الميزان في تفسير القرآن الجزء ٥

الميزان في تفسير القرآن13%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 444

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 444 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 91149 / تحميل: 10836
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٥

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

التقوى، و يختار سفساف الشره، و على هذا السبيل سائر الأسباب الشعوريّة في الإنسان و إلّا فالإنسان لا يحيد عن حكم سبب من هذه الأسباب ما دام السبب قائماً على ساق، و لا مانع يمنع من تأثيره، فجميع هذه التخلّفات تستند إلى مغالبة التقوى و الأسباب، و تغلّب بعضها على بعض.

و من هنا يظهر أنّ هذه القوّة المسمّاة بقوّة العصمة سبب شعوريّ علميّ غير مغلوب البتّة، و لو كانت من قبيل ما نتعارفه من أقسام الشعور و الإدراك لتسرّب إليها التخلّف، و خبطت في أثرها أحياناً، فهذا العلم من غير سنخ سائر العلوم و الإدراكات المتعارفة الّتي تقبل الاكتساب و التعلّم.

و قد أشار الله تعالى إليه في خطابه الّذي خصّ به نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله:( وَ أَنْزَلَ الله عَلَيْكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ) و هو خطاب خاصّ لا نفقهه حقيقة الفقه إذ لا ذوق لنا في هذا النحو من العلم و الشعور غير أنّ الّذي يظهر لنا من سائر كلامه تعالى بعض الظهور كقوله:( قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى‏ قَلْبِكَ ) (البقرة: ٩٧) و قوله:( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى‏ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) (الشعراء: ١٩٥) أنّ الإنزال المذكور من سنخ العلم، و يظهر من جهة اُخرى أنّ ذلك من قبيل الوحي و التكليم كما يظهر من قوله:( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى‏ وَ عِيسى‏ ) الآية (الشورى: ١٣) و قوله:( إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى‏ نُوحٍ وَ النَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ) (النساء: ١٦٣) و قوله:( إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى‏ إِلَيَّ ) (الأنعام: ٥٠)، و قوله:( إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى‏ إِلَيَّ ) (الأعراف: ٢٠٣).

و يستفاد من الآيات على اختلافها أنّ المراد بالإنزال هو الوحي وحي الكتاب و الحكمة و هو نوع تعليم إلهيّ لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير أنّ الّذي يشير إليه بقوله:( وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ) ليس هو الّذي علمه بوحي الكتاب و الحكمة فقط فإنّ مورد الآية قضاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحوادث الواقعة و الدعاوي الّتي ترفع إليه برأيه الخاصّ، و ليس ذلك من الكتاب و الحكمة بشي‏ء و إن كان متوقّفاً عليهما بل رأيه و نظره الخاصّ به.

٨١

و من هنا يظهر أنّ المراد بالإنزال و التعليم في قوله:( وَ أَنْزَلَ الله عَلَيْكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ) نوعان اثنان من العلم، أحدهما: التعليم بالوحي و نزول الروح الأمين على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و، الآخر: التعليم بنوع من الإلقاء في القلب و الإلهام الخفيّ الإلهيّ من غير إنزال الملك و هذا هو الّذي تؤيّده الروايات الواردة في علم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و على هذا فالمراد بقوله:( وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ) آتاك نوعاً من العلم لو لم يؤتك إيّاه من لدنه لم يكفك في إيتائه الأسباب العاديّة الّتي تعلّم الإنسان ما يكتسبه من العلوم.

فقد بان من جميع ما قدّمناه أنّ هذه الموهبة الإلهيّة الّتي نسمّيها قوّة العصمة نوع من العلم و الشعور يغاير سائر أنواع العلوم في أنّه غير مغلوب لشي‏ء من القوى الشعوريّة البتّة بل هي الغالبة القاهرة عليها المستخدمة إيّاها، و لذلك كانت تصون صاحبها من الضلال و الخطيئة مطلقاً، و قد ورد في الروايات أنّ للنبيّ و الإمام روحاً تسمّى روح القدس تسدّده و تعصمه عن المعصية و الخطيئة، و هي الّتي يشير إليها قوله تعالى:( وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا ) (الشورى: ٥٢) بتنزيل الآية على ظاهرها من إلقاء كلمة الروح المعلّمة الهادية إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و نظيره قوله تعالى:( وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ ) (الأنبياء: ٧٣) بناء على ما سيجي‏ء من بيان معنى الآية إن شاء الله العزيز أنّ المراد به تسديد روح القدس الإمام بفعل الخيرات و عبادة الله سبحانه.

و بان ممّا مرّ أيضاً أنّ المراد بالكتاب في قوله:( وَ أَنْزَلَ الله عَلَيْكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ) هو الوحي النازل لرفع اختلافات الناس على حدّ قوله تعالى:( كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ الله النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ) الآية (البقرة: ٢١٣) و قد تقدّم بيانه في الجزء الثاني من هذا الكتاب.

٨٢

و المراد بالحكمة سائر المعارف الإلهيّة النازلة بالوحي، النافعة للدنيا و الآخرة، و المراد بقوله:( وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ) غير المعارف الكلّيّة العامّة من الكتاب و الحكمة.

و بذلك يظهر ما في كلمات بعض المفسّرين في تفسير الآية. فقد فسّر بعضهم الكتاب بالقرآن، و الحكمة بما فيه من الأحكام، و( ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ) بالأحكام و الغيب و فسّر بعضهم الكتاب و الحكمة بالقرآن و السنّة، و( ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ) بالشرائع و أنباء الرسل الأوّلين و غير ذلك من العلوم إلى غير ذلك ممّا ذكروه، و قد تبيّن وجه ضعفها بما مرّ فلا نعيد.

قوله تعالى: ( وَ كانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيماً ) امتنان على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قوله تعالى: ( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) قال الراغب: و ناجيته أي ساررته و أصله أن تخلو به في نجوة من الأرض (انتهى) فالنجوى المسارّة في الحديث، و ربّما اُطلق على نفس المتناجين قال تعالى:( وَ إِذْ هُمْ نَجْوى) (الإسراء: ٤٧) أي متناجون.

و في الكلام أعني قوله:( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ ) عود إلى ما تقدّم من قوله تعالى:( إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى‏ مِنَ الْقَوْلِ ) (الآية) بناءً على اتّصال الآيات و قد عمّم البيان لمطلق المسارّة في القول سواء كان ذلك بطريق التبييت أو بغيره لأنّ الحكم المذكور و هو انتفاء الخير فيه إنّما هو لمطلق المسارّة و إن لم تكن على نحو التبييت، و نظيره قوله:( وَ مَنْ يُشاقِقِ ) ، دون أن يقول: و من يناج للمشاقّة، لأنّ الحكم المذكور لمطلق المشاقّة أعمّ من أن يكون نجوى أو لا.

و ظاهر الاستثناء أنّه منقطع، و المعنى: لكنّ من أمر بكذا و كذا فيه ففيما أمر به شي‏ء من الخير، و قد سمّى دعوة النجوى إلى الخير أمراً و ذلك من قبيل الاستعارة، و قد عدّ تعالى هذا الخير الّذي يأمر به النجوى ثلاثة: الصدقة، و المعروف، و الإصلاح بين الناس. و لعلّ إفراد الصدقة عن المعروف مع كونها من أفراده لكونها الفرد الكامل في الاحتياج إلى النجوى بالطبع، و هو كذلك غالباً.

٨٣

قوله تعالى: ( وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ الله ) ، تفصيل لحال النجوى ببيان آخر من حيث التبعة من المثوبة و العقوبة ليتبيّن به وجه الخير فيما هو خير من النجوى، و عدم الخير فيما ليس بخير منه.

و محصّله أنّ فاعل النجوى على قسمين: (أحدهما) من يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله، و لا محالة ينطبق على ما يدعو إلى معروف أو إصلاح بين الناس تقرّباً إلى الله، و سوف يثيبه الله سبحانه بعظيم الأجر، و (ثانيهما) أن يفعل ذلك لمشاقّة الرسول و اتّخاذ طريق غير طريق المؤمنين و سبيلهم، و جزاؤه الإملاء و الاستدراج الإلهيّ ثمّ إصلاء جهنم و ساءت مصيراً.

قوله تعالى: ( وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى‏ وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ) ، المشاقّة من الشقّ و هو القطعة المبانة من الشي‏ء فالمشاقّة و الشقاق كونك في شقّ غير شقّ صاحبك، و هو كناية عن المخالفة، فالمراد بمشاقّة الرسول بعد تبيّن الهدى مخالفته و عدم إطاعته، و على هذا فقوله:( وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ) بيان آخر لمشاقّة الرسول، و المراد بسبيل المؤمنين إطاعة الرسول فإنّ طاعته طاعة الله قال تعالى:( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ الله ) (النساء: ٨٠).

فسبيل المؤمنين بما هم مجتمعون على الإيمان هو الاجتماع على طاعة الله و رسوله - و إن شئت فقل على طاعة رسوله - فإنّ ذلك هو الحافظ لوحدة سبيلهم كما قال تعالى:( وَ كَيْفَ تَكْفُرُونَ وَ أَنْتُمْ تُتْلى‏ عَلَيْكُمْ آياتُ الله وَ فِيكُمْ رَسُولُهُ وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِالله فَقَدْ هُدِيَ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا ) (آل عمران: ١٠٣) و قد تقدّم الكلام في الآية في الجزء الثالث من هذا الكتاب، و قال تعالى:( وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (الأنعام: ١٥٣) و إذا كان سبيله سبيل التقوى، و المؤمنون هم المدعوّون إليه فسبيلهم مجتمعين سبيل التعاون على التقوى كما قال تعالى:( وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى‏ وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى

٨٤

الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ ) (المائدة: ٢) و الآية - كما ترى - تنهى عن معصية الله و شقّ عصا الاجتماع الإسلامي، و هو ما ذكرناه من معنى سبيل المؤمنين.

فمعنى الآية أعني قوله:( وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى‏ وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ) ، يعود إلى معنى قوله:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَ تَناجَوْا بِالْبِرِّ وَ التَّقْوى‏ ) (الآية) (المجادلة: ٩).

و قوله( نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى ) ، أي نجره على ما جرى عليه، و نساعده على ما تلبّس به من اتّباع غير سبيل المؤمنين كما قال تعالى:( كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَ هَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ) (الإسراء: ٢٠).

و قوله:( وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً ) عطفه بالواو يدلّ على أنّ الجميع أي توليته ما تولّى و إصلاؤه جهنم أمر واحد إلهيّ بعض أجزائه دنيويّ و هو توليته ما تولّى، و بعضها اُخرويّ و هو إصلاؤه جهنّم و ساءت مصيراً.

قوله تعالى: ( إِنَّ الله لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ) إلى آخر الآية ظاهر الآية أنّها في مقام التعليل لقوله في الآية السابقة:( نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ ) ، بناء على اتّصال الآيات فالآية تدلّ على أنّ مشاقّة الرسول شرك بالله العظيم، و أنّ الله لا يغفر أن يشرك به، و ربّما استفيد ذلك من قوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ الله وَ شَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى‏ لَنْ يَضُرُّوا الله شَيْئاً وَ سَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ الله ثُمَّ ماتُوا وَ هُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ الله لَهُمْ ) (محمّد: ٣٤) فإنّ ظاهر الآية الثالثة أنّها تعليل لما في الآية الثانية من الأمر بطاعة الله و طاعة رسوله فيكون الخروج عن طاعة الله و طاعة رسوله كفراً لا يغفر أبداً، و هو الشرك.

و المقام يعطي أنّ إلحاق قوله:( وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) بقوله:( إِنَّ الله لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ) إنّما هو لتتميم البيان، و إفادة عظمة هذه المعصية المشؤومة أعني مشاقّة الرسول، و قد تقدّم بعض الكلام في الآية في آخر الجزء الرابع من هذا الكتاب.

٨٥

قوله تعالى: ( إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً ) الإناث جمع اُنثى يقال: أنث الحديد أنثاً أي انفعل و لان، و أنث المكان أسرع في الإنبات و جاد، ففيه معنى الانفعال و التأثّر، و بذلك سمّيت الاُنثى من الحيوان اُنثى و قد سمّيت الأصنام و كلّ معبود من دون الله إناثاً لكونها قابلات منفعلات ليس في وسعها أن تفعل شيئاً ممّا يتوقّعه عبادها منها - كما قيل - قال تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَ الْمَطْلُوبُ ما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) (الحجّ: ٧٤) و قال:( وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَ هُمْ يُخْلَقُونَ وَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَ لا نَفْعاً وَ لا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَ لا حَياةً وَ لا نُشُوراً ) (الفرقان: ٣).

فالظاهر أنّ المراد بالاُنوثة الانفعال المحض الّذي هو شأن المخلوق إذا قيس إلى الخالق عزّ اسمه، و هذا الوجه اُولى ممّا قيل: إنّ المراد هو اللّات و العزّى و منات الثالثة و نحوها، و قد كان لكلّ حيّ صنم يسمّونه اُنثى بني فلان إمّا لتأنيث أسمائها أو لأنّها كانت جمادات و الجمادات تؤنّث في اللّفظ.

و وجه الأولويّة أنّ ذلك لا يلائم الحصر الواقع في قوله:( إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً ) كثير ملاءمة، و بين من يدعى من دون الله من هو ذكر غير اُنثى كعيسى المسيح و برهما و بوذا.

قوله تعالى: ( وَ إِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً ) المريد هو العاري من كلّ خير أو مطلق العاري، قال البيضاويّ: المارد و المريد الّذي لا يعلق بخير، و أصل التركيب للملامسة، و منه صرح ممرّد، و غلام أمرد، و شجرة مرداء للّتي تناثر ورقها (انتهى).

و الظاهر أنّ الجملة بيان للجملة السابقة فإنّ الدعوة كناية عن العبادة لكون العبادة إنّما نشأت بين الناس للدعوة على الحاجة، و قد سمّى الله تعالى الطاعة عبادة قال تعالى:( أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَ أَنِ اعْبُدُونِي ) (يس: ٦١) فيؤول معنى الجملة إلى أنّ عبادتهم لكلّ معبود من دون الله عبادة و دعوة منهم للشيطان المريد لكونها طاعة له.

٨٦

قوله تعالى: ( لَعَنَهُ الله ) اللّعن هو الإبعاد عن الرحمة، و هو وصف ثان للشيطان و بمنزلة التعليل للوصف الأوّل.

قوله تعالى: ( وَ قالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً ) كأنّه إشارة إلى ما حكاه الله تعالى عنه من قوله:( فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) ( ص: ٨٣) و في قوله:( مِنْ عِبادِكَ ) تقرير أنّهم مع ذلك عباده لا ينسلخون عن هذا الشأن، و هو ربّهم يحكم فيهم بما شاء.

قوله تعالى: ( وَ لَأُضِلَّنَّهُمْ وَ لَأُمَنِّيَنَّهُمْ ) (إلى آخر) الآية التبتيل هو الشقّ، و ينطبق على ما نقل: أنّ عرب الجاهليّة كانت تشقّ آذان البحائر و السوائب لتحريم لحومها.

و هذه الاُمور المعدودة جميعها ضلال فذكر الإضلال معها من قبيل ذكر العامّ ثمّ ذكر بعض أفراده لعناية خاصّة به، يقول: لاُضلّنّهم بالاشتغال بعبادة غير الله و اقتراف المعاصي، و لاُغرّنّهم بالاشتغال بالآمال و الأمانيّ الّتي تصرفهم عن الاشتغال بواجب شأنهم و ما يهمّهم من أمرهم، و لآمرنّهم بشقّ آذان الأنعامّ و تحريم ما أحلّ الله سبحانه، و لآمرنّهم بتغيير خلق الله و ينطبق على مثل الإخصاء و أنواع المثلة و اللّواط و السحق.

و ليس من البعيد أن يكون المراد بتغيير خلق الله الخروج عن حكم الفطرة و ترك الدين الحنيف، قال تعالى:( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) (الروم: ٣٠).

ثمّ عدّ تعالى دعوة الشيطان و هي طاعته فيما يأمر به اتّخاذاً له وليّاً فقال:( وَ مَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ الله فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً ) و لم يقل: و من يكن الشيطان له وليّاً إشعاراً بما تشعر به الآيات السابقة أنّ الوليّ هو الله، و لا ولاية لغيره على شي‏ء و إن اتّخذ وليّاً.

قوله تعالى: ( يَعِدُهُمْ وَ يُمَنِّيهِمْ وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً ) ظاهر السياق أنّه تعليل لقوله في الآية السابقة:( فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً ) و أيّ خسران أبين

٨٧

من خسران من يبدّل السعادة الحقيقيّة و كمال الخلقة بالمواعيد الكاذبة و الأمانيّ الموهومة، قال تعالى:( وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَ وَجَدَ الله عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَ الله سَرِيعُ الْحِسابِ ) (النور. ٣٩).

أمّا المواعيد فهي الوساوس الشيطانيّة بلا واسطة، و أمّا الأمانيّ فهي المتفرّعة على وساوسه ممّا يستلذّه الوهم من المتخيّلات، و لذلك قال:( وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً ) فعدّ الوعد غروراً دون التمنية على ما لا يخفى.

ثمّ بيّن عاقبة حالهم بقوله:( أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ لا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً ) أي معدلاً و مفرّاً من( حاص ) إذا عدل.

ثمّ ذكر ما يقابل حالهم و هو حال المؤمنين تتميماً للبيان فقال تعالى:( وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ ) إلى آخر الآية و في الآيات التفات من سياق التكلّم مع الغير إلى الغيبة، و الوجه العامّ فيه الإيماء إلى جلالة المقام و عظمته بوضع لفظ الجلالة موضع ضمير المتكلّم مع الغير فيما يحتاج إلى هذا الإشعار حتّى إذا استوفى الغرض رجع إلى سابق السياق الّذي كان هو الأصل، و ذلك في قوله:( سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ ) ، و في ذلك نكتة اُخرى، و هي الإيماء إلى قرب الحضور و عدم احتجابه تعالى عن عباده المؤمنين و هو وليّهم.

قوله تعالى: ( وَعْدَ الله حَقًّا وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله قِيلًا ) فيه مقابلة لما ذكر في وعد الشيطان أنّه ليس إلّا غروراً فكان وعد الله حقّاً، و قوله صدقاً.

قوله تعالى: ( لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَ لا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ ) عود إلى بدء الكلام و بمنزلة النتيجة المحصّلة الملخّصة من تفصيل الكلام، و ذلك أنّه يتحصّل من المحكيّ من أعمال بعض المؤمنين و أقوالهم، و إلحاحهم على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يراعي جانبهم، و يعاضدهم و يساعدهم على غيرهم فيما يقع بينهم من النزاع و المشاجرة أنّهم يرون أنّ لهم بإيمانهم كرامة على الله سبحانه و حقّاً على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجب به على الله و رسوله مراعاة جانبهم، و تغليب جهتهم على غيرهم على الحقّ كانوا أو على الباطل، عدلاً كان الحكم أو ظلماً على حدّ ما يراه اتّباع أئمّة الضلال، و حواشي رؤساء الجور و بطائنهم

٨٨

و أذنابهم، فالواحد منهم يمتنّ على متبوعه و رئيسه في عين أنّه يخضع له و يطيعه، و يرى أنّ له عليه كرامة تلتزمه على مراعاة جانبه و تقديمه على غيره تحكّماً.

و كذا كان يراه أهل الكتاب على ما حكاه الله تعالى في كتابه عنهم قال تعالى:( وَ قالَتِ الْيَهُودُ وَ النَّصارى‏ نَحْنُ أَبْناءُ الله وَ أَحِبَّاؤُهُ ) (المائدة: ١٨)، و قال تعالى:( وَ قالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى‏ تَهْتَدُوا ) (البقرة: ١٣٥)، و قال تعالى:( قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ) (آل عمران: ٧٥).

فردّ الله على هذه الطائفة من المؤمنين في مزعمتهم، و أتبعهم بأهل الكتاب و سمّى هذه المزاعم بالأمانيّ استعارة لأنّها كالأمانيّ ليست إلّا صوراً خياليّة ملذة لا أثر لها في الأعيان فقال: ليس بأمانيّكم معاشر المسلمين أو معشر طائفة من المسلمين و لا بأمانيّ أهل الكتاب بل الأمر يدور مدار العمل إن خيراً فخير و إن شرّاً فشرّ، و قدّم ذكر السيّئة على الحسنة لأنّ عمدة خطإهم كانت فيها.

قوله تعالى: ( مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَ لا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ الله وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً ) جي‏ء في الكلام بالفصل من غير وصل لأنّه في موضع الجواب عن سؤال مقدّر، تقديره: إذا لم يكن الدخول في حمى الإسلام و الإيمان يجرّ للإنسان كلّ خير، و يحفظ منافعه في الحياة، و كذا اليهوديّة و النصرانيّة فما هو السبيل؟ و إلى ما ذا ينجرّ حال الإنسان؟ فقيل:( مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَ لا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ الله وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ ) إلخ.

و قوله( مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ) مطلق يشمل الجزاء الدنيويّ الّذي تقرّره الشريعة الإسلاميّة كالقصاص للجاني، و القطع للسارق، و الجلد أو الرجم للزاني إلى غير ذلك من أحكام السياسات و غيرها و يشمل الجزاء الاُخرويّ الّذي أوعده الله تعالى في كتابه و بلسان نبيّه.

و هذا التعميم هو المناسب لمورد الآيات الكريمة و المنطبق عليه، و قد ورد في سبب النزول أنّ الآيات نزلت في سرقة ارتكبها بعض، و رمى بها يهوديّاً أو مسلماً ثمّ ألحّوا على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقضي على المتّهم.

٨٩

و قوله:( وَ لا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ الله وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً ) يشمل الوليّ و النصير في صرف الجزاء السيّئ عنه في الدنيا كالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو وليّ الأمر و كالتقرّب منهما و كرامة الإسلام و الدين، فالجزاء المشرّع من عندالله لا يصرفه عن عامل السوء صارف، و يشمل الوليّ و النصير الصارف عنه سوء الجزاء في الآخرة إلّا ما تشمله الآية التالية.

قوله تعالى: ( وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ لا يُظْلَمُونَ نَقِيراً ) هذا هو الشقّ الثاني المتضمّن لجزاء عامل العمل الصالح و هو الجنّة، غير أنّ الله سبحانه شرط فيه شرطاً يوجب تضييقاً في فعليّة الجزاء و عمّم فيه من جهة اُخرى توجب السعة.

فشرط في المجازاة بالجنّة أن يكون الآتي بالعمل الصالح مؤمناً إذ الجزاء الحسن إنّما هو بإزاء العمل الصالح و لا عمل للكافر، قال تعالى:( وَ لَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) (الأنعام: ٨٨)، و قال تعالى:( أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً ) (الكهف: ١٠٥).

قال تعالى:( وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ ) فأتى بمن التبعيضيّة، و هو توسعة في الوعد بالجنّة، و لو قيل: و من يعمل الصالحات - و المقام مقام الدقّة في الجزاء - أفاد أنّ الجنّة لمن آمن و عمل كلّ عمل صالح، لكنّ الفضل الإلهيّ عمّم الجزاء الحسن لمن آمن و أتى ببعض الصالحات فهو يتداركه فيما بقي من الصالحات أو اقترف من المعاصي بتوبة أو شفاعة كما قال تعالى:( إِنَّ الله لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) (النساء: ١١٦) و قد تقدّم تفصيل الكلام في التوبة و في قوله تعالى:( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى الله ) (النساء: ١٧) في الجزء الرابع، و في الشفاعة في قوله تعالى:( وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً ) (البقرة: ٤٨) في الجزء الأوّل من هذا الكتاب.

و قال تعالى:( مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏ ) فعمّم الحكم للذكر و الاُنثى من غير فرق أصلاً خلافاً لما كانت تزعمه القدماء من أهل الملل و النحل كالهند و مصر و سائر الوثنيّين أنّ النساء لا عمل لهنّ و لا ثواب لحسناتهنّ، و ما كان يظهر من اليهوديّة و النصرانيّة أنّ الكرامة و العزّة للرجال، و أنّ النساء أذلّاء عندالله نواقص في الخلقة خاسرات

٩٠

في الأجر و المثوبة، و العرب لا تعدو فيهنّ هذه العقائد فسوّى الله تعالى بين القبيلين بقوله( مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏ ) .

و لعلّ هذا هو السرّ في تعقيب قوله:( فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ) بقوله:( وَ لا يُظْلَمُونَ نَقِيراً ) لتدلّ الجملة الاُولى على أنّ النساء ذوات نصيب في المثوبة كالرجال، و الجملة الثانية على أن لا فرق بينهما فيها من حيث الزيادة و النقيصة كما قال تعالى:( فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ) (آل عمران: ١٩٥).

قوله تعالى: ( وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَ هُوَ مُحْسِنٌ ) إلى آخر الآية كأنّه دفع لدخل مقدّر، تقديره: أنّه إذا لم يكن لإسلام المسلم أو لإيمان أهل الكتاب تأثير في جلب الخير إليه و حفظ منافعه و بالجملة إذا كان الإيمان بالله و آياته لا يعدل شيئاً و يستوي وجوده و عدمه فما هو كرامة الإسلام و ما هي مزيّة الإيمان؟.

فاُجيب بأنّ كرامة الدين أمر لا يشوبه ريب، و لا يداخله شكّ و لا يخفى حسنه على ذي لبّ و هو قوله:( وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً ) ، حيث قرّر بالاستفهام على طريق إرسال المسلم فإنّ الإنسان لا مناص له عن الدين، و أحسن الدين إسلام الوجه لله الّذي له ما في السماوات و ما في الأرض، و الخضوع له خضوع العبوديّة، و العمل بما يقتضيه ملّة إبراهيم حنيفاً و هو الملّة الفطريّة، و قد اتّخذ الله سبحانه إبراهيم الّذي هو أوّل من أسلم وجهه لله محسناً و اتّبع الملّة الحنيفيّة خليلاً.

لكن لا ينبغي أن يتوهّم أنّ الخلّة الإلهيّة كالخلّة الدائرة بين الناس الحاكمة بينهم على كلّ حقّ و باطل الّتي يفتح لهم باب المجازفة و التحكّم فالله سبحانه مالك غير مملوك و محيط غير محاط بخلاف الموالي و الرؤساء و الملوك من الناس فإنّهم لا يملكون من عبيدهم و رعاياهم شيئاً إلّا و يملّكونهم من أنفسهم شيئاً بإزائه، و يقهرون البعض بالبعض، و يحكمون على طائفة بالأعضاد من طائفة اُخرى و لذلك لا يثبتون في مقامهم إذا خالفت إرادتهم إرادة الكلّ بل سقطوا عن مقامهم و بان ضعفهم.

و من هنا يظهر الوجه في تعقيب قوله:( وَ مَنْ أَحْسَنُ قولاً ) إلخ بقوله:( وَ لله ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ كانَ الله بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ مُحِيطاً ) .

٩١

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ، إنّ سبب نزولها (يعني قوله تعالى:( إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ ) الآيات) أنّ قوماً من الأنصار من بني اُبيرق إخوة ثلاثة كانوا منافقين: بشير، و بشر، و مبشّر. فنقبوا على عمّ قتادة بن النعمان - و كان قتادة بدريّاً - و أخرجوا طعاماً كان أعدّه لعياله و سيفاً و درعاً.

فشكا قتادة ذلك إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا رسول الله إنّ قوماً نقبوا على عمّي، و أخذوا طعاماً كان أعدّه لعياله و سيفاً و درعاً، و هم أهل بيت سوء، و كان معهم في الرأي رجل مؤمن يقال له:( لبيد بن سهل) فقال بنو اُبيرق لقتادة: هذا عمل لبيد بن سهل، فبلغ ذلك لبيداً فأخذ سيفه و خرج عليهم فقال: يا بني اُبيرق أ ترمونني بالسرقة؟ و أنتم اُولى به منّي، و أنتم المنافقون تهجون رسول الله، و تنسبون إلى قريش، لتبيّننّ ذلك أو لأملأنّ سيفي منكم، فداروه و قالوا له: ارجع يرحمك الله فإنّك بري‏ء من ذلك.

فمشى بنو اُبيرق إلى رجل من رهطهم يقال له:( اُسيد بن عروة) و كان منطقياً بليغاً فمشى إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا رسول الله إنّ قتادة بن النعمان عمد إلى أهل بيت منّا أهل شرف و حسب و نسب فرماهم بالسرق و اتّهمهم بما ليس فيهم فاغتمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذلك، و جاءه قتادة فأقبل عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له: عمدت إلى أهل بيت شرف و حسب و نسب فرميتهم بالسرقة، و عاتبه عتاباً شديداً فاغتمّ قتادة من ذلك، و رجع إلى عمّه و قال له: يا ليتني متّ و لم اُكلّم رسول الله فقد كلّمني بما كرهته. فقال عمّه: الله المستعان.

فأنزل الله في ذلك على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ - إلى أن قال -إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى‏ مِنَ الْقَوْلِ‏ ) (قال القمّيّ) يعني الفعل فوقع القول مقام الفعل:( ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا - إلى أن قال -وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً ) (قال القمّيّ) لبيد بن سهل( فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً ) .

٩٢

و في تفسير القمّيّ: في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام : إنّ إنساناً من رهط بشير الأدنين قالوا: انطلقوا بنا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و قالوا: نكلّمه في صاحبنا أو نعذّره أن صاحبنا بري‏ء فلمّا أنزل الله:( يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ - إلى قوله -وَكِيلًا ) أقبلت رهط بشر فقالوا: يا بشر استغفر الله و تب إليه من الذنوب. فقال: و الّذي أحلف به ما سرقها إلّا لبيد فنزلت( وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً ) .

ثمّ إنّ بشراً كفر و لحق بمكّة، و أنزل الله في النفر الّذين أعذروا بشراً و أتوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليعذّروه قوله:( وَ لَوْ لا فَضْلُ الله عَلَيْكَ وَ رَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ - إلى قوله -وَ كانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيماً ) .

و في الدرّ المنثور: أخرج الترمذيّ و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبوالشيخ و الحاكم و صحّحه عن قتادة بن النعمان قال: كان أهل بيت منّا يقال لهم( بنو اُبيرق) ، بشر، و بشير، و مبشّر. و كان بشر رجلاً منافقاً يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ ينحله بعض العرب ثمّ يقول: قال فلان كذا و كذا، قال فلان كذا و كذا، و إذا سمع أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك الشعر قالوا: و الله ما يقول هذا الشعر إلّا هذا الخبيث فقال:

أو كلّما قال الرجال قصيدة

أضموا فقالوا ابن الاُبيرق قالها

قال: و كانوا أهل بيت حاجة و فاقة في الجاهليّة و الإسلام، و كان الناس إنّما طعامهم بالمدينة التمر و الشعير، و كان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة(١) من الشام من الدرمك (٢) ابتاع الرجل منها فخصّ بها نفسه، أمّا العيال فإنّما طعامهم التمر و الشعير.

فقدمت ضافطة من الشام فابتاع عمّي رفاعة بن زيد حملاً من الدرمك فجعله في‏ مشربة له،(٣) و في المشربة سلاح له: درعان، و سيفاهما، و ما يصلحهما. فعدا عديّ من تحت اللّيل فنقب المشربة، و أخذ الطعام و السلاح، فلمّا أصبح أتاني عمّي رفاعة فقال: يا ابن أخي تعلم أنّه قد عدي علينا في ليلتنا هذه فنقبت مشربتنا فذهب بطعامنا و سلاحنا؟

____________________

(١) الضافطة: الإبل الحمولة.

(٢) الدرمك: الدقيق الحواري أي الأبيض الناهم.

(٣) المشربة: الغرفة الّتي يشرب فيها.

٩٣

قال: فتجسّسنا في الدار و سألنا، فقيل لنا: قد رأينا بني اُبيرق قد استوقدوا في هذه الليلة، و لا نرى فيما نرى إلّا على بعض طعامكم، قال: و قد كان بنو اُبيرق قالوا - و نحن نسأل في الدار -: و الله ما نرى صاحبكم إلّا لبيد بن سهل - رجلاً منّا له صلاح و إسلام - فلمّا سمع ذلك لبيد اخترط سيفه ثمّ أتى بنو اُبيرق و قال: أنا أسرق؟ فوالله ليخالطنّكم هذا السيف أو لتبيّننّ هذه السرقة. قالوا: إليك عنّا أيّها الرجل فوالله ما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتّى لم نشكّ أنّهم أصحابها، فقال لي عمّي: يا ابن أخي لو أتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكرت ذلك له!.

قال قتادة: فأتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت: يا رسول الله إنّ أهل بيت منّا أهل جفاء عمدوا إلى عمّي رفاعة بن زيد فنقبوا مشربة له، و أخذوا سلاحه و طعامه فليردّوا علينا سلاحنا فأمّا الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سأنظر في ذلك. فلمّا سمع ذلك بنو اُبيرق أتوا رجلاً منهم يقال له:( اُسير بن عروة) فكلّموه في ذلك و اجتمع إليه ناس من أهل الدار فأتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا: يا رسول الله إنّ قتادة بن النعمان و عمّه عمداً إلى أهل بيت منّا أهل إسلام و صلاح يرميانهم بالسرقة من غير بيّنة و لا ثبت.

قال قتادة: فأتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكلّمته، فقال: عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام و صلاح ترميهم بالسرقة من غير بيّنة و لا ثبت؟.

قال قتادة: فرجعت و لوددت أنّي خرجت من بعض مالي، و لم أكلّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك، فأتاني عمّي رفاعة فقال: يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: الله المستعان.

فلم نلبث أن نزل القرآن:( إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ الله وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً - بني اُبيرق -وَ اسْتَغْفِرِ الله - أي ممّا قلت لقتادة -إِنَّ الله كانَ غَفُوراً رَحِيماً وَ لا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ - إلى قوله -ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ الله يَجِدِ الله غَفُوراً رَحِيماً - أي إنّهم لو استغفروا الله لغفر لهم -وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً - إلى قوله -فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً - قولهم للبيد -وَ لَوْ لا فَضْلُ

٩٤

الله عَلَيْكَ وَ رَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ - يعني اُسير بن عروة و أصحابه - إلى قوله -فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) فلمّا نزل القرآن أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسلاح فردّه إلى رفاعة.

قال قتادة: فلمّا أتيت عمّي بالسلاح، و كان شيخاً قد عسا في الجاهليّة و كنت أرى إسلامه مدخولاً فلمّا أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي هو سبيل الله فعرفت أنّ إسلامه كان صحيحاً.

فلمّا نزل القرآن لحق بشر بالمشركين فنزل على سلافة بنت سعد فأنزل الله:( وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى‏ وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى - إلى قوله -ضَلالًا بَعِيداً ) فلمّا نزل على سلافة رماها حسّان بن ثابت بأبيات من شعر فأخذت رحله فوضعته على رأسها ثمّ خرجت فرمت به في الأبطح ثمّ قالت: أهديت لي شعر حسّان؟ ما كنت تأتيني بخير.

أقول: و هذا المعنى مرويّ بطرق اُخري.

و فيه: أخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: كان رجل سرق درعاً من حديد في زمان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرحه على يهوديّ: فقال اليهوديّ: و الله ما سرقتها يا أبا القاسم، و لكن طرحت عليّ و كان الرجل الّذي سرق جيران يبرّؤنه و يطرحونه على اليهوديّ و يقولون: يا رسول الله إنّ هذا اليهوديّ خبيث يكفر بالله و بما جئت به حتّى مال عليه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببعض القول.

فعاتبه الله في ذلك فقال:( إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ الله وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً وَ اسْتَغْفِرِ الله - ممّا قلت لهذا اليهوديّ -إِنَّ الله كانَ غَفُوراً رَحِيماً ) ثمّ أقبل على جيرانه فقال:( ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ‏ - إلى قوله -وَكِيلًا ) ثمّ عرض التوبة فقال:( وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ الله يَجِدِ الله غَفُوراً رَحِيماً وَ مَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى‏ نَفْسِهِ ) فما أدخلكم أنتم أيّها الناس على خطيئة هذا تكلّمون دونه:( وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً - و إن كان مشركاً -فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً - إلى قوله -وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ

٩٥

الْهُدى) قال: أبى أن يقبل التوبة الّتي عرض الله له، و خرج إلى المشركين بمكّة فنقب بيتاً يسرقه فهدمه الله عليه فقتله.

أقول: و هذا المعنى أيضاً مرويّ بطرق كثيرة مع اختلاف يسير فيها.

و في تفسير العيّاشيّ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما من عبد أذنب ذنباً فقام و توضّأ و استغفر الله من ذنبه إلّا كان حقيقاً على الله أن يغفر له لأنّه يقول:( مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ الله يَجِدِ الله غَفُوراً رَحِيماً ) .

و قال: إنّ الله ليبتلي العبد و هو يحبّه ليسمع تضرّعه، و قال: ما كان الله ليفتح باب الدعاء و يغلق باب الإجابة لأنّه يقول:( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) و ما كان ليفتح باب التوبة و يغلق باب المغفرة و هو يقول:( مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ الله يَجِدِ الله غَفُوراً رَحِيماً ) .

و فيه، عن عبدالله بن حمّاد الأنصاريّ عن عبدالله بن سنان قال: قال أبوعبداللهعليه‌السلام : الغيبة أن تقول في أخيك ما هو فيه ممّا قد ستره الله عليه، فأمّا إذا قلت ما ليس فيه فذلك قول الله( فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً ) .

و في تفسير القمّيّ، في قوله تعالى:( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ ) (الآية): قال: حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبيّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إنّ الله فرض التمحّل في القرآن قلت: و ما التمحّل جعلت فداك؟ قال: أن يكون وجهك أعرض من وجه أخيك فتمحّل له، و هو قول الله:( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ )

و في الكافي، بإسناده عن عبدالله بن سنان عن أبي الجارود قال: قال أبوجعفرعليه‌السلام : إذا حدّثتكم بشي‏ء فاسألوني عنه من كتاب الله. ثمّ قال في بعض حديثه: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن القيل و القال، و فساد المال و كثرة السؤال. فقيل له: يا ابن رسول الله أين هذا من كتاب الله؟ قال: إنّ الله عزّوجلّ يقول:( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) و قال:( وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ الله لَكُمْ قِياماً ) و قال:( لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) .

٩٦

و في تفسير العيّاشيّ، عن إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض المعتمدين عن أبي عبداللهعليه‌السلام : في قوله:( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) يعني بالمعروف القرض.

أقول: و رواه القمّيّ أيضاً في تفسيره بهذا الإسناد، و هذا المعنى مرويّ من طرق أهل السنّة أيضاً، و على أيّ حال فهو من قبيل الجري و ذكر بعض المصاديق.

و في الدرّ المنثور: أخرج مسلم و الترمذيّ و النسائيّ و ابن ماجة و البيهقيّ عن سفيان بن عبدالله الثقفيّ قال: قلت: يا رسول الله مرني بأمر أعتصم به في الإسلام قال: قل: آمنت بالله ثمّ استقم، قلت يا رسول الله ما أخوف ما تخاف عليّ؟ قال: هذا، و أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطرف لسان نفسه.

أقول: و الأخبار في ذمّ كثرة الكلام و مدح الصمت و السكوت و ما يتعلّق بذلك كثيرة جدّاً مرويّة في جوامع الشيعة و أهل السنّة.

و فيه: أخرج أبونصر السجزيّ في( الإبانة ) عن أنس قال: جاء أعرابيّ إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله أنزل عليّ في القرآن يا أعرابيّ( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ - إلى قوله -فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) يا أعرابيّ الأجر العظيم الجنّة. قال الأعرابيّ: الحمد لله الّذي هدانا للإسلام‏.

و فيه، في قوله تعالى:( وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ ) (الآية): أخرج الترمذيّ و البيهقيّ في الأسماء و الصفات عن ابن عمر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يجمع الله هذه الاُمّة على الضلالة أبداً و يد الله على الجماعة فمن شذّ شذّ في النار.

و فيه: أخرج الترمذيّ و البيهقيّ عن ابن عبّاس أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لا يجمع الله اُمّتي - أو قال هذه: الاُمّة - على الضلالة أبداً و يد الله على الجماعة.

أقول: الرواية من المشهورات و قد رواها الهاديعليه‌السلام عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في

٩٧

رسالته إلى أهل الأهواز على ما في ثالث البحار، و قد تقدّم الكلام في معنى الرواية في البيان السابق.

و في تفسير العيّاشيّ، عن حريز عن بعض أصحابنا عن أحدهماعليهما‌السلام قال: لمّا كان أميرالمؤمنينعليه‌السلام في الكوفة أتاه الناس فقالوا: اجعل لنا إماماً يؤمّنا في شهر رمضان. فقال: لا، و نهاهم أن يجتمعوا فيه. فلمّا أمسوا جعلوا يقولون: ابكوا في رمضان، وا رمضاناه، فأتاه الحارث الأعور في اُناس فقال: يا أميرالمؤمنين ضجّ الناس و كرهوا قولك، فقال عند ذلك: دعوهم و ما يريدون ليصلّي بهم من شاء و ائتمّ قال: فمن( يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً ) .

و في الدرّ المنثور، في قوله تعالى:( وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله قِيلًا ) (الآية): أخرج البيهقيّ في الدلائل عن عقبة بن عامر - في حديث خروج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى غزوة تبوك، و فيه - فأصبح بتبوك فحمد الله و أثنى عليه بما هو أهله ثمّ قال.

أمّا بعد فإنّ أصدق الحديث كتاب الله، و أوثق العرى كلمة التقوى، و خير الملل ملّة إبراهيم، و خير السنن سنّة محمّد، و أشرف الحديث ذكر الله، و أحسن القصص هذا القرآن، و خير الاُمور عوازمها، و شرّ الاُمور محدثاتها، و أحسن الهدى هدى الأنبياء، و أشرف الموت قتل الشهداء، و أعمى العمى الضلالة بعد الهدى، و خير العلم ما نفع، و خير الهدى ما اتّبع، و شرّ العمى عمى القلب، و اليد العليا خير من اليد السفلى، و ما قلّ و كفى خير ممّا كثر و ألهى، و شرّ المعذرة حين يحضر الموت، و شرّ الندامة يوم القيامة، و من الناس من لا يأتي الصلاة إلّا دبراً و منهم من لا يذكر الله إلّا هجراً، و أعظم الخطايا اللّسان الكذوب، و خير الغنى غنى النفس، و خير الزاد التقوى، و رأس الحكمة مخافة الله عزّوجلّ، و خير ما وقر في القلوب اليقين، و الارتياب من الكفر، و النياحة من عمل الجاهليّة، و الغلول من جثا جهنّم، و الكنز كيّ من النار، و الشعر من مزامير إبليس، و الخمر جماع الإثم، و النساء حبالة الشيطان، و الشباب شعبة من الجنون، و شرّ المكاسب كسب الربا، و شرّ المأكل مال اليتيم، و السعيد من وعظ بغيره، و الشقيّ من

٩٨

شقي في بطن اُمّه، و إنّما يصير أحدكم إلى موضع أربع أذرع، و الأمر بآخره، و ملاك العمل خواتمه، و شرّ الروايا روايا الكذب، و كلّ ما هو آتٍ قريب، و سباب المؤمن فسوق، و قتال المؤمن كفر، و أكل لحمه من معصية الله، و حرمة ماله كحرمة دمه، و من يتألّ على الله يكذّبه، و من يغفر يغفر له، و من يعف يعف الله عنه، و من يكظم الغيظ يأجره الله، و من يصبر على الرزيّة يعوّضه الله، و من يبتغ السمعة يسمّع الله به، و من يصبر يضعف الله له و من يعص الله يعذّبه الله، اللّهمّ اغفر لي و لاُمّتي - قالها ثلاثاً - أستغفر الله لي و لكم.

و في تفسير العيّاشيّ، عن محمّد بن يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبداللهعليه‌السلام و عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول الله:( وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله ) قال: أمر الله بما أمر به.

و فيه، عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قول الله:( وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله ) قال: دين الله.

أقول: و مآل الروايتين واحد، و هو ما تقدّم في البيان السابق أنّه دين الفطرة.

و في المجمع، في قوله( فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ ) قال: ليقطعوا الأذان من أصلها. قال: و هو المرويّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام .‏

و في تفسير العيّاشيّ، في قوله تعالى:( لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ ) (الآية): عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: لمّا نزلت هذه الآية:( مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ) قال بعض أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أشدّها من آية، فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أ ما تبتلون في أموالكم و أنفسكم و ذراريكم؟ قالوا: بلى، قال: ممّا يكتب الله لكم به الحسنات و يمحو به السيّئات.

أقول:>أقول: و هذا المعنى مرويّ بطرق كثيرة في جوامع أهل السنّة عن الصحابة.

و في الدرّ المنثور: أخرج أحمد و البخاريّ و مسلم و الترمذيّ عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما يصيب المؤمن من نصب و لا وصب و لا همّ و لا حزن و لا أذى

٩٩

و لا غمّ حتّى الشوكة يشاكها إلّا كفّر الله من خطاياه.

أقول: و هذا المعنى مستفيض عن النبيّ و أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

و في العيون، بإسناده عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: سمعت أبي يحدّث عن أبيهعليه‌السلام أنّه قال: إنّما اتّخذ الله إبراهيم خليلاً لأنّه لم يرّد أحداً، و لم يسأل أحداً قطّ غير الله عزّوجلّ.

أقول: و هذا أصح الروايات في تسميتهعليه‌السلام بالخيل لموافقته لمعنى اللّفظ، و هو الحاجة فخليلك من رفع إليك حوائجه، و هناك وجوه اُخر مرويّة.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

هل كان صعباً تطبيق قواعد الإسلام في الحياة اليومية؟

كنت أتقصّد التفريق بين الممارسات الإسلامية والثقافة الإسلامية وذلك ما كان يختلط على الناس. «كوني أوروبية، اعتناقي الإسلام لا يعني بالضرورة ارتدائي العباءة في لندن» فالعباءة هي زي ثقافي ولكن اللباس الفضفاض هو المطلوب في الإسلام وليس الأمر محصوراً بارتداء العباءة. فأنا أصلّي، أدفع الصدقات والخمس، أمتنع كلياً عن شرب الكحول والمحرّمات ولكن ليس المطلوب مني أن ألبس العباءة مع أنني أمتلك واحدة أستمتع بارتدائها في المنزل. ولكن بطبيعة الحال، أثناء تواجدي في أوروبا - أرتدي الزي الأوروبي مع مراعاة الحجاب.

فأنا أرى الكثير من الممارسات والقيم الإسلامية في أوروبا كاحترام حقوق الإنسان والحفاظ على النظافة والبيئة وهذه القيم الإسلامية وللأسف مفقودة اليوم عند أغلبية المجتمعات الإسلامية. وهذا بالذات ما عناه المستشرق محمد أسد عندما قال: «تستطيع أن ترى الكثير من الإسلام في أوروبا والقليل من المسلمين، والكثير من المسلمين في الشرق ولكن القليل من الإسلام الحقيقي».

ما هي التحديات التي يفرضها تخلي المرء عن ديانته الأولى واعتناقه لديانة أخرى؟

إنّ التحول إلى الإسلام له تحدياته، خصوصاً على صعيد وجود بيئة مماثلة للتعايش معها. فمثلاً من الصعوبات التي تطرح: وجود زوج لائق لامرأة اعتنقت الإسلام، حيث تصبح الواحدة منا عالقة بين عالمين. فأنا شخصياً امرأة مطلَّقة وأعاني أحياناً من لسعة الوحدة.كذلك المسلمون يتحمسون كثيراً لاعتناق الآخرين لديانتهم ولكنني دائماً أقول، ماذا عن البيئة الحاضنة فيما بعد؟ حيث يبدأ العمل الحقيقي عندها. فهم يشجعون الناس على اعتناق الإسلام ومن ثم يتركونهم وحدهم لمصيرهم. أنا محظوظة ربما بإنشاء شبكة من الصداقات. ولكن كم مرّ علي من الأعياد لم أستطع الإحتفال بها كوني كنت وحيدة. فالعيد كان بالنسبة إليّ أداء الصلاة ومن ثم متابعة اليوم بشكل عادي للأسف.

ولكنني أجد إيجابية في ذلك أحياناً، عندما ينتهي بي الأمر في الأعياد بالعشاء مع أحد الذين اعتنقوا الإسلام كذلك ولا يجد من يعيّد معه.

٣٠١

فالعزلة هي ما يترتب علينا عند اعتناقنا مذهباً ما وتخلينا عن مذهب آخر، ففي عيد الميلاد، لا أكون فرداً مرحّباً به في عائلتي كوني اخترت سلوك طريق آخر. وفي شهر رمضان أجد نفسي وحيدة حيث لا يوجد من يتسحّر معي أو يتناول معي الإفطار إلا إن دعاني أحدهم. ولكنّ العزاء دائماً أنّ الله بصحبتي وهو خير صاحب.

وإن كان الإيمان بالله هو الذي يجعلني أقاوم تلك التحديات ولكنني سمعت عن كثيرين اعتنقوا الإسلام حديثاً قد عادوا وانكفؤوا عن ذلك بسبب عدم وجود الدعم المعنوي الكافي من المجتمع الإسلامي المحيط. ومنذ فترة التقيت بامرأة كانت قد اعتنقت الإسلام لفترة عشر سنوات ولكنها عادت لتصبح اليوم وزيرة مسيحية مجدداً.

أخيراً ما الرسالة التي وجهتها إلى الناس من خلال كتابك؟

لقد وجهت رسالة من خلال كتابي إلى الناس الذين يتعلقون اليوم بالمظاهر المادية للحياة. الكثير من الشبان يحلمون بما كنت أمتلكه في الـ «أم تي ڤي» من تسلية ومعارف وشهرة وثقافة.. كنت أمتلك كل ذلك ويمكنني القول بأنّني لم أكن أشعر بالسعادة ولا أفكّر أبداً باسترجاع حياتي السابقة. ذلك الفراغ الذي كنت أحسّ به قبل اعتناقي للإسلام امتلأ اليوم من خلال وجود هدف لحياتي وعلاقة مميزة مع الله وحلم بالجنة.

وتختم بايكر بالقول: أكثر ما يقلقني اليوم هو أنّ غالبية سكان بريطانيا يبنون معارفهم عن الإسلام من خلال ما تمليه عليهم وسائل الإعلام. فالناس هنا لا يذهبون إلى المكتبات ويشترون الكتب ليتعرفوا على الإسلام، بل يكتفون بقراءة الدايلي مايل أو مشاهدة التلفاز لتكوين رأيهم عن الإسلام. كل ما ينقصنا هو التعليم والتثقيف. ولذلك أنا دائماً جاهزة لإجراء المقابلات، لكي أتكلم وأشرح أكثر عن الإسلام. فمثلاً عندما تتصل صحيفة الصن بأحدهم لإجراء حوار، يمتنع عن القبول، ولكنني أفعل لأنّ إلقاء قطرة واحدة من الحقيقة في ذلك المحيط الشاسع يمكن أن يكون له أثر».

٣٠٢

بايكر اليوم تبقي نفسها منشغلة بتحسين صورة الإسلام في بريطانيا. وكانت واحدة من الذين نظموا حملة «ألهمني الرسول محمد (ص)» في لندن التي هدفت إلى تقديم صورة مشرقة عن الإسلام من خلال ملصقات يتم وضعها في مواقف الحافلات وعلى سيارات الأجرة وكانت صورتها ظهرت على إحدى الملصقات وقد كتب تحتها «أؤمن بحماية البيئة وكذلك الرسول محمد (ص)». وقد تلقّت وسائل الإعلام تلك الحملة بالقبول. وفي الآونة الأخيرة أجرت معها شبكة البي بي سي لقاءً حول الفيلم المسيء للإسلام «براءة المسلمين».

الأخ يحيى

انطباعات من مسلم جديد

القرآن: الوحي الأخير

استدركت ضرورة وحتمية بعث نبي جديد بعد النبي عيسى (ع) نتيجة الابتكارات المنسوبة إلى الوحي الإلهي فكانت الحاجة لنبي آخر بعد عيسى (ع) مع وحي آخر بعد الإنجيل. لهذا بعث الله محمداً (ص) مع آخر رسالة، (أي القرآن)، لإعادة كل البشرية إلى الإيمان وعبادة إله واحد هو الله، دون شركاء أو وسطاء. وفقاً للمسلمين، القرآن الكريم، مصدر دائم لهداية الناس، وقد قدم توضيحاً عقلانياً للدور التاريخي الرائع للنبي عيسى (ع)، فقد ورد اسم (عيسى) خمساً وعشرين مرة في القرآن الكريم الذي يتضمن سورة اسمها مريم تيمناً باسم والدة نبي الله عيسى: السيدة مريم بنت عمران (عليها السلام).

فالحتمية الإلهية لنزول وحي جديد، وجدتها في الآيات القرآنية التالية التي أقنعتني جدا:) وَمَا کَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ یُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَکِنْ تَصْدِیقَ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ وَتَفْصِیلَ الْکِتَابِ لا رَیْبَ فِیهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِینَ ﴿37﴾﴾ [يونس: 37]، و﴿ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْیَقِینِ ﴿51﴾ ﴾ [الحاقة: 51]. تزامناً، كنت أشعر بالقلق خوفاً من حصول تحريف في القرآن الكريم لأنها كانت مشكلة كبيرة مع الكتب السماوية السابقة. فقرأت بأن القرآن لن يتغير أو لن يتم إلغاؤه:﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿9﴾ ﴾ [الحجر: 9].

٣٠٣

وعرفت لاحقاً أن بعض الظواهر العلمية مذكورة في القرآن، وهذا ما يؤكد مصداقية الاعتقاد بأن القرآن هو كلام الله. فهناك آيات تصف تكوين الجنين داخل رحم أمه، وتكوين الجبال، وأصل الكون، والمخ، والبحار، والأمواج والسحب. إنه فوق استيعاب أي شخص أن يتصور أنّ هذه الحقائق كانت مكتشفة منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، ذلك أنه تم الكشف عن هذه الحقائق وتم تأكيدها في الآونة الأخيرة بواسطة علميات أُجريت بآليات متطورة.

الإسلام: جوهر وذروة الأديان السماوية

يعتقد المسلمون أن الغرض الأساسي لخلق الجنس البشري هو عبادة الله. كما قال في القرآن الكريم،﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ﴿56﴾ ﴾ [الذاريات: 56] وبحسب عالم إسلامي معروف في الغرب فإن «النظام الأكثر اكتمالا من العبادة المتاحة للإنسان اليوم هو النظام الموجود في دين الإسلام، وكلمة «الإسلام» تعني «التسليم والخضوع لإرادة الله (عزّ وجل)»، على الرغم من أنه يشارالى الإسلام عادة باسم ثالث الديانات التوحيدية الثلاث، فإنه ليس ديناً جديداً على الإطلاق. إنه دين جاء به جميع أنبياء الله للبشرية. فالإسلام هو دين آدم وإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام).

ويضيف العالم «بما أن الله واحد، والبشر هو نوع واحد، فبالنتيجة الدين الذي سيبعثه الله للناس هو دين موحد، فالحاجات الروحية والاجتماعية البشرية هي ذاتها والطبيعة البشرية لم تتغير منذ تم إنشاء أول رجل وامرأة

وبما أن رسالة الله كانت دائما هي نفسها، أدركت أنه من واجب جميع البشر البحث عن الحقيقة في التدين وليس مجرد القبول والاتباع الأعمى للدين الذي يتولاه مجتمعهم أو الوالدين، وفقاً للقرآن،﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّیْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُکُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُکْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِیَّاهُ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ ﴿40﴾ ﴾ [يوسف: 40].

٣٠٤

وفيما يتعلق بالفطرة، قال النبي محمد (ص)، ما معناه كل مولود يولد على الفطرة لكن والديه يحولانه إلى اليهودية أو المسيحية أو المجوسية. وعلاوة على ذلك، قال الله تعالى:﴿ فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ ﴿30﴾ ﴾ [الروم: 30].

كذلك، تعلمت أنه لا يوجد دين آخر مقبول عند الله الى جانب الإسلام، كما قال بوضوح في القرآن الكريم:﴿ وَمَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الإسْلامِ دِینًا فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِی الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِینَ ﴿85﴾ ﴾ [آل عمران: 85].

فاستنتجت أن الانسان قد يهمل هدى الله ويقيم لنفسه معايير خاصة للمعيشة. ولكن في نهاية المطاف، سوف يكتشف أنه لم يكن يتبع إلا سراباً.

عابر

واصلت قراءة القرآن والتعرف على أقوال وأفعال النبي محمد (ص)، فلاحظت أن الإسلام يرى الإنسان (العبد) كرجل عابر لهذه الحياة، والآخرة هي الدار المقر.

فنحن هنا لفترة قصيرة، ولا يمكن أن نأخذ أي شيء معنا من هذه الحياة إلا إيماننا بالله وأفعالنا الحسنة. وبالتالي، ينبغي أن نكون مثل المسافر الذي يمر عبر الأراضي فقط ولا يأخذ أي شيء منها.يجب علينا أن نفهم أن معنى أن نكون على قيد الحياة هو أن نكون تحت اختبارات متواصلة. فهناك المعاناة والفرح والألم والغبطة. هذه الاختبارات من الخير والشر هدفها بلورة الصفات الروحية العليا فينا. نحن غير قادرين على الاستفادة من هذه التجارب إلا إذا بذلنا قصارى جهدنا، بحيث يكون لدينا ثقة كاملة بالله وتقبل ما يقدر الله لنا بصبر.

٣٠٥

الطريق إلى الجنة

كان لا بد من معرفة المزيد عن الجنة إذ إنها بالتأكيد الهدف النهائي الذي يسعى إليه كل فرد، يقول الله،﴿إِنَّمَا یُؤْمِنُ بِآیَاتِنَا الَّذِینَ إِذَا ذُکِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا یَسْتَکْبِرُونَ ﴿15﴾ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنْفِقُونَ ﴿16﴾ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِیَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْیُنٍ جَزَاءً بِمَا کَانُوا یَعْمَلُونَ ﴿17﴾ ﴾ [السجدة: 17] فصرت على بينة أن سروري غداً هو أبعد من كل خيال، إذ سأعيش هذا الفرح العارم في ظل الخالق.

كنت أتساءل أي النفوس تستحق هذه المكافأة؟ هذا الثواب أعظم من أن يكون له ثمن. قيل لي أن الثمن هو الايمان الحقيقي بالله والطاعة له ولنبيه محمد (ص) وآل بيته (عليهم السلام).

أدركت أن البشرية يجب أن تعبد الله لتحقيق البر والوضع الروحي اللازم لدخول الجنة.هذا يعني أنه على البشر الفهم أن العبادة لا غنى عنها كما الأكل والتنفس وليست مجرد معروف يقومون به تجاه الله.لذلك نحن بحاجة لقراءة القرآن لمعرفة أي نوع من الناس يريدنا الله أن نكون ونحاول أن نصبح على هذا النحو. إذاً هذا هو الطريق إلى الجنة.

التغلب على عقبة:

في هذه المرحلة، شعرت بأنني 80٪ أريد أن أصبح مسلماً، ولكن ما كان يدفعني إلى الخلف أنني كنت قلقاً من ردّة فعل عائلتي وأصدقائي لو علموا بأنني أصبحت مسلماً.

فأعربت عن قلقي لأخ مسلم فقال لي أنه في يوم القيامة، لا أحد سيكون قادراً على مساعدتك، لا والدك، ولا والدتك أو أي من أصدقائك. لذلك، إذا كنت تعتقد أن الإسلام هو الدين الحق، يجب أن تتقبله وتعيش حياتك لإرضاء واحد أحد هو الذي خلقك، وهو الله.

وهكذا، أصبح جلياً بالنسبة لي أننا جميعا في قارب واحد؛ وأن كل نفس ذائقة الموت ثم سنكون جميعاً مسؤولين عن معتقداتنا وعن أفعالنا أمام الله.

٣٠٦

شريط فيديو ذو مغزى:

في هذه المرحلة من بحثي عن الحقيقة، كنت على وشك اعتناق الاسلام. شاهدت محاضرة إسلامية على شريط فيديو حول الغرض من الحياة. وكان الموضوع الرئيسي لهذه المحاضرة أن الغرض من الحياة يمكن تلخيصه في كلمة واحدة، هي الإسلام (التسليم لإرادة الله).

على عكس الأديان أو المعتقدات الأخرى، فإن مصطلح «الإسلام» لا يرتبط بأي شخص أو مكان معين. قد أسمى الله الدين في الآية القرآنية التالية:﴿ إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ ﴾ [آل عمران: 19] فأي شخص يعتنق الإسلام يسمى مسلماً بغض النظر عن عرق ذلك الشخص أو جنسه أو جنسيته. هذا هو واحد من الأسباب التي تجعل الإسلام دينآً عالمياً.

قبل بحثي عن الحقيقة، لم أنظر بجدية إلى الإسلام كخيار بسبب الصورة السلبية المستمرة عن المسلمين في وسائل الإعلام. وقد أظهر مقطع من شريط الفيديو كيف أن المسلمين وعلى الرغم من تميز الإسلام بالمعاييرالأخلاقية العالية، ليسوا جميعاً متمسكين بهذه المعايير.و يمكن قول الشيء نفسه عن أتباع الديانات الأخرى.

فهمت أخيراً أننا لا نستطيع أن نحكم على الديانات من خلال تصرفات أتباعها وحدها، كما فعلت، لأن عامة البشر غير معصومين. على هذا الحساب، لا ينبغي لنا أن نحكم على الإسلام من تصرفات أنصاره، ولكن عن طريق الوحي (القرآن الكريم) وسنة النبي محمد (ص) وأهل بيته (عليهم السلام).

النقطة الأخيرة التي التقطتها هي أهمية الامتنان لله. فالله يذكر في القرآن أنه ينبغي لنا أن نكون ممتنين لحقيقة أنه خلقنا:﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَکُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِکُمْ لا تَعْلَمُونَ شَیْئًا وَجَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ ﴿78﴾ ﴾ [النحل: 78].

٣٠٧

الحقيقة تكشف عن نفسها:

بمجرد انتهاء العرض،اختبرت كشف النقاب عن روحي، شعرت أنّ عبئاً كبيراً من الخطايا زال عن كتفي. وعلاوة على ذلك، شعرت بنفسي كأنني أرتفع عن الأرض وأحلّق، رافضاً المسرات المؤقتة في هذا العالم من أجل الأفراح الأبدية في الآخرة.

هذه التجربة، إلى جانب عملية طويلة من التفكير، حلت أحجية «الغرض من الحياة». وكشفت أن الإسلام هو الحقيقة، وبالتالي كان علي تحديد هدفي من الحياة، ومعتقدي، اتجاهي وأفعالي.

فدخلت بوابة الإسلام بالإعلان عن نية الإيمان بالقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.

أُبلغت بأن هذه الشهادة تؤكد الاعتقاد بجميع الأنبياء والمرسلين من الله، جنباً إلى جنب وبالتالي فإن كل رسول ونبي هو تحديث واستكمال لدين واحد حتى وصلنا إلى آخر الأنبياء محمد (ص) وإلى الوحي النهائي من الله [القرآن].

انطباعات من مسلم جديد:

أثناء بحثي عن الحقيقة، الدرس الذي تخطى جميع الدروس، هو أن كل المعبودات الأخرى ما عدا الله هي مجرد أوهام.

فالإذعان لإرادة الله أشعرني بالسلام مع الخالق، مع الآخرين، وأخيراً، مع نفسي. ونتيجة لذلك، بت أشعر بالامتنان جداً، وهذا من رحمة الله، الذي أنقذني من أعماق الجهل وصعد بي إلى نور الحقيقة.

الإسلام، الدين الحق في جميع الأوقات والأماكن ولكل الشعوب، هو رمز كامل للحياة إذ يوجّه الإنسان لتحقيق الغرض من وجوده على الأرض، ويعد له اليوم الذي سيعود فيه الى خالقه.

اتباع هذا المسار بطريقة ورعة تمكن الواحد منا من اكتساب رضوان الله فنكون أقرب إليه وسط المسرات التي لا نهاية لها من الجنة والخلاص من عذاب جهنم. مكافأة إضافية بأن تكون حياتنا الحالية أسعد بكثير عندما نتخذ مثل هذا الخيار.

٣٠٨

التمتع بالضلالة:

وقد أعطى اعتناق الاسلام لي أكثر من نظرة ثاقبة في الطبيعة الوهمية لهذه الحياة. على سبيل المثال، إحدى الركائز الأساسية للإسلام هي تحرير الإنسان. فعندما يطلق مسلم على نفسه اسم «عبد الله»، ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على التحرر من العبودية لجميع الأشكال الأخرى، وعلى الرغم من أن الإنسان المعاصر قد يظن أنه متحرر، وهو في الحقيقة عبد لرغباته. مخدوع ومضلل من هذه الحياة الدنيوية. يقول الله تعالى:﴿ أَرَ‌أَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴿43﴾ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَ‌هُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 43، 44].

لذلك يجب علينا ألا ندع حماسنا للاستمتاع بمتع هذه الحياة الزائلة يعرِّض فرصة الاستمتاع بملذات الجنة للخطر. كما يقول الله في القرآن:﴿ زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِینَ وَالْقَنَاطِیرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَیْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِکَ مَتَاعُ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴿14﴾ قُلْ أَؤُنَبِّئُکُمْ بِخَیْرٍ مِنْ ذَلِکُمْ لِلَّذِینَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِینَ فِیهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِیرٌ بِالْعِبَادِ ﴿15﴾ ﴾ [آل عمران: 14، 15].

ولذلك، فإن المنافسة الحقيقية في هذه الحياة ليست على تراكم الثروة أو الرغبة في الشهرة، بل بالقيام بالاعمال الصالحة لإرضاء الله، مع الاحتفاظ بالجزء القانوني من التمتع في هذه الحياة.

الطريق الصحيح إلى الله:

هناك العديد من البدائل الدينية المتاحة للإنسان، والأمر متروك له لاختيار أي ديانة يرغب في اتباعها. إنَّه أشبه بالتاجر مع العديد من السلع أمامه، وهو الذي يختار أي سلعة ليتاجر بها. من الواضح أنّه سوف يختار ما يعتقد أنّه الأكثر ربحاً. ومع ذلك، فإن التاجر يبقى غير متأكد وغير ضامن للربح؛ حيث يمكن أن يكسب اليوم ويمكن أن يخسر غداً كل شيء.

في المقابل، فإن المؤمن في وحدانية تسليمه لله، يكون متأكداً تماماً أنّه إذا كان يتبع طريق الهداية [القرآن وسنة النبي محمد (ص)، وآل بيته (عليهم السلام)] سيكون بلا شك مصيره النجاح والثواب في نهاية هذا الطريق، ولحسن الحظ، يبدأ هذا النجاح أيضاً في بداية اختيار هذا المسار.

٣٠٩

أنا مسلمة جديدة...

رقية وارث مقصود

ليس من أمر أسهل من اعتناق الإِسلام - لحظة يدرك الإنسان أن الله حق وأن الله موجود حقاً ويقر بأن النبي العربي محمد (ص) هو حقاً خاتم رسل الله ضمن سلسلة الأنبياء الآخرين المذكورين في الإنجيل يكون قد خطى فعلياً الخطوة الأولى.

تسمى لحظة الإشراق هذه التقوى والإحسان. فجأة تدرك أن الله يراك ويعرفك وإن كنت لا تعرفه ولا تراه.

الخطوة الثانية في مسيرة اعتناق الإِسلام هي التعبير وبوضوح عن لحظة الإيمان هذه - أي نطق الشهادة: «أشهد» لتتوالى الخطوات طوال حياتك.

كيف أعيش كمسلمة:

أن تصبح جزءاً من الجالية المسلمة المحلية وتلج في نمط الحياة هذا أمر يختلف تماماً عن مجرد أن تصبح مسلماً على مستوى العقل.

فهذا يتطلب من الكثيرات من معتنقات الإِسلام درجة عالية من العزم والثقة. فأنتِ لن تواجهي عائلتك وأصدقائك الذين يعتقدون أنك قد أصبت بالجنون فقط، ولكن كامرأة عليك أيضاً أن تستجمعي قواك للدخول إلى عالم المسجد حيث الرجال العابسو الوجوه ذوو اللحى الطويلة لن يكلموك.

فإن كنت واحدة من معتنقات الإِسلام في بعض نواحي إنكلترا الشمالية حيث يغلب على المساجد الطابع الآسيوي، يجدر بك أن تعلمي الكثير عن الثقافات الآسيوية بالإضافة إلى تعلّم الإِسلام.

تنجلي تلك العبسات عن حياء ورقة وتقوى وصداقة صادقة وضيافة وكرم؛ ولكن يعتبر من الفظاظة أن يبدو الرجل وكأنه متحمس للتحدث مع النساء أو للنظر إليهن أكثر من نظرة واحدة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الكثير من المساجد لا تحوي بعد على مصلّى للنساء.

٣١٠

اكتساب الثقة:

لكننا نحن الذين نعتنق الإِسلام نكتسب الثقة شيئاً فشيئاً، فلم نعد نشعر بأنه علينا أن نتظاهر بأننا عرب أو باكستانيون لنشعر بالانتماء.

فنحن نعلم الآن أن المسلمين متواجدون في كل مكان حول العالم من الأسكيمو إلى أستراليا.

يمكننا أن نختار أسماء عربية، كما يمكننا أن نبقى على أسمائنا القديمة فهذا الأمر ليس ذا قيمة حقاً.

على النساء اختيار ملابس معينة كالبنطال الفضفاض والسترة الطويلة أو التنورة الطويلة. وإن كنا لا نشعر بالانسجام في المساجد المحلية لأننا لا نتقن اللغة العربية، فنحن بدأنا بتنظيم مساجد داخل البيوت ونشكل جماعات فيما بيننا وندعو الآسيويين أيضاً ليكونوا ضيوفنا.

أطياف متعددة من المسلمين.... عائلة واحدة:

بدأنا نحن - معتنقو الإِسلام الجدد - بالقراءة بما فيه الكفاية وبتحصيل العلم بما يمكِّننا من التعبير عن آرائنا حول الأمور من حولنا. فنحن عندنا النضج الكافي لندرك أن ليس كل المسلمين قديسين. فالبشر بشر وجلّنا بعيد عن الكمال.

هكذا نتغلب على الشعور بالخيبة عندما نكتشف أن ليس كل مسلم يحيا كما ينبغي على المسلم أن يحيا للوصول إلى الكمال وبالتالي لا نستسلم أو نتهمهم بالنفاق؛ بل على العكس نبذل أقصى جهدنا لنحيا حياتنا بأفضل طريقة ممكنة.

شيئاً فشيئاً يدرك كافة معتنقي الإِسلام وجود الكثير من أنواع المسلمين.

بعض المسلمين روحانيون في حين أن آخرين يهتمون بظاهر العبادات.

لكن شعورنا يزداد بأنه بإمكاننا أن نجد مكاناً لأنفسنا إلى جانب الآخرين في هذه الأمة الواسعة والعائلة الممتدة، وطالما أننا نقوم بأقصى جهدنا فإن الله سيثيبنا على نوايانا الحسنة.

٣١١

جيمي بور

من عارضة أزياء إلى امرأة مسلمة

السلام عليكم، إسمي جيمي

وُلدت وترعرعت على المسيحية الحديثة غير الطائفية ولم أجد فيها أجوبة لما كنت أبحث عنه، ولمدة 31 عاماً كمسيحية، لم أشعر يوماً بالله. حاولت وبكل ما بوسعي ولكني لم أشعر به على الإطلاق. كنت عارضة لبلادي ولمدة خمس سنوات، تعاطيتُ الكثير من المخدرات خلال تلك الفترة كنت أستخدمها كمساعد لفقدان الوزن وكنت أستخدمها لمرة واحدة لأُبعد نفسي عن الإكثار من تناول الطعام. كنت أعتقد بأنني قوية لأتجنب الإدمان على المخدرات التي تحوّل كل من يستخدمها إلى مدمن. بدأتُ أفكر بأني سآخذها لأسبوعين إلّا أنني أصبحتُ مدمنة ليل نهار. أخذتني المخدرات إلى الحضيض والدمار الكامل، فقد كان زوجي يتعاطى المخدرات كذلك. ما دفعه ليكون عنيفاً معي، حتى أني كنت خائفة على حياتي.

قررت أن أتوقف عن تعاطيها، فليس هذا ما أريده لحياتي. فقلت له أنني سأتوقف عنها، ضحك وقال: «لن تستطيعي التوقف». فقلت: «سأتوقف عنها». وتوقفت عن تناولها ذلك اليوم ولم أنظر إلى الخلف مرة أخرى، ولم يكن لديَّ أي برنامج لإعادة التأهيل أو أي مساعدة خارجية أو نظام دعم. كان زوجي يضحك، محاولاً أن يثنيني عن عزمي حتى أعود لتناولها من جديد، وبعد ذلك رُزقت بولدي الصغير. تغيّرت نظرتي إلى الحياة بأكملها. فقد أحببتُ ذلك الطفل الصغير الرائع والذي يحتاج إلى أم صالحة، أحببته كثيراً. فأردت تغيير كل شيء كنت قد ركزت عليه سابقاً، لأجله.

كنت في السابق قادرة على فعل أي شيء أريد أن أقوم به، فقد كنت جزءاً من مشاهد هوليوود التي يرغب الجميع بأن يكون جزءاً منها. لم أكن شخصاً جيداً، كنت في السابق، أشرب الكحول وأتعاطى المخدرات. ولكنني لم أعد أريد القيام بهذه الأمور بعد الآن.

٣١٢

قمتُ بالبحث عن الإِسلام لفترة قبل أن أصبح مسلمة، أردتُ أن أعرف وبشكلٍ أساسي سبب كراهية العالم للمسلمين بهذا القدر، لأنني رأيت ما رأيتُ في نشرات الأخبار، ورأيتُ الظلم والعنف وهذا ما دفعني للبحث عن الحقيقة ولمعرفة ما إذا كان الإِسلام كذلك. بدأتُ البحث عن الموضوع، وكلما بحثت أكثر كلما غصت أعمق في الموضوع. فوجدتُ الحقيقة.

تفاجأ الكثير من الناس عندما تخليتُ عن كل الملذات السابقة لأجل أن أكون مسلمة. والغريب هو أنني عندما نطقت الشهادتين أسست بتلاشي الرغبات للقيام بتلك الأمور وبشكل كامل. إنه لشيء رائع أن أستمتع وأشعر بالسلام في قلبي كوني مسلمة.

أعتقد أن الشيء الأساسي الذي أثار إعجابي بالإِسلام هو احترام المرأة. فهناك الكثير من الاحترام للمرأة والأمور التي تقوم بها النساء، حياتنا نحن النساء ليست سهلة، فلدينا الكثير لنفكر فيه ونقلق بشأنه، كعائلاتنا وأزواجنا وأطفالنا. فتربية الأطفال هو أمر صعب جداً، بالإضافة إلى الأعمال المنزلية والطبخ والاعتناء بأزواجنا.. إنها وظيفة صعبة.

وفي الواقع فإن الإِسلام يحترم المرأة لتلك الأسباب. كان سبباً لفصلنا عن الرجال في المساجد حتى لا يتشتت الرجال. يفهم الإِسلام القوة الكامنة في جاذبيتنا ومظهرنا وهو ما يتأثر به الرجال، والإِسلام يحترم هذا الأمر. ما إن أدركتُ هذا حتى تمكنت الفكرة مني وأردتُ أن أصبح مسلمة. اعتناقي للإِسلام أشعرني بالاختلاف فقد جعلني أشعر بالسلام المطلق. كنت في السابق أشعر بعدم الاستقرار، فالكثير من الأشياء كانت في حالة عدم استقرار، والسبب في هذا هو عدم اتخاذ قرار بشأنها. لم يكن لديَّ أيَّ هدف في ذهني ولم يكن هناك سبب لوجودي، لكن اعتناقي للإِسلام أعطاني السلام والأمان والتوازن وهو ما احتجت إليه في حياتي، إسلامي جعل من الأشياء حقيقة، وتستحق أن أكون هنا من أجلها، فأخيراً صار هناك هدف لحياتي وأنا أفهم الآن ما هو الغرض منها. لا نملك الفرصة دوماً للالتقاء بالناس الذين نحتاجهم بصورة جوهرية لنفهمهم. هذا ما جعلني أتردد على المسجد لأتقرب إلى الناس وأفهمهم. وكلما زاد ترددي إلى المسجد، كلما ازداد عدد النساء اللواتي أحطن بي واعتنين بي ومنحنني العطف الموجود في الإِسلام.

٣١٣

لم أفكر أبداً ولو لمرة واحدة في حياتي بأني سأصبح مسلمة على الإطلاق. فقناعاتي تجاه المسلمين كانت مغلوطة للغاية فأنا لم أحبهم، فقد كنت أعتقد بأنهم سيئون ولم أكن لأفكر ولو لمرة بأني سأكون واحدة منهم. ولكن اليوم أنا فخورة وسعيدة جداً، وأريد أن أرتدي الحجاب ليعرف الناس أني مسلمة، حتى لو كرهوني فأنا لا أهتم. أنا أريد أن أبيِّن لهم أن الله موجود في أي شخص وليس فقط في الشرق أوسطيين.

٣١٤

راكيل: مسلمة أميركية...

ضابطة شرطة سابقة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إسمي راكيل، وقد اعتنقت الإسلام.

لقد كنت ضابطة شرطة في مدينة ديترويت وعملت هناك منذ عام 1996 وحتى عام 2004 وقد أُطلق علَيّ النار عام 2002، وكان ذلك أثناء تأدية وظيفتي وكدت أفارق الحياة.

لم أكن أذهب إلى الكنيسة في واقع الأمر، لقد نشأت في منزل مسيحي، فأبواي قسين مسيحيين، وقرأت الكثير عن الكاثوليكية.

لقد لاحظت أن الإسلام منطقي من الناحية الفكرية، أنا لم أحلل الأديان الأخرى وأدرسها، إلّا أنها تبدو وكأنها تحمل الكثير من صنع الإنسان، وأفكاره بدلاً من شريعة الله الأصلية، وهذا كان يزعجني كثيراً. ثم وجدت الإسلام، أكثر دقة تاريخياً ومن حيث أصالة النصوص، ولم يتم تشويهه من خلال الكثير من الترجمات المختلفة.

أعتقد أنه في عام 2002، تم إنقاذ حياتي لسبب، وأعتقد أن هذا السبب هو أن أتمكن من اعتناق الإسلام وأن أصبح مسلمة. لم أكن أعرف كيف أعبد الله، لم أعرف ما هو الدين الذي ينبغي أن أؤمن به، حتى التقيت ببعض الأصدقاء المسلمين، وقد حدثوني باستفاضة، وفسَّروا لي الكثير. لقد كنت أشعر بالقلق حيال إعلان الشهادة لأنني لا أعرف الكثير من الكلمات الإسلامية حتى الآن، فساندتني إحدى الأخوات التي كانت ترعاني في المسجد، وساعدتني حتى أعلن شهادتي وكان الأمر رائعاً فعلاً. لقد استمتعت بمجرد الإعلان أني أشهد أن لا لا إله إلّا الله أمام كل من في المسجد وكان ذلك أبرز الأحداث بالنسبة لي. لم أعد أخاف الموت فيجب أن لا نخشى إلّا الله، ونتحلى بالإيمان، لأنَّ الله واحد وأنا أعرف ذلك لأنني كنت على شفير الموت ولو كنت قد توفيت ذلك اليوم، لا أعرف إن كنت في هذه الحالة سيكون مصيري إلى نار جهنم أم لا، أما الآن فتملأني الثقة والطمأنينة والسعادة لأنني أعرف مصيري إن حدث لي شيء اليوم.

٣١٥

كان سيصيبني الجنون إن تابعت عملي كضابطة شرطة، لأن الناس يهاجمون المسلمين في ديترويت دون سبب على الإطلاق، لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، كان الأمر فظيعاً وقد أزعجني، وكنت أردّ بأن كونهم مسلمين لا يعني أنهم متطرفون حيث أزعجني ما رأيت - كضابطة شرطة - في الشوارع والأسلوب الذي كانت تتم به معاملتهم فقد كان في ذلك انعدام للضمير.

أعرف أن تعلُّم لغة جديدة قد يكون محبطاً للبعض، فهي في الأساس ثقافة جديدة، وليست ديناً فحسب، بل أسلوب حياة. وبالنسبة لي لم يكن ذلك محبطاً، كل ما في الأمر هو رغبتي في تعلمها بسرعة أكبر، وأريد أن أتقنها بمفردي، لكن هذا ليس سهلاً وعلَيَّ أن أتعلم كل شيء تقريباً عبر الإنترنت حتى كيفية ارتداء الحجاب، إنها تجربة مذهلة. بدأت أمتنع عن الكثير من المحرمات كشرب الكحول ولم أعد أتناول لحم الخنزير، وبالطبع أشتري الآن لحماً حلالاً. أصبحت في الأربعين وكنت أعرف أنني أرغب في إدخال هذه التغييرات إلى حياتي، وآن الأوان لأنعم بالسلام والهدوء في حياتي وأتقرب إلى الله، وكنت مستعدة تماماً لهذا التغيير وكنت أعرف أن هذا ما تفتقده حياتي. عندما أصلي، أشعر أنَّ الصلاة مؤثرة جداً وأشعر بقدر هائل من الحماية.

أقرأ القرآن الكريم كل يوم، وأجد فيه آداب الإسلام وأتعلم شيئاً جديداً، والناس يقدمون الكثير من المساعدة، فبالرغم من اختلاف العرق، لا يصدر الناس عليك أحكاماً إذا دخلت وأنت أمريكي. بل يقدمون الكثير من الدعم، فالكل يعاملك بكل لطف ويساعد في تعليمك وتوجيهك.

أكثر ما يعجبني في الإسلام هو الحجاب، فأنا أستمتع به، لأكون صادقة تماماً، لا سيما هنا في لاس فيغاس حيث ينظر الرجال إلى النساء بشكل غريب وهذا يثير الخوف. وهكذا أشعر بمزيد من الراحة والأمان. أما في ما يتعلق بإخبار أصدقائي عن اعتناقي الإسلام، لست متأكدة من ردود أفعالهم فمثلاً أفضل صديقاتي من الطفولة تعمل في الواقع في الكنيسة الكاثوليكية، وأعرف أن رد فعلها لهذا سيكون سيئاً، وقد لا نكون أصدقاء بعد الآن. والبعض أظهروا لي الكثير من الدعم أو طرحوا أسئلة مثيرة للاهتمام كذلك، فكان من اللطيف أن أتمكن من أن أنقل أفكاري لهم. من أبرز الأسئلة التي طرحها أصدقائي بصفة خاصة، سواء من الرجال أو النساء، لماذا تغطين رأسك؟ ولماذا تغطين ذراعيك؟

٣١٦

لا سيما عندنا في لاس فيغاس، لأن المجتمع هنا مختلف للغاية مقارنة حتى بالمجتمعات الأمريكية العادية، الناس هنا يرتدون ألبسة مكشوفة خاصة النساء، فقلت بكل بساطة، الأمر يتعلق بالاحتشام، وقد لاحظت أن الناس ينظرون إليّ بشكل مختلف، حتى أن بعض أصدقائي ذكروا أن بعض الناس ينظرون إليّ بمزيد من الإحترام لأنّ الرجال لا ينظرون إليّ كشيء، بل ينظرون إلى وجهي. في ما يتعلق بأفراد أسرتي فهو سيف ذو حدين، إنني أفتقدهم كأشخاص، لكنني لا أفتقد دينهم على الإطلاق. وقد كانوا في غاية القسوة معي، فقد كانت لديّ تجارب رهيبة ومخيفة للغاية، كان والداي يصطحبانني منذ صغري لحضور ممارسات طرد الأرواح الشريرة. فكان لذلك أثر عاطفي هائل على نفسي طوال الوقت. والداي لا يعرفان أنني اعتنقت الإسلام، لم يكن أمامي سوى خيار واحد في رأيهما، وكان إما اختيار أن أكون مسيحية ذات شخصية جذابة مثلهما أو لا يحترمانني مطلقاً وقد أقصياني من العائلة وكان ذلك قبل أن أعتنق الإسلام.

أفضِّل أن تكون لي أسرة مسلمة وأن يكون الله في حياتي، الله الحق، وليس مجموعة من القواعد والقوانين التي أرساها البشر، لقد تسبب دينهما بالكثير من الألم لي، لكن هذا الدين ليس كذلك.

أنا أريد أن أنشر هذا الدين، وأنشر الحب وأنشر السعادة وأنشر السلام، وأوضح للناس أنه يلزم القضاء على كل هذه النماذج النمطية، وأن الإسلام ليس إرهاباً، وأنه رائع للغاية وهذا ما أرغب أنا شخصياً في أن أوضحه للناس.

٣١٧

أسلم بعد جنازة صديقه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وُلِدتُ وترعرعت في مدينة هاليفاكس في نوفا سكوتيا، أبي رجل أبيض من منطقة برنس إدوارد في كندا وأمي امرأة سوداء من مجتمع يُدعى لوكاس فيل في نوفا سكوتيا.

أمي كانت مسيحية ولقد اعتدت الذهاب معها إلى الكنيسة، وحتى عندما توقفت هي كنت أنا الوحيد من أفراد عائلتي الذي يذهب إلى هناك، عندما كبرت وأصبحت في مرحلة آخر المراهقة، توقفت عن الذهاب إلى الكنيسة، فلم أكن مهتمّاً بمفهوم الدين.

لا زلت أؤمن بالله والعديد من المعتقدات الدينية المسيحية لكنني لم أؤمن بهذا التنظيم الديني.

لقد كنت أعيش في منطقة دارتموت، هي تقع على ميناء مدينة هاليفاكس، ترعرعت هناك حيث كان يوجد عائلة باكستانية كبيرة مسلمة، كنت صديقاً لهم وتعلّمت منهم عن الإسلام بعض الأشياء، فقد كان أحد أفرادها متديّناً، فقد كنت أراه دائماً يذهب إلى المسجد ويصلّي، كان عمري 16 سنة تقريباً عندما أصبحتُ مهتمّاً بالدين الإسلامي وبدأت بالاستفسار عنه، من أصدقائي. وحين بلغت السابعة عشرة - وفي الصيف الذي ما بين الأول الثانوي والثاني الثانوي - انتقلت مع أبي وزوجته من دارتموت للعيش في هاليفاكس، حيث كان هناك العديد من العرب المسلمين، وكانت هذه النقلة بمثابة الصدمة الثقافية بالنسبة لي، لأنني كنت أعيش في كول هاربور، حيث المسلمون قلّة لا تراهم في كل مكان، وبالتالي لا ترى الحجاب أو أيّ شيء من هذا القبيل، بينما في بدفورد يوجد العديد من المسلمين العرب الذين يمكنك معرفتهم بسيماهم. بعد فترة من وصولي إلى هناك، عرف أحد الإخوة العراقيين أنني مهتم بالإسلام فجاء وقال لي بأنهم يقيمون صلاة الجمعة كل أسبوع في المدرسة الثانوية التي كنت أرتادها في وقت استراحة الغداء، فدعاني.

ذهبنا إلى هناك يوم الجمعة والحمد لله كانت تجربة جيدة جداً. كان الخطيب شاباً يافعاً مرحِّباً ومضيافاً وصلّيت معهم على الرغم من أنني لم أعِ ما أفعل، فلقد كنت أقلّدهم. بعد الصلاة تحدّثت إلى الخطيب ورجل آخر كان يأتي للصلاة كل جمعة.

٣١٨

وفي أحد الأيام وبعد انتهائنا من الصلاة سألني ذلك الرجل: «ما رأيك بالإسلام؟» فقلت له: «أنا أؤمن بالدين الإسلامي وأعتقد أنه الدين الصحيح والطريقة المُثلى للحياة» فأجابني: «إذاً يجب أن تصبح مسلماً!» تفاجأت حينها لأنني كنت صغيراً ولا زال أمامي الكثير لأتعلّمه. قال لي: «يجب أن تُسلم لأنك لا تعلم متى ستموت» عندها ضحكت لأنني كنت أبلغ من العمر السابعة عشرة فقط وما زلت صغيراً على الموت، سأموت عندما أصبح جَدَّاً في الثمانينات ويمتلئ شعري شيباً وأحفادي من حولي، فلم أكترث لما كان يقوله.

ذهبت إلى هناك 4 أو 5 مرات بعدها، إلى أن جاءت إجازة الصيف فلم أعد أذهب إلى المدرسة. لكن في يوم من أيام الإجازة الصيفية، كنت أعمل في مطعم، حيث تلقّينا اتصالاً مفاجئاً في وقت الإغلاق من المديرة، التي أخبرتنا فيما بعد أنَّ خالد توفي في حادث اصطدام سيارة. من هو خالد؟ خالد هو أحد الإخوة الفلسطينيين كان يعمل معنا في المطعم لمدة قصيرة وكان صديقي أيضاً فلقد كنا نرتاد نفس المدرسة وتخرجّنا منها معاً. عندما سمعت الخبر لم أصدّقه لأوّل وهلة. هاتفتُ المديرة التي نقلت إلينا الخبر وعندما سمعت صوتها تبكي عرفت حينها بأنه قد مات فعلاً.

لم أستوعب ما الذي يحدث في ذلك الوقت، لكنني في طريقي إلى البيت ماشياً، انهرت باكياً. كانت المرة الأولى التي عرفت فيها أنَّ أحداً توفي في نفس عمري، فكلانا كنا نبلغ الثامنة عشرة من العمر، فقد صدمتني هذه الفاجعة في الصميم..

يوم دفن الجثّة، تعلّمت كيفية الوضوء حيث هاتفت صديقي وعلّمني كيف أتوضأ. وذهبنا أنا وصديقي إلى المسجد في دارتموت لصلاة الجنازة ثم بعد ذلك توجهنا إلى مقبرة المسلمين.

كان الجو مفعماً بالحزن فإخوته وأبوه كانوا هناك والجميع منخرط في البكاء.

عندما وضعوا التراب فوق جثمانه بدأت أنا بالبكاء الشديد، أثناء ذلك شاهدت الشيخ الذي قال لي يجب أن تسلم لأنك لا تعلم متى ستموت. كان هذا بمثابة إشارة لي من عند الله أني قد أموت قريباً وأنَّ كلام الشيخ كان صحيحاً وأنني يجب أن أسلم.

٣١٩

ذهبت إليه مباشرة وأخبرته أنني أريد أن أسلم فقال لي: «أهلاً أليكس، كيف حالك؟ من الرائع رؤيتك مرة أخرى، أتمنى أنك ما زلت مهتمّاً بالإسلام». وسبحان الله في تلك اللحظة، وفي ذلك المكان عند المسجد بجانب المقبرة قلت: «أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله».

بعد ذلك مباشرةً حان وقت صلاة المغرب، وسألني أحد الإخوة إذا كنت أعرف كيفية الوضوء، فقلت نعم. ثم ذهبت إلى دورة المياه لأتوضأ لكنني نسيت مراحل الوضوء فمكثت هناك وقتاً طويلاً محاولاً التذكر. وعندما فرغت من الوضوء كانوا قد انتهوا من صلاة المغرب لكن الشيخ لم يصلِّ بعد وكان بانتظاري ثم صلّينا معاً والحمد لله نشأت بيننا صداقة طيبة من بعد ذلك، فقد استمريت في مقابلته يومياً بعد ذلك لمدة أسبوع حيث علمني سورة الفاتحة وأركان الإسلام.

قبل الإسلام لم أكن أعرف ما الذي يجب أن أفعله وما الذي أريده وما الطريقة المُثلى للعيش.

كنت أعيش وفقاً لفلسفتي الخاصة منجرفاً إلى العديد من العادات السيئة ولكن الحمد لله هداني ربي إلى الطريق الصحيح قبل الوقوع في الطريق السيء.

الكثير قد يجادل بأنَّ السبب وراء اعتناقي الدين الإسلامي هو عاطفتي. ولكن لم تكن الأسباب كذلك، لأنني كنت مقتنعاً أصلاً بأنَّ الدين الإسلامي هو الدين الحق لكنني كنت بحاجة إلى دفعة في الاتجاه الصحيح. فهذه الحادثة جعلتني أعي أنني قد أموت في أي دقيقة وكانت الحادثة إشارة لي بما أنني كنت مقتنعاً بالإسلام فلماذا أنتظر حتى أبلغ العشرين أو الثلاثين أو الأربعين من عمري؟ ولهذا أسلمت وبذلت جهداً في تعلّم الإسلام وأركانه ومبادئه.

أتوق إلى شهر رمضان هذا العام، وأستمتع باختباره مجدداً. نؤدي الشعائر الدينية بشكل أفضل كقراءة الأدعية والذهاب إلى المسجد دوماً وتلاوة القرآن الكريم.

أنا الآن أكثر اقتناعاً من قبل بأنَّ الدين الإسلامي هو الدين الصحيح لأنني رأيت براهين القرآن الكريم ومعجزاته.

حياتي بعد الإسلام تحسّنت كثيراً، فالإسلام هداني إلى الاتجاه الصحيح للحياة وهو أن أعيش حياة مستقيمة ومتديّنة بعد أن كنت متخبطاً قبل ذلك.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444