الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٦

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 403

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 403
المشاهدات: 134964
تحميل: 7296


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 134964 / تحميل: 7296
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 6

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

عن المشكلات فيجيبه فتقول له جماعته: مالك تجيب عدوَّنا؟ فيقول: أما يكفيكم أنّه يحتاج إلينا؟ ووقع له فكُّ مشكلات مع سيِّدنا عمر، فقال: ما أبقاني الله إلى أن أدرك قوماً ليس فيهم أبو الحسن، أو كما قال، فقد طلب أن لا يعيش بعده، ثمَّ ذكر قضايا منها حديث اللّطم(١) وحديث قد أمر سيِّدنا عمر برجم زانية «يأتي بتمامه» فقال سيِّدنا عمر: لولا عليٌّ لهلك عمر.

وقال المناوي في فيض القدير ٤ ص ٣٥٦: عليٌّ عيبة علمي. أي: مظنّة استفصاحي وخاصِّتي، وموضع سرّي، ومعدن نفائسي، والعيبة ما يحرز الرَّجل فيه نفائسه قال ابن دريد: وهذا من كلامه الموجز الذي لم يسبق ضرب المثل به في إرادة اختصاصه بأموره الباطنة التي لا يطَّلع عليها أحدٌ غيره، وذلك غايةٌ في مدح عليّ، وقد كانت ضمائر أعدائه منطوية على اعتقاد تعظيمه، وفي شرح الهمزية: إنَّ معاوية كان يُرسل يسأل عليّاً عن المشكلات فيجيبه فقال أحد بنيه: تجيب عدوَّك؟ قال: أما يكفينا أن احتاجنا وسألنا؟.

١١ - أنا مدينة الفقه وعليٌّ بابها، ذكره أبو المظفَّر سبط ابن الجوزي في التذكرة ص ٢٩: وأخرجه ابن بطّة العكبري بإسناده عن سلمة بن كهيل عن عبد الرَّحمن عن علىّ، وأبو الحسن علي بن محمّد الشهير بابن عراق في تنزيه الشريعة.

____________________

١ - أخرجه محب الدين الطبري في الرياض النضرة ٢ ص ١٩٦، ١٩٧.

٨١

ما عشت أراك الدهر عجبا

ما عساني أن أقول في مثقّف يحسب نفسه فقيهاً من فقهاء الإسلام وبين يديه هذه الأحاديث وأمثالها الجمّة من الصِّحاح والحسان المذكورة في الجزء الثالث صحيفة ٩٥ - ١٠٠ وما أسلفناه هنا وهناك من كلمات الصّحابة ومن إجماع الأُمّة الإسلاميّة جمعاء على وراثة أمير المؤمنين عليه السلام علم النبيِّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم فيصفح عن تلكم النصوص كلّها، ويرى في الأُمّة من الصَّحابة وحتَّى اليوم مَن هو أعلم من أمير المؤمنين.

ما عساني أن أقول في رجل يؤلِّف كتاباً من المخاريق والمخازي ويسمِّيه [الوشيعة] غير مكترث لمغبّة مساءته، ولا متحاش عن كشف سوءته؟ بل يتبهّج ويتبجّح عند قومه بالردِّ على الشيعة، ولم يدر المغفَّل أنَّه شوَّه سمعتهم، وسوَّد صحيفة تاريخهم بتلك الوقيعة بالوشيعة، غير شاعر بأنَّ بحّاثة التنقيب سيميط الستر عن أكاذيبه وتقوّلاته، ويسمه بسمة العار، ووسمة الشنار.

قال: كان عمر أفقه الصّحابة وأعلم الصّحابة في زمنه على الإطلاق، وإنّما كان أعرف الفقهاء بمواقع السنن والقرآن الكريم، وكان مدَّة عمره في جميع أُموره يعمل بالكتاب والسنَّة، وكان يعرف مواقع السّنن ويفهم معاني الكتاب.«ن‌ط».

هذه الجمل الأربع التقطناها من سفاسفه المعنونة ب‍ «الخلافة الراشدة» من صحيفة «ون - ه‍ س» ونحن لا ننكر لعمر بن الخطاب فقهاً ولا علماً شأن كلِّ مسلم عاصر النبيَّ الأعظم وعاشره إن لم يُلهه عنه الصّفق بالأسواق، وإنّا نودّ أن نعرِّفه - إن وسعنا - بما وصفه الرَّجل بعد ما عُرف في الملأ بالخلافة الراشدة، ومن حملة ذلك العبء الثقيل: غير أنَّ ما حفظته غضون الكتب والمعاجم لا يتّفق مع هذه المزعمة، والتاريخ الصّحيح يوجِّهنا إلى غير شطر ولّى الرَّجل إليه وجهه، ويبعَدنا عن محسبته بُعد المشرقين، ويُسمعنا قول الخليفة نفسه من وراء ستر رقيق: كلُّ الناس أفقه من عمر حتّى ربّات الحجال(١) فنحن نقدِّم إلى رُوّاد الحقيقة آثاراً تُعرِّف مهيع الطريق، وتُعرب عن جليّة الحال.

____________________

١ - سيوافيك حديثه.

٨٢

نوادر الأثر في علم عمر

١

رأي الخليفة في فاقد الماء

أخرج الإمام مسلم في صحيحه في باب التيمّم بأربعة طرق عن عبد الرَّحمن بن أبزي: إنَّ رجلاً أتى عمر فقال: إنّي أجنبت فلم أجد ماءً؟ فقال عمر: لا تصلِّ. فقال عمّار: أما تذكر يا أمير المؤمنين! إذ أنا وأنت في سريَّة فأجنبنا فلم نجد ماءً فأمّا أنت فلم تصلِّ، وأمَّا أنا فتمعّكت في التراب وصلّيت، فقال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: إنَّما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثمَّ تنفخ ثمَّ تمسح بهما وجهك وكفَّيك؟ فقال عمر: إتَّق الله يا عمّار! قال: إن شئت لم أُحدِّث به؟.

وفي لفظ: قال عمَّار: يا أمير المؤمنين! إن شئت لِما جعل الله عليَّ من حقِّك أن لا أُحدِّث به أحداً؟ ولم يذكر.

سنن أبي داود ١ ص ٥٣. سنن إبن ماجة ١ ص ٢٠٠. مسند أحمد ٤ ص ٢٦٥. سنن النسائي ١ ص ٥٩، ٦١. سنن البيهقي ١ ص ٢٠٩.

صورة أخرى:

كنّا عند عمر فأتاه رجلٌ فقال: يا أمير المؤمنين! إنَّما نمكث الشهر والشهرين و لا نجد الماء؟ فقال عمر: أمّا أنا فلم أكن لأُصلّي حتّى أجد الماء. فقال عمّار: يا أمير المؤمنين تذكر حيث كنّا بمكان كذا ونحن نرعى الإبل فتعلم إنّا أجنبنا؟ قال: نعم، قال: فإنّي تمرَّغت في التراب فأتيت النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم فحدَّثته فضحك وقال: كان الطيَب كافيك وضرب بكفَّيه الأرض ثمَّ نفخ فيهما ثمَّ مسح بهما وجهه وبعض ذراعه؟ قال: اتَّق الله يا عمّار، قال يا أمير المؤمنين! إن شئت لم أذكره ما عشت أو ما حييت؟ قال: كلّا والله ولكن نولّيك من ذلك ما تولّيت.

مسند أحمد ٤ ص ٣١٩. سنن أبي داود ١ ص ٥٣. سنن النسائي ١ ص ٦٠.

٨٣

تحريف وتدجيل

هذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه ١ ص ٤٥ في باب: المتيمّم هل ينفخ فيهما، وفي أبواب بعده غير أنَّه راقه أن يحرِّفه صوناً لمقام الخليفة فحذف منه جواب عمر - لا تصلِّ - أو: - أمّا أنا فلم أكن لأُصلّي ذاهلاً عن أنَّ كلام عمّار عندئذ لا يرتبط بشئ، ولعلَّ هذا عند البخاري أخفُّ وطئة من إخراج الحديث على ما هو عليه.

وذكره البيهقي محرَّفاً في سننه الكبرى ١ ص ٢٠٩ نقلاً عن الصحيحين، وأخرجه النسائي في سننه ١ ص ٦٠ وفيه مكان جواب عمر: فلم يدر ما يقول. وأخرجه البغوي في المصابيح ١ ص ٣٦ وعدَّه من الصِّحاح غير أنَّه حذف صدر الحديث وذكر مجئ عمّار إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فحسب.

وذكره الذهبي في تذكرته ٣ ص ١٥٢ محرَّفاً وأردفه بقوله: قال بعضهم: كيف ساغ لعمّار أن يقول مثل هذا فيحلّ له كتمان العلم؟ والجواب: إنَّ هذا ليس من كتمان العلم فإنَّه حدَّث به واتَّصل ولله الحمد بنا، وحدَّث في مجلس أمير المؤمنين، وإنَّما لاطف عمر بهذا لعلمه بأنَّه كان ينهى عن الإكثار من الحديث خوف الخطأ، ولئلّا يتشاغل الناس به عن القرآن.

قال الأميني: هناك شئٌ هام أمثال هذه الكلمات المزخرفة والأبحاث الفارغة المعدَّة لتعمية البسطاء من القرّاء عمّا في التاريخ الصَّحيح، ليت شعري ما أغفلهم عن قول عمر: لا تصلِّ - أو: - أمّا أنا فلم أكن لأُصلّي؟! يقوله وهو أمير المؤمنين والمسئلة سهلةٌ جدّاً عامَّة البلوى شايعةٌ. وما أغفلهم عن قوله لعمّار: اتَّق الله يا عمّار؟ وعن تركه الصَّلاة يوم أجنب في السريَّة بعد ما جاء الإسلام بالطَّهورين؟ وعن جهله بآية التيمّم وحكم القرآن الكريم؟ وعن غضِّه البصر عن تعليم النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم عمّاراً بكيفيَّة التيمّم؟ ما أذهلهم عن هذه الطامّات الكبرى وأشغلهم بعمّار وكلمته؟ نعم الحبُّ يُعمي ويُصمّ، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلُّ سبيلا.

ويظهر من العيني في عمدة القاري ٢ ص ١٧٢، وإبن حجر في فتح الباري ١ ص ٣٥٢ ثبوت تينك الفقرتين(١) من لفظ عمر في الحديث ولذلك جعلاه مذهباً له، قال العيني:

____________________

١ - أعني قول عمر: لا تصل. وقوله: أما أنا فلم أكن لأصلي حتّى أجد الماء.

٨٤

فيه [يعني في الحديث] أنَّ عمر رضي الله عنه لم يكن يرى للجنب التيمّم لقول عمّار له: فأمّا أنت فلم تصلِّ، وقال: إنَّه جعل آية التيمّم مختصَّة بالحدث الأصغر و أدّى إجتهاده إلى أنَّ الجنب لا يتيمّم.

وقال إبن حجر: هذا مذهبٌ مشهورٌ عن عمر.

يُعرب الحديث عن أنَّ هذا الإجتهاد من الخليفة كان في حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو أعجب شئ طرق أُذن الدهر، كيف أكمل الله دينه ومثل مسئلة التيمّم العامَّة البلوى كانت غير معلومة في حياة النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وبقي فيها مجالاً لمثل الخليفة أن يجهل بها أو يجتهد فيها؟ وكيف فتح باب الإجتهاد بمصراعيه على الأُمَّة مع وجوده صلى الله عليه وآله وسلم بين ظهرانيها؟.

فهلّا سأل الرَّجل رسول الله بعد ما خالفه عمّار، ورآه يتمعَّك بالتراب فيصلّي؟.

وهلّا أخبره عمّار يوم أجنبا بما علَّمه رسول الله من هديه وسنّته في التيمّم؟

وهلّا علم رسول الله ترك عمر الصَّلاة - وهي أهم الفرايض وأكملها - مهما أجنب ولم يجد الماء وأخبره بما جاء به الإسلام وقرّر في شرعه المقدَّس؟

وهلّا سأل عمر بعده صلّى الله عليه وآله وسلّم رجالاً خالفوه في رأيه هذا مثل عليّ أمير المؤمنين وإبن عبّاس وأبي موسى الأشعري والصَّحابة كلّهم غير عبد الله بن مسعود؟

وهل كان عمل أُولئك القائلين بالتيمّم على الجنب الفاقد للماء اتِّباعاً للسنَّة الثابتة المسموعة من رسول الله؟ أو كان مجرَّد رأي وإجتهاد أيضاً لدة إجتهاد الخليفة؟

وهلّا كان الخليفة يثق بعمّار يوم أخبره عن سنَّة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فلم يعدل عن رأيه؟ ولم ير إبن مسعود أنَّ عمر قنع بقول عمّار(١) .

وهل خفي على الخليفة ما أخرجه البخاري في صحيحه عن عمران بن الحصين؟ قال: إنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلاً معتزلاً لم يصلِّ في القوم فقال: يا فلان ما منعك أن تصلّي في القوم؟ فقال: يا رسول الله أصابتني جنابةٌ ولا ماء، فقال: عليك بالصعيد فإنَّه يكفيك(٢)

____________________

١ - صحيح البخاري، صحيح مسلم، سنن البيهقي ١ ص ٢٢٦، تيسير الوصول ٣ ص ٩٧.

٢ - صحيح البخاري ١ ص ١٢٩، صحيح مسلم، مسند أحمد ٤ ص ٤٣٤، سنن النسائي ١ ص ١٧١، سنن البيهقي ١ ص ٢١٩، تيسير الوصول ٣ ص ٩٨.

٨٥

وهل عزب عنه ما رواه سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة؟ قال: جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إنّا نكون في الرّمل وفينا الحائض والجنب والنفساء فيأتي علينا أربعة أشهر لا نجد الماء؟ قال: عليك بالتراب يعني التيمّم.

وفي لفظ آخر: إنَّ أعراباً أتوا النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله إنّا نكون في هذه الرّمال لا نقدر على الماء ولا نرى الماء ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر وفينا النفساء والحائض والجنب؟ قال: عليكم بأرض.

وفي لفظ الأعمش: جاء الأعراب إلى النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: إنّا نكون بالرَّمل ونعزب عن الماء الشهرين والثلاثة وفينا الجنب والحائض؟ فقال: عليكم بالتراب(١) .

وهل ذهب عليه ما أخبر به أبوذر من السنَّة؟ قال: كنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة فاُصلّي بغير طهور فأتيت النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم بنصف النهار وهو في رهط من أصحابه وهو في ظلِّ المسجد فقال: أبوذر؟ فقلت: نعم هلكت يا رسول الله! فقال: وما أهلكك؟ قال: إنّي كنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة فاُصلّي بغير طهور فأمر لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بماء فجاءت به جاريةٌ سوداء بعسّ يتخضخض ما هو بملآن فتستَّرتُ إلى بعيري فاغتسلت ثمَّ جئت فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا أباذر إنَّ الصعيد الطيِّب طهورٌ وإن لم تجد الماء إلى عشر سنين فإذا وجدت الماء فامسسه جلدك(٢) .

م - وهلّا قرع سمعه حديث الأسقع؟ قال: كنت اُرحِّل للنبيِّ صلّى الله عليه وسلّم فأصابتني جنابةٌ فقال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: رحِّل لنا يا أسقع. فقلت: بأبي أنت وأُمّي أصابتني جنابة وليس في المنزل ماءٌ. فقال: تعال يا أسقع! أُعلّمك التيمّم مثل ما علّمني جبرئيل، فأتيته فنحاني عن الطريق قليلاً فعلّمني التيمّم].(٣)

وقبل كلِّ شئ آيتا التيمّم إحديهما في سورة النساء آية ٤٣ وهي قوله:

( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى‏ حَتّى‏ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتّى‏ تَغْتَسِلُوا وَإِن كُنتُم مَرْضَى‏ أَوْ عَلَى‏ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ

____________________

١ - سنن البيهقي ١ ص ٢١٦، ٢١٧.

٢ - سنن البيهقي ١ ص ٢١٧، ٢٢٠.

٣ - تاريخ الخطيب البغدادي ٨ ص ٣٧٧.

٨٦

مِنكُم مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمّمُوا صَعِيداً طَيّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً ) .

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: أنزلت هذه الآية إذا أجنب فلم يجد الماء تيمَّم وصلّى حتّى يدرك الماء فإذا أدرك الماء اغتسل(١) .

والآية الثانية في سورة المائدة آية ٦ وهي قوله:

( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطّهّرُوا وَإِن كُنتُم مَرْضَى‏ أَوْ عَلَى‏ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنكُم مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمّمُوا صَعِيداً طَيّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِنْهُ ) .

فإنَّ المراد من الملامسة في آية النساء هو الجماع لا محالة كما عن أمير المؤمنين وابن عبّاس وأبي موسى الأشعري وتبعهم في ذلك الحسن وعبيدة والشعبي وآخرون و هذا مذهب كلِّ من نفى الوضوء بمسِّ المرأة كأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمَّد وزفر والثوري والأوزاعي وغيرهم. وذلك أنَّ المولى سبحانه أسلف بيان حكم الجنب عند وجدان الماء بقوله: حتّى تغتسلوا. وقوله: فاطَّهروا. ثمّ شرع في صور حكم عدم التمكّن من استعمال الماء لمرض أو سفر أو فقدانه واستطرد هنا ذكر الحدث الأصغر بقوله: أو جاء أحدٌ منكم من الغايط. فنوَّه بذكر الجنابة بقوله: أو لامستم النِّساء. ولو أُريد به غير الجماع لكان مختزلاً عمّا قبله. وعبّر عن الجماع باللمس المرادف للمسِّ(٢) الذي أُريد به الجماع فحسب في قوله تعالى:( لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلّقْتُمُ النّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسّوهُنّ ) . وقوله تعالى:( وَإِن طَلّقْتُمُوهُنّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسّوهُنّ ) . وقوله تعالى:( ثُمّ طَلّقْتُمُوهُنّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسّوهُنّ ) .

ولغير واحد من فقهاء القوم وأئمَّتهم كلماتٌ ضافيةٌ في المقام تكشف عن جليّة الحال نقتصر منها بكلمة الإمام أبي بكر الجصّاص الحنفي المتوفّى ٣٧٠ قال في أحكام القرآن ٢ ص ٤٥٠ - ٤٥٦:

____________________

١ - سنن البيهقي ١ ص ٢١٦.

٢ - راجع معاجم اللغة.

٨٧

أمّا قوله تعالى:( أَوْ لاَمَسْتُمُ النّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمّمُوا صَعِيداً ) فإنَّ السّلف قد تنازعوا في معنى الملامسة المذكورة في هذه الآية فقال عليٌّ وابن عبّاس وأبو موسى والحسن وعبيدة والشعبي: هي كنايةٌ عن الجماع وكانوا لا يوجبون الوضوء لمن مسَّ امرأته. وقال عمر وعبد الله بن مسعود: المراد اللمس باليد وكانا يوجبان الوضوء بمسِّ المرأة ولا يريان للجنب أن يتيمّم، فمن تأوّله من الصَّحابة على الجماع لم يوجب الوضوء من مسِّ المرأة ومن حمله على اللمس باليد أوجب الوضوء من مس المرأة ولم تجز التيمّم للجنب.

ثمَّ أثبت عدم نقض الوضوء بمسِّ المرأة على كلِّ حال لشهوة أو لغير شهوة بالسنَّة النبويَّة فقال: اللّمس يحتمل الجماع على ما تأوَّله عليٌّ وابن عبّاس وأبو موسى. و يحتمل اللّمس باليد على ما روي عن عمر وعبد الله بن مسعود، فلمَّا روي عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنَّه قبَّل بعض نسائه ثمَّ صلّى ولم يتوضّأ. أبان ذلك عن مراد الله تعالى.

ووجه آخر يدلّ على أن المراد منه الجماع وهو أنَّ اللّمس وإن كان حقيقة للمسِّ باليد فإنَّه لما كان مضافاً إلى النّساء وجب أن يكون المراد منه الوطئ كما أنَّ الوطئ حقيقته المشي بالاقدام فإذا أُضيف إلى النِّساء لم يعقل منه غير الجماع، كذلك هذا ونظيره قوله تعالى( وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ ) ، يعني من قبل أن تجامعوهنَّ.

وأيضاً فإنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أمر الجنب بالتيمم في أخبار مستفيضة ومتى ورد عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم حكم ينتظمه لفظ الآية وجب أن يكون فعله إنّما صدر عن الكتاب كما أنّه قطع السارق وكان في الكتاب لفظ يقتضيه كان قطعه معقولاً بالآية وكسائر الشرايع التي فعلها النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم ممّا ينطوي عليه ظاهر الكتاب.

ويدلُّ على أنَّ المراد الجماع دون لمس اليد إنَّ الله تعالى قال:( إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) . إلى قوله:( وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطّهّرُوا ) . أبان به عن حكم الحدث في حال وجود الماء ثمَّ عطف عليه قوله:( وَإِن كُنتُم مَرْضَى‏ أَوْ عَلَى‏ سَفَرٍ ) . إلى قوله:( فَتَيَمّمُوا صَعِيداً طَيّباً ) . فأعاد ذكر حكم الحدث في حال عدم الماء فوجب أن يكون قوله:( أَوْ لاَمَسْتُمُ النّسَاءَ ) على الجنابة لتكون الآية منتظمة لهما مبيِّنة لحكمهما في حال وجود الماء وعدمه، ولو كان المراد اللَّمس باليد لكان ذكر التيمّم مقصوراً على حال الحدث

٨٨

دون الجنابة غير مفيد لحكم الجنابة في حال عدم الماء، وحمل الآية على فائدتين أولى من الاقتصار بها على فائدة واحدة، وإذا ثبت أنَّ المراد الجماع إنتفى اللّمس باليد لما بيَّنا من امتناع إرادتهما بلفظ واحد.

فإن قيل: إذا حمل على اللّمس باليد كان مفيداً لكون اللَّمس حدثاً وإذا جعل مقصوراً على الجماع لم يُفد ذلك، فالواجب على قضيّتك في اعتبار الفائدتين حمله عليهما جميعاً فيفيد كون اللَّمس حدثاً، ويفيد أيضاً جواز التيمّم للجنب، فإن لم يجز حمله على الأمرين لما ذكرت من اتّفاق السَّلف على أنَّهما لم يرادا ولإمتناع كون اللفظ مجازاً وحقيقةً أو كنايةً وصريحاً، فقد ساويناك في إثبات فائدة مجدَّدة بحمله على اللَّمس باليد مع استعمالنا حقيقة اللفظ فيه، فما جعلك إثبات فائدة من جهة إباحة التيمّم للجنب أولى ممَّن أثبت فائدته من جهة كون اللّمس باليد حدثاً؟.

قيل له: لأنَّ قوله تعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصّلاَةِ) مفيدٌ لحكم الأحداث في حال وجود الماء ونصٌّ مع ذلك على حكم الجنابة، فالأولى أن يكون ما في نسق الآية من قوله: (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنكُم مِنَ الْغَائِطِ - إلى قوله:أَوْ لاَمَسْتُمُ النّسَاءَ) . بياناً لحكم الحدث والجنابة في حال عدم الماء، كما كان في أوَّل الآية بياناً لحكمهما في حال وجوده، وليس موضع الآية في بيان تفصيل الأحداث، وإنَّما هي في بيان حكمها وأنت متى حملت اللّمس على بيان الحدث فقد أزلتها عن مقتضاها وظاهرها فلذلك كان ما ذكرناه أولى؟

ودليل آخر على ما ذكرناه من معنى الآية وهو أنَّها قد قرئت على وجهين: أو لامستم النّساء. ولمستم. فمن قرأ: أو لامستم. فظاهره الجماع لا غير، لأنَّ المفاعلة لا تكون إلّا من اثنين إلّا في أشياء نادرة كقولهم: قاتله الله وجازاه وعافاه الله ونحو ذلك، وهي أحرفٌ معدودةٌ لا يُقاس عليها أغيارها، والأصل في المفاعلة إنَّها بين اثنين كقولهم: قاتله، وضاربه، وسالمه، وصالحه، ونحو ذلك، وإذا كان ذلك حقيقة اللفظ فالواجب حمله على الجماع الذي يكون منهما جميعاً، ويدلُّ على ذلك أنَّك لا تقول لامست الرَّجل و لامست الثَّوب إذا مسته بيدك لإنفرادك بالفعل، فدلَّ على أنَّ قوله: أو لامستم. بمعنى أو جامعتم النِّساء فيكون حقيقته الجماع؛ وإذا صحَّ ذلك وكانت قراءة من قرأ:

٨٩

أو لمستم. يحتمل اللّمس باليد ويحتمل الجماع وجب أن يكون ذلك محمولاً على ما لا يحتمل إلّا معنى واحد لأنَّ ما لا يحتمل إلّا معنى واحداً فهو المحكم، وما يحتمل معنيين فهو المتشابه، وقد أمرنا الله تعالى بحمل المتشابه على المحكم وردِّه إليه بقوله: (هُوَ الّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنّ أُمّ الْكِتَابِ) . الآية. فلمّا جعل المحكم أُمّاً للمتشابه فقد أمرنا بحمله عليه، وذمَّ متّبع المتشابه باقتصاره على حكمه بنفسه دون ردِّه إلى غيره بقوله: (فَأَمّا الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ) . فثبت بذلك أنَّ قوله «أو لمستم» لما كان محتملاً للمعنيين كان متشابهاً وقوله «أو لامستم» لما كان مقصوراً في مفهوم اللسان على معنى واحد كان محكماً، فوجب أن يكون معنى المتشابه مبيّناً عليه.

ويدلّ على أن اللّمس ليس بحدث: أنَّ ما كان حدثاً لا يختلف فيه الرِّجال والنِّساء ولو مسّت امرأة امرأة لم يكن حدثاً، كذلك مسُّ الرَّجل إيّاها(١) وكذلك مسُّ الرَّجل الرَّجل ليس بحدث. فكذلك مسُّ المرأة. ودلالة ذلك على ما وصفنا من وجهين: أحدهما إنّا وجدنا الأحداث لا تختلف فيها الرِّجال والنِّساء فكلّ ما كان حدثاً من الرَّجل فهو من المرأة حدثٌ، وكذلك ما كان حدثاً من المرأة فهو حدثٌ من الرَّجل، فمن فرَّق بين الرَّجل والمرأة فقوله خارجٌ عن الأُصول، ومن جهة أخرى: أنَّ العلّة في مسِّ المرأة المرأة والرَّجل الرَّجل إنّه مباشرةٌ من غير جماع فلم يكن حدثاً كذلك الرَّجل والمرأة. ا ه‍.

فترى بعد هذه كلّها أنَّ رأي الخليفة شاذٌّ عن الكتاب والسنّة الثابتة وإجماع الأُمَّة، وإجتهادٌ محضٌ تجاه النصوص المسلّمة، ولذلك خالفته الأُمّة الإسلاميّة جمعاء من يومها الأوَّل حتّى اليوم، وأصفقت على وجوب التيمّم على الجنب الفاقد للماء ولم يتّبعه فيما رآه أحدٌ إلّا عبد الله بن مسعود - إن صحَّت النسبة إليه -.

ويظهر من صحيحة الشيخين - البخاري ومسلم - عن شقيق أنَّ الإجتهاد المذكور في آيتي التيمّم والتأويل في قوله [أو لامستم] كما ذكر من مختلفات التابعين ومن بعدهم، وكان مفاد الآيتين متّفقاً عليه عند الصّحابة ولم يكن قطُّ اختلاف بينهم فيه وإنّما كره

____________________

١ - يعني ليس بحدث بالنسبة إلى المرأة.

٩٠

عمر وتابِعه الوحيد التيمّم للجنب الفاقد للماء لغاية أُخرى.

قال شقيق: كنت بين عبد الله بن مسعود وأبي موسى رضي الله عنهما فقال أبو موسى: أرأيت يا أبا عبد الرَّحمن؟ لو أنَّ رجلاً أجنب فلم يجد الماء شهراً كيف يصنع بالصّلاة؟ فقال لا يتيمّم وإن لم يجد الماء شهراً. فقال أبو موسى: كيف بهذه الآية في سورة المائدة( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمّمُوا صَعِيداً طَيّباً ) ؟ قال عبد الله: لو رُخّص لهم في هذا الآية لأوشك إذا برد عليهم الماء أن يتيمَّموا بالصّعيد. فقال له أبو موسى: و إنّما كرهتم هذا لذا؟ قال: نعم. فقال أبو موسى لعبد الله: ألم تسمع قول عمّار لعمر رضي الله عنهما: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأجنبت فلم أجد الماء فتمرَّغت في الصعيد كما تتمرَّغ الدابّة ثمَّ أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكرت له ذلك، فقال: إنَّما كان يكفيك أن تصنع هكذا، وضرب بكفّيه ضربةً على الأرض ثمَّ نفضها ثمَّ مسح بها ظهر كفِّه بشماله: وظهر شماله بكفِّه ثمَّ مسح بهما وجهه، فقال عبد الله: أفلم ترَ عمر لم يقنع بقول عمّار؟

صورة أخرى للبخاري:

قال شقيق: كنت عند عبد الله وأبي موسى فقال له أبو موسى: أرأيت يا أبا عبد الله إذا أجنب فلم يجد ماء كيف يصنع؟ فقال عبد الله: لا يصلّي حتّى يجد الماء. قال أبو موسى: فيكف تصنع بقول عمار؟ حين قال له النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: كان يكفيك. قال: أوَلم ترَ أنَّ عمر لم يقنع منه بذلك. فقال له أبو موسى: فدعنا من قول عمّار، كيف تصنع بهذه الآية؟ فما درى عبد الله ما يقول فقال: إنّا لو رخّصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمَّم، فقلت لشقيق: فإنّما كره عبد الله لهذا؟ قال: نعم(١)

ما أرأف هذا القائل بالجنب الفاقد للماء وأشفقه عليه إذا رأى له ترك الصّلاة ولو لم يجد الماء شهراً؟ وما أقساه على من برد عليه الماء وأوشك أن يتيمّم؟ فنهى عن التيمُم شدَّةً على هذا ورأفةً بذاك، فكأنَّ ترك الجنب الفاقد للماء الصّلاة وإعراضه عمّا في الكتاب والسنَّة أخفُّ وطئة عنده مِن تيمّم مَن اتَّخذ البرد عذراً وترك الغسل، وكأنَّه أعرف بصالح المجتمع الدينيِّ من مشرِّع الدِّين لهم، وكأنَّه يرى أنَّ الشارع

____________________

١ - صحيح البخاري ج ١ ص ١٢٨، ١٢٩، صحيح مسلم ١ ص ١١٠، سنن ابن داود ١ ص ٥٣، وفي تيسير الوصول ٣ ص ٩٧: أخرجه الخمسة إلّا الترمذي. سنن البيهقي ١ ص ٢٢٦.

٩١

الأقدس فاتته رعاية ما تنبّه له من المفسدة من التيمّم عند برد الماء فتداركه هذا الفقيه الضليع في الفقاهة برأيه الفطير وحجَّته الداحضة، وكأنَّه وكأنَّه...

٢

الخليفة لا يعرف حكم الشكوك

أخرج إمام الحنابلة أحمد في مسنده ١ ص ١٩٢ بإسناده عن مكحول أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إذا صلّى أحدكم فشكَّ في صلاته فإن شكَّ في الواحدة والثنتين فليجعلها واحدة، وإن شكَّ في الثنتين والثلاث فليجعلها ثنتين، وإن شكَّ في الثلاث والأربع فليجعلها ثلاثاً، حتّى يكون الوهم في الزِّيادة ثمَّ يسجد سجدتين قبل أن يسلّم ثمَّ يسلّم. قال محمّد بن إسحاق: وقال لي حسين بن عبد الله: هل أسنده لك؟ فقلت: لا. فقال: لكنّه حدَّثني أنَّ كريبا مولى ابن عبّاس حدَّثه عن ابن عبّاس قال: جلست إلى عمر بن الخطاب فقال: يا بن عبّاس! إذا اشتبه على الرّجل في صلاته فلم يدر أزاد أم نقص؟ قلت: يا أمير المؤمنين! ما أدري ما سمعت في ذلك شيئاً، فقال عمر: والله ما أدري - وفي لفظ البيهقي -: لا والله ما سمعت منه صلّى الله عليه وسلّم فيه شيئاً ولا سألت عنه. فبينا نحن على ذلك إذ جاء عبد الرَّحمن بن عوف فقال: ما هذا الذي تذكران؟ فقال له عمر: ذكرنا الرَّجل يشكُّ في صلاته كيف يصنع؟ فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول هذا. الحديث.

وفي لفظ آخر

في مسند أحمد:

عن كريب عن ابن عبّاس أنَّه قال له عمر: يا غلام! هل سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو من أحد من أصحابه إذا شكَّ الرَّجل في صلاته ما ذا يصنع؟ قال: فبينا هو كذلك إذ أقبل عبد الرَّحمن بن عوف فقال: فيم أنتما؟ فقال عمر: سألت هذا الغلام هل سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو أحد من أصحابه إذا شكَّ الرَّجل في صلاته ماذا يصنع؟ فقال عبد الرَّحمن: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول إذا شكَّ أحدكم. الحديث(١) .

ألا تعجب من خليفة لا يعرف حكم شكوك الصِّلاة، وهو مَبتلىً بها في اليوم والليلة خمساً؟ ولم يهتمّ بأمرها حتّى يسأل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عنها إلى أن يؤل أمره إلى

____________________

١ - مسند أحمد ١ ص ١٩٠، سنن البيهقي ٢ ص ٣٣٢ بعدة طرق.

٩٢

السؤال عن غلام لا يعرفها أيضاً فينبأه بها عبد الرَّحمن بن عوف، أنا لا أدري كيف كان يفعل وهو بتلك الحال لو شكَّ في صلاة يأمّ فيها المؤمنين؟ وطبع الحال يقضي بوقوع ذلك لكلِّ أحد في عمره ولو دفعات يسيرة، وأنا في بهيتة من الحكم الباتّ بأعلميَّة رجل هذا مبلغ علمه، وهذه سعة اطّلاعه على الأحكام، زهٍ بأُمَّة هذا شأن أعلمها. كبرت كلمةً تخرج من أفواههم إن يقولون إلّا كذباً.

٣

جهل الخليفة بكتاب الله

أخرج الحافظان إبن أبي حاتم والبيهقي عن الدئلي: أنَّ عمر بن الخطاب رُفعت إليه امرأة ولدت لستَّة فهمَّ برجمها، فبلغ ذلك عليّاً فقال: ليس عليها رجمٌ. فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فأرسل إليه فسأله فقال: قال الله تعالى:( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ) . وقال:( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً ) فستَّة أشهر حمله وحولين فذلك ثلاثون شهراً. فخلّى عنها.

وفي لفظ النيسابوري والحافظ الكنجي: فصدَّقه عمر وقال: لولا عليٌّ لهلك عمر. وفي لفظ سبط إبن الجوزي: فخلّى وقال: أللهمَّ لا تبقني لمعضلة ليس لها إبن أبي طالب.

صورة أخرى:

أخرج الحافظ عبد الرزّاق وعبد بن حميد وإبن المنذر بإسنادهم عن الدئلي قال: رفع إلى عمر امرأة ولدت لستَّة أشهر فأراد عمر أن يرجمها فجاءت أختها إلى عليِّ بن أبي طالب فقالت: إنَّ عمر يرجم أُختي فأنشدك الله إن كنت تعلم أنَّ لها عذراً لما أخبرتني به فقال عليٌّ: إنَّ لها عذراً فكبّرت تكبيرةً سمعها عمر ومَن عنده فانطلقت إلى عمر فقالت: إنَّ عليّاً زعم أنَّ لأُختي عذراً فأرسل عمر إلى عليّ ما عذرها؟ قال: إنَّ الله يقول:( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ) . فقال:( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً ) . وقال:( وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ) . وكان الحمل هنا ستَّة أشهر. فتركها عمر، قال: ثمَّ بلغنا إنَّها ولدت آخر لستَّة أشهر.

صورة ثالثة:

أخرج الحافظان العقيلي وإبن السّمان عن أبي حزم بن الأسود: أنَّ عمر أراد

٩٣

رجم المرأة التي ولدت لستَّة أشهر فقال له عليٌّ: إنَّ الله تعالى يقول:( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً ) . وقال تعالى:( وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ) . فالحمل ستَّة أشهر والفصال في عامين. فترك عمر رجمها وقال: لولا عليٌّ لهلك عمر.

السنن الكبرى ٧ ص ٤٤٢، مختصر جامع العلم ص ١٥٠، الرِّياض النضرة ٢ ص ١٩٤، ذخائر العقبى ص ٨٢، تفسير الرازي ٧ ص ٤٨٤، أربعين الرازي ٤٦٦، تفسير النيسابوري ٣ في سورة الأحقاف، كفاية الكنجي ص ١٠٥، مناقب الخوارزمي ص ٥٧، تذكرة السِّبط ص ٨٧، الدرّ المنثور ١ ص ٢٨٨ و ج ٦ ص ٤٠ نقلاً عن جمع من الحفّاظ، كنز العمّال ٣ ص ٩٦ نقلاً عن خمس من الحفّاظ، و ج ٣ ص ٢٢٨ نقلاً عن غير واحد من أئمَّة الحديث.

العجب العجاب

أخرج الحفّاظ عن بعجة بن عبد الله الجهني قال: تزوَّج رجلٌ منّا إمرأة من جهينة فولدت له تماماً لستَّة أشهر فانطلق زوجها إلى عثمان فأمر بها أن تُرجم فبلغ ذلك عليّاً رضي الله عنه فأتاه فقال: ما تصنع؟ ليس ذلك عليها قال الله تبارك وتعالى:( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً ) وقال:( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ) . فالرَّضاعة أربعة وعشرون شهرا والحمل ستَّة أشهر. فقال عثمان: والله ما فطنت لهذا، فأمر بها عثمان أن تردَّ فوجدت قد رُجمت، وكان من قولها لأختها: يا أُخيَّة لا تحزني فوالله ما كشف فرجي أحدٌ قطّ غيره، قال: فشبَّ الغلام بعدُ فاعترف الرَّجل به وكان أشبه الناس به قال: فرأيت الرَّجل بعدُ ويتساقط عضواً عضواً على فراشه(١) .

أليس عاراً أن يُشغل فراغ النبيِّ الأعظم أُناسٌ هذا شأنهم في القضاء؟ أمِنَ العدل أن يُسلّط على الأنفس والأعراض والدِّماء رجالٌ هذا مبلغهم من العلم؟ أمن الإنصاف أن تفوَّض النواميس الإسلاميَّة وطقوس الأُمَّة وربقة المسلمين إلى يد خلائف هذه سيرتهم؟ لا ها الله. وربّك يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة، سبحان الله وتعالى

____________________

١ - أخرجه مالك في الموطأ ٢ ص ١٧٦، والبيهقي في السنن الكبرى ٧ ص ٤٤٢، و أبو عمر في العلم ص ١٥٠، وإبن كثير في تفسيره ٤ ص ١٥٧، وإبن الديبع في تيسير الوصول ٢ ص ٩، والعيني في عمدة القاري ٩ ص ٦٤٢، والسيوطي في الدرّ المنثور ٦ ص ٤٠ نقلاً عن إبن المنذر وإبن أبي حاتم.

٩٤

عمّا يشركون، وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون، فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذابٌ أليمٌ.

٤

إمرأةٌ أخرى وضعت لستَّة أشهر

أخرج عبد الرزّاق وابن المنذر عن نافع بن جبير: أنّ ابن عباس أخبره قال: لصاحب امرأة التي أُتي بها عمر وضعت لستَّة أشهر فأنكر النّاس ذلك فقلت لعمر: لا تظلم، قال: كيف؟ قلت. إقرأ( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً .وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ) ، كم الحول؟ قال: سنة، قلت. كم السنة؟ قال. اثنا عشر شهراً، قلت. فأربعة وعشرون شهراً حولان كاملان، ويؤخِّر الله من الحمل ما شاء ويقدِّم، قال. فاستراح عمر إلى قولي.

الدرّ المنثور سورة الأحقاف ٦ ص ٤٠، وأوعز إليه إبن عبد البرّ في كتاب «العلم» ص ١٥٠.

٥

كلُّ الناس أفقه من عمر

عن مسروق بن الأجدع قال: ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ قال: أيّها الناس ما إكثاركم في صداق النِّساء؟ وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه والصّدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك، ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها، فلا عرفنَّ ما زاد رجلٌ في صداق إمرأة على أربعمائة درهم. قال: ثمَّ نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين نهيت النّاس أن يزيدوا في مهر النِّساء على أربعمائة درهم؟ قال: نعم. فقالت: أما سمعت ما أنزل الله في القرآن؟ قال: وأيّ ذلك؟ فقالت: أما سمعت الله يقول:( وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنّ قِنطَاراً ) ؟ قال: فقال اللهمّ غفراً، كلُّ الناس أفقه من عمر، ثمَّ رجع فركب المنبر فقال: أيّها النّاس إنّي كنت نهيتكم أن تزيدوا النِّساء في صدقاتهنَّ على أربعمائة درهم فمن شاء أن يُعطي من ماله - أو - فمن طابت نفسه فليفعل.

أخرجه أبو يعلى في مسنده الكبير، وسعيد بن منصور في سننه، والمحاملي في

٩٥

أماليه، وإبن الجوزي في سيرة عمر ص ١٢٩، وابن كثير في تفسيره ١ ص ٤٦٧ عن أبي يعلى وقال: إسناده جيِّدٌ قويٌّ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٤ ص ٢٨٤، والسيوطي في الدرِّ المنثور ٢ ص ١٣٣، وفي جمع الجوامع كما في ترتيبه ٨ ص ٢٩٨، وفي الدُّرر المنتثرة ص ٢٤٣ نقلاً عن سبعة من الحفّاظ ومنهم أحمد وابن حبّان والطبراني، وذكره الشوكاني في فتح القدير ١ ص ٤٠٧، والعجلوني في كشف الخفاء ١ ص ٢٦٩ نقلاً عن أبي يعلى وقال: سنده جيّدٌ، وابن درويش الحوت في أسنى المطالب ص ١٦٦ وقال: حديث كلُّ أحد أعلم أو أفقه من عمر. قاله عمر لما نهى عن المغالاة في الصّداق وقالت امرأة: قال الله( وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنّ قِنطَاراً ) رواه أبو يعلى وسنده جيّدٌ، وعند البيهقي منقطعٌ.

صورة أخرى:

عن عبد الله بن مصعب قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تزيدوا في مهور النّساء على أربعين أوقية وإن كانت بنت ذي الفضة [يعني يزيد بن الحصين الحارثي] فمن زاد ألقيت الزِّيادة في بيت المال، فقامت امرأةٌ من صفِّ النساء طويلةٌ في أنفها قطس فقالت: ما ذاك لك. قال: ولِمَ؟ قالت: إنَّ الله تعالى يقول:( وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنّ قِنطَاراً ) . الآية. فقال عمر: إمرأةٌ أصابت ورجلٌ أخطأ.

أخرجه الزبير بن بكار في الموفَّقيات، وابن عبد البرّ في جامع العلم كما في مختصره ص ٦٦، وابن الجوزي في سيرة عمر ص ١٢٩، وفي كتابه: الأذكياء ص ١٦٢، والقرطبي في تفسيره ٥ ص ٩٩، وابن كثير في تفسيره ١ ص ٤٦٧، والسيوطي في الدرِّ المنثور ٢ ص ١٣٣، وفي جمع الجوامع كما ترتيبه الكنز ٨ ص ٢٩٨ عن ابن بكار وابن عبد البرّ، والسندي في حاشية سنن إبن ماجة ١ ص ٥٨٤، والعجلوني في كشف الخفاء ١ ص ٢٧٠، و ج ٢ ص ١١٨.

صورة ثالثة:

أخرج البيهقي في سننه الكبرى ٧ ص ٢٣٣ عن الشعبي قال: خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال: ألا لا تغالوا في صداق النّساء فإنّه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شئ ساقه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو سبق إليه إلّا جعلت فضل ذلك في بيت المال ثمَّ نزل، عرضت له امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين أكتاب الله تعالى أحقُّ أن يتَّبع أو قولك؟ قال: بل كتاب الله تعالى، فما ذاك؟ قالت: نهيت الناس

٩٦

آنفاً أن يغالوا في صداق النِّساء والله تعالى يقول في كتابه:( وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً ) . فقال عمر رضي الله عنه: كلُّ أحد أفقه من عمر. مرَّتين أو ثلاثاً. الحديث.

وذكره السيوطي في جمع الجوامع كما في الكنز ٨ ص ٢٩٨ نقلاً عن سنن سعيد بن منصور والبيهقي، ورواه السندي في حاشية السنن لابن ماجة ١ ص ٥٨٣، والعجلوني في كشف الخفاء ١ ص ٢٦٩ و ج ٢ ص ١١٨.

صورة رابعة:

قام عمر خطيباً فقال: أيّها النّاس لا تغالوا بصداق النِّساء فلو كانت مكرمة في الدُّنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ما أصدق امرأة من نسائه أكثر من اثني عشر أوقية، فقامت إليه امرأة فقالت له: يا أمير المؤمنين! لم تمنعنا حقّاً جعله الله لنا؟ والله يقول:( وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنّ قِنطَاراً ) . فقال عمر كلُّ أحد أعلم من عمر، ثمَّ قال لأصحابه: تسمعونني أقول مثل القول فلا تنكرونه عليَّ حتّى ترد عليَّ امرأةٌ لبست من أعلم النّساء.

تفسير الكشَّاف ١ ص ٣٥٧، شرح صحيح البخاري للقسطلاني ٨ ص ٥٧.

صورة خامسة:

أخرج الحافظان عبد الرزّاق وابن المنذر بالإسناد عن عبد الرّحمن السلمي قال: قال عمر بن الخطاب: لا تغالوا في مهور النّساء، فقالت امرأةٌ: ليس ذلك يا عمر! إنَّ الله يقول( وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنّ قِنطَاراً من ذهب ) - قال: وكذلك هي في قراءة عبد الله بن مسعود - فلا يحلُّ لكم أن تأخذوا منه شيئاً، فقال عمر: إنَّ امرأة خاصمت عمر فخصمته.

تفسير ابن كثير ١ ص ٤٦٧، إرشاد السّاري للقسطلاني ٨ ص ٥٧، حاشية السندي على سنن ابن ماجة ١ ص ٥٨٣، كنز العمال ٨ ص ٢٩٨، كشف الخفاء ١ ص ٢٦٩ و ج ٢ ص ١١٨.

صورة سادسة:

قال عمر رضي الله عنه على المنبر: لا تغالوا بصدقات النِّساء، فقالت امرأة: أنتَّبع قولك أم قول الله:( وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنّ قِنطَاراً ) ؟ فقال عمر: كلُّ أحد أعلم من عمر، تزوَّجوا على ما شئتم.

تفسير النسفي هامش تفسير الخازن ١ ص ٣٥٣، كشف الخفاء ١ ص ٣٨٨.

٩٧

صورة سابعة:

إنَّ عمر قال على المنبر: ألا لا تغالوا في مهور نساءكم فقامت امرأة فقالت: يا ابن الخطاب الله يعطينا وأنت تمنعنا؟ وتلت الآية فقال: كلُّ الناس أفقه منك يا عمر.

تفسير القرطبي ٥ ص ٩٩، تفسير النيسابوري ج ١ سورة النّساء، تفسير الخازن ١ ص ٣٥٣، الفتوحات الإسلاميَّة ٢ ص ٤٧٧ وزاد فيه: حتّى النِّساء.

صورة ثامنة:

قال عمر مرَّة: لا يبلغني أنَّ امرأة تجاوز صداقها صداق نساء النبيِّ إلّا ارتجعتُ ذلك منها، فقالت له امرأة: ما جعل الله لك ذلك إنّه تعالى قال:( وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنّ قِنطَاراً ) . الآية. فقال: كلُّ الناس أفقه من عمر حتّى ربّات الحجال، ألا تعجبون من إمام أخطأ وامرأة أصابت؟ فاضلت إمامكم ففضلته(١) [فنضلته].

وفي لفظ الخازن: إمرأةٌ أصابت وأميرٌ أخطأ(٢) وفي لفظ القرطبي: أصابت امرأةٌ وأخطأ عمر. وفي لفظ الرازي في أربعينه ص ٤٦٧: كلُّ الناس أفقه من عمر حتّى المخدَّرات في البيوت.

وفي لفظ الباقلاني في التمهيد ص ١٩٩: إمرأةٌ أصابت ورجلٌ أخطأ، وأميرٌ ناضل فنضل، كلُّ الناس أفقه منك يا عمر!

صورة تاسعة:

صعد عمر رضي الله عنه المنبر فقال: أيّها النّاس لا تزيدوا في مهور النّساء على أربعمائة درهم فمن زاد ألقيت زيادته في بيت مال المسلمين فهاب الناس أن يكلّموه فقامت إمرأة في يدها طول فقالت له: كيف يحلُّ لك هذا؟ والله يقول:( وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً ) . فقال عمر رضي الله عنه: إمرأةٌ أصابت ورجلٌ أخطأ.

المستطرف ١ ص ٧٠ نقلاً عن المنتظم لابن الجوزي.

جمع الحاكم النيسابوري طرق هذه الخطبة لعمر بن الخطاب في جزء كبير كما قاله في المستدرك ٢ ص ١٧٧ وقال: تواترت الأسانيد الصّحيحة بصحّة خطبة أمير المؤمنين عمر بن خطاب رضي الله عنه بذلك. وأقرّه الذَّهبي في تلخيص المستدرك، وأخرجها

____________________

١ - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ ص ٦١ و ج ٣ ص ٩٦.

٢ - تفسير الخازن ١ ص ٣٥٣.

٩٨

الخطيب البغدادي في تاريخه ٣ ص ٢٥٧ بعدَّة طرق وصحَّحها غير أنّه لم يذكر تمام الحديث بل يذكر الخطبة فحسب ثمَّ يقول. الحديث بطوله.

ولعلّ الخليفة أخذ برأي امرأة أصابت وتزوَّج بأُمّ كلثوم وجعل مهرها أربعين ألفاً كما في تاريخ إبن كثير ٧ ص ٨١، ١٣٩، الإصابة ٤ ص ٤٩٢، الفتوحات الإسلاميّة ٢ ص ٤٧٢.

٦

جهل الخليفة بمعنى الأبّ

عن أنس بن مالك قال: إنَّ عمر قرأ على المنبر:( فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدَائِقَ غُلْباً وَفَاكِهَةً وَأَبّاً ) «سورة عبس» قال: كلّ هذا عرفناه فما الأبّ؟ ثمَّ رفض عصاً كانت في يده فقال: هذا لعمر الله هو التكلّف، فما عليك أن لا تدري ما الأبّ؟ إتّبعوا ما بُيِّن لكم هداه من الكتاب فاعملوا به وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربِّه.

وفي لفظ:

قال إنس: بينا عمر جالسٌ في أصحابه إذ تلا هذه الآية:( فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدَائِقَ غُلْباً وَفَاكِهَةً وَأَبّاً ) ثمَّ قال: هذا كلّه عرفناه فما الأبّ؟ قال: وفي يده عصيَّةٌ يضرب بها الأرض فقال: هذا لعمر الله التكلّف، فخذوا أيّها الناس بما بُيِّن لكم فاعملوا به، وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربِّه.

وفي لفظ:

قرأ عمر وفاكهة وأبّاً فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأبُّ؟ ثمَّ قال: مه نُهينا عن التكلّف، وفي النهاية: ما كلّفنا وما أُمرنا بهذا.

وفي لفظ:

إنَّ عمر رضي الله عنه قرأ هذه الآية فقال: كلّ هذا قد عرفناه فما الأبّ؟ ثمَّ رفض عمّا كانت بيده وقال: هذا لعمر الله التكلّف، وما عليك يا ابن أمّ عمر أن لا تدري ما الأبّ؟ ثمَّ قال: إتَّبعوا ما تبيَّن لكم من هذا الكتاب وما لا فدعوه.

وفي لفظ المحبّ الطبري: ثمَّ قال: مه قد نُهينا عن التكلّف، يا عمر إنَّ هذا من التكلّف، وما عليك ألّا تدري ما الأبّ؟.

٩٩

وعن ثابت: إنَّ رجلاً سأل عمر بن الخطّاب عن قوله وفاكهة وأبّا: ما الأبّ؟ فقال عمر: نُهينا عن التعمّق والتكلّف.

هذه الأحاديث أخرجها سعيد بن منصور في سننه، وأبو نعيم في المستخرج، وابن سعد، وعبد بن حميد، وابن الأنباري، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن جرير في تفسيره ٣٠ ص ٣٨، والحاكم في المستدرك ٢ ص ٥١٤ وصحّحه هو وأقرّه الذهبي في تلخيصه، والخطيب في تاريخه ١١ ص ٤٦٨، والزمخشري في الكشّاف ٣ ص ٢٥٣، ومحبّ الدين الطبري في الرِّياض النضرة ٢ ص ٤٩ نقلاً عن البخاري والبغوي والمخلص الذهبي، والشاطبي في الموافقات ١ ص ٢١، ٢٥، وابن الجوزي في سيرة عمر ص ١٢٠، وابن الأثير في النهاية ١ ص ١٠، وابن تيميّة في مقدّمة أُصول التفسير ص ٣٠، وابن كثير في تفسيره ٤ ص ٤٧٣ وصحّحه، والخازن في تفسيره ٤ ص ٣٧٤، والسيوطي في الدرِّ المنثور ٦ ص ٣١٧ عن جمع من الحفّاظ المذكورين، وفي كنز العمّال ١ ص ٢٢٧ نقلاً عن سعيد بن منصور، وابن أبي شبيه، وأبي عبيد في فضائله، وابن سعيد في طبقاته، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والأنباري في المصاحف، والحاكم، والبيهقي في شُعب الإيمان، وابن مردويه، وأبو السعود في تفسيره - هامش تفسير الرّازي - ج ٨ ص ٣٨٩ وقال: وروي مثل هذا لأبي بكر بن أبي قحافة أيضاً، والقسطلاني في إرشاد الساري ١٠ ص ٢٩٨ نقلاً عن أبي نعيم، وعبد بن حميد، والعيني في «عمدة القاري» ١١ ص ٤٦٨، وابن حجر في «فتح الباري» ١٣ ص ٢٣٠ وقال: قيل: إنَّ الأبّ ليس بعربيّ ويؤيّده خفاؤه على مثل أبي بكر وعمر.

قال الأميني: كيف خفي هذا القيل الذي جاء به إبن حجر على أئمّة اللغة العربيّة جمعاء فأدخلت الأبّ في معاجمها من دون أيِّ إيعاز إلى كونه دخيلاً، هب أنَّ الأبّ غير عربيّ فهل قوله تعالى في تفسيره وما قبله( مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ) ليس بعربيّ أيضاً؟ فما عذر الشيخين عندئذ في خفائه عليهما؟ وكيف يؤيَّد به قول القائل؟ نعم: يروق إبن حجر أن يدافع عنهما ولو بالتهكّم على لغة العرب ونفي كلمتها عنها.

لفت نظر:

هذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه(١) غير أنّه ستراً على جهل الخليفة

____________________

١ - في كتاب الاعتصام باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه.

١٠٠