الميزان في تفسير القرآن الجزء ٥

الميزان في تفسير القرآن13%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 444

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 444 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 91181 / تحميل: 10838
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٥

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

( سورة النساء الآيات ١٢٧ - ١٣٤)

وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النّسَاءِ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنّ وَمَا يُتْلَى‏ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى‏ النّسَاءِ اللّاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنّ مَا كُتِبَ لَهُنّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُوا لِلْيَتَامَى‏ بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً( ١٢٧) وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشّحّ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتّقُوا فَإِنّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً( ١٢٨) وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُوا كُلّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلّقَةِ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتّقُوا فَإِنّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً( ١٢٩) وَإِن يَتَفَرّقا يُغْنِ اللّهُ كُلّاً مِن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعَاً حَكِيماً( ١٣٠) وَللّهِ‏ِ مَا فِي السّماوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصّيْنَا الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيّاكُمْ أَنِ اتّقُوا اللّهَ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنّ للّهِ‏ِ مَا فِي السّماوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيّاً حَمِيداً( ١٣١) وَللّهِ‏ِ مَا فِي السّماوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى‏ بِاللّهِ وَكِيلاً( ١٣٢) إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيّهَا النّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللّهُ عَلَى‏ ذلِكَ قَدِيراً( ١٣٣) مَن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً بَصِيراً( ١٣٤)

( بيان)

الكلام معطوف إلى ما في أوّل السورة من الآيات النازلة في أمر النساء من آيات الازدواج و التحريم و الإرث و غير ذلك، الّذي يفيده السياق أنّ هذه الآيات إنّما نزلت بعد تلك الآيات، و أنّ الناس كلّموا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمر النساء حيثما

١٠١

نزلت آيات أوّل السورة فأحيت ما أماته الناس من حقوق النساء في الأموال و المعاشرات و غير ذلك.

فأمره الله سبحانه أن يجيبهم أنّ الّذي قرّره لهنّ على الرجال من الأحكام إنّما هو فتيا إلهيّة ليس له في ذلك من الأمر شي‏ء، و لا ذاك وحده بل ما يتلى عليهم في الكتاب في يتامى النساء أيضاً حكم إلهيّ ليس لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه شي‏ء من الأمر، و لا ذاك وحده بل الله يأمرهم أن يقوموا في اليتامى بالقسط.

ثمّ ذكر شيئاً من أحكام الاختلاف بين المرأة و بعلها يعمّ به البلوى.

قوله تعالى: ( وَ يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ ) قال الراغب: الفتيا و الفتوى الجواب عمّا يشكل من الأحكام، و يقال: استفتيته فأفتاني بكذا (انتهى).

و المحصّل من موارد استعماله أنّه جواب الإنسان عن الاُمور المشكلة بما يراه باجتهاد من نظره أو هو نفس ما يراه فيما يشكل بحسب النظر البدائيّ الساذج كما يفيده نسبة الفتوى إليه تعالى.

و الآية و إن احتملت معاني شتّى مختلفة بالنظر إلى ما ذكروه من مختلف الوجوه في تركيب ما يتلوها من قوله:( وَ ما يُتْلى‏ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ ) إلخ إلّا أنّ ضمّ الآية إلى الآيات الناظرة في أمر النساء في أوّل السورة يشهد بأنّ هذه الآية إنّما نزلت بعد تلك.

و لازم ذلك أن يكون استفتاؤهم في النساء في عامّة ما أحدثه الإسلام و أبدعه من أحكامهنّ ممّا لم يكن معهوداً معروفاً عندهم في الجاهليّة و ليس إلّا ما يتعلّق بحقوق النساء في الإرث و الازدواج دون أحكام يتاماهنّ و غير ذلك ممّا يختصّ بطائفة منهنّ دون جميعهنّ فإنّ هذا المعنى إنّما يتكفّله قوله:( وَ ما يُتْلى‏ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ ) إلخ فالاستفتاء إنّما كان في ما يعمّ النساء بما هنّ نساء من أحكام الإرث.

و على هذا فالمراد بما أفتاه الله فيهنّ في قوله:( قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ ) ما بيّنه تعالى في آيات أوّل السورة، و يفيد الكلام حينئذ إرجاع أمر الفتوى إلى الله سبحانه و صرفه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و المعنى: يسألونك أن تفتيهم في أمرهنّ قل: الفتوى إلى الله و قد أفتاكم

١٠٢

فيهنّ بما أفتى فيما أنزل من آيات أوّل السورة.

قوله تعالى: ( وَ ما يُتْلى‏ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ - إلى قوله -وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ ) تقدّم أن ظاهر السياق أنّ حكم يتامى النساء و المستضعفين من الولدان إنّما تعرّض له لاتّصاله بحكم النساء كما وقع في آيات صدر السورة لا لكونه داخلاً فيما استفتوا عنه و أنّهم إنّما استفتوا في النساء فحسب.

و لازمه أن يكون قوله:( وَ ما يُتْلى‏ عَلَيْكُمْ ) ، معطوفاً على الضمير المجرور في قوله:( فِيهِنَّ ) على ما جوّزه الفرّاء و إن منع عنه جمهور النحاة، و على هذا يكون المراد من قوله:( ما يُتْلى‏ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ ) إلخ الأحكام و المعاني الّتي تتضمّنها الآيات النازلة في يتامى النساء و الولدان، المودعة في أوّل السورة. و التلاوة كما يطلق على اللّفظ يطلق على المعنى إذا كان تحت اللّفظ، و المعنى: قل الله يفتيكم في الأحكام الّتي تتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء.

و ربّما يظهر من بعضهم أنّه يعطف قوله:( وَ ما يُتْلى‏ عَلَيْكُمْ ) ، على موضع قوله:( فِيهِنَّ ) بعناية أن المراد بالإفتاء هو التبيين، و المعنى: قل الله يبيّن لكم ما يتلى عليكم في الكتاب.

و ربّما ذكروا للكلام تراكيب اُخر لا تخلو عن تعسّف لا يرتكب في كلامه تعالى مثله كقول بعضهم: إنّ قوله:( وَ ما يُتْلى‏ عَلَيْكُمْ ) معطوف على موضع اسم الجلالة في قوله:( قُلِ الله ) ، أو على ضمير المستكنّ في قوله:( يُفْتِيكُمْ ) ، و قول بعضهم: إنّه معطوف على( النِّساءِ ) في قوله:( فِي النِّساءِ ) ، و قول بعضهم: إنّ الواو في قوله:( وَ ما يُتْلى‏ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ ) للاستيناف، و الجملة مستأنفة،( و ما يُتْلى‏ عَلَيْكُمْ ) مبتدأ خبره قوله:( فِي الْكِتابِ ) و الكلام مسوق للتعظيم، و قول بعضهم إنّ الواو في قوله:( وَ ما يُتْلى‏ عَلَيْكُمْ ) للقسم و يكون قوله:( فِي يَتامَى النِّساءِ ) بدلاً من قوله:( فِيهِنَّ ) و المعنى: قل الله يفتيكم - اُقسم بما يتلى عليكم في الكتاب - في يتامى النساء إلخ و لا يخفى ما في جميع هذه الوجوه من التعسّف الظاهر.

و أمّا قوله:( اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَ تَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ) فوصف

١٠٣

ليتامى النساء، و فيه إشارة إلى نوع حرمانهنّ، الّذي هو السبب لتشريع ما شرّع الله تعالى لهنّ من الأحكام فألغى السنّة الجائرة الجارية عليهنّ، و رفع الحرج بذلك عنهنّ، و ذلك أنّهم كانوا يأخذون إليهم يتامى النساء و أموالهنّ فإن كانت ذات جمال و حسن تزوّجوا بها فاستمتعوا من جمالها و مالها، و إن كانت شوهاء دميمة لم يتزوّجوا بها و عضلوها عن التزوّج بالغير طمعاً في مالها.

و من هنا يظهر (أوّلاً): أنّ المراد بقوله:( ما كُتِبَ لَهُنَّ ) هو الكتابة التكوينيّة و هو التقدير الإلهيّ فإنّ الصنع و الإيجاد هو الّذي يخدّ للإنسان سبيل الحياة فيعيّن له أن يتزوّج إذا بلغ مبلغه، و أن يتصرّف حرّاً في ماله من المال و القنية، فمنعه من الازدواج و التصرّف في مال نفسه منع له ممّا كتب الله له في خلقه هذه الخلقة.

و (ثانياً): أنّ الجار المحذوف في قوله:( أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ) هو لفظة( عن ) و المراد الراغبة عن نكاحهنّ، و الإعراض عنهنّ لا الرغبة في نكاحهنّ فإنّ التعرّض لذكر الرغبة عنهنّ هو الأنسب للإشارة إلى حرمانهنّ على ما يدلّ عليه قوله قبله:( لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ ) ، و قوله بعده:( وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ ) .

و أمّا قوله:( وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ ) فمعطوف على قوله:( يَتامَى النِّساءِ ) و قد كانوا يستضعفون الولدان من اليتامى، و يحرمونهم من الإرث معتذرين بأنّهم لا يركبون الخيل، و لا يدفعون عن الحريم.

قوله تعالى: ( وَ أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى‏ بِالْقِسْطِ ) معطوف على محلّ قوله:( فِيهِنَّ ) و المعنى: قل الله يفتيكم أن تقوموا لليتامى بالقسط، و هذا بمنزلة الإضراب عن الحكم الخاصّ إلى ما هو أعمّ منه أعني الانتقال من حكم بعض يتامى النساء و الولدان إلى حكم مطلق اليتيم في ماله و غير ماله.

قوله تعالى: ( وَ ما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله كانَ بِهِ عَلِيماً ) تذكرة لهم بأنّ ما عزم الله عليهم في النساء و في اليتامى من الأحكام فيه خيرهم، و أنّ الله عليم به لتكون ترغيباً لهم في العمل به لأنّ خيرهم فيه، و تحذيراً عن مخالفته لأنّ الله عليم بما يعملون.

قوله تعالى: ( وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً ) ، حكم خارج

١٠٤

عمّا استفتوا فيه لكنّه متّصل به بالمناسبة نظير الحكم المذكور في الآية التالية( وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا ) .

و إنّما اعتبر خوف النشوز و الإعراض دون نفس تحقّقهما لأنّ الصلح يتحقّق موضوعه من حين تحقّق العلائم و الآثار المعقّبة للخوف، و السياق يدلّ على أنّ المراد بالصلح هو الصلح بغضّ المرأة عن بعض حقوقها في الزوجيّة أو جميعها لجلب الاُنس و الاُلفة و الموافقة، و التحفّظ عن وقوع المفارقة، و الصلح خير.

و قوله:( وَ أُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ) الشحّ هو البخل، معناه: أنّ الشحّ من الغرائز النفسانيّة الّتي جبلها الله عليها لتحفظ به منافعها، و تصونها عن الضيعة، فما لكلّ نفس من الشحّ هو حاضر عندها، فالمرأة تبخل بما لها من الحقوق في الزوجيّة كالكسوة و النفقة و الفراش و الوقاع، و الرجل يبخل بالموافقة و الميل إذا أحبّ المفارقة، و كره المعاشرة، و لا جناح عليهما حينئذ أن يصلحا ما بينهما بإغماض أحدهما أو كليهما عن بعض حقوقه.

ثمّ قال تعالى:( وَ إِنْ تُحْسِنُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ الله كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً ) و هو موعظة للرجال أن لا يتعدّوا طريق الإحسان و التقوى و ليتذكّروا أنّ الله خبير بما يعملونه، و لا يحيفوا في المعاشرة، و لا يكرهوهنّ على إلغاء حقوقهنّ الحقّة و إن كان لهنّ ذلك.

قوله تعالى: ( وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ ) بيان الحكم العدل بين النساء الّذي شرّع لهنّ على الرجال في قوله تعالى في أوّل السورة:( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً ) (النساء: ٣) و كذا يومئ إليه قوله في الآية السابقة:( وَ إِنْ تُحْسِنُوا وَ تَتَّقُوا ) إلخ فإنّه لا يخلو من شوب تهديد، و هو يوجب الحيرة في تشخيص حقيقة العدل بينهنّ، و العدل هو الوسط بين الإفراط و التفريط، و من الصعب المستصعب تشخيصه، و خاصّة من حيث تعلّق القلوب تعلّق الحبّ بهنّ فإنّ الحبّ القلبيّ ممّا لا يتطرّق إليه الاختيار دائماً.

فبيّن تعالى أنّ العدل بين النساء بحقيقة معناه، و هو اتّخاذ حاقّ الوسط حقيقة

١٠٥

ممّا لا يستطاع للإنسان و لو حرص عليه، و إنّما الّذي يجب على الرجل أن لا يميل كلّ الميل إلى أحد الطرفين و خاصّة طرف التفريط فيذر المرأة كالمعلّقة لا هي ذات زوج فتستفيد من زوجها، و لا هي أرملة فتتزوّج أو تذهب لشأنها.

فالواجب على الرجل من العدل بين النساء أن يسوّي بينهنّ عملاً بإيتائهنّ حقوقهنّ من غير تطرّف، و المندوب عليه أن يحسن إليهنّ و لا يظهر الكراهة لمعاشرتهنّ و لا يسي‏ء إليهنّ خلقاً، و كذا كانت سيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و هذا الّذيل أعني قوله:( فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ ) هو الدليل على أن ليس المراد بقوله:( وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ ) نفى مطلق العدل حتّى ينتج بانضمامه إلى قوله تعالى:( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً ) (الآية) إلغاء تعدّد الأزواج في الإسلام كما قيل.

و ذلك أنّ الذيل يدلّ على أنّ المنفيّ هو العدل الحقيقيّ الواقعيّ من غير تطرّف أصلاً بلزوم حاقّ الوسط حقيقة، و أنّ المشرّع هو العدل التقريبيّ عملاً من غير تحرّج.

على أنّ السنّة النبويّة و رواج الأمر بمرأى و مسمع من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و السيرة المتّصلة بين المسلمين يدفع هذا التوهّم.

على أنّ صرف قوله تعالى في أوّل آية تعدّد الأزواج:( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى‏ وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ ) (النساء: ٣) إلى مجرّد الفرض العقليّ الخالي عن المصداق ليس إلّا تعمية يجلّ عنها كلامه سبحانه.

ثمّ قوله:( وَ إِنْ تُصْلِحُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ الله كانَ غَفُوراً رَحِيماً ) تأكيد و ترغيب للرجال في الإصلاح عند بروز أمارات الكراهة و الخلاف ببيان أنّه من التقوى، و التقوى يستتبع المغفرة و الرحمة، و هذا بعد قوله:( وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ ) ، و قوله:( وَ إِنْ تُحْسِنُوا وَ تَتَّقُوا ) ، تأكيد على تأكيد.

قوله تعالى: ( وَ إِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ الله كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ ) ، أي و إن تفرّق الرجل و المرأة بطلاق يغن الله كلّاً منهما بسعته، و الإغناء بقرينة المقام إغناء في جميع ما يتعلّق بالازدواج من الايتلاف و الاستيناس و المسّ و كسوة الزوجة و نفقتها فإنّ الله لم يخلق

١٠٦

أحد هذين الزوجين للآخر حتّى لو تفرّقا لم يوجد للواحد منهما زوج مدى حياته بل هذه السنّة سنّة فطريّة فاشية بين أفراد هذا النوع يميل إليها كلّ فرد بحسب فطرته.

و قوله( وَ كانَ الله واسِعاً حَكِيماً وَ لله ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ ) تعليل للحكم المذكور في قوله:( يُغْنِ الله كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ ) .

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ إِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا الله ) ، تأكيد في دعوتهم إلى مراعاة صفة التقوى في جميع مراحل المعاشرة الزوجيّة، و في كلّ حال، و أنّ في تركه كفراً بنعمة الله بناء على أنّ التقوى الّذي يحصل بطاعة الله ليس إلّا شكراً لأنعمه، أو أنّ ترك تقوى الله تعالى لا منشأ له إلّا الكفر إمّا كفر ظاهر كما في الكفّار و المشركين، أو كفر مستكنّ مستبطن كما في الفسّاق من المؤمنين.

و بهذا الّذي بيناه يظهر معنى قوله:( وَ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لله ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ ) ، أي إن لم تحفظوا ما وصّينا به إيّاكم و الّذين من قبلكم و أضعتم هذه الوصيّة و لم تتّقوا و هو كفر بالله، أو عن كفر بالله فإنّ ذلك لا يضرّ الله سبحانه إذ لا حاجة له إليكم و إلى تقواكم، و له ما في السماوات و الأرض، و كان الله غنيّاً حميداً.

فإن قلت: ما وجه تكرار قوله:( لله ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ ) ؟ فقد اُورد ثلاث مرّات.

قلت: أمّا الأوّل فإنّه تعليل لقوله:( وَ كانَ الله واسِعاً حَكِيماً ) ، و أمّا الثاني فإنّه واقع موقع جواب الشرط في قوله:( وَ إِنْ تَكْفُرُوا ) ، و التقدير: و إن تكفروا فإنّه غنيّ عنكم، و تعليل للجواب و قد ظهر في قوله:( وَ كانَ الله غَنِيًّا حَمِيداً ) .

و أمّا الثالث فإنّه استيناف و تعليل بوجه لقوله:( إِنْ يَشَأْ ) .

قوله تعالى: ( وَ لله ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ كَفى‏ بِالله وَكِيلًا ) قد مرّ بيان معنى ملكه تعالى مكرّراً، و هو تعالى وكيل يقوم باُمور عباده و شؤونهم و كفى به

١٠٧

وكيلاً لا يحتاج فيه إلى اعتضاد و إسعاد، فلو لم يرتض أعمال قوم و أسخطه جريان الأمر بأيديهم أمكنه أن يذهب بهم و يأتي بآخرين، أو يؤخّرهم و يقدّم آخرين، و بهذا المعنى الّذي يؤيّده بل يدلّ عليه السياق يرتبط بما في هذه الآية قوله في الآية التالية:( إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ ) .

قوله تعالى: ( إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَ يَأْتِ بِآخَرِينَ ) ، السياق و هو الدعوة إلى ملازمة التقوى الّذي أوصى الله به هذه الاُمّة و من قبلهم من أهل الكتاب يدلّ على أنّ إظهار الاستغناء و عدم الحاجة المدلول عليه بقوله:( إِنْ يَشَأْ ) ، إنّما هو في أمر التقوى.

و المعنى أنّ الله وصّاكم جميعاً بملازمة التقوى فاتّقوه، و إن كفرتم فإنّه غنيّ عنكم و هو المالك لكلّ شي‏ء المتصرّف فيه كيفما شاء و لما شاء إن يشأ أن يعبد و يتّقى و لم تقوموا بذلك حقّ القيام فهو قادر أن يؤخّركم و يقدّم آخرين يقومون لما يحبّه و يرتضيه، و كان الله على ذلك قديراً.

و على هذا فالآية ناظرة إلى تبديل الناس إن كانوا غير متّقين بآخرين من الناس يتّقون الله، و قد روي(١) أن الآية لمّا نزلت ضرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده على ظهر سلمان و قال: إنّهم قوم هذا. و هو يؤيّد هذا المعنى، و عليك بالتدبّر فيه.

و أمّا ما احتمله بعض المفسّرين. أنّ المعنى: إن يشأ يفنكم و يوجد قوماً آخرين مكانكم أو خلقاً آخرين مكان الإنس، فمعنى بعيد عن السياق. نعم، لا بأس به في مثل قوله تعالى:( أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الله خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَ ما ذلِكَ عَلَى الله بِعَزِيزٍ ) (إبراهيم: ٢٠).

قوله تعالى: ( مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ الله ثَوابُ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ كانَ الله سَمِيعاً بَصِيراً ) بيان آخر يوضح خطأ من يترك تقوى الله و يضيع وصيّته بأنّه إن فعل ذلك ابتغاء ثواب الدنيا و مغنمها فقد اشتبه عليه الأمر فإنّ ثواب الدنيا و الآخرة معاً عندالله و بيده، فما له يقصر نظره بأخسّ الأمرين و لا يطلب أشرفهما أو إيّاهما جميعاً؟ كذا قيل.

____________________

(١) أوردها البيضاويّ في تفسيره.

١٠٨

و الأظهر أن يكون المراد - و الله أعلم - أنّ ثواب الدنيا و الآخرة و سعادتهما معاً إنّما هو عندالله سبحانه فليتقرّب إليه حتّى من أراد ثواب الدنيا و سعادتها فإنّ السعادة لا توجد للإنسان في غير تقوى الله الحاصل بدينه الّذي شرّعه له فليس الدين إلّا طريق السعادة الحقيقيّة، فكيف ينال نائل ثواباً من غير إيتائه تعالى و إفاضته من عنده و كان الله سميعاً بصيراً.

( بحث روائي)

في الدرّ المنثور، أخرج ابن جرير و ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: كان لا يرث إلّا الرجل الّذي قد بلغ أن يقوم في المال و يعمل فيه، لا يرث الصغير و لا المرأة شيئاً فلمّا نزلت المواريث في سورة النساء شقّ ذلك على الناس و قالوا: أ يرث الصغير الّذي لا يقوم في المال، و المرأة الّتي هي كذلك فيرثان كما يرث الرجل؟ فرجوا أن يأتي في ذلك حدث من السماء فانتظروا فلمّا رأوا أنّه لا يأتي حدث قالوا: لئن تمّ هذا إنّه لواجب ما عنه بدّ، ثمّ قالوا: سلوا فسألوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأنّزل الله( وَ يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَ ما يُتْلى‏ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ - في أوّل السورة -فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَ تَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ) (الحديث).

و فيه: أخرج عبد بن حميد و ابن جرير عن إبراهيم في الآية قال: كانوا إذا كانت الجارية يتيمة دميمة لم يعطوها ميراثها، و حبسوها من التزويج حتّى تموت فيرثوها فأنزل الله هذا.

أقول: و هذه المعاني مرويّة بطرق كثيرة من طرق الشيعة و أهل السنّة، و قد مرّ بعضها في أوائل السورة.

و في المجمع، في قوله تعالى:( لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ ) (الآية). ما كتب لهنّ من الميراث: قال: و هو المرويّ عن أبي جعفرعليه‌السلام .

و في تفسير القمّيّ، في قوله تعالى:( وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً ) الآية:

١٠٩

نزلت في بنت محمّد بن مسلمة كانت امرأة رافع بن خديج، و كانت امرأة قد دخلت في السنّ، و تزوّج عليها امرأة شابّة و كانت أعجب إليه من بنت محمّد بن مسلمة فقالت له بنت محمّد بن مسلمة: أ لا أراك معرضاً عني مؤثّراً عليّ؟ فقال رافع: هي امرأة شابّة، و هي أعجب إليّ فإن شئت أقررت على أنّ لها يومين أو ثلاثاً منّي و لك يوم واحد فأبت بنت محمّد بن مسلمة أن ترضى فطلّقها تطليقة ثمّ طلّقها اُخرى فقالت: لا و الله لا أرضى أو تسوّي بيني و بينها يقول الله:( وَ أُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ) و ابنة محمّد لم تطلب نفسها بنصيبها، و شحّت عليه، فأعرض عليها رافع إمّا أن ترضى، و إمّا أن يطلّقها الثالثة فشحّت على زوجها و رضيت فصالحته على ما ذكرت فقال الله:( فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ ) فلمّا رضيت و استقرّت لم يستطع أن يعدل بينهما فنزلت:( وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ ) أن يأتي واحدة، و يذر الاُخرى لا أيّم و لا ذات بعل و هذه السنّة فيما كان كذلك إذا أقرّت المرأة و رضيت على ما صالحها عليه زوجها، فلا جناح على الزوج و لا على المرأة، و إن أبت هي طلّقها أو تساوى بينهما لا يسعه إلّا ذلك.

أقول: و رواها في الدرّ المنثور، عن مالك و عبدالرزّاق و عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر و الحاكم - و صحّحه - باختصار.

و في الدرّ المنثور: أخرج الطيالسيّ و ابن أبي شيبة و ابن راهويه و عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر و البيهقيّ عن عليّ بن أبي طالب أنّه سئل عن هذه الآية فقال: هو الرجل عنده امرأتان فتكون إحداهما قد عجزت أو تكون دميمة فيريد فراقها فتصالحه على أن يكون عندها ليلة و عند الاُخرى ليالي و لا يفارقها، فما طابت به نفسها فلا بأس به فإن رجعت سوّى بينهما.

و في الكافي، بإسناده عن الحلبيّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن قول الله عزّوجلّ:( وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً ) فقال: هي المرأة تكون عند الرجل فيكرهها فيقول لها: إنّي اُريد أن أطلّقك. فتقول له: لا تفعل إنّي أكره أن تشمت بي و لكن انظر في ليلتي فاصنع بها ما شئت، و ما كان سوى ذلك من شي‏ء فهو

١١٠

لك، و دعني على حالتي فهو قوله تبارك و تعالى:( فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً ) و هذا هو الصلح.

أقول: و في هذا المعنى روايات اُخر رواها في الكافي، و في تفسير العيّاشيّ.

و في تفسير القمّيّ، في قوله تعالى:( وَ أُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ) قال: قال: اُحضرت الشحّ فمنها ما اختارته، و منها ما لم تختره.

و في تفسير العيّاشيّ، عن هشام بن سالم عن أبي عبداللهعليه‌السلام : في قول الله:( وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ ) قال: في المودّة.

و في الكافي، بإسناده عن نوح بن شعيب و محمّد بن الحسن قال: سأل ابن أبي العوجاء هشام بن الحكم، قال له. أ ليس الله حكيماً؟ قال: بلى هو أحكم الحاكمين. قال: فأخبرني عن قوله:( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى‏ وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً ) أ ليس هذا فرض؟ قال: بلى، قال: فأخبرني عن قوله:( وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ ) أيّ حكيم يتكلّم بهذا؟ فلم يكن عنده جواب.

فرحل إلى المدينة إلى أبي عبداللهعليه‌السلام ، فقال: في غير وقت حجّ و لا عمرة، قال: نعم جعلت فداك لأمر أهمّني إنّ ابن أبي العوجاء سألني عن مسألة لم يكن عندي فيها شي‏ء، قال: و ما هي؟ قال: فأخبره بالقصّة.

فقال له أبوعبداللهعليه‌السلام أمّا قوله عزّوجلّ:( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى‏ وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً ) يعني في النفقة، و أمّا قوله:( وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ ) يعني في المودّة.

قال. فلمّا قدم عليه هشام بهذا الجواب و أخبره قال: و الله ما هذا من عندك‏.

أقول: و روي أيضاً نظير الحديث عن القمّيّ، أنّه سأل بعض الزنادقة أبا جعفر الأحول عن المسألة بعينها فسافر إلى المدينة فسأل أباعبداللهعليه‌السلام عنها، فأجابه بمثل الجواب فرجع أبو جعفر إلى الرجل فأخبره فقال: هذا حملته من الحجاز.

١١١

و في المجمع، في قوله تعالى:( فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ ) أي تذرون الّتي لا تميلون إليها كالتي هي لا ذات زوج و لا أيّم: قال: و هو المرويّ عن أبي جعفر و أبي عبداللهعليهما‌السلام .

و فيه، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه كان يقسم بين نسائه و يقول: اللّهمّ هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك و لا أملك.

أقول: و رواه الجمهور بعدّة طرق و المراد بقوله:( ما تملك و لا أملك) المحبّة القلبيّة لكن الرواية لا تخلو عن شي‏ء فإنّ الله أجلّ من أن يلوم أحداً في ما لا يملكه أصلاً و قد قال تعالى:( لا يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلَّا ما آتاها ) (الطلاق: ٧) و النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعرف بمقام ربّه من أن يسأله أن يوجد ما هو موجود.

و في الكافي، مسنداً عن ابن أبي ليلى قال: حدّثني عاصم بن حميد قال: كنت عند أبي عبداللهعليه‌السلام فأتاه رجل فشكا إليه الحاجة فأمره بالتزويج قال: فاشتدّت به الحاجة فأتى أباعبداللهعليه‌السلام فسأله عن حاله فقال: اشتدّت بي الحاجة قال: فارق. ففارق قال: ثمّ أتاه فسأله عن حاله فقال: أثريت و حسن حالي فقال أبوعبداللهعليه‌السلام : إنّي أمرتك بأمرين أمر الله بهما قال الله عزّوجلّ:( وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى‏ مِنْكُمْ وَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ‏ - إلى قوله -وَ الله واسِعٌ عَلِيمٌ ) و قال:( وَ إِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ الله كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ ) .

١١٢

( سورة النساء آية ١٣٥)

يَاأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للّهِ‏ِ وَلَوْ عَلَى‏ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيرَاً فَاللّهُ أَوْلَى‏ بِهِمَا فَلاَ تَتّبِعُوا الْهَوَى‏ أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُو أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً( ١٣٥)

( بيان)

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لله ) القسط هو العدل، و القيام بالقسط العمل به و التحفّظ له، فالمراد بالقوّامين بالقسط القائمون به أتمّ قيام و أكمله، من غير انعطاف و عدول عنه إلى خلافه لعامل من هوى و عاطفة أو خوف أو طمع أو غير ذلك.

و هذه الصفة أقرب العوامل و أتمّ الأسباب لاتّباع الحقّ و حفظه عن الضيعة، و من فروعها ملازمة الصدق في أداء الشهادة و القيام بها.

و من هنا يظهر أنّ الابتداء بهذه الصفة في هذه الآية المسوقة لبيان حكم الشهادة ثمّ ذكر صفة الشهادة من قبيل التدرّج من الوصف العامّ إلى بعض ما هو متفرّع عليه كأنّه قيل: كونوا شهداء لله، و لا يتيسّر لكم ذلك إلّا بعد أن تكونوا قوّامين بالقسط فكونوا قوّامين بالقسط حتّى تكونوا شهداء لله.

و قوله:( شُهَداءَ لله ) اللّام فيه للغاية أي كونوا شهداء تكون شهادتكم لله كما قال تعالى:( وَ أَقِيمُوا الشَّهادَةَ لله ) (الطلاق: ٢) و معنى كون الشهادة لله كونها اتّباعاً للحقّ و لأجل إظهاره و إحيائه كما يوضحه قوله:( فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى‏ أَنْ تَعْدِلُوا ) .

قوله تعالى: ( وَ لَوْ عَلى‏ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ ) أي و لو كانت على خلاف نفع أنفسكم أو والديكم أو أقربائكم فلا يحملنّكم حبّ منافع أنفسكم أو حبّ الوالدين و الأقربين أن تحرّفوها أو تتركوها، فالمراد بكون الشهادة على النفس أو على

١١٣

الوالدين و الأقربين أن يكون ما تحمّله من الشهادة لو أدّى مضرّاً بحاله أو بحال والديه و أقربيه سواءً كان المتضرّر هو المشهود عليه بلا واسطة كما إذا تخاصم أبوه و إنسان آخر فشهد له على أبيه، أو يكون التضرّر مع الواسطة كما إذا تخاصم اثنان و كان الشاهد متحمّلاً لأحدهما ما لو أدّاه لتضرّر به نفس الشاهد أيضاً - كالمتخاصم الآخر -.

قوله تعالى: ( إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَالله أَوْلى‏ بِهِما ) إرجاع ضمير التثنية إلى الغنيّ و الفقير مع وجود( أو ) الترديديّة لكون المراد بالغنيّ و الفقير هو المفروض المجهول الّذي يتكرّر بحسب وقوع الوقائع و تكرّرها فيكون غنيّاً في واقعة، و فقيراً في اُخرى، فالترديد بحسب فرض البيان و ما في الخارج تعدّد، كذا ذكره بعضهم، فالمعنى أنّ الله اُولى بالغنيّ في غناه، و بالفقير في فقره: و المراد - و الله أعلم -: لا يحملنّكم غنى الغنيّ أن تميلوا عن الحقّ إليه، و لا فقر الفقير أن تراعوا حاله بالعدول عن الحقّ بل أقيموا الشهادة لله سبحانه ثمّ خلّوا بينه و بين الغنيّ و الفقير فهو اُولى بهما و أرحم بحالهما، و من رحمته أن جعل الحقّ هو المتّبع واجب الاتّباع، و القسط هو المندوب إلى إقامته، و في قيام القسط و ظهور الحقّ سعادة النوع الّتي يقوم بها صلب الغنيّ، و يصلح بها حال الفقير.

و الواحد منهما و إن انتفع بشهادة محرّفة أو متروكة في شخص واقعة أو وقائع لكنّ ذلك لا يلبث دون أن يضعّف الحقّ و يميت العدل، و في ذلك قوّة الباطل و حياة الجور و الظلم، و في ذلك الداء العضال و هلاك الإنسانيّة.

قوله تعالى: ( فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى‏ أَنْ تَعْدِلُوا ) ، أي مخافة أن تعدلوا عن الحقّ و القسط باتّباع الهوى و ترك الشهادة لله فقوله:( أَنْ تَعْدِلُوا ) مفعول لأجله و يمكن أن يكون مجروراً بتقدير اللّام متعلّقاً بالاتّباع أي لأن تعدلوا.

قوله تعالى: ( وَ إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ الله كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً ) اللّيّ بالشهادة كناية عن تحريفها من ليّ اللسان. و الإعراض ترك الشهادة من رأس.

و قرئ( وَ إِنْ تَلْوُوا ) بضمّ اللّام و إسكان الواو من ولي يلي ولاية، و المعنى:

١١٤

و إن وليتم أمر الشهادة و أتيتم بها أو أعرضتم فإنّ الله خبير بأعمالكم يجازيكم بها.

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ، قال أبوعبداللهعليه‌السلام : إنّ للمؤمن على المؤمن سبع حقوق، فأوجبها أن يقول الرجل حقّاً و لو كان على نفسه أو على والديه فلا يميل لهم عن الحقّ، ثمّ قال:( فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى‏ أَنْ تَعْدِلُوا وَ إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا ) يعني عن الحقّ.

أقول: و فيه تعميم معنى الشهادة لقول الحقّ مطلقاً بمعرفة عموم قوله:( كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ) .

و في المجمع: قيل: معناه إن تلووا أي تبدّلوا الشهادة أو تعرضوا أي تكتموها. قال: و هو المرويّ عن أبي جعفرعليه‌السلام .‏

١١٥

( سورة النساء الآيات ١٣٦ - ١٤٧)

يَاأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الّذِي نَزّلَ عَلَى‏ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الّذِي أَنْزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً بَعِيداً( ١٣٦) إِنّ الّذِينَ آمَنُوا ثُمّ كَفَرُوا ثُمّ آمَنُوا ثُمّ كَفَرُوا ثُمّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً( ١٣٧) بَشّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً( ١٣٨) الّذِينَ يَتّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزّةَ فَإِنّ الْعِزّةَ للّهِ‏ِ جَمِيعاً( ١٣٩) وَقَدْ نَزّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتّى‏ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنّمَ جَمِيعاً( ١٤٠) الّذِينَ يَتَرَبّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً( ١٤١) إِنّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصّلاَةِ قَامُوا كُسَالى‏ يُرَاءُونَ النّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلّا قَلِيلاً( ١٤٢) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لاَ إِلَى‏ هؤُلاَءِ وَلاَ إِلَى‏ هؤُلاَءِ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً( ١٤٣) يَاأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا للّهِ‏ِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً( ١٤٤) إِنّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً( ١٤٥) إِلّا الّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ للّهِ‏ِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً( ١٤٦) مَا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً( ١٤٧)

١١٦

( بيان)

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِالله وَ رَسُولِهِ وَ الْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى‏ رَسُولِهِ ) ، أمر المؤمنين بالإيمان ثانياً بقرينة التفصيل في متعلّق الإيمان الثاني أعني قوله:( بِالله وَ رَسُولِهِ وَ الْكِتابِ ) إلخ و أيضاً بقرينة الإيعاد و التهديد على ترك الإيمان بكلّ واحد من هذا التفاصيل إنّما هو أمر ببسط المؤمنين إجمال إيمانهم على تفاصيل هذه الحقائق فإنّها معارف مرتبطة بعضها ببعض، مستلزمة بعضها ببعض، فالله سبحانه لا إله إلّا هو له الأسماء الحسنى و الصفات العليا، و هي الموجبة لأن يخلق خلقاً و يهديهم إلى ما يرشدهم و يسعدهم ثمّ يبعثهم ليوم الجزاء، و لا يتمّ ذلك إلّا بإرسال رسل مبشّرين و منذرين، و إنزال كتب تحكم بينهم فيما اختلفوا فيه، و تبيّن لهم معارف المبدأ و المعاد، و اُصول الشرائع و الأحكام.

فالإيمان بواحد من حقائق هذه المعارف لا يتمّ إلّا مع الإيمان بجميعها من غير استثناء، و الردّ لبعضها مع الأخذ ببعض آخر كفر لو اُظهر، و نفاق لو كتم و اُخفى، و من النفاق أن يتّخذ المؤمن مسيراً ينتهي به إلى ردّ بعض ذلك، كأن يفارق مجتمع المؤمنين و يتقرّب إلى مجتمع الكفّار و يواليهم، و يصدّقهم في بعض ما يرمون به الإيمان و أهله، أو يعترضوا أو يستهزؤن به الحقّ و خاصّته، و لذلك عقّب تعالى هذه الآية بالتعرّض لحال المنافقين و وعيدهم بالعذاب الأليم.

و ما ذكرناه من المعنى هو الّذي يقضي به ظاهر الآية و هو أوجه ممّا ذكره بعض المفسّرين أنّ المراد بقوله:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا ) ، يا أيّها الّذين آمنوا في الظاهر بالإقرار بالله و رسوله آمنوا في الباطن ليوافق ظاهركم باطنكم. و كذا ما ذكره بعضهم أنّ معنى( آمَنُوا ) اثبتوا على إيمانكم، و كذا ما ذكره آخرون أنّ الخطاب لمؤمني أهل الكتاب أي يا أيّها الّذين آمنوا من أهل الكتاب آمنوا بالله و رسوله و الكتاب الّذي نزّل على رسوله و هو القرآن.

١١٧

و هذه المعاني و إن كانت في نفسها صحيحة لكنّ القرائن الكلاميّة ناهضة على خلافها، و أردأ الوجوه آخرها.

قوله تعالى: ( وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالله وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً ) لمّا كان الشطر الأوّل من الآية أعني قوله:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا - إلى قوله -مِنْ قَبْلُ ) دعوة إلى الجمع بين جميع ما ذكر فيه بدعوى أنّ أجزاء هذا المجموع مرتبطة غير مفارق بعضها بعضاً كان هذا التفصيل ثانياً في معنى الترديد و المعنى: و من يكفر بالله أو ملائكته أو كتبه أو رسله أو اليوم الآخر أي من يكفر بشي‏ء من أجزاء الإيمان فقد ضلّ ضلالاً بعيداً.

و ليس المراد بالعطف بالواو الجمع في الحكم ليتمّ الجميع موضوعاً واحداً له حكم واحد بمعنى أنّ الكفر بالمجموع من حيث إنّه مجموع ضلال بعيد دون الكفر بالبعض دون البعض. على أنّ الآيات القرآنيّة ناطقة بكفر من كفر بكلّ واحد ممّا ذكر في الآية على وجه التفصيل.

قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ الله لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا ) الآية لو اُخذت وحدها منقطعة عمّا قبلها و ما بعدها كانت دالّة على ما يجازي به الله تعالى أهل الردّة إذا تكرّرت منهم الردّة بأن آمنوا ثمّ كفروا ثمّ آمنوا ثمّ كفروا ثمّ ازدادوا كفراً فالله سبحانه يوعّدهم - و حالهم هذا الحال - بأنّه لا يغفر لهم، و لا يهديهم سبيلاً، و ليس من المرجوّ منه المتوقّع من رحمته ذلك لعدم استقرارهم على إيمان، و جعلهم أمر الله ملعبة يلعبون بها، و من كان هذا حاله لم يثبت بالطبع على إيمان جدّيّ يقبل منه، و إن كانوا لو آمنوا إيماناً جدّيّاً شملتهم المغفرة و الهداية فإنّ التوبة بالإيمان بالله حقيقة ممّا لا يردّه الله في حال على ما وعد الله تعالى عباده، و قد تقدّم الكلام فيه في قوله تعالى:( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى الله ) الآية (النساء: ١٧) في الجزء الرابع من هذا الكتاب.

فالآية تحكم بحرمانهم على ما يجري عليه الطبع و العادة، و لا تأبى الاستثناء لو اتّفق إيمان و استقامة عليه من هذه الطائفة نادراً كما يستفاد من نظير الآية، قال تعالى:

١١٨

( كَيْفَ يَهْدِي الله قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَ شَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَ جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَ الله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ - إلى أن قال -إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَ أُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ ) (آل عمران: ٩٠).

و الآيات - كما ترى - تستثني ممّن كفر بعد إيمانه، و قوبل بنفي المغفرة و الهداية، و هي مع ذلك تنفي قبول توبة من ازداد كفراً بعد الإيمان، صدر الآيات فيمن كفر بعد الإيمان و الشهادة بحقّيّة الرسول و ظهور الآيات البيّنات، فهو ردّة عناداً و لجاجاً، و الازدياد فيه لا يكون إلّا مع استقرار العناد و العتوّ في قلوبهم، و تمكّن الطغيان و الاستكبار في نفوسهم، و لا يتحقّق الرجوع و التوبة ممّن هذا حاله عادة.

هذا ما يقتضيه سياق الآية لو اُخذت وحدها كما تقدّم، لكنّ الآيات جميعاً لا تخلو عن ظهور مّا أو دلالة على كونها ذات سياق واحد متّصلاً بعضها ببعض، و على هذا التقدير يكون قوله:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ) ، في مقام التعليل لقوله:( وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالله - إلى قوله -فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً ) و يكون الآيتان ذواتي مصداق واحد أي إنّ من يكفر بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر هو الّذي آمن ثمّ كفر ثمّ آمن ثمّ كفر ثمّ ازداد كفراً، و يكون أيضاً هو من المنافقين الّذين تعرّض تعالى لهم في قوله بعد:( بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً ) إلى آخر الآيات.

و على هذا يختلف المعنى المراد بقوله:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ) (إلى آخر الآيات) بحسب ما فسّر به قوله:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِالله وَ رَسُولِهِ ) على ما تقدّم من تفاسيره المختلفة:

فإن فسّر بأن آمنوا بالله و رسوله في الباطن كما آمنتم به في الظاهر كان معنى الإيمان ثمّ الكفر ثمّ الإيمان ثمّ الكفر ما يبتلى به المنافقون من اختلاف الحال دائماً إذا لقوا المؤمنين و إذا لقوا الكفّار.

و إن فسّر بأن اثبتوا على الإيمان الّذي تلبّستم به كان المراد من الإيمان ثمّ الكفر و هكذا هو الردّة بعد الردّة المعروفة.

١١٩

و إن فسّر بأنّ المراد دعوة أهل الكتاب إلى الإيمان بالله و رسوله كان المراد بالإيمان ثمّ الكفر و هكذا الإيمان بموسى ثمّ الكفر به بعبادة العجل ثمّ الإيمان بعزير أو بعيسى ثمّ الكفر به ثمّ الازدياد فيه بالكفر بمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و ما جاء به من عند ربّه، كما قيل.

و إن فسّر بأن ابسطوا إجمال إيمانكم على تفاصيل الحقائق كما استظهرناه كان قوله:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ) ، تعليلاً منطبقاً على حال المنافقين المذكورين فيما بعد، المفسّرين بقوله:( الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) فإنّ من اتّصل بالكفّار منفصلاً عن مجتمع المؤمنين لا يخلو عن الحضور في محاضرهم و الاستيناس بهم، و الشركة في محاوراتهم، و التصديق لبعض ما يتذاكرونه من الكلام الّذي لا يرتضيه الله سبحانه، و ينسبونه إلى الدين و أوليائه من المطاعن و المساوئ و يستهزؤن و يسخرون به.

فهو كلّما لقي المؤمنين و اشترك معهم في شي‏ء من شعائر الدين آمن به، و كلّما لقي الكفّار و أمضى بعض ما يتقوّلونه كفر، فلا يزال يؤمن زماناً و يكفر زماناً حتّى إذا استحكم فيه هذه السجيّة كان ذلك منه ازدياداً في الكفر و الله أعلم.

و إذ كان مبتلى باختلاف الحال و عدم استقراره فلا توبة له لأنّه غير ثابت على حال الندامة لو ندم على ما فعله، إلّا أن يتوب و يستقرّ على توبته استقراراً لا يزلزله اختلاف الأحوال، و لا تحرّكه عواصف الأهواء، و لذا قيّد الله سبحانه التوبة المقبولة من مثل هذا المنافق بقيود لا تبقي مجالاً للتغيّر و التحوّل فقال في الاستثناء الآتي:( إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ اعْتَصَمُوا بِالله وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لله ) (الآية).

قوله تعالى: ( بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ) إلخ تهديد للمنافقين، و قد وصفهم بموالاة الكافرين دون المؤمنين، و هذا وصف أعمّ مصداقاً من المنافقين الّذين لم يؤمن قلوبهم، و إنّما يتظاهرون بالإيمان فإنّ طائفة من المؤمنين لا يزالون مبتلين بموالاة الكفّار، و الانقطاع عن جماعة المؤمنين، و الاتّصال بهم باطناً و اتّخاذ الوليجة منهم حتّى في زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و هذا يؤيّد بعض التأييد أن يكون المراد بهؤلاء المنافقين طائفة من المؤمنين

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

أو عنه من اصل التركة.

(السادسة): من جعل دابته أو جاريته هديا لبيت الله بيع ذلك وصرف ثمنه في معونة الحاج والزائرين.

(السابعة): روى اسحاق بن عمار عن أبي ابراهيمعليه‌السلام في رجل كانت عليه حجة الاسلام فأراد أن يحج، فقيل له: تزوج ثم حج، قال: (إن تزوجت قبل أن أحج فغلامي حر، فبدأ بالنكاح، فقال: تحرر الغلام) وفيه اشكال إلا أن يكون نذرا.

(الثامنة): روى رفاعة عن أبي عبداللهعليه‌السلام في رجل نذر الحج ولم يكن له مال فحج عن غيره أيجزي عن نذره؟ قال: (نعم) وفيه اشكال إلا أن يقصد ذلك بالنذر.

(التاسعة): قيل من نذر ألا يبيع خادما أبدا لزمه الوفاء وإن احتاج إلى ثمنه، وهو استنادا إلى رواية مرسلة.

(العاشرة): العهد كاليمين يلزم حيث تلزم.

ولو تعلق بما الاعود(١) مخالفته دينا أو دنيا خالف إن شاء، ولا إثم ولا كفارة.

كتاب الصيد والذبائح

يؤكل من الصيد ما قتله السيف والرمح والسهم والمعراض اذا خرق، ولو اصاب السهم معترضا حل إن كان فيه حديدة، ولو خلا منها لم يؤكل الا أن يكون حادا فيخترق وكذا ما يقتله الكلب المعلم دون غيره من الجوارح.

ولا يؤكل ما قتله الفهد وغيره من جوارح البهائم.

ولا ما قتله العقاب وغيره من جوارح

____________________ ___

(١) الاكثر فائدة ونفعا.

(*)

٢٤١

الطير إلا أن يذكى.

وإدراك ذكاته بأن يجده ورجله تركض أو عينه تطرف.

وضابطه حركة الحيوان.

ويشترط في الكلب أن يكون معلما يسترسل إذا أغري وينزجر إذا زجر وألا يعتاد أكل صيده، ولا عبرة بالندرة.

ويعتبر في المرسل أن يكون مسلما أو بحكمه قاصدا بارساله الصيد مسميا عند الارسال.

فلو ترك التسمية عامدا لم يؤكل صيده، ويؤكل لو نسي اذا اعتقد الوجوب.

ولو ارسل وسمى غيره لم يؤكل صيده الا أن يذكيه، ويعتبر ألا (يغيب) عنه، فلو غاب وحياته مستقرة ثم وجده مقتولا أو ميتا لم يؤكل.

وكذا السهم ما لم يعلم أنه القاتل ويجوز الاصطياد بالشرك والحبالة وغيرهما من الآلة و بالجوارح لكن لا يحل منه إلا ما ذكي.

والصيد ما كان ممتنعا، ولو قتل بالسهم فرخاأوقتل الكلب طفلا(١) غير ممتنع لم يحل ولو رمى طائرا فقتله وفرخا لم يطر حل الطائر دون فرخه.

مسائل: من أحكام الصيد: (الاولى): اذا تقاطعته الكلاب قبل إدراكه حل.

(الثانية): لو رماه بسهم فتردى من جبل أو وقع في ماء فمات لم يحل وينبغي هنا اشتراط استقرار الحياة(٢) .

____________________ ___

(١) الطفل: المولود، وولد كل وحشية أيضا طفل.

اه‍ مختار الصحاح.

(٢) هذا استدراك على الحكم السابق، لانه يفيد عدم حله سواء أكان قبل موته مستقر الحياة ام لا.

مع ان عدم الحل انما هو حكم خاص بمستقر الحياة قبل التردي وبعد الاصابة والسهم.

ويدل على ذلك عبارته فيس شرائع الاسلام وهذا نصها: (ولو رمى صيدا فتردى من جبل او وقع في ماء فمات، لم يحل لاحتمال ان يكون موته من السقطة نعم لو صير حياته غير مستقرة، حل لانه يجري مجرى المذبوح).

(*)

٢٤٢

(الثالثة): لو قطعه السيف اثنين فلم يتحركا حلا، ولو تحرك أحدهما فهو الحلال ان كانت حياته مستقرة لكن بعد التذكية.

ولو لم تكن مستقرة حلا.

وفي رواية يؤكل الاكبر دون الاصغر وهي شاذة.

ولو اخذت الحبالة منه قطعة فهي ميتة.

(الرابعة): اذا أدرك الصيد وفيه حياة مستقرة ولا آلة ليذكيه لم يحل حتى يذكى.

وفي رواية جميل: يدع الكلب حتى يقتله.

(الخامسة): لو ارسل كلبه فأرسل كافر كلبه فقتلا صيدا، أو مسلم لم يسم او لم يقصد الصيد، لم يحل.

(السادسة): لو رمى صيدا فأصاب غيره حل.

ولو رمى لا للصيد فقتل صيدا لم يحل.

(السابعة): اذا كان الطير مالكا جناحه فهو لصائده الا أن يعرف مالكه فيرده اليه.

ولو كان مقصوصا لم يؤخذ لان له مالكا.

ويكره أن يرمي الصيد بما هو اكبر منه ولو اتفق قيل يحرم والاشبه الكراهية.

وكذا يكره أخذ الفراخ من اعشاشها.

والصيد بكلب علمه مجوسي.

وصيد السمك يوم الجمعة قبل الصلاة.

وصيد الوحش والطير بالليل.

والذبائح: تستدعي بيان فصول: (الاول): الذابح: ويشترط فيه الاسلام أو حكمه ولو كان انثى.

وفي الكتابي روايتان، أشهرهما: المنع.

وفي رواية ثالثة: اذا سمعت تسميته فكل والافضل أن يليه المؤمن.

نعم لا تحل ذبيحة المعادي لاهل البيتعليهم‌السلام .

(الثاني): الآلة ولا تصح الا بالحديد مع القدرة، ويجوز بغيره مما يغري الاوداج عند الضرورة، ولو مروة او ليطة أو زجاجة.

وفي الظفر والسن مع الضرورة تردد.

(الثالث): الكيفية: وهي قطع الاعضاء الاربعة: المرئ، والودجان،

٢٤٣

والحلقوم، وفي الرواية: إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس.

ويكفي في النحر الطعن في الثغرة: ويشترط استقبال القبلة بالذبيحة مع الامكان، والتسمية، فلو أخل بأحدهما عمدا لم يحل، ولو كان نسيانا حل، ويشترط نحر الابل وذبح ما عداها.

فلو نحر المذبوح أو ذبح المنحور لم يحل.

ولا يحل حتى يتحرك بعد التذكية حركة الحي، وأدناه أن يتحرك الذنب أو تطرف العين ويخرج الدم المعتدل، وقيل: يكفي الحركة، وقيل: يكفى أحدهما، وهو أشبه.

وفي ابانة الرأس بالذبح قولان، المروي: أنها تحرم ولو سبقت السكين فأبانته لم تحرم الذبيحة.

ويستحب في الغنم ربط يدي المذبوح واحدى رجليه وامساك صوفه أو شعره حتى يبرد.

وفي البقر عقد يديه ورجليه واطلاق ذنبه.

وفي الابل ربط أخفافه إلى ابطيه.

وفي الطير ارساله.

ويكره الذباحة ليلا، ونخع الذبيحة(١) وقلب السكين في الذبح، وأن يذبح حيوانا وآخر ينظر اليه، وأن يذبح بيده ما رباه من النعم.

ويحرم سلخ الذبيحة قبل بردها.

وقيل يكره، وهو أشبه.

ويلحق به أحكام: (الاول): ما يباع في أسواق المسلمين يجوز ابتياعه من غير تفحص.

(الثاني): ما يتعذر ذبحه أو نحره من الحيوان كالمستعصي والمتردي في بئر يجوز عقره بالسيف وغيره مما يخرج اذا خشي تلفه.

(الثالث): ذكاة السمك: اخراجه من الماء حيا.

ولا يعتبر في المخرج الاسلام ولا التسمية، ولو وثب او نضب عنه الماء فأخذ حيا حل.

وقيل:

____________________ ___

(١) نخعت الشاة نخعا من باب نخع: جاوزت بالسكين منتهى الذبح إلى النخاع اه‍. مصباح.

(*)

٢٤٤

يكفي ادراكه يضطرب، ولو صيد وأعيد في الماء فمات لم يحل وان كان في الآلة.

وكذا الجراد ذكاته أخذه حيا.

ولا يشترط اسلام الآخذ ولا التسمية ولا يحل ما يموت قبل اخذه.

وكذا لو أحرقه قبل اخذه.

ولا يحل منه ما لم يستقل بالطيران.

(الرابع): ذكاة الجنين ذكاة أمه إذا تمت خلقته.

وقيل: يشترط مع إشعاره ألا تلجه الروح وفيه بعد.

ولو خرج حيا لم يحل إلا بالتذكية.

كتاب الاطعمة والاشربة

والنظر فيه يستدعي أقساما: (الاول): في حيوان البحر: ولا يؤكل منه إلا سمك له فلس ولو زال عنه كالكنعت.

ويؤكل الربيثا والاربيان والطمر والطبراني والايلامي.

ولا يؤكل السلحفاة، ولا الضفادع ولا السرطان.

وفي الجري روايتان، أشهرها التحريم.

وفي الزمار والمارماهي والرهو، روايتان.

والوجه: الكراهية.

ولو وجد في جوف سمكة سمكة أخرى حلت ان كانت مما يؤكل.

ولو قذفت الحية تضطرب، فهي حلال ان لم تنسلخ فلوسها.

ولا يؤكل الطافي وهو الذي يموت في الماء وان كان في شبكة او حظيرة.

ولو اختلط الحي فيهما بالميت حل والاجتناب أحوط.

ولا يؤكل جلال السمك حتى يطعم علفا طاهرا يوما وليلة.

وبيض السمك المحرم مثله. ولو اشتبه أكل منه الخشن لا الاملس.

(الثاني): في البهائم: ويؤكل من الانسية: النعم، ويكره الخيل والحمر وكراهية البغل أشد.

ويحرم الجلال منها على الاصح وهو ما يأكل عذرة

٢٤٥

الانسان محضا.

ويحل مع الاستبراء بأن يربط ويطعم العلف.

وفي كميته اختلاف، محصله: استبراء الناقة بأربعين يوما والبقرة بعشرين، والشاة بعشرة.

ويؤكل من الوحشية البقر، والكباش الجبلية، والحمر، والغزلان، واليحامير.

ويحرم كل ما له ناب، وضابطه: ما يفترس كالاسد.

والثعلب، ويحرم الارنب، والضب، واليربوع، والحشار: كالفأرة، والقنفذ، والحية، والخنافس، والصراصر، وبنات الوردان، والقمل.

(القسم الثالث): في الطير: ويحرم منه ما كان سبعا كالبازي والرخمة.

وفي الغراب روايتان، والوجه: الكراهية.

ويتأكد في الابقع.

ويحرم من الطير ما كان صفيفه أكثر من دفيفه، وما ليس له قانصة ولا حوصلة ولا صيصية.

ويحرم الخفاش والطاووس.

وفي الخطاف تردد.

والكراهية أشبه.

ويكره الفاختة والقبرة.

وأغلظ من ذلك كراهية الهدهد، والصرد، والصوام، والشقراق.

ولو كان أحد المحللة جلالا حرم حتى يستبرأ، فالبطة وما أشبهها بخمسة أيام.

والدجاجة ثلاثة أيام، ويحرم الزنابير، والذباب، والبق والبرغوث، وبيض ما لا يؤكل لحمه.

ولو اشتبه اكل منه ما اختلف طرفاه وترك ما اتفق.

مسألتان: (الاولى): اذا شرب المحلل لبن الخنزيرة كره.

ولو اشتد به عظمه حرم لحمه ولحم نسله.

(الثانية): لو شرب خمرا لم يحرم بل يغسل، ولا يؤكل ما في جوفه.

ولو شرب بولا لم يحرم وغسل ما في جوفه.

(القسم الرابع): في الجامد وهو خمسة: (الاول): الميتات: والانتفاع بها محرم.

ويحل منها ما لا تحله الحياة إذا

٢٤٦

كان الحيوان طاهرا في حال الحياة وهو عشرة: الصوف، والشعر، والوبر، والريش، والقرن، والعظم، والسن، والظلف، والبيض اذا اكتسى القشر الاعلى، والانفحة.

وفي اللبن روايتان، والاشبه التحريم.

(الثاني): ما يحرم من الذبيحة وهو خمسة: القضيب، والانثيان، والطحال، والفرث، والدم.

وفي المثانة والمرارة تردد، أشبهه: التحريم للاستخباث.

وفي الفرج، والعلباء، والنخاع، وذات الاشاجع، والغدد، وخرزة الدماغ، والحدق خلاف، أشبهه: الكراهية.

وتكره الكلى، والقلب والعروق.

واذا شوى الطحال مثقوبا فما تحته حرام وإلا فهو حلال(١) .

(الثالث): الاعيان النجسة: كالعذرات وما أبين من حي، والعجين اذا عجن بالماء النجس، وفيه رواية بالجواز بعد خبزه، لان النار قد طهرته.

(الرابع): الطين: وهو حرام إلا طين قبر الحسينعليه‌السلام للاستشفاء ولا يتجاوز قدر الحمصة.

(الخامس): السموم القاتلة، قليلها وكثيرها، وما يقتل كثيره فالمحرم ما بلغ ذلك الحد.

(القسم الخامس): في المائعات.

والمحرم خمسة: (الاول): الخمر، وكل مسكر، والعصير اذا غلا.

(الثاني): الدم.

وكذا العلقة ولو في البيضة، وفي نجاستها تردد، أشبه: النجاسة.

ولو وقع قليل دم في قدر وهي تغلي، لم يحرق المرق، ولا ما فيها اذا ذهب بالغليان.

ومن الاصحاب من منع من المائع وأوجب غسل التوابل وهو

____________________ ___

(١) ولو شوى الطحال مع اللحم، ولم يكن مثقوبا لم يحرم اللحم، وكذا لو كان اللحم فوقه، أما لو كان مصقوبا. وكان اللحم تحته حرم (*)

٢٤٧

حسن، كما لو وقع غيره من النجاسة.

(الثالث): كل مانع لاقته نجاسة فقد نجس، كالخمر، والدم، والميتة، والكافر الحربي.

وفي الذمي روايتان، أشهرهما: النجاسة.

وفي رواية: اذا اضطر إلى مؤاكلته أمره بغسل يده وهي متروكة.

ولو كان ما وقعت فيه النجاسة جامدا ألقي ما يكتنف النجاسة وحل ما عداه.

ولو كان المائع دهنا جاز بيعه للاستصباح به تحت السماء خاصة لا تحت الاظلة.

ولا يحل ما يقطع من أليات الغنم، ولا يستصبح بما يذاب منها، وما يموت فيه ما له نفس سائلة من المائع نجس دون ما لا نفس له.

(الرابع): ابوال ما لا يؤكل لحمه.

وهل يحرم بول ما يؤكل لحمه؟ قيل: نعم، إلا بول الابل، والتحليل أشبه.

(الخامس): ألبان الحيوان المحرم كاللبوة، والذئبة، والهرة، ويكره ما كان لحمه مكروها كالاتن حليبه وجامده.

(القسم السادس): في اللواحق، وهي سبع: (الاولى): شعر الخنزير نجس سواء أخذ من حي او ميت على الاظهر.

فان اضطر استعمل ما دسم فيه وغسل يده.

ويجوز الاستقاء بجلود الميتة ولا يصلى بمائها.

(الثانية): اذا وجد لحم فاشتبه ألقي في النار فان انقبض فهو ذكي وان انبسط فهو ميتة.

ولو اختلط الذكي بالميتة اجتنبا.

وفي رواية الحلبي: يباع ممن يستحل الميتة.

على الاصح.

(الثالثة): لا يأكل الانسان من مال غيره إلا باذنه.

وقد رخص مع عدم الاذن في الاكل من بيوت من تضمنته الآية اذا لم يعلم الكراهية.

وكذا ما يمر الانسان به من ثمرة النخل.

وفي ثمرة الزرع والشجر تردد.

ولا يقصد ولا يحمل.

٢٤٨

(الرابعة): من شرب خمرا او شيئا نجسا، فبصاقه طاهر ما لم يكن متغيرا بالنجاسة.

(الخامسة): اذا باع ذمي خمرا ثم أسلم فله قبض ثمنها.

(السادسة): الخمر تحل إذا انقلبت خلا، ولو كان بعلاج، ولا تحل لو ألقي فيها خل استهلكها.

وقيل: لو ألقي في الخل خمر من اناء فيه خمر لم يحل حتى يصير ذلك الخمر خلا وهو متروك.

(السابعة): لا يحرم الربوبات والاشربة وان شم منها رائحة المسكر.

ويكره الاسلاف في العصير.

وأن يستأمن على طبخه من يستحله قبل أن يذهب ثلثاه، والاستشفاء بمياه الجبال الحارة التي يشم منها رائحة الكبريت.

كتاب الغصب

والنظر في امور: (الاول): الغصب هو الاستقلال باثبات اليد على مال الغير عدوانا.

ولا يضمن لو منع المالك من امساك الدابة المرسلة.

وكذا لو منعه من القعود على بساطه ويصح(١) غصب العقار كالمنقول ويضمن بالاستقلال به.

ولو سكن الدار قهرا مع صاحبها ففي الضمان قولان، ولو قلنا بالضمان ضمن النصف.

ويضمن حمل الدابة لو غصبها.

وكذا الامة.

ولو تعاقبت الايدي على المغصوب فالضمان على الكل.

ويتخير المالك.

والحر لا يضمن ولو كان صغيرا لكن لو أصابه تلف بسبب الغاصب ضمنه.

ولو كان لا بسببه كالموت ولدغ الحية فقولان.

ولو حبس

____________________ ___

(١) أي: يتحقق ويتصور. اه‍ من الشرح الكبير.

(*)

٢٤٩

صانعا لم يضمن اجرته.

ولو انتفع به ضمن اجرة الانتفاع.

ولا يضمن الخمر لو غصبت من مسلم ويضمنها لو غصبها من ذمي، وكذا الخنزير.

ولو فتح بابا على مال ضمن السارق دونه.

ولو أزال القيد عن فرس فشرد او عن عبد مجنون فأبق ضمن.

ولا يضمن لو أزاله عن عاقل.

(الثاني): في الاحكام: يجب رد المغصوب وإن تعسر كالخشبة في البناء واللوح في السفينة.

ولو عاب(١) ضمن الارش.

ولو تلف او تعذر العود ضمن مثله إن كان متساوي الاجزاء.

وقيمته يوم الغصب إن كان مختلفا. وقيل: أعلى القيم من حين الغصب إلى حين التلف، وفيه وجه آخر. ومع رده لا يرد زيادة القيمة السوقية. وترد الزيادة لزيادة في العين او الصفة. ولو كان المغصوب دابة فعابت، ردها مع الارش.

ويتساوى بهيمة القاضي والشوكي، ولو كان عبدا وكان الغاصب هو الجاني رده ودية الجناية ان كانت مقدرة. وفيه قول آخر. ولو مزج الزيت بمثله رد العين. وكذا لو كان بأجود منه، ولو كان بأدون ضمن المثل. ولو زادت قيمة المغصوب فهو لمالكه، أما لو كانت الزيادة لانضياف عين كالصبغ والآلة في الابنية أخذ العين الزائدة ورد الاصل، ويضمن الارش ان نقص.

(الثالث): في اللواحق، وهي ستة.

(الاولى): فوائد المغصوب للمالك منفصلة كانت كالولد أو متصلة كالصوف والسمن، او منفعة كأجرة السكنى وركوب الدابة.

ولا يضمن من الزيادة المتصلة ما لم تزد به القيمة كما لو سمن المغصوب وقيمته واحدة.

(الثانية): لا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد او يضمنه وما يحدث من منافعه وما يزاد في قيمته لزيادة صفة فيه.

(الثالثة): اذا اشتراه عالما بالغصب فهو كالغاصب ولا يرجع المشتري بالثمن البائع بما يضمن، ولو كان جاهلا دفع العين إلى مالكها ويرجع بالثمن على البائع

____________________ ___

(١) عاب المتاع: صار ذا عبث.

٢٥٠

وبجميع ما عرمه مما لم يحصل له في مقابلته عوض كقيمة الولد.

وفي الرجوع بما يضمن من المنافع كعوض الثمرة وأجرة السكنى تردد.

(الرابعة): اذا غصب حبا فزرعه، او بيضة فأفرخت، او خمرا فخللها، فالكل للمغصوب منه.

(الخامسة): اذا غصب أرضا فزرعها فالزرع لصاحبه وعليه أجرة الارض ولصاحبها ازالة الغرس والزامه طم الحفرة والارش ان نقصت.

ولو بذل صاحب الارض قيمة الغرس لم تجب اجابته.

(السادسة): لو تلف المغصوب واختلفا في القيمة فالقول قول الغاصب.

وقيل: قول المغصوب منه.

كتاب الشفعة

وهي: استحقاق في حصة الشريك لانتقالها بالبيع.

والنظر فيه يستدعي امورا: (الاول): ما تثبت فيه: وتثبت في الارضين والمساكن إجماعا.

وهل ثثبت فيما ينقل كالثياب والامتعة؟ فيه قولان، والاشبه: الاقتصار على موضع الاجماع.

وتثبت في النخل والشجر والابنية تبعا للارض، وفي ثبوتها في الحيوان قولان، المروي: انها لا تثبت.

ومن فقهائنا من أثبتها في العبد دون غيره.

ولا تثبت فيما لا ينقسم كالعضايد والحمامات والنهر والطريق الضيق على الاشبه.

ويشترط انتقاله بالبيع فلا تثبت لو انتقل بهبة او صلح او صداق او صدقة او اقرار.

ولو كان الوقف مشاعا مع طلق فباع صاحب الطلق لم تثبت للموقوف عليه.

وقال المرتضى: تثبت، وهو أشبه.

(الثاني): في الشفيع، وهو كل شريك بحصة مشاعة قادر على الثمن(١) .

____________________ ___

(١) في شرائع الاسلام: ويشترط فيه الاسلام اذا كان المشتري مسلما.

(*)

٢٥١

فلا تثبت للذمي على مسلم.

ولا بالجوار.

ولا لعاجز عن الثمن.

ولا فيما قسم وميز إلا بالشركة في الطريق او النهر اذا بيع أحدهما او هما مع الشقص.

وتثبت بين شريكن. ولا تثبت لما زاد على أشهر الروايتين.

ولو ادعى غيبة الثمن أجل ثلاثة أيام، فان لم يحضره بطلت.

ولو قال انه في بلد آخر، أجل بقدر وصوله وثلاثة أيام ما لم يتضرر المشتري.

وتثبت للغائب والسفيه والمجنون والصبي ويأخذ لهم الولي مع الغبطة، ولو ترك الولي فبلغ الصبي او افاق المجنون فله الاخذ.

(الثالث): في كيفية الاخذ: ويأخذ بمثل الثمن الذي وقع عليه العقد، ولو لم يكن الثمن مثليا كالرقيق والجواهر اخذه بقيمته.

وقيل: تسقط الشفعة استنادا إلى رواية فيها احتمال.

وللشفيع المطالبة في الحال. ولو أخر لا لعذر بطلت شفعته.

وفيه قول آخر. ولو كان لعذر لم يبطل. وكذا لو توهم زيادة ثمن أو جنسا من الثمن فبان غيره. ويأخذ الشفيع من المشتري ودركه عليه.

ولو انهدم المسكن او عاب بغير فعل المشتري أخذ الشفيع بالثمن او ترك.

وان كان بفعل المشتري أخذ بحصته من الثمن.

ولو اشترى بثمن مؤجل قيل: هو بالخيار بين الاخذ عاجلا، والتأخير، وأخذه بالثمن في محله.

وفي النهاية يأخذ الشقص ويكون الثمن مؤجلا ويلزم كفيلا إن لم يكن مليئا وهو أشبه.

ولو دفع الشفيع الثمن قبل حلوله لم يلزم البائع أخذ ولو ترك الشفيع قبل البيع لم تبطل.

أما لو شهد على البائع او بارك للمشتري او للبائع او أذن في البيع ففيه التردد.

والسقوط أشبه. ومن اللواحق مسألتان: (الولى): قال الشيخ: الشفعة لا تورث.

وقال المفيد، وعلم الهدى: تورث، وهو أشبه.

ولو عفا أحد الورثة عن نصيبه أخذه الباقون ولم تسقط.

(الثانية): لو اختلف المشتري والشفيع في الثمن فالقول قول المشتري مع يمينه لانه ينتزع الشئ من يده.

٢٥٢

كتاب احياء الموات

والعامر ملك لاربابه لا يجوز التصرف فيه إلا باذنهم.

وكذا ما به صلاح العامر كالطريق والشرب والمراح.

والموات ما لا ينتفع به لعطلته مما لم يجر عليه ملك او ملك وباد اهله، فهو للامام لا يجوز احياؤه إلا باذنه، ومع اذنه يملك بالاحياء.

ولو كان الامام غائبا فمن سبق إلى إحيائه كان أحق به، ومع وجوده له رفع يده.

ويشترط في التملك بالاحياء: ألا يكون في يد مسلم.

ولا حريما لعامر.

ولا مشعرا للعبادة كعرفة ومنى.

ولا مقطعا(١) ولا محجرا، والتحجير يفيد أولوية لا ملكا مثل أن ينصب عليها مرزابا.

واما الاحياء فلا تقدير للشرع فيه ويرجع في كيفيته إلى العادة.

ويلحق بهذا مسائل: (الاولى): الطريق المبتكر في المباح إذا تشاح أهله فحده: خمسة أذرع، وفي رواية سبعة أذرع.

(الثانية): حريم بئر المعطن: أربعون ذراعا.

والناضح ستون ذراعا.

والعين الف ذراع.

وفي الصلبة خمسمائة.

(الثالثة): من باع نخلا واستثنى واحدة كان له المدخل اليها والمخرج ومدى جرائدها.

(الرابعة): اذا تشاح أهل الوادي في مائه حبسه الاعلى للنخل إلى الكعب.

وللزرع إلى الشراك.

ثم يسرحه إلى الذي يليه.

____________________ ___

(١) كما أقطع النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله الدار وارضا بحضرموت.

(*)

٢٥٣

(الخامسة): يجوز للانسان أن يحمي المرعى في ملكه خاصة.

وللامام مطلقا.

(السادسة): لو كان له رحا على نهر لغيره لم يجز له أن يعدل بالماء عنها الا برضاء صاحبها.

(السابعة): من اشترى دارا فيها زيادة من الطريق ففي رواية: ان كان ذلك فيما اشترى فلا بأس.

وفي النهاية إن لم يتميز لم يكن له عليه شئ.

وان تميز رده ورجع على البائع بالدرك، والرواية ضعيفة، وتفصيل النهاية في موضع المنع، والوجه: البطلان.

وعلى تقدير الامتياز يفسخ إن شاء ما لم يعلم.

(الثامنة): من له نصيب في قناة او نهر جاز له بيعه بما شاء.

(التاسعة): روى اسحاق بن عمار عن العبد الصالح(١) في رجل لم يزل في يده ويد آبائه دار، وقد علم أنها ليست لهم ولا يظن مجئ صاحبها.

قال: ما أحب أن يبيع ما ليس له، ويجوز أن يبيع سكناه.

والرواية مرسلة، وفي طريقها: الحسن بن سماعة، وهو واقفي، وفي النهاية يبيع تصرفه فيها، ولا يبيع أصلها، ويمكن تنزيلها على أرض عاطلة أحياها غير المالك باذنه فللمحيي التصرف والاصل للمالك.

____________________ ___

(١) هو الامام أبوابراهيم موسى بن جعفر الكاظم (ع).

(*)

٢٥٤

كتاب اللقطة

وأقسامها ثلاثة: (الاول): في اللقيط: وهو كل صبي او مجنون ضائع لا كافل له.

ويشترط في الملتقط التكليف.

وفي اشتراط الاسلام تردد.

ولا يلتقط المملوك إلا باذن مولاه.

وأخذ اللقيط مستحب واللقيط في دار الاسلام حر، وفي دار الشرك رق.

واذا لم يتول أحدا فعاقلته ووارثه: الامام اذا لم يكن له وارث ويقبل اقراره على نفسه بالرقية مع بلوغه ورشده.

واذا وجد الملتقط سلطانا استعان به على نفقته فان لم يجد استعان بالمسلمين.

فان تعذر الامر أنفق الملتقط ورجع عليه اذا نوى الرجوع.

ولو تبرع لم يرجع.

القسم الثاني - في الضوال: وهي كل حيوان مملوك ضائع.

وأخذه في صورة الجواز مكروه.

ومع تحقق التلف مستحب.

فالبعير لا يؤخذ ولو أخذ ضمنه الآخذ وكذا حكم الدابة والبقرة.

ويؤخذ لو تركه صاحبه من جهد في غير كلا ولا ماء، ويملكه الآخذ.

والشاة إن وجدت في الفلاة أخذها الواجد لانها لا تمنع من ضرر السباع ويضمنها وفي رواية ضعيفة: يحبسها عنده ثلاثة أيام فان جاء صاحبها والا تصدق بثمنها.

وينفق الواجد على الضالة ان لم يتفق سلطان ينفق من بيت المال.

وهل يرجع على المالك؟ الاشبه: نعم، ولو كان للضالة نفع كالظهر او اللبن قال الشيخ في النهاية: كان بازاء ما انفق، والوجه التقاص.

القسم الثالث - وفيه ثلاث فصول: (الاول): اللقطة: كل مال ضائع أخذ ولا يد عليه فما دون الدرهم ينتفع به بغير تعريف.

وفي قدر الدرهم روايتان، وما كان ازيد، فان وجده في الحرم كره أخذه وقيل يحرم ولا يحل أخذه إلا مع نية التعريف، ويعرف حولا فان جاء صاحبه

٢٥٥

والا تصدق به عنه او استبقاه أمانة، ولا يملك.

ولو تصدق به بعد الحول فكره المالك لم يضمن الملتقط على الاشهر.

وان وجده في غير الحرم يعرف حولا.

ثم الملتقط بالخيار بين التملك والصدقة و ابقائها أمانة.

ولو تصدق بها فكره المالك ضمن الملتقط ولو كانت مما لا يبقى كالطعام قومها عند الوجدان وضمنها وانتفع بها وان شاء دفعها إلى الحاكم، ولا ضمان.

ويكره أخذ الادواة، والمخصرة، والنعلين.

والشظاظ، والعصا، والوتد، والحبل، والعقال، وأشباهها.

مسائل: (الاولى): ما يوجد في خربة او فلاة او تحت الارض فهو لواجده.

ولو وجده في ارض لها او بائع ولو كان مدفونا، عرفه المالك او البائع فان عرفه فهو أحق به إلا كان للواجد.

وكذا ما يجده في دابته.

ولو وجد في جوف سمكة قال الشيخ: أخذه بلا تعريف.

(الثانية): ما وجده في صندوقه او داره فهو له، ولو شاركه في التصرف كان كاللقطة اذا أنكره.

(الثالثة): لا تملك اللقطة بحول الحول وان عرفها ما لم ينو التملك.

وقيل: تملك بمضي الحول.

(الثاني): الملتقط من له أهلية الاكتساب.

فلو التقط الصبي او المجنون جاز ويتولى الولي التعريف.

وفي المملوك تردد، أشبهه: الجواز.

وكذا المكاتب، والمدبر، وام الولد.

(الثالث): في الاحكام وهي ثلاثة: (الاول): لا يدفع اللقطة الا بالبينة.

ولا يكفي الوصف، وقيل: يكفي في الاموال الباطنة كالذهب والفضة، وهو حسن.

(الثاني) لا بأس بجعل الآبق فان عينه لزم بالرد، وان لم يعينه ففي رد العبد من المصر: دينار، ومن خارج البلد: أربعة دنانير، على رواية ضعيفة يؤيدها

٢٥٦

الشهرة وألحق الشيخان: البعير، وفيما عداهما أجرة المثل.

(الثالث): لا يضمن الملتقط في الحول لقطة ولا لقيطا ولا ضالة ما لم يفرط.

كتابب المواريث والنظر في المقدمات، والمقاصد، واللواحق والمقدمات ثلاث: (الاولى): في موجبات الارث، وهي: نسب، وسبب.

فالنسب ثلاث مراتب: ١ - الابوان، والولد وإن نزل.

٢ - والاجداد وإن علوا، الاخوة وأولادهم وإن نزلوا.

٣ - والاعمام والاخوال.

والسبب قسمان: زوجية وولاء.

والولاء ثلاث مراتب: ولاء العتق، ثم ولاء تضمن الجريرة(١) ثم ولاء الامامة.

(الثانية): في موانع الارث، وهى ثلاثة: الكفر، والرق، والقتل.

أما الكفر فانه يمنع في طرف الوارث.

فلا يرث الكافر مسلما، حربيا كان الكافر او ذميا او مرتدا ويرث الكافر أصليا ومرتدا فميراث المسلم لوارثه المسلم انفرد بالنسب او شاركه الكافر او كان أقرب حتى لو كان ضامن جريرة مع ولد كافر فالميراث للضامن.

ولو لم يكن وارث مسلم فميراثه للامام.

والكافر يرثه المسلم ان اتفق ولا يرثه الكافر إلا اذا لم يكن وارث مسلم.

ولو كان وارث مسلم كان أحق بالارث وان بعد وقرب الكافر، واذا أسلم الكافر، على ميراث قبل قسمته شارك إن كان مساويا في النسب وحاز الميراث إن كان أولى سواء كان الموروث مسلما او كافرا.

____________________ ___

(١) هو المعروف عند فقهاء السنة بولاء الموالاة.

(*)

٢٥٧

ولو كان الوارث المسلم واحدا لم يزاحمه الكافر وان أسلم لانه لا تتحقق هنا قسمة.

مسائل: (الاولي): الزوج المسلم أحق بميراث زوجته من ذوي قرابتها الكفار، كافرة كانت أو مسلمة، له النصف بالزوجية والباقي بالرد وللزوجة المسلمة الربع مع الورثة الكفار والباقي للامام.

ولو أسلموا او أسلم أحدهم، قال الشيخ: يزد عليهم ما فضل عن سهم الزوجية، وفيه تردد.

(الثانية): روى مالك بن أعين عن أبي جعفرعليه‌السلام في نصراني مات وله ابن أخ وابن أخت مسلمان وأولاد صغار: لابن الاخ الثلثان، ولابن الاخت الثلث، وينفقان على الاولاد بالنسبة فان أسلم الصغار دفع المال إلى الامام فان بلغوا على الاسلام دفعة الامام اليهم.

فان لم يبقوا دفع إلى ابن الاخ الثلثين والى ابن الاخت الثلث.

(الثالث): اذا كان أحد أبوي الصغير مسلما الحق به فلو بلغ أجبر على الاسلام.

ولو أبى كان كالمرتد.

(الرابعة) المسلمون يتوارثون وان اختلفت آراؤهم، وكذا الكفار وان اختلفت مللهم.

(الخامسة): المرتد عن فطرة(١) يقتل ولا يستتاب، وتعتد امرأته عدة الوفاة.

وتقسم أمواله.

ومن ليس عن فطرة يستتاب.

فان تاب والا يقتل وتعتد زوجته عدة الطلاق مع الحياة وعدة الوفاة لامعها.

والمرأة لا تقتل بل تحبس وتضرب أوقات الصلاة حتى تتوب ولو كانت عن فطرة.

(السادسة): لو مات المرتد كان ميراثه لوارثه المسلم.

ولو لم يكن وارث الا كافرا كان ميراثه للامام على الاظهر.

وأما القتل فيمنع الوارث من الارث اذا كان عمدا ظلما ولا يمنع لو كان خطأ.

____________________ ___

(١) هو من كان أبواه مسلمين عند بدء الحمل به.

(*)

٢٥٨

وقال الشيخان: يمنع من الدية حسب.

ولو اجتمع القاتل وغيره فالميراث لغير القاتل وان بعد، سواء تقرب بالقاتل او بغيره.

ولو لم يكن وارث سوى القاتل فالارث للامام.

وهنا مسائل: (الاولى): الدية كأموال الميت تقضي منها ديونه وتنفذ وصاياه وان قتل عمدا إذا أخذت الدية(١) .

وهل للديان منع الوارث من القصاص؟ الوجه: لا، وفي رواية لهم المنع حتى يضمن الوارث الدين.

(الثانية): يرث الدية من يتقرب بالاب ذكرانا أو اناثا، الزوج والزوجة ولا يرث من يتقرب بالام، وقيل: يرثها من يرث المال.

(الثالثة): اذا لم يكن للمقتول عمدا وارث سوى الامام فله القود أو الدية مع التراضي وليس له العفو، وقيل: له العفو.

أما الرق، فيمنع في الوارث والموروث.

ولو اجتمع مع الحر فالميراث للحر دونه ولو بعد وقرب المملوك، ولو أعتق على ميراث قبل القسمة شارك ان كان مساويا وحاز الارث ان كان أولى ولو كان الوارث واحدا فأعتق الرق لم يرث وان كان أقرب لانه لا قسمة، ولو لم يكن وارث سوى المملوك أجبر مولاه على أخذ قيمته وينعتق ليحوز الارث.

ولو قصر المال عن قيمته لم يفك.

وقيل: يفك ويسعى في باقيه ويفك الابوان والاولاد دون غيرهما وقيل: يفك ذو القرابة.

وفيه رواية ضعيفة.

وفي الزوج والزوجة تردد.

ولا يرث المدبر ولا ام الولد ولا المكاتب المشروط.

ومن تحرر بعضه يرث بما فيه من الحرية ويمنع بما فيه من الرقية.

المقدمة الثالثة: في السهام: وهي ستة: النصف، والربع، والثمن، والثلثان

____________________ ___

(١) يريد اذا صولح على القصاص عليهما.

(*)

٢٥٩

والثلث، والسدس.

فالنصف للزوج مع عدم الولد وإن نزل، وللبنت، والاخت للاب والام أو للاب.

والربع للزوج مع الولد وإن نزل وللزوجة مع عدمه.

والثمن للزوجة مع الولد وإن نزل.

والثلثان للبنتين فصاعدا وللاختين فصاعدا للاب والام، أو للاب والثلث للام مع عدم من يحجبها من الولد وان نزل او الاخوة، وللاثنين فصاعدا من ولد الام.

والسدس لكل واحد من الابوين مع الولد وإن نزل.

وللام مع من يحجبها عن الزائد.

وللواحد من كلالة الام ذكرا كان او انثى.

والنصف يجتمع مع مثله، مع الربع، والثمن، ومع الثلث والسدس.

ولا يجتمع الربع مع الثمن.

ويجتمع الربع مع الثلثين والثلث والسدس.

ويجتمع الثمن مع الثلثين والسدس.

ولا يجتمع مع الثلث، ولا الثلث مع السدس.

مسألتان: (الاولى): التعصيب باطل.

وفاضل التركة يرد على ذوي السهام عدا الزوج والزوجة.

والام مع وجود من يحجبها على تفصيل يأتي: (الثانية) لاعول في الفرائض لاستحالة أن يفرض الله سبحانه في مال ما لا يفي بل يدخل النقص على البنت او البنتين، او على الاب او من يتقرب به.

وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

وأما المقاصد فثلاثة:

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444