العقائد الإسلامية الجزء ٢

العقائد الإسلامية0%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 434

العقائد الإسلامية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 434
المشاهدات: 216986
تحميل: 5013


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 216986 / تحميل: 5013
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

السقيفة، فعارضها أهل البيت وجماعة من الأنصار والمهاجرين، واعتصموا في بيت فاطمة الزهراءعليها‌السلام فكان الهجوم على بيت فاطمة بالحطب والنار!

ولم يهدأ الهجوم علينا بالحطب والنار إلى يومنا هذا!

نحن لا ننتظر من تاريخنا الإسلامي الذي لم يتحمل كلمة معارضة من بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فهاجم بيتها وبدأ بإحراقه بمن فيه، أن يتحمل معارضتنا في بحوث وكتب!

ولا ننتظر من دول اضطهدتنا وطاردتنا وشردتنا وقتلتنا، أن تمدحنا وتمدح عقائدنا، أو تترك تهمة أو سبة تخطر بالبال أو لا تخطر، دون أن ترمينا بها!

لكن يحق لنا أن ننتظر من علماء إخواننا المنصفين بعد قرون وقرون، أن لا يرثوا بغض أهل بيت نبيهم وشيعتهم، وأن يقرؤوا عقائدهم وفقههم من مصادر مذهبهم لا من مصادر الذين اضطهدوهم وأبغضوهم.

- قال السيد شرف الدين في الفصول المهمة ص ١٨٠

فهنا مقصدان: المقصد الأول، في الأمور التي ينفر منها الشيعي ولا يكاد يمتزج بسببها مع السني، وأهمها شيئان: الأول، ما سمعته في الفصول السابقة من التكفير والتحقير والشتم والتزوير.

الثاني، إعراض إخواننا أهل السنة عن مذهب الأئمة من أهل البيت، وعدم الإعتناء بأقوالهم في أصول الدين وفروعه بالمرة، وعدم الرجوع إليهم في تفسير القرآن العزيز (وهو شقيقهم) إلا دون ما يرجعون فيه إلى مقاتل بن سليمان المجسم المرجيء الدجال، وعدم الإحتجاج بحديثهم إلا دون ما يحتجون بدعاة الخوارج والمشبهة والمرجئة والقدرية! ولو أحصيت جميع ما في كتبهم من حديث ذرية المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان إلا دون ما أخرجه البخاري وحده عن عكرمة البربري الخارجي المكذب. انتهى.

وإنى لأعجب من علماء إخواننا السنة القدماء والجدد، الذين بحثوا في توحيد الله تعالى وصفاته، ورووا حتى عن أقل الصحابة والتابعين، برهم وفاجرهم، وعن

٢٨١

اليهود والنصارى، معتدلهم ومتطرفهم.. كيف لم يطلعوا على الخطب الغنية لعلي أمير المؤمنينعليه‌السلام وكلمات أهل البيت البليغة في حقائق التوحيد، التي تشهد بأنهم باب مدينة علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد كانت هذه الخطب والأحاديث وما تزال في متناولهم، مودعة في المصادر المختلفة، ومجموعة في نهج البلاغة وأمثاله..! فلو أنهم اطلعوا عليها لفتحت لهم أبواباً جديدة، وحلت لهم مشكلات مستعصية ولظهر شيء من آثارها وأنوارها في مؤلفاتهم!

إن مقتضى قاعدة (إحمل أخاك المسلم على الأحسن) أن نقول إنهم لم يقرؤوا شيئاً من أحاديث الشيعة ومؤلفاتهم وبحوثهم في التوحيد والصفات، لأنا إذا اتهمناهم بأنهم قرؤوها وتجاهلوها، فذلك يعني وجود كارثة في بحوث العقائد عندهم.

وتعجبي الأكبر من جرأة بعض إخواننا على تبرئة مصادرهم من التشبيه والتجسيم، واتهام الشيعة ومذهبهم بذلك!

وتواصلت علينا الإفتراءات عبر العصور

- قال السمعاني المتوفى ٥٦٢ في كتابه الأنساب ج ٥ ص ٦٤٣

والهشامية جماعة من غلاة الشيعة، وهم الهشامية الأولى والأخرى. أما الأولى فهم أصحاب هشام بن الحكم الرافضي المفرط في التشبيه والتجسيم، وكان يقول إن معبوده جسم ذو حد ونهاية وإنه طويل عريض عميق وطوله مثل عرضه وعرضه مثل عمقه، وله مقالات في هذا الفن حكيت عنه.

وأما الهشامية الأخرى فهم أصحاب هشام بن سالم الجواليقي، وكان يزعم أن معبوده جسم، وأنه على صورة الإنسان ولكنه ليس بلحم ولا دم، بل هو نور ساطع يتلألأ بياضاً، وله حواس خمس كحواس الإنسان ويد ورجل وسائر الأعضاء، وأن نصفه الأعلى مجوف، إلا الفرج واللحية. وزعم هشام بن الحكم أنه كسبيكة

٢٨٢

الفضة، وأنه بشبر نفسه سبعة أشبار. وكل واحد منهما يكفر صاحبه، ويكفرهما غيرهما. انتهى.

وقد وصل الأمر بالسمعاني وأمثاله أن ادعوا أن تجسيم الكرامية جاءهم من تأثرهم بالشيعة وغيرهم، وإلا فشيخهم الكرام عالم متقشف زاهد وإن كان في مذهبه شيء من التشبيه والتجسيم! قال السمعاني في الأنساب ج ٥ ص ٤٣: الكرامي: بفتح الكاف وتشديد الراء المهملة. هذه النسبة إلى أبي عبد الله محمد بن كرام النيسابوري.... من أهل نيسابور، ثم أزعج عنها وانتقل إلى بيت المقدس وسكنها ومات بها. يروي عن مالك بن سليمان الهروي. روى عنه محمد بن إسماعيل بن إسحاق وحكى عنه من الزهد والتقشف أشياء، وفي المذهب أشياء من التشبيه والتجسيم، وذكر في كتاب له سماه (عذاب القبر) في وصف الرب عز وجل، أنه أحدي الذات أحدي الجوهر، فشارك النصارى في وصفه إياه بالجوهر، وشارك اليهود والهشامية والجوالقية من مشبهة الروافض في وصفه إياه بأنه جسم. وناقض أصحابه في امتناعهم عن وصفهم إياه أنه جوهر، مع إطلاقهم وصفه بأنه جسم، إطلاق الجسم أفحش من إطلاق الجوهر. وذكر في هذا الكتاب أنه معبود في مكان مخصوص، وأنه مماس لعرشه من فوقه، وهكذا حكي عنه. انتهى. ولكن من حكي عنه، ومن أين أخذ ما نقله عنه.. هذا ليس مهماً عند من يريد الاتهام.

- وقال المسعودي في مروج الذهب ج ٤ ص ١٠٣، ١٠٤

وكان أبو الهذيل محمد بن الهذيل اجتمع مع هشام بن الحكم الكوفي، وكان هشام شيخ المجسمه والرافضة في وقته ممن وافقه على مذهبه، وكان أبو الهذيل يذهب إلى نفي التجسيم ورفض التشبيه.

- وقال الأميني في الغدير ج ٣ ص ١٤٢

الملل والنحل، هذا الكتاب وإن لم يكن يضاهي (الفصل) في بذاءة المنطق غير أن في غضونه نسباً مفتعلة وآراء مختلقة وأكاذيب جمة، لا يجد القارئ ملتحداً عن

٢٨٣

تفنيدها، فإليك نماذج منها:

١ - قال: قال هشام بن الحكم متكلم الشيعة: إن الله جسم ذو أبعاض في سبعة أشبار بشبر نفسه، في مكان مخصوص وجهة مخصوصة.

٢ - قال في حق علي: إنه إله واجب الطاعة..

٣ - وقال هشام بن سالم: إن الله على صورة إنسان أعلاه مجوف وأسفله مصمت، وهو نور ساطع يتلألأ، وله حواس خمس ويد ورجل وأنف وأذن وعين وفم، وله وفرة سوداء، وهو نور أسود لكنه ليس بلحم ولا دم، وإن هشام هذا أجاز المعصية على الأنبياء مع قوله بعصمة الأئمة.

٤ - وقال زرارة بن أعين: لم يكن الله قبل خلق الصفات عالماً ولا قادراً ولا حياً ولا بصيراً ولا مريداً ولا متكلماً.

٥ - قال أبوجعفر محمد بن النعمان: إن الله نور على صورة إنسان، ويأبى أن يكون جسماً.

٦ - وزعم يونس بن عبد الرحمن القمي أن الملائكة تحمل العرش والعرش تحمل الرب، وهو من مشبهة الشيعة، وصنف لهم في ذلك كتباً.

- وقال الأميني في الغدير ج ٣ ص ٨٩

وذكر ابن تيمية في منهاج السنة هذه النسب والإضافات المفتعلة، وراقه أن يري المجتمع أنه أقدر في تنسيق الأكاذيب من سلفه، وأنه أبعد منه عن أدب الصدق والأمانة فزاد عليها:

اليهود لا يخلصون السلام على المؤمنين إنما يقولون السام عليكم (السام: الموت) وكذلك الرافضة.

اليهود لا يرون المسح على الخفين، وكذلك الرافضة.

اليهود يستحلون أموال الناس كلهم، وكذلك الرافضة.

اليهود تسجد على قرونها في الصلاة، وكذلك الرافضة.

٢٨٤

اليهود لا تسجد حتى تخفق برؤسها مراراً تشبيهاً بالركوع، وكذلك الرافضة.

اليهود يرون غش الناس، وكذلك الرافضة.

وأمثال هذه من الخرافات والسفاسف، وحسبك في تكذيب هذه التقولات المعزوة إلى الشيعة شعورك الحر، وحيطتك بفقههم وكتبهم وعقائدهم وأعمالهم، وما عرف منهم قديماً وحديثاً. فإلى الله المشتكى.

- وقال الأميني في الغدير ج ٣ هامش ص ٩٠ واصفاً كتاب الإنتصار لعبد الرحيم الخياط:

إنك غير مائن لو سميته بمصدر الأكاذيب، ولو عزى إليه على عدد صفحاته ١٧٣ الصفحة لما كذب القائل، ولو جست خلال صحايفه لأوقفك الفحص على العجب العجاب، من كذب شائن وتحكم بارد وتهكم ممض ونسب مفتعلة، وإنا نرجىَ إيقافك عليها إلى ظفرك بالكتاب نفسه، فإنه مطبوع بمصر منشور، ولا نسود جبهات صحائف كتابنا بنقل هاتيلك الأساطير كلها، وإنما نذكر لك نماذج منها لتعرف مقدار توغله في القذائف وتهالكه دون الطامات، وتغلغل الحقد في ضميره الدافع له إلى تشويه سمعة أمة كبيرة كريمة نزيهة عن كل ما تقوله عليها قال:

١ - الرافضة تعتقد أن ربها ذو هيئة وصورة يتحرك ويسكن ويزول وينتقل، وأنه كان غير عالم فعلم.... إلى أن قال: هذا توحيد الرافضة بأسرها إلا نفراً منهم يسيراً صحبوا المعتزلة واعتقدوا التوحيد، فنفتهم الرافضة عنهم وتبرأت منهم، فأما جملتهم ومشا يخهم مثل هشام بن سالم، وشيطان الطاق، وعلي بن ميثم، وهشام بن الحكم بن منور، والسكاك، فقولهم ما حكيت عنهم.

٢ - الرافضة تقول وهي معتقدة: إن ربها جسم ذو هيئة وصورة يتحرك ويسكن ويزول وينتقل وأنه كان غير عالم ثم علم.

٣ - فهل على وجه الأرض رافضي إلا وهو يقول: إن الله صورة ويروي في ذلك الروايات، ويحتج فيه بالأحاديث عن أئمتهم! إلا من صحب المعتزلة منهم قديماً فقال بالتوحيد فنفته الرافضة عنها ولم تقر به!!

٢٨٥

وتضاعفت التهم في عصرنا عصر العلم وحرّية الفكر

- قال الدكتور حسن إبراهيم في تاريخ الإسلام ج ١ ص ٤٢٤

- الرافضة قالوا: إن الله له قد وصورة وإنه جسم ذو أعضاء. هشام بن الحكم وهشام بن سالم وشيطان الطاق من معتقدي الرافضة.

- وقال في تاريخ الإسلام ج ٢ ص ١٥٨

الشيعة انقسمت حسب اعتقادها إلى ثلاثة أقسام: غالية ورافضة وزيدية، والشيعة الغالية هم الذين غلوا في علي وقالوا فيه قولاً عظيماً.. والشيعة الرافضة هم الذين قالوا إن الله قد وصورة وإنه جسم ذو أعضاء!

- فتاوى الألباني ص ٤٤١

إن الإسلام كفكر لا يمكن أن يصور أنه مصفى.. كيف وهناك فرق كثيرة جداً كالمعتزلة... والشيعة والرافضة، كل هؤلاء يدعون الإسلام فلا بد أن يقوم العلماء بواجب تصفية هذا الإسلام وتقديمه للناس.

- وقال الدكتور القفاري في كتابه أصول مذهب الشيعة ، الذي منحته السعودية درجة دكتوراه برتبة الشرف الأولى، وأوصت بجعله مصدراً (أكاديمياً) في جامعات المملكة، علماً أن نسبة كبيرة من سكان المملكة من الشيعة!

قال القفاري في ج١ ص ٨٧:

المذهب الشيعي مباءة للعقائد الآسيوية القديمة. ويضيف البعض أن مذهب الشيعة كان مباءة ومستقراً للعقائد الآسيوية القديمة كالبوذية وغيرها. يقول الأستاذ أحمد أمين: وتحت التشيع ظهر القول بتناسخ الأرواح وتجسيم الله والحلول، ونحو ذلك من الأقوال التي كانت معروفة عند البراهمة والفلاسفة والمجوس قبل الإسلام. ويشير بعض المستشرقين إلى تسرب الكثير من العقائد غير الإسلامية إلى الشيعة ويقول: إن تلك العقائد انتقلت إليها من المجوسية والمانوية والبوذية، وغيرها من الديانات التي كانت سائدة في آسيا قبل ظهور الإسلام. انتهى.

٢٨٦

وكأن هذا (الباحث) لا يعرف أن الفرس المجوس صاروا سنيين أولاً، وألفوا أهم مصادر إخواننا السنة وصحاحهم، ونظّروا لعقائدهم ومذاهبهم بل أسسوا مذاهبهم، وبعد قرون طويلة صار أبناؤهم شيعة! فإن كانوا متأثرين بعقائدهم المجوسية والآسيوية فقد نقلوها معهم إلى التسنن الذي صاروا أئمة مذاهبه ثم أئمة مصادره قروناً طويلة، وما زالوا، فالعلامة المجلسي الشيعي مثلاً صاحب موسوعة (بحار الأنوار) المتوفى سنة ١١١١ هجرية هو من أولاد الحافظ أبي نعيم الإصفهاني السني المتوفى سنة ٤٣٥ هجرية! وهكذا العشرات بل المئات غيره من الفرس الذين صاروا أئمة المذاهب السنية أولاً، ثم صار أبناؤهم شيعة بعد قرون قد تطول أو تقصر، حتى أنك تجد الكثير من أبنائهم اليوم ما زالوا يحملون أسماء أجدادهم من أئمة السنة!

فمن أولى بتهتة التأثر بالعقائد المجوسية والآسيوية، الأجداد السنيون أم الأبناء الشيعيون!

على أن الباحث علمياً لا يمكنه أن يرسل أحكامه هكذا جزافاً، ولابد له أن يفحص الأفكار والعقائد واحدة واحدة، ويرى من أين جاءت ومن تبناها، ومن وقف ضدها.. الخ.

وقد رأيت أن أفكار الرؤية والتشبيه والتجسيم وأحاديثها ولدت في بيوت الدولة، ودرجت في قصورها ومساجدها، وتربت على يد كبار شخصياتها، وأن أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم وقفوا ضدها، وأفتوا بأنها دخيلة، وأن آباءها يهوداً!!

* *

٢٨٧

الفصل الثامن

تفسير مقارن للآيات المتعلّقة بالموضوع

الآيات المحكمة النافية لإمكان الرؤية

ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ . الأنعام ١٠٢ - ١٠٣

فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ . الشورى - ١١

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا . طه - ١١٠

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا للهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ . البقرة - ٢٢

وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ . الأعراف - ١٤٣

وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ .. البقرة - ٥٥

٢٨٨

يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا . النساء - ١٥٣

وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا * يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا . الفرقان ٢١ - ٢٢

قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ . الإخلاص ١ - ٤

الآيات المتشابهة التي استدلّوا بها على الرؤية

كَلاّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ . القيامة ٢٠ - ٢٥

وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى . النجم ١ - ١٨

أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ * يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُون * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ . القلم ٣٩ - ٤٣

آيات: استوى على العرش

إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ

٢٨٩

يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ . الأعراف - ٥٤

إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ . يونس - ٣

اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ . الرعد - ٢

طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى . طه ١ - ٦

الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا . الفرقان - ٥٩

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ . السجدة - ٤

هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ . الحديد - ٤ - ٥

وقد أوردنا عدداً من الأحاديث الشريفة ومن كلمات العلماء في تفسير هذه الآيات، ونورد هنا ما بقي من تفسيرها، وفيها أحاديث وآراء مشتركة بين أكثر من آية، لأنها وردت في موضوع الرؤية ككل.

* *

٢٩٠

تفسير آية: لا تدركه الأبصار

ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ .الأنعام. ١٠٢ - ١٠٣

النبي وآله يقولون: لا تدركه الأبصار ولا.. الأوهام

- روى الصدوق في التوحيد ص ٣٩٨

حدثنا محمد بن موسى بن المتوكلرضي‌الله‌عنه قال حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال حدثني محمد بن أبي بشير، قال حدثني الحسين بن أبي الهيثم، قال حدثنا سليمان بن داود، عن حفص بن غياث، قال حدثني خير الجعافر جعفر بن محمد، قال حدثني باقر علوم الأولين والآخرين محمد بن علي، قال حدثني سيد العابدين علي بن الحسين، قال حدثني سيد الشهداء الحسين بن علي، قال حدثني سيد الأوصياء علي بن أبي طالبعليهم‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم جالساً في مسجده إذ دخل عليه رجل من اليهود فقال: يا محمد إلى ما تدعو؟

قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله.

قال: يا محمد أخبرني عن هذا الرب الذي تدعو إلى وحدانيته وتزعم أنك رسوله، كيف هو؟

قال: يا يهودي إن ربي لا يوصف بالكيف، لأن الكيف مخلوق وهو مكيفه.

قال: فأين هو؟

قال: إن ربي لا يوصف بالأين، لأن الأين مخلوق وهو أينه.

قال: فهل رأيته يا محمد؟

قال: إنه لا يرى بالأبصار ولا يدرك بالأوهام.

قال: فبأي شيء نعلم أنه موجود؟

قال: بآياته وأعلامه.

٢٩١

قال: فهل يحمل العرش أم العرش يحمله؟

فقال: يا يهودي إن ربي ليس بحال ولا محل.

قال: فكيف خروج الأمر منه؟

قال: بإحداث الخطاب في المحال.

قال: يا محمد أليس الخلق كله له؟

قال: بلى.

قال: فبأي شيء اصطفى منهم قوماً لرسالته؟

قال: بسبقهم إلى الإقرار بربوبيته.

قال: فلم زعمت أنك أفضلهم

قال: لأني أسبقهم إلى الإقرار بربي عز وجل؟

قال: فأخبرني عن ربك هل يفعل الظلم؟

قال: لا.

قال: ولم؟

قال: لعلمه بقبحه واستغنائه عنه.

قال: فهل أنزل عليك في ذلك قرآناً يتلى؟

قال: نعم إنه يقول عز وجل: وما ربك بظلام للعبيد، ويقول:إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ، ويقول:وما الله يريد ظلماً للعالمين ، ويقول:وما الله يريد ظلماً للعباد .

قال اليهودي: يا محمد فإن زعمت أن ربك لا يظلم فكيف أغرق قوم نوحعليه‌السلام وفيهم الأطفال؟

فقال: يا يهودي إن الله عز وجل أعقم أرحام نساء قوم نوح أربعين عاماً فأغرقهم حين أغرقهم ولا طفل فيهم، وما كان الله ليهلك الذرية بذنوب آبائهم، تعالى عن الظلم والجور علواً كبيراً.

٢٩٢

قال اليهودي: فإن كان ربك لا يظلم فكيف يخلد في النار أبد الآبدين من لم يعصه إلا أياماً معدودة؟

قال: يخلده على نيته، فمن علم الله نيته أنه لو بقي في الدنيا إلى انقضائها كان يعصي الله عز وجل خلده في ناره على نيته، ونيته في ذلك شر من عمله، وكذلك يخلد من يخلد في الجنة بأنه ينوي أنه لو بقي في الدنيا أيامها لأطاع الله أبداً، ونيته خير من عمله، فبالنيات يخلد أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، والله عز وجل يقول: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً .

قال اليهودي: يا محمد إني أجد في التوراة أنه لم يكن لله عز وجل نبي إلا كان له وصي من أمته فمن وصيك؟

قال: يا يهودي وصيي علي بن أبي طالب، واسمه في التوراة إليا وفي الإنجيل حيدار، وهو أفضل أمتي وأعلمهم بربي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وإنه لسيد الأوصياء كما أني سيد الأنبياء.

فقال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وأن علي بن أبي طالب وصيك حقاً، والله إني لأجد في التوراة كل ما ذكرت في جواب مسائلي، وإني لأجد فيها صفتك وصفة وصيك، وإنه المظلوم ومحتوم له بالشهادة، وإنه أبو سبطيك وولديك شبراً وشبيراً سيدي شباب أهل الجنة.

- وروى الكليني في الكافي ج ١ ص ٩٨

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي نجران، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله:لا تدركه الأبصار ، قال: إحاطة الوهم، ألا ترى إلى قوله:قد جاءكم بصائر من ربكم ، ليس يعني بصر العيون. فمن أبصر فلنفسه، ليس يعني من البصر بعينه. ومن عمي فعليها، ليس يعني عمى العيون إنما عنى إحاطة الوهم، كما يقال فلان بصير بالشعر، وفلان بصير بالفقه، وفلان بصير بالدراهم، وفلان بصير بالثياب. الله أعظم من أن يرى بالعين....

٢٩٣

محمد بن أبي عبد الله، عمن ذكره، عن محمد بن عيسى، عن داود بن القاسم أبي هاشم الجعفري قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار فقال: يا أبا هاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها، ولا تدركها ببصرك وأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون!

يد: ابن الوليد، عن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن أبي هاشم الجعفري، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: سألته عن الله عز وجل هل يوصف؟ فقال: أما تقرأ القرآن قلت بلى، قال أما تقرأ قوله عز وجل:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار قلت بلى، قال: فتعرفون الأبصار قلت: بلى، قال: وما هي قلت: أبصار العيون فقال: إن أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون فهو لا تدركه الأوهام، وهو يدرك الأوهام.

- وروى النيسابوري في روضة الواعظين ص ٣٣

عن الإمام الرضاعليه‌السلام في قول الله عز وجل:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، قال: لا تدركه أوهام القلوب، فكيف تدركه أبصار العيون.

وسئل الصادقعليه‌السلام هل يرى الله في المعاد؟ فقال: سبحان الله تبارك وتعالى عن ذلك علواً كبيرا، إن الأبصار لا تدرك إلا ماله لون وكيفية، والله خالق الألوان والكيفية.

وقال محمد بن أبي عمير: دخلت على سيدي موسى بن جعفرعليهما‌السلام فقلت له: يابن رسول الله علمني التوحيد فقال: يا أبا أحمد لا تتجاوز في التوحيد ما ذكره الله تبارك وتعالى في كتابه فتهلك، واعلم أن الله تعالى واحد أحد صمد لم يلد فيورث ولم يولد فيشارك، ولم يتخذ صاحبة ولا ولداً ولا شريكاً، وأنه الحي الذي لا يموت، والقادر الذي لا يعجز، والقاهر الذي لا يغلب، والحليم الذي لا يعجل، والدائم الذي لا يبيد، والباقي الذي لا يفنى، والثابت الذي لا يزول، والغني الذي لا يفتقر، والعزيز الذي لا يذل، والعالم الذي لا يجهل، والعدل الذي لا يجور، والجواد الذي

٢٩٤

لا يبخل. وأنه لا تقدره العقول، ولا تقع عليه الأوهام، ولا تحيط به الأقطار، ولا يحويه مكان،و لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير، مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ، وهو الأول الذي لا شيء قبله، والآخر الذي لا شيء بعده، وهو القديم وما سواه محدث، تعالى عن صفات المخلوقين علواً كبيرا.

وسئل الصادقعليه‌السلام هل لله تعالى رضى وسخط؟ فقال: نعم، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين، ولكن غضب الله عقابه ورضاه ثوابه.

وقال أيضاًعليه‌السلام : إن الله تعالى لا يوصف بزمان ولا مكان ولا حركة ولا انتقال ولا سكون، بل هو خالق الزمان والمكان، والحركة والسكون والإنتقال، تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيرا.

- وروى المجلسي في بحار الأنوار ج ٤ ص ٤٦

نص: الحسين بن علي، عن هارون بن موسى، عن محمد بن الحسن، عن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن هشام قال: كنت عند الصادق جعفر بن محمدعليه‌السلام إذ دخل عليه معاوية بن وهب و عبدالملك بن أعين، فقال له معاوية بن وهب: يابن رسول الله ما تقول في الخبر الذي روي أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى ربه، على أي صورة رآه، وعن الحديث الذي رووه أن المؤمنين يرون ربهم في الجنة، على أي صورة يرونه؟ فتبسمعليه‌السلام ثم قال: يا معاوية ما أقبح بالرجل يأتي عليه سبعون سنة أو ثمانون سنة يعيش في ملك الله ويأكل من نعمه، ثم لا يعرف الله حق معرفته.

ثم قالعليه‌السلام : يا معاوية إن محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله لم ير الرب تبارك وتعالى بمشاهدة العيان، وإن الرؤية على وجهين: رؤية القلب، ورؤية البصر، فمن عني برؤية القلب فهو

٢٩٥

مصيب ومن عنى برؤية البصر فقد كفر بالله وبآياته، لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من شبه الله بخلقه فقد كفر. ولقد حدثني أبي، عن أبيه، عن الحسين بن علي قال: سئل أمير المؤمنينعليه‌السلام فقيل: يا أخا رسول الله هل رأيت ربك فقال: وكيف أعبد من لم أره لم تره العيون بمشاهدة العيان، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان. فإذا كان المؤمن يرى ربه بمشاهدة البصر فإن كل من جاز عليه البصر والرؤية فهو مخلوق، ولابد للمخلوق من الخالق، فقد جعلته إذا محدثاً مخلوقاً، ومن شبهه بخلقه فقد اتخذ مع الله شريكاً، ويلهم أولم يسمعوا يقول الله تعالى: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير. وقوله: لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً، وإنما طلع من نوره على الجبل كضوء يخرج من سم الخياط فدكدكت الأرض وصعقت الجبال فخر موسى صعقاً، أي ميتاً، فلما أفاق ورد عليه روحه، قال سبحانك تبت إليك من قول من زعم أنك ترى، ورجعت إلى معرفتي بك أن الأبصار لا تدركك، وأنا أول المؤمنين، وأول المقرين بأنك ترى ولا ترى، وأنت بالمنظر الأعلى.

ثم قالعليه‌السلام : إن أفضل الفرائض وأوجبها على الإنسان معرفة الرب والإقرار له بالعبودية، وحد المعرفة أن يعرف أنه لا إله غيره، ولا شبيه له ولا نظير، وأن يعرف أنه قديم مثبت موجود غير فقيد، موصوف من غير شبيه ولا مبطل، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

وبعده معرفة الرسول والشهادة بالنبوة.

وأدنى معرفة الرسول الإقرار بنبوته، وأن ما أتى به من كتاب أو أمر أو نهي فذلك من الله عز وجل، وبعده معرفة الإمام الذي به تأتم بنعته وصفته واسمه في حال العسر واليسر....

ثم قال: يا معاوية جعلت لك أصلاً في هذا فاعمل عليه، فلو كنت تموت على ما كنت عليه لكان حالك أسوأ الأحوال، فلا يغرنك قول من زعم أن الله تعالى يرى بالبصر.

٢٩٦

قال: وقد قالوا أعجب من هذا، أولم ينسبوا آدمعليه‌السلام إلى المكروه!

أو لم ينسبوا إبراهيمعليه‌السلام إلى ما نسبوه!

أو لم ينسبوا داودعليه‌السلام إلى ما نسبوه من حديث الطير!

أو لم ينسبوا يوسف الصديق إلى ما نسبوه من حديث زليخا!

أو لم ينسبوا موسىعليه‌السلام إلى ما نسبوه من القتل!

أو لم ينسبوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ما نسبوه من حديث زيد!

أولم ينسبوا علي بن أبي طالبعليه‌السلام إلى ما نسبوه من حديث القطيفة!

إنهم أرادوا بذلك توبيخ الإسلام ليرجعوا على أعقابهم، أعمى الله أبصارهم كما أعمى قلوبهم، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.

- وروى نحوه في بحار الأنوار ج ٤ ص ٣٣ وص ٣٩ وفيه (إن أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون فهي لا تدركه، وهو يدرك الأوهام).

- وروى نحوه في بحار الأنوار ج ٤ ص ٢٩ وفيه (لا تدركه أوهام القلوب فكيف تدركه أبصار العيون! وقال المجلسيرحمه‌الله :

بيان: هذه الآية إحدى الدلالات التي استدل بها النافون للرؤية وقرروها بوجهين:

أحدهما: أن إدراك البصر عبارة شائعة في الإدراك بالبصر إسناداً للفعل إلى الآلة، والإدراك بالبصر هو الرؤية بمعنى اتحاد المفهومين أو تلازمهما، والجمع المعرف باللام عند عدم قرينة العهدية والبعضية للعموم والإستغراق بإجماع أهل العربية والأصول وأئمة التفسير، وبشهادة استعمال الفصحاء، وصحة الإستثناء، فالله سبحانه قد أخبر بأنه لا يراه أحد في المستقبل، فلو رآه المؤمنون في الجنة لزم كذبه تعالى وهو محال.

واعترض عليه: بأن اللام في الجمع لو كان للعموم والإستغراق كما ذكرتم كان قوله تدركه الأبصار موجبة كلية، وقد دخل عليها النفي، فرفعها وهو رفع الإيجاب الكلي، ورفع الإيجاب الكلي سلب جزئي. ولو لم يكن للعموم كان قوله لا تدركه الأبصار

٢٩٧

سالبة مهملة في قوة الجزئية، فكان المعنى لا تدركه بعض الأبصار، ونحن نقول بموجبه حيث لا يراه الكافرون، ولو سلم فلا نسلم عمومه في الأحوال والأوقات فيحمل على نفي الرؤية في الدنيا جمعاً بين الأدلة.

والجواب: أنه قد تقرر في موضعه أن الجمع المحلى باللام عام نفياً وإثباتاً في المنفي والمثبت كقوله تعالى: وما الله يريد ظلماً للعباد، وما على المحسنين من سبيل، حتى أنه لم يرد في سياق النفي في شيء من الكتاب الكريم إلا بمعنى عموم النفي، ولم يرد لنفي العموم أصلاً، نعم قد اختلف في النفي الداخل على لفظة كل لكنه في القرآن المجيد أيضاً بالمعنى الذي ذكرنا كقوله تعالى: والله لا يحب كل مختال فخور، إلى غير ذلك، وقد اعترف بما ذكرنا في شرح المقاصد وبالغ فيه.

وأما منع عموم الأحوال والأوقات فلا يخفى فساده، فإن النفي المطلق الغير المقيد لا وجه لتخصيصه ببعض الأوقات إذ لا ترجيح لبعضها على بعض، وهو أحد الأدلة على العموم عند علماء الأصول.

وأيضاً صحة الإستثناء دليل عليه، وهل يمنع أحد صحة قولنا: ما كلمت زيداً إلا يوم الجمعة، ولا أكلمه إلا يوم العيد، وقال تعالى: ولا تعضلوهن، إلى قوله: إلا أن يأتين. وقال: ولا تخرجوهن، إلى قوله إلا أن يأتين.

وأيضاً كل نفي ورد في القرآن بالنسبة إلى ذاته تعالى فهو للتأبيد وعموم الأوقات لا سيما فيما قبل هذه الآية.

وأيضاً عدم إدراك الأبصار جميعاً لشيء لا يختص بشيء من الموجودات، خصوصاً مع اعتبار شمول الأحوال والأوقات، فلا يختص به تعالى، فتعين أن يكون التمدح بعدم إدراك شيء من الأبصار له في شيء من الأوقات.

وثانيهما: أنه تعالى تمدح بكونه لا يرى فإنه ذكره في أثناء المدائح، وما كان من الصفات عدمه مدحاً كان وجوده نقصاً يجب تنزيه الله تعالى عنه، وإنما قلنا من الصفات احترازاً عن الأفعال كالعفو والإنتقام فإن الأول تفضل، والثاني عدل، وكلاهما كمال.

٢٩٨

- الإقتصاد للشيخ الطوسي ص ٣٩

ولا يجوز عليه تعالى الرؤية بالبصر، لأن من شرط صحة الرؤية أن يكون المرئي نفسه أو محله مقابلاً للرائي بحاسة، أو في حكم المقابل، والمقابلة يستحيل عليه لأنه ليس بجسم، ومقابلة محله أيضاً يستحيل عليه لأنه ليس بعرض على ما بيناه.

ولأنه لو كان مرئياً لرأيناه مع صحة حواسنا وارتفاع الموانع المعقولة ووجوده، لأن المرئي إذا وجد وارتفعت الموانع المعقولة وجب أن نراه، وإنما لا نراه إما لبعد مفرط أو قرب مفرط أو لحائل بيننا وبينه أو للطافة أو صغر، وكل ذلك لا يجوز عليه تعالى لأنه من صفات الأجسام والجواهر.

وبمثل ذلك بعينه يعلم أنه لا يدرك بشيء من الحواس الباقية، فلا وجه للتطويل بذكره، والحاسة السادسة غير معقولة، ولو كانت معقولة لكان حكمها حكم هذه الحواس مع اختلافها واتفاقها في هذا الحكم.

وأيضاً قوله تعالى: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، دليل على استحالة رؤيته، لأنه تمدح بنفي الإدراك عن نفسه، وكل تمدح تعلق بنفي فإثباته لا يكون إلا نقصاً، كقوله: لا تأخذه سنة ولا نوم، وقوله تعالى: ما اتخذ الله من ولد، وقوله تعالى: ولم تكن له صاحبة ولا ولداً، وقوله تعالى: لا يظلم الناس شيئاً، وغير ذلك مما تعلق المدح بالنفي، فكان إثباته نقصاً. والآية فيها مدح بلا خلاف وإن اختلفوا في جهة المدح، والإدراك في الآية بمعنى الرؤية، لأنه نفى عن نفسه ما أثبته لنفسه بقوله: وهو يدرك الأبصار.

وقوله: وجوه يومئذ ناضرة، إلى ربها ناظرة، لا يعارض هذه الآية، لأن النظر المذكور في الآية معناه الإنتظار، فكأنه قال: لثواب ربها منتظرة.

ومثله قوله: وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة، أي منتظرة. وليس النظر بمعنى الرؤية في شيء من كلام العرب، ألا ترى أنهم يقولون: نظرت إلى الهلال فلم أره،

٢٩٩

فيثبتون النظر وينفون الرؤية، ولو كان معناه الرؤية لكان ذلك مناقضة، ويقولون: ما زلت أنظر إليه حتى رأيته، ولا يقولون: ما زلت أراه حتى رأيته. ولو سلم أن النظر بمعنى الرؤية لجاز أن يكون معناه: إلى ثواب ربها رائية، وثواب الله يصح رؤيته.

ويحتمل أن تكون إلى في الآية واحد الآلاء، لأنه يقال إلى وإلي وألي، وإنما لم تنون لمكان الإضافة، فتكون إلى في الآية إسماً لا حرفاً، فتسقط بذلك شبهة المخالف.

وقول موسىعليه‌السلام : رب أرني أنظر اليك، يحتمل أن يكون سأل الرؤية لقومه على ما حكاه الله عز وجل في قوله: فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة، فسأل الله تعالى ذلك ليرد الجواب من جهته فيكون أبلغ.

ويحتمل أن يكون سأل العلم الضروري الذي تزول معه الخواطر والشبهات، أو إظهار آية من آيات الساعة التي يحصل عندها العلم الذي لا شك فيه، وللأنبياء أن يسألوا تخفيف البلوى في التكليف، كما سأل ابراهيمعليه‌السلام فقال: رب أرني كيف تحيي الموتى، قال أو لم تؤمن، قال بلى ولكن ليطمئن قلبي، وكل ذلك لا ينافي الآية التي ذكرناها. انتهى. ويؤيد الوجه الأخير الذى ذكره الشيخ الطوسيرحمه‌الله تركيب الآية: أرني أنظر اليك، ولم يقل أنظرك، فهو يريد أن يريه شيئاً يجعله كأنه يشاهد اللّه تعالى.

- تفسير التبيان ج ٤ ص ٢٢٣

قوله تعالى:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير . الأنعام ١٠٣

في هذه الآية دلالة واضحة على أنه تعالى لا يرى بالأبصار، لأنه تمدح بنفي الإدراك عن نفسه، وكلما كان نفيه مدحاً غير متفضل به فإثباته لا يكون إلا نقصاً، والنقص لا يليق به تعالى. فإذا ثبت أنه لا يجوز إدراكه ولا رؤيته.

وهذه الجملة تحتاج إلى بيان أشياء: أحدها، أنه تعالى تمدح بالآية. والثاني أن الإدراك هو الرؤية. والثالث أن كلما كان نفيه مدحاً لا يكون إثباته إلا نقصاً.

٣٠٠