الميزان في تفسير القرآن الجزء ٥

الميزان في تفسير القرآن17%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 444

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 444 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 91137 / تحميل: 10835
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٥

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

الّذي ذكره الله عزّوجلّ،؟ قال: من لا يحسن سورة من سور القرآن، و قد خلقه الله عزّوجلّ خلقه ما ينبغي لأحد أن لا يحسن.

أقول: و ههنا روايات اُخر غير ما أوردناه لكنّ ما مرّ منها حاو لمجامع ما فيها من المقاصد، و الروايات و إن كانت بحسب بادئ النظر مختلفة لكنّها مع قطع النظر عن خصوصيّات بياناتها بحسب خصوصيّات مراتب الاستضعاف تتّفق في مدلول واحد هو مقتضى إطلاق الآية على ما قدّمناه، و هو أنّ الاستضعاف عدم الاهتداء إلى الحقّ من غير تقصير.

٦١

( سورة النساء الآيات ١٠١ - ١٠٤)

وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الّذِينَ كَفَرُوا إِنّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوا مُبِيناً( ١٠١) وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُم مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى‏ لَمْ يُصَلّوا فَلْيُصَلّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذَىً مِن مَطَرٍ أَوْ كُنتُم مَرْضَى‏ أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنّ اللّهَ أَعَدّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً( ١٠٢) فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصّلاَةَ فَاذْكُرُوا اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى‏ جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصّلاَةَ إِنّ الصّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً( ١٠٣) وَلاَ تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً( ١٠٤)

( بيان)

الآيات تشرّع صلاة الخوف و القصر في السفر، و تنتهي إلى ترغيب المؤمنين في تعقيب المشركين و ابتغائهم، و هي مرتبطة بالآيات السابقة المتعرّضة للجهاد و ما لها من مختلف الشؤون.

قوله تعالى: ( وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ) الجناح الإثم و الحرج و العدول، و القصر النقص من الصلاة، قال في المجمع: في قصر الصلاة ثلاث لغات: قصرت الصلاة أقصرها و هي لغة القرآن، و قصّرتها تقصيراً، أقصرتها إقصاراً.

٦٢

و المعنى: إذا سافرتم فلا مانع من حرج و إثم أن تنقصوا شيئاً من الصلاة، و نفي الجناح الظاهر وحده في الجواز لا ينافي وروده في السياق للوجوب كما في قوله تعالى:( إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ الله فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) (البقرة: ١٥٨) مع كون الطواف واجباً، و ذلك أنّ المقام مقام التشريع، و يكفي فيه مجرّد الكشف عن جعل الحكم من غير حاجة إلى استيفاء جميع جهات الحكم و خصوصيّاته، و نظير الآية بوجه قوله تعالى:( وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) الآية: (البقرة: ١٨٤).

قوله تعالى: ( إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) ، الفتنة و إن كانت ذات معان كثيرة مختلفة لكنّ المعهود من إطلاقها في القرآن في خصوص الكفّار و المشركين التعذيب من قتل أو ضرب و نحوهما، و قرائن الكلام أيضاً تؤيّد ذلك فالمعنى: إن خفتم أن يعذّبوكم بالحملة و القتل.

و الجملة قيد لقوله:( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ ) ، جُناحٌ و تفيد أنّ بدء تشريع القصر في الصلاة إنّما كان عند خوف الفتنة، و لا ينافي ذلك أن يعمّ التشريع ثانياً جميع صور السفر الشرعيّ و إن لم يجامع الخوف فإنّما الكتاب بيّن قسماً منه، و السنّة بيّنت شموله لجميع الصور كما سيأتي في الروايات.

قوله تعالى: ( وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ - إلى قوله -وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَ أَسْلِحَتَهُمْ ) الآية، تذكر كيفيّة صلاة الخوف، و توجّه الخطاب إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفرضه إماماً في صلاة الخوف، و هذا من قبيل البيان بإيراد المثال ليكون أوضح في عين أنّه أوجز و أجمل.

فالمراد بقوله:( فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ ) هو الصلاة جماعة، و المراد بقوله:( فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ ) قيامهم في الصلاة مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنحو الايتمام، و هم المأمورون بأخذ الأسلحة، و المراد بقوله:( فَإِذا سَجَدُوا ) إلخ إذا سجدوا و أتمّوا الصلاة ليكون هؤلاء بعد إتمام سجدتهم من وراء القوم، و كذا المراد بقوله:( وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَ أَسْلِحَتَهُمْ ) أن تأخذ الطائفة الثانية المصلّية مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حذرهم و أسلحتهم.

و المعنى - و الله أعلم -: و إذا كنت أنت يا رسول الله فيهم و الحال حال الخوف فأقمت

٦٣

لهم الصلاة أي صلّيتهم جماعة فأممتهم فيها، فلا يدخلوا في الصلاة جميعاً بل لتقم طائفة منهم معك بالاقتداء بك و ليأخذوا معهم أسلحتهم، و من المعلوم أنّ الطائفة الاُخرى يحرسونهم و أمتعتهم فإذا سجد المصلّون معك و فرغوا من الصلاة فليكونوا وراءكم يحرسونكم و الأمتعة و لتأت طائفة اُخرى لم يصلّوا فليصلّوا معك، و ليأخذ هؤلاء المصلّون أيضاً كالطائفة الاُولى المصلّية حذرهم و أسلحتهم.

و توصيف الطائفة بالاُخرى، و إرجاع ضمير الجمع المذكّر إليها رعاية تارة لجانب اللّفظ و اُخرى لجانب المعنى، كما قيل. و في قوله تعالى:( وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَ أَسْلِحَتَهُمْ ) نوع من الاستعارة لطيف، و هو جعل الحذر آلة للدفاع نظير السلاح حيث نسب إليه الأخذ الّذي نسب إلى الأسلحة، كما قيل.

قوله تعالى: ( وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ - إلى قوله -واحِدَةً ) في مقام التعليل للحكم المشرّع، و المعنى ظاهر.

قوله تعالى: ( وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) إلى آخر الآية. تخفيف آخر و هو أنّهم إن كانوا يتأذّون من مطر ينزل عليهم أو كان بعضهم مرضى فلا مانع من أن يضعوا أسلحتهم لكن يجب عليهم مع ذلك أن يأخذوا حذرهم، و لا يغفلوا عن الّذين كفروا فهم مهتمّون بهم.

قوله تعالى: ( فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا الله قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى‏ جُنُوبِكُمْ ) و القيام و القعود جمعان أو مصدران، و هما حالان و كذا قوله:( عَلى‏ جُنُوبِكُمْ ) و هو كناية عن الذكر المستمرّ المستوعب لجميع الأحوال.

قوله تعالى: ( فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ) إلخ المراد بالاطمينان الاستقرار، و حيث قوبل به قوله:( وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ ) ، على ما يؤيّده السياق كان الظاهر أنّ المراد به الرجوع إلى الأوطان، و على هذا فالمراد بإقامة الصلاة إتمامها فإنّ التعبير عن صلاة الخوف بالقصر من الصلاة يلوّح إلى ذلك.

قوله تعالى: ( إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً ) الكتابة كناية عن الفرض و الإيجاب كقوله تعالى:( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) (البقرة: ١٨٣) و الموقوت من وقتّ كذا أي جعلت له وقتاً فظاهر اللّفظ أنّ الصلاة فريضة موقّتة منجّمة تؤدّي في أوقاتها و نجومها.

٦٤

و الظاهر أنّ الوقت في الصلاة كناية عن الثبات و عدم التغيّر بإطلاق الملزوم على لازمه فالمراد بكونها كتاباً موقوتاً أنّها مفروضة ثابتة غير متغيّرة أصلاً فالصلاة لا تسقط بحال، و ذلك أنّ إبقاء لفظ الموقوت على بادئ ظهوره لا يلائم ما سبقه من المضمون إذ لا حاجة تمسّ إلى التعرّض لكون الصلاة عبادة ذات أوقات معيّنة مع أنّ قوله:( إِنَّ الصَّلاةَ ) ، في مقام التعليل لقوله:( فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ) فالظاهر أنّ المراد بكونها موقوتة كونها ثابتة لا تسقط بحال، و لا تتغيّر و لا تتبدّل إلى شي‏ء آخر كالصوم إلى الفدية مثلاً.

قوله تعالى: ( وَ لا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ ) ، الوهن الضعف، و الابتغاء الطلب، و الألم مقابل اللّذة، و قوله:( وَ تَرْجُونَ مِنَ الله ما لا يَرْجُونَ ) حال من ضمير الجمع الغائب، و المعنى: أنّ حال الفريقين في أنّ كلّاً منهما يألم واحد، فلستم أسوأ حالاً من أعدائكم، بل أنتم أرفه منهم و أسعد حيث إنّ لكم رجاء الفتح و الظفر و المغفرة من ربّكم الّذي هو وليّكم، و أمّا أعداؤكم فلا مولى لهم و لا رجاء لهم من جانب يطيّب نفوسهم، و ينشّطهم في عملهم. و يسوقهم إلى مبتغاهم، و كان الله عليماً بالمصالح، حكيماً متقناً في أمره و نهيه.

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ، نزلت - يعني آية صلاة الخوف - لمّا خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الحديبية يريد مكّة، فلمّا وقع الخبر إلى قريش، بعثوا خالد بن الوليد في مائتي فارس، ليستقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان يعارض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الجبال، فلمّا كان في بعض الطريق، و حضرت صلاة الظهر أذّن بلال، و صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالناس، فقال خالد بن الوليد: لو كنّا حملنا عليهم و هم في الصلاة لأصبناهم، فإنّهم لا يقطعون صلاتهم، و لكن يجي‏ء لهم الآن صلاة اُخرى هي أحبّ إليهم من ضياء أبصارهم، فإذا دخلوا في الصلاة أغرنا عليهم فنزل جبرائيل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصلاة الخوف في قوله:( وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ )

و في المجمع، في قوله:( وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ ) (الآية)

٦٥

إنّها نزلت و النبيّ بعسفان و المشركون بضجنان فتواقفوا فصلّى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أصحابه صلاة الظهر بتمام الركوع و السجود فهمّ المشركون بأن يغيروا عليهم، فقال بعضهم: إنّ لهم صلاة اُخرى أحبّ إليهم من هذه - يعنون صلاة العصر - فأنزل الله عليه هذه الآية فصلّى بهم العصر صلاة الخوف، و كان ذلك سبب إسلام خالد بن الوليد. القصّة.

و فيه: ذكر أبوحمزة - يعني الثماليّ - في تفسيره: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غزا محارباً ببني أنمار فهزمهم الله، و أحرزوا الذراري و المال، فنزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و المسلمون و لا يرون من العدوّ واحداً فوضعوا أسلحتهم و خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليقضي حاجته، و قد وضع سلاحه فجعل بينه و بين أصحابه الوادي، فإلى أن يفرغ من حاجته، و قد درأ الوادي، و السماء ترشّ فحال الوادي بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و بين أصحابه و جلس في ظلّ شجرة فبصر به الغورث بن الحارث المحاربيّ فقال له أصحابه: يا غورث هذا محمّد قد انقلع من أصحابه. فقال: قتلني الله إن لم أقتله، و انحدر من الجبل و معه السيف، و لم يشعر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا و هو قائم على رأسه و معه السيف قد سلّه من غمده، و قال: يا محمّد من يعصمك منّي الآن؟ فقال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الله. فانكبّ عدوّ الله لوجهه فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخذ سيفه، و قال: يا غورث من يمنعك منّي الآن؟ قال: لا أحد. قال: أ تشهد أن لا إله إلّا الله، و أنّي عبدالله و رسوله؟ قال: لا، و لكنّي أعهد أن لا اُقاتلك أبداً، و لا اُعين عليك عدوّاً، فأعطاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيفه، فقال له غورث: و الله لأنت خير منّي. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّي أحقّ بذلك.

و خرج غورث إلى أصحابه فقالوا: يا غورث لقد رأيناك قائماً على رأسه بالسيف فما منعك منه؟ قال: الله، أهويت له بالسيف لأضربه فما أدري من زلجني بين كتفي؟ فخررت لوجهي، و خرّ سيفي، و سبقني إليه محمّد و أخذه، و لم يلبث الوادي أن سكن فقطع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أصحابه فأخبرهم الخبر، و قرأ عليهم( إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ ) الآية كلّها.

و في الفقيه، بإسناده عن عبدالرحمن بن أبي عبدالله عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال: صلّى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأصحابه في غزاة ذات الرقاع، ففرّق أصحابه فرقتين، فأقام فرقة

٦٦

بإزاء العدوّ و فرقة خلفه، فكبّر و كبّروا، فقرأ و أنصتوا، فركع و ركعوا، فسجد و سجدوا، ثمّ استمرّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائماً فصلّوا لأنفسهم ركعة ثمّ سلّم بعضهم على بعض، ثمّ خرجوا إلى أصحابهم فقاموا بإزاء العدوّ.

و جاء أصحابهم فقاموا خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكبّر و كبروا، و قرأ فأنصتوا، و ركع فركعوا، و سجد و سجدوا، ثمّ جلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتشهّد ثمّ سلّم عليهم فقاموا فقضوا لأنفسهم ركعة ثمّ سلّم بعضهم على بعض، و قد قال تعالى لنبيّه( و إذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة - إلى قوله - كِتاباً مَوْقُوتاً) فهذه صلاة الخوف الّتي أمر الله عزّوجلّ بها نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و قال: من صلّى المغرب في خوف بالقوم صلّى بالطائفة الاُولى ركعة، و بالطائفة الثانية ركعتين‏. (الحديث).

و في التهذيب، بإسناده عن زرارة قال: سألت أباجعفرعليه‌السلام عن صلاة الخوف و صلاة السفر تقصران جميعاً؟ قال: نعم، و صلاة الخوف أحقّ أن تقصر من صلاة السفر ليس فيه خوف‏.

و في الفقيه، بإسناده عن زرارة و محمّد بن مسلم. إنّهما قالا: قلنا لأبي جعفرعليه‌السلام : ما تقول في صلاة السفر؟ كيف هي و كم هي؟ فقال: إنّ الله عزّوجلّ يقول:( وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ) فصار التقصير في السفر واجباً كوجوب التامّ في الحضر. قالا: قلنا: إنّما قال الله عزّوجلّ:( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ ) و لم يقل: افعلوا، كيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في الحضر؟ فقالعليه‌السلام : أ و ليس قد قال الله( إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ الله فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) أ لا ترون أن الطواف بهما واجب مفروض؟ لأنّ الله عزّوجلّ ذكره في كتابه، و صنعه نبيّه، و كذلك التقصير في السفر شي‏ء صنعه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكره الله تعالى في كتابه.

قالا: فقلنا له: فمن صلّى في السفر أربعاً أ يعيد أم لا؟ قال: إن كان قد قرئت عليه آية التقصير و فسّرت له فصلّى أربعاً أعاد، و إن لم تكن قرئت عليه و لم يكن يعلمها فلا إعادة عليه.

٦٧

و الصلوات كلّها في السفر الفريضة ركعتان كلّ صلاة إلّا المغرب فإنّها ثلاث ليس فيها تقصير تركها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في السفر و الحضر ثلاث ركعات‏. (الحديث).

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي شيبة و عبد بن حميد و أحمد و مسلم و أبوداود و الترمذيّ و النسائيّ و ابن ماجة و ابن الجارود و ابن خزيمة و الطحاريّ و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و النحّاس في ناسخه و ابن حبّان عن يعلى بن اُميّة قال: سألت عمر بن الخطّاب، قلت:( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) و قد أمن الناس؟ فقال لي عمر: عجبت ممّا عجبت منه فسألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك فقال: صدقة تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته.

و فيه، أخرج عبد بن حميد و النسائيّ و ابن ماجة و ابن حبّان و البيهقيّ في سننه عن اُميّة بن خالد بن أسد: أنّه سأل ابن عمر: أ رأيت قصر الصلاة في السفر؟ إنّا لا نجدها في كتاب الله، إنّما نجد ذكر صلاة الخوف. فقال ابن عمر: يا ابن أخي إنّ الله أرسل محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لا نعلم شيئاً، فإنّما نفعل كما رأينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفعل و قصر الصلاة في السفر سنّة سنّها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و فيه: أخرج ابن أبي شيبة و الترمذيّ و صحّحه و النسائيّ عن ابن عبّاس قال: صلّينا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين مكّة و المدينة و نحن آمنون لا نخاف شيئاً ركعتين.

و فيه: أخرج ابن أبي شيبة و أحمد و البخاريّ و مسلم و أبوداود و الترمذيّ و النسائيّ عن حارثة بن وهب الخزاعيّ قال: صلّيت مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظهر و العصر بمنى أكثر ما كان الناس و آمنه ركعتين.

و في الكافي، بإسناده عن داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : قوله تعالى:( إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً ) ؟ قال: كتاباً ثابتاً، و ليس إن عجّلت قليلاً أو أخّرت قليلاً بالّذي يضرّك ما لم تضع تلك الإضاعة فإنّ الله عزّوجلّ يقول:( أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) .

أقول: إشارة إلى أنّ الفرائض موسّعة من جهة الوقت كما يدلّ عليه روايات اُخر.

و في تفسير العيّاشيّ، عن محمّد بن مسلم عن أحدهماعليهما‌السلام : قال في صلاة المغرب

٦٨

في السفر: لا تترك إن تأخّرت ساعة، ثمّ تصلّيها إن أحببت أن تصلّي العشاء الآخرة، و إن شئت مشيت ساعة إلى أن يغيب الشفق، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى صلاة الهاجرة و العصر جميعاً، و المغرب و العشاء الآخرة جميعاً، و كان يؤخّر و يقدم أنّ الله تعالى قال:( إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً ) إنّما عنى وجوبها على المؤمنين، لم يعن غيره، إنّه لو كان كما يقولون لم يصلّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هكذا، و كان أعلم و أخبر و كان كما يقولون، و لو كان خيراً لأمر به محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و قد فات الناس مع أميرالمؤمنينعليه‌السلام يوم صفّين صلاة الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة، و أمرهم عليّ أميرالمؤمنينعليه‌السلام فكبّروا و هلّلوا و سبّحوا رجالاً و ركباناً لقول الله( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً ) فأمر عليّعليه‌السلام فصنعوا ذلك.

أقول: و الروايات كما ترى توافق ما قدّمناه في البيان السابق و الروايات في المعاني السابقة و خاصّة من طرق أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام كثيرة جدّاً، و إنّما أوردنا اُنموذجاً ممّا ورد منها.

و اعلم أنّ هناك من طرق أهل السنّة روايات اُخرى تعارض ما تقدّم، و هي مع ذلك تتدافع في أنفسها، و النظر فيها و في سائر الروايات الحاكية لكيفيّة صلاة الخوف خاصّة و صلاة القصر في السفر عامّة ممّا هو راجع إلى الفقه.

و في تفسير القمّيّ، في قوله:( وَ لا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ ) (الآية) إنّه معطوف على قوله في سورة آل عمران:( إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ) . و قد ذكرنا هناك سبب نزول الآية.

٦٩

( سورة النساء الآيات ١٠٥ - ١٢٦)

إِنّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً( ١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللّهَ إِنّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً( ١٠٦) وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ مَن كَانَ خَوّاناً أَثِيماً( ١٠٧) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى‏ مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً( ١٠٨) ها أَنْتُمْ هؤُلاَءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً( ١٠٩) وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَحِيماً( ١١٠) وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى‏ نَفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً( ١١١) وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً( ١١٢) وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَن يُضِلّوكَ وَمَا يُضِلّونَ إِلّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرّونَكَ مِن شَيْ‏ءٍ وَأَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً( ١١٣) لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِن نَجْوَاهُمْ إِلّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً( ١١٤) وَمَن يُشَاقِقِ الرّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُ الْهُدَى‏ وَيَتّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلّهِ مَا تَوَلّى‏ وَنُصْلِهِ جَهَنّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً( ١١٥) إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً بَعِيداً( ١١٦) إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلّا إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلّا شَيْطَاناً مَرِيداً( ١١٧) لَعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتّخِذَنّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً( ١١٨) وَلَأُضِلّنّهُمْ وَلَأُمَنّيَنّهُمْ وَلَأَمُرَنّهُمْ فَلَيُبَتّكُنّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلْأَمُرَنّهُمْ فَلَيُغَيّرُنّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتّخِذِ الشّيْطَانَ وَلِيّاً مِن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً( ١١٩) يَعِدُهُمْ وَيُمَنّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشّيْطَانُ إِلّا غُرُوراً( ١٢٠) أُولئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ

٧٠

وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً( ١٢١) وَالّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً( ١٢٢) لَيْسَ بِأَمَانِيّكُمْ وَلاَ أَمَانِيّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً( ١٢٣) وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى‏ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً( ١٢٤) وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للّهِ‏ِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتّبَعَ مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً( ١٢٥) وَللّهِ‏ِ مَا فِي السّماوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ بِكُلّ شَيْ‏ءٍ مُحِيطاً( ١٢٦)

( بيان)

الّذي يفيده التدبّر في الآيات أنّها ذات سياق واحد تتعرّض للتوصية بالعدل في القضاء، و النهي عن أن يميل القاضي في قضائه، و الحاكم في حكمه إلى المبطلين، و يجور على المحقّين كائنين من كانوا.

و ذلك بالإشارة إلى بعض الحوادث الواقعة عند نزول الآيات، ثمّ البحث فيما يتعلّق بذلك من الحقائق الدينيّة و الأمر بلزومها و رعايتها، و تنبيه المؤمنين أنّ الدين إنّما هو حقيقة لا اسم، و إنّما ينفع التلبّس به دون التسمّي.

و الظاهر أنّ هذه القصّة هي الّتي يشير إليها قوله تعالى:( وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً ) حيث يدلّ على أنّه كان هناك شي‏ء من المعاصي الّتي تقبل الرمي كسرقة أو قتل أو إتلاف أو إضرار و نحوها، و أنّه كان من المتوقّع أن يهتمّوا بإضلال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حكمه و الله عاصمه.

و الظاهر أنّ هذه القصّة أيضاً هي الّتي تشير إليها الآيات الاُول كما في قوله تعالى:( وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً ) (الآية) و قوله:( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ) (الآية) و قوله:( ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ ) إلخ فإنّ الخيانة و إن كان ظاهرها ما يكون في الودائع و الأمانات لكنّ سياق قوله:( إِنَّ الله لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً يَسْتَخْفُونَ

٧١

مِنَ النَّاسِ ) كما سيجي‏ء بيانه يعطي أنّ المراد بها ما يتحقّق في سرقة و نحوها بعناية أنّ المؤمنين كنفس واحدة، و ما لبعضهم من المال مسؤول عنه البعض الآخر من حيث رعاية احترامه، و الاهتمام بحفظه و حمايته، فتعدّي بعضهم إلى مال البعض خيانة منهم لأنفسهم.

فالتدبّر يقرّب أن القصّة كأنّها سرقة وقعت من بعضهم ثمّ رفع الأمر إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرمى بها السارق غيره ممّن هو بري‏ء منها، ثمّ ألحّ قوم السارق عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقضي لهم، و بالغوا في أن يغيّروهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المتّهم البري‏ء فاُنزلت الآيات و برّأه الله ممّا قالوا.

فالآيات أشدّ انطباقاً على ما روي في سبب النزول من قصّة سرقة أبي طعمة بن الاُبيرق، و إن كانت أسباب النزول - كما سمعت مراراً - في أغلب ما رويت من قبيل تطبيق القصص المأثورة على ما يناسبها من الآيات القرآنيّة.

و يستفاد من الآيات حجّيّة قضائهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و عصمته و حقائق اُخر سيأتي بيانها إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ الله ) ظاهر الحكم بين الناس هو القضاء بينهم في مخاصماتهم و منازعاتهم ممّا يرجع إلى الاُمور القضائيّة و رفع الاختلافات بالحكم، و قد جعل الله تعالى الحكم بين الناس غاية لإنزال الكتاب فينطبق مضمون الآية على ما يتضمّنه قوله تعالى:( كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ الله النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ) (الآية) (البقرة: ٢١٣) و قد مرّ تفصيل القول فيه.

فهذه الآية( إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ ) إلخ في خصوص موردها نظيرة تلك الآية( كانَ النَّاسُ اُمّة واحِدَةً ) ، في عمومها، و تزيد عليها في أنّها تدلّ على جعل حقّ الحكم لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و الحجّيّة لرأيه و نظره فإنّ الحكم و هو القطع في القضاء و فصل الخصومة لا ينفكّ عن إعمال نظر من القاضي الحاكم و إظهار عقيدة منه مضافاً إلى ما عنده من العلم بالأحكام العامّة و القوانين الكلّيّة في موارد الخصومة فإنّ

٧٢

العلم بكلّيّات الأحكام و حقوق الناس أمر، و القطع و الحكم بانطباق مورد النزاع على بعضها دون بعض أمر آخر.

فالمراد بالإراءة في قوله( لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ الله ) إيجاد الرأي و تعريف الحكم لا تعليم الأحكام و الشرائع كما احتمله بعضهم.

و مضمون الآية على ما يعطيه السياق أنّ الله أنزل إليك الكتاب و علّمك أحكامه و شرائعه و حكمه لتضيف إليها ما أوجد لك من الرأي و عرّفك من الحكم فتحكم بين الناس، و ترفع بذلك اختلافاتهم.

قوله تعالى: ( وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً ) عطف على ما تقدّمه من الجملة الخبريّة لكونها في معنى الإنشاء كأنّه قيل: فاحكم بينهم و لا تكن للخائنين خصيماً.

و الخصيم هو الّذي يدافع عن الدعوى و ما في حكمها، و فيه نهيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أن يكون خصيماً للخائنين على من يطالبهم بحقوقه فيدافع عن الخائنين و يبطل حقوق المحقّين من أهل الدعوى.

و ربّما أمكن أن يستفاد من عطف قوله:( وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ ) ، على ما تقدّمه و هو أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمراً مطلقاً بالحكم أنّ المراد بالخيانة مطلق التعدّي على حقوق الغير ممّن لا ينبغي منه ذلك لا خصوص الخيانة للودائع و إن كان ربّما عطف الخاصّ على العامّ لعناية ما بشأنه لكنّ المورد كالخالي عن العناية، و سيجي‏ء لهذا الكلام تتمّة.

قوله تعالى: ( وَ اسْتَغْفِرِ الله إِنَّ الله كانَ غَفُوراً رَحِيماً ) الظاهر أنّ الاستغفار ههنا هو أن يطلب من الله سبحانه الستر على ما في طبع الإنسان من إمكان هضم الحقوق و الميل إلى الهوى و مغفرة ذلك، و قد مرّ مراراً أنّ العفو و المغفرة يستعملان في كلامه تعالى في شؤون مختلفة يجمعها جامع الذنب، و هو التباعد من الحقّ بوجه. فالمعنى - و الله أعلم -: و لا تكن للخائنين خصيماً و لا تمل إليهم، و اطلب من الله سبحانه أن يوفّقك لذلك و يستر على نفسك أن تميل إلى الدفاع عن خيانتهم و يتسلّط عليك هوى النفس. و الدليل على إرادة ذلك ما في ذيل الآيات( الكريمة وَ لَوْ لا فَضْلُ الله عَلَيْكَ وَ رَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَ ما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْ‏ءٍ ) فإنّ

٧٣

الآية تنصّ على أنّهم لا يضرّون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و إن بذلوا غاية جهدهم في تحريك عواطفه إلى إيثار الباطل و إظهاره على الحقّ فالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمن إلهيّ من الضرر، و الله يعصمه فهو لا يجور في حكمه و لا يميل إلى الجور، و لا يتّبع الهوى، و من الجور و الميل إلى الهوى المذموم أن يفرّق في حكمه بين قويّ و ضعيف، أو صديق و عدوّ، أو مؤمن و كافر ذمّيّ، أو قريب و بعيد، فأمره بأن يستغفر ليس لصدور ذنب ذي وبال و تبعة منه، و لا لإشرافه على ما لا يحمد منه بل ليسأل من الله أن يظهره على هوى النفس، و لا ريب في حاجته في ذلك إلى ربّه و عدم استغنائه عنه و إن كان على عصمة، فإنّ لله سبحانه أن يفعل ما يشاء.

و هذه العصمة مدار عملها ما يعدّ طاعة و معصية، و ما يحمد أو يذمّ عليه من الأعمال لا ما هو الواقع الخارجيّ، و بعبارة اُخرى الآيات تدلّ على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمن من اتّباع الهوى، و الميل إلى الباطل، و أمّا أنّ الّذي يحكم و يقضي به بما شرّعه من القواعد و قوانين القضاء الظاهريّة كقوله( البيّنة على المدّعي و اليمين على من أنكر) و نحو ذلك يصادف دائماً ما هو الحقّ في الواقع فينتج دائماً غلبة المحقّ، و مغلوبيّة المبطل في دعواه، فالآيات لا تدلّ على ذلك أصلاً، و لا أنّ القوانين الظاهريّة في استطاعتها أن تهدي إلى ذلك قطعاً فإنّها أمارات مميّزة بين الحقّ و الباطل غالباً لا دائماً، و لا معنى لاستلزام الغالب الدائم و هو ظاهر.

و ممّا تقدّم يظهر ما في كلام بعض المفسّرين حيث ذكر في قوله تعالى:( وَ اسْتَغْفِرِ الله ) ، أنّه أمر بالاستغفار عمّا هم به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الدفاع و الذبّ عن هذا الخائن المذكور في الآية، و قد سأله قومه أن يدفع عنه و يكون خصيماً له على يهوديّ. و ذلك أنّ هذا القدر أيضاً تأثير منهم بأثر مذموم، و قد نفى الله سبحانه عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّ ضرر.

قوله تعالى: ( وَ لا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ ) قيل: إنّ نسبة الخيانة إلى النفس لكون وبالها راجعاً إليها، أو يعدّ كلّ معصية خيانة للنفس كما عدّ ظلماً لها، و قد قال تعالى:( عَلِمَ الله أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ ) (البقرة: ١٨٧).

٧٤

و يمكن أن يستفاد من الآية بمعونة ما يدلّ عليه القرآن من أنّ المؤمنين كنفس واحدة، و أنّ مال الواحد منهم مال لجميعهم يجب على الجميع حفظه و صونه عن الضيعة و التّلف، كون تعدّي بعضهم على بعض بسرقة و نحوها اختياناً لأنفسهم.

و في قوله تعالى:( إِنَّ الله لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً ) دلالة على استمرار هؤلاء الخائنين في خيانتهم، و يؤكّده قوله:( أَثِيماً ) فإنّ الأثيم آكد في المعنى من الآثم و هو صفة مشبّهة تدلّ على الثبوت. على أنّ قوله:( يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ ) لا تخلو عن دلالة على الاستمرار، و كذا قوله:( لِلْخائِنِينَ ) حيث عبّر بالوصف و لم يعبّر بمثل قولنا: للّذين خانوا، كما عبّر بذلك في قوله:( فَقَدْ خانُوا الله مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ) (الأنفال: ٧١).

فمن هذه القرائن و أمثالها يظهر أنّ معنى الآية - بالنظر إلى مورد النزول -: و لا تكن خصيماً لهؤلاء، و لا تجادل عنهم فإنّهم مصرّون على الخيانة مبالغون فيها ثابتون على الإثم، و الله لا يحبّ من كان خوّاناً أثيماً. و هذا يؤيّد ما ورد في أسباب النزول من نزول الآيات في أبي طعمة بن الاُبيرق. كما سيجي‏ء.

و معنى الآية - مع قطع النظر عن المورد -: و لا تدافع في قضائك عن المصرّين على الخيانة المستمرّين عليها، فإنّ الله لا يحبّ الخوّان الأثيم، و كما أنّه تعالى لا يحب كثير الخيانة لا يحبّ قليلها، و لو أمكن أن يحبّ قليلها أمكن أن يحبّ كثيرها و إذا كان كذلك فالله ينهى أن يدافع عن قليل الخيانة كما ينهى عن أن يدافع عن كثيرها و أمّا من خان في أمر ثمّ نازع في أمر آخر و هو محقّ في نزاعه، فالدفاع عنه دفاع غير محظور و لا ممنوع منه، و لا ينهى عنه قوله:( وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً ) (الآية).

قوله تعالى: ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ الله ) ، و هذا أيضاً من الشواهد على ما قدّمناه من أنّ الآيات (١٠٥ - ١٢٦) جميعاً ذات سياق واحد، نازلة في قصّة واحدة، و هي الّتي يشير إليها قوله:( وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً ) (الآية)، و ذلك أنّ الاستخفاء إنّما يناسب الأعمال الّتي يمكن أن يرمى بها الغير كالسرقة و أمثال ذلك فيتأيّد به أنّ الّذي تشير إليه هذه الآية و ما تقدّمها من الآيات هو الّذي يشير إليه قوله:( وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ ) (الآية).

٧٥

و الاستخفاء من الله أمر غير مقدور إذ لا يخفى على الله شي‏ء في الأرض و لا في السماء فطرفه المقابل له أعني عدم الاستخفاء أيضاً أمر اضطراريّ غير مقدور، و إذا كان غير مقدور لم يتعلّق به لوم و لا تعيير كما هو ظاهر الآية. لكنّ الظاهر أنّ الاستخفاء كناية عن الاستحياء و لذلك قيّد قوله:( وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ الله ) (أوّلاً) بقوله:( وَ هُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى‏ مِنَ الْقَوْلِ ) فدلّ على أنّهم كانوا يدبّرون الحيلة ليلاً للتبرّي من هذه الخيانة المذمومة، و يبيّتون في ذلك قولاً لا يرضى به الله سبحانه ثمّ قيّده (ثانياً) بقوله:( وَ كانَ الله بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً ) و دلّ على إحاطته تعالى بهم في جميع الأحوال و منها حال الجرم الّذي أجرموه، و التقييد بهذين القيدين أعني قوله:( وَ هُوَ مَعَهُمْ ) ، و قوله:( وَ كانَ الله ) ، تقييد بالعامّ بعد الخاصّ، و هو في الحقيقة تعليل لعدم استخفائهم من الله بعلّة خاصّة ثمّ باُخرى عامّة.

قوله تعالى: ( ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) (الآية) بيان لعدم الجدوى في الجدال عنهم، و أنّهم لا ينتفعون بذلك في صورة الاستفهام و المراد أنّ الجدال عنهم لو نفعهم فإنّما ينفعهم في الحياة الدنيا، و لا قدر لها عندالله، و أمّا الحياة الاُخرويّة الّتي لها عظيم القدر عندالله أو ظرف الدفاع فيها يوم القيامة فلا مدافع هناك عن الخائنين و لا مجادل عنهم بل لا وكيل لهم يومئذ يتكفّل تدبير اُمورهم و إصلاح شؤونهم.

قوله تعالى: ( وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ) (الآية) فيه ترغيب و حثّ لاُولئك الخائنين أن يرجعوا إلى ربّهم بالاستغفار، و الظاهر أنّ الترديد بين السوء و ظلم النفس و التدرّج من السوء إلى الظلم لكون المراد بالسوء التعدّي على الغير، و بالظلم التعدّي على النفس، أو أنّ السوء أهون من الظلم كالمعصية الصغيرة بالنسبة إلى الكبيرة، و الله أعلم.

و هذه الآية و الآيتان بعدها جميعاً كلام مسوق لغرض واحد، و هو بيان أمر الإثم الّذي يكسبه الإنسان بعمله، يتكفّل كلّ واحدة من الآيات الثلاث بيان جهة من جهاته، فالآية الاُولى تبيّن أنّ المعصية الّتي يقترفها الإنسان فيتأثّر بتبعتها

٧٦

نفسه و تكتب في كتاب أعماله، للعبد أن يتوب إلى الله منها و يستغفره فلو فعل ذلك وجد الله غفوراً رحيماً.

و الآية الثانية تذكّر الإنسان أنّ الإثمّ الّذي يكسبه إنّما يكسبه على نفسه و ليس بالّذي يمكن أن يتخطّاه و يلحق غيره برمي أو افتراء و نحو ذلك.

و الآية الثالثة توضح أنّ الخطيئة أو الإثم الّذي يكسبه الإنسان لو رمى به بريئاً غيره كان الرمي به إثماً آخر وراء أصل الخطيئة أو الإثم.

قوله تعالى: ( وَ مَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى‏ نَفْسِهِ وَ كانَ الله عَلِيماً حَكِيماً ) قد تقدّم أنّ الآية مرتبطة مضموناً بالآية التالية المتعرّضة للرمي بالخطيئة و الإثم فهذه كالمقدّمة لتلك، و على هذا فقوله:( فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى‏ نَفْسِهِ ) مسوق لقصر التعيين، و في الآية عظة لمن يكسب الإثم ثمّ يرمي به بريئاً غيره. و المعنى - و الله أعلم -: أنّه يجب على من يكسب إثماً أن يتذكّر أنّ ما يكسبه من الإثم فإنّما يكسبه على نفسه لا على غيره، و أنّه هو الّذي فعله لا غيره و إن رماه به أو تعهّد له هو أن يحمل إثمه و كان الله عليماً يعلم أنّه فعل هذا الكاسب، و أنّه الّذي فعله لا غيره المرميّ به، حكيماً لا يؤاخذ بالإثمّ إلّا آثمه، و بالوزر غير وازرتها كما قال تعالى:( لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ ) (البقرة: ٢٨٦)، و قال:( وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى‏ ) (الأنعام: ١٦٤) و قال:( وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَ لْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَ ما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ) (العنكبوت: ١٢).

قوله تعالى: ( وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً ) ، قال الراغب في المفردات: إنّ من أراد شيئاً فاتّفق منه غيره يقال: أخطأ و إن وقع منه كما أراده يقال أصاب، و قد يقال لمن فعل فعلاً لا يحسن أو أراد إرادة لا تجمل: إنّه أخطأ. و لهذا يقال: أصاب الخطأ، و أخطأ الصواب، و أصاب الصواب، و أخطأ الخطأ. و هذه اللّفظة مشتركة كما ترى، متردّدة بين معان يجب لمن يتحرّى الحقائق أن يتأمّلها.

قال: و الخطيئة و السيّئة تتقاربان لكنّ الخطيئة أكثر ما تقال فيما لا يكون

٧٧

مقصوداً إليه في نفسه بل يكون القصد سبباً لتولّد ذلك الفعل منه كمن يرمي صيداً فأصاب إنساناً، أو شرب مسكراً فجنى جناية في سكره، و السبب سببان: سبب محظور فعله كشرب المسكر و ما يتولّد عنه من الخطأ غير متجاف عنه، و سبب غير محظور كرمي الصيد، قال تعالى:( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَ لكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ) و قال تعالى:( وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ) فالخطيئة ههنا هي الّتي لا تكون عن قصد إلى فعلها (انتهى).

و أظنّ أن الخطيئة من الأوصاف الّتي استغني عن موصوفاتها بكثرة الاستعمال كالمصيبة و الرزيّة و السليقة و نحوها، و وزن فعيل يدلّ على اختزان الحدث و استقراره، فالخطيئة هي العمل الّذي اختزن و استقرّ فيه الخطأ و الخطأ، الفعل الواقع الّذي لا يقصده الإنسان كقتل الخطأ، هذا في الأصل، ثمّ وسّع إلى ما لا ينبغي للإنسان أن يقصده لو كانت نفسه على سلامتها الفطريّة، فكلّ معصية و أثر معصية من مصاديق الخطأ على هذا التوسّع، و الخطيئة هي العمل أو أثر العمل الّذي لم يقصده الإنسان (و لا يعدّ حينئذ معصية) أو لم يكن ينبغي أن يقصده (و يعدّ حينئذ معصية أو وبال معصية).

لكنّ الله سبحانه لمّا نسبها في قوله:( وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً ) إلى الكسب كان المراد بها الخطيئة الّتي هي المعصية، فالمراد بالخطيئة في الآية هي الّتي تكون عن قصد إلى فعلها و إن كان من شأنها أن لا يقصد إليها.

و قد مرّ في قوله تعالى:( قُلْ فِيهِما إِثْمٌ ) (البقرة: ٢١٩) أنّ الإثم هو العمل الّذي يوجب بوباله حرمان الإنسان عن خيرات كثيرة كشرب الخمر و القمار و السرقة ممّا يصدّ الإنسان عن حيازة الخيرات الحيويّة، و يوجب انحطاطاً اجتماعيّاً يسقط الإنسان عن وزنه الاجتماعيّ و يسلب عنه الاعتماد و الثقة العامّة.

و على هذا فاجتماع الخطيئة و الإثم على نحو الترديد و نسبتهما جميعاً إلى الكسب في قوله:( وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ) (الآية) يوجب اختصاص كلّ منهما بما يختصّ به من المعنى، و المعنى - و الله أعلم -: أنّ من يكسب معصية لا تتجاوز موردها وبالاً

٧٨

كترك بعض الواجبات كالصوم أو فعل بعض المحرّمات كأكل الدم أو يكسب معصية يستمرّ وبالها كقتل النفس من غير حقّ و السرقة ثمّ يرم بها بريئاً بنسبتها إليه فقد احتمل بهتاناً و إثماً مبيناً.

و في تسمية نسبة العمل السيّئ إلى الغير رمياً - و الرمي يستعمل في مورد السهم - و كذا في إطلاق الاحتمال على قبول وزر البهتان استعارة لطيفة كأنّ المفتري يفتك بالمتّهم البري‏ء برميه بالسهم فيوجب له فتكه أن يتحمل حملاً يشغله عن كلّ خير مدى حياته من غير أن يفارقه.

و من ما تقدّم يظهر وجه اختلاف التعبير عن المعصية في الآيات الكريمة تارة بالإثم و اُخرى بالخطيئة و السوء و الظلم و الخيانة و الضلال، فكلّ واحد من هذه الألفاظ هو المناسب بمعناه لمحلّه الّذي حلّ فيه.

قوله تعالى: ( وَ لَوْ لا فَضْلُ الله عَلَيْكَ وَ رَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ ) إلى آخر الآية السياق يدلّ على أنّ المراد بهمّهم بإضلال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو همّهم أن يرضوه بالدفاع عن الّذين سمّاهم الله تعالى في صدر الآيات بالخائنين و الجدال عنهم و على هذا فالمراد بهذه الطائفة أيضاً هم الّذين عدل الله سبحانه إلى خطابهم بقوله:( ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) (الآية) و ينطبق على قوم أبي طعمة على ما سيجي‏ء.

و أمّا قوله:( وَ ما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ ) فالمراد به بقرينة قوله بعده:( وَ ما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْ‏ءٍ ) ، أنّ إضلال هؤلاء لا يتعدّى أنفسهم و لا يتجاوزهم إليك، فهم الضالّون بما همّوا به لأنّه معصية و كلّ معصية ضلال.

و لهذا الكلام معنى آخر تقدّمت الإشارة إليه في الكلام على قوله:( وَ ما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ ) (آل عمران: ٦٩) في الجزء الثالث من هذا الكتاب، لكنّه لا يناسب هذا المقام.

و أمّا قوله:( وَ ما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْ‏ءٍ وَ أَنْزَلَ الله عَلَيْكَ ) ، ففيه نفي إضرارهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفياً مطلقاً غير أنّ ظاهر السياق أنّه مقيّد بقوله:( وَ أَنْزَلَ الله عَلَيْكَ الْكِتابَ ) ، على أن يكون جملة حاليّة عن الضمير في قوله:( يَضُرُّونَكَ ) و إن كان الأغلب مقارنة

٧٩

الجملة الفعليّة المصدّرة بالماضي بقد على ما ذكره النحاة، و على هذا فالكلام مسوق لنفي إضرار الناس مطلقاً بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في علم أو عمل.

قوله تعالى: ( وَ أَنْزَلَ الله عَلَيْكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ) ، ظاهر الكلام كما أشرنا إليه أنّه في مقام التعليل لقوله:( وَ ما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْ‏ءٍ ) أو لمجموع قوله:( وَ ما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْ‏ءٍ ) و كيف كان فهذا الإنزال و التعليم هو المانع من تأثيرهم في إضلالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو الملاك في عصمته.

( كلام في معنى العصمة)

ظاهر الآية أنّ الأمر الّذي تتحقّق به العصمة نوع من العلم يمنع صاحبه عن التلبّس بالمعصية و الخطأ، و بعبارة اُخرى علم مانع عن الضلال، كما أنّ سائر الأخلاق كالشجاعة و العفّة و السخاء كلّ منها صورة علميّة راسخة موجبة لتحقّق آثارها، مانعة عن التلبّس بأضدادها من آثار الجبن و التهوّر و الخمود و الشره و البخل و التبذير.

و العلم النافع و الحكمة البالغة و إن كانا يوجبان تنزّه صاحبهما عن الوقوع في مهالك الرذائل، و التلوّث بأقذار المعاصي، كما نشاهده في رجال العلم و الحكمة و الفضلاء من أهل التقوى و الدين، غير أنّ ذلك سبب غالبيّ كسائر الأسباب الموجودة في هذا العالم المادّيّ الطبيعيّ فلا تكاد تجد متلبّساً بكمال يحجزه كماله من النواقص و يصونه عن الخطأ صوناً دائميّاً من غير تخلّف، سنّة جارية في جميع الأسباب الّتي نراها و نشاهدها.

و الوجه في ذلك أنّ القوى الشعوريّة المختلفة في الإنسان يوجب بعضها ذهوله عن حكم لبعض الآخر أو ضعف التفاته إليه كما أنّ صاحب ملكة التقوى ما دام شاعراً بفضيلة تقواه لا يميل إلى اتّباع الشهوة غير المرضيّة، و يجري على مقتضى تقواه، غير أنّ اشتعال نار الشهوة و انجذاب نفسه إلى هذا النحو من الشعور ربّما حجبه عن تذكّر فضيلة التقوى أو ضعّف شعور التقوى فلا يلبث دون أن يرتكب ما لا يرتضيه

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

وبعد أشهر من القراءة والبحث عن الحقيقة والحوارات الطويلة حدث أمر أعتبره العامل المفصلي في اعتناقي للإسلام. كنت واقفة في غرفة ابني أحاول أن أصلي. وكان أمامي كتاب عن الإسلام مفتوح على فصل «كيفية الصلاة». وقفت هناك أصارع نفسي. لم أكن قد اعتدت الصلاة مباشرة؟. طيلة حياتي علموني أن أصلي ليسوع وهو سيوصل صلاتي إلى الله... لذا خشيت أنني أقوم بأمر خطأ، ولم أشأ أن يغضب يسوع عليّ! وفي تلك اللحظة، خطرت لي فكرة كموجة عاتية. هل يعقل أن الله سيغضب إذا أردت أن أكون أكثر قرباً منه؟ وهل يعقل أن يسوع سيستاء مني إذا حاولت أن أكون أكثر قرباً من الله..؟ أليس ذلك ما يريدني أن أفعله؟ إن الله.. أعلم بنيتي. حتى هذا اليوم، لا زلت أعتقد أن الله.... كان يتحدث إليّ - بهذه القوة كان الشعور والصوت الذي شعرت به في داخلي. ممَّ كنت أخشى؟ كيف يمكنني أن لا أعتنق الإسلام؟ في تلك اللحظة بكيت طويلاً.

كان ذلك ما احتجت سماعه. وعلمت حينها أنه يجب أن أدخل في الإسلام. شعرت بأن ذلك هو الأمر الصائب وما خلا ذلك أمور غير مهمة.

وبعد أن نطقت بالشهادتين أمام المدرسة كلها أصبحت إنسانة أخرى. لم يعد لديَّ ذلك الشعور بعدم الانتماء وبماذا أؤمن، فقد تحرّرت من القلق الذي كان لديَّ من قبل وولىَّ إلى غير رجعة. وعلمت أنني قد اتخذت القرار الصائب.

لم أكن قط على هذا القدر من القرب من الله.. كما أصبحت بعد أن اعتنقت الإسلام. الحمد لله.. أنا إنسانة محظوظة. وأشكركم على السماح لي بمشاطرتكم تجربتي.

٢٢١

بعد رحلة طويلة من البحث والإبحار في عالم الأفكار والأديان:

سفينة المسلم الهندي نيرڤان تحطّ بأمان على شاطئ الإِسلام

· قصة أخرى مشوّقة من قصص المهتدين للإِسلام، ذات دلالات وإيحاءات غنية بالتجارب الإنسانية والمشاعر الإيمانية الفياضة، يسردها بإيجاز للقرّاء المعتنق الجديد للإِسلام، الأخ الهندي نيرفان، بعدما غمرته أنوار الهداية الإلهية وأنقذته من مهاوي التيه والشك والضلال.

متى وكيف بدأت القصة كلها؟ وهل بدأت فعلاً أم كانت مجرد يقظة روحية؟ إنه إدراك للحقيقة التي طالما كانت كامنة في داخلي؟

إسمي نيرڤان، من التابعية الهندية. لقد وُلدت لعائلة مختلطة، فأبي هندوسي وأمي مسلمة. منذ طفولتي أذكر بوضوح أنني لم أتلقَّ أي تربية دينية من أي نوع كانت. فأبي لم يكن هندوسياً متديناً، فيما تخلت أمي عن الإِسلام، لذا فقد تربيتُ في ما يمكن وصفه بالـ «خواء» الديني والروحي، بيد أنني سأظل ممتناً لأبويَّ لزرعهما فيّ القيم الأخلاقية التي ستظل ترشدني طيلة حياتي. فمع أن عائلتي لم تكن متدينة، إلا أنها ربتني على مبادئ أخلاقية جيّدة تتمثّل في طاعة الأبوين، والصدق، والامتناع عن السرقة، وخدمة الناس كان حجر الزاوية لحياتنا اليومية.

أدركت مؤخراً خلال فترة المراهقة أنه كانت تجول في خلدي ألغاز الوجود: ما هي الغاية من الحياة على الأرض؟ هل الموت هو نهاية كل شيء؟ هل هناك إله؟ وقد تحرك شيء ما في أعماقي موجِّهاً عقلي نحو سعي دؤوب طلباً للحقيقة. كنت بحاجة إلى أجوبة منطقية واضحة وشاملة عن كل تلك الأسئلة التي أرّقت حياتي وحيّرت لُبّي. وعزمتُ على خوض المغامرة، مع أنها متاهة معقدة حول اللاهوت، وطقوس الغابرين، والفلسفة.

٢٢٢

إنطلاقاً من الإلحاد، شققت طريقي إلى البوذية، والمسيحية، والهندوسية، إلا أنني لم أجد أي طمأنينة في أي منها. تملّكني شعور بأن الحقيقة موجودة في مكان ما، ربما أمام عينيّ، إلا أنها لا تزال تراوغني. وفي مرحلة معينة، تخليت عن البحث وتملّكني اليأس. فَلُذت بنيتشه، وسارتر، وكانط، وهاديجر، وماركس، وفرويد، وأندريه جيد، وكريشنامورتي... ولَكَم بدا الإلحاد أكثر إغراءً لي! أقوال مثل «الله قد مات»، «الدين أفيون الجماهير»، «الأديان تنبع من الخوف الفطري من الأب في المجتمعات البدائية». كنت أحيا وأموت بكتب نيتشه وموسيقى مارلين مانسون. حتى أنني أخذتُ أقرأ «الكتاب الشيطاني المقدس» وأصبحتُ مهتماً بالويكا أو الوثنية. وقد قادني هذا الأمر إلى اكتشاف الميثولوجيا الإسكندناڤية، وآلهة الرومان والإغريق... بَيْدَ أن ظمأي للروحانية والحقيقة النهائية لم يتوقف.

عندئذٍ حصلت المعجزة! فذات يوم جمعة، قرّرت أن أذهب مع صديق مسلم إلى صلاة الجمعة لمجرد التسلية. لم يكن في نيتي أن أصلّي هناك، فقد كنت مجرد فضولي فيما يتعلق بالممارسات الدينية في الإِسلام. الدين الوحيد الذي لم أبحث فيه - لقد استمعنا إلى خطبة الإمام وأديتُ حركات الصلاة من خلال تقليدي لصديقي (القيام، والركوع والسجود). عند هذه النقطة، عشتُ تجربة سماوية روحية غريبة. لم أسمع أي صوت، ولم أرَ أي نور... شعرتُ فقط بعاطفة سماوية وكأنها تجذبني. وكلما لامست جبهتي الأرض، كنت أشعر وكأنها لا تريد أن تفارقها. لقد أرسل الله هدايته إليّ. ولن أعود لحالي السابق بعد الآن أبداً.

وبعد الصلاة، سألني صديقي عن شعوري، فلم أجبه، لأن لغة البشر لا يمكن أن تعبّر عن تلك العاطفة بشكلٍ كافٍ. ذلك الإحساس بالحبور تملّك عقلي لأيام، وكان يشير إلى اتجاه واضح جداً: «الإِسلام»، فتساءلت «هل أنخرط في البحث من جديد؟» كانت قوة خفية ما تدفعني إلى الأمام وترشدني للقيام بذلك. وبعد فترة قصيرة، ألفيت نفسي غارقاً في مطالعة الكتب الإِسلامية ومعجباً بأركان الإيمان الخمسة، والعقائد، والمعجزات العلمية في القرآن، والكمال الرياضي. وشرعتُ في الصلاة بحماسة والدراسة الجادة للقرآن، ولكن القصة لم تنته هنا.

٢٢٣

لقد سقطتُ مرات عديدة في بحور الشك، والشيطان يطاردني بإغراءاته. أمضيت ليالٍ طويلة أرقاً متسائلاً إذا ما كنت على الصراط المستقيم، وهل كنت أتصرف بتهور أم لا؟ حتى أنني بلغتُ حافة الارتداد وتملّكتني رغبة بالتخلي عن كل شيء. وتزامن ذلك مع مشاكل واجهتها في المنزل لكون عائلتي غير مسلمة، مما جعل ترك الإِسلام يروق لي، فتركتُ الصلاة، المعراج الشريف، وأصبحتُ أناظر المسلمين حول معتقداتهم وأساعد المواقع المعادية للإِسلام على شبكة الإنترنت. إلا أن شيئاً ما في قلبي ما كان ليتركني أتخلى عن الله. وأدركت أن تلك الأوقات العصيبة كانت فترة ابتلاء لي، فهل أنجح أم أفشل؟ أخذت أصلّي ليل نهار، وأتوسل إلى الله طالباً العون. شعرت بالخجل لأنني شككت في كلمة الله وتركتُ نفسي تتأثر بالحملات المعادية للإِسلام. شعرتُ بالغثيان لأنني كنت ضحية الشك في كل مرة، وتوسلت إلى الله طالباً الغفران. ولكن في النهاية غمرني النور.

شيئاً فشيئاً، قوّى الله تعالى إيماني وجعلني أصمد. واجهتُ النقد والقسوة من الآخرين بالصبر والسكينة، فلم أجادل أو أغتاظ قط. وإذا ما غمرتني الكآبة، توجهت إلى الله للهداية والعون. لقد عدت إلى دين الفطرة، فماذا هناك لأخافه، وأدركت أن المغامرة لم تنته... بل هي قد بدأت. رحلة فاتنة في أرجاء معجزات وأطايب الإِسلام.

لم أبلغ نهاية الطريق بعد، ولكنني الآن في حالة سلام مع نفسي ومع الله تعالى.

٢٢٤

الهداية إلى الصراط المستقيم

بقلم الأخت زهراء (جويس سلوتر) سابقاً

· الأخت الأميركية جويس سلوتر (زهراء) لاح لها شعاع الإِسلام في مراحل عديدة مرّت بها خلال حياتها وتجاربها الدينية السابقة، وظل يلاحقها حتى عمّها أخيراً سنا بريقه الساطع. فاهتدت إلى الصراط المستقيم، كما تقول في قصَّتها التالية التي بعثت بها إلى المجلة، وهي تعمل حالياً على إرساء دعائم الإِسلام ونشره في منطقتها في ولاية ميشغان إلى جانب أخواتها في منظمة المسلمات الأميركيات.

لقد وُلدت في تشرين الثاني/نوڤمبر 1947م من أبوين أميركيين، وقد رباني أهلي تربية كاثوليكية وكانت أمي قد اعتنقت الكاثوليكية قبل زواجها بأبي. وهي تنحدر من سلالة من البروتستانت المحافظين جداً وقد درس العديد من أفراد عائلتها في معهد مودي للكتاب المقدس، كما كان بعض أفراد عائلتها من اليهود، وقد شرحت لي أمي بعض الشرائع اليهودية.

ولطالما كنت مهتمة منذ الصغر بثقافات الآخرين. حيث كنت شغوفة بدراسة المعتقدات والممارسات الدينية المختلفة.

وقد أقنعتني عناصر التشابه في العديد من الممارسات والمعتقدات الدينية بأن هناك معتقداً أصلياً تم نسيانه وتغييره عبر الزمن.

لقد تعلمتُ في مدرسة كاثوليكية حتى المرحلة الثانوية. وقد فكرتُ بدايةً في أن أصبح ملتزمة دينياً، غير أنني لم أوفق لذلك مع أنني كنت أواظب على حضور الصلاة في الكنيسة بقلب مؤمن وأتلقى التعاليم الكنسية في الوقت المحدد.

في ذلك الوقت، تعرّفت لأول مرة على الإِسلام، حيث كنت قد بدأتُ بدراسة اللغة الإسبانية في المدرسة الثانوية. وكما هو معلوم فإن شبه الجزيرة الإيبيرية تأثرت إلى حد بعيد بالثقافة الإِسلامية منذ التواجد الإِسلامي في الأندلس.

وللأسف فإنني لدى شروعي في دراستي الجامعية تركتُ ممارساتي الدينية. حتى خلال العديد من المشاكل أثناء زواجي الأول، لم أذهب للصلاة في الكنيسة. كنت أتلو صلاتي بمفردي وأقرأ في الوقت عينه عن الأديان المختلفة.

٢٢٥

وبعدما مررتُ بمرحلة مليئة بالقلق. بدأتُ بالذهاب مجدداً إلى الكنيسة ومررتُ بتجربة «الولادة الجديدة». وهذه هي مرحلة قرب خاص من الله تعالى.

بَيْدَ أن الله تعالى كان قد رسم لي خطة أخرى ليقرّبني منه أكثر، أو هكذا يبدو الأمر لي عندما أعود بالذاكرة. لقد تصادقت ابنتي مع فتاة إيرانية في المدرسة. وقد التقيتُ بأهل تلك الفتاة وتعرفتُ على ثقافتهم. عندها اشتريتُ لأول مرة ترجمة للقرآن الكريم. وبعد حوالى عام انتقلنا إلى سكن آخر، حيث التقيت بإحدى صديقاتي التي كانت متزوجة من إيراني. ومجدداً تعرّفت أكثر على الثقافة الإيرانية وكيفية طهو بعض الأطباق الإيرانية. ومع أن صديقتي لم تكن مسلمة، إلا أنها حدثتني عن الإِسلام، ومجدداً شدّ ذلك اهتمامي. في العام 1997م بدأ يساورني شعور بأن الله تعالى يريدني أن أقوم بأمر ما، شيء أكثر من مجرد إطاعة تعاليم الكنيسة وقوانين البلاد. شعرتُ بأن عليّ أن أبدأ بتعلم قيادة سيارتي بمفردي إلى أماكن بعيدة، لذا كنت أذهب إلى أوماها في نبراسكا للعمل هناك طيلة أسبوع. وذهبتُ للاعتراف في فترة عيد الميلاد وأخبرتُ الكاهن بشعوري بأن لديَّ مهمة خاصة. أعتقد أنه ظن أنني إنسانة «غريبة الأطوار». ثم في كانون الثاني/يناير 1998م، توفي زوجي الثاني إثر ذبحة قلبية. كان عمره 46 عاماً فقط. وعندئذٍ أصبحت قريبة جداً من الله تعالى وقد منحني ذلك قدراً كبيراً من الراحة.

أمضيتُ قسماً كبيراً من وقتي باحثة عما عليّ القيام به لنفسي في ذلك الحين. أصبحتُ نشطة جداً في الكنيسة كالمساعدة في جمع التبرعات لبناء مدرسة، وقد تم انتخابي عضواً في مجلس الرعية. وعبر كنيستي التقيتُ أشخاصاً من سائر أنحاء العالم. وقد تمكنتُ من السفر إلى الهند وإسبانيا.

وفي الهند رأيتُ الناس من جميع الأديان يعيشون معاً منسجمين.

٢٢٦

وفي أيار/مايو 2001م قررت أخيراً الإصغاء لنداء الله وركزت على الصلاة من أجل السلام في العالم. وقد شعرتُ على امتداد السنوات أن لديَّ حافزاً قوياً للعمل من أجل السلام في العالم. وقد بدت تلك مهمة مستحيلة.

في الأعوام القليلة التالية واصلت حياتي كما في السابق، كنت أقرأ عن الأديان الأخرى واستمريت في الأنشطة التطوعية. في العام 2003م بدأتُ بحضور سلسلة من المحاضرات عن الإِسلام في مسجد في بلومنغتون. وبعد أن انتهت السلسلة بدأتُ بحضور جلسات في منزل إحدى الأخوات إلا أنني انتقلت بعد ذلك، لذا توقفتُ عن حضورها. عرفت بأنني سأصبح مسلمة إلا أنني لم أرد أن أستسلم وأتغير. لقد اشتريتُ نسخة من القرآن الكريم ترجمها يوسف علي وقرأتها كلها. وقد قرأتُ سيرة النبي محمد (ص) وكتباً عن الإِسلام. وعندما نفق كلبي، لم أحضر كلباً آخر بل قطة لأنني عرفتُ أن معظم المسلمين يعتقدون أن الكلاب نجسة.

حلّ العام 2006م وتلقيتُ المزيد من الإشارات من الله تعالى ذات مرة كنت وصديقة لي نتحدّث عن المشاكل في العالم الإِسلامي، فقالت لي إننا من غير المسلمين ولا يمكن لنا أن نكون ممن يحمل السلام للعالم الإِسلامي. واتفقنا أن ذلك يحدث فقط من خلال المسلمين أنفسهم. وأدركتُ أنني إذا ما أردت العمل من أجل السلام في العالم فإنه عليّ أن أصبح مسلمة، إلا أن نفسي الضعيفة لم ترغب بالتغيير. وقد تجاهلتُ المزيد من الإلهامات الإلهية التي وصلت إليّ عبر أشخاص في مجموعة دراسة الكتاب المقدس التي كنت أنتمي إليها. إحدى السيدات كانت تقول للجميع باستمرار إن علينا أن نستسلم لمشيئة الله أليس ذلك ما يتضمنه الإِسلام؟ سيدة أخرى قالت اختاروا طريقاً والتزموا به. أليس الإِسلام هو الصراط المستقيم؟ لقد حاولت خلال أعوام أن أحصل على شيء يربطني أكثر بالكنيسة الكاثوليكية، وتقدمت بطلبات لعدة وظائف في أبرشيتنا، إلا أنهم لم يجدوني ملائمة للوظيفة. أعرف أن الله تعالى بمشيئته قد حال دون توظيفي كي أكون حرة أكثر من أجل الإِسلام. ومع ذلك، لم أكن أخال نفسي عنيدة إلا أنني كنت كذلك فعلاً، لم أشأ التخلّي في هذا الوقت عن شرب الكحول وأكل لحم الخنزير ومن ثَمَّ المواظبة على الصلاة اليومية، والالتزام باللباس الشرعي الإِسلامي.

٢٢٧

أخيراً، وخلال حضوري دروساً جامعية، قررت التوقف عن شرب الكحول. وعندما تمكّنتُ من القيام بذلك، عرفتُ أنني قادرة على القيام بأي شيءٍ آخر. ورغم ذلك استمر خوفي من تلك الخطوة. إلى أن دعوت الله تعالى أن يهيء لي معلماً إذا أرادني أن أعتنق الإِسلام. وبما أنني كنت أدرس في جامعة كاثوليكية كنت متأكدة أن معلماً كهذا لن يظهر أبداً.

ولكن الله تعالى يقول في (سورة يس آية 82):﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیْئًا أَنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ ﴿82﴾ ﴾ . فقد جاءني المعلم المسلم إلى صف اللاهوت المسيحي الذي كنت أتابع فيه، عندها، أدركتُ أنه لا مكان للتردد بعد الآن، فأدّيت الشهادة لله ولرسوله بعد فترة قصيرة. أعرف الآن أن عليّ الاستمرار في كفاحي كي أكون مسلمة صالحة عاملة ولكني أعرف أني بعون الله وبمساعدة إخواني وأخواتي المسلمين سأظل على الصراط المستقيم.

٢٢٨

(سيريل سفراك)

الشاب الفرنسي المهتدي للإِسلام

هكذا استنار قلبي بنور الإِسلام المتجلّي بالنبي الأكرم (ص) والمتجسّد بنهج أهل البيت (عليهم السلام)

«سيريل سفراك» شاب أخلص قلبه لله منذ طفولته، فأكرمه تعالى بنعمة الإِسلام في شبابه، وبرحمته أصبح شاباً مسلماً فخوراً بانتمائه الجديد رغم انتقادات الكثيرين من حوله لكونه فرنسياً اعتنق الإِسلام.

لكن قلب «سيريل» مطمئن بالإيمان مستنير بكلمة الحق التي تجلت في دين محمد (ص) وتجسدت في نهج آل البيت (عليهم السلام) ، وهو هنا يروي عبر مجلة (نور الإِسلام) قصة هذا التحول نحو الإِسلام الذي يراه: الحب الخالص لله.

يقول «سيريل»: وُلدت عام 1975م في أُسرة لا يؤمن أفرادها حقاً بوجوده تعالى. لم يلق تناولي للقربانة الأولى التي تمثل دخولي إلى الديانة المسيحية أي اعتراض بينهم ولا أي تشجيع. التحقتُ صغيراً بصفوف التعليم الديني. كنت متحمساً جداً فرحاً بما أتلقاه من تعاليم؛ خاصة عندما يتعلق الموضوع بالمسيح (ع) ، كانت معلومات سطحية بعض الشيء، لكنها كانت كافية لتغذي حلم كاهن صغير لا زال في سن الثانية عشر... صرتُ أقرأ التوراة والإنجيل بارتياح كبير حتى تعمّقتُ في قراءتهما، فبدا لي وقتذاك شرخاً كبيراً بين تعاليم الكتب المقدسة والدروس الكنسية، وبدأتُ أطرح على نفسي أسئلة جمة كتحريم زواج رجل الدين، مع أن الزواج خطوة مباركة يحثُّ عليها الدين، أو انتشار الأيقونات والمنحوتات كرموز دينية. حتى في الكنائس. مع أن ذلك لا يتناسب مع ما نص عليه الكتاب المقدس... كثرة الأسئلة، وكثرة التناقضات، دفعت بي إلى التمسك بإيماني (بديني) في حين أسقطت من اهتماماتي تعاليم الكنيسة، فكانت علاقتي بالله مباشرة لا تمر عبر كنيسة ولا تحدها سلطة دينية، هذا الخط الذي رسمته في سن الخامسة عشر، أخلصت له سنين طويلة.

٢٢٩

أذكر أني حين تعرفتُ إلى أصدقاء من «شهود يهوه» كنت أحاججهم بإيماني بالإنجيل، كانت أسئلتهم تحثني على البحث لاستخلاص الأجوبة، ولكن ما تعلمته من خصمي أن العقل هو السبيل لمعرفة الله «وهذا لا زال منهجاً في حياتي الدينية».

خلال أعوام دراستي الجامعية (كنت قد اخترت دراسة علم النفس) تعرفت على صديق سرعان ما صار بمثابة أخ لي، كان يجمعنا، عدا السكن الجامعي، سهرات قضيناها معاً تبادلنا فيها الآراء وأخرى ناقشنا فيها أفكاراً فلسفية لا حدود لها.

كان صديقي مسلماً، يصوم شهر رمضان لا أكثر، لكن إيمانه الداخلي كان يحاكي قناعاتي التي كونتها عن الله، ولما كنت أفتقر إلى كثير من المعلومات حول ديانته (الإِسلام) قدم لي مرة كتاب «القرآن» وعلمني كيفية الوضوء شارحاً لي ضرورة القيام به عند قراءة القرآن. ظل الكتاب على طاولتي شهوراً لم أفتحه، كنت أشعر أني لست جديراً بفتحه، وغاب صديقي عني فجأة.. واختفى! صدفة أخرى جمعتني بسيدة مغربية دعتني لحضور حلقات دينية كانت تعقد في شهر رمضان، بدا لي الحديث عن الإِسلام جلياً، فبادرتُ أطرح أسئلتي وأتعرف أكثر فأكثر على الإِسلام، ولا أنسى أني سمعتُ لأول مرة في حياتي عن الصهيونية العالمية وكان عمري قد تجاوز السابعة والعشرين.... وبدأتُ رحلة البحث عن الحقيقة: صرتُ أنهل من هذا العلم الواسع لأجد الأجوبة الشافية لأسئلتي، وأستغرقُ في البحث والتفكير فتمضي ليالٍ تلو أخرى والتساؤلات تكبر في داخلي، فأرويها بالمعرفة والتزود، ويقيني بوجود دين يجيب على أسئلتي (تطلعاتي وأفكاري) يتأكد يوماً بعد يوم، فعرفت أن الدين الإِسلامي هو آخر الديانات السماوية، وأن الله هو الرب الأوحد لكل هذه الديانات، فاعتقدتُ بذلك، وصرتُ أرى الإِسلام مُكمّلاً لها. ذات يوم تجرأت وفتحت القرآن، ومن قراءتي لأول آياته، تعلقت بكتابي، وصرت أقرأ وأزداد تعلقاً وأتمنى أن أصل إلى آخر صفحاته. فهمتُ أن المسلم يؤمن بوجود المسيح كرسول كريم وهذه الحقيقة لعيسى (ع) لاقت صورة رسمتها سابقاً في داخلي للمسيح الذي آمنت بوجوده على طريقتي (على فطرتي)، وتوضحت أكثر. اعتقدت ببعثة محمد (ص) خاتماً للرسل، صرتُ أراني مسلماً بشكلٍ عفوي وتلقائي؛ فكيف أتعبد؟ تودّدتُ لجار لي، سوري علوي، كنا نتحاور وحين يصعب سؤالي عليه، كان يتصل بأستاذه في سوريا ويجيبني، حدثني كثيراً عن الإمام علي (ع) ، شخصية جذبتني بعفوية، لكن مبالغات جاري وصديقي لم تخفَ عليّ.

٢٣٠

نهج أهل البيت(عليهم السلام) :

واصلت البحث وتعمقت أكثر، وكان طريق أهل البيت بالنسبة لي هو المنهج السليم والنيّر، فخيانة يهوذا في الدين المسيحي حادثة تعيد نفسها بعد وفاة النبي (ص) وانقلاب بعض الأصحاب عليه، وهذه الخيانات يحذرنا منها القرآن الكريم في مواضع عدة، والنبي محمد (ص) الذي تأذى أكثر من كل الأنبياء في حياته، لم يرحمه أتباعه من بعده، فالتيار جرف كثيراً من المسلمين وقلة منهم تمسك بوصاياه. هنا، يرشدنا العقل إلى السبيل القويم، إلى نهج آل محمد (ص) ، ولمَ كان أتباعه الخلّص قلة تفانوا لأجله وما زالوا.

أصداء:

كان لاعتناقي الإِسلام صدى كبيراً لدى مَن حولي: أصدقائي وزملائي في الجامعة على وجه الخصوص. أحدهم (والذي جمعتني به صلة قرابة لاحقاً: صار أخ زوجتي) كان يأتي إليّ يحدثني عن الإِسلام، ونصلي معاً، ويصحح لي ما تعلمته، ويوضح لي الأحكام الشرعية، فصرت أتبع المدرسة الجعفرية. (مدرسة الإمام الصادق (ع) ):

وصارت تعقد في غرفتي حلقات الحوار والنقاشات الفلسفية والتي غالباً ما جمعت الكثير من الشبان والشابات، فكانت فرصتي للتعرف على زوجتي التي كانت وما زالت بالنسبة لي لطفاً إلهياً مباركاً أنار دربي؛ إذ كان لها الفضل أولاً في تعليمي حفظ بعض السور، وكذلك أداء الصلاة باللغة العربية. وفجأة ظهر صديقي وأخي الذي افتقدته طويلاً، أطل هذه المرة بحلة جديدة، فقد التزم دينياً واصطحبني إلى المسجد لأول مرة وشرح لي أحكام صلاة الجماعة، وتزوج هو أيضاً، وكلانا رزق بطفلة، فكبرت عائلتانا في نور الإِسلام.

إلهي وسيدي الذي أدعوه كلما شئت لحاجتي، وأخلو به حيث شئت لسري... الحمد لك والشكر لك على ما خلقتني وسوّيتني، وربّيتني وأعطيتني حمداً دائماً لا ينقطع أبداً.. اللّهمّ املأ قلبي حباً لك وخشية منك وتصديقاً لك وإيماناً بك.

٢٣١

قصة إسلام الشاب الأرجنتيني

«محمد عيسى غارسيا»

من آثار السمعة الحسنة التي حققها مسلمو الأرجنتين هي ظاهرة إسلام العديد من المواطنين من أصل أرجنتيني نظراً للقِيَم النبيلة التي لمسوها في الدين الإِسلامي والطابع الأخلاقي السليم لسلوك المهاجرين المسلمين.

في هذا الإطار تلقينا من الأخ الكاتب مجاهد شرارة المقيم في الأرجنتين قصة شيقة عن (محمد عيسى غارسيا) وهو شاب أرجنتيني وجد سعادته كما يقول في الإِسلام بعد بحث طويل عن الحقيقة مقتفياً آثار الصحابي الجليل سلمان الفارسي (رض)

حكاية محمد عيسى أنه ولد لأبوين نصرانيين وقد أمضى طفولته في التردد على الكنيسة، ولمّا بلغ العاشرة من عمره أنهضته نفسه البريئة إلى بداية رحلة جديدة للتأمل في الكون الذي حوله، ورغم صغر سنّه وقصور ذهنه على الاستدلال إلّا أن فطرته لم تكن لتتقبّل عقيدة التثليث فقد كان يميل ببراءته إلى أن عيسى بن مريم (ع) شخصية عظيمة وليس إلهاً، وهذه المسألة هي التي فتحت باب المناقشات والتساؤلات بينه وبين أهله في البيت ومع قساوسة الكنيسة التي يتردد إليها.

لم يجد محمد عيسى غارسيا وهو الطفل البريء جواباً شافياً على تساؤلاته المبكّرة وما يجيش في نفسه، وازدادت حيرته وقلقه عندما لم يعر أهله والكنيسة اهتماماً بسؤاله نظراً لصغر سنّه.

مرّت الأعوام بمحمد عيسى حتى بلغ الخامسة عشر وهو يحمل في نفسه تلك الأسئلة، ودخل الثانوية العامة، وتلقى في أثناء دراسته كلاماً سطحياً عن الإِسلام ومغلوطاً في الكثير من الأحيان، فالكتاب المدرسي يذكر أن المسلمين يعبدون الحجر الأسود ويسجدون للكعبة مصحوباً بصور للمسلمين وهم يصلون ويسجدون ويطوفون حول الكعبة.

٢٣٢

كبر محمد عيسى وكبرت معه حيرته فهو الآن شاب بإمكانه أن يحلّل ويستدل فقد قوِيَ تمسّكه وولعه بالبحث عن الحقيقة. وفي ليلة من ليالي شهر أكتوبر عام 1989 ضاقت به نفسه فالسؤال ما زال يتردد داخله، من هو خالق الكون؟! ووقف في جنح الليل ينظر إلى السماء هاتفاً: «يا أنت الذي خلقتني اهدني للحق وإلّا خذ روحي فإني أعيش حياة ضالة» وانهمرت من عينيه دموع الحيرة ثم استسلم للنوم. وفي الصباح استيقظ على طرق الباب فوجد محمد رجلاً مشرق الوجه يطلب منه أن يحدِّثه لبعض الوقت، وبدأ حديثه بقوله: أنا «ماشوركا»، مسلم جئت لأحدثك عن الإِسلام. وأخذ ماشوركا يحدّثه عن الله ووحدانيته وعظمته وكيف أنه يستحق العبادة ومنزّه عن كل نقص.

انشرح قلب محمد عيسى غارسيا لهذه الكلمات، ونظر إلى السماء متذكراً ما دعا به في الليلة الماضية، وشعر برحمة الله تحفه ونفحات الإيمان تتدافع في قلبه. دام حديث ماشوركا معه ثلاث ساعات بعدها استأذن لصلاة الجمعة. وقبل أن ينصرف طلب غارسيا أن يرافقه إلى المسجد، فقد وجد ضالته ولن يتركها تضيع من بين يديه، واستمع للخطبة التي تحدثت عن الإِسلام. وما إن فرغ المصلّون من الصلاة حتى توجه محمد غارسيا إلى ماشوركا مخاطباً: أريد أن أسلم، ماذا أفعل؟ فقال له: عليك بنطق الشهادتين ثم الاغتسال. ففعل محمد غارسيا ما طلب منه فكبّر المصلّون فرحاً بإسلامه.

طريق الأهل الشائك والهجرة إلى الحقيقة:

تعلّم محمد عيسى غارسيا في المدرسة والبيت الحرية في أن يعتقد ما يريد دون أن يؤثر ذلك في حياة الأسرة، لكن ما حدث بعد إسلامه كان خلاف ذلك، فقد واجهته المصاعب من جميع الجهات؛ فوالدته غضبت منه غضباً شديداً وتوعدته رغم حبها الجمّ له، وقام والده بطرده من المنزل وهو ما زال طالباً لم يتعدَّ 18 عاماً، فخرج حزيناً من بيته مصدوماً من أهله الذين طالما تغنوا بالحرية في المعتقد والسلوك.

٢٣٣

ليس لمحمد عيسى غارسيا أحد يلجأ إليه سوى «ماشوركا» الذي احتضنه ووفر له عملاً بسيطاً في شركة لتصنيع البلاستيك، ومأوى في بيته كي يعيش فيه. ظل محمد عيسى يعمل ويتردد إلى المسجد كي يتعلم العربية وتعاليم الإِسلام، كان جلّ همّه أن يستزيد من المعرفة وينهل من نهج نبي الإِسلام (ص)

رغب محمد عيسى أن يتعلم سيرة النبي (ص) فأقبل على كتاب السيرة النبوية «لمارتن لينكس»، وكلما قرأ عن الاضطهاد الذي تعرض له النبي وكيف صبر عليه، ازداد صلابة في مواجهة الحياة الصعبة التي يعيشها، وبعد فترة اجتهد محمد عيسى في حفظ القرآن والأحاديث النبوية حتى حفظ جزء «عم» و«الأربعون النووية».

ظلّت نفس محمد عيسى تهفو لزيارة البيت الحرام والوقوف أمام مقام الرسول (ص) حتى أتت فرصة الحج عام 1993 ووقف أمام الكعبة يصلّي معلناً أنه لا يسجد لها ولا يعبد الحجر الأسود بل يسجد ويعبد الله وحده.

بعد الحج عزم محمد عيسى على التخصص في علم الحديث بعدما تعلّم اللغة العربية، وكانت ترافقه أمنية في أن يهدي الله أُمه للإِسلام فأخذ يراسلها ويكتب إليها ويتصل بها بين الحين والحين، وفي إحدى المرات فاجأته أُمه بقولها: «لقد أسلمتُ يا محمد» حينها طار قلب محمد فرحاً لإِسلام أُمه.

عاد محمد عيسى عام 2004 إلى الأرجنتين بعد رحلة استغرقت إحدى عشر عاماً، حفظ خلالها عشرة أجزاء من القرآن الكريم وأتقن اللغة العربية، آنذاك حمل محمد عيسى لواء الدعو إلى الله وتبصير الناس بالله وبالإِسلام لكنه واجه ظروفاً صعبة، ولكن من براثن الظلام يتولد الضوء، فكثير من الأرجنتينيين بدأوا يسألونه عن الإِسلام وهو يشرح لهم حقيقة الافتراءات التي ألصقت بهذا الدين الحنيف، حتى أسلم على يديه 70 رجلاً وامرأة خصصوا لهم مكاناً للصلاة في حيّهم، ويقوم محمد عيسى بتدريس العربية للمسلمين الجدد وتعليمهم قراءة القرآن وتعاليم الإِسلام.

٢٣٤

أصبحت الدعوة إلى الإِسلام هي الشغل الشاغل لمحمد عيسى وتطورت أساليبه في التبليغ، فنظراً إلى أنه يجيد اللغة العربية والإسبانية اتجه إلى الترجمة عندما وجد ندرة في الكتب الإِسلامية باللغة الإسبانية، فعمل مديراً لقسم اللغة الإسبانية في الدار العالمية للكتاب الإِسلامي، وقد ترجم حتى الآن أكثر من سبعين كتاباً إسلامياً من العربية إلى الإسبانية، ويناشد محمد عيسى الجميع الحكومات والمؤسسات الإسلامية أن يدعموا الدعوة والتبليغ في الأرجنتين وأمريكا اللاتينية، وأن تزيد حركة الترجمة وتتسع حتى تشمل جميع الكتب التي تحتضن العلوم الشرعية.

وليس غريباً أن يلوم المسلم الأرجنتيني محمد عيسى المسلمين على تقصيرهم في تبليغ رسالة الإِسلام في أمريكا اللاتينية، بعدما اطلع على عظمة الإِسلام ونجاعته في سعادة الإنسان في هذا العصر، فالمسلمون بنظره لا يقدّرون إسلامهم حق قدره. ويضيف محمد عيسى غارسياً قائلاً: «كثير من الدعاة يسافرون إلى أماكن أخرى من العالم مقابل عدد قليل جداً يأتي إلينا للدعوة إلى الله، وهذا يحزنني كثيراً، فالناس هنا في الأرجنتين، متقبلون للإِسلام ولكنهم يحتاجون إلى من يرشدهم إليه».

نداء إلى المسلمين:

وفي نهاية حديثه معنا قال: «60% من الأرجنتينيين الذين أسلموا تعرفوا على الإِسلام من خلال مواقع الإنترنت، وهناك مواقع إسبانية عن الإِسلام وكذلك منتديات للحوار باللغة الإسبانية، لذلك أناشد الشباب المسلم العربي أن يتعلم اللغة الإسبانية يدخل إلى هذه المواقع ليدعوا إلى الله، أرجو أن تهتموا بأمور المسلمين الجدد في أمريكا اللاتينية ونحن نرحب بكم جميعاً ونود أن نستقبلكم في بيوتنا».

٢٣٥

قصّة قسيس روسي

اعتنق الإسلام بعد صراع ضد الإلحاد :

من هو القسيس المسيحي الروسي الذي اعتنق الإسلام وما هي قصة الشيخ الذي دخل عليه إلى قلب الكنيسة وكان كلامه بمثابة دعوة للهدى، وماذا يفعل بولوسين ورفاقه لنصرة الإسلام في روسيا؟

قال الدكتور في الفلسفة والعلوم السياسية علي فيتشسلاف بولوسين: «لقد تربيت في عائلة غير مؤمنة ولكنني كنت أدرك بإحساسي وجود الله الذي أتوجه إليه في كل ضائقة وسرعان ما تنفرج».

وأضاف بولوسين الذي وضع عدداً من المؤلفات حول علوم الدنيا والآخرة أبرزها كتابه «الخرافات والدين والدولة» الذي صدر في موسكو في عام 9991م إنه التحق بكلية الفلسفة في جامعة موسكو من أجل الوصول إلى معرفة حقيقة الله (سبحانه وتعالى) حيث تخرَّج بعد أن أمعن في دراسة المسيحية الأرثوذكسية وقال «اكتشفت الكثير من التناقضات فيها».

وإبان العهد السوفياتي حيث كانت الشيوعية تمثل الإيديولوجية الرسمية للدولة وكانت الكنيسة الأرثوذكسية تمثل البديل الوحيد الموجود التحق بولوسين بمدرسة الرهبان وأصبح قسيساً في عام 3891م. وأقر بولوسين بأن وضعه كراهب كان يشكِّل رمزاً للصراع ضد الإلحاد وفي الوقت نفسه فإن مقامه كراهب كان يفرض عليه ممارسة طقوس تلبية لاحتياجات الناس المؤمنين التي يقول إنه «لم يقتنع بها مما خلق لديه ازدواجية بين الإيمان الشخصي والواجب الديني الاجتماعي ويعتقد بولوسين أن شكوكه ومواقفه التي لم يكن قادراً على إخفائها كانت السبب وراء إبعاده إلى آسيا الوسطى للخدمة في إحدى الكنائس في طاجكستان «حيث تعرفت لأول مرة وبصورة مباشرة على المسلمين والإسلام الذي بدأت أشعر بانشداد إليه».

وروى بولوسين أن شيخاً وقوراً دخل عليه إلى قلب الكنيسة التي كان يرعى أمورها وبدون أن يقدِّم نفسه «سألني عدة أسئلة أجبته عليها وبعدها قال لي إنك تنظر إلى الأمور بعيون مسلم وستكون إن شاء الله من المسلمين».

٢٣٦

وقال بولوسين: «بدا هذا الأمر عجيباً وغريباً إذ دخل الشيخ إلى قلب الكنيسة بكل احترام ولكنه غير آبه بأي مكروه قد يتعرض إليه ليدعو راعي الكنيسة إلى الإسلام، والعجيب في الأمر أن هذه الدعوة دخلت إلى روحي ولم تلقَ مني أي مقاومة».

وأضاف: إن الأمر الأكثر عجباً أنني لم أرَ هذا الشيخ قبل هذه الحادثة ولا بعدها وبعد وقت أدركت أن مجيئه إليّ كان مثابة «دعوة للهدى».

وبعد آسيا الوسطى تولى بولوسين رعاية كنيسة مهجورة أعيد ترميمها في مدينة كالوغا حيث يعترف بأنه بدأ فيها ممارسة قناعته بالإيمان بعيداً عن الطقوس التي لم يكن يؤمن بها.

وبفضل العلاقة الطيبة التي ارتسمت بينه وبين رواد الكنيسة سارع الناس في سنوات الانفتاح والانعتاق الديني التي دشنتها البيرسترويكا إلى ترشيحه لعضوية البرلمان الروسي في عام 0991م حيث أصبح نائباً في البرلمان وترأس لجنة برلمانية لحرية العقيدة وتفرغ للعمل النيابي بعد أن تقدم بطلب رسمي إلى الكنيسة حرره من التزاماته الشكلية الدينية.

وأضاف أن فترة عمله في البرلمان تُوِّجت بإقرار قانون حول الأديان منح الكثير من التسهيلات للمسلمين وظل العمل به مستمراً حتى عام 7991م.

ويعترف بولوسين أنه انكب في بداية التسعينيات على دراسة المصادر التاريخية القديمة للمسيحية في محاولة للوقوف على تفسيرات للشكوك التي انطوت عليها نفسه ولكن هذه الدراسة المتعمقة زادت شكوكه وعمقتها «حسب قوله».

واستطرد بأن عام 5991م كان عام التحول في قناعاته الدينية حيث توقف تماماً عن ممارسة عمله في الكنيسة وانتقل لدراسة الإسلام وقال: «لكن قراءة القرآن بالترجمة الروسية التي أعدها أغناتي كراتشكوفسكي شوهت المعاني السامية للقرآن التي لم تتضح بأبعادها العظيمة إلّا بعد مراجعة ترجمة عصرية للمعاني القرآنية والمؤلفات الإسلامية حول المسيح واستماعي إلى سلسلة محاضرات حول الدين الإسلامي حيث لم يبقَ لديّ أي شك في اعتناق الإسلام.

٢٣٧

وقال بولوسين «أعلنت إسلامي سراً ولم يكن يعلم به أحد سوى شخصين، وانطوى هذا القرار على خطر يتهدد حياتي وحياة زوجتي التي سبقتني إلى الإسلام وظللت على هذا الحال حتى العام الماضي حيث نطقت علناً بالشهادتين في حديث أدليت به لصحيفة «المسلمون» واتخذت لنفسي اسم علي وزوجتي علية».

ورداً على النظريات الغربية التي ترى أن الصراع بين الأديان والحضارات يبدو حتمياً أعرب بولوسين عن قناعته بأن روسيا تشكل نموذجاً يحتذى للتعايش السلمي بين الإسلام والمسيحية بالرغم من بعض الفترات التاريخية التي ألحقت فيها الدولة أذى بالمسلمين كما حدث في العهد القيصري إبان حكم إيفان الرهيب وغيرها.

وحذر بولوسين من وجود أطراف خارجية تسعى لإثارة النعرات الدينية في روسيا من أجل تقويض الوحدة الوطنية وإضعاف الدولة الروسية.

ويتهم بولوسين الصهيونية بأنها صاحبة المصلحة الأولى في الإيقاع بين المسلمين والمسيحيين في روسيا.

ودحض بولوسين بقوة محاولة إضفاء صفة الإرهاب على الإسلام قائلاً إن الأصولية اليهودية تشكل قمة التطرف لأنها تندرج في الإطار الإيديولوجي للصهيونية وتقوم على الخرافات التي كانت قائمة قبل ثلاثة آلاف عام.

وتساءل «كيف يتحدثون عن الأصولية الإسلامية وكلنا نعرف إن الأصولية اليهودية هي التي أقامت دولة على حساب شعب آخر استناداً إلى روايات خرافية وما زالت تسعى لإقامة دولة إسرائيل الكبرى على حساب الأمة العربية جمعاء».

وعن المهام الملحَّة التي يقوم بها بولوسين لنصرة الإسلام في روسيا قال إن المهمة الملحة تتمثل في «تقديم صورة صحيحة عن الإسلام للمواطنين الروس على جميع الأصعدة بما في ذلك أجهزة الدولة الأمنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية».

وأضاف أننا نقوم بنشر صورة الإسلام المشرقة بصفته ديناً قائماً على المحبة والتعايش السلمي وسط المثقفين الروس وبدأنا بإصدار نشرة الصراط المستقيم التي تتضمن مقالات تطرح نظرة عصرية وحديثة للإسلام في روسيا وموقف المسلمين إزاء معضلات ومشكلات المجتمع الروسي.

٢٣٨

وذكر بولوسين الذي يعمل في الوقت الحاضر مستشاراً لدى رئيس الإدارة الدينية لمسلمي الجزء الأوروبي من روسيا أنه يعمل مع فريق من المسلمين الروس على وضع أسس لبرنامج اجتماعي للمسلمين الروس من أجل طرحه في الأوساط الروسية الرسمية والاجتماعية.

٢٣٩

الأخ الإسباني يوسف فرنانديز

يقول:

· أدركت أن الإسلام هو ما كنت أنتظره منذ فترة طويلة، فهو نهج حياة واضح لا يكتنفه غموض أو أسرار.

· قبل الإسلام كنت شخصاً عصبياً متشائماً لا يرى معنى لوجوده.. وقد أصبحت بعده إنساناً هادئاً وحيوياً وإيجابياً.

· في إسبانيا آفاق الدعوة إلى الإسلام جيّدة على الرغم من أن العمل في هذا المجال ليس كافياً.

يوسف فرنانديز.. أخ مسلم غربي آخر يروي قصّة تحوّله المشوّقة إلى جمال أنوار الإسلام، بعد رحلة طالت مع العقائد والأفكار السائدة في عالم الغرب، التي لم تشفِ غليله، ولم توفّر له قناعة بسلامتها وطمأنينة بصلاحيتها.. وقد تفضّل مشكوراً بالكتابة عن قصّة اعتناقه للإسلام، ليطّلع عليها قرّاء المجلة وكل من هو متيقِّن بعظمة هذا الدين الحنيف.

لقد وُلدت في العام 5691 في أستورياس، وهي منطقة في شمال إسبانيا زُعم أنها مهد الكاثوليكية الوطنية، أي العقيدة السياسية والدينية التي سادت في إسبانيا طيلة خمسة قرون. تقول أساطير الفكر الرسمي القديم إن المسلمين الذين جاؤوا في العام 711 ميلادي إلى إسبانيا عن طريق مضيق جبل طارق واستولوا على معظم أنحاء شبه الجزيرة الأيبيرية في سبع سنوات فقط، قد هُزموا من قبل الملك بيلايو وبعض أتباع المسيحية في كوفادونغا، وهي معقل جبلي في أستورياس. وقد قيل إن ذلك آذن ببدء الـatsiuqnoceR (الاسترداد) أي الحرب المسيحية المقدسة التي استمرت ثمانية قرون لفتح شبه الجزيرة بأكملها والقضاء على الدول الإسلامية فيها. وفي الثاني من كانون الثاني/يناير 2941، سقطت غرناطة؛ وقد مثل هذا التاريخ نهاية العصر الإسلامي المشرق في الأندلس.

بعد ذلك، أصبحت إسبانيا دولة كاثوليكية رسمية وذلك حتى وفاة الدكتاتور فرانشيسكو فرانكو في العام 5791. وفي عام 8791، تمت المصادقة على أول دستور ديمقراطي، وبعد ذلك بعامين صدر أول قانون للحرية الدينية.

نظراً لهذه الحقائق التاريخية، كان من المفترض أن تكون أستورياس مكاناً من الصعب أن يكتشف المرء الإسلام فيه، لا سيما وأن الهويتين الأستورية والإسبانية قد تم ربطهما بالكاثوليكية الوطنية لفترة طويلة.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444