الميزان في تفسير القرآن الجزء ٥

الميزان في تفسير القرآن13%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 444

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 444 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 91164 / تحميل: 10838
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٥

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

س: ما هي التغيّرات الإيجابية التي لمستها في حياتك منذ اعتناقك الإِسلام؟

ج: لقد وجدتُ السلام الداخلي.. لقد عشتُ السلام في قلبي وروحي وفي علاقاتي بالآخرين، حتى باتت حياتي مستقرة، وانعكس ذلك على حياة ابنتيّ أيضاً، واندفعت إلى الحياة بقوة وإرادة أكبر، فعدت لمتابعة دراستي في الجامعة.

س: يعني أنك تشعرين الآن براحة أكبر من ذي قبل؟

ج: طبعاً، والحمد لله، أشعر بلذة كبرى أثناء الصلاة وصوم شهر رمضان المبارك، وأعلم أن عليّ أن أتعلم الكثير الكثير عن الإِسلام، فكلما وقعت على معرفة معينة تبيّن لي أن الذي أعرفه لا يوازي ذرة في كتاب هذا الوجود، فعليّ البحث أكثر، علماً أن حياة الفرد قصيرة، قياساً بما يجب أن يتعلّمه الإنسان في هذه الحياة.

س: على ضوء تجربتك، هل تقترحين أساليب معينة لدعوة غير المسلمين للإِسلام؟

ج: أتمنى أن تطابق أقوالنا أفعالنا، فنمارس قولاً وعملاً ما تدعو إليه العقيدة الإِسلامية، وأن نستحضر الله تعالى في كل ما نقوم به، ونسير على هدي النبي محمد (ص) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، وأن نحدّث الناس عن الإِسلام باللين والكلمة الحسنى، وألا تزعزع الأزمات والمصاعب إيماننا بالله تعالى.

س: ما هو الدور الذي تقومين به أو تنوين القيام به لخدمة الدعوة الإِسلامية؟

ج: أبذل قصارى جهدي لأتمتع بصفات المرأة المسلمة المتديّنة، وهذا بحد ذاته دعوة إلى الله من خلال أفعالي وسلوكي، وأسأل الله أن أكون عند حسن ظنه تعالى.

س: ما مدى إمكانية الدعوة إلى الدين الحنيف في بلادك؟

ج: يحتاج الإِسلام في بلادي إلى القدوة الحسنة، فبقدر ما يلتزم المسلمون بتعاليم الإِسلام هنا، يسهل تغلغل الإِسلام إلى القلوب والعقول، فالإِسلام يحمل بداخله مقومات قادرة على إنقاذ الناس من التيه والضياع ولجوئهم إلى المخدرات، وبإمكان هذا الدين إنقاذنا من الغرائز المنحطة التي سجن الإنسان نفسه خلف قضبانها.

لقد وضع الإِسلام في أيدينا المفتاح إلى الجنة، وكل ما علينا هو إدارة هذا المفتاح للولوج إلى عالم الآخرة، ولا يكون ذلك إلا باتباع أوامر الله تعالى وسُنَّة نبيه (ص) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) برضىً وطمأنينة.

١٤١

س: كيف ترين أوضاع المسلمين الحالية؟

ج: في الواقع أجد الكثيرين منهم منغمسين في أمور دنياهم دون الالتفات إلى أمر الآخرة، وهؤلاء كسالى عن الدعوة إلى الله، وعن تطبيق الإِسلام في حياتهم الفردية والاجتماعية، همّهم الاستمتاع بهذه الدنيا الفانية التي تعمي بصائرهم عن سعادة الإيمان والتقوى والعمل بما أنزله الله تعالى.

س: كيف ترين أوضاع المرأة المسلمة؟

ج: أعلّم ابنتيّ أنهما غاليتان، وعليهما ألا تفرطا بنفسيهما بثمن بخس، فالفتاة أم المستقبل وعلى الجميع من حولها احترامها. وعلى جميع الرجال المسلمين حماية النساء، وعلى هؤلاء أيضاً حماية أنفسهن.

لقد وُهبنا والحمد لله هذا الإيمان، ولكن هذا الإيمان يجب أن يتسع ويقوى، ويتغلب على جميع الشرور التي تتجه إلى تشويه دور المرأة كواهبة للحياة، ومنارة للحب والراحة والسرور.

١٤٢

الأخت المسلمة السويدية

الدكتورة سمية «بارنيللا» تقول لـ «نور الإِسلام»

· العناية الإلهية شملتني بألطافها ووضعتني على طريق الهداية إلى دين الله تعالى.

· الإِسلام دين المنطق والعدل، يقبل النقاش العقلي الحر. ويضفي التوازن على كل جوانب الحياة الإنسانية.

· أدعو المرأة المسلمة وخاصة في البلاد الإِسلامية. لتعتبر أن حصنها هو حجابها، وأن التزامها بدينها هو طريق تقدّمها ومستقبلها. لا تقليد الحضارة الغربية الزائفة.

السويد كغيرها من الدول الغربية التي نجح الإِسلام، بما يمتلكه من قوة الإقناع، أن يستقطب إلى صفوفه أعداداً متزايدة من أبنائها الذين أتيح لهم أن يطلعوا على أفكاره ونظمه.. فلا أسوار التعصب والجهل التاريخية، ولا حواجز الحضارة المادية بكل بهارجها ومغرياتها، ولا الدعايات المضادة للإِسلام بكل لؤمها وخبثها.. ليس كل هذا بقادر على أن يمنع أنوار الهداية الإلهية، من أن تضيء العقول والنفوس التي تهفو إلى الحق وتبحث عن الحقيقة.

هذه الحقيقة تؤكدّها وتبيّنها بوضوح حكاية الأخت المسلمة السويدية الدكتورة سمية - بارنيللا سابقاً - مع الإِسلام الذي شدّها إليه وضوح عقيدته وعقلانيته وشمولية رسالته، فاستنقذها كما تقول مما كانت تعانيه من فراغ عقائدي وروحي، ومنحها الطمأنينة والدافع لكي تنخرط في نشاطات فكرية واجتماعية عديدة من أجل رعاية المسلمين في منطقتها، وحمل مهمة تبليغ الإِسلام في أنحاء دولة السويد كافة.

في منزلها الزوجي في بلدة «شاملينغ» التابعة لمدينة لوند السويدية، التقتها «نور الإِسلام» بحضور زوجها الأخ جميل الجزائري الجنسية، وأطفالها الأربعة، ومنهم ابنتها التي ذكرت لنا أنها الوحيدة المحجبة في صفها، وهي معتزة بذلك.. وبعد الترحيب كان السؤال الأول:

س: كيف تصفين لنا رحلتك نحو اعتناق الإِسلام؟

ج: في الحقيقة أنا أعتبر أن العناية الإلهية هي التي شملتني بألطافها ووضعتني على طريق الهداية لدين الله تعالى، الذي اختاره وارتضاه ليقود خطى البشرية نحو شاطىء الأمان، وهو الدين الصالح لكل زمان ومكان.

١٤٣

وكانت رحلتي نحو الإِسلام قد بدأت منذ أوائل الثمانينيات، وهي لم تكن سهلة أو سريعة، حيث أخذتُ متسعاً من الوقت للاطلاع والتأمل، قبل أن أتخذ القرار السعيد باعتناق الإِسلام والالتزام بتعاليمه والجهر بذلك، بعدما حصل لديّ الاقتناع واليقين بصحة هذه الخطوة المصيرية بالنسبة إليّ.. وإذا شئتم ذكر بعض التفاصيل حول الكيفية التي تعرّفت فيها إلى الإِسلام والتي قادتني إليه، فإن الفضل في ذلك بعد التوفيق الإلهي يعود إلى أختي مريم، التي نشأتُ معها في قريتنا «سفل - Siffle »، وكانت قد اختارت الدراسة الجامعية في إحدى الجامعات الصينية، وهناك رغبت في الاطلاع على البوذية بحكم الفراغ العقائدي الذي كانت تعيشه، ولكن بحمد الله، فإن الطريق بدلاً من أن يقودها إلى البوذية أوصلها إلى الإِسلام، حيث تعرّفت هناك إلى مجموعة من الطلاب المسلمين الذين كانوا يدرسون في الجامعة نفسها، وبواسطتهم اطلعت على الإِسلام فاقتنعت به وأعلنت إسلامها، وتزوّجت من أحد الطلبة المصريين. وعندما عادت إلى السويد جرى بيني وبينها نقاشات مطوّلة حول الإِسلام، جعلت صدري ينشرح لهذا الدين، وأعادتني إلى التفكير بالحياة الدينية والروحية بعد أن كنت غير مبالية، وهذا ما دفعني إلى مزيد من الاطلاع على الإِسلام، فكان لي لقاءات مع بعض الطلبة المسلمين المثقفين الذين أجلوا لي بعض الغوامض وزودوني بالعديد من الكتب التي استفدت منها كثيراً، حيث بدأتُ أحصل على أجوبة مقنعة على الأسئلة التي كان تحيّرني وتبعث في نفسي الشك، وهكذا وجدت الإِسلام دين العقل والمنطق والعدل، ووجدته يؤمّن التوازن بين العقل والعاطفة، وفي كل جوانب الحياة الإنسانية، ويضع للإنسان منهجاً يؤمّن له السعادة في الحياتين.. الدنيا والآخرة، كما يطرح حلولاً متميزة لكل المشاكل التي تعترض حياة الإنسان، وهذا ما دفعني للتحول نحوه.

س: كيف كان صدى التزامك بالإِسلام بين أهلك وفي محيطك؟

ج: قبل ارتدائي الحجاب والالتزام باللباس الشرعي، اقتصر رد فعل أهلي وأصدقائي على بعض التعجّب والتساؤل عمّا إذا كنت سأثبت على قناعاتي الجديدة، وعمّا إذا كنت سأتعدّى مجرد القناعة إلى الالتزام الظاهري، ولكن بعد زواجي ذهبتُ مع زوجي جميل إلى الجزائر، وهناك التزمتُ بالحجاب واللباس الشرعي، وبعد عودتي إلى السويد واجهتُ الكثير من الاستغراب والأسئلة المعترضة على وضعي الجديد سواءً من الأهل أو الأصدقاء حيث لم يكن أحد يتصوّر أنني سألتزم إلى هذا الحد، وقد عرفوني سابقاً غير مبالية بالدين، ولم يدر في خلدهم أن الإِسلام أمر مختلف وأنه ليس مجرد ديانة تعنى بباطن الفرد فقط، بل هو أسلوب للحياة والتعامل.

١٤٤

وبارتدائي الحجاب في ذلك الوقت، أصبحت في نظرهم أنتمي إلى الأقليات المسلمة التي يتجنبها الإنسان السويدي، الذي هو بطبيعته يعيش العزلة والخوف من الجديد والمختلف، غير أن هذا لم يمنعني من أن أشق طريقي بكل ثقة وصبر، وأن أفرض احترامي واحترام ما التزمت به على الكثيرين ممن تبرموا في البداية.

س: كيف ترين أهمية الحجاب بالنسبة إلى المرأة المسلمة وخصوصاً في الغرب؟

ج: الحجاب بنظري هو حصن تعيش المرأة في داخله بكل طمأنينة، واثقة بالنفس، وهو يفسح المجال أمام المرأة للتفكير بما هو أهم من الملابس والزينة، ويعطيها الفرصة لتصبّ جهودها أكثر على ما يدفعها ويدفع محيطها للتقدّم، لأنها تحرّر نفسها من الاستغلال الرخيص لأنوثتها فتتحرّر من سطوة جشع تجار الأزياء وتفاهاتهم، ومن عبث وفساد وسائل الإعلام والإعلان التي تسيّر النساء الفارغات في عالمنا المعاصر.

س: هل يمكن أن تعطينا صورة عن المستوى العلمي الذي توصّلت إليه وعن مجال عملك؟

ج: لقد تابعتُ دراستي بعد إسلامي حتى نلتُ شهادة الدكتوراه من جامعة لوند، وذلك في قسم البيئة البشرية، وكان موضوع أطروحتي هو «المسلمون في الشرق الأوسط»، الذي هو محل اهتمامي الشخصي، وهذا ما اقتضي مني زيارة عدة دول إسلامية في الشرق الأوسط لاستكمال المعلومات حول هذا الموضوع، وأنا الآن أعمل باحثة في جامعة لوند نفسها.

س: علمنا أن لديك نشاطات إسلامية متعددة، فما هي؟

ج: لقد انتخبتُ عضواً في الأكاديمية الإِسلامية، وهي جمعية تضم الجامعيين المسلمين في جميع أنحاء السويد، وتهتم بالتعريف بالإِسلام، وإجلاء صورته في المجتمع السويدي، والدعوة إليه عن طريق المحاضرات والندوات والكتب والمنشورات، وأنا أساهم قدر طاقتي في نشاطات هذه الجمعية.

١٤٥

أمّا نشاطي الإِسلامي الأساسي فيتم من خلال النادي النسائي في مدينة لوند وجمعية الإرشاد الإِسلامية الخاصة بالنساء المسلمات السويديات والمهاجرات، وتهتم الجمعية بالتوعية الثقافية الإِسلامية عن طريق تدريس التربية الدينية والعلوم الإِسلامية واللغة العربية. وتقيم الجمعية الندوات واللقاءات العامة، كما تنظم زيارات للمدارس والجامعات بهدف التبليغ الإِسلامي. إلى جانب ذلك، لدينا اهتمام خاص بالأطفال لتنشئتهم نشأة إسلامية سليمة، وإبعادهم عن المحيط المنحرف.

س: ما رأيك بمستقبل النشء المسلم الجديد في السويد والمجتمعات الغربية؟

ج: برأيي أن الأطفال المسلمين سيواجهون صعوبة أقل لدى انخراطهم بالمجتمعات الغربية، لأنه من الأسهل عليهم فهم تركيبة المجتمع الذي نشأوا فيه والتكيّف معه بمرونة أكثر من كبار السن المهاجرين، سواء في السويد أم في غيرها.

س: ما هي المشكلات التي يعاني منها المسلمون في السويد؟

ج: يعاني المسلمون في السويد من مشاكل عدة، تنعكس سلباً على تحسين أوضاعهم، منها:

- انخفاض المستوى التعليمي، حيث أن الأكثرية منهم جاءوا إلى السويد للاستفادة من الرفاهية المادية الموجودة هنا، وهذا ما يعيقهم عن الحصول على وظائف عالية.

- المشاكل القائمة بين المجموعات المسلمة ذاتها، حيث يختلف بعضهم على المرجعية التي تبتّ في القضايا المهمة التي تهم جميع المسلمين.

س: كيف ينظر السويديون والغربيون عامة إلى المسلمين الموجودين بينهم؟

ج: يصنّف المسلمون في الغرب عادة إلى قسمين: قسم يسمّونهم متطرفين، وهم الذين يتمسّكون بدينهم ويطبقون شعائره ولا يجاملون في ذلك. وقسم آخر يسمّونهم معتدلين، وهم عادة الذين لا يبالون بأمور الدين ويهملون واجباتهم الشرعية، لأنهم متأثرين بالحياة الغربية المادية. ولكن على العموم فإن نظرة الغربيين إلى الإِسلام والمسلمين هي عموماً سلبية، وهي ناشئة عن رؤيتهم الحضارية والدينية المختلفة والاحتكاكات التاريخية، كما أن الإعلام المعادي الموجّه يغذي هذه النظرة السلبية، ويعمل على تضخيم وهم الخطر الإِسلامي على الغرب. كما لا ننسى هنا أخطاء المهاجرين المسلمين وأفعال الكثيرين منهم التي تعطي صورة سيئة عنهم، وعمّا يمثلون.

١٤٦

ولا يعني هذا أن ليس هناك تفهّم للإِسلام وتعاطف مع المسلمين وقضاياهم لدى جهات وأشخاص كثيرين في الغرب، وهنا تأتي مسؤولية المسلمين لكي يبذلوا الجهود المضاعفة كي تتسع هذه النظرة الإيجابية للإِسلام في الغرب.

س: هل من كلمة أخيرة؟

ج: أريد أن أوجّه عبر مجلتكم الموقرة نداءً مختصراً إلى المرأة المسلمة عموماً وإلى النساء في البلاد الإِسلامية بشكل مباشر لأدعوهن إلى مزيد من الوعي والتعقل والتمسك بالإِسلام، هذه الرسالة العظيمة، كي يساهمن بشكل أفضل في تماسك وتطوير وسلامة مجتمعاتهن لإبعادها عن الموبقات والمفاسد التي تعصف بالمجتمعات الغربية، والتي تحطّ من قدر الإنسان، وألا ينخدعن بمظاهر الحياة الغربية ومغرياتها وحرياتها الزائفة، التي تزيّنها لهن وسائل الإعلام المفسدة، فهذه لا تؤدي إلّا إلى سقوطهن وتدمير كل مقومات القوة التي يوفرها لهن الإِسلام في أنفسهن ومجتمعاتهن، وأني آمل من كل اللواتي انبهرن بهذه القشور وتخلين عن مزايا شخصيتهن الإِسلامية الكريمة أن يراجعن أنفسهن ويواجهن الحقيقة بإرادة وصدق.

١٤٧

الأخ المسلم البريطاني جان هانز (محمد علي)

يقول:

· السلوك النظيف والقويم لبعض العمّال المسلمين الملتزمين جعلني أُكبِر الإِسلام وأرغب في اعتناقه.

· في الغرب نحلم بالسعادة ولا نجدها، بل نعيش الحسرة والأسف عند انقضاء كل متعة ننالها.

· تفرّغت لطلب العلوم الدينية الإِسلامية من أجل خلاص نفسي وهداية أهلي ومجتمعي.

· النبي الأعظم (ص) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) هم معلمو البشر وقادتهم، ويجب أن نتخذهم قدوة لنا.

في الوقت الذي تنتشر فيه الفلسفات المادية والتيارات الإلحادية وهي تغزو وسائل الإعلام في كل قطر وبلد، مدعومة بأحدث وسائل الاتصال والنشر. تجد ثلّة من الناس طريقها الواضح المستقيم، وسط الغبار والزحام المتراكم من الأيديولوجيات والأفكار، مهتدية بنور الإِسلام الذي يجذب إلى ساحته كثيراً ممن أنعم الله عليهم بنعمة الدين الحنيف، ومن قلب الغرب الذي أدار ظهره للدين منذ أن أعرض عن النهج الإلهي، في مطلع النهضة العلمية التي حققت له رفاهية مادية ولكنها فشلت في أن توصله إلى رحاب الطمأنينة وواحة السعادة في هذه الدنيا فضلاً عن الآخرة. من بين هؤلاء النخبة المهتدية، نبدأ حديثنا عن إسلام الشاب البريطاني جان هانز «محمد علي» بهذه اللمحة الدالة التي توجز حوار مجلة «نور الإِسلام» مع هذا الشاب المهتدي.

التقيناه في رحاب المقام الشريف للسيدة زينب (عليها السلام) في ضاحية دمشق الشام، هناك ذات مساء، بعد أداء شعائر الزيارة المباركة، وبعد الفراغ من الصلاة، من بين تلك الوجوه الطيبة التي أمّت المقام الشريف، طالعنا بوجهه المشرق وثغره المبتسم، والطريف في هذا الأمر، أن هذا الشاب كان يرتدي الزي الخاص بطلاب العلم الديني، وكان مظهره يحمل أكثر من دلالة.. بعد أن رحبنا به دار بيننا الحوار التالي:

١٤٨

س: هل لك أن تعطينا لمحة عن نشأتك؟

ج: نعم بكل ترحيب، وُلدت في بريطانيا، وعشتُ طفولتي كأي فرد مسيحي، يذهب مع عائلته إلى الكنيسة أيام الآحاد والأعياد، ولم أكن أشعر بأن شيئاً يمكن أن يطرأ على حياتي فيبدلها، ولكني كنت أشعر كأكثر الناس بأن الحياة تمضي بنا حثيثية دون أن تحمل إلينا معنى أو هدفاً نبيلاً، فالناس تعيش دون مُثُل أو قيم، مكتفية بالاستغراق في الحياة المادية العابثة التي تجعل منّا أناساً أشبه بالأنعام التي تعيش ليومها ولا تفكر بغد.

كانت حياتنا رتيبة، نحلم بالسعادة ولا نجدها، فتشنا عنها كثيراً فلم نجدها في حدود متع الدنيا ولذاتها، بل كنا نصاب بالحسرة والأسف عند انقضاء كل متعة ننال منها نصيباً، لهذا كنا نعيش حياة ينتهي وجودنا بانتهائها؛ ولهذا كان الكثير من الشباب يفكرون بالتخلص من هذه الحياة الفارغة، إما بالهروب إلى المخدرات، هروباً آنياً وإمّا بالانتحار. وقد حصل أن أقدم شبان كثر على قتل أنفسهم عندما قرأوا كتاب «آلام فرتر» للكاتب الألماني «غوته» في الحقبة الماضية. في تلك الفترة لم أكن أختلف بشيءٍ عن أقراني، لقد درستُ وتعلمتُ في إنكلترا وتخرجت من الجامعة مهندساً، ثم سافرت للعمل في الخارج.

س: هل لك أن تحدثنا عن تجربتك الجديدة في ظل الإِسلام؟

ج: كانت بداية التحوّل في حياتي الشخصية حينما سافرت إلى الباكستان للعمل هناك، وبعد انقضاء فترة على وجودي في تلك البلاد، كنت خلالها أراقب العمّال البسطاء الذين كانوا يشتغلون تحت إشرافي. وقد لفت نظري إخلاصهم في العمل فضلاً عن صدقهم في المعاملة، وتفانيهم في أداء ما يُطلب منهم بكل أدب واحترام، ولاحظتُ أن السبب في ذلك يعود إلى روح النظام وجو الطهارة الذي اكتسبوه من عادة حسنة، فقد كانوا يقفون بانتظام صفاً للصلاة بضع مرات في اليوم، بعد أن يقوموا بتنظيف أجسامهم في أحواض الماء، ويغسلون بعض أعضائهم أو يمسحونها، وهي دلالة ظاهرة على طهارة الأبدان، ودلالة باطنة على نظافة الروح وتطهير النفس، وقد تعلمت منهم قول الرسول (ص) :

١٤٩

«أفضل الطيب الماء» .. أما عندنا فما نفع العطور التي يضعها الإنسان على جسم تتنازعه الأقذار والنجاسات، من الخمرة إلى الميتة ولحم الخنزير وما أشبه ذلك. ثم تعلمتُ من هؤلاء العمّال، كيف أملأ وقتي بما يفيد، وكيف أنظِّم ساعات يومي، بعد أن أقف مثلهم لحظات بخشوع وأتلفظ بالكلمات ذاتها، التي تشيع الأمن والطمأنينة في نفسي.

وعرفتُ من هنا أن الفرد المسلم يمثّل الطهارة المادية المتجسّدة في نظافة جسمه من الأدران ونظافة روحه من الآثام.

س: هل من سبب آخر دفعك إلى اعتناق الإِسلام؟

ج: لقد كان في حياتنا نحن الغربيين، كما أشرتُ إليك، فراغ هائل، نابع من انتفاء القِيم في واقع الإنسان الغربي، وهذا ما يبعث على القلق المؤدي إلى عذاب الروح، فعندنا كلمة شائعة يتداولها الناس تدلّ على اللامبالاة وعدم الاكتراث مثل «لا يهمني» أو أن يقول قائلنا لكل أمر جديد أو مدهش «حسناً».

والجدة عندنا معيار وقيمة توزن بها الأشياء، فكل شيء إذا مضى عليه وقت يفقد قيمته ويتطلع الإنسان إلى الجديد الذي يبهر ثم سرعان ما يفقد هذا الجديد سحره وتأثيره، وهكذا يظل الإنسان يلهث وراء كل جديد، حتى يتبلد إحساسه فلا يشعر بقيمة الأشياء، فتفقد الأشياء معناها وجوهرها، فيصبح الإنسان عديم الإحساس، من هنا يفكر في الخلاص بأي طريق كان.

بينما يعطي الإِسلام منهجاً وسطاً في المنع والعطاء، في التمنع والحرمان، هذا المنهج الوسط يبقي للأشياء معناها، لأن الحرية المطلقة التي تبلغ الإباحية والإسراف، تستهلك جوهر الأشياء وتبطل معناها، وهنا تكمن الكارثة في الحياة الغربية القائمة على البراغماتية والمتعة الآنيّة.

لقد وهبني الإِسلام منهجاً في الحياة قرّت به عيني واطمأنت إليه نفسي، بعد سنوات من الضياع والقلق الذي يغرق فيه مجتمعنا المتردي في دوامة الانحلال على الصعيدين المادي والروحي.

ولم أصدق أن هناك عقيدة تحمل إلى الإنسان السكينة والاستقرار إلّا بعد أن رأت عيناي وسمعت أذناي ولمستُ الحقيقة التي لا ريب فيها أن الإِسلام بصفاته وسماحته هو المنتجع الآمن والواحة التي تستظل بها النفوس التواقة إلى رحاب السعادة. كان ذلك التحوّل الكبير في حياتي حين تعرفت إلى خاتم الديانات وجوهر الرسالات، الإِسلام الحنيف، وكان ذلك بفضل العناية الإلهية.

١٥٠

س: ما هي الأسباب التي دفعتك لتكون طالباً في مدرسة العلوم الدينية؟

ج: عندما اهتديتُ إلى الإِسلام، فكرت بأهلي ومجتمعي، وعرفت أني سأواجه اعتراضاتهم، لذلك شئت أن أتسلح بالحجة والبرهان، وسبيلها العلم والمعرفة، لذا عقدتُ العزم على تلقي العلوم والمعارف الإِسلامية.

س: ألا يسبب لك حرجاً ارتداؤك الزي الخاص برجال الدين؟

ج: في الأساس لم أفكر في خلاص نفسي فحسب، بل فكرت في خلاص الآخرين من أهل وطني، لهذا وطّنت النفس على تجاوز الصعاب، إنني فخور بارتداء العمامة والزي الديني، وهذا يمنحني الحرية في الحركة، بهذه الثياب الفضفاضة، كي يحررني من الزي الغربي الملاصق للجسد، فذاك يضغط عليّ ويرهقني، وهذا يتيح لي التحرك بسهولة، وهو رمز للتجرد عن زيف الحضارة في الزينة والتجمل.

ثم إن المجتمع الغربي يدّعي الحرية والديمقراطية، فأنا من هذا المنطلق يحق لي أن أرتدي ما أشاء.

س: ماذا تنوي أن تفعل عندما تعود إلى وطنك؟

ج: انطلاقاً من قول الإمام علي (ع) : «أحب لغيرك ما تحب لنفسك»، لهذا فإنني أبغي الخير لإخواني في الإنسانية من أبناء وطني كما قال الإمام (ع) : «واعلم أن الناس إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق». فسوف أقوم بواجبي في التبليغ الإِسلامي، وإنني آمل منهم أن يستجيبوا.

س: ما هو مدى اطلاعك على الثقافة الإِسلامية؟

ج: إني سعيت للاطلاع على المعارف والعلوم الإِسلامية بشغف ومحبة، وإنني ملم بحياة النبي (ص) والأئمة (عليهم السلام) ، ومطّلع على الكثير مما قالوه وفعلوه، وإنني أؤمن بعصمتهم وأنهم معلمو البشر وقادتهم، وأتخذهم قدوة وأجعل من أقوالهم شعاراً ومن أفعالهم أمثولة في الحياة.

١٥١

س: هل من كلمة أخيرة تتوجه بها إلى القرّاء؟

ج: إنني أؤكد إنني وجدتُ للحياة قيمة بعد اعتناقي الإِسلام، فنحن لم نخلق عبثاً، بل لغاية سامية، والجدة التي هي معيار كاذب وزائف لم تعد تعني لي شيئاً.

وإنني أردد ما قاله المرجع الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء «بلّغوا الإِسلام إلى الغرب، فإذا نجحتم في رسالتكم هناك، حققتم أهدافكم في التبليغ هنا»، لأن الشرق مولع بتقليد الغرب، وهو مرض العصر، ولقد كان الغرب الإسباني في عصر الإِسلام، يتوجه بأنظاره قِبَل المشرق، وإنني أدعو جميع الناس إلى قراءة الإِسلام ومعرفته عن كثب ليتسنى لهم الاهتداء ثم هداية الآخرين، لأن الناس أعداء ما جهلوا، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

١٥٢

الأخت الروسية المهتدية، يلينا كوشيليوفا

تقول «لنور الإِسلام»:

- على الرغم من الدعاية الإلحادية التي كان يفرضها النظام التعليمي الشيوعي السابق، كان ينتابني إحساس بوجود إله واحد.

- من خلال كتاب «حياة محمد» لأحد الكتّاب الروس، أعجبت بشخصية الرسول (ص) ثم صرت أبحث عن الكتب الإِسلامية.

- الأسف يعتصر قلبي، كيف لم تهتدِ النسوة السافرات إلى نعمة الحجاب، وما يمثّله من قيم النقاء والطهر.

- إنني أنصح أختي المسلمة أن لا تسير بخطى عشواء على طريق المدنية القادمة من الغرب.

يلينا يورينيفا كوشيليوفا

لم تكن تدري يلينا وهي الفتاة الروسية التي تعيش في مجتمع شيوعي يؤمن بالقيم الماركسية، أنها على موعد مثير، مع صدفة رائعة حملها إليها عيد الأضحى، حينما التقت بمن هيَّأته العناية الإلهية لينقلها من الظلمات إلى النور، ومن الشرك إلى الدين الحنيف، لقد وُلدت من جديد، كما تقول يلينا، وكنت أشعر بإرهاصات تنبئ عن استعداد وتوجه في عمق وجداني. كالظافر بالماء وسط الصحراء، لأجد الحوض الطاهر النقي، الذي ألقيت بنفسي في لجته، لأتطهر من أدران هذا العالم الذي أضاع قيم الروح والإنسانية.

تجربتي مع الإِسلام مثيرة وغنية بالعبر إذا ولجتم إلى أعماقي ستجدون أنني جد سعيدة بهذه المصادفة الرائعة. وكأن القطار الذي كان ينقلني من إحدى المدارس في ضواحي «لاتيا» كان يحملني إلى شاطئ السعادة والأمان وواحة الهداية واليقين.

في مسكنها الزوجي في بيروت وبين عائلتها السعيدة التقت نور الإِسلام السيدة يلينا وكان لنا معها هذه المقابلة:

١٥٣

س: هل لك أن تعطينا لمحة موجزة عن نشأتك وتربيتك الأولى:

ج: وُلدت سنة 1973 في طاجكستان التي كانت واحدة من جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً، من أصل روسي، وكان والدي ضابطاً برتبة كولونيل، إلى جانب كونه محامياً، وكانت أمي طبيبة، وقد تعرضت عائلتي للتنقل إلى أكثر من بلد، إذ هاجر أهلي إلى سيبيريا، إلا أنني بقيتُ أعيش مع جدتي في طاجكستان حيث دخلت إلى المدرسة، وعندما سافر أهلي إلى جمهورية لاتيا اصطحبوني معهم إلى مدينة ريفا ثم استقرت بنا السكنى أخيراً في أوكرانيا.

لقد فرضت علينا ظروف عمل والديَّ أن نتنقل بين بلدان الاتحاد السوفياتي سابقاً، مما أتاح لي فرص التعرف إلى هذه البلدان المختلفة، والخروج إلى العالم الأوسع؛ ما أكسبني مرونة في التصرف، ومزيداً من الوعي، وهذا ما أدى إلى أن لا تترسخ في نفسي عادات بلد معين، بل كنت أبحث دائماً عن الأفضل في العادات والسلوك. لقد ترعرعت وسط عائلة مثقفة. فالبيئة التي عرفتها في لاتيا تشبه البيئة الأوروبية من حيث توفر الحرية والمناخ الثقافي والفكري، قياساً على بقية البلدان الروسية.

كانت طفولتي موزعة بين البيت والمدرسة، فلم أكن أهتم بما يوليه أترابي من اهتمام.

ولست أعلم بالتأكيد لماذا كان ينتابني إحساس بوجود إله واحد مع أن التعاليم الإلحادية التي يفرضها النظام التعليمي، كانت لا تعترف بذلك، وربما كان لجدتي أثر في هذا الاستعداد لديَّ.

وكان والدي يشتري لي كتباً علمية حول نشوء العالم، حسب ما يقرره الإنجيل، وكنت أميل كثيراً إلى التأمل. وعندما بلغت السادسة أو السابعة عشرة جربتُ أن أصوم على الطريقة الأرثوذكسية، حيث كنت أمتنع عن تناول اللحوم والمشتقات الحيوانية لمدة أربعين يوماً.

١٥٤

س: هل لك أن توضحي لنا الأسباب التي حملتك على اعتناق الإِسلام:

ج: أجل. حينما كنت في الرابعة عشرة من عمري، كنت أتعلم في مدرسة تضم أولاداً من الطاجيك الذين يعتنقون الإِسلام، ولاحظتُ كيف أن العائلة المسلمة تضم عدداً كبيراً من الأولاد، وفي أثناء ذلك كان يسترعي انتباهي منظر الأولاد المؤثر، وهم يصومون طوال النهار عن الطعام والشراب، وكان بعضهم يصاب بالإعياء آخر النهار، حيث كان شهر حزيران القائظ بنهاره الطويل. وكان ذلك يحملني على التساؤل، لماذا يتحمل هؤلاء هذا العناء كله ومن أجل أي شيء يضحون بالتمتع بما يشتهون من الطعام. كان ذلك بداية التجربة مع الإِسلام بالنسبة إليّ.

وعندما بلغتُ الثامنة عشرة، كنت أدرس الكيمياء في إحدى الكليات، التي تبعد عن منزلنا ثلاثة أرباع الساعة تقريباً، وكان عليّ أن أتنقل بالقطار، وهنا حدثت الصدفة الرائعة، حيث تعرّفت إلى زوجي المهندس اللبناني فهد سويدان، وتجدَّد اللقاء وعرّفني أنه مسلم ملتزم وكان آنذاك لا يحسن اللغة تماماً.

وشاءت الصدف أن ننتقل جميعاً إلى كييف في أوكرانيا للدراسة، فتوثقت علاقتنا، من ذلك الحين بدأ اهتمامي بالإِسلام يتزايد وأخذتُ أتردد على المكتبة، وكان أن اطلّعتُ على كتاب «حياة محمد» وهو لأحد الكتّاب الروس المستشرقين فأعجبتُ بشخصية الرسول (ص) ، ثم صرتُ أبحث عن الكتب الإِسلامية لأطالعها، وتلقيتُ كثيراً من العون. وفي الوسط الطلابي في كييف لمست أن هناك إسلاماً حقيقياً حيث الصفاء الروحي والصدق الذي يتحلى به الطلاب المسلمون القادمون من بلدان المختلفة.

س: ما هو موقف أُسرتك وأصحابك من هذا التحول:

ج: بالنسبة إلى والدتي لم يشكل هذا التحول حرجاً، وأما والدي فقال لي: إنك ستبقين مسيحية، ولو حاولت أن تكوني غير ذلك، أما أنا فقد أصبحتُ مسلمة، في الواقع، ولكنني لن أتنكر للقيم الصحيحة في المسيحية.

والذي سهَّل عليّ هذا التحول هو ما كانت تشهده بلادنا من تحول كبير في بنية النظام في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. فكل شيء كان من حولنا يتغير ويتبدل.

١٥٥

س: ما هي التغيرات الإيجابية التي تمَّت بعد اعتناقك الإِسلام؟

ج: شعرتُ بأنني بلغتُ هدفي، وأنني أدركتُ ما كنت أصبو إليه، من يقين وطمأنينة! فقد كنت متعطشة للوصول إلى الحقيقة، التي كانت ترد بشكل تساؤلات حول العقيدة والسلوك في الحياة، تبحث عن جواب شافٍ.

وما يجدر ذكره أنني لم أجرِّب المحرمات قبل زواجي واعتناقي الإِسلام. إذ كان كلٌّ من روحي وجسدي طاهرين، وبقيا طاهرين، وبكلمة أقول: «كأنني وقعْت في حوض الماء الذي كنت أتوق للسباحة فيه»، كرمز للطهارة التي يمنحها الإِسلام لأتباعه. ولقد استفدتُ في لبنان كثيراً من إحدى المدرِّسات، وأنا مدينة لها بتعلم بعض العربية وقراءة القرآن الكريم وتفسير بعض الأدعية.

س: كيف تنظرين إلى ظاهرة السفور المنتشرة في المجتمع الإِسلامي؛ كونك فتاة روسية قادمة من خارج البلاد الإِسلامية؟

ج: إن هؤلاء النسوة يعانين من ضياع، وإنني لأشعر بالأسف يعتصر قلبي كيف لم يهتدين إلى نعمة الحجاب وما يمثِّله من قيم النقاء والطهر. ولكن المرأة المسلمة، وهي ترتدي الحجاب لا بدّ لها من أن تراعي مستلزمات هذا الحجاب، في حديثها وتصرفاتها ومعاملاتها.

وإني أنظر إلى ظاهرة السفور في مجتمعاتنا الحديثة، كظاهرة غير طبيعية، طرأت على المجتمع الإِسلامي والمسيحيي في الشرق والغرب، وكان من أهم الدواعي إليها، نزول المرأة إلى ميدان العمل وما أحدثته الثورة الصناعية من تبدل في القيم الاجتماعية والخلقية.

إذ العودة إلى الحجاب، هي بنظري رجوع إلى الفطرة والأصل.

س: ما هي رؤيتك لواقع المرأة المسلمة اليوم؟

ج: على المرأة المسلمة المحجبة أن تثبت للآخرين أنها ليست متقوقعة في حياتها ومنعزلة عن المجتمع، بل إنها تختزن طاقة يمكن أن تستثمرها في هداية الفتيات الأخريات، مع المحافظة على واجباتها البيتية التي هي أهم من أي نشاط اجتماعي خارج المنزل، وطبعاً مع المحافظة على طبيعتها الأنثوية.

١٥٦

س: ماذا تقترحين لهداية الجيل المعاصر:

ج: في نظري إن الجيل من الأحداث والشباب منجذب بشكلٍ ملفتٍ للنظر، إلى مشاهدة وسائل الإعلام المضرة وخاصة التلفاز، وهذا ما يشكل ظاهرة ذات آثار سلبية كبيرة بالنسبة إلى الأطفال بشكل خاص، فعلى الآباء أن ينتبهوا لتربية أولادهم، فلا يتركوهم فريسة للمسلسلات العبثية الفارغة.

س: هل من كلمة أخيرة توجهينها إلى القرّاء؟

ج: إني أنصح أختي المسلمة أن لا تسير بخطى عشواء على خطى المدنية القادمة من الشرق والغرب، بل تعود إلى أصالتها وأن لا تستورد إلا ما هو الأحسن والأفضل،، ولتستفد من تجربة الغرب الذي نظر في حضارتنا فأخذ بأحسنها، بينما نرى العكس في بلاد المسلمين، حيث ينبهرون بالأمور الخدّاعة والبرَّاقة التي تعبر عن أسوأ ما عند مجتمعات الغرب من خلاعة وسفور وابتعاد عن الدين والفضيلة.

١٥٧

الأخت المهتدية كارمن سركسيان «هدى»

هكذا تعرفت إلى الإِسلام وهكذا اهتديت

تلك الفتاة الأرمنية التي اهتدت إلى نور الإِسلام واعتنقت الدين الضيف بعد رحلة مثيرة، وتجربة غنية في البحث والاستكشاف، هذه الهداية التي كان مفتاحها التعرف على شريك لها في الحياة، ولكن الرحلة الإيمانية لم تقف عند حد، بل إن الفتاة المهتدية سارت يحفِّزها حب المعرفة، إلى أن تنهل من معين الثقافة الإِسلامية لتغترف من المكتبات ما جعلها جديرة بأن تكتب تجربتها في كتاب يمتع القارئ ويفيد في آنٍ معاً، بعنوان «قصة إسلامي» وإليك أيها القارئ مقتطفات مما أوردته في هذا الكتاب.

عن ولادتها ونشأتها تقول:

وُلدت في الكويت عام 1965، نشأتُ وترعرعتُ وقضيتُ أجمل أيام عمري في رحابها، ولا أزال أحلم بالعودة لأعيش على أرضها الطيبة مرة أخرى، حيث ولادتي ونشأتي ودراستي وعملي وزواجي وإنجابي طفلي علي، والأهم من ذلك كله، أن الله هداني للإِسلام على أرضها، فكيف أنساها، إنها نبضة في القلب، وبدون نبضات القلب لا يحيا الإنسان.

كيف تعرفت إلى الإِسلام؟

في صيف «سبتمبر/أيلول» 1985، كنت أعمل كموظفة في شركة كويتية للمشاريع الهندسية، وكنت أنظم الملفات وأقوم بأعمال أمانة السر لذلك الإنسان الذي أصبح زوجي فيما بعد. ومع أنني وافقت على الزواج منه، إلّا أن تلك الموافقة كانت مصحوبة بشيء من الخوف لأنني مسيحية وأرمنية وهو مسلم.

ولا بدّ أن أوضح معنى كلمة أرمنية، إن الكثير من الناس حين يسمع كلمة أرمني أو أرمنية، تتبادر إلى أذهانهم كلمة مرادفة هي مسيحي، وفي الحقيقة هذا خطأ، فكلمة أرمني تعني أن جذور الشخص تعود إلى أرمينيا، إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً، وهي الآن جمهورية مستقلة، ثم إن أرمينيا فيها عدد كبير من المسلمين الأرمن، لذا إن كلمة أرمني هي مثل سوري ولبناني ومصري.

١٥٨

أما سبب مخاوفي فهو أني أعرف بعض المسيحيات اللواتي اقترنَّ بمسلمين، وكان الفشل حليف هذا الزواج فطُلِّقن فيما بعد، أما أنا فكنت واثقة من نجاح زواجنا، فقد تيقنت من صدق زوجي، كما أنه استطاع أن يجذبني إلى اعتناق الإِسلام، إذ كان يمثل لي القدوة الصالحة والأسوة الحسنة في سلوكه وتصرفه معي. وبعد أن أصبحت مسلمة، اخترت لنفسي اسم هدى بدلاً من اسمي السابق «كارمن».

كيف كان تأثير إسلامها وزواجها من مسلم على أقربائها؟

كان زواجنا في البداية غير مُعْلَن، تحاشياً لردود الفعل من قِبَل الأهل والأصحاب، ولكن فوجئت بأن أختي تتصل بي عبر الهاتف وتخبرني بمعرفتها بهذا الزواج وكان ذلك مفاجأة لي، وتذكرت الآية الكريمة﴿یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا یَحِلُّ لَکُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ کَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَیْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ یَأْتِینَ بِفَاحِشَةٍ مُبَیِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ کَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَکْرَهُوا شَیْئًا وَیَجْعَلَ اللَّهُ فِیهِ خَیْرًا کَثِیرًا ﴿19﴾ ﴾ [النساء: 19]، فأخبرتها الحقيقة، وكان أهلي يسكنون في المدينة نفسها، فطلبوا من زوجي الحضور لمناقشة الموضوع.

وتمَّ الاتفاق أن أغادر منزل أهلي لأعيش مع زوجي بعد أن يئس الأهل من التأثير عليّ، وكانت دموع والدتي تنطق بأبلغ الكلام. قاطعني أهلي مدة أسبوعين فقط، بعدها قاموا بزيارتي دون أن يسمحوا لي بأن أزورهم.

ولم تعلم والدة زوجي بأمر زواجنا إلّا حين أُدخل زوجي إلى المستشفى لإجراء عملية جراحية، وكان قد أخبر أهله حفاظاً عليّ وعلى حصتي في الميراث، إذا حصل القضاء. وقد اصطحبتني والدة زوجي إلى منزلهم للمرة الأولى، فإذا بي أرى مكتبة كبيرة تضم كتباً في مختلف العلوم والآداب والتاريخ الإِسلامي، ومع أننا تأخرنا في السهر ليلاً فقد استيقظ الجميع في ساعة مبكرة من الصباح لأداء صلاة الصبح.

١٥٩

ولكن كيف اعتنقت الإِسلام؟

كانت لقاءاتي بأهله تثير عندي تساؤلات عن الصلاة، وعن الحجاب، وعن الفصل بين مجلس الرجال ومجلس النساء، وهنا بدأت رحلة المعرفة، والاستكشاف حين بدأت بالانصراف إلى مطالعة الكتب، وكانت والدته تدفعني إلى ذلك. قبل ذلك كنت أعيش في صراع، والآن بدأت رحلتي السعيدة مع الدين الحنيف. لم يكن زوجي يحدِّثني كثيراً عن الإِسلام، لأنه لا يريد أن يرغمني على اعتناقه، كما هو الشرط بيننا سابقاً، فكان يجيب باختصار على كل سؤال أطرحه عليه، ويصمت إذا لم أوجه إليه سؤالاً، كان يتألم لكوني غير مسلمة، لا أصلي، ولا أرتدي الحجاب.

كنت غير راغبة في ذلك، كنت أعلم مدى الحرج الذي أسببه لزوجي، بالرغم من ذلك كان له الدور غير المباشر في تقريبي إلى الإِسلام، ومن أجل ذلك كان يكثر من الاستماع إلى برامج القرآن الكريم، والإذاعات التي تبث برامج ثقافية حول الدين الحنيف.

انطباعاتها وشهادتها على أسلوب الحوار

إنني أعترف وأشهد بأن الطريقة التي كان يتم فيها النقاش لم تكن تؤذي مشاعري حول المسيحية - ديني السابق - فلم أتذكر أن المسلمين الذين تحاورت معهم أساءوا إلى المسيح (ع) وأمه أبدأ، بل إنهم يكنون من المحبة والتقديس لهما ما يثير الإعجاب ويؤمنون برسالته، وعندهم أن مَن لا يؤمن برسالة عيسى (ع) فليس بمسلم، وإن آمن برسالة محمد (ص) ، والغريب أنهم يستشهدون لعظمة النبي محمد (ص) بآراء كتّاب ومفكرين مسيحيين أمثال برنارد شو وغوته وكارلايل ولامارتين وجرداق وجبران ونعيمة، وحتى من غير أهل الكتاب أمثال نهرو، كنت ألتزم الصمت خلال مناقشاتهم، لأنهم يعرفون عن المسيحية أكثر مما أعرف.

كيف تم التزامها بالدين الحنيف فكرةً وسلوكاً؟

ولما كنت أتابع القراءة والمطالعة كان زوجي يقوم بشرح ما يصعب عليّ فهمه، واستمر الحال هكذا حتى أواخر عام 1987، وكنت أستمع إلى إحدى الإذاعات التي تنشر رسائل دكتوراه وماجستير يتقدم بها طلاب يرغبون بالتخصص في العلوم الإِسلامية، وقد كانت مناقشات تلك الرسائل ذات فائدة عظيمة بالنسبة إليّ.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

من غير غسل، و بمسح الرجلين هو المسح بالغسل؟ و هذا الوجه هو الوجه السابق بعينه و يزيد عليه فساداً، و لذلك يرد على هذا ما يرد على ذاك.

و يزيد عليه إشكالاً أنّ قوله: إنّ الله أمر بعموم مسح الرجلين في الوضوء إلخ الّذي قاس فيه الوضوء على التيمّم إن أراد به قياس الحكم على الحكم أعني ما ثبت عنده بالروايات فأيّ دلالة له على دلالة الآية على ذلك؟ و ليست الروايات - كما عرفت - بصدد تفسير لفظ الكتاب، و إن أراد به قياس قوله:( وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) في الوضوء على قوله:( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ ) في التيمّم فهو ممنوع في المقيس و المقيس عليه جميعاً فإنّ الله تعالى عبّر في كليهما بالمسح المتعدّي بالباء، و قد تقدّم أنّ المسح المتعدّي بالباء لا يدلّ في اللّغة على استيعاب المسح الممسوح، و أنّ الّذي يدلّ على ذلك هو المسح المتعدّي بنفسه.

و هذه الوجوه و أمثالها ممّا وجّهت بها الآية بحملها على خلاف ظاهرها حفظاً للروايات فراراً من لزوم مخالفة الكتاب فيها، و لو جاز لنا تحميل معنى الرواية على الآية بتأويل الآية بحملها على خلاف ظاهرها لم يتحقّق لمخالفة الكتاب مصداق.

فالأحرى للقائل بوجوب غسل الرجلين في الوضوء أن يقول كما قال بعض السلف كأنس و الشعبيّ و غيرهما على ما نقل عنهم: أنّه نزل جبرئيل بالمسح و السنّة الغسل، و معناه نسخ الكتاب بالسنّة. و ينتقل البحث بذلك عن المسألة التفسيريّة إلى المسألة الاُصوليّة: (هل يجوز نسخ الكتاب بالسنّة أو لا يجوز)، و البحث فيه من شأن الاُصوليّ دون المفسّر، و ليس قول المفسّر بما هو مفسّر: إنّ الخبر الكذائيّ مخالف للكتاب إلّا للدلالة على أنّه غير ما يدلّ عليه ظاهر الكتاب دلالة معوّلاً عليها في الكشف عن المراد دون الفتيا بالحكم الشرعيّ الّذي هو شأن الفقيه.

و أمّا قوله تعالى:( إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) فالكعب هو العظم الناتئ في ظهر القدم. و ربّما قيل: إنّ الكعب هو العظم الناتئ في مفصل الساق و القدم، و هما كعبان في كلّ قدم في المفصل.

قوله تعالى: ( وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) الجنب في الأصل مصدر غلب عليه

٢٤١

الاستعمال بمعنى اسم الفاعل، و لذلك يستوي فيه المذكّر و المؤنّث و المفرد و غيره، يقال: رجل جنب و امرأة جنب و رجلان أو امرأتان جنب، و رجال أو نساء جنب، و اختصّ الاستعمال بمعنى المصدر للجنابة.

و الجملة أعني قوله:( وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) معطوفة على قوله:( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) لأنّ الآية مسوقة لبيان اشتراط الصلاة بالطهارة فالتقدير: و تطهّروا إن كنتم جنباً، فيؤول إلى تقدير شرط الخلاف في جانب الوضوء و تقدير الكلام: فاغسلوا وجوهكم و أيديكم و امسحوا برؤوسكم و أرجلكم إن لم تكونوا جنباً و إن كنتم جنباً فاطّهّروا و يستفاد من ذلك أنّ تشريع الوضوء إنّما هو في حال عدم الجنابة، و أمّا عند الجنابة فالغسل فحسب كما دلّت عليه الأخبار.

و قد بيّن الحكم بعينه في آية النساء بقوله:( وَ لا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى‏ تَغْتَسِلُوا ) فهذه الآية تزيد على تلك الآية بياناً بتسمية الاغتسال تطهّراً، و هذا غير الطهارة الحاصلة بالغسل، فإنّها أثر مترتّب، و هذا نفس الفعل الّذي هو الاغتسال و قد سمّي تطهّراً كما يسمّى غسل أوساخ البدن بالماء تنظّفاً.

و يستفاد من ذلك ما ورد في بعض الأخبار من قولهعليه‌السلام :( ما جرى عليه الماء فقد طهر) .

قوله تعالى: ( وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى‏ أَوْ عَلى‏ سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ) شروع في بيان حكم من لا يقدر على الماء حتّى يغسل أو يغتسل.

و الّذي ذكر من الموارد و عدّ بالترديد ليس بعضها يقابل بعضاً مقابلة حقيقيّة، فإنّ المرض و السفر ليسا بنفسهما يوجبان حدثاً مستدعياً للطهارة بالوضوء أو الغسل بل إنّما يوجبانه إذا أحدث المكلّف معهما حدثاً صغيراً أو كبيراً، فالشقّان الأخيران لا يقابلان الأوّلين بل كلّ من الأوّلين كالمنقسم إلى الأخيرين، و لذلك احتمل بعضهم أن يكون( أَوْ ) في قوله:( أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ ) ، بمعنى الواو كما سيجي‏ء، على أنّ العذر لا ينحصر في المرض و السفر بل له مصاديق اُخر.

٢٤٢

لكنّ الله سبحانه ذكر المرض و السفر و هما مظنّة عدم التمكّن من الماء غالباً، و ذكر المجي‏ء من الغائط و ملامسة النساء و فقدان الماء معهما اتّفاقيّ، و من جهة اُخرى - و هي عكس الجهة الاُولى - عروض المرض و السفر للإنسان بالنظر إلى بنيته الطبيعيّة أمر اتّفاقيّ بخلاف التردّد إلى الغائط و ملامسة النساء فإنّهما من حاجة الطبيعة: أحدهما يوجب الحدث الأصغر الّذي يرتفع بالوضوء، و الآخر الحدث الأكبر الّذي يرتفع بالغسل.

فهذه الموارد الأربع موارد يبتلى الإنسان ببعضها اتّفاقاً و ببعضها طبعاً. و هي تصاحب فقدان الماء غالباً كالمرض و السفر أو اتّفاقاً كالتخلّي و المباشرة إذا انضمّ إليها عدم وجدان الماء فالحكم هو التيمّم.

و على هذا يكون عدم وجدان الماء كناية عن عدم القدرة على الاستعمال. كنّى به عنه لأنّ الغالب هو استناد عدم القدرة إلى عدم الوجدان، و لازم ذلك أن يكون عدم الوجدان قيداً لجميع الاُمور الأربعة المذكورة حتّى المرض.

و قد تبيّن بما قدّمناهأوّلاً : أنّ المراد بالمرض في قوله:( كُنْتُمْ مَرْضى) هو المرض الّذي يتحرّج معه الإنسان من استعمال الماء و يتضرّر به على ما يعطيه التقييد بقوله:( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ) و يفيده أيضاً سياق الكلام في الآية.

و ثانياً : أنّ قوله:( أَوْ عَلى‏ سَفَرٍ ) شقّ برأسه يبتلى به الإنسان اتّفاقاً و يغلب عليه فيه فقدان الماء، فليس بمقيّد بقوله:( أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ ) إلخ بل هو معطوف على قوله:( فَاغْسِلُوا ) و التقدير: إذا قمتم إلى الصلاة و كنتم على سفر و لم تجدوا ماءً فتيمّموا، فحال هذا الفرض في إطلاقه و عدم تقيّده بوقوع أحد الحدثين حال المعطوف عليه أعني قوله:( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) إلخ فكما لم يحتج إلى التقييد ابتداءً لم يحتج إليه ثانياً عند العطف.

و ثالثاً : أنّ قوله:( أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ) شقّ آخر مستقلّاً و ليس كما قيل: إنّ( أَوْ ) فيه بمعنى الواو كقوله تعالى:( وَ أَرْسَلْناهُ إِلى‏ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ) (الصافّات: ١٤٧) لما عرفت من عدم الحاجة إلى ذلك. على أنّ( أَوْ ) في الآية

٢٤٣

المستشهد بها ليس إلّا بمعناها الحقيقيّ، و إنّما الترديد راجع إلى كون المقام مقاماً يتردّد فيه بالطبع لا لجهل في المتكلّم كما يقال بمثله في الترجّي و التمنّي الواقعين في القرآن كقوله:( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (البقرة: ٢١)، و قوله:( لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) (البقرة: ١٠٢).

و حكم هذه الجملة في العطف حكم سابقتها، و التقدير: إذا قمتم إلى الصلاة و كان جاء أحد منكم من الغائط و لم تجدوا ماءً فتيمّموا.

و ليس من البعيد أن يستفاد من ذلك عدم وجوب إعادة التيمّم أو الوضوء لمن لم تنتقض طهارته بالحدث الأصغر إن كان على طهارة بناءً على مفهوم الشرط فيتأيّد به من الروايات ما يدلّ على عدم وجوب التطهّر لمن كان على طهارة.

و في قوله تعالى:( أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ) من الأدب البارع ما لا يخفى للمتدبّر حيث كنّى عن المراد بالمجي‏ء من الغائط، و الغائط هو المكان المنخفض من الأرض و كانوا يقصدونه لقضاء الحاجة ليتستّروا به من الناس تأدّباً، و استعمال الغائط في معناه المعروف اليوم استعمال مستحدث من قبيل الكنايات المبتذلة كما أنّ لفظ العذرة كذلك، و الأصل في معناها عتبة الباب سمّيت بها لأنّهم كانوا يخلّون ما اجتمع في كنيف البيت فيها على ما ذكره الجوهريّ في الصحاح.

و لم يقل: أو جئتم من الغائط لما فيه من تعيين المنسوب إليه، و كذا لم يقل: أو جاء أحدكم من الغائط لما فيه من الإضافة الّتي فيها شوب التعيين بل بالغ في الإبهام فقال:( أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ) رعاية لجانب الأدب.

و رابعاً : أنّ قوله:( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ) كسابقه شقّ من الشقوق المفروضة مستقلّ و حكمه في العطف و المعنى حكم سابقه، و هو كناية عن الجماع أدباً صوناً للّسان من التصريح بما تأبى الطباع عن التصريح به.

فإن قلت: لو كان كذلك كان التعبير بمثل ما عبّر به عنه سابقاً بقوله:( وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً ) اُولى لكونه أبلغ في رعاية الأدب.

قلت: نعم لكنّه كان يفوّت نكتة مرعيّة في الكلام، و هي الدلالة على كون الأمر ممّا يقتضيه الطبيعة كما تقدّم بيانه، و التعبير بالجنابة فاقد للإشعار بهذه النكتة.

٢٤٤

و ظهر أيضاً فساد ما نسب إلى بعضهم: أنّ المراد بملامسة النساء هو الملامسة حقيقة بنحو التصريح من غير أن تكون كناية عن الجماع. وجه فساده أنّ سياق الآية لا يلائمه، و إنّما يلائم الكناية فإنّ الله سبحانه ابتدأ في كلامه ببيان حكم الحدث الأصغر بالوضوء و حكم الجنابة بالغسل في الحال العاديّ، و هو حال وجدان الماء، ثمّ انتقل الكلام إلى بيان الحكم في الحال غير العاديّ، و هو حال فقدان الماء فبيّن فيه حال بدل الوضوء و هو التيمّم فكان الأحرى و الأنسب بالطبع أن يذكر حال بدل الغسل أيضاً، و هو قرين الوضوء، و قد ذكر ما يمكن أن ينطبق عليه، و هو قوله:( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ) على سبيل الكناية، فالمراد به ذلك لا محالة، و لا وجه لتخصيص الكلام ببيان حكم بدل الوضوء و هو أحد القرينين، و إهمال حكم بدل القرين الآخر و هو الغسل رأساً.

و خامساً : يظهر بما تقدّم فساد ما اُورد على الآية من الإشكالات: فمنها أنّ ذكر المرض و السفر مستدرك، فإنّهما إنّما يوجبان التيمّم بانضمام أحد الشقّين الأخيرين و هو الحدث و الملامسة، مع أنّهما يوجبانه و لو لم يكن معهما مرض أو سفر فذكر الأخيرين يغني عن ذكر الأوّلين. و الجواب أنّ ذكر الشقّين الأخيرين ليس لغرض انضمامهما إلى أحد الأوّلين بل كلّ من الأربعة شقّ مستقلّ مذكور لغرض خاصّ به يفوت بحذفه من الكلام على ما تقدّم بيانه.

و منها: أنّ الشقّ الثاني و هو قوله:( أَوْ عَلى‏ سَفَرٍ ) مستدرك و ذلك بمثل ما وجّه به الإشكال السابق غير أنّ المرض لمّا كان عذره الموجب للانتقال إلى البدل هو عدم التمكّن من استعمال الماء الموجود لا عدم وجدان الماء كان من اللّازم أن يقدّر له ذلك في الكلام، و لا يغني عن ذكره ذكر الشقّين الأخيرين مع عدم وجدان الماء، و نتيجة هذا الوجه كون السفر مستدركاً فقط. و الجواب أنّ عدم الوجدان في الآية كناية عن عدم التمكّن من استعمال الماء أعمّ من صورة وجدانه أو فقدانه كما تقدّم.

و منها: أنّ قوله:( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ) يغني عن ذكر جميع الشقوق، و لو قيل مكان قوله:( وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) إلخ:( و إن لم تجدوا ماء) لكان أوجز و أبين، و الجواب: أنّ فيه إضاعة لما تقدّم من النكات.

٢٤٥

و منها: أن لو قيل: و إن لم تقدروا على الماء أو ما يفيد معناه كان أولى، لشموله عذر المرض مضافاً إلى عذر غيره. و الجواب: أنّه اُفيد بالكناية، و هي أبلغ.

قوله تعالى: ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ ) التيمّم هو القصد، و الصعيد هو وجه الأرض، و توصيفه بالطيب - و الطيب في الشي‏ء كونه على حال يقتضيه طبعه - للإشارة إلى اشتراط كونه على حاله الأصليّ كالتراب و الأحجار العاديّة دون ما خرج من الأرضيّة بطبخ أو نضج أو غير ذلك من عوامل التغيير كالجصّ و النورة و الخزف و الموادّ المعدنيّة، قال تعالى:( وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً ) (الأعراف: ٥٨) و من ذلك يستفاد الشروط الّتي أخذت السنّة في الصعيد الّذي يتيمّم به.

و ربّما يقال: إنّ المراد بالطيب الطهارة، فيدلّ على اشتراط الطهارة في الصعيد.

و قوله:( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ ) ينطبق ما ذكره في التيمّم للمسح على ما ذكره في الوضوء للغسل، فالتيمّم في الحقيقة وضوء اُسقطت فيه المسحتان: مسح الرأس و مسح الرجلين، و اُبدلت فيه الغسلتان: غسلة الوجه و اليدين إلى المرفقين بالمسحتين، و اُبدل الماء بالتراب تخفيفاً.

و هذا يشعر بأنّ العضوين في التيمّم هما العضوان في الوضوء، و لمّا عبّر تعالى بالمسح المتعدّي بالباء دلّ ذلك على أنّ المعتبر في التيمّم هو مسح بعض عضوي الغسل في الوضوء أعني بعض الوجه، و بعض اليد إلى المرفق، و ينطبق على ما ورد من طرق أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام من تحديد الممسوح من الوجه بما بين الجبينين و الممسوح من اليد بما دون الزند منها.

و بذلك يظهر فساد ما ذكره بعضهم من تحديد اليد بما دون الإبطين. و ما ذكره آخرون أنّ المعتبر من اليد في التيمّم عين ما اعتبر في الوضوء و هو ما دون المرفق، و ذلك أنّه لا يلائم المسح المتعدّي بالباء الدالّ على مرور الماسح ببعض الممسوح.

و( من ) في قوله:( مِنْهُ ) كأنّها ابتدائيّة و المراد أن يكون المسح بالوجه و اليدين مبتدءاً من الصعيد، و قد بيّنته السنّة بأنّه بضرب اليدين على الصعيد و مسحهما بالوجه و اليدين.

٢٤٦

و يظهر من بعضهم: أنّ( من ) ههنا تبعيضيّة فتفيد أن يكون في اليدين بعد الضرب بقيّة من الصعيد كغبار و نحوه بمسح الوجه و اليدين و استنتج منه وجوب كون الصعيد المضروب عليه مشتملاً على شي‏ء من الغبار يمسح منه بالوجه و اليدين فلا يصحّ التيمّم على حجر أملس لم يتعلّق به غبار، و الظاهر ما قدّمناه - و الله أعلم - و ما استنتجه من الحكم لا يختصّ بما احتمله.

قوله تعالى: ( ما يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ) دخول( مِنَ ) على مفعول( ما يُرِيدُ ) لتأكيد النفي، فلا حكم يراد به الحرج بين الأحكام الدينيّة أصلاً، و لذلك علّق النفي على إرادة الجعل دون نفس الحرج.

و الحرج حرجان: حرج يعرض ملاك الحكم و مصلحته المطلوبة، و يصدر الحكم حينئذ حرجيّاً بذاته لتبعيّة ملاكه كما لو حرّم الالتذاذ من الغذاء لغرض حصول ملكة الزهد، فالحكم حرجيّ من رأس، و حرج بعرض الحكم من خارج عن أسباب اتّفاقيّة فيكون بعض أفراده حرجيّاً و يسقط الحكم حينئذ في تلك الأفراد الحرجيّة لا في غيرها ممّا لا حرج فيه، كمن يتحرّج عن القيام في الصلاة لمرض يضرّه معه ذلك، و يسقط حينئذ وجوب القيام عنه لا عن غيره ممّن يستطيعه.

و إضرابه تعالى بقوله:( وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ) ، عن قوله:( ما يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ) يدلّ على أنّ المراد بالآية نفي الحرج الّذي في الملاك أي إنّ الأحكام الّتي يجعلها عليكم ليست بحرجيّة شرّعت لغرض الحرج، و ذلك لأنّ معنى الكلام أنّ مرادنا بهذه الأحكام المجعولة تطهيركم و إتمام النعمة و هو الملاك، لا أن نشقّ عليكم و نحرّجكم، و لذلك لمّا وجدنا الوضوء و الغسل حرجيّين عليكم عند فقدان الماء انتقلنا من إيجاب الوضوء و الغسل إلى إيجاب التيمّم الّذي هو في وسعكم، و لم يبطل حكم الطهارة من رأس لإرادة تطهيركم و إتمام النعمة عليكم لعلكم تشكرون.

قوله تعالى: ( وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) لازم ما تقدّم من معنى نفي إرادة الحرج أن يكون المراد بقوله:( يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ) أنّ

٢٤٧

تشريع الوضوء و الغسل و التيمّم إنّما هو حصول الطهارة فيكم لكونها أسباباً لذلك، و هذه الطهارة أيّاً مّا كانت ليست بطهارة عن الخبث بل هي طهارة معنويّة حاصلة بأحد هذه الأعمال الثلاثة، و هي الّتي تشترط بها الصلاة في الحقيقة.

و من الممكن أن يستفاد من ذلك عدم وجوب الإتيان بعمل الطهارة عند القيام إلى كلّ صلاة إذا كان المصلّي على طهارة غير منقوضة، و لا ينافي ذلك ظهور صدر الآية في الإطلاق لأنّ التشريع أعمّ ممّا يكون على سبيل الوجوب.

و أمّا قوله:( وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ ) ، فقد مرّ معنى النعمة و إتمامها في الكلام على قوله تعالى:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) (المائدة: ٣) و معنى الشكر في الكلام على قوله تعالى:( وَ سَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) (آل عمران: ١٤٤) في الجزء الرابع من الكتاب.

فالمراد بالنعمة في الآية هو الدين لا من حيث أجزائه من المعارف و الأحكام، بل من حيث كونه إسلام الوجه لله في جميع الشؤون، و هو ولاية الله على العباد بما يحكم فيهم، و إنّما يتمّ ذلك باستيفاء التشريع جميع الأحكام الدينيّة الّتي منها حكم الطهارات الثلاث.

و من هنا يظهر أنّ بين الغايتين أعني قوله:( لِيُطَهِّرَكُمْ ) و قوله:( لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ ) فرقاً، و هو أنّ الطهارة غاية لتشريع الطهارات الثلاث بخلاف إتمام النعمة، فإنّه غاية لتشريع جميع الأحكام، و ليس للطهارات الثلاث منها إلّا سهمها، فالغايتان خاصّة و عامّة.

و على هذا فالمعنى: و لكن نريد بجعل الطهارات الثلاث حصول الطهارة بها خاصّة لكم، و لأنّها بعض الدين الّذي يتمّ بتشريع جميعها نعمة الله عليكم لعلّكم تشكرون الله على نعمته فيخلصكم لنفسه، فافهم ذلك.

قوله تعالى: ( وَ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَ مِيثاقَهُ الّذي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَ أَطَعْنا ) ، هذا هو الميثاق الّذي كان مأخوذاً منهم على الإسلام كما تشهد به تذكرته

٢٤٨

لهم بقوله:( إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَ أَطَعْنا ) فإنّه السمع المطلق، و الطاعة المطلقة، و هو الإسلام لله فالمعنيّ بالنعمة في قوله:( وَ اذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ ) هو المواهب الجميلة الّتي وهبهم الله سبحانه إيّاها في شعاع الإسلام، و هو التفاضل الّذي بين حالهم في جاهليّتهم و حالهم في إسلامهم من الأمن و العافية و الثروة و صفاء القلوب و طهارة الأعمال كما قال تعالى:( وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَ كُنْتُمْ عَلى‏ شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها ) (آل عمران: ١٠٣).

أو أنّ الإسلام بحقيقته هو المراد بالنعمة، فإنّه اُمّ النعم ترتضع منها كلّ نعمة كما تقدّم بيانه، و غير مخفيّ عليك أنّ المراد بكون النعمة هي الإسلام بحقيقته أو الولاية إنّما هو تعيين المصداق دون تشخيص مفهوم اللّفظ، فإنّ المفهوم هو الّذي يشخّصه اللّغة، و لا كلام لنا فيه.

ثمّ ذكّرهم نفسه و أنّه عالم بخفايا زوايا القلوب، فأمرهم بالتقوى بقوله:( وَ اتَّقُوا الله إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ) .

( بحث روائي)

في التهذيب، مسنداً عن الصادقعليه‌السلام : في قوله تعالى:( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ) قال: إذا قمتم من النوم قال الراوي: - و هو ابن بكير - قلت: ينقض النوم الوضوء؟ فقال: نعم إذا كان يغلب على السمع و لا يسمع الصوت.

أقول: و هذا المعنى مرويّ في غيره من الروايات، و رواه السيوطيّ في الدرّ المنثور، عن زيد بن أسلم و النحّاس: و هذا لا ينافي ما قدّمنا أنّ المراد بالقيام إلى الصلاة إرادتها، لأنّ ما ذكرناه هو معنى القيام من حيث تعدّيه بإلى، و ما في الرواية معناه من حيث تعدّيه بمن.

و في الكافي، بإسناده عن زرارة قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : من أين علمت و

٢٤٩

قلت: إنّ المسح ببعض الرأس و بعض الرجلين؟ فضحك ثمّ قال: يا زرارة قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و نزل به الكتاب من الله، لأنّ الله عزّوجلّ يقول:( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) فعرفنا أنّ الوجه كلّه ينبغي أن يغسل ثمّ قال:( وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ) فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه فعرفنا أنّه ينبغي لهما أن تغسلا إلى المرفقين، ثمّ فصل بين الكلام فقال:( وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ) فعرفنا حين قال:( بِرُؤُسِكُمْ ) أنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء، ثمّ وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال:( وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) فعرفنا حين وصلهما بالرأس أنّ المسح على بعضهما، ثمّ فسّر ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للناس فضيّعوه ثمّ قال:( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ ) فلمّا وضع الوضوء إن لم يجدوا ماءً أثبت بعض الغسل مسحاً لأنّه قال:( بِوُجُوهِكُمْ ) ثمّ وصل بها( وَ أَيْدِيَكُمْ ) ثمّ قال:( مِنْهُ ) أي من ذلك التيمّم، لأنّه علم أنّ ذلك أجمع لم يجر على الوجه لأنّه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكفّ و لا يعلق ببعضها، ثمّ قال الله:( ما يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ) و الحرج الضيق.

أقول: قوله:( ثم قال: فإن لم تجدوا ماء) ، نقل الآية بالمعنى.

و فيه، بإسناده عن زرارة و بكير: أنّهما سألا أباجعفرعليه‌السلام عن وضوء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعا بطست - أو تور - فيه ماء فغمس يده اليمنى فغرف بها غرفة فصبّها على وجهه فغسل بها وجهه، ثمّ غمس يده اليسرى فغرف بها غرفة فأفرغ على ذراعه اليمنى فغسل بها ذراعه من المرافق إلى الكفّ لا يردّها إلى المرافق، ثمّ غمس كفّه اليمنى فأفرغ بها على ذراعه اليسرى من المرفق، و صنع بها ما صنع باليمنى، ثمّ مسح رأسه و قدميه ببلل كفّه لا يحدث لهما ماءً جديداً، ثمّ قال: و لا يدخل أصابعه تحت الشراك. ثمّ قال: إنّ الله عزّوجلّ يقول:( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ ) فليس له أن يدع شيئاً من وجهه إلّا غسله، و أمر أن يغسل اليدين إلى المرفقين، فليس له أن يدع من يديه إلى المرفقين شيئاً إلّا غسله لأنّ الله يقول:( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى

٢٥٠

الْمَرافِقِ ) ، ثمّ قال:( وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) فإذا مسح بشي‏ء من رأسه أو بشي‏ء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه. قال: فقلنا: أين الكعبان؟ قال: هنا يعني المفصل دون عظم الساق، فقلنا: هذا ما هو؟ فقال: هذا من عظم الساق، و الكعب أسفل من ذلك، فقلنا: أصلحك الله و الغرفة الواحدة تجزي للوجه و غرفة للذراع؟ قال: نعم إذا بالغت فيها، و اثنتان تأتيان على ذلك كلّه.

أقول: و الرواية من المشهورات، و رواها العيّاشيّ عن بكير و زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام ، و عن عبدالله بن سليمان عن أبي جعفرعليه‌السلام مثله، و في معناها و معنى الرواية السابقة روايات اُخر.

في تفسير البرهان، العيّاشيّ عن زرارة بن أعين، و أبو حنيفة عن أبي بكر بن حزم قال: توضّأ رجل فمسح على خفّيه فدخل المسجد فصلّى فجاء عليّعليه‌السلام فوطأ على رقبته فقال: ويلك تصلّي على غير وضوء؟ فقال: أمرني عمر بن الخطّاب قال: فأخذ بيده فانتهى به إليه، فقال: انظر ما يروي هذا عليك، و رفع صوته، فقال: نعم أنا أمرته إنّ رسول الله مسح، قال: قبل المائدة أو بعدها؟ قال: لا أدري، قال: فلم تفتي و أنت لا تدري؟ سبق الكتاب الخفّين.

أقول: و قد شاع على عهد عمر الخلاف في المسح على الخفّين و قول عليّعليه‌السلام بكونه منسوخاً بآية المائدة على ما يظهر من الروايات، و لذلك روي عن بعضهم كالبراء و بلال و جرير بن عبدالله أنّهم رووا عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسح على الخفّين بعد نزول المائدة و لا يخلو من شي‏ء فكأنّه ظنّ أنّ النسخ إنّما ادّعي بأمر غير مستند إلى الآية، و ليس كذلك فإنّ الآية إنّما تثبت المسح على القدمين إلى الكعبين و ليس الخفّ بقدم البتّة، و هذا معنى الرواية التالية.

و في تفسير العيّاشيّ، عن محمّد بن أحمد الخراسانيّ - رفع الحديث - قال: أتى أميرالمؤمنينعليه‌السلام رجل فسأله عن المسح على الخفّين فأطرق في الأرض مليّاً ثمّ رفع رأسه فقال: إنّ الله تبارك و تعالى أمر عباده بالطهارة، و قسّمها على الجوارح فجعل للوجه منه نصيباً، و جعل للرأس منه نصيباً، و جعل للرجلين منه نصيباً، و جعل لليدين منه نصيباً

٢٥١

فإن كانتا خفاك من هذه الأجزاء فامسح عليهما.

و فيه، أيضاً عن الحسن بن زيد عن جعفر بن محمّد: إنّ عليّاً خالف القوم في المسح على الخفّين على عهد عمر بن الخطّاب قالوا: رأينا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمسح على الخفّين قال: فقال عليّعليه‌السلام : قبل نزول المائدة أو بعدها؟ فقالوا: لا ندري، قال: و لكني أدري إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك المسح على الخفّين حين نزلت المائدة، و لأن أمسح على ظهر حمار أحبّ إلي من أن أمسح على الخفّين، و تلا هذه الآية:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا - إلى قوله -الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) .

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن جرير و النحّاس في ناسخه عن عليّ: أنّه كان يتوضّأ عند كلّ صلاة و يقرأ:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ) (الآية).

أقول: و قد تقدّم توضيحها.

و في الكافي، بإسناده عن الحلبيّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن قول الله عزّوجلّ:( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ) قال: هو الجماع و لكنّ الله ستير يحبّ الستر فلم يسمّ كما تسمّون.

و في تفسير العيّاشيّ، عن زرارة قال: سألت أباجعفرعليه‌السلام عن التيمّم فقال: إنّ عمّار بن ياسر أتى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: اُجنبت و ليس معي ماء، فقال: كيف صنعت يا عمّار؟ قال: نزعت ثيابي ثمّ تمعّكت على الصعيد فقال: هكذا يصنع الحمار إنّما قال الله:( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ ) ثمّ وضع يديه جميعاً على الصعيد ثمّ مسحهما ثمّ مسح من بين عينيه إلى أسفل حاجبيه، ثمّ دلك إحدى يديه بالاُخرى على ظهر الكفّ، بدأ باليمين.

و فيه، عن زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: فرض الله الغسل على الوجه و الذراعين و المسح على الرأس و القدمين فلمّا جاء حال السفر و المرض و الضرورة وضع الله الغسل و أثبت الغسل مسحاً فقال:( وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى‏ أَوْ عَلى‏ سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ - إلى قوله -وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ ) .

و فيه، عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام إنّي عثرت

٢٥٢

فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة كيف أصنع بالوضوء؟ قال: فقالعليه‌السلام : يعرف هذا و أشباهه من كتاب الله تبارك و تعالى:( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )

أقول: إشارة إلى آية سورة الحجّ النافية للحرج، و في عدوله عن ذيل آية الوضوء إلى ما في آخر سورة الحجّ دلالة على ما قدّمناه من معنى نفي الحرج. و فيما نقلناه من الأخبار نكات جمّة تتبيّن بما قدّمناه في بيان الآيات فليتلقّ بمنزلة الشرح للروايات.

٢٥٣

( سورة المائدة الآيات ٨ - ١٤)

يَاأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ للّهِ‏ِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى‏ أَلّا تَعْدِلُوا إِعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتّقْوَى‏ وَاتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ( ٨) وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الْصّالِحَاتِ لَهُم مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ( ٩) وَالّذِينَ كَفَرُوا وَكَذّبُوا بِآيَاتِنَا أُولئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ( ١٠) يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتّقُوا اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ( ١١) وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللّهُ إِنّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصّلاَةَ وَآتَيْتُمْ الزّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفّرَنّ عَنكُمْ سَيّآتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنّكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلّ سَوَاءَ السّبِيلِ( ١٢) فَبِمَا نَقْضِهِم مِيثَاقَهُمْ لَعَنّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمّا ذُكّرُوا بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطّلِعُ عَلَى‏ خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ( ١٣) وَمِنَ الّذِينَ قَالُوا إِنّا نَصَارَى‏ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمّا ذُكّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى‏ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ( ١٤)

( بيان)

اتّصال الآيات ظاهر لا غبار عليه، فإنّها سلسلة خطابات للمؤمنين فيما يهمّهم من كلّيّات اُمورهم في آخرتهم و دنياهم منفرديّن و مجتمعين.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لله شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَ لا

٢٥٤

يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى‏ أَلَّا تَعْدِلُوا ) الآية نظيره الآية الّتي في سورة النساء:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لله وَ لَوْ عَلى‏ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَالله أَوْلى‏ بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى‏ أَنْ تَعْدِلُوا وَ إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ الله كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً ) (النساء: ١٣٥).

و إنّما الفرق بين الآيتين أنّ آية النساء في مقام النهي عن الانحراف عن العدل في الشهادة لاتّباع الهوى بأن يهوى الشاهد المشهود له لقرابة و نحوها، فيشهد له بما ينتفع به على خلاف الحقّ، و هذه الآية - أعني آية المائدة - في مقام الردع عن الانحراف عن العدل في الشهادة لشنآن و بغض من الشاهد للمشهود عليه، فيقيم الشهادة عليه يريد بها نوع انتقام منه و دحض لحقّه.

و هذا الاختلاف في غرض البيان هو الّذي أوجب اختلاف القيود في الآيتين: فقال في آية النساء:( كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لله ) و في آية المائدة:( كُونُوا قَوَّامِينَ لله شُهَداءَ بِالْقِسْطِ ) .

و ذلك أنّ الغرض في آية المائدة لمّا كان هو الردع عن الظلم في الشهادة لسابق عداوة من الشاهد للمشهود عليه قيّد الشهادة بالقسط، فأمر بالعدل في الشهادة و أن لا يشتمل على ظلم حتّى على العدوّ بخلاف الشهادة لأحد بغير الحقّ لسابق حبّ و هوى، فإنّها لا تعدّ ظلماً في الشهادة و انحرافاً عن العدل و إن كانت في الحقيقة لا تخلو عن ظلم و حيف، و لذلك أمر في آية المائدة بالشهادة بالقسط، و فرّعه على الأمر بالقيام لله، و أمر في آية النساء بالشهادة لله أي أن لا يتّبع فيها الهوى، و فرّعه على الأمر بالقيام بالقسط.

و لذلك أيضاً فرع في آية المائدة على الأمر بالشهادة بالقسط قوله:( اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى‏ وَ اتَّقُوا الله ) فدعا إلى العدل، و عدّه ذريعة إلى حصول التقوى، و عكس الأمر في آية النساء ففرّع على الأمر بالشهادة لله قوله:( فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى‏ أَنْ تَعْدِلُوا ) فنهى عن اتّباع الهوى و ترك التقوى، و عدّه وسيلة سيّئة إلى ترك العدل.

ثمّ حذّر في الآيتين جميعاً في ترك التقوى تحذيراً واحداً فقال في آية النساء:( وَ إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ الله كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً ) أي إن لم تتّقوا، و قال في

٢٥٥

آية المائدة:( وَ اتَّقُوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ) و أمّا معنى القوّامين لله شهداء بالقسط إلخ فقد ظهر في الكلام على الآيات السابقة.

قوله تعالى: ( اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) ، الضمير راجع إلى العدل المدلول عليه بقوله:( اعْدِلُوا ) و المعنى ظاهر.

قوله تعالى: ( وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) الجملة الثانية أعني قوله:( لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ) ، إنشاء للوعد الّذي أخبر عنه بقوله:( وَعَدَ الله ) ، و هذا كما قيل: آكد بياناً من قوله:( وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً ) (الفتح: ٢٩) لا لما قيل: إنّه لكونه خبراً، بعد خبر فإنّ ذلك خطأ، بل لكونه تصريحاً بإنشاء الوعد من غير أن يدلّ عليه ضمناً كآية سورة الفتح.

قوله تعالى: ( وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ ) قال الراغب: الجحمة شدّة تأجّج النار و منه الجحيم، انتهي. و الآية تشتمل على نفس الوعيد، و تقابل قوله تعالى في الآية السابقة:( لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) .

و تقييد الكفر بتكذيب الآيات للاحتراز عن الكفر الّذي لا يقارن تكذيب الآيات الدالّة، و لا ينتهي إلى إنكار الحقّ مع العلم بكونه حقّاً كما في صورة الاستضعاف، فإنّ أمره إلى الله إن يشأ يغفره و إن يشأ يعذّب عليه فهاتان الآيتان وعد جميل للّذين آمنوا و عملوا الصالحات، و إيعاد شديد للّذين كفروا و كذّبوا بآيات الله، و بين المرحلتين مراحل متوسّطة و منازل متخلّلة أبهم الله سبحانه أمرها و عقباها.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا ) إلخ هذا المضمون يقبل الانطباق على وقائع متعدّدة مختلفة وقعت بين الكفّار و المسلمين كغزوات بدر و اُحد و الأحزاب و غير ذلك، فالظاهر أنّ المراد به مطلق ما همّ به المشركون من قتل المؤمنين و إمحاء أثر الإسلام و دين التوحيد.

و ما ذكره بعض المفسّرين أنّ المراد به ما همّ بعض المشركين من قتل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو ما همّ به بعض اليهود من الفتك به - و سيجي‏ء قصّتهما - فبعيد من ظاهر اللّفظ كما لا يخفى.

٢٥٦

قوله تعالى: ( وَ اتَّقُوا الله وَ عَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) أمر بالتقوى و التوكّل على الله، و المراد بالحقيقة النهي و التحذير الشديد عن ترك التقوى و ترك التوكّل على الله سبحانه، و الدليل على ذلك ما سرده تعالى من قصّة أخذ الميثاق من بني إسرائيل و من الّذين قالوا إنّا نصارى، ثمّ نقض الطائفتين الميثاق الإلهيّ و ابتلاء الله إيّاهم باللّعن و تقسية القلوب، و نسيان حظّ من دينهم، و إغراء العداوة و البغضاء بينهم إلى يوم القيامة.

و لم يذكر القصّة إلّا ليستشهد بها على المؤمنين، و يجعلها نصب أعينهم ليعتبروا بها و ينتبهوا بأنّ اليهود و النصارى إنّما ابتلوا بما ابتلوا به لنسيانهم ميثاق الله سبحانه و لم يكن إلّا ميثاقاً بالإسلام لله، واثقوه بالسمع و الطاعة، و كان لازم ذلك أن يتّقوا مخالفة ربّهم و أن يتوكّلوا عليه في اُمور دينهم أي يتّخذوه وكيلاً فيها يختارون ما يختاره لهم، و يتركون ما يكرهه لهم، و طريقه طاعة رسلهم بالإيمان بهم، و ترك متابعة غير الله و رسله، ممّن يدعو إلى نفسه و الخضوع لأمره من الجبابرة و الطغاة و غيرهم حتّى الأحبار و الرهبان فلا طاعة إلّا لله أو من أمر بطاعته.

لكنّهم نبذوه وراءهم ظهريّاً فاُبعدوا من رحمة الله و حرّفوا الكلم عن مواضعه و فسّروها بغير ما اُريد بها فأوجب ذلك أن نسوا حظّاً من الدين و لم يكن إلّا حظّاً و سهماً يرتحل بارتحاله عنهم كلّ خير و سعادة و أفسد ذلك ما بقي بأيديهم من الدين فإنّ الدين مجموع من معارف و أحكام مرتبط بعضها ببعض يفسد بعضه بفساد بعض آخر سيّما الأركان و الاُصول و ذلك كمن يصلّي لكن لا لوجه الله، أو ينفق لا لمرضاة الله، أو يقاتل لا لإعلاء كلمة الحقّ. فلا ما بقي في أيديهم نفعهم، إذ كان محرّفاً فاسداً، و لا ما نسوه من الدين أمكنهم أن يستغنوا عنه، و لا غنى عن الدين و لا سيّما اُصوله و أركانه.

فمن هنا يعلم أنّ المقام يقتضي أن يحذّر المؤمنون عن مخالفة التقوى و ترك التوكّل على الله بذكر هذه القصّة و دعوتهم إلى الاعتبار بها.

و من هنا يظهر أيضاً: أنّ المراد بالتوكّل ما يشمل الاُمور التشريعيّة و

٢٥٧

التكوينيّة جميعاً أو ما يختصّ بالتشريعيّات بمعنى أنّ الله سبحانه يأمر المؤمنين بأن يطيعوا الله و رسوله في أحكامه الدينيّة و ما أتاهم به و بيّنه لهم رسوله و يكلوا أمر الدين و القوانين الإلهيّة إلى ربّهم، و يكفّوا عن الاستقلال بأنفسهم، و التصرّف فيما أودعه عندهم من شرائعه كما يأمرهم أن يطيعوه فيما سنّ لهم من سنّة الأسباب و المسبّبات فيجروا على هذه السنّة من غير اعتماد بها و إعطاء استقلال و ربوبيّة لها، و ينتظروا ما يريده الله و يختاره لهم من النتائج بتدبيره و مشيئته.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ أَخَذَ الله مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَ بَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً ) (الآية) قال الراغب: النقب في الحائط و الجلد كالثقب في الخشب. قال: و النقيب الباحث عن القوم و عن أحوالهم، و جمعه نقباء. انتهي.

و الله سبحانه يقصّ على المؤمنين من هذه الاُمّة ما جرى على بني إسرائيل من إحكام دينهم و تثبيت أمرهم بأخذ الميثاق، و بعث النقباء، و إبلاغ البيان، و إتمام الحجّة ثمّ ما قابلوه به من نقض الميثاق، و ما قابلهم به الله سبحانه من اللّعن و تقسية القلوب إلخ. فقال:( وَ لَقَدْ أَخَذَ الله مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ ) و هو الّذي يذكره كثيراً في سورة البقرة و غيرها:( وَ بَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً ) و الظاهر أنّهم رؤساء الأسباط الاثني عشر، كانوا كالولاة عليهم يتولّون اُمورهم فنسبتهم إلى أسباطهم بوجه كنسبة اُولي الأمر إلى الأفراد في هذه الاُمّة لهم المرجعيّة في اُمور الدين و الدنيا غير أنّهم لا يتلقّون وحياً، و لا يشرّعون شريعة و إنّما ذلك إلى الله و رسوله( وَ قالَ الله إِنِّي مَعَكُمْ ) إيذان بالحفظ و المراقبة فيتفرّع عليه أن ينصرهم إن أطاعوه و يخذلهم إن عصوه و لذلك ذكر الأمرين جميعاً فقال:( لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَ آتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَ آمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَ عَزَّرْتُمُوهُمْ ) و التعزير هو النصرة مع التعظيم، و المراد بالرسل ما سيستقبلهم ببعثته و دعوته كعيسى و محمّدعليهما‌السلام و سائر من بعثه الله بين موسى و محمّدعليهم‌السلام ( وَ أَقْرَضْتُمُ الله قَرْضاً حَسَناً ) و هو الإنفاق المندوب دون الزكاة الواجبة( لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ لَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ) فهذا ما يرجع إلى جميل الوعد. ثمّ قال:( فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ ) .

٢٥٨

قوله تعالى: ( فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَ جَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً ) ، ذكر تعالى جزاء الكفر بالميثاق المذكور ضلال سواء السبيل، و هو ذكر إجماليّ يفصّله ما في هذه الآية من أنواع النقم الّتي نسب الله سبحانه بعضها إلى نفسه كاللّعن و تقسية القلوب ممّا تستقيم فيه النسبة، و بعضها إلى أنفسهم ممّا وقع باختيارهم كالّذي يعني بقوله:( وَ لا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى‏ خائِنَةٍ مِنْهُمْ ) فهذا كلّه جزاؤهم بما كفروا بآيات الله الّتي على رأسها الميثاق المأخوذ منهم، أو جزاء كفرهم بالميثاق خاصّة فإنّ سواء السبيل الّذي ضلّوه هو سبيل السعادة الّتي بها عمارة دنياهم و اُخراهم.

فقوله:( فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ ) الظاهر أنّه هو الكفر الّذي توعّد الله عليه في الآية السابقة، و لفظة( ما ) في قوله:( فَبِما ) للتأكيد، و يفيد الإبهام لغرض التعظيم أو التحقير أو غيرهما، و المعنى: فبنقض مّا منهم لميثاقهم( لَعَنَّاهُمْ ) و اللّعن هو الإبعاد من الرحمة( وَ جَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً ) و قسوة القلب مأخوذ من قسوة الحجارة و هي صلابتها و القسيّ من القلوب ما لا يخشع لحقّ و لا يتأثّر برحمة، قال تعالى:( أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله وَ ما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَ لا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ ) (الحديد: ١٦).

و بالجملة عقّبت قسوة قلوبهم أنّهم عادوا( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ ) بتفسيرها بما لا يرضى به الله سبحانه و بإسقاط أو زيادة أو تغيير، فكلّ ذلك من التحريف، و أفضاهم ذلك إلى أن فاتهم حقائق ناصعة من الدين( وَ نَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ) و لم يكن إلّا حظّاً من الاُصول الّتي تدور على مدارها السعادة، و لا يقوم مقامها إلّا ما يسجّل عليهم الشقوة اللّازمة كقولهم بالتشبيه، و خاتميّة نبوّة موسى، و دوام شريعة التوراة، و بطلان النسخ و البداء إلى غير ذلك.

( وَ لا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى‏ خائِنَةٍ مِنْهُمْ ) أي على طائفة خائنة منهم، أو على خيانة منهم:( إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اصْفَحْ إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) و قد تقدّم مراراً أنّ استثناء القليل منهم لا ينافي ثبوت اللّعن و العذاب للجماعة الّتي هي الشعب و الاُمّة.(١)

____________________

(١) و من عجيب القول ما في بعض التفاسير أنّ المراد بالقليل عبدالله بن سلام و أصحابه مع أنّ عبدالله بن سلام كان قد أسلم قبل نزول السورة بمدّة، و ظاهر الآية استثناء بعض اليهود الّذين لم يكونوا قد أسلموا إلى حين نزول الآية.

٢٥٩

قوله تعالى: ( وَ مِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى‏ أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا ) ، قال الراغب: غري بكذا أي لهج به و لصق، و أصل ذلك من الغراء و هو ما يلصق به، و أغريت فلاناً بكذا نحو ألهجت به. انتهي.

و قد كان المسيح عيسى بن مريم نبيّ رحمة يدعو الناس إلى الصلح و السلم، و يندبهم إلى الإشراف على الآخرة، و الإعراض عن ملاذّ الدنيا و زخارفها، و ينهاهم عن التكالب لأجل هذا العرض الأدنى(١) فلمّا نسوا حظّاً ممّا ذكّروا به أثبت الله سبحانه في قلوبهم مكان السلم و الصلح حرباً، و بدّل المؤاخاة و الموادّة الّتي ندبوا إليها معاداة و مباغضة كما يقول:( فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ إِلى‏ يَوْمِ الْقِيامَةِ ) .

و هذه العداوة و البغضاء اللّتان ذكرهما الله تعالى صارتا من الملكات الراسخة المرتكزة بين هؤلاء الاُمم المسيحيّة و كالنار الآخرة الّتي لا مناص لهم كلّما أرادوا أن يخرجوا منها من غمّ اُعيدوا فيها و ذوقوا عذاب الحريق.

و لم يزل منذ رفع عيسى بن مريمعليه‌السلام ، و اختلف حواريّوه و الدعاة السائحون من تلامذتهم فيما بينهم نشب الاختلاف فيما بينهم، و لم يزل ينمو و يكثر حتّى تبدّل إلى الحروب و المقاتلات و الغارات و أنواع الشرد و الطرد و غير ذلك حتّى انتهى إلى حروب عالميّة كبري تهدّد الأرض بالخراب و الإنسانيّة بالفناء و الانقراض.

كلّ ذلك من تبدّل النعمة نقمة و إنتاج السعي ضلالاً:( وَ سَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ الله بِما كانُوا يَصْنَعُونَ ) .

____________________

(١) راجع في ذلك إلى بيانات المسيحعليه‌السلام في مختلف مواقفه المنقولة عنه في الأناجيل الأربعة.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444