الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٦

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 403

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 403
المشاهدات: 134962
تحميل: 7296


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 134962 / تحميل: 7296
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 6

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

لا فاز من نار الجحيم معاندٌ

عن إرث والدكِ النبيِّ زواكِ

أتراه يغفر ذنب من أقصاكِ عن

سخطٍ وأسخطٍ إذ أباكِ أباكِ

كلّا ولا نال السَّعادة من غوى

وعدا لك ممتسكاً بحبل عداكِ

يا تيمُ لا تمَّت عليكِ سعادةٌ

لكن دعاكِ إلى الشقاء شقاكِ

لولاكِ ما ظفرت علوج أُميّة

يوماً بعترة أحمد لولاكِ

تالله ما نلت السَّعادة إنَّما

أهواكِ في نار الجحيم هواكِ

أنَّى استقلتِ وقد عقدت لآخر

حكماً فكيف صدقت في دعواكِ

ولأنت أكبر يا عديُّ عداوةً

والله ما عضد النفاق سواكِ

لا كان يومٌ كنت فيه وساعةٌ

فضَّ النفيل بها ختام صهاكِ

وعليكِ خزيٌ يا أُميّة دائماً

يبقى كما في النّار دام بقاكِ

هلّا صفحتِ عن الحسين ورهطه

صفح الوصيِّ أبيه عن آباكِ؟

وعففت يوم الطفِّ عفَّة جدِّه

المبعوث يوم الفتح عن طُلقاكِ؟

أفهل يدٌ سلبت إماءكِ مثل ما

سلبت كريمات الحسين يداكِ؟

أم هل برزن بفتح مكّة حُسّرا

كنسائه يوم الطفوف نساكِ؟

يا أُمَّةً باءت بقتل هُداتها

أفمن إلى قتل الهُداة هداكِ؟

أم أيّ شيطان رماكِ بغيِّه؟

حتّى عراكِ وحلَّ عقد عُراكِ

بئس الجزاء لأحمد في آله

وبنيه يوم الطفِّ كان جزاكِ

فلئن سُررت بخدعة أسررت في

قتل الحسين فقد دهاكِ دُهاكِ

ما كان في سلب ابن فاطم ملكه

ما عنه يوماً لو كفاكِ كفاكِ

لهفي على لجسد المغادر بالعرا

شلواً تقلّبه حدود ظُباكِ

لهفي على الخدِّ التريب تخدُّه

سفهاً بأطراف القنا سُفهاكِ

لهفي لآلك يا رسول الله في

أيدي الطغاة نوائحاً وبواكي

ما بين نادبة وبين مروعة

في أسر كلِّ مُعاندٍ أفّاكِ

تالله لا أنساكِ زينب والعدا

قسراً تجاذب عنك فضل رداكِ

لم أنس لا والله وجهكِ إذ هوت

بالرُّدن ساترةً له يمناكِ

٣٨١

حتّى إذا همّوا بسلبك صحت

باسم أبيك واستصرخت ثمَّ أخاكِ

لهفي لندبك باسم ندبك وهو

مجروح الجوارح بالسياق يراكِ

تستصرخيه أسىً وعزَّ عليه أن

تستصرخيه ولا يجيب نداكِ

والله لو أنَّ النبيَّ وصنوه

يوماً بعرصة كربلا شهداكِ

لم يمس منهتكاً حماكِ ولم تمط

يوماً أُميّة عنك سجف خباكِ

يا عين إن سفحت دموعك فليكن

أسفاً على سبط الرَّسول بكاكِ

وابكي القتيل المستضام ومن بكت

لمصابه الأملاك في الأفلاكِ

أقسمت يا نفس الحسين أليّة

بجميل حسن بلاكِ عند بلاكِ

لو أنَّ جدَّكِ في الطفوف مشاهدٌ

وعلي التراب تريبةٌ خدَّاكِ

ما كان يؤثر أن يرى حرّ الصفا

يوماً وُطأك ولا الخيول تطاكِ

أو أنَّ والدك الوصيَّ بكربلا

يوماً على تلك الرُّمول يراكِ

لفداك مجتهداً وودَّ بأنَّه

بالنفس من ضيق الشّراك شراكِ

عالوك لما أن علوت فآه مِن

خطبٍ نراه على عُلاك علاكِ

قد كنت شمساً يستضاء بنورها

يعلو على هام السّماك سماكِ

وحمىً يلوذ به المخوف ومنهلاً

عذباً يصوب نداك قبل نِداكِ

ما ضرَّ جسمك حرُّ جندلها وقد

أضحى سحيق المسك ترب ثراكِ

فلئن حرمتِ من الفرات وورده؟

فمن الرَّحيق العذب ريّ صداكِ

ولئن حرمتِ نعيمها الفاني؟ فمن

دار البقاء تضاعفت نعماكِ

ولئن بكتك الطاهرات لوحشة؟

فالحور تبسم فرحةً بلقاكِ

ما بتِّ في حمر الملابس غدوةً

إلّا انثنت خُضراً قُبيل مَساكِ

إنّي ليقلقني التلهّف والأسى

إذ لم أكن بالطفِّ من شهداكِ

لأقيك من حرِّ السيوف بمهجتي

وأكون إذ عزَّ الفداءُ فداكِ

ولئن تطاول بعد حينك بيننا

حينٌ ولم أكُ مُسعداً سُعداكِ؟

فلأبكينّك ما استطعت بخاطرٍ

تحكي غرائبه غروب مَداكِ

وبمقول ذرب اللسان أشدّ من

جند مجنّدة على أعداكِ

٣٨٢

ولقد علمت حقيقة وتوكّلاً

أنّي سأسعد في غدٍ بولاكِ

وولاءِ جدّك والبتول وحيدرٍ

والتسعة النجباء من ابناكِ

قومٌ عليهم في المعاد توكّلي

وبهم من الأسر الوثيق فكاكي

فليهن عبدكمُ «عليّاً» فوزه

بجنان خلد في جنان علاكِ

صلّى عليك الله ما أملاكه

طافت مقدَّسة بقدس حِماكِ

القصيدة الرابعة

نمَّ العذار بعارضيه وسلسلا

وتضمّنت تلك المراشف سلسلا

قمرٌ أباح دمي الحرام محلّلا

إذ مرَّ يخطر في قباه محلّلا

رشءٌ تردَّى بالجمال فلم يدع

لأخي الصّبابة في هواه تجمّلا

كتب الجمال على صحيفة خدِّه

بيراع معناه البهيج ومثَّلا

فبدا بنوني حاجبيه معرّقاً

من فوق صادي مقلتيه وأقفلا

ثمَّ استمدَّ فمدَّ أسفل صدغه

ألفاً ألفت به العذاب الأطولا

فاعجب له إذ همَّ ينقط نقطةً

من فوق حاجبه فجاءت أسفلا

فتحقّقت في حاء حمرة خدِّه

خالاً فعمَّ هواه قلبي المبتلى

ولقد أرى قمر السَّماء إذا بدا

في عقرب المرِّيخ حلَّ مؤيِّلا

وإذا بدا قمري وقارن عقربي

صدغيه حلَّ به السعود فأكملا

أنا بين طرَّته وسحر جفونه

رهن المنيّة إذ عليه توكّلا

دبّت لتحرس نور وجنة خدِّه

عيني فقابلت العيون الغزَّلا

جاءت لتلقف سحرها فتلقّفت

منّا القلوب وسحرها لن يبطلا

فاعجب لمشتركين في دم عاشق

حرم المنى ومحرّم ما حلّلا

جاءت وحين سعت لقلبي أو سعت

لعاً وتلك نضت لقتلي منصلا

قابلته شاكي السّلاح قد امتطى

في غرَّة الأضحى أغرّ محجّلا

متردِّياً خضر الملابس إذ لها

بالؤلؤ الرَّطب المنضّد مجتلى

فنظرت بدراً فوق غصنٍ مائسٍ

خضر تعاوده الحيا فتكلّلا

وكأنَّ صلت جبينه في شعره

كلئالي صفّت على بند الكلا

٣٨٣

صبحٌ على الجوزاء لاح لناظر

متبلّج فأزاح ليلاً أليلا

حتّى إذا قصد الرميّة وانثنى

بسهامه خاطبته متمثِّلا

: لك ما ينوب عن السّلاح بمثلها

يا من أصاب من المحبِّ المقتلا

يكفيك طرفك نابلاً والقدُّ

خطّاراً وحاجبك المعرّق عيطلا

عاتبته فشكوت مجمل صدِّه

لفظاً أتى لطفاً فكان مفصّلا

وأبان تبيان الوسيلة مدمعي

فاعجب لذي نطقٍ تحمّل مُهملا

فتضرَّجت وجناته مستعذباً

عتبي ويعذب للمعاتب ما حَلا

وافترَّ عن وِرد وأصبح عن ضحىً

مَن لي بلثم المجتنى والمجتلى؟

مَن لي بغصن نقاً تبدّي فوقه

قمرٌ تغشّى جنح ليل فانجلى؟

حلو الشمائل لا يزيد على الرِّضا

إلّا عليَّ قساوةً وتدلّلا

نجلت به الصيد الملوك فأصبحت

شرفاً له هام المجرّة منزلا

فالحكم منسوبٌ إلى آبائه

عدلاً وبي في حكمه لن يعدلا

أدنو فيصدف مُعرضاً متدلّلاً

عنِّي فأخضع طائعاً متذلّلا

أبكي فيبسم ضاحكاً ويقول لي:

لا غرو إن شاهدت وجهي مقبلا

أنا روضةٌ والرَّوض يبسم نوره

بشراً إذا دمع السّحاب تهلّلا

وكذاك لا عجبٌ خضوعك طالما

أُسد العرين تُقاد في أسر الطلا(١)

قسماً بفآء فتور جيم جفونه

لأُخالفنَّ على هواه العُذَّلا

ولأوقفنَّ على الهوى نفساً علت

فغلت ويرخص في المحبّة ما غلا

ولأحسننَّ وإن أساء وألين طو

عاً إن قسا وأزيد حبّاً إن قلا

لا نلت ممّا أرتجيه مآربي

إن كان قلبي من محبَّته سلا

إن كنت أهواهُ لفاحشة فلا

بُوّءت في دار المقامة منزلا

يا حبَّذا متحاببين تواصلا

دهراً وما اعتلقا بفحش أذيلا

لا شيئ أجمل مِن عفافٍ زانه

ورعٌ ومَن لبس العفاف تجمَّلا

طُبعت سرائرنا على التقوى ومن

طُبعت سريرته على التقوى علا

____________________

١ - الطلا: ولد الظبي.

٣٨٤

أهواه لا لخيانة حاشى لمن

أنهى الكتاب تلاوة أن يجهلا

لي فيه مزدجرٌ بما أخلصته

في المصطفى وأخيه من عقد الولا

فهما لعمرك علّة الأشياء في

العلل الحقيقة إن عرفت الأمثلا

الأوَّلان الآخران الباطنان

الظاهران الشّاكران لذي العلا

الزاهدان العابدان الراكعان

السّاجدان الشاهدان على الملا

خُلقا وما خُلق الوجود كلاهما

نوران من نور العليِّ تفصّلا

في علمه المخزون مجتمعان لن

يتفرَّقا أبداً ولن يتحوَّلا

فاسأل عن النور الذي تجدنّه

في النور مسطوراً وسائل من تلا

واسأل عن الكلمات لما إنَّها

حقّاً تلقّى آدم فتقبّلا

ثمَّ اجتباه فأودعا في صلبه

شرفاً له وتكرُّماً وتبجّلا

وتقلّباً في السّاجدين وأودعا

في أطهر الأرحام ثمَّ تنقّلا

حتّى استقرَّ النور نوراً واحداً

في شيبة الحمد بن هاشم يجتلى

قُسما لحكم إرتضاه فكان ذا

نعم الوصيُّ وذاك أشرف مرسلا

فعليُّ نفس محمّد ووصيّه

وأمينه وسواه مأمونٌ فلا

وشقيق نبعته وخير من اقتفى

منهاجه وبه اقتدى وله تلا

مولىً به قَبل المهيمن آدماً

لما دعا وبه توسّل أوَّلا

وبه استقرَّ الفلك في طوفانه

لما دعا نوحٌ به وتوسّلا

وبه خبت نار الخليل وأصبحت

برداً وقد أذكت حريقاً مشعلا

وبه دعا يعقوب حين أصابه

من فقد يوسف ما شجاه وأثقلا

وبه دعا الصدِّيق يوسف إذ هوى

في جبّه وأقام أسفل أسفلا

وبه أماط الله ضرَّ نبيِّه

أيّوب وهو المستكين المبتلا

وبه دعا عيسى فأحيى ميِّتاً

من قبره وأهال عنه الجندلا(١)

وبه دعا موسى فأوضحت العصا

طرقاً ولجّة بحرها طامٍ مِلا

وبه دعا داود حين غشاهمُ

جالوت مقتحماً يقود الجحفلا

____________________

١ - وفي نسخة: في الغابرين وشقّ عنه الجندلا.

٣٨٥

ألقاه دامغةً فأردى شلوه

ملقىً وولّى جمعه متجفّلا

وبه دعا لما عليه تسوَّرا

الخصمان محراب الصّلاة وأُدخلا

فقضى على إحديهما بالظلم في

حكم النعاج وكان حكماً فيصلا

فتجاوز الرَّحمن عنه تكرُّماً

وبه ألان له الحديد وسهّلا

وبه سليمانٌ دعا فتسّخرت

ريح الرَّخاء لأجله ولها علا

وله استقرَّ الملك حين دعا به

عمر الحياة فعاش فيه مخوَّلا

وبه توسّل آصفٌ لما دعا

بسرير بلقيس فجاء معجّلا

العالم العلَم الرَّضيُّ المرتضى

نور الهدى سيف العلاء أخ العلا

من عنده علم الكتاب وحكمه

وله تأوَّل مُتقناً ومحصّلا

وإذا علت شرفاً ومجداً هاشمٌ

كان الوصيُّ بها المعمُّ المخولا

لا جدّه تيم بن مرَّة لا ولا

أبواه من نسل النفيل تنقّلا

ومكسِّر الأصنام لم يسجد لها

متعفّراً فوق الثرى متذلّلا

لكن له سجدت مخافة بأسه

لما على كتف النبيِّ علاً على

تلك الفضيلة لم يفز شرفاً بها

إلّا الخليل أبوه في عصر خلا

إذ كسَّر الأصنام حين خلا بها

سرّاً وولّى خائفاً مستعجلا

فتميَّز الفعلين بينهما وقِس

تجد الوصيَّ بها الشجاع الأفضلا

وانظر ترى أزكى البريَّة مولداً

في الفعل متَّبعاً أباه الأوَّلا

وهو القؤل وقوله الصِّدق الذي(١)

لا ريب فيه لمن وعى وتأمّلا

: والله لو أنَّ الوسادة ثنّيت

لي في الذي حظر العليُّ وحلّلا

لحكمت في قوم الكليم بمقتضى

توراتهم حكماً بليغاً فيصلا

وحكمت في قوم المسيح بمقتضى

إنجيلهم وأقمت منه الأميلا

وحكمت بين المسلمين بمقتضى

فرقانهم حكماً بليغاً فيصلا

حتّى تقرّ الكتب ناطقةً لقد

صدق الأمين «عليُّ» فيما علّلا

فاستخبروني عن قرون قد خلت

من قبل آدم في زمان قد خلا

____________________

١ - راجع ص ١٩٤ من هذا الجزء.

٣٨٦

فلقد أحطت بعلمها الماضي وما

منها تأخّر آتياً مستقبلا

وانظر إلى نهج البلاغة هل ترى

لأولي البلاغة منه أبلغ مقولا؟

حكمٌ تأخّرت الأواخر دونها

خرساً وأفحمت البليغ المِقولا

خسأت ذوو الآراء عنه فلن ترى

من فوقه إلّا الكتاب المنزلا

وله القضايا والحكومات التي

وضحت لديه فحلَّ منها المشكلا

وبيوم بعث الطائر المشويِّ إذ

وافى النبيّ فكان أطيب مأكلا

إذ قال أحمد: آتني بأحبِّ من

تهوى ومن أهواه يا ربَّ العلى

هذا روى أنس بن مالك لم يكن

ما قد رواه مُصحَّفاً ومُبدلاً

وشهادة الخصم الألدّ فضيلةٌ

للخصم فاتّبع الطريق الأسهلا

وكسدِّ أبواب الصَّحابة غيره

لمميّز عرف الهدى مُتوصّلا

إذ قال قائلهم: نبيّكمُ غوى

في زوج إبنته ويعذر إن غلا

تالله ما أوحى إليه وإنَّما

شرفاً حباه على الأنام وفضّلا

حتّى هوى النجم المبين مكذّباً

مَن كان في حقِّ النبيِّ تقوَّلا

أبداره حتّى الصباح أقام؟ أم

في دار حيدرة هوى وتنزّلا؟

هذي المناقب ما أحاط بمثلها

أحدٌ سواه فترتضيه مُفضَّلا

يا ليت شعري ما فضيلة مدَّع

حكم الخلافة ما تقدَّم أوَّلا؟

أبعزله عند الصَّلاة مؤخّراً؟

ولو ارتضاه نبيّه لن يعزلا

أم ردِّه في يوم بعث براءةٍ

من بعد قطع مسافة مُتعجّلا؟

إن كان أوحى الله جلَّ جلاله

لنبيِّه وحياً أتاه منزَّلا

أن لا يؤدِّيها سواك فترتضي

رجلاً كريماً منك خيراً مفضلا

أفهل مضى قصداً بها متوجِّهاً

إلّا عليٌّ؟ يا خليليَّ اسألا

أم يوم خيبر إذ براية أحمد

ولّى لعمرك خائفاً مُتوجِّلا؟

ومضى بها الثاني فآب يجرُّها

حذر المنيَّة هارباً ومًهرولا

هلّا سألتهما وقد نكصا بها

متخاذلين إلى النبيِّ وأقبلا

من كان أوردها الحتوف سوى أبي

حسن وقام بها المقام المهولا؟

٣٨٧

وأباد مرحبهم ومدَّ يمينه

قلع الرتاج وحصن خيبر زلزلا

يا علّة الأشياء والسبب الذي

معنى دقيق صفاته لن يُعقلا

إلّا لمن كشف الغطاء له ومَن

شقّ الحجاب مجرّداً وتوصّلا

يكفيك فخراً أنَّ دين محمّد

لولا كمالك نقصه لن يكملا

وفرايض الصَّلوات لولا إنّها

قرنت بذكرك فرضها لن يقبلا

يا مَن إذا عدَّت مناقب غيره

رجحت مناقبه وكان الأفضلا

إنِّي لأعذر حاسديك على الذي

أولاك ربّك ذو الجلال وفضَّلا

إن يحسدوك على علاك فإنَّما

متسافل الدرجات يَحسد مَن علا

إحياؤك الموتى ونطقك مخبراً

بالغائبات عذرتُ فيك لمن غلا

وبردِّك الشمس المنيرة بعد ما

أفلت وقد شهدت برجعتها الملا

ونفوذ أمرك في الفرات وقد طما

مدّاً فأصبح ماؤه مستسفلا

وبليلة نحو المداين قاصداً

فيها لسلمان بُعثت مغسِّلا

وقضيّة الثعبان حين أتاك في

إيضاح كشف قضيّة لن تعقلا

فحللت مشكلها فآب لعلمه

فرحاً وقد فصّلت فيها المجملا

والليث يوم أتاك حين دعوت في

عُسر المخاض لعرسه فتسهّلا

وعلوت من فوق البساط مخاطباً

أهل الرقيم فخاطبوك معجّلا

أمخاطب الأذياب في فلواتها

ومكلِّم الأموات في رمس البلى

يا ليت في الأحياء شخصك حاضرٌ

وحسينُ مطروحٌ بعرصة كربلا

عريان يكسوه الصَّعيد ملابساً

أفديه مسلوب اللباس مُسربلا

متوسِّداً حرَّ الصخور معفّراً

بدمائه ترب الجبين مُرمّلا

ظمآن مجروح الجوارح لم يجد

ممّا سوى دمه المبدَّد منهلا

ولصدره تطأ الخيول وطالما

بسريره جبريل كان موكّلا

عُقرت أما علمت لأيِّ معظّم

وطأت وصدرٍ غادرته مفصَّلا؟

ولثغره يعلو القضيب وطالما

شرفاً له كان النبيُّ مُقبِّلا

وبنوه في أسر الطغاة صوارخٌ

ولهاء مُعولة تجاوب معولا

٣٨٨

ونساؤه من حوله يندبنه

بأبي النساء النادبات الثكّلا

يندبن أكرم سيِّد من سادة

هجروا القصور وآنسوا وحش الفلا

بأبي بدوراً في المدينة طُلّعاً

أمست بأرض الغاضريَّة أُفّلا

آساد حرب لا يمسُّ عفاتها

ضرُّ الطوى ونزيلها لن يخذلا

من تلق منهم تلق غيثاً مُسبلاً

كرماً وإن قابلت ليثاً مُشبلا

نزحت بهم عن عقرهم أيدي العدا

بأبي الفريق الظاعن المترحِّلا

ساروا حثيثاً والمنايا حولهم

تسري فلن يجدون عنها معزلا

ضاقت بهم أوطانهم فتبيّنوا

شاطي الفرات عن المواطن موئلا

ظفرت بهم أيدي البغاة فلم أخل

وأبيك تقتنص البغاث الأجدلا

منعوهمُ ماء الفرات ودونه

بسيوفهم دمهم يُراق مُحلّلا

هجرت روسهم الجسوم فواصلت

زرق الأسنَّة والوشيج الذبَّلا

يبكي أسيرهم لفقد قتيلهم

أسفاً وكلٌّ في الحقيقة مبتلى

هذا يميل على اليمين مُعفرّاً

بدم الوريد وذا يُساق مغلّلا

ومن العجائب أن تقاد أُسودها

أسراً وتفترس الكلاب الأشبلا

لهفي لزين العابدين يُقاد في

ثقل الحديد مقيّداً ومكبّلا

مُتقلقلاً في قيده مُتثقِّلاً

متوجّعاً لمصابه متوجّلا

أفدي الأسير وليت خدِّي موطناً

كانت له بين المحامل محملا

أقسمت بالرَّحمن حلفة صادق

لولا الفراعنة الطواغيت الأولى

ما بات قلب محمّد في سبطه

قلقاً ولا قلب الوصيِّ مقلقلا

خانوا مواثيق النبيِّ وأجَّجوا

نيران حرب حرُّها لن يصطلى

يا صاحب الأعراف يعرض كلُّ

مخلوق عليه محقّقاً أو مبطلا

يا صاحب الحوض المباح لحزبه

حلّ ويمنعه العصاة الضلّلا

يا خير من لبَّى وطاف ومن سعى

ودعا وصلّى راكعاً وتنفّلا

ظفرت يدي منكم بقسم وافرٍ

سبحان من وهب العطاء وأجزلا(١)

____________________

١ - وفي نسخة: سبحان من قسم العطاء الأجزلا.

٣٨٩

شغلت بنو الدنيا بمدح ملوكهم

وأنا الذي بسواكمُ لن أشغلا

وتردَّدوا لوفادة لكنَّهم

ردّوا وقد كسبوا على القيل القلا

ومنحتكم مدحي فرحب خزانتي

بنفايس الحسنات مفعمةٌ مَلا

وأنا الغنيُّ بكم ولا فقرٌ ومَن

ملك الغنا لسواكمُ لن يسألا

مولاي دونك من «عليّ» مدحةً

عربيّة الألفاظ صادقة الولا

ليس النضار نظيرها لكنَّها

درٌّ تكامل نظمه فتفصَّلا

فاستجلها منِّي عروساً غادةً

بكراً لغيرك حسنها لن يجتلى

فصداقها منك القبول فكن لها

يا بن المكارم سامعاً متقبِّلا

وعليكمُ منِّي التحيَّة ما دعا

داعي الفلاح إلى الصَّلاة مهلّلا

صلّى عليك الله ما سحَّ الحيا

وتبسّمت لبكائه ثغر الكلا

القصيدة الخامسة

حلّت عليك عقود المزن يا حللُ(١)

وصافحتكِ أكفُّ الطلِّ يا طللُ

وحاكت الورق في أعلا غصونك إذ

حاكت بك الودق جلباباً له مثلُ

يزهو على الربع من أنواره لمع

ويشمل الربع من نوّاره حللُ

وافترَّ في ثغرك المأنوس مبتسماً

ثغر الأقاح وحيَّاك الحيا العطلُ

ولا انثنت فيك بانات اللوى طرباً

إلّا وللورق في أوراقها زَجَلُ

وقارن السعد يا سعدى وما حجبت

عن الجآذر فيك الحجب والكللُ

يروق طرفي بروق منك لامعة

تحت السحاب وجنح الليل منسدل

يذكي من الشوق في قلبي لهيب جوىً

كأنَّما لمعها في ناظري شُعلُ

فإن تضوَّع من أعلى رباك لنا

ريّاك والروض مطلولٌ به خضلُ

فهو الدواء لا دواءٍ مبرَّحة

نعلُّ منها إذا أودت بنا العللُ

أقسمت يا وطني لم يهنني وطري

مذ بان عنِّي منك البان والأثلُ

لي بالرُّبوع فؤادٌ منك مرتبعٌ

وفي الرواحل جسم عنك مرتحل

لا تحسبنَّ الليالي حدَّثت خلدي

بحادث فهو عن ذكراك مشتغلٌ

____________________

١ - الحلل جمع الحلة وهي: المحلة، المجلس والمجتمع.

٣٩٠

لا كنت إن قادني عن قاطنيك هوى

أو مال بي مَلل أو حال بي حوَلُ

أنّى ولي فيك بين السرب جارية

مقيدي في هواها الشكل والشكلُ(١)

غرّاء ساحرة الألحاظ مانعة

الألفاظ مائسةٌ في مشيها ميلُ

في قدِّها هيفٌ في خصرها نحفٌ

في خدِّها صَلفٌ في ردفها ثقلُ(٢)

يرنِّح الدلّ عطفيها إذا خطرت

كما ترنَّح سكراً شاربٌ ثَملُ

تُريك حول بياض حمرةً ذهبت

بنضرتي في الهوى خدٌّ لها صقلُ

ما خلت من قبل فتك من لواحظها

أن تقتل الأُسد في غاباتها المقلُ

عهدي بها حين ريعان الشبيبة لم

يُرعه شيبٌ وعيشي ناعمٌ خضلُ

وليل فودي ما لاح الصّباح به

والدار جامعةٌ والشمل مشتملُ

وربع لهويً مأنوسٌ جوانبه

تروق فيه ليَ الغزلان والغَزَلُ

حتّى إذا خالط الليل الصّباح وأ

ضحى الرأس وهو بشهب الشيب مشتعلُ

وخطَّ وخط مشيبي في صحيفته

لي أحرفاً ليس معنى شكلها شكلُ

مالت إلى الهجر من بعد الوصال و

عهد الغانيات كفئ الظل منتقلُ

من معشرٍ عدلوا عن عهد حيدرة

وقابلوه بعدوانٍ وما قبلوا

وبدّلوا قولهم يوم «الغدير» له

غدراً وما عدلوا في الحب بل عدلوا

حتّى إذا فيهم الهادي البشير قضى

وما تهيّا له لحدٌ ولا غسلُ

مالوا إليه سراعاً والوصيُّ برزؤ

المصطفى عنهمُ لاه ومشتغلُ

وقلّدوها عتيقاً لا أباً لهمُ

أنّى تسود أُسود الغابة الهملُ

وخاطبوه أمير المؤمنين وقد

تيقّنوا إنّه في ذاك منتحلُ

وأجمعوا الأمر فيما بينهم وغوت

لهم أمانيّهم والجهل والأملُ

أن يحرقوا منزل الزهراء فاطمة

فياله حادثٌ مستصعبٌ جللُ

بيتٌ به خمسة جبريل سادسهم

من غير ما سببٍ بالنار يُشتعلُ

____________________

١ - وفي نسخة: مقيدي في هواها الشكل لا الشكل.

الشكل بفتح المعجمة: الصورة. وبالفتح والكسر: دلال المرأة وغنجها.

٢ - وفي نسخة: في طرفها كحل.

٣٩١

وأُخرج المرتضى عن عقر منزله

بين الأراذل محتفٌّ بهم وكلُ

يا للرجال لدين قلَّ ناصِره

ودولة ملكت أملاكها السّفلُ

أضحى أجير ابن جدعان له خلفا

برتبة الوحي مقرونٌ ومتَّصلُ

فأين أخلاف تيم والخلافة والحـ

ـكم الربوبيُّ لولا معشرٌ جهلوا؟

ولا فخارٌ ولا زهدٌ ولا ورعٌ

ولا وقارٌ ولا علمٌ ولا عملٌ

وقال: منها أقيلوني فلست إذا

بخيركم وهو مسرورٌ بها جذلُ

وفضّها وهو منها المستقيل على

الثاني ففي أيِّ قول يصدق الرَّجلُ؟

ثمَّ اقتفتها عديٌّ من عداوتها

وافتض من فضها العدوان والجدلُ

أضحى يسير بها عن قصد سيرتها

فلم يسدّ لها من حادث خللُ

وأجمع الشور في الشورى فقلّدها

أُميَّة وكذا الأحقاد تنتقلُ

تداولوها على ظلم وأرّثها

بعض لبعض فبئس الحكم والدولُ

وصاحب الأمر والمنصوص فيه بإذ

ن الله عن حكمه ناءٍ ومعتزلُ

أخو الرسول وخير الأوصياء ومن

يزهده في البرايا يُضرب المثلُ

وأقدم القوم في الإسلام سابقةً

والناس باللّات والعزى لهم شغلُ

ورافع الحق بعد الخفض حين قنا

ة الدين واهيةٌ في نصبها مَيلُ

الأروع الماجد المقدام إذ نكصوا

والليث ليث الشرى والفارس البطلُ

من لم يعش في غواة الجاهلين ذوي

غيٍّ ولا مقتدى آرائه هَبلُ

عافوه وهو أعفُّ الناس دونهمُ

طفلاً وأعلى محلّاً وهو مكتهلُ

وإنَّه لم يزل حلماً ومكرمةً

يقابل الذنب بالحسنى ويحتملُ

حتّى قضى وهو مظلومٌ وقد ظُلم

الحسين من بعده والظلم متّصلُ

من بعد ما وعدوه النصر واختلفت

إليه بالكتب تسعى منهم الرُّسلُ

فليته كفَّ كفّاً عن رعايتهم

يوماً ولا قرَّبته منهم الإبلُ

قومٌ بهم نافقٌ سوق النفاق ومِن

طباعهم يُستمد الغدر والدّخلُ

تالله ما وصلوا يوماُ قرابته

لكن إليه بما قد سأوه وصلوا

وحرّموا دونه ماء الفرات وللـ

ـكلاب من سعةٍ في وردها علل

٣٩٢

وبيّتوه وقد ضاق الفسيح به

منهم على موعد من دونه العطلُ

حتّى إذا الحرب فيهم من غد كشفت

عن ساقها وذكىً من وقدها شعلُ

تبادرت فتيةٌ مِن دونه غررٌ

شمّ العرانين ما مالوا ولا نكلوا

كأنّما يُجتنى حلواً لأنفسهم

دون المنون من العسّالة العسلُ

تسربلوا في متون السابقات دلا

ض السابغات وللخطيّة اعتقلوا

وطلّقوا دونه الدنيا الدنيّة و

ارتاحوا إلى جنة الفردوس وارتحلوا

تراءت الحور في أعلا الجنان لهم

كشفاً فهان عليهم فيه ما بذلوا

سالت على البيض منهم أنفس طهرت

نفيسةٌ فعلَوا قدراً بما فعلوا

إن يُقتلوا طالما في كلِّ معركة

قد قاتلوا ولكم من مارق قتلوا؟

لهفي لسبط رسول الله منفرداً

بين الطغاة وقد ضاقت به السُبلُ

يلقى العداة بقلب لا يُخامره

رهبٌ ولا راعه جبنٌ ولا فشلُ

كأنّه كلّما مرّ الجواد به

سيلٌ تمكّن في أمواجه جبلُ

ألقى الحسام عليهم راكعاً فهوت

بالترب ساجدةً من وقعه القللُ

قدّت نعالاته هاماتهم فبها

أخدى الجواد فأمسى وهو منتعل

وقد رواه حميدٌ نجل مسلم ذو

القول الصدوق وصدق القول ممتثلُ

إذ قال: لم أر مكثوراً عشيرته

صرعى فمنعفرٌ منهم ومنجدلُ

يوماً بأربط جاشاً من حسين وقد

حفت به البيض واحتاطت به الأسل

كأنّما قسورٌ ألقى على حُمر

عطفاً فخامرها من بأسه ذَهلُ

أو أجدلٌ مرَّ في سرب فغادره

شطراً خموداً وشطرٌ خيفة وجلُ

حتّى إذا آن ما إن لا مردَّ له

وحان عند انقضاء المدَّة الأجلُ

أردوه كالطود عن ظهر الجواد حمـ

ـيد الذكر ما راعه ذلّ ولا فشلُ

لهفي وقد راح ينعاه الجواد إلى

خبائه وبه من أسهم قَزلُ(١)

لهفي لزينب تسعى نحوه ولها

قلبٌ تزايد فيه الوجد والوجلُ

فمذ رأته سليباً للشمال على

معنى شمائله من نسجها سملُ

____________________

١ - قزل قزلاناً وقزلا: وثب ومشى مشية العرجان: القزل محركة: أسوء العرج.

٣٩٣

هوت مُقبِّلةً منه المحاسن والـ

ـحسين عنها بكرب الموت مشتغلُ

تُدافع الشّمر عنه باليمين وبا

لشمال تستر وجهاً شأنه الخجلُ

تقول: يا شمر لا تعجل عليه ففي

قتل ابن فاطمة لا يُحمد العجلُ

أليس ذا ابن عليّ والبتول ومَن

بجدِّه ختمت في الأُمَّة الرسلُ؟

هذا الإمام الذي يُنمى إلى شرف

ذريّة لا يُداني مجدها زحلُ

إيّاك من زلَّة تصلى بها أبداً

نار الجحيم وقد يردي الفتى الزللُ

أبى الشقيُّ لها إلّا الخلاف وهل

يجدي عتاب لأهل الكفران عُذلوا؟

ومرَّ يحتزُّ رأسا طالما لرسول

الله مرتشفاً في ثغره قُبلُ

حتّى إذا عاينت منه الكريم على

لدنٍ يميل به طوراً ويعتدلُ

ألقت لفرط الأسى منها البنان على

قلب تقلَّب فيه الحزن والثكلُ

تقول: يا واحداً كنَّا نؤمِّله

دهراً فخاب رجانا فيه والأملُ

ويا هلالاً علا في سعده شرفاً

وغاب في الترب عنّا وهو مكتملُ

أخي لقد كنت شمساً يُستضاء بها

فحلّ في وجهها من دوننا الطفلُ

وركن مجد تداعى من قواعده

والمجد منهدم البنيان منتقلُ

وطرف سبق يفوت الطرف سرعته(١)

مذ أدرك المجد أمسى وهو معتقلُ

ما خلت من قبل ما أمسيت مرتهناً

بين اللئام وسدَّت دونك السبلُ

أن يوغل اليوم في البازيّ إن ظفرت

ظفراً ولا أسداً يغتاله حملُ(٢)

كلّا ولا خلت بحراً مات من ظمأ

ومنه رَيُّ إلى العافين متّصلُ

فليت عينك بعد الحجب تنظرنا

أسرى تجاذبنا الأشرار والسفلُ

يسيّرونا على الأقتاب عاريةً

وزاجر العيس لا رفقٌ ولا مَهلُ

فليت لم تركو فاناً ولا وخدت

بنا إلى ابن زياد الأينق الذللُ

إيهاً على حسرة في كلِّ جانحة

ما عشت جايحة تعلو لها شعلُ

أيُقتل السبط ظمآناً ومن دمه

تروى الصّوارم والخطيّة الذبلُ

ويسكن الترب لا غسلٌ ولا كفنٌ

لكن له من نجيع النحر مغتسلُ

____________________

١ - الطرف: الكريم الطرفين من الناس والخيل.

٢ - الحمل: الخروف أو الجذع من أولاد الضان. ج الحملان وأحمال.

٣٩٤

وتستباح بأرض الطفِّ نسوته

ودون نسوة حرب تُضرب الكللُ

بالله أُقسم والهادي البشير وبيت

الله طاف به حافٍ ومنتعلُ

لولا الأولى نقضوا عهد الوصيِّ وما

جاءت به قدماً في ظلمها الأُولُ

لم يُغلِ قوماً على أبناء حيدرة

من الموارد ما تروى به الغللُ

يا صاح طف بي إذا جئت الطفوف على

تلك المعالم والآثار يا رجلُ

وابك البدور التي في الترب آفلةٌ

بعد الكمال تغشّى نورها الظللُ

وابك الشفاه التي لم ترو من عطش

لكن عليهنَّ من سيل الدما بللُ

يا آل أحمد يا سفن النجاة ومَن

عليهمُ بعد ربِّ العرش أتّكلُ

وحقِّكم ما بدا شهر المحرَّم لي

إلّا ولي ناظرٌ بالسهد مكتحلُ

ولا استهلَّ بنا إلّا استهلَّ من

الأجفان لي مدمعٌ في الخدِّ منهملُ

حُزناً لكم ومواساةً وليس لمملو

ك بدمع على ملّاكه بُخلُ

فإن يكن فاتكم نصري فلي مدحٌ

بمجدكم أبداً ما عشت تتّصلُ

عرائس حدت الحادون من طرب

بها تُعرّس أحياناً وترتحلُ

فدونكم من (عليّ) عبد عبدكمُ

فريدةٌ طاب منها المدح والغزلُ

رقّت فراقت معانيها الحسان فلا

يُماثل الطول منها السبعة الطولُ

أعددتها جُنّة من حرِّ نار لظىً

أرجو بها جنّة أنهارها عسلُ

صلّى الإله عليكم ما شدت طرباً

ورقٌ على ورقٍ والليل منسدلُ

القصيدة السادسة

عسى موعدٌ إن صحَّ منك قبولُ

تؤدِّيه إن عزَّ الرَّسول قبولُ

فربّ صباً تهدي إليَّ رسالةً

لها منك إن عزَّ الوُصول وَصولُ

تطاول عمر العتب يا عتب بيننا

وليس إلى ما نرتجيه سبيلُ

أفي كلِّ يوم للعتاب رسائلٌ

مجدَّدةٌ ما بيننا ورسولُ

رسائل عتب لا يُردّ جوابها

ونفث صدور في السطور يطولُ

يدلُّ عليها من وسائل سائل

خضوع ومن شكوى الفصال فصول

عسى مسمع يصغي إلي يقول مسمع

فيعطف قاسٍ أو يرقُّ ملول

٣٩٥

وأعجب شيئ أن أراك غريَّةً

بهجري وللوشي عليَّ قبولُ

سجيَّة نفسي بالوعود مع القلا

وكلُّ سخيّ بالوعود بخيلُ

عذرتك إن ميّلت أو مِلتِ أنِّني

أخالك غصناً والغصون تميلُ

وما لظباء السرب خلقك إنَّما

لخلقك منها في العدول عدولُ

وقد كنت أبكي والديار أنيسةٌ

وما ظعنت للظاعنين قفولُ

فكيف وقد شطَّ المزار وروّعت

فريقَ التداني فُرقةٌ ورحيلُ

إذا غبتمُ عن ربع حلّة بابل

فلا سحبت للسحب فيه ذيولُ

ولا ابتسمت للثغر فيه مباسمٌ

ولا ابتهجت للطلِّ فيه طُلولُ

ولا هبَّ معتلّ النسيم ولا سرت

بليل على تلك الربوع بَليلُ

ولا صدرت عنها السوام ولا غدا

بها راتعاً بين الفصول فصيلُ

ولا برزت في حُلّة سُندسيّة

لذات هدير في الغصون هديلُ(١)

وما النفع فيها وهي غير أو أهلٍ

ومعهدها ممَّن عهدت مَحيلُ

تنكّر منها عرفها فأهليها

غريبٌ وفيها الأجنبيُّ أهيلُ

رعى الله أياماً بظلّ جنابها

ونحن بشرقيِّ الأثيل نُزولُ

لياليَ لأعود الرَّبيع يجفّه

ذُبولٌ ولا عود الربوع هزيلُ

بها كنت أصبو والصّبا ليَ مسعد

وصعب الهوى سهلٌ لديَّ ذلولُ

وإذ نحن لا طَرف الوعود عن اللقا

بطيٌّ ولا طَرف السعود كليلُ

نبيت ولا غير العفاف شعارنا

وللأمن من واش عليَّ شمولُ

كروحين في جسم أقاما على الوفا

عفافاً وأبناء العفاف قليلُ

إلى أن تداعى بالفراق فريقكم

ولمَّ بكم حادٍ وأمَّ دليلُ

تقاضى الهوى منِّي فما لضلاله

مَقيلٌ ولا ممّا جناهُ مُقيلُ

فحسبيَ إذ شطّت بكم غربة النوى

علاج نحولٍ لا يكاد يحولُ

أروم بمعتلِّ الصِّبا برء علّتي

وأعجب ما يشفي العليل عليلُ

لعلَّ الصبا إن شطّت الدار أودنا

مثالكمُ أو عزَّ منك مَثيلُ

____________________

١ - هدر الحمام: قرقر وكرر صوته في حنجرته. الهديل: صوت الحمام.

٣٩٦

أحيّ الحيا إن شطَّ من صوب أرضكم

بناديه من لمع البروق زميلُ

تمرُّ بنا في الليل وهناً بريّها

يُبلّ(١) غليلٌ أو يَبلّ(٢) عليلُ

سرى وبريق الثغر وهناً كأنَّما

لديَّ بريق الثغر منك بديلُ

وأنشأ شمال الغور لي منك نشوةً

عساه لمعتلِّ الشمال شَمولُ(٣)

أمتّهمٌ قلبي من البين سلوةً

ومتهمةٌ(٤) في الرَّكب ليس تؤلُ

أغرّك إنِّي ساتر عنك لوعة

لها ألمٌ بين الضلوع دخيلُ

فلا تحسبي إنِّي تناسيت عهدكم

ولكنَّ صبري يا أميم جميلُ

ثقي بخليلٍ لا يغادر خلّه

بغدر ولا يثنيه عنك عذولُ

جميل خلالٍ لا يُراع خليله

إذا ريع في جنب الخليل خليلُ

خليقٌ بأفعال الجميل خلاقه

وكلُّ خليق بالجميل جميلُ

يزين مقال الصِّدق منه فعاله

وما كلُّ قوّالٍ لديك فعولُ

غضيضٌ إذا البيض الحسان تأوَّدت

لهنَّ قدودٌ في الغلائل ميلُ

ففي الطرف دون القاصرات تقاصرٌ

وفي الكفِّ من طَول المكارم طُولُ

أما وعفافٌ لا يدنِّسه الخنا

وسرّ عتاب لم يزله مزيلُ

لأنت لقلبي حيث كنت مسرَّةٌ

وأكرم مسؤول لديَّ وسؤلُ

يقصّر آمالي صدودك والقِلى

وينشرها منك الرَّجا فتطولُ

وتعلق آمالي غروراً بقربكم

كما غرَّ يوماً بالطفوف قتيل

قتيلٌ بكت حزناً عليه سمائها

وصبَّ لها دمعٌ عليه همولُ

وزلزلت الأرض البسيط لفقده

وريع له حزنٌ بها وسهولُ

أأنسى حسيناً للسهام رميّةً

وخيل العدى بغياً عليه تجولُ؟

أأنساه إذ ضاقت به الأرض مذهباً؟

يشير إلى أنصاره ويقولُ

: أُعيذكمُ بالله أن تردوا الرَّدى

ويطمع في نفس العزيز ذليل

____________________

١ - البلة: الندوة.

٢ - بل من مرضه. برئ.

٣ - الشمول: الخمر أو الباردة منها.

٤ - من أتهم أي أتى تهامة أو نزل فيها.

٣٩٧

ألا فاذهبوا فاليل قد مدَّ سجفه

وقد وضحت للسالكين سبيلُ

فثاب إليه قائلاً كلُّ أقيل

نمته إلى أزكى الفروع أُصولُ

يقولون والسّمر اللدان شوارعٌ

وللبيض من وقع الصّفاح صليلُ

: أنُسلم مولانا وحيداً إلى العدى

وتسلم فتيانٌ لنا وكهولُ؟

ونعدل خوف الموت عن منهج الهدى؟

وأين عن العدل الكريم عدولُ؟

نودُّ بأن نبلى وننشر للبلى

مراراً ولسنا عن علاك نحولُ

وثاروا لأخذ الثار قدما كأنّهم

أُسودٌ لها بين العرين شبولُ

مغاوير عرس عرسها يوم غارة

لها الخط في يوم الكريهة غيلُ

حماةٌ إذا ما خيف للثغر جانبُ

كماةٌ على قبِّ الفحول فحولُ

ليوثٌ لها في الدار عين وقايعٌ

غيوثٌ لها للسائلين سيولُ

أدلَّتها في الليل أضواء نورها

وفي النّقع أضواءُ السيوف دليلُ

يأمُّ بها قصد المغالب أغلب

فروسٌ لأشلاء الكماة أكولُ؟

له الخطّ كوب والجماجم أكؤس

لديه وآذيُّ الدِّماء شمولُ

يرى الموت لا يخشاه والنبل واقعٌ

ولا يختشي وقع النبال نبيلُ

صؤولٌ إذا كرَّ الكميُّ مناجزٌ

بليغُ إذا فاه البليغ قؤولُ

له من عليّ في الخطوب شجاعةٌ

ومن أحمد عند الخطابة قيلُ

إذا شمخت في ذروة المجد هاشمٌ

فعمَّاه منها جعفرٌ وعقيلُ

كفاه علوّاً في البريّة أنَّه

لأحمد والطّهر البتول سليلُ

فما كلُّ جدٍّ في الرِّجال محمّدٌ

ولا كلُّ أُمٍّ في النساء بتولُ

حسينٌ أخو المجد المنيف ومن له

فخارٌ إذا عُدَّ الفخار أثيلُ

أرى الموت عذباً في لهاك وصابه

لغيرك مكروه المذاق وبيلُ

فما مرَّ ذو باس إلى مرِّ باسه

على مهل إلّا وأنت عجولُ

: كأنَّ الأعادي حين صلت مبارزاً

كثيبٌ ذرته الرِّيح وهو مهيلُ

وما نهل الخطيُّ منك ولا الظبا

ولا علَّ إلّا وهو منك عليلُ

بنفسي وأهلي عافر الخطِّ حوله

لدي الطف من آل الرَّسول قبيل

٣٩٨

كأنّ حسيناً فيهمُ بدر هالة

كواكبها حول السماك حلولُ

قضى ظامياً والماء طامٍ تصدّه

شرار الورى عن ورده ونغولُ

وحزَّ وريد السِّبط دون وروده

وغالته من أيدى الحوادث غولُ

وآب جواد السِّبط يهتف ناعياً

وقد ملأ البيداء منه صهيلُ

فلمّا سمعن الطاهرات نعيَّه

لراكبه والسَّرج منه يميلُ

برزن سليبات الحليِّ ثوادباً

لهنَّ على الندب الكريم عويلُ

بنفسي أُخت السِّبط تعلن ندبها

على ندبها محزونةً وتقولُ

: أخي يا هلالاً غاب بعد طلوعه

وحاق به عند الكمال أُفولُ

أخي كنت شمساً يكسف الشمس

نورها ويخسأ عنها الطرف وهو كليلُ

وغصناً يروق الناظرين نضارةً

تغشّاه بعد الإخضرار ذبولُ

وربعاً يمير الوافدين ربيعه

تعاهده غبّ العهاد مُحولُ

وعضباً رماه الدهر في دار غربة

وفي غربه للمرهفات(١) فلولُ

وضرغام غيل غيل من دون عرسه

ومخلبه ماضي الغرار(٢) صقيلٌ

فلم أر دون الخدر قبلك خادراً

له بين أشراك الضباع حصولُ

أصبت فلا ثوب المآثرَ صَيّبٌ

ولا في ظلال المكرمات مقيلُ

ولا الجود موجودٌ ولا ذو حميَّة

سواك فيحمى في حماه نزيلُ

ولا صافحت منك الصفاح محاسناً

ولا كاد حسن الحال منك يحولُ

ولا تربت منك الترائب في البلا

ولا غالها في القبر منك مغيلُ

لتنظرنا من بعد عزٍّ ومنعة

تلوح علينا ذلَّة وخمولُ

تعالج سلب الحلي عنّا علوجها

وتحكم فينا أعبدٌ ونغولُ

وتبتزُّ أهل اللبس عنّا لباسنا

وتُننزع أقراطٌ لنا وحجولُ

ترى أوجهاً قد غاب عنها وجيهها

وأعوزها بعد الكفاة كفيلُ

____________________

١ - العضب: السيف القاطع، والرجل الحديد الكلام. الغرب: الحدة. المرهف: المحدد المرقق الحد.

٢ - الغرار: حد السيف.

٣٩٩

سوافر بين السفر في مهمه الفلا

لنا كلّ يوم رحلةٌ ونزولُ

تزيد خفوقاً يا بن أمّ قلوبنا

إذا خفقت للظالمين طبولُ

فيا لك عيناً لا تجفُّ دموعها

وناراً لها بين الضلوع دخيلُ

أيقتل ظمآنا حسينٌ وجدُّه

إلى الناس من ربِّ العباد رسولُ

ويمنع شرب الماء والسرب آمنٌ

على الشرب منها صادرٌ ونهولُ

وآل رسول الله في دار غربة

وآل زياد في القصور نزولُ

وآل عليٍّ في القيود شواحبٌ

إذا أنَّ مأسورٌ بكته ثكولُ

وآل أبي سفيان في عزِّ دولة

تسير بهم تحت البنود خيولُ

مصابٌ أُصيب الدين منه بفادح

تكاد له شمُّ الجبال تزولُ

عليك ابن خير المرسلين تأسّفي

وحزني وإن طال الزَّمان طويلُ

جللت فجل الرزؤ فيك على الورى

كذا كلُّ رزؤ للجليل جليلُ

فليس بمجد فيك وجدي ولا البكا

مفيدٌ ولا الصَّبر الجميل جميلُ

إذا خفّ حزن الثاكلات لسلوةٍ

فحزني على مرِّ الدهور ثقيلُ

وإن سأم الباكون فيك بكاؤهم

ملالاً فإنِّي للبكاء مُطيلُ

فما خفَّ من حزني عليك تأسّفي

ولا جفَّ من دمعي عليك مسيلُ

وينكر دمعي فيك من بات قلبه

خليّاً وما دمع الحليِّ هطولُ

وماهي إلّا فيك نفسٌ نفيسة

يحلّلها حرُّ الأسى فتسيلُ

تباين فيك القائلون فمعجبٌ

كثيرٌ وذو حزن عليك قليل

فأجرُ بني الدنيا عليك لشأنهم

دنيٌّ وأجر المخلَصين جزيلُ

فإن فاتني إدراك يومك سيِّدي

وأخَّرني عن نصر جيلك جيلُ

فلي فيك أبكارٌ لوفق جناسها

أصولٌ بها للشامتين نُصولُ

لها رقّة المحزون فيك وخطبها

جسيمٌ على أهل النفاق مَهولُ

يهيم بها سرُّ الوليِّ مسرَّة

وينصب منها ناصبٌ وجَهولُ

لها في قلوب الملحدين عواسلٌ

ووقع نصول ما لهنَّ نصولُ

٤٠٠