العقائد الإسلامية الجزء ٢

العقائد الإسلامية0%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 434

العقائد الإسلامية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 434
المشاهدات: 217324
تحميل: 5025


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 217324 / تحميل: 5025
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

النبي (ص) قلت: لا، قال النبي (ص): فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي.. فعلمت ما في السموات والأرض....!!

- وروى ابن حبان في المجروحين ج ٣ - ١٣٥

عن أنس أن الرسول (ص) قال: أتاه ربه في المنام في أحسن صورة، حتى وضع يده بين كتفه فوجد بردها بين ثديية.

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ٣١٩

وأخرج ابن نصر والطبراني في السنة عن ثوبانرضي‌الله‌عنه .... وفي بعض روايات السيوطي أنه رآه بقلبه، وفي بعضها (فعلمت في منامي ذلك ما سألني عنه من أمر الدنيا والآخرة، فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى).

تفسير آية: وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربّها ناظرة

كَلاّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ . القيامة ٢٠ - ٢٥

تفسير أهل البيتعليهم‌السلام وفقهاء مذهبهم

- تفسير القمّي ج ٢ ص ٣٩٧

وجوه يومئذ ناضرة: أي مشرقة. إلى ربها ناظرة: قال ينظرون إلى وجه الله أي إلى رحمة الله ونعمته. ووجوه يومئذ باسرة: أي ذليلة. انتهى. ورواه في الإحتجاج ج ٢ ص١٩١ وفي تفسير نور الثقلين ج ٥ ص ٤٦٤ وقال: وفي مجمع البيان، وقال: وروي ذلك عن مجاهد والحسن وسعيد بن جبير والضحاك، وهو المروي عن عليعليه‌السلام .

- أمالي المرتضى ج ١ ص ٢٨

مسألة: إعلم أن أصحابنا قد اعتمدوا في إبطال ما ظنه أصحاب الرؤية في قوله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، على وجوه معروفة، لأنهم بينوا أن النظر

٣٤١

ليس يفيد الرؤية ولا الرؤية من أحد محتملاته، ودلوا على أن النظر ينقسم إلى أقسام كثيرة، منها تقليب الحدقة الصحيحة في جهة المرئي طلباً لرؤيته، ومنها النظر الذي هو الإنتظار، ومنها النظر الذي هو التعطف والمرحمة، ومنها النظر الذي هو الفكر والتأمل، وقالوا إذا لم يكن قي أقسام النظر الرؤية لم يكن للقوم بظاهرها تعلق واحتجنا جميعاً إلى طلب تأويل الآية من غير جهة الرؤية.

وتأولها بعضهم على الإنتظار للثواب وإن كان المنتظر في الحقيقة محذوفاً والمنتظر منه مذكوراً، على عادة للعرب معروفة.

وسلم بعضهم أن النظر يكون الرؤية بالبصر وحمل الآية على رؤية أهل الجنة لنعم الله تعالى عليهم، على سبيل حذف المرئي في الحقيقة وهذا كلام مشروح في مواضعه، وقد بينا ما يرد عليه وما يجاب به عن الشبهة المعترضة في مواضع كثيرة. وهاهنا وجه غريب في الآية حكي عن بعض المتأخرين لا يفتقر معتمده إلى العدول عن الظاهر أو إلى تقدير محذوف ولا يحتاج إلى منازعتهم في أن النظر يحتمل الرؤية أو لا يحتملها، بل يصح الإعتماد عليه سواء كان النظر المذكور في الآية هو الإنتظار بالقلب أم الرؤية بالعين، وهو أن يحمل قوله تعالى إلى ربها إلى أنه أراد نعمة ربها لأن الآلاء النعم وفي واحدها أربع لغات: ألا مثل قفا، وألى مثل رمى، وألي مثل معي، وألَّى مثل حتَّى، قال أعشى بكر بن وائل:

أبيض لا يرهب الهزال ولا

يقطع رحماً ولا يخون إلى

أراد أنه لا يخون نعمة، وأراد تعالى إلى ربها فأسقط التنوين للإضافة.

فإن قيل: فأي فرق بين هذا الوجه وبين تأويل من حمل الآية على أنه أراد به إلى ثواب ربها ناظرة بمعنى رائية لنعمه وثوابه.

قلنا: ذلك الوجه يفتقر إلى محذوف لأنه إذا جعل إلى حرفاً ولم يعلقها بالرب تعالى فلا بد من تقدير محذوف، وفي الجواب الذي ذكرناه لا يفتقر إلى تقدير محذوف، لأن إلى فيه اسم يتعلق به الرؤية ولا يحتاج إلى تقدير غيره، والله أعلم بالصواب.

٣٤٢

- بحار الأنوار ج ٤ ص ٢٨

لي: علي بن أحمد بن موسى، عن الصوفي، عن الروياني، عن عبد العظيم الحسني، عن إبراهيم بن أبي محمود قال قال علي بن موسى الرضاعليه‌السلام في قول الله عز وجل: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة: يعني مشرفة تنتظر ثواب ربها.

بيان: إعلم أن للفرقة المحقة في الجواب عن الإستدلال بتلك الآية على جواز الرؤية وجوها:

الأول: ما ذكرهعليه‌السلام في هذا الخبر من أن المراد بالناظرة المنتظرة كقوله تعالى: فناظرة بم يرجع المرسلون. روي ذلك عن مجاهد والحسن وسعيد بن جبير والضحاك، وهو المروي عن عليعليه‌السلام ، واعترض عليه بأن النظر بمعنى الإنتظار لا يتعدى بإلى، وأجيب بأن تعديته بهذا المعنى بإلى كثيرة، كما قال الشاعر:

إني إليك لما وعدت لناظر

نظرالفقير إلى الغني الموسر

وقال آخر:

ويوم بذي قار رأيت وجوههم

إلى الموت من وقع السيوف نواظر

والشواهد عليه كثيرة مذكورة في مظانه، ويحكى عن الخليل أنه قال: يقال: نظرت إلى فلان بمعنى انتظرته، وعن ابن عباس أنه قال: العرب تقول إنما أنظر إلى الله ثم إلى فلان، وهذا يعم الأعمى والبصير، فيقولون: عيني شاخصة إلى فلان وطامحة إليك، ونظري إلى الله وإليك....

الثاني: أن يكون فيه حذف مضاف أي إلى ثواب ربها، أي هي ناظرة إلى نعيم الجنة حالاً بعد حال، فيزداد بذلك سرورها، وذكر الوجوه والمراد به أصحاب الوجوه، روي ذلك عن جماعة من علماء المفسرين من الصحابة والتابعين وغيرهم.

الثالث: أن تكون إلى بمعنى عند، وهو معنى معروف عند النحاة وله شواهد، كقول الشاعر:

فهل لكم فيما إلي فإنني

طبيب أعيي النطاسي حذيما

أي فيما عندي، وعلى هذا يحتمل تعلق الظرف بناضرة وبناظرة. والأول أظهر.

٣٤٣

الرابع: أن يكون النظر إلى الرب كناية عن حصول غاية المعرفة بكشف العلائق الجسمانية، فكأنها ناظرة إليه تعالى كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أعبد الله كأنك تراه.

- وقال السيد شرف الدين في كتاب أبو هريرة ج ١ ص ٦١

اما رؤية الله عز وجل بالعين الباصرة فقد أجمع الجمهور على إمكانها في الدنيا والآخرة، وأجمعوا أيضاً على وقوعها في الآخرة وأن المؤمنين والمؤمنات سيرونه يوم القيامة بأبصارهم، وأن الكافرين والكافرات لا يرونه أبداً. وأكثر هؤلاء على أن الرؤية لا تقع في الدنيا، وربما قال بعضهم بوقوعها أيضاً.

ثم أن المجسمة يرونه ماثلاً أمامهم فينظرون إليه كما ينظر بعضهم إلى بعض، لا يمارون فيه كما لا يمارون في الشمس والقمر ليس دونهما سحاب، على ما يقتضيه حديث أبي هريرة. وقد خالف هؤلاء حكم العقل والنقل، وخرقوا إجماع الأمة بأسرها، وخرجوا عليها ومرقوا من الدين، وخالفوا ما علم منه بحكم الضرورة الإسلامية، فلا كلام لنا معهم.

وأما غيرهم من الجمهور وهم المنزهون من الأشعرية فقد قالوا بأن الرؤية قوة سيجعلها الله تعالى يوم القيامة بأبصار المؤمنين والمؤمنات خاصة، لا تكون باتصال الأشعة، ولا بمقابلة المرئي ولا بتحيزه ولا بتكيفه، ولا، ولا، فهي على غير الرؤية المعهودة للناس، بل هي رؤية خاصة تقع من أبصار المؤمنين والمؤمنات على الله عز وجل لا كيف فيها ولا جهة من الجهات الست.

وهذا محال لا يعقل، ولا يمكن أن يتصوره متصور إلا إذا اختص الله المؤمنين في الدار الآخرة ببصر آخر لا تكون فيه خواص الأبصار المعهودة في الحياة الدنيا على وجه تكون فيه الرؤية البصرية كالرؤية القلبية، وهذا خروج عن محل النزاع في ظاهر الحال. ولعل النزاع بيننا وبينهم في الواقع ونفس الأمر لفظي. انتهى.

وقد بيننا في تفسير لا تدركه الأبصار، أن محاولة جعل الرؤية بحاسة أخرى كالعين خروج عن الموضوع، وأن روايات إخواننا تأبى ذلك لأنها ظاهرة في الرؤية بالعين المتعارفة.

٣٤٤

رؤية العارفين بقلوبهم أرقى من الرؤية البصرية

- روى الصدوق في التوحيد ص ١١٧

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق؛ قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال قلت له: أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟ قال: نعم، وقد رأوه قبل يوم القيامة، فقلت متى؟ قال: حين قال لهم: ألست بربكم قالوا بلى، ثم سكت ساعة، ثم قال: وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة، ألست تراه في وقتك هذا؟ قال أبو بصير فقلت له: جعلت فداك فأحدث بهذا عنك؟ فقال لا، فإنك إذا حدثت به فأنكر منكر جاهل بمعنى ما تقوله، ثم قدَّر أن ذلك تشبيه كفر. وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين، تعالى الله عما يصفه المشبهون والملحدون. ورواه المجلسي في بحار الأنوار ج ٤ ص ٤٤

- التحفة السنية ص ٨٤

ومن ثمة كان العلم الحاصل من الرؤية ألذ من العلم الحاصل من غيرها لازدياد الكشف فيها بسبب حضور نفس المعلوم عند الحس وصورته عند الذهن، فاللذة الزايدة إنما هي باعتبار هذا الإنكشاف الزايد من تصور معشوقه في خياله، فإنه يلتذ بتصوره لا محالة.

لكن لا نسبة لهذه اللذة إلى اللذة الحاصلة من مشاهدته رأي العين، وحيث أنها أقوى طرق الإنكشاف ربما يعبر عن مطلق الإنكشاف التام بأي طريق حصل بالرؤية والنظر كما في قوله سبحانه: إلى ربها ناظرة، وما ورد من بعض الطرق: أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى ربه ليلة المعراج ونحو ذلك، لتطابق العقل والنقل على امتناع الرؤية الحسية في حقه تعالى، لاشتراطها بالوضع والجهة وكثافة المرئي وغير ذلك.

٣٤٥

فالمراد بها أينما أطلقت في كلمات من يعتنى بتصحيح كلامهم: غاية الإنكشاف التام الذي لا يكون ما فوقه مجازاً مقبولاً لوجود العلاقة البينة، إن ثبت كون اللفظ حقيقة في خصوص البصرية، وإلا فمن استعمال المشترك في معناه الآخر حقيقة اعتماداً على وضوح القرينة وهي اشتراط الحسية بما يمتنع في حقه سبحانه.

وأحسن ما ينكشف به هذا المطلب ما سبقت روايته عن أمير المؤمنينعليه‌السلام من قوله: لم أعبد رباً لم أره، لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقايق الإيمان، حيث أثبتعليه‌السلام الرؤية أولاً، ثم استدرك ذلك بصرفها من العينية لأنها المتبادر، إلى القلبية.

- شرح الأسماء الحسنى ج ١ ص ١٨٥ - ١٩١

... ومنها قوله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، وجه الإحتجاج: أن النظر في اللغة جاء بمعنى الإنتظار ويتعدى بنفسه، وبمعنى التفكر ويستعمل بفي، وبمعنى الرأفة ويستعمل باللام، وبمعنى الرؤية ويستعمل بإلى كما في الآية، فوجب حمله على الرؤية كما قيل.

ويظهر من صاحب القاموس أن النظر المتعدي بنفسه يجيء بمعنى الرؤية أيضاً، وجعله من باب الحذف والإيصال خلاف الأصل، وأنه جاء بمعنى الحكم ويستعمل بكلمة بين فقال: نظره كضربه وسمعه، وإليه نظراً ومنظراً ونظراناً ومنظرة وتنظاراً: تأمله بعينه كتنظره، والأرض أرت العين نباتها، ولهم: أعانهم، وبينهم: حكم.انتهى.

واعترض على هذا الدليل أيضاً بأن النظر لا يدل على الرؤية، فإن النظر تقليب الحدقة نحو المرئي. بل ادعى بعضهم أن النظر المستعمل بإلى موضوع لذلك ولتحققه بدونها، يقال نظرت إلى الهلال فما رأيته، ولو كان بمعنى الرؤية لكان تناقضاً، ولم أزل أنظر إلى الهلال حتى رأيته، ولو حمل على الرؤية لكان الشيء غاية لنفسه.

٣٤٦

أقول: يمكن جعله من باب الإكتفاء بالمراد عن الإرادة، كقوله تعالى: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم، وهذا باب واسع كما في المغني وغيره، فمعنى قولهم نظرت إلى الهلال فما رأيته أردت رؤية الهلال فما رأيته، وهكذا في الآخر، بل في كل موضع يقال إنه لتقليب الحدقة، فالنظر محمول على معناه الحقيقي وهو الرؤية المرادة بتلك الإرادة، بل إذا نظرت المعاني المستعمل فيها النظر وجدت روح جلها لو لم يكن كلها، الرؤية. وأجيب أيضاً: بأن معنى قولهم نظرت إلى الهلال فما رأيته ونحوه، نظرت إلى مطلع الهلال.

واعترض أيضاً على هذا الدليل بأنا لا نسلم أن لفظة إلى صلة للنظر، بل واحدة الآلاء ومفعول به للنظر بمعنى الإنتظار، أي نعمة ربها منتظرة، ولو سلم فالنظر الموصول بإلى قد جاء للإنتظار قال الشاعر:

وشعث ينظرون إلى هلال

كما نظر الظما حب الغمام

والجواب: أما عن الثاني فبمثل ما ذكر عن حديث التقليب وكون النظر المستعمل بإلى بمعنى الإنتظار مما لم يثبت عند البلغاء، وأما عن الأول فبأن انتظار النعمة غم، بل قيل الإنتظار موت أحمر، والآية مسوقة لبيان النعم.

وهذا الجواب زيف، لأن الآية دالة على أن الحالة التى عبر عنها بقوله سبحانه: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، سابقة على حالة استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، بقرينة المقابلة لقوله تعالى: وجوه يومئذ باسره تظن أن يفعل بها فاقرة، أي تظن أن يفعل بها فعل هو في شدته وفظاعته داهية فاقرة تقصم فقار الظهر، ولم يفعل بها بعد، وحينئذ كان انتظار النعمة بعد البشارة بها سروراً يستتبع نضارة الوجه، كما أن انتظار إكرام الملك لا يكون موجباً للغم إذا تيقن وصوله إليه.

بل الحق في الجواب أن كون إلى في الآية بمعنى النعمة لا يخفى بعده وغرابته وإخلاله بالفهم عند تعلق النظر به، ولهذا لم يحمل الآية عليه أحد من أئمة التفسير.

٣٤٧

تفسيرهم الموافق لمذهبنا

- أورد السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٢٩٠ - أكثر من ثلاثين رواية وقولاً في تفسير قوله تعالى: إلى ربها ناظرة، منها روايتان توافقان مذهبنا وهما:

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي صالحرضي‌الله‌عنه في قوله وجوه يومئذ ناضرة، قال: حسنة، إلى ربها ناظرة: قال: تنتظر الثواب من ربها.... وأخرج ابن جرير عن مجاهدرضي‌الله‌عنه في قوله: إلى ربها ناظرة، قال: تنتظر منه الثواب. انتهى.

وستأتي بقية رواياته التي فيها تجسيم. وقد تقدم عدد من رواياتهم النافية لإمكان الرؤية بالعين في تفسير لا تدركه الأبصار، كرواية أبي سعيد الخدري في الدر المنثور ج ٣ ص ٣٧ وغيرها.

- قال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص ٥٨٣

وأما في الآخرة فذهب جمهور أهل السنة إلى إثبات رؤية الله تعالى للمؤمنين في الجنة، واحتجوا بقوله تعالى:وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة ، وبقوله تعالى عن الكافرين:كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ، وبحديث: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا البدر، وفي رواية: كما ترون الشمس في رابعة النهار ليس دونها سحاب، وهو في البخاري ومسلم.

وخالفهم في ذلك جماعة من أهل السنة والجماعة وغيرهم كالسيدة عائشةرضي‌الله‌عنها ومجاهد وأبي صالح السمان وعكرمة وغيرهم، وكذا المعتزلة والأباضية والزيدية، واحتجوا بقول الله تعالى:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، وأوَّلوا الآيات التي احتج بها جمهور أهل السنة بأن المراد بالآية هو: وجوه ناضرة مسرورة لأنها تنظر ثواب ربها وعطاءه وجنته وإنعامه، كما أنه هناك بالمقابل وجوه يومئذ باسرة عابسة تظن أن يفعل بها فاقرة أي مصابة بداهية كبيرة، وهذا الكلام هو بيان ما يكون في أرض المحشر، وحال المؤمنين والكافرين يومئذ، والرؤيا إنما تكون في الجنة.

٣٤٨

قالوا: فالمقام هنا مقام مقابلة بين وجوه تنتظر الثواب ووجوه تنتظر العقاب، ورؤية الله تعالى غير مرادة هنا وخصوصاً أن الكلام يتعلق بالموقف قبل الدخول للجنة والنار، وأنتم - يا جمهور أهل السنة والجماعة - تقولون بأن الرؤية إنما تتم في الجنة لا في أرض المحشر، وهذا الكلام يتعلق في أرض المحشر.

ورد هؤلاء على من قال من أهل السنة بأن لفظ (ناظرة) لا تأتي عربية بمعنى منتظرة، فقالوا: إن ذلك ليس صحيحاً، بل قد ورد القرآن الكريم بإثبات أن معنى ناظرة منتظرة! من ذلك قوله تعالى عن بلقيس:وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بهم يرجع المرسلون . النمل: ٣٥، أي منتظرة بم يرجع المرسلون، وهو واضح ظاهر.

كذلك قالوا بأن المراد بقوله تعالى:كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ، أي عن ثواب ربهم وإكرامه وإنعامه، والحجاب أيضاً هو عن كلامه لا عن رؤيته، لأن الله تعالى يقول وهو أصدق القائلين:ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم . البقرة: ١٧٤

- ثم قال في آخر بحثه ص ٥٩٠ فتبين من هذا كله أن هذه الآيات لا يصح الإستدلال بها في مسألة إثبات الرؤية، والله تعالى الموفق. انتهى.

ونؤكد هنا على ضرورة ملاحظة قوله تعالى(ووجوه يومئذ باسرة * تظن أن يفعل بها فاقرة) الذي يدل على أن هذا المشهد أحد مشاهد المحشر قبل دخول الجنة والنار كما روي عن عليعليه‌السلام . وهذا قرينة على أن (ناظرة) بمعنى منتظرة. ودليل على أن الذين فسروها بالنظر إلى الله تعالى في الجنة لم يلتفتوا إلى بقية الآيات!

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

- صحيح البخاري ج ٨ ص ١٧٨

باب قول الله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة.... عن جرير قال كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر قال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروب الشمس فافعلوا.

٣٤٩

- سنن الترمذي ج ٤ ص ٩٣

عن إسرائيل، عن ثوير، قال سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وزوجاته ونعيمه وخدمه وسرره مسير ألف سنة، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة . وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن إسرائيل عن ثوير عن ابن عمر مرفوعاً. ورواه عبدالملك بن أبجر عن ثوير، عن ابن عمر موقوفاً. ورواه عبيد الله الأشجعي عن سفيان عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر قوله ولم يرفعه.

- سنن الترمذي ج ٥ ص ١٠٣

عن إسرائيل عن ثوير قال سمعت ابن عمر يقول.... الخ. هذا حديث غريب، وقد روى غير واحد عن إسرائيل مثل هذا مرفوعاً، وروى عبد الملك بن الجبر عن ثوير، عن ابن عمر قوله ولم يرفعه. وروى الأشجعي عن سفيان عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر قوله ولم يرفعه، ولا نعلم أحداً ذكر فيه عن مجاهد غير الثوري. انتهى. ورواه أحمد في ج ٢ ص ٦٤ ورواه الحاكم في المستدرك ج ٢ ص ٥٠٩، ولكن فيه (ألفي سنة) بدل ألف سنة، قال: عن ثوير بن أبي فاختة عن ابن عمررضي‌الله‌عنهما قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن أدنى أهل الجنة منزلة لرجل ينظر في ملكه ألفي سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه، ينظر في أزواجه وخدمه وسرره.

- وقال السيوطي في الدرالمنثور ج ٣ ص ٣٧

وأخرج أبوالشيخ والبيهقي في كتاب الرؤية عن الحسن في قوله: لا تدركه الأبصار، قال: في الدنيا، وقال الحسن: يراه أهل الجنة في الجنة، يقول الله وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، قال ينظر إلى وجه الله.

- وقد استعرض السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٢٩٠ ، أكثر رواياتهم وأقوالهم في تفسير الآية، وقد تقدم منها ما يوافق مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، ونورد فيما يلي بقيتها،

٣٥٠

ونلاحظ أن أكثرها غير مسند إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل هو أقوال مفسرين، وأكثرهم علماء سلطة أو معادون لأهل البيتعليهم‌السلام .

قال السيوطي في ج ٦ ص ٢٩٠:

وأخرج ابن المنذر والآجري في الشريعة واللالكائي في السنة والبيهقي في الرؤية عن ابن عباس في قوله: وجوه يومئذ ناضرة، قال يعني حسنها، إلى ربها ناظرة، قال: نظرت إلى الخالق.

وأخرج ابن المنذر والآجري عن محمد بن كعب القرظي في قوله:وجوه يومئذ ناضرة ، قال نضر الله تلك الوجوه وحسنها للنظر إليه.

وأخرج ابن المنذر والآجري واللالكائي والبيهقي عن عكرمة:وجوه يومئذ ناضرة ، قال: ناضرة من النعيم،إلى ربها ناظرة ، قال: تنظر إلى الله نظراً.

وأخرج الدار قطني والآجري واللالكائي والبيهقي عن الحسن في الآية قال: النضرة الحسن، نظرت إلى ربها فنضرت بنوره.

وأخرج ابن جرير عن الحسن، وجوه يومئذ ناضرة: يقول حسنة، إلى ربها ناظرة، قال: تنظر إلى الخالق.

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله: وجوه يومئذ ناضرة، قال مسرورة. إلى ربها ناظرة، قال أنظر ماذا أعطى الله عبده من النور في عينيه أن لو جعل نور أعين جميع خلق الله من الإنس والجن والدواب وكل شيء خلق الله فجعل نور أعينهم في عينى عبد من عباده ثم كشف عن الشمس ستراً واحداً ودونها سبعون ستراً ما قدر على أن ينظر إلى الشمس، والشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي، والكرسي جزء من سبعين جزء من نور العرش، والعرش جزء من سبعين جزء من نور الستر. قال عكرمة: أنظروا ماذا أعطى الله عبده من النور في عينيه أن نظر إلى وجه الرب الكريم عياناً.

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله:وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة ، قال: تنظر إلى وجه ربها.

٣٥١

وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله:وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة قال: ينظرون إلى ربهم بلا كيفية ولا حد محدود ولا صفة معلومة. (وهل لهذا معنى مفهوم غير النظر بالقلب؟!)

وأخرج الدارقطني والخطيب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه هذه الآية: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، قال: والله ما نسخها منذ أنزلها، يزورون ربهم تبارك وتعالى فيطعمون ويسقون ويتطيبون ويحلون، ويرفع الحجاب بينه وبينهم فينظرون إليه وينظر إليهم عز وجل، وذلك قوله عز وجل: لهم رزقهم فيها بكرة وعشيا.

وأخرج أبوالشيخ عن الحسنرضي‌الله‌عنه قال: أول من ينظر إلى الله تبارك وتعالى الأعمى.

وأخرج ابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن موسى بن صالح بن الصباح قال: إذا كان يوم القيامة يؤتى بأهل ولاية الله فيقومون بين يديه ثلاثة أصناف، فيؤتى برجل من الصنف الأول فيقول عبدي لماذا عملت؟ فيقول: يا رب خلقت الجنة وأشجارها وثمارها وأنهارها وحورها ونعيمها وما أعددت لأهل طاعتك فيها فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري شوقاً إليها.... ثم يؤتى برجل من الصنف الثالث فيقول عبدي لماذا عملت؟ فيقول ربي حباً لك وشوقاً إليك وعزتك لقد أسهرت ليلي وأظمأت نهاري شوقاً إليك وحباً لك، فيقول الله عبدي إنما عملت شوقاً إلي وحباً لي، فيتجلى له الرب فيقول ها أنا ذا أنظر إليَّ! ثم يقول فضلي عليك أن أعتقك من النار وأبيحك جنتي وأزيرك ملائكتي وأسلم عليك بنفسي، فيدخل هو ومن معه الجنة.

- الجواهر الحسان للثعالبي ج ٣ ص ٤١٦

قوله تعالى:إلى ربها ناظرة ، حمل جميع أهل السنه هذه الآية على أنها متضمنة رؤية المؤمنين لله عز وجل بلا تكييف ولا تحديد.انتهى. ولكن هل ذلك نظراًبالعين!

٣٥٢

- تفسير الطبري ج ٢٩ ص ١١٩

عن مجاهد في:وجوه يومئذ ناضرة ، قال مسرورة.إلى ربها ناظرة ، قال: إلى ربها نظراً.

- وقال ابن حزم في المحلى ج ١ ص ٣٣

مسألة: وأن الله تعالى يراه المسلمون يوم القيامة بقوة غير هذه القوة. قال عز وجل: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة.... ولو كانت هذه القوة لكانت لا تقع إلا على الألوان، تعالى الله عن ذلك. وأما الكفار فإن الله عز وجل قال:إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون . انتهى. وقد اضطر ابن حزم أن يجعل الرؤية غير بصرية وأن يوافق أهل البيتعليهم‌السلام .

- وقال القسطلاني في إرشاد الساري ج ١٠ ص ٣٩٨

- قوله تعالى(إلى ربها ناظرة) بلا كيفية ولا جهة ولا ثبوت مسافة. وقال القاضي: تراه مستغرقة في مطالعة جماله بحيث تغفل عما سواه. انتهى. وهي رؤية غير بصرية كما ترى.

- وقال الألباني في فتاوىه ص ١٤٣

إن عقيدة رؤية الله لم ترد في السنة فقط حتى تشككوا فيها، إن هذه العقيدة أيضاً قد جاءت في القرآن الكريم المتواتر روايته عن رسول الله.... إن قوله تعالى:وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة ، هي وجوه المؤمنين قطعاً إلى ربها ناظرة.... المعتزلة والشيعة جاءوا بفلسفه ففسروا: وجوه إلى ربها ناظرة، أي إلى نعيم ربها ناظرة، أعطوا دلالة الآية ورفضوا التفسير الثاني للذين أحسنوا، وهذه الفلسفة معول هدام للسنة الصحيحة. انتهى.

وبذلك كشف الشيخ الألباني حقيقة موقف القائلين بالرؤية، فقد اعترف بأن تفسير (ناظرة) بالنظر المعنوي يحقق الإنسجام والتوافق بين الآيات المحكمات

٣٥٣

مثل:لا تدركه الأبصار ، وبين هذه الآية. ولكن الخطر كل الخطر منه على (السنة الشريفة) أن يهدمها معول تأويل هذه الآية!

فلماذا يا ترى يهتمون بالمحافظة على روايات الرؤية ويخافون أن تهدم، ولا يهتمون بالآيات المحكمات النافية للرؤية ولايخافون أن تهدم!

ثم إن أحاديث السنة عند إخواننا منها ما ينفي الرؤية بالعين مطلقاً ومنها ما يثبتها صراحة، وجميعها في البخاري، الكتاب المعصوم بزعمهم من الجلد إلى الجلد، فكيف صار بعض البخاري سنة يجب أن يحفظ من خطر الهدم، وبعضه سنة لا مانع أن يهدم، وتهدم معه آيات محكمات!

لعل جوابهم: أن الذين رووا أحاديث نفي الرؤية عن النبي هم عائشة وعدد من الصحابة وأهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بينما الذين رووا أحاديث الرؤية الخليفة عمر والمقربون منه، وعند التعارض يجب أن نحافظ على روايات عمر ولا نسمح لأحد أن يهدمها أو يمسها، ويجب أن نعمل معول التأويل أو الهدم في آيات نفي الرؤية وأحاديثها لكي تخضع لما قاله كعب الأحبار والخليفة عمر ومن وافقهما!

بل الظاهر أنه لا مانع عند إخواننا من أن ترد أقوال كل الصحابة وأن تهدم عصمة البخاري برد بعض أحاديثه، لأنهم إنما يريدون عصمة البخاري من أجل عصمة المولى عمر! إنهم يقولون: الخليفة قال برؤية الله بالعين، والقول ما قاله عمر، وانتهى الكلام.

وإذا وصل الأمر إلى هذا، فعلى المسلم أن يسكت كما سكت نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو على فراش الموت عندما صاحوا في وجهه (القول ما قاله عمر) عندما كرروا شعارهم في وجهه قال لهم: قوموا عني! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

* *

٣٥٤

تفسير آيات التجلّي لموسىعليه‌السلام

قال اللّه تعالى:وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ . الأعراف - ١٤٣

قال أهل البيتعليهم‌السلام : تجلّى بنوره الذي خلقه، لا بذاته

الإمام الرضا يدفع التهم عن الأنبياءعليهم‌السلام

- روى الصدوق في كتابه التوحيد ص ١١٨ - ١٢٢

حدثنا محمد بن موسى بن المتوكلرحمه‌الله قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه محمد بن خالد، عن أحمد بن النضر، عن محمد بن مروان، عن محمد بن السائب، عن أبي الصالح، عن عبد الله بن عباس في قوله عز وجل: فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين، قال يقول: سبحانك تبت إليك من أن أسألك الرؤية، وأنا أول المؤمنين بأنك لا ترى.

قال محمد بن علي بن الحسين مصنف هذا الكتابرضي‌الله‌عنه : إن موسىعليه‌السلام علم أن الله عز وجل لا يجوز عليه الرؤية، وإنما سأل الله عز وجل أن يريه ينظر إليه عن قومه حين ألحوا عليه في ذلك، فسأل موسى ربه ذلك من غير أن يستأذنه فقال: رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه، في حال تدكدكه فسوف تراني. ومعناه أنك لا تراني أبداً، لأن الجبل لا يكون ساكناً متحركاً في حال أبداً، وهذا مثل قوله عز وجل: ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط، ومعناه أنهم لا يدخلون الجنة أبداً كما لا يلج الجمل في سم الخياط أبداً.

٣٥٥

فلما تجلى ربه للجبل: أي ظهر بآية من آياته، وتلك الآية نور من الأنوار التي خلقها ألقى منها على ذلك الجبل، فجعله دكا وخر موسى صعقا، من هول تدكدك ذلك الجبل على عظمه وكبره، فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك، أي رجعت إلى معرفتي بك عادلاً عما حملني عليه قومي من سؤالك الرؤية، ولم تكن هذه التوبة من ذنبه لأن الأنبياء لا يذنبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً، ولم يكن الإستيذان قبل السؤال بواجب عليه، لكنه كان أدباً أن يستعمله ويأخذ به نفسه متى أراد أن يسأله.

على أنه قد روى قوم أنه قد استأذن في ذلك فأذن له ليعلم قومه بذلك أن الرؤية لا تجوز على الله عز وجل.

وقوله: وأنا أول المؤمنين، يقول أنا أول المؤمنين من القوم الذين كانوا معه وسألوه أن يسأل ربه أن يريه ينظر إليه، بأنك لا ترى.

والأخبار التي رويت في هذا المعنى وأخرجها مشايخنارضي‌الله‌عنهم في مصنفاتهم عندي صحيحة، وإنما تركت إيرادها في هذا الباب خشية أن يقرأها جاهل بمعانيها فيكذب بها فيكفر بالله عز وجل وهو لا يعلم....

ومعنى الرؤية الواردة في الأخبار العلم، وذلك أن الدنيا دار شكوك وارتياب وخطرات، فإذا كان يوم القيامة كشف للعباد من آيات الله وأموره في ثوابه وعقابه ما تزول به الشكوك، وتعلم به حقيقة قدرة الله عز وجل.

وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد، فمعنى ما روي في الحديث أنه عز وجل يرى أي يعلم علماً يقينياً، كقوله عز وجل: ألم تر إلى ربك كيف مد الظل. وقوله: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه، وقوله: ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت: وقوله: ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، وأشباه ذلك من رؤية القلب وليست من رؤية العين.

وأما قول الله عز وجل: فلما تجلى ربه للجبل، فمعناه: لما ظهر عز وجل للجبل

٣٥٦

بآية من آيات الآخرة التي تكون بها الجبال سراباً، والذي ينسف بها الجبال نسفاً، تدكدك الجبل فصار تراباً، لأنه لم يطق حمل تلك الآية، وقد قيل إنه بدا له نور العرش....

وتصديق ما ذكرته ما حدثنا به تميم القرشي، عن أبيه، عن حمدان بن سليمان، عن علي بن محمد بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسىعليهما‌السلام فقال له المأمون: يا ابن رسول الله أليس من قولك: إن الأنبياء معصومون قال: بلى، فسأله عن آيات من القرآن فكان فيما سأل أن قال له: فما معنى قول الله عز وجل: ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني، الآية كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمرانعليه‌السلام لا يعلم أن الله تعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله عن هذا السؤال.

فقال الرضاعليه‌السلام : إن كليم الله موسى بن عمرانعليه‌السلام علم أن الله تعالى عن أن يرى بالأبصار، ولكنه لما كلمه الله عز وجل وقربه نجياً رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله عز وجل كلمه وقربه وناجاه، فقالوا: لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت وكان القوم سبعمائة ألف رجل فاختار منهم سبعين ألفاً، ثم اختار منهم سبعة آلاف، ثم اختار منهم سبعمائة، ثم اختار منهم سبعين رجلاً لميقات ربه، فخرج بهم إلى طور سيناء فأقامهم في سفح الجبل، وصعد موسىعليه‌السلام إلى الطور، وسأل الله تبارك وتعالى أن يكلمه ويسمعهم كلامه، فكلمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام، لأن الله عز وجل أحدثه في الشجرة ثم جعله منبعثاً منها حتى سمعوه من جميع الوجوه، فقالوا: لن نؤمن لك بأن هذا الذي سمعناه كلام الله حتى نرى الله جهرة، فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله عز وجل عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا، فقال موسى: يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا: إنك ذهبت بهم فقتلتهم لأنك لم تكن صادقاً فيما ادعيت من مناجاة الله، إياك فأحياهم الله وبعثهم معه فقالوا: إنك لو

٣٥٧

سألت الله أن يريك تنطر إليه لأجابك، وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته! فقال موسىعليه‌السلام : يا قوم إن الله لا يرى بالأبصار ولا كيفية له، وإنما يعرف بآياته ويعلم بأعلامه. فقالوا: لن نؤمن لك حتى تسأله فقال موسىعليه‌السلام : يا رب إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم فأوحى الله جل جلاله إليه: يا موسى اسألني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم، فعند ذلك قال موسىعليه‌السلام : رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه، وهو يهوي، فسوف تراني، فلما تجلى ربه للجبل بآياته جعله دكاً وخر موسى صعقا، فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك، يقول: رجعت إلي معرفتي بك عن جهل قومي، وأنا أول المؤمنين، منهم بأنك لا ترى.

فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن.... الخبر....

ولو أوردت الأخبار التي رويت في معنى الرؤية لطال الكتاب بذكرها وشرحها وإثبات صحتها، ومن وفقه الله تعالى ذكره للرشاد آمن بجميع ما يرد عن الأئمةعليهم‌السلام بالأسانيد الصحيحة وسلم لهم، ورد الأمر فيما اشتبه عليه إليهم، إذ كان قولهم قول الله وأمرهم أمره، وهم أقرب الخلق إلى الله عز وجل وأعلمهم به، صلوات الله عليهم أجمعين.

- وقال في علل الشرائع ج ٢ ص ٤٩٧

حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى العلوي الحسينيرحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن أسباط قال حدثنا أحمد بن محمد بن زياد القطان قال: حدثني أبوالطيب أحمد بن محمد بن عبد الله قال حدثني عيسى بن جعفر العلوي العمري عن آبائه عن عمر بن علي عن أبيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام أنه سئل مم خلق الله الذر الذي يدخل في كوة البيت؟ فقال: إن موسىعليه‌السلام : لما قال: ربي أرني أنظر إليك، قال الله تعالى: إن استقر الجبل لنوري فإنك ستقوى على أن تنظر إليّ، وإن لم يستقر فلا تطيق إبصاري لضعفك، فلما تجلى الله تبارك وتعالى للجبل تقطع ثلاث قطع،

٣٥٨

فقطعة ارتفعت في السماء، وقطعة غاصت تحت الأرض، وقطعة تفتت فهذا الذر من ذلك الغبار، غبار الجبل.

- تفسير العياشي ج ٢ ص ٢٦

عن أبي بصير عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام قال: لما سأل موسى ربه تبارك وتعالى: قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني، قال: فلما صعد موسى على الجبل فتحت أبواب السماء وأقبلت الملائكة أفواجاً في أيديهم العمد وفي رأسها النور، يمرون به فوجاً بعد فوج يقولون: يابن عمران أثبت فقد سألت عظيماً، قال: فلم يزل موسى واقفاً حتى تجلى ربنا جل جلاله، فجعل الجبل دكاً وخر موسى صعقاً، فلما أن رد الله إليه روحه أفاق قال: سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين.

قال ابن أبي عمير: وحدثني عدة من أصحابنا أن النار أحاطت به، حتى لا يهرب من هول ما رأى.

- وقال الشريف المرتضى في أماليه ج ٤ ص ١٢٥

فإن قيل: كيف يجوز منه عليه الصلاة والسلام مع علمه باستحالة الرؤية عليه تعالى أن يسأل فيها لقومه، ولئن جاز ذلك ليجوزن أن يسأل لقومه سائر ما يستحيل عليه تعالى من كونه جسماً وما أشبهه متى شكوا فيه.

قلنا: إنما صح ما ذكرناه في الرؤية ولم يصح فيما سألت عنه لأنه مع الشك في جواز الرؤية التي لا يقتضي كونه جسماً يمكن معرفة السمع وأنه تعالى حكيم صادق في إخباره، فيصح أن يعرفوا بالجواب الوارد من جهته تعالى استحالة ما شكوا في صحته وجوازه، ومع الشك في كونه جسماً لا يصح معرفة السمع فلا يقع بجوابه انتفاع ولا علم..

وقد قال بعض من تكلم في هذه الآية قد كان جائزاً أن يسأل موسىعليه‌السلام لقومه ما يعلم استحالته وإن كانت دلالة السمع لا تثبت قبل معرفته متى كان المعلوم أن في

٣٥٩

ذلك صلاحاً للمكلفين في الدين، وإن ورود الجواب يكون لطفاً لهم في النظر في الأدلة وإصابة الحق منها، غير أن من أجاب بذلك شرط أن يتبين في مسألة علمه باستحالة ما سأل عنه وأن غرضه في السؤال ورود الجواب ليكون لطفاً..

والجواب الثاني في الآية أن يكون موسىعليه‌السلام إنما سأل ربه أن يعلمه نفسه ضرورةً بإظهار بعض أعلام الآخرة التي تضطره إلى المعرفة فتزول عنه الدواعي والشكوك والشبهات ويستغني عن الإستدلال فتخف المحنة عليه بذلك، كما سأل إبراهيمعليه‌السلام ربه تعالى أن يريه كيف يحيى الموتى طلباً للتخفيف عليه بذلك، وإن كان قد عرف ذلك قبل أن يراه، والسؤال إن وقع بلفظ الرؤية فإن الرؤية تفيد العلم كما تفيد الإدراك بالبصر، وذلك أظهر من أن يستدل عليه أو يستشهد به، فقال له جل وعز: لن تراني، أي لن تعلمني على هذا الوجه الذي التمسته مني، ثم أكد تعالى ذلك بأن أظهر في الجبل من آياته وعجائبه ما دل به على أن إظهار ما تقوم به المعرفة الضرورية في الدنيا مع التكليف وبيانه لا يجوز، وأن الحكمة تمنع منه.

والوجه الأول أولى لما ذكرناه من الوجوه ولأنه لا يخلو موسىعليه‌السلام من أن يكون شاكاً في أن المعرفة ضرورية لا يصح حصولها في الدنيا أو عالماً بذلك، فإن كان شاكاً فهذا مما لا يجوز على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأن الشك فيما يرجع إلى أصول الديانات وقواعد التكليف لا يجوز عليهم سلام الله عليهم، لا سيما وقد يجوز أن يعلم ذلك على الحقيقة بعض أمتهم فيزيد عليهم في المعرفة، وهذا أبلغ في التنفير عنهم من كل شيء يمنع منه فيهم. وإن كان عالماً فلا وجه لسؤاله إلا أن يقال إنه سأل لقومه، فيعود إلى معنى الجواب الأول.

والجواب الثالث في الآية، ما حكي عن بعض من تكلم في هذه الآية من أهل التوحيد وهو أن قال: يجوز أن يكون موسىعليه‌السلام في وقت مسألته ذلك كان شاكاً في جواز الرؤية على الله تعالى فسأل ذلك ليعلم هل يجوز عليه أم لا، قال وليس شكه في ذلك بمانع من أن يعرف الله تعالى بصفاته بل يجري مجرى شكه في جواز الرؤية على بعض ما لا يرى من الأعراض في أنه غير مخل بما يحتاج إليه في معرفته تعالى.

٣٦٠