الميزان في تفسير القرآن الجزء ٥

الميزان في تفسير القرآن13%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 444

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 444 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 90832 / تحميل: 10797
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٥

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

( بقيّة سورة النساء)

( سورة النساء الآيات ٧٧ - ٨٠)

أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصّلاَةَ وَآتُوا الزّكَاةَ فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخّرْتَنَا إِلَى‏ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتّقَى‏ وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً( ٧٧) أَيْنَ ما تَكُونُوا يُدْرِككّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِن عِندِكَ قُلْ كُلّ مِنْ عِندِ اللّهِ فَمَالِ هؤُلاَءِ الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً( ٧٨) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيّئَةٍ فَمِن نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنّاسِ رَسُولاً وَكَفَى‏ بِاللّهِ شَهِيداً( ٧٩) مَن يُطِعِ الرّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلّى‏ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً( ٨٠)

( بيان‏)

الآيات متّصلة بما قبلها، و هي جميعاً ذات سياق واحد، و هذه الآيات تشتمل على الاستشهاد بأمر طائفة اُخرى من المؤمنين ضعفاء الإيمان و فيها عظة و تذكير بفناء الدنيا، و بقاء نعم الآخرة، و بيان لحقيقة قرآنيّة في خصوص الحسنات و السيّئات.

قوله تعالى: ( أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ - إلى قوله -أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ) كفّ الأيدي كناية عن الإمساك عن القتال لكون القتل الّذي يقع فيه من عمل الأيدي، و هذا الكلام يدلّ على أنّ المؤمنين كانوا في ابتداء أمرهم يشقّ عليهم ما يشاهدونه من

١

تعدّي الكفّار و بغيهم عليهم فيصعب عليهم أن يصبروا على ذلك و لا يقابلوه بسلّ السيوف فأمرهم الله بالكفّ عن ذلك، و إقامة شعائر الدين من صلاة و زكاة ليشتدّ عظم الدين و يقوم صلبه فيأذن الله لهم في جهاد أعدائه، و لو لا ذلك لانفسخ هيكل الدين، و انهدمت أركانه، و تلاشت أجزاؤه.

ففي الآيات لومهم على أنّهم هم الّذين كانوا يستعجلون في قتال الكفّار، و لا يصبرون على الإمساك و تحمّل الأذى حين لم يكن لهم من العدّة و القوّة ما يكفيهم للقاء عدوّهم فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون العدوّ و هم ناس مثلهم كخشية الله أو أشدّ خشية.

قوله تعالى: ( وَ قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ ) ، ظاهره أنّه عطف على قوله:( إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ ) ، و خاصّة بالنظر إلى تغيير السياق من الفعل المضارع( يَخْشَوْنَ النَّاسَ ) إلى الماضي( قالُوا ) فالقائل بهذا القول هم الّذين كانوا يتوقون للقتال، و يستصعبون الصبر فاُمروا بكفّ أيديهم.

و من الجائز أن يكون قولهم( رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى‏ أَجَلٍ قَرِيبٍ ) محكيّاً عن لسان حالهم كما أنّ من الجائز أن يكونوا قائلين ذلك بلسانهم الظاهر فإنّ القرآن يستعمل من هذه العنايات كلّ نوع.

و توصيف الأجل الّذي هو أجل الموت حتف الأنف بالقريب ليس المراد به أن يسألوا التخلّص عن القتل، و العيش زماناً يسيراً بل ذلك تلويح منهم بأنّهم لو عاشوا من غير قتل حتّى يموتوا حتف أنفهم لم يكن ذلك إلّا عيشاً يسيراً و أجلاً قريباً فما لله - سبحانه - لا يرضى لهم أن يعيشوا هذه العيشة اليسيرة حتّى يبتليهم بالقتل، و يعجّل لهم الموت؟ و هذا الكلام صادر منهم لتعلّق نفوسهم بهذه الحياة الدنيا الّتي هي في تعليم القرآن متاع قليل يتمتّع به ثمّ ينقضي سريعاً و يعفى أثره، و دونه الحياة الآخرة الّتي هي الحياة الباقية الحقيقيّة فهي خير، و لذلك اُجيب عنهم بقوله( قُلْ ) إلخ.

قوله تعالى: ( قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ ) إلخ أمر للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجيب هؤلاء الضعفاء بما يوضح لهم خطأ رأيهم في ترجيح العيش الدنيويّ اليسير على كرامة الجهاد

٢

و القتل في سبيل الله تعالى، و محصّله أنّهم ينبغي أن يكونوا متّقين في إيمانهم، و الحياة الدنيا هي متاع يتمتّع به قليل إذا قيس إلى الآخرة، و الآخرة خير لمن اتّقى فينبغي لهم أن يختاروا الآخرة الّتي هي خير على متاع الدنيا القليل لأنّهم مؤمنون و على صراط التقوى، و لا يبقى لهم إلّا أن يخافوا أن يحيف الله عليهم و يظلمهم فيختاروا لذلك ما بأيديهم من المتاع على ما يوعدون من الخير، و ليس لهم ذلك فإنّ الله لا يظلمهم فتيلاً.

و قد ظهر بهذا البيان أنّ قوله:( لِمَنِ اتَّقى‏ ) من قبيل وضع الصفة موضع الموصوف للدلالة على سبب الحكم، و دعوى انطباقه على المورد، و التقدير - و الله أعلم -: و الآخرة خير لكم لأنّكم ينبغي أن تكونوا لإيمانكم أهل تقوى، و التقوى سبب للفوز بخير الآخرة فقوله:( لِمَنِ اتَّقى‏ ) كالكناية الّتي فيها تعريض.

قوله تعالى: ( أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ) البروج جمع برج بضمّ الباء - و هو البناء المعمول على الحصون، و يستحكم بنيانه ما قدر عليه لدفع العدوّ به و عنه، و أصل معناه الظهور، و منه التبرّج بالزينة و نحوها، و التشييد الرفع، و أصله من الشيد و هو الجصّ لأنّه يحكم البناء و يرفعه و يزيّنه فالبروج المشيّدة الأبنية المحكمة المرتفعة الّتي على الحصون يأوي إليها الإنسان من كلّ عدوّ قادم.

و الكلام موضوع على التمثيل بذكر بعض ما يتّقى به المكروه، و جعله مثلاً لكلّ ركن شديد تتّقى به المكاره، و محصّل المعنى: أنّ الموت أمر لا يفوتكم إدراكه، و لو لجأتم منه إلى أيّ ملجإ محكم متين فلا ينبغي لكم أن تتوهّموا أنّكم لو لم تشهدوا القتال و لم يكتب لكم كنتم في مأمن من الموت، و فاته إدراككم فإنّ أجل الله لآت.

قوله تعالى: ( وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ الله ) إلى آخر الآية جملتان اُخريان من هفواتهم حكاهما الله تعالى عنهم، و أمر نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجيبهم عنهما ببيان حقيقة الأمر فيما يصيب الإنسان من حسنة و سيّئة.

و اتّصال السياق يقضي بكون الضعفاء المتقدّم ذكرهم من المؤمنين هم القائلين

٣

ذلك قالوا ذلك بلسان حالهم أو مقالهم، و لا بدع في ذلك فإنّ موسى أيضاً جبّه بمثل هذا المقال كما حكى الله سبحانه ذلك بقوله( فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى‏ وَ مَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ الله وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) (الأعراف: ١٣١) و هو مأثور عن سائر الاُمم في خصوص أنبيائهم، و هذه الاُمّة في معاملتهم نبيّهم لا يقصرون عن سائر الاُمم، و قد قال تعالى:( تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ) (البقرة: ١١٨) و هم مع ذلك أشبه الاُمم ببني إسرائيل، و قد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّهم لا يدخلون جحر ضبّ إلّا دخلتموه) و قد تقدّم نقل الروايات في ذلك من طرق الفريقين.

و قد تمحّل في الآيات أكثر المفسّرين بجعلها نازلة في خصوص اليهود أو المنافقين أو الجميع من اليهود و المنافقين، و أنت ترى أنّ السياق يدفعه.

و كيف كان فالآية تشهد بسياقها على أنّ المراد بالحسنة و السيّئة ما يمكن أن يسند إلى الله سبحانه، و قد أسندوا قسماً منه إلى الله تعالى و هو الحسنة، و قسماً إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو السيّئة فهذه الحسنات و السيّئات هي الحوادث الّتي كانت تستقبلهم بعد ما أتاهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أخذ في ترفيع مباني الدين و نشر دعوته و صيته بالجهاد، فهي الفتح و الظفر و الغنيمة فيما غلبوا فيه من الحروب و المغازي، و القتل و الجرح و البلوى في غير ذلك، و إسنادهم السيّئات إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في معنى التطيّر به أو نسبة ضعف الرأي و رداءة التدبير إليه.

فأمر تعالى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن يجيبهم بقوله:( قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ الله ) فإنّها حوادث و نوازل ينظمها ناظم النظام الكونيّ، و هو الله وحده لا شريك له إذ الأشياء إنّما تنقاد في وجودها و بقائها و جميع ما يستقبلها من الحوادث له تعالى لا غير. على ما يعطيه تعليم القرآن.

ثمّ استفهم استفهام متعجّب من جمود فهمهم و خمود فطنتهم من فقه هذه الحقيقة و فهمها فقال:( فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً ) .

قوله تعالى: ( ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) ، لمّا ذكر أنّهم لا يكادون يفقهون حديثاً ثمّ أراد بيان حقيقة الأمر، صرف الخطاب

٤

عنهم لسقوط فهمهم، و وجّه وجه الكلام إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و بين حقيقة ما يصيبه من حسنة أو سيّئة لذاك الشأن، و ليس للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نفسه خصوصيّة في هذه الحقيقة الّتي هي من الأحكام الوجوديّة الدائرة بين جميع الموجودات، و لا أقلّ بين جميع الأفراد من الإنسان من مؤمن أو كافر، أو صالح أو طالح، و نبيّ أو من دونه.

فالحسنات و هي الاُمور الّتي يستحسنها الإنسان بالطبع كالعافية و النعمة و الأمن و الرفاهيّة كلّ ذلك من الله سبحانه، و السيّئات و هي الاُمور الّتي تسوء الإنسان كالمرض و الذلّة و المسكنة و الفتنة كلّ ذلك يعود إلى الإنسان لا إليه سبحانه فالآية قريبة مضموناً من قوله تعالى( ذلِكَ بِأَنَّ الله لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى‏ قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَ أَنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (الأنفال: ٥٣) و لا ينافي ذلك رجوع جميع الحسنات و السيّئات بنظر كلّي آخر إليه تعالى كما سيجي‏ء بيانه.

قوله تعالى: ( وَ أَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ) ، أي لا سمة لك من عندنا إلّا أنّك رسول وظيفتك البلاغ، و شأنك الرسالة لا شأن لك سواها و ليس لك من الأمر شي‏ء حتّى تؤثّر في ميمنة أو مشأمة، أو تجرّ إلى الناس السيّئات، و تدفع عنهم الحسنات، و فيه ردّ تعريضيّ لقول اُولئك المتطيّرين في السيّئات( هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ) تشأماً بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ أيّد ذلك بقوله( وَ كَفى‏ بِالله شَهِيداً ) .

قوله تعالى: ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ الله ) ، استئناف فيه تأكيد و تثبيت لقوله في الآية السابقة( وَ أَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ) ، و بمنزلة التعليل لحكمه أي ما أنت إلّا رسولاً منّا من يطعك بما أنت رسول فقد أطاع الله، و من تولّى فما أرسلناك عليهم حفيظا.

و من هنا يظهر أنّ قوله( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ ) ، من قبيل وضع الصفة موضع الموصوف للإشعار بعلّة الحكم نظير ما تقدّم في قوله( وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى‏ وَ لا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ) و على هذا فالسياق جار على استقامته من غير التفات من الخطاب في قوله( وَ أَرْسَلْناكَ ) ، إلى الغيبة في قوله( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ ) ، ثمّ إلى الخطاب في قوله( فَما أَرْسَلْناكَ ) .

٥

( كلام في استناد الحسنات و السيّئات إليه تعالى)

يشبه أن يكون الإنسان أوّل ما تنبّه على معنى الحسن تنبّه عليه من مشاهدة الجمال في أبناء نوعه الّذي هو اعتدال الخلقة، و تناسب نسب الأعضاء و خاصّة في الوجه ثمّ في سائر الاُمور المحسوسة من الطبيعيّات و يرجع بالآخرة إلى موافقة الشي‏ء لما يقصد من نوعه طبعاً.

فحسن وجه الإنسان كون كلّ من العين و الحاجب و الاُذن و الأنف و الفم و غيرها على حال أو صفة ينبغي أن يركّب في نفسه عليها، و كذا نسبة بعضها إلى بعض، و حينئذ تنجذب النفس و يميل الطبع إليه، و يسمّى كون الشي‏ء على خلاف هذا الوصف بالسوء و المساءة و القبح على اختلاف الاعتبارات الملحوظة فالمساءة معنى عدميّ كما أنّ الحسن معنى وجوديّ.

ثمّ عمّم ذلك إلى الأفعال و المعاني الاعتباريّة و العناوين المقصودة في ظرف الاجتماع من حيث ملاءمتها لغرض الاجتماع و هو سعادة الحياة الإنسانيّة أو التمتّع من الحياة، و عدم ملاءمتها فالعدل حسن، و الإحسان إلى مستحقّه حسن، و التعليم و التربية و النصح و ما أشبه ذلك في مواردها حسنات، و الظلم و العدوان و ما أشبه ذلك سيّئات قبيحة لملاءمة القبيل الأوّل لسعادة الإنسان أو لتمتّعه التامّ في ظرف اجتماعه و عدم ملاءمة القبيل الثاني لذلك، و هذا القسم من الحسن و ما يقابله تابع للفعل الّذي يتّصف به من حيث ملاءمته لغرض الاجتماع فمن الأفعال ما حسنه دائميّ ثابت إذا كان ملاءمته لغاية الاجتماع و غرضه كذلك كالعدل، و منها ما قبحه كذلك كالظلم.

و من الأفعال ما يختلف حاله بحسب الأحوال و الأوقات و الأمكنة أو المجتمعات فالضحك و الدعابة حسن عند الخلّان لا عند الأعاظم، و في محافل السرور دون المأتم، و دون المساجد و المعابد، و الزنا و شرب الخمر حسن عند الغربيّين دون المسلمين.

و لا تصغ إلى قول من يقول: إنّ الحسن و القبح مختلفان متغيّران مطلقاً من غير

٦

ثبات و لا دوام و لا كليّة، و يستدلّ على ذلك في مثل العدل و الظلم بأنّ ما هو عدل عند اُمّة بإجراء اُمور من مقرّرات اجتماعيّة غير ما هو عدل عند اُمّة اُخرى بإنفاذ مقرّرات اُخرى اجتماعيّة فلا يستقرّ معنى العدل على شي‏ء معيّن فالجلد للزاني عدل في الإسلام و ليس كذلك عند الغربيّين، و هكذا.

و ذلك أنّ هؤلاء قد اختلط عليهم الأمر، و اشتبه المفهوم عندهم بالمصداق، و لا كلام لنا مع من هذا مبلغ فهمه.

و الإنسان على حسب تحوّل العوامل المؤثّرة في الاجتماعات يرضى بتغيير جميع أحكامه الاجتماعيّة دفعة أو تدريجاً و لا يرضى قطّ بأن يسلب عنه وصف العدل، و يسمّى ظالماً، و لا بأن يجد ظلماً لظالم إلّا مع الاعتذار عنه، و للكلام ذيل طويل يخرجنا الاشتغال به عن ما هو أهمّ منه.

ثمّ عمّم معنى الحسن و القبح لسائر الحوادث الخارجيّة الّتي تستقبل الإنسان مدى حياته على حسب تأثير مختلف العوامل و هي الحوادث الفرديّة أو الاجتماعيّة الّتي منها ما يوافق آمال الإنسان، و يلائم سعادته في حياته الفرديّة أو الاجتماعيّة من عافية أو صحّة أو رخاء، و تسمّى حسنات، و منها ما ينافي ذلك كالبلايا و المحن من فقر أو مرض أو ذلّة أو إسارة و نحو ذلك، و تسمّى سيّئات.

فقد ظهر ممّا تقدّم أنّ الحسنة و السيّئة يتّصف بهما الاُمور أو الأفعال من جهة إضافتها إلى كمال نوع أو سعادة فرد أو غير ذلك فالحسن و القبح وصفان إضافيّان، و إن كانت الإضافة في بعض الموارد ثابتة لازمة، و في بعضها متغيّرة كبذل المال الّذي هو حسن بالنسبة إلى مستحقّه و سيّئ بالنسبة إلى غير المستحقّ.

و أنّ الحسن أمر ثبوتيّ دائماً و المساءة و القبح معنى عدميّ و هو فقدان الأمر صفة الملاءمة و الموافقة المذكورة، و إلّا فمتن الشي‏ء أو الفعل مع قطع النظر عن الموافقة و عدم الموافقة المذكورين واحد من غير تفاوت فيه أصلاً.

فالزلزلة و السيل الهادم إذا حلّا ساحة قوم كانا نعمتين حسنتين لأعدائهم و هما نازلتان سيّئتان عليهم أنفسهم، و كلّ بلاء عامّ في نظر الدين سرّاء إذا نزل بالكفّار

٧

المفسدين في الأرض أو الفجّار العتاة، و هو بعينه ضرّاء إذا نزل بالاُمّة المؤمنة الصالحة.

و أكل الطعامّ حسن مباح إذا كان من مال آكله مثلاً، و هو بعينه سيّئة محرّمة إذا كان من مال الغير من غير رضا منه لفقدانه امتثال النهي الوارد عن أكل مال الغير بغير رضاه، أو امتثال الأمر الوارد بالاقتصار على ما أحلّ الله، و المباشرة بين الرجل و المرأة حسنة مباحة إذا كان عن ازدواج مثلاً، و سيّئة محرّمة إذا كان سفاحاً من غير نكاح لفقدانه موافقة التكليف الإلهيّ فالحسنات عناوين وجوديّة في الاُمور و الأفعال، و السيّئات عناوين عدميّة فيهما، و متن الشي‏ء المتّصف بالحسن و السوء واحد.

و الّذي يراه القرآن الشريف أنّ كلّ ما يقع عليه اسم الشي‏ء ما خلا الله - عزّ اسمه - مخلوق لله قال تعالى:( الله خالِقُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ ) (الزمر: ٦٢) و قال تعالى:( وَ خَلَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ) (الفرقان: ٢) و الآيتان تثبتان الخلقة في كلّ شي‏ء، ثمّ قال تعالى:( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقَهُ ) (السجدة: ٧) فأثبت الحسن لكلّ مخلوق، و هو حسن لازم للخلقة غير منفكّ عنها يدور مدارها.

فكلّ شي‏ء له حظّ من الحسن على قدر حظّه من الخلقة و الوجود، و التأمّل في معنى الحسن (على ما تقدّم) يوضح ذلك مزيد إيضاح فإنّ الحسن موافقة الشي‏ء و ملاءمته للغرض المطلوب و الغاية المقصودة منه، و أجزاء الوجود و أبعاض هذا النظام الكونيّ متلائمة متوافقة، و حاشا ربّ العالمين أن يخلق ما تتنافى أجزاؤه، و يبطل بعضه بعضاً فيخلّ بالغرض المطلوب، أو يعجزه تعالى أو يبطل ما أراده من هذا النظام العجيب الّذي يبهت العقل و يحيّر الفكرة. و قد قال تعالى:( هُوَ الله الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) (الزّمر: ٤) و قال تعالى:( وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ ) (الأنعام: ١٨) و قال تعالى:( وَ ما كانَ الله لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْ‏ءٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً ) (فاطر: ٤٤) فهو تعالى لا يقهره شي‏ء و لا يعجزه شي‏ء في ما يريده من خلقه و يشاؤه في عباده.

فكلّ نعمة حسنة في الوجود منسوبة إليه تعالى، و كذلك كلّ نازلة سيّئة إلّا أنّها في نفسها أي بحسب أصل النسبة الدائرة بين موجودات المخلوقة منسوبة إليه تعالى و إن كانت بحسب نسبة اُخرى سيّئة، و هذا هو الّذي يفيده قوله تعالى:( وَ إِنْ

٨

تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ الله وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ الله فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً ) (النساء: ٧٨) و قوله:( فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى‏ وَ مَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ الله وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) (الأعراف: ١٣١) إلى غير ذلك من الآيات.

و أمّا جهة السيّئة فالقرآن الكريم يسندها في الإنسان إلى نفس الإنسان بقوله تعالى في هذه السورة:( ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) الآية (النساء: ٧٩) و قوله تعالى:( وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ) (الشورى: ٣٠) و قوله تعالى:( إِنَّ الله لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ) (الرعد: ١١)، و قوله تعالى:( ذلِكَ بِأَنَّ الله لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى‏ قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ) (الأنفال: ٥٣) و غيرها من الآيات.

و توضيح ذلك أنّ الآيات السابقة كما عرفت تجعل هذه النوازل السيّئة كالحسنات اُموراً حسنة في خلقتها فلا يبقى لكونها سيّئة إلّا أنّها لا تلائم طباع بعض الأشياء الّتي تتضرّر بها فيرجع الأمر بالآخرة إلى أنّ الله لم يجد لهذه الأشياء المبتلاة المتضرّرة بما تطلبه و تشتاق إليه بحسب طباعها، فإمساك الجود هذا هو الّذي يعدّ بليّة سيّئة بالنسبة إلى هذه الأشياء المتضرّرة كما يوضحه كلّ الإيضاح قوله تعالى:( ما يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَ ما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (فاطر: ٢).

ثمّ بين تعالى أنّ إمساك الجود عمّا اُمسك عنه أو الزيادة و النقيصة في إفاضة رحمته إنّما يتّبع أو يوافق مقدار ما يسعه ظرفه، و ما يمكنه أن يستوفيه من ذلك، قال تعالى فيما ضربه من المثل:( أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها ) (الرعد: ١٧) و قال:( وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) (الحجر: ٢١) فهو تعالى إنّما يعطي على قدر ما يستحقّه الشي‏ء و على ما يعلم من حاله، قال:( أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (الملك: ١٤).

و من المعلوم أنّ النعمة و النقمة و البلاء و الرخاء بالنسبة إلى كلّ شي‏ء ما يناسب

٩

خصوص حاله كما يبيّنه قوله تعالى:( لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها ) (البقرة: ١٤٨) فإنّما يولّي كلّ شي‏ء و يطلب وجهته الخاصّة به و غايته الّتي تناسب حاله.

و من هنا يمكنك أن تحدس أنّ السراء و الضرّاء و النعمة و البلاء بالنسبة إلى هذا الإنسان الّذي يعيش في ظرف الاختيار في تعليم القرآن اُمور مرتبطة باختياره فإنّه واقع في صراط ينتهي به بحسن السلوك و عدمه إلى سعادته و شقائه كلّ ذلك من سنخ ما لاختياره فيه مدخل.

و القرآن الكريم يصدّق هذا الحدس، قال تعالى:( ذلِكَ بِأَنَّ الله لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى‏ قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ) (الأنفال: ٥٣) فلمّا في أنفسهم من النيّات الطاهرة و الأعمال الصالحة دخل في النعمة الّتي خصّوا بها فإذا غيّروا غيّر الله بإمساك رحمته و قال:( وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ) (الشورى: ٣٠) فلأعمالهم تأثير في ما ينزل بهم من النوازل و يصيبهم من المصائب، و الله يعفو عن كثير منها.

و قال تعالى:( ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) الآية (النساء: ٧٩).

و إيّاك أن تظنّ أنّ الله سبحانه حين أوحى هذه الآية إلى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نسي الحقيقة الباهرة الّتي أبانها بقوله:( الله خالِقُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ ) (الزمر: ٦٢) و قوله:( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقَهُ ) (السجدة: ٧) فعدّ كلّ شي‏ء مخلوقاً لنفسه حسناً في نفسه و قد قال:( وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) (مريم: ٦٤) و قال:( لا يَضِلُّ رَبِّي وَ لا يَنْسى‏ ) (طه: ٥٢) فمعنى قوله:( ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ ) (الآية) أنّ ما أصابك من حسنة - و كلّ ما أصابك حسنة - فمن الله، و ما أصابك من سيّئة فهي سيّئة بالنسبة إليك حيث لا يلائم ما تقصده و تشتهيه و إن كانت في نفسها حسنة فإنّما جرّتها إليك نفسك باختيارها السيّئ، و استدعتها كذلك من الله فالله أجلّ من أن يبدأك بشرّ أو ضرّ.

و الآية كما تقدّم و إن كانت خصّت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالخطاب لكنّ المعنى عامّ للجميع، و بعبارة اُخرى هذه الآية كالآيتين الاُخريين( ذلِكَ بِأَنَّ الله لَمْ يَكُ مُغَيِّراً ) (الآية)

١٠

( وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ ) (الآية) متكفّلة للخطاب الاجتماعيّ كتكفّلها للخطاب الفرديّ. فإنّ للمجتمع الإنسانيّ كينونة إنسانيّة و إرادة و اختياراً غير ما للفرد من ذلك.

فالمجتمع ذو كينونة يستهلك فيها الماضون و الغابرون من أفراده، و يؤاخذ متأخّروهم بسيّئات المتقدّمين، و الأموات بسيّئات الأحياء، و الفرد غير المقدّم بذنب المقترفين للذنوب و هكذا، و ليس يصحّ ذلك في الفرد بحسب حكمه في نفسه أبداً، و قد تقدّم شطر من هذا الكلام في بحث أحكام الأعمال في الجزء الثاني من هذا الكتاب.

فهذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصيب في غزوة اُحد في وجهه و ثناياه، و اُصيب المسلمون بما اُصيبوا، و هوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيّ معصوم إن أسند ما اُصيب به إلى مجتمعة و قد خالفوا أمر الله و رسوله كان ذلك مصيبة سيّئة أصابته بما كسبت أيدي مجتمعة و هو فيهم، و إن اُسند إلى شخصه الشريف كان ذلك محنة إلهيّة أصابته في سبيل الله، و في طريق دعوته الطاهرة إلى الله على بصيرة فإنّما هي نعمة رافعة للدرجات.

و كذا كلّ ما أصاب قوماً من السيّئات إنّما تستند إلى أعمالهم على ما يراه القرآن و لا يرى إلّا الحقّ، و أمّا ما أصابهم من الحسنات فمن الله سبحانه.

نعم ههنا آيات اُخر ربّما نسبت إليهم الحسنات بعض النسبة كقوله تعالى:( وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى‏ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ ) (الأعراف: ٩٦) و قوله:( وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَ كانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ ) (السجدة: ٢٤) و قوله:( وَ أَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (الأنبياء: ٨٦) و الآيات في هذا المعنى كثيرة جدّاً.

إلّا أنّ الله سبحانه يذكر في كلامه أنّ شيئاً من خلقه لا يقدر على شي‏ء ممّا يقصده من الغاية، و لا يهتدي إلى خير إلّا بإقدار الله و هدايته قال تعالى:( الَّذِي أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (طه: ٥٠) و قال تعالى:( وَ لَوْ لا فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ ما زَكى‏ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً ) (النور: ٢١) و يتبيّن بهاتين الآيتين و ما تقدّم معنى آخر لكون الحسنات لله عزّ اسمه، و هو أنّ الإنسان لا يملك حسنة إلّا بتمليك من الله و إيصال منه

١١

فالحسنات كلّها لله و السيّئات للإنسان، و به يظهر معنى قوله تعالى:( ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ) (الآية).

فللّه سبحانه الحسنات بما أنّ كلّ حسن مخلوق له، و الخلق و الحسن لا ينفكّان، و له الحسنات بما أنّها خيرات، و بيده الخير لا يملكه غيره إلّا بتمليكه، و لا ينسب إليه شي‏ء من السيّئات فإنّ السيّئة من حيث إنّها سيّئة غير مخلوقة و شأنه الخلق، و إنّما السيّئة فقدان الإنسان مثلاً رحمة من لدنه تعالى أمسك عنها بما قدّمته أيدي الناس، و أمّا الحسنة و السيّئة بمعنى الطاعة و المعصية فقد تقدّم الكلام في نسبتهما إلى الله سبحانه في الكلام على قوله تعالى:( إِنَّ الله لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ) (البقرة: ٢٦) في الجزء الأوّل من هذا الكتاب.

و أنت لو راجعت التفاسير في هذا المقام، وجدت من شتات القول و مختلف الآراء و الأهواء و أقسام الإشكالات ما يبهتك، و أرجو أن يكون فيما ذكرناه كفاية للمتدبّر في كلامه تعالى، و عليك في هذا البحث بتفكيك جهات البحث بعضها عن بعض، و تفهّم ما يتعارفه القرآن من معنى الحسنة و السيّئة، و النعمة و النقمة، و الفرق بين شخصيّة المجتمع و الفرد حتّى يتّضح لك مغزى الكلام.

( بحث روائي)

و في الدرّ المنثور، في قوله تعالى:( أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا ) (الآية) أخرج النسائيّ و ابن جرير و ابن أبي حاتم و الحاكم و صحّحه و البيهقيّ في سننه من طريق عكرمة عن ابن عبّاس: أن عبد الرحمن بن عوف و أصحاباً له أتوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا: يا نبيّ الله كنّا في عزّ و نحن مشركون فلمّا آمنّا صرنا أذلّة فقال: إنّي اُمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم فلمّا حوّله الله إلى المدينة أمره الله بالقتال فكفّوا فأنّزل الله:( أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ) الآية.

و فيه: أخرج عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر عن قتادة في الآية قال: كان

١٢

اُناس من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و هم يومئذ بمكّة قبل الهجرة، يسارعون إلى القتال فقالوا للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ذرنا نتّخذ معاول فنقاتل بها المشركين، و ذكر لنا أنّ عبدالرحمن بن عوف كان فيمن قال ذلك، فنهاهم نبيّ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك قال: لم اُومر بذلك، فلمّا كانت الهجرة و اُمروا بالقتل كره القوم ذلك، و صنعوا فيه ما تسمعون قال الله تعالى،( قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى‏ وَ لا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ) .

و في تفسير العيّاشيّ، عن صفوان بن يحيى عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: قال الله تعالى: يا ابن آدم، بمشيّتي كنت أنت الّذي تشاء و تقول، و بقوّتي أدّيت إلي فريضتي، و بنعمتي قويت على معصيتي، ما أصابك من حسنة فمن الله، و ما أصابك من سيّئة فمن نفسك، و ذاك أنّي اُولى بحسناتك منك، و أنت اُولى بسيّئاتك منّي، و ذاك أنّي لا اُسأل عمّا أفعل، و هم يسألون.

أقول: و قد تقدّم نقل الرواية بلفظ آخر في الجزء الأوّل من هذا الكتاب في ذيل قوله تعالى:( إِنَّ الله لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ) (البقرة: ٢٦) و تقدّم البحث عنها هناك.

و في الكافي، بإسناده عن عبدالرحمن بن الحجّاج قال: ذكر عند أبي عبداللهعليه‌السلام البلاء و ما يخصّ الله به المؤمن، فقال: سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أشدّ الناس بلاءً في الدنيا؟ فقال النبيّون ثمّ الأمثل فالأمثل، و يبتلى المؤمن بعد على قدر إيمانه و حسن أعماله، فمن صحّ إيمانه و حسن عمله اشتدّ بلاؤه، و من سخف إيمانه و ضعف عمله قلّ بلاؤه.

أقول: و من الروايات المشهورة قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الدنيا سجن المؤمن و جنّة الكافر.

و فيه، أيضاً بعدّة طرق عنهماعليهما‌السلام : إنّ الله عزّوجلّ إذا أحبّ عبداً غثّه بالبلاء غثّاً.(١)

و فيه، أيضاً عن الصادقعليه‌السلام : إنّما المؤمن بمنزلة كفّة الميزان، كلّما زيد في إيمانه زيد في بلائه.

____________________

(١) الغثّ هو الغمس.

١٣

و فيه، أيضاً عن الباقرعليه‌السلام قال: إنّ الله عزّوجلّ ليتعاهد المؤمن بالبلاء، كما يتعاهد الرجل أهله بالهدية من الغيبة، و يحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض.

و فيه، أيضاً عن الصادقعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا حاجة لله فيمن ليس له في ماله و بدنه نصيب.

و في العلل، عن عليّ بن الحسين عن أبيهعليهما‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : و لو كان المؤمن على جبل، لقيّضّ الله عزّوجلّ له من يؤذيه ليأجره على ذلك.

و في كتاب التمحيص، عن الصادقعليه‌السلام قال: لا تزال الهموم و الغموم بالمؤمن حتّى لا تدع له ذنباً. و عنهعليه‌السلام قال: لا يمضي على المؤمن أربعون ليلة، إلّا عرض له أمر يحزنه يذكّر ربّه.

و في النهج، قالعليه‌السلام : لو أحبّني جبل لتهافت‏. و قالعليه‌السلام : من أحبّنا أهل البيت فليستعدّ للبلاء جلباباً.

أقول: قال ابن أبي الحديد في شرحه: قد ثبت‏ أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له:( لا يحبّك إلّا مؤمن، و لا يبغضك إلّا منافق) و قد ثبت أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:( إنّ البلوى أسرع إلى المؤمن من الماء إلى الحدور) هاتان المقدّمتان يلزمهما نتيجة صادقة هي أنّه لو أحبّه جبل لتهافت (انتهى).

و اعلم أنّ الأخبار في هذه المعاني كثيرة، و هي تؤيّد ما قدّمناه من البيان.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن المنذر و الخطيب عن ابن عمر، قال: كنّا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نفر من أصحابه، فقال: يا هؤلاء أ لستم تعلمون أنّي رسول الله إليكم؟ قالوا: بلى قال: أ لستم تعلمون أنّ الله أنزل في كتابه، أنّه من أطاعني فقد أطاع الله؟ قالوا: بلى‏ نشهد أنّه من أطاعك فقد أطاع الله، و أنّ من طاعته طاعتك، قال: فإنّ من طاعة الله أن تطيعوني، و إنّ من طاعتي أن تطيعوا أئمّتكم، و إن صلّوا قعوداً فصلّوا قعدواً أجمعين.

أقول: قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : و إن صلّوا إلخ كناية عن وجوب كمال الاتّباع.

١٤

( سورة النساء الآيات ٨١ - ٨٤)

وَيَقُولُونَ طَاعةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الّذِي تَقُولُ وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى‏ بِاللّهِ وَكِيلاً ( ٨١ ) أَفَلاَ يَتَدَبّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ( ٨٢ ) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدّوهُ إِلَى الرّسُولِ وَإِلَى‏ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتّبَعْتُمُ الشّيْطَانَ إِلّا قَلِيلاً ( ٨٣ ) فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلّفُ إِلّا نَفْسَكَ وَحَرّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفّ بَأْسَ الّذِينَ كَفَرُوا وَاللّهُ أَشَدّ بَأْساً وَأَشَدّ تَنْكِيلاً ( ٨٤ )

( بيان‏)

الآيات لا تأبى عن الاتّصال بما قبلها فكأنّها من تتمّة القول في ملامة الضعفاء من المسلمين و فائدتها وعظهم بما يتبصّرون به لو تدبّروا و استبصروا.

قوله تعالى: ( وَ يَقُولُونَ طاعَةٌ ) إلخ( طاعَةٌ ) مرفوع على الخبريّة على ما قيل، و التقدير: أمرنا طاعة أي نطيعك طاعة، و البروز الظهور و الخروج، و التبييت من البيتوتة و معناه إحكام الأمر و تدبيره ليلاً و الضمير في( تَقُولُ ) راجع إلى( طائِفَةٌ ) أو إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و المعنى - و الله أعلم -: و يقول هؤلاء مجيبين لك فيما تدعوهم إليه من الجهاد: أمرنا طاعة، فإذا خرجوا من عندك دبّروا ليلاً أمراً غير ما أجابوك به و قالوا لك أو غير ما قلته أنت لهم و هو كناية عن عقدهم النيّة على مخالفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثمّ أمر الله رسوله بالإعراض عنهم و التوكّل في الأمر و العزيمة فقال:( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ توكّل عَلَى اللهِ وَ كَفى‏ بِاللهِ وَكِيلًا ) و لا دليل في الآية يدلّ على كون المحكيّ عنهم هم المنافقين كما ذكره بعضهم بل الأمر بالنظر إلى اتّصال السياق على خلاف ذلك.

١٥

قوله تعالى: ( أَ فَلا يَتدبّرونَ الْقُرْآنَ ) الآية تحضيض في صورة الاستفهام التدبير هو أخذ الشي‏ء بعد الشي‏ء و هو في مورد الآية التأمّل في الآية عقيب الآية أو التأمّل بعد التأمّل في الآية لكن لمّا كان الغرض بيان أنّ القرآن لا اختلاف فيه و ذلك إنّما يكون بين أزيد من آية واحدة كان المعنى الأوّل أعني التأمّل في الآية عقيب الآية هو العمدة و إن كان ذلك لا ينفي المعنى الثاني أيضاً.

فالمراد ترغيبهم أن يتدبّروا في الآيات القرآنيّة، و يراجعوا في كلّ حكم نازل أو حكمة مبيّنة أو قصّة أو عظة أو غير ذلك جميع الآيات المرتبطة به ممّا نزلت مكّيّتها و مدنيّتها و محكمها و متشابهها و يضمّوا البعض إلى البعض حتّى يظهر لهم أنّه لا اختلاف بينها فالآيات يصدّق قديمها حديثها و يشهد بعضها على بعض من غير أن يكون بينها أيّ اختلاف مفروض: لا اختلاف التناقض بأن ينفي بعضها بعضا أو يتدافعا، و لا اختلاف التفاوت بأن يتفاوت الآيتان من حيث تشابه البيان أو متانة المعاني و المقاصد بكون البعض أحكم بياناً و أشدّ ركناً من بعض كتاباً متشابهاً مثاني تقشعرّ منه الجلود. فارتفاع هذه الاختلافات من القرآن يهديهم إلى أنّه كتاب منزل من الله و ليس من عند غيره إذ لو كان من عند غيره لم يسلم من كثرة الاختلاف و ذلك أنّ غيره تعالى من هذه الموجودات الكونيّة - و لا سيّما الإنسان الّذي يرتاب أهل الريب أنّه من كلامه - كلّها موضوعة بحسب الكينونة الوجوديّة و طبيعة الكون على التحرّك و التغيّر و التكامل فما من واحد منها إلّا أنّ امتداد زمان وجوده مختلف الأطراف متفاوت الحالات.

ما من إنسان إلّا و هو يرى كلّ يوم أنّه أعقل من أمس و أنّ ما ينشئه من عمل أو صنعة أو ما أشبه ذلك أو يدبّره من رأي أو نظر أو نحوهما أخيراً أحكم و أمتن ممّا أتا به أوّلاً حتّى العمل الواحد الّذي فيه شي‏ء من الامتداد الوجوديّ كالكتاب يكتبه الكاتب و الشعر يقوله الشاعر و الخطبة يخطبها الخطيب و هكذا يوجد عند الإمعان آخره خيراً من أوّله و بعضه أفضل من بعض.

فالواحد من الإنسان لا يسلم في نفسه و ما يأتي به من العمل من الاختلاف، و ليس هو بالواحد و الاثنين من التفاوت و التناقض بل الاختلاف الكثير، و هذا ناموس

١٦

كلّيّ جار في الإنسان و ما دونه من الكائنات الواقعة تحت سيطرة التحوّل و التكامل العامّين لا ترى واحداً من هذه الموجودات يبقى آنين متواليين على حال واحد بل لا يزال يختلف ذاته و أحواله.

و من هنا يظهر وجه التقييد بالكثير في قوله:( اخْتِلافاً كَثِيراً ) فالوصف وصف توضيحيّ لا احترازيّ، و المعنى: لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا و كان ذلك الاختلاف كثيراً على حدّ الاختلاف الكثير الّذي في كلّ ما هو من عند غير الله، و ليس المعنى أنّ المرفوع من القرآن هو الاختلاف الكثير دون اليسير.

و بالجملة لا يلبث المتدبّرون أن يشاهد أنّ القرآن كتاب يداخل جميع الشؤون المرتبطة بالإنسانيّة من معارف المبدأ و المعاد و الخلق و الإيجاد، ثمّ الفضائل العامّة الإنسانيّة، ثمّ القوانين الاجتماعيّة و الفرديّة الحاكمة في النوع حكومة لا يشذّ منها دقيق و لا جليل، ثمّ القصص و العبر و المواعظ ببيان دعا إلى مثلها أهل الدنيا، و بآيات نازلة نجوماً في مدّة تعدل ثلاثاً و عشرين سنة على اختلاف الأحوال من ليل و نهار، و من حضر و سفر، و من حرب و سلم، و من ضرّاء و سرّاء، و من شدّة و رخاء، فلم يختلف حاله في بلاغته الخارقة المعجزة، و لا في معارفه العالية و حكمه السامية، و لا في قوانينه الاجتماعيّة و الفرديّة، بل ينعطف آخره إلى ما قرّ عليه أوّله، و ترجع تفاصيله و فروعه إلى ما ثبت فيه أعراقه و اُصوله، يعود تفاصيل شرائعه و حكمه بالتحليل إلى حاقّ التوحيد الخالص، و ينقلب توحيده الخالص بالتركيب إلى أعيان ما أفاده من التفاصيل، هذا شأن القرآن.

و الإنسان المتدبّر فيه هذا التدبّر يقضي بشعوره الحيّ، و قضائه الجبلّيّ أنّ المتكلّم بهذا الكلام ليس ممّن يحكم فيه مرور الأيّام و التحوّل و التكامل العاملان في الأكوان بل هو الله الواحد القهّار.

و قد تبيّن من الآية (أوّلاً): أنّ القرآن ممّا يناله الفهم العاديّ. و (ثانياً): أنّ الآيات القرآنيّة يفسّر بعضها بعضاً. و (ثالثاً): أنّ القرآن كتاب لا يقبل نسخاً و لا إبطالاً و لا تكميلاً و لا تهذيباً، و لا أيّ حاكم يحكم عليه أبداً، و ذلك أنّ ما يقبل شيئاً منها

١٧

لا مناص من كونه يقبل نوعاً من التحوّل و التغيّر بالضرورة، و إذ كان القرآن لا يقبل الاختلاف فليس يقبل التحوّل و التغيّر فليس يقبل نسخاً و لا إبطالاً و لا غير ذلك، و لازم ذلك أنّ الشريعة الإسلاميّة مستمرّة إلى يوم القيامة.

قوله تعالى: ( وَ إِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ ) الإذاعة هي النشر و الإشاعة، و في الآية نوع ذمّ و تعيير لهم في شأن هذه الإذاعة، و في قوله في ذيل الآية:( وَ لَوْ لا فَضْلُ الله ) إلخ دلالة على أنّ المؤمنين كانوا على خطر الضلال من جهة هذه الإذاعة، و ليس إلّا خطر مخالفة الرسول فإنّ الكلام في هذه الآيات موضوع في ذلك، و يؤيّد ذلك ما في الآية التالية من أمر الرسول بالقتال و لو بقي وحده بلا ناصر.

و يظهر به أنّ الأمر الّذي جاءهم من الأمن أو الخوف كان بعض الأراجيف الّتي كانت تأتي بها أيدي الكفّار و رسلهم المبعوثون لإيجاد النفاق و الخلاف بين المؤمنين فكان الضعفاء من المؤمنين يذيعونه من غير تدبّر و تبصّر فيوجب ذلك وهناً في عزيمة المؤمنين، غير أنّ الله سبحانه وقاهم من اتّباع هؤلاء الشياطين الجائين بتلك الأخبار لإخزاء المؤمنين.

فتنطبق الآية على قصّة بدر الصغرى، و قد تقدّم الكلام فيها في سورة آل عمران، و الآيات ههنا تشابه الآيات هناك مضمونا كما يظهر للمتدبّر فيها، قال تعالى في سورة آل عمران:( الَّذِينَ اسْتَجابُوا لله وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَ اتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا الله وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ - إلى قوله -إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَ خافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (آل عمران: ١٧٥).

الآيات كما ترى تذكر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يدعو الناس بعد ما أصابهم القرح - و هو محنة اُحد - إلى الخروج إلى الكفّار، و أنّ اُناساً كانوا يخزلون الناس و يخذّلونهم عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و يخوّفونهم جمع المشركين.

ثمّ تذكر أنّ ذلك كلّه تخويفات من الشيطان يتكلّم بها من أفواه أوليائه، و تعزم على المؤمنين أن لا يخافوهم و يخافوا الله أن كانوا مؤمنين.

١٨

و المتدبّر فيها و في الآيات المبحوث عنها أعني قوله:( وَ إِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ ) (الآية) لا يرتاب في أنّ الله سبحانه في هذه الآية يذكر قصّة بدر الصغرى و يعدّها في جملة ما يعدّ من الخلال الّتي يلوم هؤلاء الضعفاء عليها كقوله:( فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ ) (الآية) و قوله:( وَ قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ ) (الآية) و قوله:( وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ ) (الآية) و قوله:( وَ يَقُولُونَ طاعَةٌ ) (الآية) ثمّ يجري على هذا المجرى قوله:( وَ إِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ ) (الآية).

قوله تعالى: ( وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى‏ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) لم يذكر ههنا الردّ إلى الله كما ذكر في قوله:( فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَ الرَّسُولِ ) الآية النساء: ٥٩) لأنّ الردّ المذكور هناك هو ردّ الحكم الشرعيّ المتنازع فيه، و لا صنع فيه لغير الله و رسوله.

و أمّا الردّ المذكور ههنا فهو ردّ الخبر الشائع بين الناس من أمن أو خوف، و لا معنى لردّه إلى الله و كتابه، بل الصنع فيه للرسول و لاُولي الأمر منهم، لو ردّ إليهم أمكنهم أن يستنبطوه و يذكروا للرادّين صحّته أو سقمه و صدقه أو كذبه.

فالمراد بالعلم التمييز تمييز الحقّ من الباطل، و الصدق من الكذب على حدّ قوله تعالى:( لِيَعْلَمَ الله مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ ) (المائدة: ٩٤) و قوله:( وَ لَيَعْلَمَنَّ الله الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ ) (العنكبوت. ١١).

و الاستنباط استخراج القول من حال الإبهام إلى مرحلة التمييز و المعرفة، و أصله من النبط (محرّكة)، و هو أوّل ما يخرج من ماء البئر، و على هذا يمكن أن يكون الاستنباط وصفاً للرسول و اُولي الأمر بمعنى أنّهم يحقّقون الأمر فيحصلون على الحقّ و الصدق و أن يكون وصفاً لهؤلاء الرادّين لو ردّوا فإنّهم يعلمون حقّ الأمر و صدقه بإنباء الرسول و اُولي الأمر لهم.

فيعود معنى الآية إن كان المراد بالّذين يستنبطونه منهم الرسول و اُولي الأمر كما هو الظاهر من الآية: لعلمه من أراد الاستنباط من الرسول و اُولي الأمر أي إذا استصوبه المسؤلون و رأوه موافقاً للصلاح، و إن كان المراد بهم الرادّين: لعلمه الّذين

١٩

يستفسرونه و يبالغون في الحصول على أصل الخبر من هؤلاء الرادّين.

و أمّا اُولوا الأمر في قوله:( وَ إِلى‏ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ ) فالمراد بهم هو المراد باُولي الأمر في قوله:( أَطِيعُوا الله وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (النساء: ٥٩) على ما تقدّم من اختلاف المفسّرين في تفسيره و قد تقدّم أنّ اُصول الأقوال في ذلك ترجع إلى خمسة غير أنّ الّذي استفدناه من المعنى أظهر في هذه الآية.

أمّا القول بأنّ اُولي الأمر هم اُمراء السرايا فإنّ هؤلاء لم يكن لهم شأن إلّا الإمارة على سريّة في واقعة خاصّة لا تتجاوزها خبرتهم و دائرة عملهم، و أمّا أمثال ما هو مورد الآية و هو الإخلال في الأمن و إيجاد الخوف و الوحشة العامّة الّتي كان يتوسّل إليها المشركون ببعث العيون و إرسال الرسل السرّيّة الّذين يذيعون من الأخبار ما يخزلون به المؤمنين فلا شأن لاُمراء السرايا في ذلك حتّى يمكنهم أن يبيّنوا وجه الحقّ فيه للناس إذا سألوهم عن أمثال تلك الأخبار.

و أمّا القول بأنّ اُولي الأمر هم العلماء فعدم مناسبته للآية أظهر، إذ العلماء - و هم يومئذ المحدّثون و الفقهاء و القرّاء و المتكلّمون في اُصول الدّين - إنّما خبرتهم في الفقه و الحديث و نحو ذلك، و مورد قوله:( وَ إِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ ) ، هي الأخبار الّتي لها أعراق سياسيّة ترتبط بأطراف شتّى ربّما أفضى قبولها أو ردّها أو الإهمال فيها من المفاسد الحيويّة و المضارّ الاجتماعيّة إلى ما يمكن أن لا يستصلح بأيّ مصلح آخر، أو يبطل مساعي اُمّة في طريق سعادتها، أو يذهب بسؤددهم و يضرب بالذلّ و المسكنة و القتل و الأسر عليهم، و أيّ خبرة للعلماء من حيث إنّهم محدّثون أو فقهاء أو قرّاء أو نحوهم في هذه القضايا حتّى يأمر الله سبحانه بإرجاعها و ردّها إليهم؟ و أيّ رجاء في حلّ أمثال هذه المشكلات بأيديهم؟

و أمّا القول بأنّ اُولي الأمر هم الخلفاء الراشدون أعني أبابكر و عمر و عثمان و عليّاً فمع كونه لا دليل عليه من كتاب أو سنّة قطعيّة، يرد عليه أنّ حكم الآية إمّا مختصّ بزمان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو عامّ يشمله و ما بعده، و على الأوّل كان من اللازم أن يكونوا معروفين بهذا الشأن بما أنّهم هؤلاء الأربعة من بين الناس و من بين الصحابة

٢٠

[ المقام الأسنى في تفسير الأسماء الحسنى]

الأسماء الحسنى

وسنوردها هنا بثلاث عبارات :

الاُولى : ما ذكرها الشيخ جمال الدين أحمد بن فهد(1) رحمه‌الله في عدّته ، أنّ الرضاعليه‌السلام روى عن أبيه عن آبائه عن علي(2) عليه‌السلام : أنّ لله تسعة وتسعين اسماً من دعا بها استجيب له ومن أحصاها(3) دخل الجنّة ، وهي هذه :

الله ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، الأول ، الآخر ، السميع ، البصير ، القدير ، القاهر ، العليّ ، الأعلى ، الباقي ، البديع ، الباري ، الأكرم ، الظاهر ، الباطن ، الحيّ ، الحكيم ، العليم ، الحليم ، الحفيظ ، الحقّ ، الحسيب ، الحميد ، الحفيّ ، الربّ ، الرحمن ، الرحيم ، الذاري ، الرازق ، الرقيب ، الرؤوف ، الرائي ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبّار ، المتكبّر ، السيّد ، السبّوح ، الشهيد ، الصادق ، الصانع ، الطاهر ،

__________________

(1) أبو العباس أحمد بن فهد الحلي ، يروي عن الشيخ أبي الحسن علي بن الخازن تلميذ الشهيد وغيره ، له عدة مصنفات ، منها : عدّة الداعي ونجاح الساعي ، في آداب الدعاء ، مشهور نافع مفيد في تهذيب النفس ، مرتّب على مقدّمة في تعريف الدعاء وستّة أبواب ، توفي سنة ( 841 ه‍ ).

الكنى والألقاب 1: 368 ، أعيان الشيعة 3: 147 ، الذريعة 15 : 228 ، معجم رجال الحديث 2 : 189.

(2) في العدة : « عن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام عن آبائه عن عليعليهم‌السلام ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ لله عزّ وجلّ تسعة وتسعين اسماً من دعا الله بها استجاب له ومن أحصاها دخل الجنة ».

(3) في هامش (ر) : « قال الصدوقرحمه‌الله : معنى إحصائها هو الإحاطة بها والوقوف على معانيها ، وليس معنى الإحصاء عدّها ، قاله الشيخ جمال الدين في عدته.

ووجدتُ بخط الشيخ الزاهدرحمه‌الله : أن هذه الأسماء حجاب من كل سوء ، وهي للطاعة والمحبة وعقد الألسن ولإبطال السحر ولجلب الرزق نافع إن شاء الله تعالى. منهرحمه‌الله ».

اُنظر : التوحيد : 195 ، عدّة الداعي : 298.

٢١

العدل ، العفوّ ، الغفور ، الغنيّ ، الغياث ، الفاطر ، الفرد ، الفتّاح ، الفالق ، القديم ، الملك ، القدّوس ، القويّ ، القريب ، القيّوم ، القابض ، الباسط ، القاضي(4) ، المجيد ، الولي ، المنّان ، المحيط ، المبين ، المقيت ، المصوّر ، الكريم ، الكبير ، الكافي ، كاشف الضرّ ، الوتر ، النور ، والوّهاب ، الناصر ، الواسع ، الودود ، الهادي ، الوفيّ ، الوكيل ، الوارث ، البرّ ، الباعث ، التوّاب ، الجليل ، الجواد ، الخبير ، الخالق ، خير الناصرين ، الديّان ، الشكور ، العظيم ، اللطيف ، الشافي(5) .

الثانية : ما ذكرها الشهيد(6) رحمه‌الله في قواعده ، وهي : الله ، الرحمن ، الرحيم ، الملك ، القدّوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبّار ، المتكبّر ، الباري ، الخالق ، المصوّر ، الغفّار ، الوّهاب ، الرزّاق ، الخافض ، الرافع ، المعزّ ، المذلّ ، السميع ، البصير ، الحليم ، العظيم ، العليّ ، الكبير ، الحفيظ ، الجليل ، الرقيب ، المجيب ، الحكيم ، المجيد ، الباعث ، الحميد ، المبدي ، المعيد ، المحيي ، المميت ، الحيّ ، القيّوم ، الماجد ، التوّاب ، المنتقم ، الشديد العقاب ، العفّو ، الرؤوف ، الوالي ، الغني ، المغني ، الفتّاح ، القابض ، الباسط ، الحكم ، العدل ، اللطيف ، الخبير ، الغفور ، الشكور ، المقيت ، الحسيب ، الواسع ، الودود ، الشهيد ، الحقّ ، الوكيل ، القويّ ، المتين ، الوليّ ، المحصي ، الواجد ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، القادر ، المقتدر ، المقدّم ، المؤخّر ، الأول ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، البرّ ، ذو الجلال والإكرام ، المُقِسط ، الجامع ، المانع ، الضارّ ، النافع ، النور ، البديع ، الوارث ، الرشيد ، الصبور ، الهادي ، الباقي(7) .

__________________

(4) في هامش (ر) : « قاضي الحاجات / خ ل ».

(5) عدّة الداعي : 298 ـ 299.

(6) أبو عبدالله محمد بن مكي العاملي الجزيني ، الشهيد الأول ، روى عن الشيخ فخر الدين محمد بن العلاّمة وغيره ، يروي عنه جماعة كثيرة منهم أولاده وبنته وزوجته ، له عدّة مصنّفات ، منها : القواعد والفوائد ، كتاب مختصر مشتمل على ضوابط كلية اُصولية وفرعية يستنبط منها الأحكام الشرعية ، استشهد مظلوماً سنة ( 786 ه‍ ).

رياض العلماء 5 : 185 ، الكنى والألقاب 2 : 342 ، تنقيح المقال 3 : 191 ، الذريعة 17 : 193.

(7) القواعد والفوائد 2: 166 ـ 174.

٢٢

قالرحمه‌الله : ورد في الكتاب العزيز من(8) الأسماء الحسنى : الربّ ، والمولى ، والنصير ، والمحيط ، والفاطر ، والعلاّم ، والكافي ، وذو الطّول ، وذو المعارج(9) .

الثالثة : ما ذكرها فخر الدين محمد بن محاسن(10) رحمه‌الله في جواهره ، وهي :

الله ، الرحمن ، الرحيم ، الملك ، القدّوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبّار ، المتكبّر ، الخالق ، الباري ، المصوّر ، الغفّار ، القهّار ، الوهّاب ، الرزّاق ، الفتّاح ، العليم ، القابض ، الباسط ، الخافض ، الرافع ، المعزّ ، المذلّ ، السميع ، البصير ، الحكم ، العدل ، اللطيف ، الخبير ، الحليم ، العظيم ، الغفور ، الشكور ، العليّ ، الكبير ، الحفيظ ، المقيت ، الحسيب ، الجليل ، الكريم ، الرقيب ، المجيب ، الواسع ، الحكيم ، الودود ، المجيد ، الماجد ، الباعث ، الشهيد ، الحقّ ، الوكيل ، القويّ ، المتين ، الوليّ ، الحميد ، المحصي ، المبدي ، المعيد ، المحيي ، المميت ، الحيّ ، القيوم ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، القادر ، المقتدر ، المقدّم ، المؤخّر ، الأوّل ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، الوالي ، المتعالي ، البرّ ، التوّاب ، المنتقم ، العفوّ ، الرؤوف ، مالك الملك ، ذو الجلال والإكرام ، المُقسِط ، الجامع ، الغنيّ ، المُغني ، المانع ، الضارّ ، النافع ، النور ، الهادي ، البديع ، الباقي ، الوارث ، الرشيد ، الصبور. فهذه تسعة وتسعون اسماً رواها محمد بن إسحاق(11) في المأثور.

__________________

(8) في ( القواعد ) و (ر) و (م) : « في » وما أثبتناه من (ب) وهو الأنسب.

(9) القواعد والفوائد 2 : 174 ـ 175.

(10) لم أجد من تعرّض لترجمته ، حتّى أن الشيخ العلاّمة الطهراني في الذريعة 5 : 257 حينما ذكر الجواهر ، قال : للشيخ فخر الدين محمد بن محاسن ينقل عنه الكفعمي في آخر البلد الأمين ، فالظاهر أنّه لم يجد له ترجمة أيضاً ، بل إنّما عرف كتابه واسمه من نقل الكفعمي عنه ، ومحمد بن محاسن نفسه الذي يأتي بعنوان البادرائي.

(11) يحتمل أن يكون هو : محمد بن إسحاق بن محمد بن يوسف بن علي القونوي الرومي ، من كبار تلاميذ الشيخ محيي الدين ابن العربي ، بينه وبين نصير الدين الطوسي مكاتبات في بعض المسائل الحكمية ، له عدّة مصنّفات ، منها : شرح الأسماء الحسنى ، مات سنة ( 673 ه‍ ).

كشف الظنون 2: 1956 ، أعلام الزركلي 6 : 30.

٢٣

ولمّا كانت كلّ واحدة من هذه العبارات الثلاث تزيد على صاحبتيها بأسماء وتنقص عنهما بأسماء ، أحببت أن أضع عبارة رابعة مشتملة على أسماء العبارات الثلاث ، مع الإشارة إلى شرح كلّ اسم منها ، من غير إيجاز مخلّ ولا إسهاب مملّ.

وسمّيت ذلك بالمقام الأسنى في تفسير الأسماء الحسنى.

فنقول وبالله التوفيق :

الله :

اسم ، علم ، مفرد ، موضوع على ذات واجب الوجود.

وقال الغزّالي(12) : الله اسم للموجود الحق ، الجامع لصفات الإلهية ، المنعوت بنعوت الربوبية ، المتفرّد بالوجود الحقيقي ، فإن كلّ موجود سواه غير مستحقّ للوجود بذاته ، وإنّما استفاد الوجود منه(13) .

وقيل : الله اسم لمن هو الخالق لهذا العالم والمدبر له.

وقال الشهيد في قواعده : الله اسم للذات لجريان النعوت عليه ، وقيل : هو اسم للذات مع جملة الصفات الإلهية ، فإذا قلنا : الله ، فمعناه الذات الموصوفة بالصفات الخاصة ، وهي صفات الكمال ونعوت الجلال.

قالرحمه‌الله : وهذا المفهوم هو الذي يعبد ويوحد وينزه عن الشريك والنظير والمثل والند والضد(14) .

وقد اختلف في اشتقاق هذا الاسم المقدّس على وجوه عشرة ، ذكرناها

__________________

(12) أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزّالي ، الملقّب بحجّة الإسلام الطوسي ، تفقّه على أبي المعالي الجويني ، له عدّة مصنّفات ، منها : إحياء علوم الدين ، والمقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وغيرهما ، مات سنة ( 502 ه‍ ).

المنتظم 9 : 168 ، وفيات الأعيان 4 : 216 ، الكنى والألقاب 2 : 450.

(13) المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى : 14.

(14) القواعد والفوائد 2: 166.

٢٤

على حاشية الصحيفة في دعاء زين العابدينعليه‌السلام إذا أحزنه أمر(15) .

واعلم أنّ هذا الاسم الشريف قد امتاز عن غيره من أسمائه ـ تعالى ـ الحسنى بوجوه عشرة :

أ : أنّه أشهر أسماء الله تعالى.

ب : أنّه أعلاها محلاًّ في القرآن.

ج : أنّه أعلاها محلاًّ في الدعاء.

د : أنّه جعل أمام سائر الأسماء.

ه‍ : أنّه خصّت به كلمة الإخلاص.

و : أنّه وقعت به الشهادة.

ز : أنّه علم على الذات المقدّسة ، وهو مختصّ بالمعبود الحقّ تعالى ، فلا

__________________

(15) وهي كما في حاشية المصباح : 315 نقلاً عن الفوائد الشريفة في شرح الصحيفة :

« الأول : أنّه مشتقّ من لاه الشيء إذا خفي ، قال شعر :

لاهت فما عرفت يوماً بخارجةٍ

يا ليتها خرجت حتى عرفناها

الثاني : أنّه مشتقّ من التحيّر ، لتحيّر العقول في كنه عظمته ، قال :

ببيداء تيه تأله العير وسطها

مخفقـة بالآل جرد وأملق

الثالث : أنّه مشتقّ من الغيبوبة ، لأنّه سبحانه لا تدركه الأبصار ، قال الشاعر :

لاه ربّي عن الخلائق طراً

خالق الخلق لا يُرى ويرانا

الرابع : أنّه مشتقّ من التعبّد ، قال الشاعر :

لله درّ الغانيــات المُـدَّهِ

آلهن واسترجعن من تألّهي

الخامس : أنّه مشتق من أله بالمكان إذا أقام به ، قال شعر :

ألهنا بدارٍ لا يدوم رسومها

كأن بقاها وشامٌ على اليدِ

السادس : أنّه مشتقّ من لاه يلوه بمعنى ارتفع.

السابع : أنّه مشتقّ من وَلَهَ الفصيلُ باُمّه إذا ولع بها ، كما أنّ العباد مولهون ، أي : مولعون بالتضرّع إليه تعالى.

الثامن : أنّه مشتقّ من الرجوع ، يقال : ألهت إلى فلان ، أي : فزعت إليه ورجعت ، والخلق يفزعون إليه تعالى في حوائجهم ويرجعون إليه ، وقيل للمألوه [ إليه ] إله ، كما قيل للمؤتمّ به إمام.

التاسع : أنّه مشتقّ من السكون ، وألهت إلى فلان أي : سكنت ، والمعنى أنّ الخلق يسكنون إلى ذكره.

العاشر : أنّه مشتقّ من الإلهيّة. وهي القدرة على الاختراع ».

٢٥

يطلق على غيره حقيقةً ولا مجازاً ، قال تعالى :( هل تَعلَمُ لهُ سَميّاً ) (16) أي : هل تعلم أحداً يسمّى الله ؟ وقيل : سميّاً أي : مثلاً وشبيهاً.

ح : أنّ هذا الاسم الشريف دالّ على الذات المقدّسة الموصوفة بجميع الكمالات ، حتى لا يشذّ به شيء ، وباقي أسمائه تعالى لا تدلّ آحادها إلاّ على آحاد المعاني ، كالقادر على القدرة والعالم على العلم. أو فعل منسوب إلى الذات ، مثل قولنا : الرحمن ، فإنّه اسم للذات مع اعتبار الرحمة ، وكذا الرحيم والعليم. والخالق : اسم للذات مع اعتبار وصف وجودي خارجي. والقدّوس : اسم للذات مع وصف سلبي ، أعني التقديس الذي هو التطهير عن النقائص. والباقي : اسم اللذات مع نسبة وإضافة ، أعني البقاء ، وهو نسبة بين الوجود والأزمنة ، إذ هو استمرار الوجود في الأزمنة. والأبديّ : هو المستمرّ في جميع الأزمنة ، فالباقي أعمّ منه. والأزلي : هو الذي قارن وجوده جميع الأزمنة الماضية المحقّقة والمقدّرة. فهذه الاعتبارات تكاد تأتي على الأسماء الحسنى بحسب الضبط(17) .

ط : أنّه اسم غير صفة ، بخلاف سائر أسمائه تعالى ، فإنها تقع صفات ، أمّا أنّه اسم غير صفة ، فلأنّك تصف ولا تصف به ، فتقول : إله واحد ، ولا تقول : شيء إله ، وأمّا وقوع ما عداه من أسمائه الحسنى صفات ، فلأنّه يقال : شيء قادر وعالم وحيّ إلى غير ذلك.

ي : أن جميع أسمائه الحسنى يتسمّى بهذا الاسم ولا يتسمّى هو بشيء منها ، فلا يقال : الله اسم من أسماء الصبور أو الرحيم أو الشكور ، ولكن يقال : الصبور اسم من أسماء الله تعالى.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه قد قيل : إنّ هذا الاسم المقدّس هو الاسم الأعظم. قال ابن فهد في عدّته : وهذا القول قريب جداً ، لأنّ الوارد في هذا المعنى

__________________

(16) مريم 19 : 65.

(17) القواعد والفوائد 2: 166.

٢٦

كثيراً(18) .

ورأيت في كتاب الدرّ المنتظم في السرّ الأعظم ، للشيخ محمد بن طلحة بن محمد ابن الحسين(19) : أنّ هذا الاسم المقدّس يدلّ على الأسماء الحسنى كلّها التي هي تسعة وتسعون اسماً ، لأنك إذا قسمت الاسم المقدّس في علم الحروف على قسمين كان كلّ قسم ثلاثة وثلاثين ، فتضرب الثلاثة والثلاثين في حروف الاسم المقدّس بعد إسقاط المكرر وهي ثلاثة تكون عدد الأسماء الحسنى ، وذكر أمثلة اُخر في هذا المعنى تركناها اختصاراً(20) .

ورأيت في كتاب مشارق الأنوار وحقائق الأسرار ، للشيخ رجب بن محمد بن رجب الحافظ(21) : أن هذا الاسم المقدس أربعة أحرف ـ الله ـ فإذا وقفت على الأشياء عرفت أنها منه وبه وإليه وعنه ، فإذ أُخذ منه الألف بقي لله ، ولله كلّ شيء ، فإن اُخذ اللام وترك الألف بقي إله ، وهو إله كلّ شيء ، وإن اُخذ

__________________

(18) عدّة الداعي : 50.

(19) أبو سالم محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي الشافعي ، له عدّة مصنفات ، منها : الدرّ المنظم في السرّ الأعظم أو الدرّ المنظم في اسم الله الأعظم ، مات سنة ( 652 ه‍ ).

شذرات الذهب 5 : 259 ، أعلام الزركلي 6 : 175.

علماً بأنّ في (ر) و (ب) و (م) ذكر : الدرّ المنتظم وفي مصادر الترجمة : الدر المنظم ، وكذا ذكر في (ر) و (ب) : محمد بن طلحة بن محمد بن الحسين ، وفي المصادر : ابن الحسن ، فتأمّل.

(20) في حاشية (ر) : « منها : أنك إذا جمعت من الاسم المقدّس طرفيه ، وقسّمت عددهما على حروفه الأربعة ، وضربت ما يخرج القسمة فيما له من العدد في علم الحروف ، يكون عدد الأسماء الحسنى. وبيانه : أن تأخذ الألف والهاء وهما بستة ، وتقسِّمها على حروف الأربعة ، يقوم لكل حرف واحد ونصف ، فتضربة به فيما للإسم المقدّس من العدد وهو ستة وستين ، تبلغ تسعة وتسعين عدد الأسماء الحسنى. منهرحمه‌الله ».

(21) رضي الدين رجب بن محمد بن رجب البرسي الحلي المعروف بالحافظ ، من متأخّري علماء الإمامية ، كان ماهراً في أكثر العلوم ، له يد طولى في علم أسرار الحروف والأعداد ونحوها ، وقد أبدع في كتبه حيث استخرج أسامي النبي والأئمةعليهم‌السلام من الآيات ونحو ذلك من غرائب الفوائد وأسرار الحروف ، له أشعار لم يرعين الزمان مثلها في مدح أهل البيتعليهم‌السلام ، من مصنافته : مشارق أنوار اليقين في كشف حقائق أسرار أمير المؤمنين ، توفي في حدود سنة ( 813 ه‍ ).

رياض العلماء 2 : 304 ، الكُنى والألقاب 2 : 148 ، أعيان الشيعة 6 : 46.

٢٧

الألف من إله بقي له ، وله كلّ شيء ، فإن اُخذ من له اللام بقي هو ، وهو هو وحده لا شريك له ، وهو لفظ يوصل إلى ينبوع العزة ، ولفظ هو مركب من حرفين ، والهاء أصل الواو ، فهو حرف واحد يدل على الواحد الحق ، والهاء أول المخارج والواو أخرها ، فهو الأول والآخر والظاهر والباطن(22) .

ولمّا كان الاسم المقدّس الأقدس أرفع أسماء الله تعالى شأناً وأعلاها مكاناً ، وكان لكمالها جمالاً ولجمالها كمالاً ، خرجنا فيه بالإسهاب عن مناسبة الكتاب ، والله الموفّق للصواب.

الرحمن الرحيم :

قال الشهيدرحمه‌الله : هما اسمان للمبالغة من رحم ، كغضبان من غضب وعليم من علم ، والرحمة لغة : رقّة القلب وانعطاف يقتضي التفضل والإحسان ، ومنه : الرحم ، لانعطافها على ما فيها ، وأسماء الله تعالى إنّما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي هي انفعال(23) (24) .

وقال صاحب العدّة : الرحمن الرحيم مشتقّان من الرحمة وهي النعمة ،

__________________

(22) مشارق الأنوار : 32 ـ 33 ، وفيه : « والقرآن له ظاهر وباطن ، ومعانيه منحصرة في أربع أقسام ، وهي أربع أحرف وعنها ظهر باقي الكلام ، وهي ( أل‍ ل‍ ه ) ، والألف واللام منه آلة التعريف ، فإذا وضعت على الأشياء عرفتها أنّها منه وله ، وإذا اُخذ منه الألف بقي لله ، ولله كل شيء ، وإذا اُخذ منه ( ل‍ ) بقي إله ، وهو إله كلّ شيء ، وإذا اُخذ منه الألف واللام بقي له ، وله كلّ شيء ، وإذا اُخذ الألف واللامان بقي هو ، وهو هو وحده لا شريك له. والعارفون يشهدون من الألف ويهيمنون من اللام ويصلون من الهاء. والألف من هذا الاسم إشارة إلى الهويّة التي لا شيء قبلها ولا بعدها وله الروح ، واللام وسطاً وهو إشارة إلى أنّ الخلق منه وبه وإليه وعنه ، وله العقل وهو الأول والآخر ، وذلك لأنّ الألف صورة واحدة في الخطّ وفي الهجاء ».

(23) القواعد والفوائد 2 : 166 ـ 167.

(24) في هامش (ر) : « وقال السيد المرتضى : ليست الرحمة عبارة عن رقّة القلب والشفقة ، وإنّما هي عبارة عن الفضل والإنعام وضروب الإحسان ، فعلى هذا يكون إطلاق لفظ الرحمة عليه تعالى حقيقة وعلى الأول مجاز. منهرحمه‌الله تعالى ».

٢٨

ومنه :( وما أرسلناك إلاّ رحمّة للعالمينّ ) (25) أي : نعمة ، ويقال للقرآن رحمة وللغيث رحمة ، أي : نعمة ، وقد يتسمّى بالرحيم غيره تعالى ولا يتسمّى بالرحمن سواه ، لأن الرحمن هو الذي يقدر على كشف الضر والبلوى ، ويقال لرقيق القلب من الخلق : رحيم ، لكثرة وجود الرحمة منه بسبب الرقة ، وأقلها الدعاء للمرحوم والتوجع له ، وليست في حقّه تعالى كذلك ، بل معناها إيجاد النعمة للمرحوم وكشف البلوى عنه ، فالحدّ الشامل أن تقول : هي التخلص من أقسام الآفات ، وإيصال الخيرات إلى أرباب الحاجات(26) .

وفي كتاب الرسالة الواضحة(27) : أنّ الرحمن الرحيم من أبنية المبالغة ، إلاّ أنّ فعلان أبلغ من فعيل ، ثم هذه المبالغة قد توجد تارة باعتبار الكمّية ، واُخرى باعتبار الكيفية :

فعلى الأول قيل : يا رحمن الدنيا ـ لأنّه يعمّ المؤمن والكافر ـ ورحيم الآخرة لأنه يخص الرحمة بالمؤمنين ، لقوله تعالى :( وكان بالمؤمنين رحيماً ) (28) .

وعلى الثاني قيل : يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا ، لأنّ النعم الاُخروية كلّها جسام ، وأمّا النعم الدنيوية فجليلة وحقيرة.

وعن الصادقعليه‌السلام : الرحمن اسم خاصّ بصفة عامة ، والرحيم اسم عامّ بصفة خاصة(29) .

وعن أبي عبيدة(30) : الرحمن ذو الرحمة ، والرحيم الراحم ، وكرر لضرب

__________________

(25) الأنبياء 21 : 107.

(26) عدّة الداعي : 303 ـ 304 ، باختلاف.

(27) الرسالة الواضحة في تفسير سورة الفاتحة ، للمصنف الشيخ علي بن إبراهيم الكفعمي : مخطوطة.

(28) الأحزاب 33 : 43.

(29) مجمع البيان 1 : 21.

(30) أبو عبيدة معمّر بن المثنى البصري النحوي اللغوي ، أول من صنّف غريب الحديث ، وكان أبو نؤاس الشاعر يتعلّم منه ويصفه ويذمّ الأصمعي ، له عدّة مصنفات ، منها : مجاز القرآن الكريم وغريب القرآن ومعاني القرآن ، مات سنة ( 209 ه‍ ) وقيل غير ذلك.

وفيات الأعيان 5 : 235 ، الكنى والألقاب 1 : 116.

٢٩

من التأكيد(31) .

وعن السيد المرتضى(32) رحمه‌الله : أن الرحمن مشترك فيه اللغة العربية والعبرانية والسريانية ، والرحيم مختصّ بالعربية.

قال الطبرسي(33) : وإنّما قدّم الرحمن على الرحيم ، لأن الرحمن بمنزلة الاسم العلم ، من حيث أنه لا يوصف به إلاّ الله تعالى ، ولهذا جمع بينهما تعالى في قوله :( قلِ ادعوا اللهَ أو ادعوا الرحمنَ ) (34) فوجب لذلك تقديمه على الرحيم ، لأنه يطلق عليه وعلى غيره(35) .

الملك :

التامّ الملك ، الجامع لأصناف المملوكات ، قاله البادرائي في جواهره.

__________________

(31) اُنظر : مجمع البيان 1 : 20.

(32) أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام ، المشهور بالسيد المرتضى ، جمع من العلوم ما لم يجمعه أحد وحاز من الفضائل ما تفرّد به وتوحّد وأجمع على فضله المخالف والمؤالف ، كيف لا وقد أخذ من المجد طرفيه واكتسى بثوبيه وتردّى ببرديه ، روى عن جماعة عديدة من العامة والخاصة منهم الشيخ المفيد والحسين بن علي بن بابويه أخي الصدوق والتلعكبري ، روى عنه جماعة كثيرة من العامة والخاصة منهم : أبو يعلى سلار وأبو الصلاح الحلبي وأبو يعلى الكراجكي ومن العامة : الخطيب البغدادي والقاضي بن قدامة ، له عدّة مصنفات مشهورة ، منها الشافي في الإمامة لم يصنّف مثله والذخيرة ، توفي سنة ( 433 ه‍ ) وقيل ( 436 ه‍ ).

وفيات الأعيان 3 : 313 ، رياض العلماء 4 : 14، الكنى والألقاب 2 : 439.

(33) أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي المشهدي ، من أكابر مجتهدي علمائنا ، يروي عن الشيخ أبي علي بن الشيخ الطوسي وغيره ، يروي عنه ولده الحسن وابن شهرآشوب والشيخ منتجب الدين وغيرهم ، له عدة مصنفات ، منها : مجمع البيان لعلوم القرآن ، وهو تفسير لم يعمل مثله عيّن كل سورة أنّها مكّية أو مدنية ثم يذكر مواضع الاختلاف في القراءة ثم يذكر اللغة والعربية ثم يذكر الإعراب ثم الأسباب والنزول ثم المعنى والتأويل والأحكام والقصص ثم يذكر انتظام الآيات ، توفي سنة ( 548 ه‍ ) في سبزوار وحمل نعشه إلى المشهد الرضوي ودفن في مغتسل الرضاعليه‌السلام وقبره مزار.

رياض العلماء 4 : 340 ، الكنى والألقاب 2 : 403 ، الذريعة 20 : 24.

(34) الإسراء 17 : 110.

(35) مجمع البيان 1 : 21 ، باختلاف.

٣٠

وقال الشهيد : الملك المتصرف بالأمر والنهي في المأمورين ، أو الذي يستغني في ذاته وصفاته عن كل موجود ، ويحتاج إليه كلّ موجود في ذاته وصفاته(36) .

والملكوت : ملك الله ، زيدت فيه التاء كما زيدت في رهبوت ورحموت ، من الرهبة والرحمة.

القدوس :

فعول من القدس وهو الطهارة ، فالقدّوس : الطاهر من العيوب المنزّه عن الأضداد والأنداد ، والتقديس : التطهير ، وقوله تعالى حكاية عن الملائكة :( ونحنُ نسبّحُ بحمدكَ ونقدّسُ لكَ ) (37) أي : ننسبك إلى الطهارة.

وسمّي بيت المقدس بذلك ، لأنه المكان الذي يتطهر فيه من الذنوب. وقيل للجنة : حظيرة القدس ، لأنها موضع الطهارة من الأدناس والآفات التي تكون في الدنيا.

السلام :

معناه ذو السلامة ، أي : سلم في ذاته عن كل عيب ، وفي صفاته عن كل نقص وآفة تلحق المخلوقين ، والسلام مصدر وصف به تعالى للمبالغة. وقيل : معناه المسلم ، لأن السلامة تنال من قبله.

وقوله :( لهم دارُ السلام ) (38) يجوز أن تكون مضافة إليه تعالى ، ويجوز أن يكون تعالى قد سمّى الجنة سلاماً ، لأن الصائر إليها يسلم من كلّ آفة.

* * *

__________________

(36) القواعد والفوائد 2 : 167.

(37) البقرة 2 : 30.

(38) الأنعام 6 : 127.

٣١

المؤمن :

المصدّق ، لأن الإيمان في اللغة التصديق ، ويحتمل ذلك وجهان :

أ : أنّه يصدق عبادّه وعده ، ويفي لهم بما ضمنه لهم.

ب : أنّه يصدق ظنون عباده المؤمنين ولا يخيّب آمالهم ، قاله البادرائي.

وعن الصادقعليه‌السلام : سمّي تعالى مؤمناً ، لأنه يؤمن عذابه من أطاعه(39) .

وفي الصحاح(40) : الله تعالى مؤمن ، وهو : الذي آمن عباده ظلمه(41) .

المهيمن :

قال العزيزي(42) في غريبه والشهيد في قواعده : هو القائم على خلقه بأعمالهم وآجالهم وأرزاقهم(43) .

وقال صاحب العدّة : المهيمن : الشاهد ، ومنه قوله تعالى :( ومهيمناً عليه ) (44) أي : شاهداً ، فهو تعالى الشاهد على خلقه بما يكون منهم من قول أو فعل ، وقيل : هو الرقيب على الشيء والحافظ له ، وقيل : هو الأمين(45) .

__________________

(39) التوحيد : 205.

(40) كتاب الصحاح لأبي نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهري الفارابي ، ابن اُخت أبي إسحاق الفارابي صاحب ديوان الأدب ، له عدّة مصنّفات ، منها : هذا الكتاب ـ الصحاح ـ وهو أحسن من الجمهرة وأوقع من التهذيب وأقرب متناولاً من مجمل اللغة ، مات سنة ( 393 ه‍ ).

يتيمة الدهر 4 : 468 ، معجم الاُدباء 5 : 151، النجوم الزاهرة 4 : 207.

(41) الصحاح 5 : 2071 ، أمن.

(42) أبو بكر محمد بن عزيز السجستاني العزيزي. اشتهر بكتابه غريب القرآن ، وهو على حروف المعجم صنّفه في (15) سنة ، مات سنة ( 330 ه‍ ).

أعلام الزركلي 6 : 268.

(43) غريب القرآن ـ نزهة القلوب ـ : 209 ، القواعد والفوائد 2 : 167.

(44) المائدة 5 : 48.

(45) عدّة الداعي : 304 ـ 305 ، باختلاف.

٣٢

وإلى القول الأوسط ذهب الجوهري ، فقال : المهيمن الشاهد ، وهو من آمن غيره من الخوف(46) .

قلت : إنّما كان المهيمن من آمن ، لأن أصل مهيمن مؤيمن ، فقلبت الهمزة هاء لقرب مخرجهما ، كما في هرقت الماء وأرقته ، وإيهاب وهيهات ، وإبرية وهبرية للخزاز الذي في الرأس ، وقرأ أبو السرائر الغنوي(47) : هياك نعبد وهياك نستعين(48) .

قال الشاعر :

وهياك والأمر الذي إن توسعت

موارده ضاقت عليك مصادره

العزيز :

الغالب القاهر ، أو ما يمتنع الوصول إليه ، قاله الشهيد في قواعده(49) .

وقال الشيخ علي بن يوسف بن عبد الجليل(50) في كتابه منتهى السّؤول في شرح الفصول : العزيز هو الحظير الذي يقلّ وجود مثله ، وتشتدّ الحاجة إليه ، ويصعب الوصول إليه ، فليس العزيز المطلق إلاّ هو تعالى.

وقال صاحب العدّة : العزيز المنيع الذي لا يُغلب ، ويقال : من عزّ بزّ ،

__________________

(46) الصحاح 6 : 2217 ، همن.

(47) كذا ، ولم أجد هذا الاسم في كتب التراجم.

(48) قال الزمخشري في الكشّاف 1 : 62 : « وقرئ إياك بتخفيف الياء واياك بفتح الهمزة والتشديد وهياك بقلب الهمزة هاء ».

قال طفيل الغنوي :

فهياك والأمر الذي ان تراحبت موارده ضاقت عليك مصادره.

(49) القواعد والفوائد 2 : 167.

(50) ظهير الدين علي بن يوسف بن عبد الجليل النيلي ، عالم فاضل كامل ، من أجلة متكلمي الإمامية وفقهائهم ، يروي عن الشيخ فخر الدين ولد العلاّمة ، يروى عنه ابن فهد الحلي ، له عدة مصنفات ، منها : منتهى السّؤول في شرح الفصول ، وهو شرح على فصول خواجه نصير الدين الطوسي في اُصول الدين ، وهو شرحُ بالقول يعني قوله قوله.

رياض العلماء 4 : 293 ، الذريعة 23 : 10.

٣٣

أي : من غلب سلب ، ومنه قوله تعالى :( وعزّني في الخطابِ ) (51) أي : غلبني في محاورة الكلام ، وقد يقال العزيز للملك ، ومنه قوله تعالى :( يا أيها العزيزُ ) (52) أي : يا أيها الملك(53) .

والعزيز أيضاً : الذي لا يعادله شيء ، والذي لا مثل له ولا نظير.

الجبار :

القهار ، أو المتكبر ، أو المتسلّط ، أو الذي جبر مفاقر الخلق وكفاهم أسباب المعاش والرزق ، أو الذي تنفذ مشيته على سبيل الإجبار في كل أحد ولا تنفذ فيه مشية أحد. ويقال : الجبّار العالي فوق خلقه ، ويقال للنخل الذي طال وفات اليد : جبّار.

المتكبّر :

ذو الكبرياء ، وهو : الملك ، أو ما يرى الملك حقيراً بالنسبة إلى عظمته ، قاله الشهيد(54) .

وقال صاحب العدّة : المتكبّر المتعالي عن صفات الخلق ، ويقال : المتكبّر على عتاة خلقه ، وهو مأخوذ من الكبرياء ، وهم اسم التكبّر والتعظّم(55) .

الخالق :

هو المبدئ للخلق والمخترع لهم على غير مثال سبق ، قاله البادرائي في جواهره.

__________________

(51) ص 38 : 23.

(52) يوسف 12 : 78 ، 88.

(53) عدّة الداعي : 305.

(54) القواعد والفوائد 2 : 167.

(55) عدّة الداعي : 305 ، باختلاف.

٣٤

وقال الشهيد : الخالق ، المقدّر(56) .

قلت : وهو حسن ، إذ قد يراد بالخلق التقدير ، ومنه قوله تعالى :( إنّي أخلقُ لكم منَ الطينِ كهيئةِ الطيرِ ) (57) أي : اُقدّر.

البارئ :

الخالق ، والبرية : الخلق ، وبارئ البرايا أي : خالق الخلائق.

المصوّر :

الذي أنشأ خلقه على صور مختلفه ليتعارفوا بها ، قال تعالى :( وصوّركم فأحسنَ صوَركُم ) (58) .

وقال الغزّالي في تفسير أسماء الله تعالى الحسنى : قد يظنّ أنّ الخالق والبارئ والمصور ألفاظ مترادفة ، وأن الكلّ يرجع إلى الخلق والاختراع ، وليست كذلك ، بل كل ما يخرج من العدم إلى الوجود مفتقر إلى تقديره أولاً ، وإلى إيجاده على وفق التقدير ثانياً ، وإلى التصوير بعد الإيجاد ثالثاً ، والله تعالى خالق من حيث أنّه مقدر ، وبارئ من حيث أنه مخترع موجد ، ومصوّر من حيث أنه مرتب صور المخترعات أحسن ترتيب. وهذا كالبناء مثلاً ، فإنه يحتاج إلى مقدّر يقدّر ما لابدّ منه : من الخشب ، واللبن ، ومساحة الأرض ، وعدد الأبنية وطولها وعرضها ، وهذا يتولاّه المهندس فيرسمه ويصوّره ، ثم يحتاج إلى بنّاء يتولّى الأعمال التي عندها تحدث اُصول الأبنية ، ثم يحتاج إلى مزيّن ينقش ظاهره ويزيّن صورته ، فيتولاه غير البناء. هذه هي العادة في التقدير في البناء والتصوير ، وليس كذلك في أفعاله تعالى ، بل هو المقدّر والموجد والصانع ، فهو الخالق والبارئ والمصور(59) .

__________________

(56) القواعد والفوائد 2 : 167.

(57) آل عمران 3 : 49.

(58) غافر 40 : 64 ، التغابن 64 : 3.

(59) المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى : 18.

٣٥

الغفّار :

هو الذي أظهر الجميل وستر القبيح ، قاله الشهيد(60) .

وقال البادرائي : هو الذي يغفر ذنوب عباده ، وكلّما تكررت التوبة من المذنب تكررت منه تعالى المغفرة ، لقوله :( وإني لغفّارٌ لِمن تابَ ) (61) الآية. والغفر في اللغة : الستر والتغطية ، فالغفّار : الستّار لذنوب عباده.

القهّار القاهر :

بمعنى ، وهو : الذي قهر الجبابرة وقهر العباد بالموت ، غير أنّ قهّار وغفّار وجبّار ووهّاب ورزّاق وفتاح ونحو ذلك من أبنية المبالغة ، لأنّ العرب قد بنت مثال من كرر الفعل على فعّال ، ولهذا يقولون لكثير السؤال : سأّال وسأّالة.

قال :

سَأّالةٌ للفتى ما ليس في يده

ذهّابة بعقول القوم والمالي

وكذا ما بني على فعلان وفعيل كرحمن ورحيم ، إلاّ أن فعلان أبلغ من فعيل. وبنت مثال من بالغ في الأمر وكان قوياً عليه على فعول ، كصبور وشكور. وبنت مثال من فعل الشيء مرّة على فاعل ، نحو سائل وقاتل. وبنت مثال من اعتاد الفعل على مِفعال ، مثل امرأة مذكار إذا كان من عادتها أن تلد الذكور ، ومئناث إذا كان من عادتها أن تلد الإناث ، ومعقاب إذا كان من عادتها أن تلد نوبة ذكراً ونوبة اُنثى ، ورجل منعال ومفضال إذا كان ذلك من عادته.

الوهّاب :

هو من أبنية المبالغة كما مرّ آنفاً ، وهو الذي يجود بالعطايا التي لا تفنى ، وكّل من وهب شيئاً من أعراض الدنيا فهو واهب ولا يسمّى وهّاباً ، بل الوهّاب

__________________

(60) القواعد والفوائد 2 : 168.

(61) طه 20 : 82.

٣٦

من تصرّفت مواهبه في أنواع العطايا ودامت ، والمخلوقون إنّما يملكون أن يهبوا مالاً أو نوالاً في حال دون حال ، ولا يملكون أن يهبوا شفاء لسقيم ولا ولداً لعقيم ، قاله البادرائي.

وقال صاحب العدّة : الوّهاب الكثير الهبة ، والمفضال في العطية(62) .

وقال الشهيد : الوهّاب المعطي كل ما يحتاج إليه لكلّ من يحتاج إليه(63) .

الرزّاق الرازق :

بمعنى ، وهو : خالق الأرزقة والمرتزقة والمتكفّل بإيصالها لكلّ نفس ، من مؤمن وكافر ، غير أنّ في الرزّاق المبالغة.

الفتاح :

الحاكم بين عباده ، وفتح الحاكم بين الخصمين : إذا قضى بينهما ، ومنه :( ربّنا افتح بيننا وبينَ قومنا بالحقِ ) (64) أي : احكم.

وهو أيضاً الذي يفتح أبواب الرزق والرحمة لعباده ، وهو الذي بعنايته ينفتح كل مغلق.

العليم :

العالم بالسرائر والخفيات وتفاصيل المعلومات قبل حدوثها وبعد وجودها(65) .

__________________

(62) عدّة الداعي : 311.

(63) القواعد والفوائد 2 : 68.

(64) الأعراف 7 : 89.

(65) في هامش (ر) : « والعليم مبالغة في العالم ، لأنّ قولنا : عالم ، يفيد أنّ له معلوماً ، كما أنّ قولنا : سامع ، يفيد أنّ له مسموعاً ، وإذا وصفناه بأنّه عليم أفاد أنّه متى صحّ معلوم فهو عالم به ، كما أنّ سميعاً يفيد

٣٧

القابض الباسط :

هوالذي يوسع الرزق ويقدره بحسب الحكمة.

ويحسن القران بين هذين الاسمين ونظائرهما ـ كالخافض والرافع ، والمعزّ والمذلّ ، والضارّ والنافع ، والمبدئ والمعيد ، والمحيي والمميت ، والمقدّم والمؤخّر ، والأول ، والآخر ، والظاهر والباطن ـ لأنّه أنبأ عن القدرة ، وأدلّ على الحكمة ، قال الله تعالى :( واللهُ يقبضُ ويبسطُ ) (66) فإذا ذكرت القابض مفرداً عن الباسط كنت كأنك قد قصرت الصفة على المنع والحرمان ، وإذا وصلت أحدهما بالآخر فقد جمعت بين الصفتين. فالأولى لمن وقف بحسن الأدب بين يدي الله تعالى أن لا يفرد كلّ اسم عن مقابله ، لما فيه من الإعراب عن وجه الحكمة.

الخافض الرافع :

هو الذي يخفض الكفار بالإشقاء ويرفع المؤمنين بالاسعاد. وقوله :( خافضةُ رافعةٌ ) (67) أي : تخفض أقواماً إلى النار وترفع أقواماً إلى الجنة ، يعني : القيامة.

المعزّ المذلّ :

الذي يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممّن يشاء ، أو الذي أعزّ بالطاعة أولياءه ، فأظهرهم على أعدائه في الدنيا وأحلّهم دار الكرامة في العقبى ، وأذل أهل

__________________

أنّه متى وجد مسموع فلابدّ أن يكون سامعاً له ، والعلوم كلّها من جهته تعالى ، لأنّها لا تخلو من أن تكون ضرورية فهو الذي فعلها ، أو استدلالية فهو الذي أقام الأدلة عليها ، فلا علم لأحد إلاّ الله تعالى. منهرحمه‌الله ».

(66) البقرة 2 : 245.

(67) الواقعة 56 : 3.

٣٨

الكفر في الدنيا ، بأن ضربهم بالرق والجزية والصغار ، وفي الآخرة بالخلود في النار(68) .

السميع :

بمعنى السامع ، يسمع السّر والنجوى ، سواء عنده الجهر والخفوت والنطق والسكوت. وقد يكون السميع بمعنى القبول والإجابة ، ومنه قول المصلّي : سمع الله لمن حمده ، معناه : قبل الله حمد من حمده واستجاب له. وقيل : السميع العليم بالمسوعات ، وهي : الأصوات والحروف.

البصير :

العالم بالخفيّات ، وقيل : العالم بالمبصرات.

وفي عبارة الشهيد ،السميع : الذي لا يعزب عن إداركه مسموع خفيّ أو ظاهر ، والبصير : الذي لا يعزب عنه ما تحت الثرى ، ومرجعهما إلى العلم ، لتعاليه سبحانه عن الحاسّة والمعاني القديمة(69) .

الحَكَم :

هو الحاكم الذي سلّم له الحكم ، وسمّي الحاكم حاكماً لمنعه الناس من التظالم(70) .

__________________

(68) في هامش (ر) : « وقيل يعزّ المؤمن بتعظيمه والثناء عليه ، ويذلّ الكافر بالجزية والسبي ، وهو سبحانه وإن أفقر أولياءه وابتلاهم في الدنيا ، فإنّ ذلك ليس على سبيل الإذلال ، بل ليكرمهم بذلك في الآخرة ، ويحلّهم غاية الإغزاز والإجلال ، ذكر ذلك الكفعمي في كتابه جُنّة الأمان الواقية. منهرحمه‌الله ».

انظر : جُنّة الأمان الواقية ـ المصباح ـ : 322.

(69) القواعد والفوائد 2 : 168.

(70) في هامش (ر) : « قلت : ومن ذلك اُخذ معنى الحكمة ، لأنّها تمنع من الجهل. وحكمة الدابة ما أحاط بالحنك ، سمّيت بذلك لمنعها من الجماح ، وحكمت السفيه وأحكمته إذا أخذت على يده

٣٩

العدل :

أي : ذو العدل ، وهو مصدر اُقيم مقام الأصل ، وحفّ به تعالى للمبالغة لكثرة عدله. والعدل : هو الذي يجوز في الحكم ، ورجل عدل وقوم عدل وامرأة عدل ، يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث.

اللطيف :

العالم بغوامض الأشياء ، ثم يوصلها إلى المستصلح برفق دون العنف ، أو البرّ بعباده الذي يوصل إليهم ما ينتفعون به في الدارين ويهيّئ لهم أسباب مصالحهم من حيث لا يحتسبون ، قاله الشهيد في قواعده(71) .

وقيل : اللطيف فاعل اللطف ، وهو ما يقرب معه العبد من الطاعة ويبعد من المعصية ، واللطف من الله التوفيق.

وفي كتاب التوحيد(72) عن الصادقعليه‌السلام : أنّ معنى اللطيف هو :

__________________

ومنعته مما أراد ، وحكمته أيضاً إذا فوّضت إليه الحكم ، وفي حديث النخعي : حكّم اليتيم كما تحكّم ولدك ، أي : امنعه من الفساد ، وقيل : أي حكّمه في ماله إذا صلح لذلك ، وفي الحديث : إنّ في الشعر لحكمة ، أي : من الشعر كلاماً نافعاً يمنع عن الجهل والسفه وينهى عنهما ، والحكم : الحكمة ، ومنه :( وآتيناه الحكم صبيّاً [ 19 : 12 ]) أي : الحكمة ، وقوله تعالى :( فوهب لي ربيّ حكماً [ 26 : 21 ]) أي : حكمة ، والصمت : حكم وقوله تعالى عن داودعليه‌السلام :( وآتيناه الحكمة [ 38 : 20 ]) قيل : هي الزبور ، وقيل : هي كلّ كلام وافق الحق ، والمحاكمة : المخاصمة إلى الحاكم ، من مغرب المطرزي ، وغريبي الهروي وصحاح الجوهري. منهرحمه‌الله ».

اُنظر : المغرب 1 : 133 حكم ، الصحاح 5 : 1901 حكم.

(71) القواعد والفوائد 2 : 170.

(72) كتاب التوحيد لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، شيخ الحفظة ووجه الطائفة المستحفظة ، ولد بدعاء مولانا صاحب الأمر روحي له الفداء ، وصفه الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في التوقيع الخارج من الناحية المقدّسة بأنّه : فقيه خيِّر مبارك ينفع الله به ، فعّمت بركته ببركة الإمام وانتفع به الخاصّ والعامّ ، له عدّة مصنفات ، منها : هذا الكتاب ـ التوحيد ـ توفي سنة ( 381 ه‍ ) بالري ، وقبره قرب قبر عبد العظيم الحسني معروف.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444