني بولاية عليّ بن أبي طالب، فمن تولاّه فقد تولاّني، ومَن تولاني فقد تولّى الله عزّ وجل ).

حديثٌ عال حسن مشهور اسند عند أهل النقل (٣) .

____________________

(١) الصواعق المحرقة ٧٤، تاريخ الخلفاء ٦٦، فقال: اخرج الطبراني بسند صحيح عن أُمّ سلمة.

(٢) مثل ما روى في فرائد السمطين ٣٢ عن عبد الله بن مسعود أنّه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):

( من أحبّني فليحبّ عليّ بن أبي طالب، ومَن ابغض عليّاً فقد أبغضني ومَن ابغضني فقد أبغض الله، ومَن أبغض الله أدخله النار ).

(٣) كفاية الطالب ٣/ ٧٤، ورواه في فرائد السمطين ٦٣ بإسناده عن محمّد بن عمّار ابن ياسر عن أبيه عن جدّه.

٣٢

ويُستفاد ذلك مِن جملة مِن الروايات الواردة مِن طُرق القوم (١) وغيرها، والمراد بها هو الخلافة؛ لأنّها الظاهر منه ولعدم مناسبة سائر معانيها.

في أنّه (عليه السلام) أوّل الناس إسلاما:

١ - حدّثنا عبد الوارث بن سفيان، قال حدّثنا قاسم بن اصبغ، قال حدّثنا احمد بن زهير بن حرب، قال حدّثنا الحسن بن حمّاد، حدّثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عبّاس قال: كان عليّ بن أبي طالب أوّل مَن آمن مِن الناس بعد خديجة (عليها السلام).

قال أبو عمر: هذا إسنادٌ لا مطعن فيه لأحد؛ لصحّته وثقة نقله، وهو يعارض ما ذكرنا عن ابن عبّاس في باب أبي بكر (٢) .

٢ - عن سلمان قال: أوّل هذه الأُمة وروداً على نبيّها أوّلها إسلاماً عليّ بن أبي طالب.

رواه الطبراني ورجاله ثقات (٣) .

٣ - عن رافع قال: أوّل من اسلم من الرجال عليّ، وأوّل مَن أسلم مِن النساء خديجة.

رواه البزّاز ورجاله رجال الصحيح (٤) .

____________________

(١) مثل ما روى الخوارزمي في مقتل الحسين ١/ ٤١ بإسناده عن الأصبغ قال: سُئل سلمان الفارسي عن عليّ بن أبي طالب وفاطمة فقال: سمعت رسول الله يقول: ( عليكم بعليّ بن أبي طالب؛ فإنّه مولاكم فأحبّوه، وكبيركم فأكرموه، وعالمكم فاتّبعوه وقائدكم إلى الجنّة فعزّزوه، وإذا دعاكم فأجيبوه، وإذا أمركم فأطيعوه، أحبّوه بحبّي وأكرموه بكرامتي، ما قلت لكم في عليّ إلاّ ما أمرني به ربّي جلت عظمته ).

(٢) الاستيعاب ٣/ ٢٨ - ٢٩.

(٣) مجمع الزوائد ٩/ ١٠٢، ونقل عنه في مناقب ابن المغازي عن النبيّ ص ١٥.

(٤) مجمع الزوائد ٩/ ١٠٢.

٣٣

٤ - عن الحسن وغيره قال: أوّل مَن آمن عليّ بن أبي طالب، وهو ابن خمسَ عشرة أو ستّ عشرة سنة.

رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح (١) .

٥ - إنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لفاطمة: ( أما ترضين أنْ زوّجتك أقدم أُمّتي سلماً، وأكثرهم عِلْماً، وأعظمهم حلماً ) .

رواه احمد والطبراني برجال وثقوا (٢) .

٦ - عن عليّ (عليه السلام) قال: ( أنا أوّل مَن صلّى مع رسول الله ) .

رواه احمد ورجاله رجال الصحيح غير حبة العرني وقد وثّق (٣) .

والآثار الواردة بهذا المضمون كثيرة، تبلغ فوق حدّ الاستفاضة مع صحّة سند جُملة منها كما عرفت. وقد عرفت أيضا اعتقاد كثير من القوم أو أكثرهم فيه، حتّى قال جلال الدين السيوطي: قاله ابن عبّاس وأنَس، وزيد بن أرقم، وسلمان، الفارسي، وجماعة، ونقل بعضهم الإجماع عليه (٤) .

فعلى هذا لا يُعارضه ما دلّ على أنّ أوّل مَن آمن أبو بكر، لعدم مقاومته معه مع عدم معلوميّة صحّة سنده، أو وهنه بما نقل من إسلام جمع أكثر من خمسين قبله (٥) .

____________________

(١) المصدر ٩/ ١٠٢.

(٢) المصدر ٩/ ١١٤، وقد تقدم في علمه أيضاً.

(٣) مجمع الزوائد ٩/ ١٠٣.

(٤) تاريخ الخلفاء ٦٤. وفي خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص٢ حدّثنا احمد بن سليمان الرهاوي، قال حدّثنا عبد الله بن موسى، قال حدّثنا العلاء بن صالح، عن المنهال، عن عمرو بن عباد بن عبد الله قال: قال عليّ: ( أنا عبد الله أخو رسول الله، وأنا الصدّيق الأكبر، لا يقولها بعدي إلاّ كاذب، آمنت قبل الناس سبع سنين ).

(٥) قال العلاّمة الأميني: أنّه (يعني أبا بكر) أسلم بعد أكثر من خمسين رجلا. الغدير ٧/ ٩٢.

٣٤

في أنّ النظر إليه (عليه السلام) عبادة:

١ - حدثنا دعلج بن احمد السجزي، ثنا عليّ بن عبد العزيز بن معاوية، ثنا إبراهيم بن إسحاق الجعفي، ثنا عبد الله بن عبد ربه العجلي، ثنا شعبة، عن قتادة، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري، عن عمران بن حُصين قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ( النظر إلى عليٍّ عبادة ) .

هذا حديث صحيح الإسناد وشواهده عن عبد الله بن مسعود صحيحة (١) .

٢ - عن الطبراني والحاكم عن ابن مسعود أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: ( النظر إلى عليّ عبادة ). وإسناده حسن (٢) .

والأحاديث التي تدلّ على هذا المضمون كثيرة تبلغ حدّ الاستفاضة أو التواتر، ولو مِن حيث المعنى (٣) .

والظاهر أنّ وجه كون النظر إليه عبادة، اشتمال وجوده الشريف على الآثار الإلهيّة، والعلائم الرحمانيّة، فالنظر إليه نظرٌ إلى الآيات العظيمة الربانيّة، كالنظر إلى الكتاب حيث أنّه عبادة مندوبة مِن الشرع الانور.

وقد ورد في جملة من روايات القوم أنّ ذكر عليّ (عليه السلام) عبادة (٤) ، فيكون

____________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣/ ١٤١.

(٢) الصواعق المحرقة ٧٣، تاريخ الخلفاء ٦٦.

(٣) نقل اثني عشر حديثاً منها ابن المغازلي في مناقبه ٢٠٦.

(٤) مثل ما روي في مناقب ابن المغازلي ص ٢٠٦ وفرائد السمطين ٦ ومناقب الخوارزمي ١ - ٢. ففي الأوّل بإسناده عن عائشة قالت: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ( ذكر عليّ عبادة ). وفي ص ٢١١ منه بإسناده إلى جعفر البرقان قال: بلغني أنّ عائشة تقول: زينوا مجالسكم بذكر علي.

٣٥

ذكره كسائر الأذكار المندوبة، فلا بأس بالإتيان به في الأذان وغيره، بل هو مندوب؛ لأنّه مِن العبادات، والعبادة في العبادة مندوبة.

في أنّه لا يحبّه (عليه السلام) إلاّ مؤمن:

١ - حدّثنا عيسى بن عثمان بن أخي يحيى بن عيسى الرملي، عن يحيى بن عيسى الرملي، عن الأعمش، عن عدِي بن ثابت، عن زر بن حبيش، عن عليّ (عليه السلام) قال: ( لقد عهد إلي النبيّ الأُمّيّ، أنّه لا يحبّك إلاّ مؤمن، ولا يبغضك إلاّ مُنافق ) .

هذا حديثٌ حسن صحيح (١) .

٢ - قال العلاّمة: في مسند احمد بن حنبل، وهو مذكور في الجمع بين الصحيحين، وفي الجمع بين الصحاح الستّة إنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: ( لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق ).

وقال الفضل بن روزبهان: هذا حديثٌ صحيح لا شكّ فيه (٢) .

وقد نطقت النصوص المستفيضة بهذا الموضوع، وصحّ سند بعضها فلا إشكال فيها من حيث السند، ودلالتها على أنّ حبّه مقتضى الإيمان وبغضه مقتضى النفاق، ظاهرة لا ينبغي الإشكال فيها (٣) ، فهو مثل النبيّ الأكرم عند الله وعند أوليائه وأصفيائه فيكون أولى بالخلافة للصفات التي تجمّعت فيه (عليه السلام).

____________________

(١) سنن الترمذي ٥، حديث ٣٨١٩.

(٢) إحقاق الحق ٧/ ٤٤٩.

(٣) وبه صرّح ما رواه الشبلنجي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعليّ: ( حبّك إيمان وبغضك نفاق، وأوّل من يدخل الجنّة محبّك وأول مَن يدخل النار مُبغضك ). نور الإبصار ٧٧.

٣٦

في أنّ طاعته طاعة النبيّ:

١ - اخبرنا أبو محمّد محمّد بن الشيباني من أصل كتابه، ثنا عليّ بن سعيد ابن بشير الرازي بمصر، ثنا الحسن بن حمّاد الحضرمي، ثنا يحيى بن يعلى، ثنا بسّام الصيرفي، عن الحسن بن عمر القفيمي، عن معاوية بن ثعلبة، عن أبي ذر قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ( من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع عليّاً فقد أطاعني، ومن عصى عليّاً فقد عصاني ) .

هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يُخرجاه (١) .

ويُستفاد هذا المعنى من غيره من الأخبار، وظاهره أنّ طاعته (عليه السلام) عين طاعة النبيّ، وعصيانه عين عصيانه، فإذا كان كذلك فيكون هو الخليفة بعده دون غيره وهو وحده الحائز لهذا المقام الرفيع.

في أنّه (عليه السلام) محبوب لله والرسول:

١ - حدّثنا أبو بكر محمّد بن عليّ الفقيه الشاشي، ثنا أبو احمد بن نصر الحافظ، ثنا عليّ بن سعيد بن بشر، عن عبّاد بن يعقوب، ثنا محمّد بن إسماعيل بن رجاء الزبيدي، عن أبي إسحاق الشيباني، عن جميع بن عمير قال: دخلت مع أمّي على عائشة، فسمعتها مِن وراء الحجاب وهي تسأل عن عليّ فقالت: تسأليني عن رجل والله ما أعلم رجلاً كان أحبّ إلى رسول الله مِن عليّ، ولا في الأرض امرأة كانت أحبّ إلى رسول الله مِن امرأته.

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرجاه (٢) .

____________________

(١) المستدرك مِن الصحيحين ٣/ ١٢١.

(٢) المستدرك من الصحيحين ٣/ ١٣٤.

٣٧

٢ - حدّثنا أبو بكر بن إسحاق، أنبأ بشر بن موسى، ثنا محمّد بن سعيد الأصفهاني، ثنا شريك (واخبرنا) احمد بن جعفر القطيعي، ثنا عبد الله بن احمد بن حنبل، حدّثني أبي، ثنا الأسود بن عامر وعبد الله بن نمير، قالا ثنا شريك، عن أبي ربيعة الأيادي، عن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ( إنّ الله أمرني بحبّ أربعة مِن أصحابي وأخبرني بحبّهم ).قال: قلنا مَن همّ يا رسول الله وكلّنا نحبّ أنْ نكون منهم؟ فقال: ( ألا أنّ عليّاً منهم ، ثمّ سكت، ثمّ قال: أما أنّ عليّاً منهم )، ثمّ سكت.

هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (١) .

٣ - أخبرني احمد ببن عثمان بن يحيى المقري ببغداد، ثنا أبو بكر بن أبي العوام الرياحي، ثنا أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري، ثنا عوف بن أبي عثمان النهدي، قال رجلٌ لسلمان: ما أشدّ حبّك لعليّ؟ قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: ( مَن أحبّ عليّاً فقد أحبّني، ومَن أبغض عليّاً فقد أبغضني ).

هذا حديثٌ صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرجاه (٢) .

٤ - اخبرنا احمد بن جعفر القطيعي، ثنا عبد الله احمد بن حنبل، حدّثني أبي، ثنا سعيد بن محمّد الورّاق، عن عليّ بن الحزور، قال سمعت أبا مريم الثقفي يقول، عمّار بن ياسر يقول: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه يقول لعليّ: ( يا عليّ طوبى لمَن احبّك وصدق فيك، وويلٌ لمن أبغضك وكذب فيك ) .

هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يُخرجاه (٣) .

٥ - حدّثني مكرم بن احمد بن مكرم القاضي، ثنا جعفر بن أبي عثمان

____________________

(١) المصدر ٣/ ١٣٠.

(٢) المصدر ٣/ ١٣٠.

(٣) المستدرك من الصحيحين ٣/ ١٣٥.

٣٨

الطيالسي، ثنا يحيى بن معين، ثنا حسين الأشقر، ثنا جعفر بن زياد الأحمر، عن مخول، عن منذر الثوري، عن أمّ سلمة: ( أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان إذا غضِب لم يجترئ احد منّا أنْ يكلّمه غير عليّ بن أبي طالب ).

هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد ولم يُخرجاه (١) .

٦ - حدّثنا أبو الفضل محمّد بن ابراهيم المزكّى، ثنا احمد بن سلمة والحسين ابن محمّد القتباني، (وحدّثني) أبو الحسن احمد بن الخضر الشافعي، ثنا ابراهيم بن ابي طالب ومحمّد بن اسحاق، (وحدّثنا) أبو عبدالله محمّد بن عبد بن أُميّة القرشي بالساقة، ثنا احمد بن يحيى بن إسحاق الحلَواني، قال ثنا أبو الأزهر.

(وحدّثنا) أبو علي المزكّى، عن أبي الأزهر، قال: ثنا عبد الرزاق، أنبأ معمّر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عبّاس قال: نظر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الى عليّ فقال: ( أنتَ سيّدٌ في الدنيا وسيّدٌ في الآخرة، حبيبك حبيبي، وحبيبي حبيب الله، وعدوّك عدوّي، وعدوّي عدوّ الله، والويل لِمَن أبْغضك بعدي ).

صحيحٌ على شرط الشيخين، وأبو الأزهر بإجماعهم ثقة، وإذا تفرّد الثقة بحديث فهوَ على أصلهم صحيح (٢) .

٧ - عن ام سلمة قالت: اشهد اني سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: ( مَن أحبّ عليّاً فقد أحبّني،ومَن أحبّني فقد أحبّ الله، ومَن أبْغض عليّاً فقد أبغضني، ومَن أبْغضني فقد أبغض الله ).

رواه الطبراني وإسناده حسن (٣) .

٨ - عن عبد الله الخدلي قال: قالت لي أُمّ سلمة: يا أبا عبد الله أيُسَبّ رسول

____________________

(١) المصدر ٣/ ١٣٠، ورواه عن الطبراني والحاكم في تاريخ الخلفاء ص ٦٦.

(٢) المستدرك من الصحيحين ٣/ ١٢٨.

(٣) مجمع الزوائد ٩/ ١٣٢.

٣٩

الله فيكم؟ قلت: أنّى يُسَبّ رسول الله؟ قالت: أليسَ يُسَبّ عليّ ومَن يحبّه وقد كان رسول الله يحبّه.

رواه الطبراني في الثلاثة، ويعلى ورجال الطبراني رجال صحيح، غير عبد الله وهو ثقة (١) .

٩ - عن نعمان بن بشير قال: استأذن أبو بكر على النبيّ فسمع صوت عائشة وهي تقول: لقد علِمتُ أنّ عليّاً احبّ إليك مِن أبي - مرّتين أو ثلاثاً.

قال: فاستأذن أبو بكر فدخل فأهوى فقال: يا بنت فلانة لا أسمعك ترفعين صوتك على رسول الله.

قلت: رواه أبو داود غير ذكر محبّة عليّ، ورواه البزّاز ورجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني بإسنادٍ ضعيف (٢) .

١٠ - عن محمّد بن عليّ، عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، وعن محمّد بن عليّ مُرسِلا قال: كان قومٌ عند النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): فجاء عليّ، فلمّا دخل عليّ خرجوا، فلمّا خرجوا تلاوموا فقال بعضهم لبعض: والله ما أخرجنا فارجعوا.

فقال النبيّ: ( والله ما أدخلته وأخرجتكم، ولكنّ الله أدخله وأخرجكم ) .

رواه البزاز ورجاله ثقات (٣) .

١١ - عن شراحيل بن مرّة قال: سمِعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول لعليّ: ( أبشر يا عليّ، حياتك معي وموتك معي ) .

رواه الطبراني واسناده حسن (٤) .

١٢ - حدّثنا عبد الله بن أبي زياد، عن الأحوص بن جواب، عن يُونس بن

____________________

(١) المصدر ٩/ ١٣٠.

(٢) المصدر ٩/ ١٢٧.

(٣) المصدر ٩/ ١١٥.

(٤) المصدر ٩/ ١١٢.

٤٠

أبي إسحاق، عن البرّاء قال: بعثَ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جيشين، وأمّرَ على أحدِهما علىّ بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد وقال: إذا كان القتال فعليّ. قال: فافتَتَح عليّ حصناً فأخذ منه جارية، فكتب معي خالد كتاباً إلى النبيّ بشيء.

قال: فقدِمت على النبيّ فقرأ الكتاب فتغيّر لونه، ثمّ قال: ( ما ترى في رجلٍ يُحبّ الله ورسوله ويُحبّه الله ورسوله ).

قال: ( قلت: أعوذ بالله مِن غضَب الله ومِن غضب رسوله وإنّما أنا رسول )، فسكت .

هذا حديث حسن (1) .

لا يخفى ما في هذه الاحاديث مِن الدلالة على عظمة عليّ (عليه السلام) وقُربه من الله ورسوله ومنزلته لديهما، فيكون بهذا أولى بالخلافة مِن غيره.

في أنّه (عليه السلام) من النبيّ والنبي منه:

1 - أخبرنا أبو العبّاس محمّد بن أحمد المحبوب، ثنا سعيد بن مسعود، ثنا عبد الله بن موسى، أنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن مريم وهاني بن هاني، عن عليّ قال:

( لما خرجنا مِن مكّة اتبعتنا ابنة حمزة فنادت يا عم، فأخذْتُ بيدها فناولتها فاطمة قلت: دونك ابنة عمّك، فلمّا قدمنا المدينة اختصمنا فيها أنا وزيد وجعفر فقُلت: أنا أخذتها وهي ابنة عمّي، وقال زيد ابنة أخي، وقال جعفر ابنة عمّي وخالتها عندي.

فقال رسول الله لجعفر أشبهت خَلْقي وخُلُقي، وقال لزيد أنتَ أخونا ومولانا، وقال لي أنت منّي وأنا منْك، ادفعوها إلى خالتها فإنّ الخالة أمّ. فقلت: ألا تزوّجها يا رسول الله؟ قال: إنّها ابنة أخي مِن الرضاعة ).

هذا حديثٌُ صحيح الإسناد ولم يُخرجاه بهذه الألفاظ، إنّما اتفقا على حديث أبي إسحاق عن البرّاء مختصراً (2) .

____________________

(1) سنن الترمذي ج5 حديث 3809.

(2) المستدرك من الصحيحين 3/ 120، ورواه في مسند احمد مسند علي 115.

٤١

2 - حدّثنا إسماعيل بن موسى، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن حبشي ابن جنادة قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ( عليٌّ منّي وأنا مِن عليّ، ولا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو عليّ ).

هذا حديثٌ حسنٌ غريب (1) .

اعلم أنّ النصوص التي تدلّ على هذا الموضوع مِن طُرُق القوم فوق حدّ الاستفاضة ولا يبعد بلوغها حدّ التواتر معنى.

ثمّ أنّ المراد مِن قوله (صلى الله عليه وآله ( عليٌ منّي وأنا مِن عليّ )، أنّ وجوده الشريف مع وجود عليّ واحد؛ لأنّه المُتفاهم مِن هذا الاستعمال عُرفاً. وهذا منتهى درجة العظمة والشرافة لعليّ (عليه السلام)، بحيث لا يُتَصوّر فوقها مرتبة، وبعد موت النبيّ وجوده الشريف باقٍ لا يحتاج إلى غيره.

في أنّه (عليه السلام) وليّ النبيّ:

1 - حدّثنا أبو بكر بن إسحاق، أنا زياد بن الخلل القشيري، ثنا كثير بن يحيى، ثنا عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عبّاس: أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: ( أيّكم يتولاّني في الدنيا والآخرة، فقال لكلّ رجلٍ منهم أيتولاني في الدنيا والآخرة، فقال لا، مرّ على أكثرهم، فقال عليّ: أنا أتولاّك في الدنيا والآخرة. فقال: أنت وليّي في الدنيا والآخرة ).

هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يُخرجاه (2) .

وقريب منه غيره مِن الأحاديث الواردة في يوم الدار وبعضها صريحة في

____________________

(1) سنن الترمذي ج5 حديث 3803.

(2) المستدرك من الصحيحين 3/ 135، ورواه في فرائد السمطين 21.

٤٢

خلافته وإمامته (عليه السلام) (1) .

فإذا كان وليّ النبيّ في الدارين فيكون أولى بخلافته والنيابة عنه في الأُمّة.

في أنّه (عليه السلام) أخو النبيّ:

1 - حدّثنا يُوسف بن موسى القطّان البغدادي، عن عليّ بن فام، عن عليّ بن صالح بن حي، عن حكيم بن جُبير، عن جميع بن عُمير التيمي، عن ابن عمر قال: آخى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بين أصحابه، فجاء عليّ تَدمَع عيناه فقال:

( يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تُؤاخ بيني وبين أحد. فقال له رسول الله: أنت أخي في الدنيا والآخرة ).

هذا حديثٌ حسنٌ غريب (2) .

قد ذكر القوم حديث المؤاخاة بطُرُق عديدة بحيث لا يَبْعُد دعوى استفاضتها بل تواترها ولو من حيث المعنى أو الإجمال، فيكون ممّا لا ينبغي الإشكال في سنده لما عرفت (3) .

كما أنّه لا إشكال في دلالته على علوّ مقامه وعظمته وشرافته، حيث أنّه

____________________

(1) مثل ما رُوي في ينابيع المودّة ص 105 عن مسند احمد بسنده عن عبّاد بن عبد الله الأسدي عن عليّ قال: ( لما نزلت ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) جمع النبيّ أهل بيته، فاجتمع ثلاثون نفراً، فأكلوا وشربوا ثلاثاً ثمّ قال لهم: مَن يضمن عنّي ديني ومواعيدي يكون معي في الجنّة، ويكون خليفتي في أهلي. فقال عليّ: أنا يا رسول الله ). وروي أصل قصّة يوم الدار في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3/ 222، تاريخ الطبري 2/ 319 - 321، ينابيع المودّة 105، كفاية الطالب 205.

(2) سُنن الترمذي ج5 حديث 804، الصواعق المحرقة 72.

(3) فانّه رواه احمد في الفضائل 106 - 107، وابن سعد في الطبقات 3/ 14، وابن الجوزي في تذكرة الخواص 19 وابن المغازلي في المناقب 38 وغيرهم من أئمّة الحديث.

وقد ذكرنا هذا الحديث وكلّ ما نذكره في التعليق في كتاب جامع فضائل أهل البيت.

٤٣

مختار النبيّ الأعظم للأُخوّة من بين الأصحاب حتّى الكبار منهم.

ويُستفاد منه أنّه لا يكون احدٌ منهم أفضل منه وإلاّ اختاره لنفسه الشريفة، ولا المساوي له وإلاّ اختاره في مرّة أُخرى لوقوعها مرّتين.

في حديث المنزلة:

1 - حدّثنا القاسم بن دينار الكوفي، عن أبي نعيم، عن عبد السلام بن حرب، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب، عن سعيد بن أبي وقاص أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لعليّ: ( أنت منّي بمنزلة هارون مِن موسى ).

هذا حديثٌ حسنٌ صحيح (1) .

2 - عن أسماء بنت عُميس أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لعليّ ( أنت منّي بمنزلة هارون مِن موسى، إلاّ أنّه ليس بعدي نبيّ ).

رواه احمد والطبراني، ورجال احمد رجال الصحيح غير فاطمة بنت علي وهي ثقة (2) .

3 - عن عليّ أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: ( خلقتك أنْ تكون خليفتي. قال: أتخلّف عنك يا رسول الله. قال: ألا ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون مِن موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ).

رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجالُ الصحيح (3) .

أقول: حديث المنزلة مثل حديث الغدير مِن المتواترات (4) وجمعه يحتاج إلى

____________________

(1) سُنن الترمذي ج5 حديث 3813، ورواه مسلم في صحيحه 15/ 176.

(2) مجمع الزوائد 9/ 109.

(3) المصدر 9/ 110.

(4) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج 13/ 211: قال النبيّ في الخبر المجمع على =

٤٤

تأليف كتاب أو كُتُب كما صنَع ذلك بعض الأصحاب. ومقتضى عموم المنزلة، أنْ يكون جميع ما في هارون مِن المقامات متوفّرة لعليّ (عليه السلام)، ومِن جملة تلك المقامات الخلافة عنه في الأُمّة كما نصّ عليها الكتاب الكريم. ويؤيّده استثناء النبوّة منه فقط، فيكشف ذلك عن عمومه ودخول سائر مقاماته فيه.

وعلى فرض تسليم إجماله وعدم عمومه فخلافة هارون مِن أشهر أوصافه، فيكون دخولها فيه مِن القدر المتيقّن ولا يُمكن إخراجها. ولعَمري هذا واضح لا يحتاج إلى مزيد تأمّل وبيان لِمَن كان له الاستعداد لأخذ الأنوار الإلهيّة.

في أنّه وليّ كلّ مؤمن بعد النبيّ:

1 - حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن يعقوب الحافظ، حدّثني أبي ومحمّد بن نعيم، قالا ثنا قُتيبة بن سعيد، ثنا جعفر بن سليمان الضبعي، عن يزيد الرشك، عن مطرف بن حصين قال: بعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سريّة واستعمل عليهم عليّ بن أبي طالب، مضى عليّ في السريّة فأصاب جارية، فأنكروا ذلك عليه، فتعاقد أربعةٌ مِن أصحاب رسول الله إذا لقينا النبيّ أخبرناه بما صنع عليّ.

قال عمران: وكان المسلمون إذا قدموا مِن سفر بدأوا برسول الله فنظروا عليه ثمّ انصرفوا إلى رحالهم، فلمّا قدِمت السريّة سلّموا على رسول الله، فقام أحدٌ الأربعة فقال: يا رسول الله إنّ علياً صنع كذا وكذا. فأعرض عنه، ثمّ قام الثاني فقال مثل ذلك

____________________

= روايته بين سائر فرق الإسلام ( أنت منّي بمنزلة هارون مِِن موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ) فأثبت له جميع مراتب هارون مِن موسى، فإذن هو وزير رسول الله وشادّ أزره، ولولا أنّه خاتم النبيّين لكان شريكاً في أمره.

وقال في الاستيعاب 3/ 34 روى قوله لعلي: ( أنتَ منّي بمنزلة هارون مِن موسى ) جماعة من الصحابة وهو من أثبت الآثار وأصحّها.

٤٥

فأعرض عنه، ثمّ قام الثالث فقال مثل ذلك، فأعرض عنه، ثمّ قام الرابع فقال: يا رسول الله ألم تر إلي أنّ عليّاً صنع كذا وكذا. فأقبل رسول الله والغضب في وجهه فقال: ( ما تريدون مِن عليّ، إنّ عليّاً منّي وأنا منه ووليّ كلّ مؤمن ).

هذا حديثٌ صحيح على شرط مسلم ولم يُخرجاه (1) .

2 - عن وهب بن حمزة قال: صحِبت عليّاً إلى مكّة، فرأيت منه بعض ما أكره، فقلت: لإن رجعت لا شكونّك إلى رسول الله. فلمّا قدمت لقيت رسول الله فقلت: رأيت مِن علي كذا وكذا. فقال:( لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي ).

رواه الطبراني، وفيه دكين ذكره ابن حاتم ولم يضعّفه أحد، وبقيّة رجاله وثقوا (2) .

والروايات الواردة فيه مستفيضة مِن طُرُق القوم، بل يُمكن أداء تواترها معنىً أو إجمالا ً(3) ، فلا مَجال للإشكال فيها مِن حيث السند، كما لا ينبغي الإشكال فيها من حيث الدلالة أيضاً على خلافته (عليه السلام) وإمامته؛ لأنه الظاهر منها كما لا يَخفى.

____________________

(1) المستدرك من الصحيحين 3/ 110 - 111، روى قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أيضا في خصائص أمير المؤمنين للنسائي 26 وفرائد السمطين 14 والمناقب لابن المغازي 229 وكفاية الطالب 113 - 114.

(2) مجمع الزوائد 9/ 109.

(3) فإنّه رواه في مسند ابي داود ج 11 حديث 2752 وغيره مِن كتب الحديث. وقال في الغدير 3/ 216: اخرج أبو داود الطيالسي عن شعبة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عبّاس أنّ رسول الله قال لعليّ: ( أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي ) (تاريخ ابن كثير 7/ 375 الإسناد كما مر غير مرة صحيح رجاله كلّهم ثقات).

٤٦

في عظمته عند النبيّ:

1 - اخبرنا احمد بن جعفر القطيعي، ثنا عبد الله بن احمد بن حنبل، حدّثني أبي، ثنا عبد الله بن محمّد بن شيبة، قال ثنا جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة بن موسى عن أُمّ سلمة قالت: والذي أحلف به أنْ كان عليّ أقرب الناس عهداً برسول الله، عندنا رسول الله غداة وهو يقول: ( جاء عليّ جاء عليّ - مراراً ). فقالت فاطمة: ( كأنّك بعثته في حاجة )، فجاء بعد. قالت أُمّ سلمة: فظننت أنّ له إليه حاجة، فخرجنا مِن البيت فقعدنا عند الباب وكنت مَن أردناهم إلى الباب، فأكبّ عليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وجعل يُسارّه ويُناجيه، ثمّ قٌبِض رسول الله مِن يومه ذلك، فكان عليّ أقرب الناس عهداً به.

هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يُخرجاه (1) .

2 - عن ابي ذر قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه آله وسلّم) لعليّ: ( يا عليّ مَن فارقني فارق الله، ومن فارقك يا عليّ فارقني ).

روا البزاز ورجاله ثقات (2) .

3 - عن ابن عمر قال: كنّا نقول في زمن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): رسول الله خير الناس ثمّ أبو بكر ثمّ عمر، ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاثَ خصال، لإن يكون لي واحدة منهن أحبّ اليّ مِن حُمر النِّعم: زوّجه رسولُ الله ابنته وولدت له، وسدّ الأبواب إلاّ بابه في المسجد، وأعطاه الراية يوم خَيبر.

رواه احمد وأبو يعلى ورجالهما رجال صحيح (3) .

____________________

(1) المستدرك من الصحيحين 3/ 138.

(2) مجمع الزوائد 9/ 120.

(3) المصدر 9/ 135.

٤٧

4 - عن أبي بكر بن خالد بن عرفطة، أنّه أتى سعد بن مالك فقال: بلغني أنّكم تعرضون على سبّ عليّ بالكوفة فهل سببته؟ قال: معاذ الله، والذي نفس سعد بيده لقد سمعت مِن رسول الله يقول في عليّ شيئاً لو وضِع المنشار على مفرقي ما سَبَبْته أبداً.

رواه أبو يعلى وإسناده حسن (1) .

5 - قال العلاّمة المعاصر السيّد علي بن طاهر الحضرمي في القول الفصل 2/ 215 طبع جاوا: أخرج ابن أبي حاتم بسندٍ صحيح عن العوّام بن حوشب عن ابن عمٍّ له قال: دخلت مع أبي على عائشة، فسألتها عن عليّ فقالت: تسألني عن رجلٍ كان من أحبّ الناس إلى رسول الله، وكانت تحته ابنته وهي أحبّ الناس إليه، لقد رأيت رسولَ الله دعا عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فألقى عليهم ثوباً فقال: ( اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ). فقلت أنا: يا رسول الله مِن أهل بيتك. فقال:( تنحّي فإنّك على خير ).

وهذا الخبر صحيحٌ على أصل الحنفيّة (2) .

أقول: تعرف عظمته (عليه السلام) عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مِن هذه الروايات وغيرها، ويُستفاد مِن مجموعها أنّه لا يكون أحدٌ من أصحابه مثله، فيكون أولى بالخلافة مِن غيره، لتقدّم الفاضل على المفضول وقُبح عكسه عقلاً ونقلاً.

في حسن أخذه (عليه السلام) وليّاً:

1 - حدّثنا بكر بن محمّد الصيفي بمرو، ثنا إسحاق، ثنا القاسم بن أبي شيبة، ثنا يحيى بن يعلى السلمي، ثنا عمار بن زريق، عن أبي إسحاق، عن

____________________

(1) المصدر 9/ 130.

(2) إحقاق الحق 9/ 11 - 12.

٤٨

زياد بن مطرف، عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ( مَن يُريد أنْ يحيى حياتي ويَموت موتي، ويسكن جنّة الخُلد التي وعدَني ربّي، فليتولّ عليّ بن أبي طالب، فإنّه لنْ يُخرجكم مِن هُدى، ولنْ يُدخلكم في ضلالة ).

هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يُخرجاه (1) .

وهذا المعنى يُستفاد أيضاً مِن غيره من الأخبار الواردة مِن طُرُق القوم، ودلالتها على حُسن أخذه وليّاً ظاهرة.

في أنّه لا يحبّه مُنافق ولا يبغضه مؤمن:

1 - حدّثنا واصل بن عبد الأعلى، عن محمّد بن فضيل، عن عبد الله بن عبد الرحمن أبي نصر، عن مساور الحميري، عن أُمّه قالت: دخلت على أُمّ سلمة فسمعتها تقول: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: ( لا يُحبّ عليّاً منافق ولا يبغضه مُؤمن ).

هذا حديثٌ حسن صحيح (2) .

2 - حدّثنا يحيى بن عثمان ابن أخي يحيى بن عيسى الرملي، عن يحيى ابن عيسى الرملي، عن الأعمش، عن عدِي بن ثابت، عن زر بن حبيش، عن عليّ قال: ( لقد عهد إليّ النبيّ الأُمّيّ، أنّه لا يحبّك إلاّ مؤمن، ولا يبغضك إلاّ منافق ).

هذا حديثّ حسن صحيح (3) .

ويُستفاد مِن هذه الأخبار أنّ مقتضى الإيمان عدم بغضه، ومقتضى النفاق بغضه، فيكون الميزان في النفاق والإيمان حبّه وبغضه، فيكون تلوَ الرسول

____________________

(1) المستدرك من الصحيحين 3/ 128.

(2) سنن الترمذي ج5 حديث 3800.

(3) المصدر حديث 3819.

٤٩

الأكرم فيهما.

وهذا يَكشف عن عُلوّ مقامه وعظمة شأنه (عليه السلام)، ومَن كان هذا مَقامه وشأنه فيكون مقدّماً على غيره في الخلافة؛ لأنّها كالنبوّة رئاسةً إلهيّة لا يليق بها إلاّ مَن كان له هذا المقام الشامخ.

في أنّه له (عليه السلام) الجنّة:

1 - حدّثنا عليّ بن حمشاذ العدل، ثنا عبّاس بن الفضل الأسفاطي، ثنا عليّ بن عبد الله المديني وإبراهيم بن محمّد بن عرعرة، قالا ثنا حرمي بن عمارة حدّثني الفضل بن عُميرة، أخبرني ميمون الكردي، عن أبي عثمان الهندي أنّ عليّاً قال:

( بينما رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخذ بيدي ونحن في سكك المدينة، إذ مررنا بحديقةٍ فقلت: يا رسولَ الله ما أحسنها مِن حديقة. قال: لك في الجنّة أحسن منها ).

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحُ الإسناد ولم يُخرجاه (1) .

2 - عن جابر قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ( يطلع عليكم مِن تحت هذا الصور (2) رجلٌ مِن أهل الجنّة ). قال: فطلع أبو بكر فهنّأناه بما قال رسول الله، ثمّ لبث هُنيئة ثمّ قال: ( يطلع مِن تحت الصور رجلٌ مِن أهل الجنّة )، فطلع عمر فهنّأناه بما قال رسول الله. ثمّ قال: ( يطلع مِن تحت هذا الصور رجلٌ مِن أهل الجنّة ، اللهمّ إنْ شئت جعلته عليّاً ) - ثلاث مرات -. قال: فطلع عليّ. وفي رواية: اللهمّ اجعله عليّاً.

رواه احمد وإسناده حسن (3) .

____________________

(1) المستدرك من الصحيحين 3/ 138.

(2) الصور: جماعة من النخل.

(3) مجمع الزوائد 9/ 116 - 117.

٥٠

اعلم أنّ النصوص التي تدلّ على أنّه وشيعته مِن أهل الجنّة أو هُم الفائزون كثيرة تبلغ حدّ الاستفاضة أو التواتر (1) ، فيكون هو وشيعته هُم أهل الحق الناجون في القيامة.

في أنّ الجنّة اشتاقت إليه (عليه السلام):

1 - حدّثنا أبو بكر بن إسحاق، أنا محمّد بن عيسى بن السكن الواسطي، ثنا شهاب بن عباد، ثنا محمّد بن بشر، ثنا الحسن بن حي، عن أبي ربيعة الأيادي عن الحسن، عن أنس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ( اشتاقت الجنّة إلى ثلاث: عليّ، وعمّار، وسلمان ).

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرجاه (2) .

فإنّ أئمّة الحديث رَوَوا هذا الخبر في كُتُبِهم، (3) واعتمدوا عليه مع صحّة سند بعضهم كما عرفت، فلا مجال للتشكيك في سنده، وأمّا دلالته على اشتياق الجنّة إلى هؤلاء ظاهرة بل صريحة، وهو دليل على عظمتهم وعلوّ مرتبتهم عند الله عزّ وجل، خصوصاً عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، حيث أنّه إمامهم وأفضلهم وأشرفهم، فيكون مقدّماً عليهم وعلى غيرهم بطريقٍ أولى.

____________________

(1) فقد روى في مناقب الخوارزمي 149، تذكرة الخواص 60، ينابيع المودّة 237، مناقب ابن المغازلي 293، مقتل الخوارزمي 40 - 41، دلائل الإمامة 2.

(2) المستدرك في الصحيحين 3/ 137.

(3) رواه في سنن الترمذي ج5 حديث 3884، كفاية الطالب 131، فرائد السمطين 63 و126 بأسانيدهم إلى أنس بن مالك.

٥١

في أنه يذود عن الحوض رايات المنافقين:

1 - أخبرنا عليّ بن عبد الرحمن بن عيسى السبيعي بالكوفة، ثنا الحسين ابن الحكم الجيزي، ثنا الحسن بن الحسين الأشقر، ثنا سعيد بن خيثم الهلالي، عن الوليد بن يسار الهمداني، عن عليّ بن طلحة قال: حججنا فمررنا على الحسن بن علي بالمدينة ومعنا معاوية بن الحديج، فقيل للحسن: إنّ هذا معاوية بن حديج الساب لعليّ، فقال: ( عليّ به، فأُتي به فقال: أنت الساب لعليّ؟ فقال: ما فعلت. فقال: ( والله إنْ لقيته - وما أحسبك تلقاه يوم القيامة - لتجده قائماً على حوضِ رسول الله يذود عنه رايات المنافقين، بيده عصا من عوسج )، حدّثنيه الصادق المصدوق وقد خاب من افترى ).

هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يُخرجاه (1) .

ونحوه غيره من الروايات المتضمّنة لهذا المعنى (2) ، وهذا أيضاً مِن فضائله (عليه السلام) العظيمة كما هو واضح.

في حديث الراية:

1 - حدّثنا قتيبة، عن حاتم بن إسماعيل، عن بُكير بن مسمار، عن عامر

____________________

(1) المستدرك من الصحيحين 3/ 138.

(2) مثل ما روى الخوارزمي بإسناده إلى أبي هريرة قال: قال عليّ بن أبي طالب: ( يا رسول الله أيما أحبّ إليك، أنا أم فاطمة؟ قال: فاطمة أحبّ إليّ منك، وأنت أعزّ عليّ منها، وكأنّي بك وأنت على حوضي تذود عنه الناس، وأنّ عليه الأباريق مثل عدد نجوم السماء، وأنّي وأنت والحسن والحسين وفاطمة وجعفر في الجنّة إخوانا،ً على سُررٍ متقابلين لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه ) (مقتل الخوارزمي 2 68 - 69).

٥٢

ابن سعد بن أبي وقّاص، عن أبيه قال: أمَرَ معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما مَنَعَك أنْ تَسبّ أبا تراب. قال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلن أسبّه، لإن تكونَ لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ مِن حُمر النعم، سمِعت رسول الله يقول لعليّ وخلّفه في بعض مغازيه، فقال له عليّ:( يا رسول الله تخلّفني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله: أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون مِن موسى، إلاّ أنّه لا نبوّة بعدي ) .

سمعته يقول يوم خيبر: لأعطينّ الراية رجلاً يُحبّ الله ورسوله ويُحبّه الله ورسوله ، قال: فتطاول لها فقال: أُدعوا عليّاً قال: فأتاه وبه رمد، فبصق في عينه فدفع الراية إليه ففتح الله عليه وأُنزلت هذه الآية ( نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ ) الآية، دعا رسول الله عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: هؤلاء أهلي ).

هذا حديثٌ حسنٌ غريب صحيح (1) .

2 - عن أبي سعيد الخدري قال: أخذ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الراية فهزّها ثمّ قال: مَن يأخذها بحقّها. فجاء الزبير فقال: امض، ثمّ جاء رجل آخر فقال: أنا فقال أمط، فقال رسول الله: والذي أكرم وجه محمّد لأعطينّها رجلاً لا يفر، هاك يا عليّ. فقبضها ثمّ انطلق حتّى فتح الله عليه فدك وخيبر وجاء بعجوتها وقديدها.

رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن عصمة وهو ثقة يخطأ (2) .

3 - عن ابن عبّاس قال: دفع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الراية إلى عليّ بن أبي طالب وهو ابن عشرين سنة.

____________________

(1) سنن الترمذي ج5 حديث 3808، صحيح مسلم 15/ 175، المستدرك من الصحيحين 3/ 108.

(2) مجمع الزوائد 9/ 124.

٥٣

رواه الطبراني وإسناده حسن (1) .

4 - أخرج احمد وأبو يعلى بسند صحيح عن عليّ (عليه السلام) قال: ما رمدّت ولا صدعت منذُ مسح رسول الله وجهي وتفل في عيني يوم خيبر حين أعطاني الراية (2) .

اعلم أنّ الأحاديث المرويّة في إعطاء النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الراية لعليّ (عليه السلام) مستفيضة بل لعلّها تبلغ حدّ التواتر ولو من حيث المعنى (3) فلا ينبغي الإشكال في سندها، ودلالتها على اختصاصه (عليه السلام) بها ظاهرة بل صريحة، خصوصاً مع تطاول الأصحاب لها وطلبهم قولاً وعملاً لها، فتكون فضيلة عظيمة له، خصوصاً مع ما فيها مِن قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ( لأعطينّ الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ).

في عدم تأثير الحرّ والبرد فيه (عليه السلام):

1 - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: خرج علينا عليّ بن أبي طالب في الحرّ الشديد وعليه ثياب الشتاء وخرج علينا في الشتاء وعليه ثياب الصيف، ثمّ دعا بما نشد به، ثمّ مسح العرق عن جبهته ثمّ رجع إلى بيته، فقلت لأبي: يا أبتاه أما رأيت ما صنع أمير المؤمنين، خرج علينا في الشتاء عليه ثياب الصيف وخرج علينا في الصيف وعليه ثياب الشتاء. فقال أبو يعلى: ما فظنت، فأخذ بيد

____________________

(1) المصدر 9/ 125.

(2) تاريخ الخلفاء ص 66.

(3) فإنّه روي في صحيح البخاري ج5 مناقب عليّ حديث 18، صحيح مسلم 15/ 177، مسند احمد ج1 مسند علي، سنن ابن ماجة فضل عليّ ص 29، فضائل أمير المؤمنين لابن حنبل (مخطوط) ص 199، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص6، سنن المصطفى ج1/ 57، الاستيعاب 3/ 36، مناقب الخوارزمي 224 - 225.

٥٤

ابنه فأتى عليّاً فقال له الذي صنع، فقال له عليّ: ( إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّّم) كان بعثني وأنا أرمَد، فبزق في عيني ثمّ قال افتح عينيك، ففتحتهما فما اشكيتهما حتّى الساعة، ودعا لي فقال: اللهمّ أذهب عنه الحرّ والبرد، فما وجدت حرّاً ولا برداً حتّى يومي ).

رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن (1) .

لا يخفى أنّ هذا معجزة للنبيّ الأكرم وعظمة للوصيّ الأعظم حيث وقع مورداً للطفه ودعائه واستجاب الله له. والله أعلم بالشاكرين.

في حديث الطير:

1 - حدّثنا أبو عليّ الحافظ، أنبأ أبو عبد الله محمّد بن احمد بن أيّوب الصفّار، وحميد بن يوسف بن يعقوب الزيّات، قالا ثنا محمّد بن احمد بن عياض ابن أبي طيبة، ثنا يحيى بن حسان، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك قال: كنت أخدم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقدّم لرسول الله فرخ مشوي، فقال: ( اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي مِن هذا الطير ).

فقال: فقلت: اللهمّ اجعله رجلاً من الأنصار، فجاء عليّ فقلت: إنّ رسول الله على حاجة، ثمّ جاء فقلت: إنّ رسول الله على حاجة، ثمّ جاء فقال رسول الله: إفتح فدخل، فقال رسول الله: ( ما حبسك عليّ؟ فقال إنّ هذه أخر ثلاث كرّات يردّني أنس يزعم أنّك على حاجة ).

فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقلت: يا رسول الله سمعت دعاءك فأحببت أنْ يكون رجلاً مِن قومي.

فقال رسول الله: ( إنّ الرجل يحبّ قومه ).

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرجاه، وقد رواه عن أنس جماعةٌ مِن أصحابه زيادةً على ثلاثين نفساً، ثمّ صحّت الرواية عن عليّ وأبي سعيد

____________________

(1) مجمع الزوائد 9/ 122.

٥٥

الخدري وسفينة (1) .

هذا الحديث مثل كثير من الأحاديث الواردة في فضائل عليّ (عليه السلام)، مستفيض بحيث يُمكن دعوى التواتر فيه، ولو من حيث المعنى حتّى قال الموفق الخوارزمي: أخرج الحافظ ابن مردويه الحديث بمائة وعشرين إسناداً (2) .

وهو يدلّ على أنّه (عليه السلام) أحبّ الخلق إلى الله تعالى سِوى النبيّ الأكرم، خصوصاً مع تكرار الردّ والرجوع واعتراض الرسول على أنس واعتذاره بما اعتذر، فلا يكون مِن القضايا الاتفاقيّة، فيكون (عليه السلام) أولى بالخلافة ممّن لا يكون له هذا المقام الرفيع ولا أدنى منه.

في أنّ إيذاءه إيذاء النبيّ:

1 - عن سعد بن أبي وقّاص قال: كنت جالساً في المسجدين أنا ورجلين معي فنلنا من عليّ، فأقبل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) غضبان يعرف في وجهه الغضب، فتعوّذت بالله مِن غضبه فقال: ( مالك ومالي، مَن آذى عليّاً فقد آذاني ).

رواه أبو يعلى والبزّاز ورجال أبي يعلى رجال الصحيح غير محمّد بن خواش وقنان وهما ثقتان (3) .

2 - عن عمرو بن شاش الأسلمي - وكان مِن أصحاب الحديبيّة - قال: خرجت مع عليّ إلى اليمن فجفاني في سفري ذلك حتّى وجدّت في نفسي عليه، فلمّا قدمت المدينة أظهرت شكايته في المسجد حتّى سمع بذلك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم، فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله جالس في أناس

____________________

(1) المستدرك من الصحيحن 3/ 131.

(2) مقتل الخوارزمي 1/ 45، مناقِب ابن المغازلي 435، كفاية الطالب 145، خصائص أمير المؤمنين 6 و20، انساب الأشراف 142.

(3) مجمع الزوائد 9/ 129.

٥٦

من أصحابه، فلما رآني أبدَ لي عينيه - يقول حدّد إليّ النظر حتّى إذا جلست - قال: يا عمرو والله لقد آذيتني. قلت: أعوذ بالله من أذاك يا رسول الله. قال: ( بلى مَن آذى عليّاً فقد آذاني ).

روا احمد والطبراني باختصار والبزّاز أخصر منه ورجال احمد ثقات (1) .

ونحو هذين الحديثين غيرهما من الأحاديث الواردة في الباب مِن طُرُق القوم، وهي تدلّ على وحدة وجودهما (عليهما السلام، حيث رتّب على وجوده الشريف ما رتّب على وجود عليّ من الآثار، بل في جملة مِن أحاديثهم، أنّ النبيّ قال: ( أنا وعليّ من نورٍ واحد (2) . وفي جملة أُخرى منها: أنا وعليّ مِن شجرةٍ واحدة، والناس مِن أشجار شتّى ) (3) . أو نحو ذلك.

في أنّ النبيّ سدّ الأبواب إلاّ بابه:

1 - عن عبدالله بن الرقيم الكناني قال: خرجنا إلى المدينة زمن الجمل، فلقينا سعد بن مالك بها، فقال: أمَرَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بسدّ الأبواب الشارعة في المسجد وترك بابَ عليّ.

رواه احمد وأبو يعلى والطبراني في الأوسط، وزاد: قالوا: يا رسول الله سدَدْت أبوابنا كلّها إلاّ باب عليّ.

قال: ( ما سدَدْت أبوابكم ولكنّ الله سدّها ) وإسناد

____________________

(1) المصدر 9/ 128. وفي تذكرة الخواص 49 قال احمد في الفضائل ان هذا الحديث سالم من الطعن.

(2) مثل ما روي في كفاية الطالب 314، مقتل الخوارزمي 1/ 43، عبقات الأنوار - حديث النور ص 99 - 100.

(3) انظر مناقب ابن المغازلي ص 400 و90 و297، فرائد السمطين 13، شواهد التنزيل الحديث 588، كفاية الطالب 317.

٥٧

احمد حسن (1) .

والأخبار الواردة في سدّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أبواب المسجد إلاّ باب عليّ (عليه السلام) عديدة، بل مستفيضة (2) مع صحّة سند بعضها، فلا إشكال فيها من جهة السدّ. ومن هنا تقدّم هذه الأحاديث على ما رُوي من أنّه سدّ الأبواب إلاّ باب أبي بكر. والحديث الأخير مع ضعفه - كما عن ابن أبي الحديد - لا يُعارض تلك لكثرتها وصحّة سندها واعتماد المشهور عليها، بل لا يُعرف الخلاف بين أصحابنا الإماميّة فيها.

وأمّا دلالتها على عظمته (عليه السلام) وعلوِّ مقامه عند الله تعالى ورسوله ممّا لا يُنكر، خصوصاً مع ما في ذيل غير واحدٍ منها مِن إسناد السدّ إلى الله كما مرّ، بل في بعضها: وإنّي والله ما سدَدْت شيئاً ولا فتحته ولكنّي أُمِرت فاتّبعت ( حم والضياء عن زيد بن أرقم ) (3) .

في حديث غدير خم:

1 - عن سعد بن وهب قال: نشد عليّ الناس، فقام خمسة أو ستّة مِن أصحاب النبيّ، فشهدوا أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: ( مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه ).

____________________

(1) مجمع الزوائد 9/ 114.

(2) سُنن الترمذي ج5 حديث 3815، مناقب ابن المغازلي 258، كنز العمّال 6/ 152، فرائد السمطين 96 بأسانيدهم إلى ابن عبّاس وزيد بن أرقم، بل نقل في المناقب لابن المغازلي أربعة أحاديث فيه.

(3) كنز العمّال 6/ 152، وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 11/ 49: ونحوه سدّ الأبواب فانّه كان لعليّ (عليه السلام) فقلبته البكريّة إلى أبي بكر.

٥٨

رواه احمد ورجاله رجال الصحيح (1) .

2 - عن عمرو بن ذي مرو سعيد وزيد بن بثيع قالوا: سمعنا عليّاً يقول: ( نشدت الله رجلاً سمع رسول الله يقول يوم غدير خم )، فقام ثلاثة عشر رجلا فشهدوا أن رسول الله قال: ( ألستُ أولى بالمؤمنين مِن أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. فأخذ بيد عليّ فقال: من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وأبغض من يبغضه وانصر من نصره واخذل من خذله ).

رواه البزّاز ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة (2) .

3 - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: شهدت عليّاً في الرحبة يُناشد الناس: ( أنشد الله مَن سمِع رسول الله يقول في يوم غدير خم: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، لمّا قام فشهد. قال عبد الرحمن: فقام اثنا عشر بدريّاً كأنّي أنظر إلى احدهم، عليه سراويل، فقالوا: نشهد أنّا سمعنا رسول الله يقول يوم غدير خم: ألستُ أولى بالمؤمنين مِن أنفسهم وأزواجي أمّهاتهم، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فمَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه ).

رواه أبو يعلى ورجاله وثقوا (3) .

4 - عن ملك بن الحُويْرِث قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ( مَن كنت مولاه فعليّ مولاه ).

رواه الطبراني ورجاله وثقوا (4) .

5 - عن حبشي بن جنادة قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)

____________________

(1) مجمع الزوائد 9/ 114.

(2) مجمع الزوائد 9/ 105، مسند احمد 1119

(3) مجمع الزوائد 9/ 105، مسند احمد 1119

(1) مجمع الزوائد 9/ 106.

٥٩

يقول يوم غدير خم: ( مَن كُنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصر مَن نصره، وأعن مَن أعانه ).

رواه الطبراني ورجاله وثقوا (1) .

6 - حديث ( مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعاد من عاداه ) حديثٌ صحيح لا مِرية فيه (2) .

7 - عن سعد بن أبي وقّاص أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخذ بيد عليّ فقال: ( ألستُ أولى بالمؤمنين مِن أنفسهم، من كنت وليّه فعليٌّ وليّه ).

رواه البزّاز ورجاله ثقات (3) .

اعلم أنّ حديثَ غديرِ خم مِن المتواترات، وقد صرّح جمعٌ كثير مثل جلال الدين السيوطي، والذهبي، وابن الجزري، وغيرهم بتواتره، بل قد ألّف فيه بعض العلماء تآليف خاصّة به، مثل كتابَيّ الغدير وعبقات الأنوار وغيرهما، بل قلّما يوجد في الأحاديث مثله (4) .

ودلالته على خلافته (عليه السلام) ظاهرة، خصوصاً مع القرائن الداخلية والخارجية من الآيات والروايات الواردة في تفسير لفظة (المولى) وأنّ المراد بها هو الأولى بالتصرّف، كما هو أظهر معانيه عند الإطلاق وقد استعمل فيه في كثير

____________________

(1) المصدر 9/ 106.

(2) ينابيع المودّة ص 274.

(3) مجمع الزوائد 9/ 107.

(4) انظر مسند احمد ج 1 حديث 76 و97 و118 و119، وج 4/ 281 و368 و372 و370 وج 5/ 419، فضائل أمير المؤمنين لابن حنبل 1/ 45، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1/ 28 و4/ 74 و107 - 108 و19/ 217، انساب الأشراف فضائل علي 108، ينابيع المودّة 274، وقد ذكرت جميع هذه الأحاديث في كتابَي جامع فضائل أهل البيت.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110