العقائد الإسلامية الجزء ٢

العقائد الإسلامية0%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 434

العقائد الإسلامية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 434
المشاهدات: 217023
تحميل: 5013


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 217023 / تحميل: 5013
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قال: ولا يمتنع أن يكون غلطه في ذلك ذنباً صغيراً وتكون التوبة الواقعة منه لأجل ذلك.

وهذا الجواب يبعد من قبل أن الشك في جواز الرؤية التي لا تقتضي تشبيهاً، وإن كان لا يمنع من معرفته تعالى بصفاته فإن الشك في ذلك لا يجوز على الأنبياءعليهم‌السلام من حيث يجوز من بعض من بعثوا إليه أن يعرف ذلك على الحقيقة فيكون النبي صلى الله عليه شاكاً فيه وغيره عارفاً به مع رجوعه إلى المعرفة بالله تعالى وما يجوز عليه وما لا يجوز عليه، وهذا أقوى في التنفير وأزيد على كل ما وجب أن يجنبه الأنبياءعليهم‌السلام .

فإن قيل: فعن أي شيء كانت توبة موسىعليه‌السلام على الجوابين المتقدمين؟

قلنا: أما من ذهب إلى أن المسألة كانت لقومه، فإنه يقول إنما تاب لأنه أقدم على أن سأل على لسان قومه ما لم يؤذن له فيه، وليس للأنبياء ذلك لأنه لا يؤمن أن يكون الصلاح في المنع منه فيكون ترك إجابتهم إليه منفراً عنهم. ومن ذهب إلى أنه سأل المعرفة الضرورية يقول إنه تاب من حيث سأل معرفة لا يقتضيها التكليف. وعلى جميع الأحوال تكون التوبة من ذنب صغير لا يستحق عليه العقاب ولا الذم.

والأولى أن يقال في توبته عليه الصلاة والسلام: إنه ليس في الآية ما يقتضي أن تكون التوبة وقعت من المسألة أو من أمر يرجع إليها، وقد يجوز أن يكون ذلك منه إما لذنب صغير تقدم تلك الحال أو تقدم النبوة، فلا يرجع إلى سؤال الله تعالى الرؤيا أو ما أظهره من التوبة على سبيل الرجوع إلى الله تعالى وإظهار الإنقطاع إليه والتقرب منه وإن لم يكن هناك ذنب صغير، وقد يجوز أيضاً أن يكون الغرض في ذلك مضافاً إلى ما قلناه تعليماً وتوقيفاً على ما نستعمله وندعوه به عند الشدائد ونزول الأهوال وتنبيه القوم المخطئين خاصة على التوبة مما التمسوه من الرؤية المستحيلة عليه تعالى، فإن الأنبياءعليهم‌السلام وإن لم يقع منهم القبيح عندنا فقد يقع من غيرهم ويحتاج من رفع ذلك عنه إلى التوبة من الإستقالة..

٣٦١

فأما قوله تعالى: فلما تجلى ربه للجبل، فإن التجلى هاهنا هو التعريف والإعلام والإظهار لما يقتضي المعرفة، كقولهم هذا كلام جلي أي واضح ظاهر، وكقول الشاعر:

تجلى لنا بالمشرفية والقنا

وقد كان عن وقع الأسنة نائيا

أراد أن تدبيره دل عليه حتى علم أنه المدبر له وإن كان نائياً فأقام ما أظهره من دلالة فعله على مقام مشاهدته وعبر عنه بأنه تجلى منه.

وفي قوله تعالى (للجبل) وجهان، أحدهما، أن يكون المراد لأهل الجبل ومن كان عند الجبل فحذف كما قال تعالى: واسأل القرية، وما بكت عليهم السماء والأرض، وقد علمنا أنه بما أظهره من الآيات إنما دل من كان عند الجبل على أن رؤيته تعالى غير جائزة. والوجه الآخر، أن يكون المعنى للجبل أي بالجبل، فأقام اللام مقام الباء كما قال تعالى: آمنتم له قبل أن آذن لكم، أي به، وكما تقول: أخذتك لجرمك أي بجرمك، ولما كانت الآية الدالة على منع ما سأل إنما حلت الجبل وظهرت فيه جاز أن يضاف التجلّي إليه.

وقد استدل بهذه الآية كثير من العلماء الموحدين على أنه تعالى لا يرى بالأبصار من حيث نفي الرؤية نفياً عاماً بقوله تعالى: لن تراني، ثم أكد ذلك بأن علق الرؤية باستقرار الجبل الذي علمنا أنه لم يستقر، وهذه طريقة للعرب معروفة في تبعيد الشيء لأنهم يعلقونه بما يعلم أنه لا يكون كقولهم: لا كلمتك ما أضاء الفجر وطلعت الشمس، وكقول الشاعر:

إذا شاب الغراب رجوت أهلي

وصار القير كاللبن الحليب

- بحار الأنوار ج ٣ ص ٤٥: أورد رواية الصدوق الأولى عن الأمالي والتوحيد وقال:

بيان: إعلم أن المنكرين للرؤية والمثبتين لها كليهما استدلوا بما ورد في تلك القصة على مطلوبهم، فأما المثبتون فاحتجوا بها بوجهين:

الأول: أن موسىعليه‌السلام سأل الرؤية ولو امتنع كونه تعالى مرئياً لما سأل، لأنه حينئذ

٣٦٢

إما أن يعلم امتناعه أو يجهله فإن علمه فالعاقل لا يطلب المحال لأنه عبث، وإن جهله فالجاهل بما لا يجوز على الله تعالى ويمتنع لا يكون نبياً كليماً.

وأجيب عنه بوجوه: الأول: ما ورد في هذا الخبر من أن السؤال إنما كان بسبب قومه لا لنفسه، لأنه كان عالماً بامتناعها، وهذا أظهر الوجوه واختاره السيد الأجل المرتضى في كتابي تنزيه الأنبياء وغرر الفوائد، وأيده بوجوه:

منها، حكاية طلب الرؤية من بني إسرائيل في مواضع كقوله تعالى:فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم . وقوله تعالى:وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون . ومنها، أن موسىعليه‌السلام أضاف ذلك إلى السفهاء، قال الله تعالى:فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا . وإضافة ذلك إلى السفهاء تدل على أنه كان بسببهم ومن أجلهم حيث سألوا ما لا يجوز عليه تعالى.

فإن قيل: فلم أضاف السؤال إلى نفسه ووقع الجواب مختصاً به.

قلنا: لا يمتنع وقوع الإضافة على هذا الوجه، مع أن السؤال كان لأجل الغير إذا كانت هناك دلالة تؤمن من اللبس، فلهذا يقول أحدنا إذا شفع في حاجة غيره للمشفوع إليه: أسألك أن تفعل بي كذا وتجيبني إلى ذلك، ويحسن أن يقول المشفوع إليه: قد أجبتك وشفعتك، وما جرى مجرى ذلك، على أنه قد ذكر في الخبر ما يغني عن هذا الجواب.

وأما ما يورد في هذا المقام من أن السؤال إذا كان للغير، فأي جرم كان لموسى حتى تاب منه؟

فأجابرحمه‌الله بحمل التوبة على معناها اللغوي أي الرجوع، أي كنت قطعت النظر عما كنت أعرفه من عدم جواز رؤيتك، وسألت ذلك للقوم فلما انقضت المصلحة في ذلك تركت هذا السؤال ورجعت إلى معرفتي بعدم جواز رؤيتك وما تقتضيه من عدم السؤال.

٣٦٣

وأجاب السيد قدس الله روحه عنه بأنه يجوز أن يكون التوبة لأمر آخر غير هذا الطلب، أو يكون ما أظهره من التوبة على سبيل الرجوع إلى الله تعالى، وإظهار الإنقطاع إليه والتقرب منه وإن لم يكن هناك ذنب.

والحاصل أن الغرض من ذلك إنشاء التذلل والخضوع، ويجوز أن يضاف إلى ذلك تنبيه القوم المخطئين على التوبة مما التمسوه من الرؤية المستحيلة عليه. بل أقول يحتمل أن تكون التوبة من قبلهم كما كان السؤال كذلك.

الثاني: أنهعليه‌السلام لم يسأل الرؤية بل تجوز بها عن العلم الضروري لأنه لازمها، وإطلاق اسم الملزوم على اللازم شائع سيما استعمال رأى بمعنى علم وأرى بمعنى أعلم، والحاصل أنه سأله أن يعلمه نفسه ضرورة بإظهار بعض أعلام الآخرة التي تضطره إلى المعرفة، فتزول عنه الدواعي والشكوك، ويستغني عن الإستدلال كما سأل إبراهيمعليه‌السلام : رب أرني كيف تحيي الموتى.

الثالث: أن في الكلام مضافاً محذوفاً أي أرني آية من آياتك أنظر إلى آيتك، وحاصله يرجع إلى الثاني.

الرابع: أنهعليه‌السلام سأل الرؤية مع علمه بامتناعها لزيادة الطمأنينة بتعاضد دليل العقل والسمع، كما في طلب إبراهيمعليه‌السلام ، وحاصله يرجع إلى منع أن العاقل لا يطلب المحال الذي علم استحالته إذ يمكن أن يكون الطلب لغرض آخر غير حصول المطلوب، فلا يلزم العبث لجواز ترتب غرض آخر عليه، والعبث ما لا فائدة فيه أصلاً، ولعل في هذا السؤال فوائد عظيمة سوى ما ذكر أيضاً ولا يلزمنا تعيين الفائدة بل على المستدل أن يدل على انتفائها مطلقاً، ونحن من وراء المنع، ومما يستغرب من الأشاعرة أنهم أجمعوا على أن الطلب غير الإرادة، واحتجوا عليه بأن الآمر ربما أمر عبده بأمر وهو لا يريده، بل يريد نقيضه، ثم يقولون هاهنا: بأن طلب ما علم استحالته لا يتأتى من العاقل.

الثاني من وجهي احتجاجهم: هو أنه تعالى علق الرؤية على استقرار الجبل وهو

٣٦٤

أمر ممكن في نفسه، والمعلق على الممكن ممكن، لأن معنى التعليق أن المعلق يقع على تقدير وقوع المعلق عليه، والمحال لا يقع على شيء من التقادير.

ويمكن الجواب عنه بوجوه، أوجهها أن يقال: التعليق إما أن يكون الغرض منه بيان وقت المعلق وتحديد وقوعه بزمان وشرط، ومن البينِّ أن ما نحن فيه ليس من هذا القبيل. وإما أن يكون المطلوب فيه مجرد بيان تحقق الملازمة وعلاقة الإستلزام بأن يكون لإفادة النسبة التي بين الشرط والجزاء مع قطع النظر عن وقوع شيء من الطرفين وعدم وقوعه، ولا يخفى على ذي لب أن لا علاقة بين استقرار الجبل ورؤيته تعالى في نفس الأمر ولا ملازمة. على أن إفادة مثل هذا الحكم وهو تحقق علاقة اللزوم بين هاتين القضيتين لا يليق بسياق مقاصد القرآن الحكيم مع ما فيه من بعده عن مقام سؤال الكليم، فإن المناسب لما طلب من الرؤية بيان وقوعه ولا وقوعه، لا مجرد إفادة العلاقة بين الأمرين فالصواب حينئذ أن يقال: المقصود من هذا التعليق بيان أن الجزاء لا يقع أصلاً بتعليقه على ما لا يقع، ثم هذا التعليق إن كان مستلزماً للعلاقة بين الشرط والجزاء فواجب أن يكون إمكان الجزاء مستتبعاً لإمكان الشرط، لأن ماله هذه العلاقة مع المحال لا يكون ممكناً على ما هو المشهور من أن مستلزم المحال محال، وإلا فلا وجه لوجوب إمكان الجزاء. والأول وإن كان شائع الإرادة من اللفظ إلا أن الثاني أيضاً مذهب معروف للعرب كثير الدوران بينهم، وهو عمدة البلاغة ودعامتها، ومن ذلك قول الشاعر:

إذا شاب الغراب أتيت أهلي

وصار القار كاللبن الحليب

ومعلوم أن مشيب الغراب وصيرورة القار كالحليب لا ملازمة بينهما وبين إتيان الشاعر أهله. ونظيره في الكتاب الكريم كثير كتعليق خروج أهل النار منها على ولوج الجمل في سم الخياط، وبعيد من العاقل أن يدعي علاقة بينهما، وإذا كان ذلك التعليق أمراً شائعاً كثير الوقوع في كلامهم فلا ترجيح للإحتمال الأول بل الترجيح معنا، فإن البلاغة في ذلك، وأما إذا تحققت العلاقة في الواقع بينهما وعلق عليه

٣٦٥

لمكان تلك العلاقة فليس له ذلك الموقع من حسن القبول، ألا ترى أن المتمني لوصال حبيبه الميت لو قال: إذا رجع الموتى إلى الدنيا أمكن لي زيارة الحبيب، لم يكن كقول الصب المتحسر على مفارقة الأحباء: متى أقبل الأمس الدابر وحيي الميت الغابر طمعت في اللقاء.

وأيضاً لا يخفى على ذي فطرة أن التزام تحقق علاقة لزوم بين استقرار الجبل في تلك الحال وبين رؤيته تعالى بحيث لو فرض وقوع ذلك الإستقرار امتنع أن لا تقع رؤيته تعالى، مستبعد جداً يكاد يجزم العقل ببطلانه، فإذن المقصود من ذلك الكلام مجرد بيان انتفائه بتعليقه على أمر غير واقع، ويكفي في ذلك عدم وقوع المعلق عليه، ولا يستدعي امتناع المعلق امتناعه. ولو سلم فنقول: إن المعلق عليه هو الإستقرار لا مطلقاً بل في المستقبل وعقيب النظر، بدلالة الفاء وإن، وذلك لأنه إذا دخلت الفاء على إن تفيد اشتراط التعقيب لا تعقيب الإشتراط، فالشرط هاهنا وقوع الإستقرار عقيب النظر، والنظر ملزوم لوقوع حركة الجبل عقيبه، فوقوع السكون عقيبه محال لاستحالة وقوع الشيء عقيب ما يستعقب منافي ذلك الشيء ويستلزم وقوعه عقيبه.

وأما أن النظر لا يستلزم اندكاك الجبل وتزلزله ولا علاقة بينه وبينه وإنما هو مصاحبة اتفاقية فممنوع، ولعل النظر ملزوم للحركة كما أن استقرار الجبل ملزوم لرؤيته تعالى، وتحقق العلاقة بين النظر والحركة ليس بأبعد من تحقق العلاقة بين الإستقرار والرؤية.

ولنقتصر على ذلك فإن إطناب الكلام في كل من الدلائل والأجوبة يوجب الخروج عما هو المقصود من الكتاب.

وأما المنكرون فاحتجوا بقوله تعالى: لن تراني، إن كلمة لن تفيد إما تأبيد النفي في المستقبل، كما صرح به الزمخشري في أنموذجه، فيكون نصاً في أن موسىعليه‌السلام لا يراه أبداً، أو تأكيده على ما صرح به في الكشاف، فيكون ظاهراً في ذلك لأن المتبادر في مثله عموم الأوقات، وإذا لم يره موسى لم يره غيره إجماعاً.

٣٦٦

وإن نوقش في كونها للتأكيد أو للتأبيد فكفاك شاهداً استدلال أئمتناعليهم‌السلام بها على نفي الرؤية مطلقاً، لأنهم أفصح الفصحاء طراً باتفاق الفريقين، مع أنا لكثرة براهيننا لا نحتاج إلى الإكثار في دلالة هذه الآية على المطلوب.

وقال في هامشه: قال الرضي في تلخيصه: هذه استعارة على أحد وجهي التأويل وهو أن يكون المعنى: فلما حقق تعالى بمعرفته لحاضري الجبل الآيات التي أحدثها في العلم بحقيقته عوارض الشبه وخوالج الريب، وكأن معرفته سبحانه تجلت لهم من غطاء أو برزت لهم من حجاب.

- شرح الأسماء الحسنى ج ١ ص ١٨٥ - ١٩١

واحتج الأشاعرة بحجة عقلية كلامية لا نطيل الكلام بذكرها، وأدلة نقلية منها قوله تعالى حكاية عن موسىعليه‌السلام : رب أرني أنظر اليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني.

والإحتجاج به من وجهين، أحدهما، أن موسى سأل الرؤية فلو استحالت كان سؤالهعليه‌السلام إما عبثاً إن علم المحالية وإما جهلاً إن لم يعلم، وكلاهما محالان على النبي ولاسيما أنه كليم الله، كيف والنبي يدعو إلى العقايد الحقة والأعمال الصالحة. وثانيهما، أنه تعالى علق الرؤية على استقرار الجبل، وهو أمر ممكن في نفسه فكذا ما علق عليه.

واعترض على الأول، بأن سؤال موسىعليه‌السلام عن لسان قومه بدليل قوله تعالى: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، وقوله تعالى: أفتهلكنا بما فعل السفهاء.

وأجيب بأنه مع مخالفته للظاهر حيث لم يقل أرهم ينظروا إليك، وهو فاسد، أما أولاً فلأنهم لما قالوا أرنا الله جهرة زجرهم بأخذ الصاعقة فلم يحتج إلى سؤال الرؤية وليس أخذ الصاعقة دليلاً لهم لجواز أن يكون ذلك لقصدهم إعجاز موسىعليه‌السلام عن إتيان ما طلبوه عناداً، أو لعدم قابليتهم بما هم منهمكون في الدنيا، ولذا قال الأشاعرة: المؤمنون يرونه تعالى في الآخرة.

٣٦٧

وأما ثانياً، فلأن تجويز الرؤية باطل عند المعتزلة فلا يجوز لموسىعليه‌السلام تأخير رد الرؤية وتقرير الباطل، ألا ترى أنهم لما قالوا إجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، رد عليهم من ساعة بقوله: إنكم قوم تجهلون.

وعلى الوجه الثاني بأنها علقت على الإستقرار عقيب النظر بدليل الفاء وكلمة إن، وهو حالة الإندكاك، ولا نسلم إمكان الإستقرار حينئذ. والجواب: أن الإستقرار حال الحركة ممكن لا بشرط الحركة كما أن قيام زيد ممكن حال قعوده لا بشرط قعوده.

أنواع التجلّي الإلهي

- شرح الأسماء الحسنى ج ٢ ص ٥

بيان ذلك: أن لله تعالى تجليات: تجل ذاتي هو تجلي ذاته بذاته على ذاته، إذ لم يكن إسم ولا رسم.

وتجل صفاتي، هو تجلي ذاته في أسمائه الحسنى وصفاته العليا على وجه يستتبع تجليه في صور أسمائه وصفاته، أعني الأعيان الثابتة اللازمة للأسماء والصفات لزوماً غير متأخر في الوجود، بل هي هناك موجودة بوجود الأسماء الموجودة بوجود المسمى جل شأنه.

وهذا التجلّي يسمى بالمرتبة الواحدية، كما أن الأول يسمى بالمرتبة الأحدية.

وتجل أفعالي، هو تجلي ذاته بفعله، وهو الوجود الإنبساطي على كل ماهية ماهية من الدراة البيضاء إلى ذرة الهباء، في كل من الجبروت والملكوت والناسوت بحسبه. وهذا مسمى بالرحمة الفعلية، كما أن الثاني مسمى بالرحمة الصفتية، وهذا بالفيض المقدس وذاك بالفيض الأقدس.

وصبح الأزل يمكن أن يراد به الثاني، كما يمكن أن يراد به الثالث.

وبيان النطق الحقيقي للصباح سواء كان صباح عالم الصورة أو صباح عالم المعنى: أن النطق الظاهري اللفظي إنما يكون نطقاً لكونه وجوداً كاشفاً عن وجود

٣٦٨

ذهني وهو عن وجود عيني، لا لكون خصوصية الصوت معتبرة فيه حتى لو لم يكن صوتاً لم يكن نطقاً، وإنما هذه بالمواضعة للتسهيل. كما أن كاشفيته عن وجود آخر ذهني بالمواضعة ودلالته بالوضع لا بالطبع، ولو كان بالطبع لأكد نطقيته كما في الوجودات الذهنية بالنسبة إلى الوجودات العينية، ولذا تسمى العقول المدركة للكليات نواطق والنفس ناطقة وقيل شعراً:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنّما

جعل اللسان على الفؤاد دليلا

والأشاعرة ذهبوا إلى الكلمات النفسية، ولكن لاوجه للتخصيص، فإذن إن كان بدل الكيفيات المسموعة الموضوعة أشياء أخرى موضوعة، بحيث يكون حضور الأشياء الدالة منشأ لحضور الأشياء المدلولة في الذهن، كان حالها حينئذ حالها.

تفسيرعرفاني لعدم إمكان رؤية الله تعالى

- شرح الأسماء الحسنى ج ١ ص ٢١٠

(يا من لا تدرك الأفهام جلاله، يا من لا تنال الأوهام كنهه)

كما قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار، وإن الملأ الأعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم. ولذلك يطلق على الذات باعتبار الحضرة الأحدية غيب الغيوب والغيب المطلق والغيب المكنون والغيب المصون والمنقطع الوحداني ومنقطع الإشارات والتجلّي الذاتي والكنز المخفي والعماء، وغير ذلك.

وإنما لا يدرك كنه الذات لما تقرر أنه إذا جاوز الشيء حده انعكس ضده فإذا كان ظهوره في قصيا مراتب الظهور أنتج غاية الخفاء وانعكس عكس الجلاء.

وأيضاً لما كان قهاراً للكل فلم يبق أحد في سطوع نوره حتى يراه، بل يتلاشى ويضمحل بتأجج نار محياه.

وأيضاً هو تعالى بكل شيء محيط، والمحيط لا يصير محاطاً....

٣٦٩

الله تعالى يتجلّى بخلقه

- شرح الأسماء الحسنى ج ١ ص ١٥٠

(يا من في الآفاق آياته)

أي في النواحي من عوالم الوجود علاماته، والإسم مأخوذ من الآية أعني قوله تعالى: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم، وفي التعبير بالآيات إشارة إلى أن عالم الآفاق كتاب تكويني له كالكتاب التدويني، كما قال الإمام الغزالي: العالم كله تصنيف الله، وقيل بالفارسية:

بنزد آنكه جانش در تجلى است

همه عالم كتاب حق تعالى است

عرض اعراب وجوهر چون حروفست

مراتب همچو آيات وقوفست

از هر عالمى چون سورة خاص

يكى زان فاتحه وآن ديگر اخلاص

وفي الإكتفاء بالآفاق في الإسم إشارة إلى تطابق الكتاب الآفاقي والكتاب الأنفسي وأن كلاً منهما تام فيه جميع ما في الآخر.

قال ابن جمهور: الكتب ثلاثة: الآفاقي والقرآني والأنفسي، فمن قرأ الكتاب القرآني الجمعي على الوجه الذي ينبغي فكمن قرأ الكتاب الآفاقي بأسره إجمالاً وتفصيلاً، ومن قرأ الكتاب الآفاقي على الوجه المذكور فكمن قرأ الكتاب الأنفسي إجمالاً وتفصيلاً، ولهذا اكتفى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بواحد منهما في معرفته تعالى بقوله: من عرف نفسه فقد عرف ربه، لأنه كان عارفاً بأن من يعرف نفسه على ما ينبغي ويطالع كتابه على ما هو عليه في نفسه يعرف ربه على ما ينبغي، وإليه الإشارة بقوله تعالى:إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا .

وكذلك من طالع الكتاب القرآني على وجه التطبيق تجلى له الحق تعالى في صور ألفاظه وتركيبه وآياته وكلماته تجلياً معنوياً، كما أشار إليه أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله: لقد تجلى لعباده في كلامه ولكن لا يبصرون.

ومن طالع الكتاب الآفاقي على ما هو عليه تجلى له الحق تعالى في صور مظاهرة

٣٧٠

الأسمائية وملابسه الفعلية الكونية المسماة بالحروف والكلمات والآيات، المعبر عنها بالموجودات العلوية والسفلية والمخلوقات الروحانية والجسمانية على الإطلاق والتعيين تجلياً شهودياً عيانياً، لأنه ليس في الوجود سوى الله وصفاته وأسمائه وأفعاله، فالكل هو وبه ومنه وإليه.

ومن طالع الكتاب الأنفسي الصغير الإنساني وطبقه بالكتاب الآفاقي تجلى له الحق تعالى في الصورة الإنسانية الكاملة والنشأة الحقيقية الجامعة، تجلياً ذاتياً شهودياً عيانياً بحسب ما يشاهده في كل عين من حروفه وكلماته وآياته، المعبر عنها بالقوى والأعضاء والجوارح.

فكل من طالع كتابه الخاص به وشاهد نفسه المجردة وبساطتها وجوهريتها ووحدتها وبقاءها ودوامها وإحاطتها بعالمها، عرف الحق وشاهده وعرف أنه محيط بالأشياء وصورها ومعانيها عاليها وسافلها شريفها وخسيسها، مع تجرده ووحدته وتنزهه وبقائه ودوامه من غير تغير في ذاته وحقيقته.

قالوا: وكذلك الحق إذا أراد أن يشاهد نفسه في المرآة الكاملة الذاتية الجامعة يشاهدها في الإنسان الكامل بالفعل، وفي غير الكامل بالقوة لأنه مظهر الذات الجامعة لا غير.... ومن هذا قيل: أراد الله أن يظهر ذاته الجامعة في صورة جامعة فأظهرها في صورة الإنسان، وأراد أن يظهر الأسماء والصفات والأفعال في صورة كاملة مفصلة فأظهرها في صورة العالم.

أقول: في هذا التقسيم لكتب الكون تأملات فكرية وروحية مفيدة، ولا شك في صحة القول بأن الله تعالى قد تجلى بخلقه بمعنى من معاني التجلّي، ولكن قولهم بأنه تعالى خلق الإنسان ليكون مظهراً تتجلى به ذاته، وخلق الكون ليكون مظهراً لأسمائه، كلام جميل لو وجد عليه دليل. وإلا فمن أين للعرفاني والفيلسوف أن يعرف لماذا خلق الله هذا المخلوق أو ذاك؟ إن الدليل على ذلك منحصر بإخباره تعالى عن أهدافه عن طريق أنبيائه وأوصيائهم، وما ربما يجزم به العقل.. وما سوى ذلك فهو ظنون من عقولنا واحتمالات، لا يمكننا أن ننسبها إلى الله تعالى!

٣٧١

كما نلاحظ أن بعض الفلاسفة والمتصوفين والعرفانيين يميلون إلى قبول أحاديث التشبيه بلا تحقيق في سندها، ويحاولون الإستشهاد بها على أفكارهم، بل قد يبنون عليها نظرياتهم، مع أن الحديث لا وجود له! أو له وجود في المصادر لكن ورد عن الأئمةعليهم‌السلام أو عن علماء الجرح والتعديل تكذيبه، كما رأيت في حديث (خلق الله آدم على صورته)! وهذا البلاء عام في مصادر الفلسفة والعرفان والتصوف عند السنة والشيعة!

تفسيرهم الموافق لمذهبنا

- قال النويري في نهاية الإرب ج ٧ جزء ١٣ ص ٢١١

واختلف العلماء في معنى التجلّي، قال ابن عباس: ظهر نوره للجبل.... فقام موسى يسبح الله تعالى ويقول: آمنت أنك ربي وصدقت أنه لا يراك أحد.

- وأورد السيوطي في الدر المنثور ج ٣ ص ١١٨ -١٢٣ بضع عشرة رواية في بعضها تصريح بعدم إمكان الرؤية في الدنيا، وليس فيها ذكر خنصر الله تعالى ولا أصابعه، وفي بعضها أن الله تعالى تجلّى بأن أظهر خنصر يده! وفي بعضها اتهامات لموسىعليه‌السلام بما اتهمه اليهود، وتأثر واضح بأساطير الإسرائيليات.. ونذكر منها هنا الروايات الموافقة لمذهبنا، وشبه الموافقة.. قال السيوطي:

وأخرج ابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن ابن عباس، وخر موسى صعقا، قال: غشى عليه إلا أن روحه في جسده، فلما أفاق قال لعظم ما رأى: سبحانك تنزيهاً لله من أن يراه. تبت إليك، رجعت عن الأمر الذي كنت عليه. وأنا أول المؤمنين، يقول: أول المصدقين الآن أنه لا يراك أحد.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس: وأنا أول المؤمنين، يقول: أنا أول من يؤمن أنه لا يراك شيء من خلقك.

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله:فلما تجلّى ربّه للجبل ، قال: كشف بعض الحجب.

٣٧٢

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن قتادة في قوله: وخر موسى صعقاً، أي ميتاً. فلما أفاق، قال: فلما رد الله عليه روحه ونفسه قال: سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ، أنه لن تراك نفس فتحيا.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن مجاهد في قوله: تبت إليك، قال من سؤالي إياك الرؤية، وأنا أول المؤمنين، قال: أول قومي إيماناً.

وأخرج عبد بن حميد وأبوالشيخ عن أبي العالية في قوله:وأنا أول المؤمنين ، قال: قد كان إذن قبله مؤمنون، ولكن يقول أنا أول من آمن بأنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة.

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية:رب أرني أنظر إليك ، قال قال الله عز وجل: يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات، ولا يابس إلا تدهده، ولا رطب إلا تفرق، وإنما يراني أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم ولا تبلى أجسادهم.

عبد بن حميد عن مجاهد قال: لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل، فإنه أكبر منك وأشد خلقاً قال، فلما تجلى ربه للجبل فنظر إلى الجبل لا يتمالك، وأقبل الجبل يندك على أوله، فلما رأى موسى ما يصنع الجبل، خر موسى صعقا.

وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أوحى الله إلى موسى بن عمران أني مكلمك على جبل طور سينا، صار من مقام موسى إلى الجبل طور سينا أربع فراسخ في أربع فراسخ رعد وبرق وصواعق فكانت ليلة قر، فجاء موسى حتى وقف بين يدي صخرة جبل طور سينا فإذا هو بشجرة خضراء الماء يقطر منها وتكاد النار تلفح من جوفها، فوقف موسى متعجباً فنودي من جوف الشجرة ياميشا فوقف موسى مستمعاً للصوت، فقال موسى من هذا الصوت العبراني يكلمني؟ فقال الله له: يا موسى إني لست بعبراني إني أنا الله رب العالمين، فكلم الله موسى في ذلك المقام بسبعين لغة ليس منها لغة إلا وهي مخالفة للغة

٣٧٣

الأخرى، وكتب له التوراة في ذلك المقام، فقال موسى: إلهي أرني أنظر اليك، قال: يا موسى إنه لا يراني أحد إلا مات، فقال موسى: إلهي أرني أنظر إليك وأموت، فأجاب موسى جبل طور سينا: يا موسى بن عمران لقد سألت أمراً عظيماً لقد ارتعدت السموات السبع ومن فيهن والأرضون السبع ومن فيهن، وزالت الجبال واضطربت البحار لعظم ما سألت يا ابن عمران، فقال موسى وأعاد الكلام: رب أرني أنظر اليك، فقال: يا موسى أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فإنك تراني، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً، مقدار جمعة فلما أفاق موسى مسح التراب عن وجهه وهو يقول: سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين، فكان موسى بعد مقامه لا يراه أحد إلا مات، واتخذ موسى على وجهه البرقع فجعل يكلم الناس بقفاه، فبينا موسى ذات يوم في الصحراء فإذا هو بثلاثة نفر يحفرون قبراً حتى انتهوا إلى الضريح، فجاء موسى حتى أشرف عليهم فقال لهم لمن تحفرون هذا القبر، قالوا له لرجل كأنه أنت أو مثلك وفي طولك أو نحوك، فلو نزلت فقدرنا عليك هذا الضريح فنزل موسى فتمدد في الضريح فأمر الله الأرض فانطبقت عليه! انتهى.

وهذه واحدة من تهم اليهود لنبيهم موسى على نبينا وآله وعليه‌السلام ، وهو يدل على أن وجوده كان ثقيلاً عليهم، حتى زعموا أن الله تعالى أراحهم منه بهذه الطريقة!!

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

- مسند أحمد ج ٣ ص ١٢٥:

عن ثابت عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:فلما تجلّى ربّه للجبل ، قال قال: هكذا، يعنى أنه أخرج طرف الخنصر! قال أبي أرانا معاذ، قال فقال له حميد الطويل: ما تريد إلى هذا يا أبا محمد! قال فضرب صدره ضربة شديدة وقال: من أنت يا حميد وما أنت يا حميد! يحدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم فتقول أنت: ما تريد إليه!

٣٧٤

- مسند أحمد ج ٣ ص ٢٠٩

عن ثابت عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل:فلما تجلّى ربّه للجبل ، قال: فأومأ بخنصره، قال فساخ.

- ميزان الإعتدال ج ١ ص ٥٩٣

عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ:فلما تجلّى ربّه للجبل . قال: أخرج طرف خنصره وضرب على إبهامه، فساخ الجبل. فقال حميد الطويل لثابت: تحدث بمثل هذا قال: فضرب في صدر حميد وقال: يقوله أنس، ويقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكتمه أنا! رواه جماعة عن حماد، وصححه الترمذي.

- مستدرك الحاكم ج ١ ص ٢٥

... عن ثابت عن أنسرضي‌الله‌عنه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في هذه الآيةفلما تجلّى ربّه للجبل جعله : بدا منه قدر هذا..... عن ثابت عن أنسرضي‌الله‌عنه قال قرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قال رب أرني أنظر إليك، قال فأخرج من النور مثل هذا وأشار بيده إلى نصف أنملة الخنصر فضرب بها صدر حماد، قال فساخ الجبل. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

- مستدرك الحاكم ج ٢ ص ٣٢٠

عن ثابت عنه (أنس) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله عز وجل: فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً، قال حماد: هكذا ووضع الإبهام على مفصل الخنصر الأيمن، قال فقال حميد لثابت: تحدث بمثل هذا! قال فضرب ثابت صدر حميد ضربة بيده وقال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحدث به وأنا لا أحدث به، هذا حديث صحيح على شرط مسلم.

- مستدرك الحاكم ج ٢ ص ٥٧٦

عن عكرمة عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما أن موسى بن عمران لما كلمه ربه أحب أن ينظر إليه فقال: رب أرني أنظر اليك، قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن

٣٧٥

استقر مكانه فسوف تراني، فحف حول الجبل الملائكة وحف حول الملائكة بنار، وحف حول النار بملائكة وحف حول الملائكة بنار، ثم تجلى ربه للجبل، ثم تجلى منه مثل الخنصر فجعل الجبل دكاً وخر موسى صعقاً ما شاء الله، ثم إنه أفاق فقال: سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين، يعني أول من آمن من بني إسرائيل. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

عن أنسرضي‌الله‌عنه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تلا هذه الآية:فلما تجلّى ربّه للجبل جعله دكاً ، أشار حماد ووضع إبهامه على مفصل الخنصر، قال فساخ الجبل. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

- بقية روايات السيوطي في الدر المنثور ج ٣ ص ١١٨ - ١٢٣

وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي في الكامل وأبو الشيخ والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في كتاب الرؤية من طرق عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية: فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً، قال هكذا وأشار بإصبعيه ووضع طرف إبهامه على أنملة الخنصر، وفي لفظ على المفصل الأعلى من الخنصر، فساخ الجبل وخر موسى صعقا. وفي لفظ فساخ الجبل في الأرض فهو يهوي فيها إلى يوم القيامة.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الرؤية عن ابن عباس: فلما تجلى ربه للجبل، قال: ما تجلى منه إلا قدر الخنصر، جعله دكاً، قال تراباً وخر موسى صعقاً، قال مغشياً عليه.

وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما تجلى الله لموسى تطاير سبعة أجبال، ففي الحجاز منها خمسة وفي اليمن اثنان، في الحجاز أحد وثبير وحراء وثور وورقان، وفي اليمن حصور وصير.

وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: لما تجلى ربه للجبل جعله دكاً، قال: أخرج خنصره!

٣٧٦

من هو قيس بن ثابت راوي حديث خنصر الله تعالى

الظاهر أن عمدة السند عند إخواننا في الحديث المرفوع إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هو ثابت بن قيس غلام بني أمية، ولذلك نعرض شيئاً من ترجمته من مصادر الجرح والتعديل، ونلاحظ أن حميداً الطويل الذي هو غلام كابلي من منطقة ثابت قد استنكر على ثابت أن يروي هذا الحديث الذي فيه تجسيم، وأن الذهبي على عادته في مدح المجسمين وصف ثابتاً بالصادق، مع أن عدداً من العلماء جرحوه أو وصفوه بالوهم والخلط، قال ابن حبان في كتاب المجروحين ج ١ ص ٢٠٦:

ثابت بن قيس أبو الغصن من أهل المدينة مولى عثمان بن عفان، روى عنه ابن مهدي وابن أبي أويس، وكان قليل الحديث كثير الوهم فيما يرويه، لا يحتج بخبره إذا لم يتابعه غيره عليه، سمعت الحنبلي يقول: سمعت أحمد بن زهير يقول: سئل يحيى بن معين عن ثابت بن قيس أبي الغصن فقال: ضعيف.

- وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج ٢ ص ١٣

٢٠ - ي د س. البخاري في جزء رفع اليدين وأبي داود والنسائي. ثابت بن قيس ثابت بن قيس الغفاري مولاهم أبوالغصن المدني. رأى أبا سعيد الخدري وروى عن أنس ونافع بن جبير بن مطعم وسعيد المقبري وأبيه أبي سعيد وخارجة بن زيد بن ثابت وجماعة.

وعنه، ابن مهدي، وزيد بن الحباب، وإسماعيل ابن أبي أويس، والقعنبي، وخالد بن مخلد، وغيرهم....

قال أبوطالب عن أحمد: ثقة، وقال عباس عن ابن معين: ليس به بأس، وقال في موضع آخر حديثه ليس بذاك وهو صالح، وقال النسائي: ليس به بأس.

وقال ابن سعد مات سنة (١٦٨) وهو يومئذ ابن مائة سنة وكان قديماً قد رأى الناس وروى عنهم، وهو شيخ قليل الحديث.

وقال ابن أبي عدي هو ممن يكتب حديثه.

٣٧٧

قلت: وقال الآجري عن أبي داود: ليس حديثه بذاك، وقال مسعود الشحري عن الحاكم: ليس بحافظ ولا ضابط. وقال ابن حبان في الضعفاء: كان قليل الحديث كثير الوهم فيما يرويه لا يحتج بخبره إذا لم يتابعه عليه غيره. وأعداده في الثقات.

- وترجم له الذهبي في ميزان الإعتدال ج١ ص٣٦٦ وقال في سير أعلام النبلاء ج ٧ ص ٢٥

أبوالغصن، هو الشيخ العالم الصادق المعمر بقية المشيخة أبوالغصن ثابت ابن قيس الغفاري، مولاهم المدني: عداده في صغار التابعين.

يروي عن: أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، ونافع بن جبير....

قال يحيى بن معين والنسائي: ليس به بأس. وقال ابن معين أيضاً في رواية عباس: هو صالح، ليس حديثه بذاك، وروى أحمد بن أبي خيثمة عن يحيى: ضعيف. قال ابن حبان: هو من موالي عثمان بن عفان. وكان قليل الحديث، كثير الوهم فيما يروي، لا يحتج بخبره إذا لم يتابعه غيره عليه. وقال ابن عدي: يكتب حديثه. انتهى.

ومن الملاحظ في كتب الجرح والتعديل وعموم مصادر اخواننا أن أسهم رواة أحاديث التشبيه والتجسيم ارتفعت مع العصور، حتى بلغت أوجها على يد المجسمين من أمثال الذهبي، وأن الوهابيين أهتموا بتعظيمهم ونشر كتبهم في أنحاء العالم الإسلامي!!

* *

تفسير قوله تعالى: يوم يكشف عن ساق

قال تعالى:أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ * يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ * فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ .

القلم ٣٩- ٤٥

٣٧٨

وقد تقدم قسم من تفسير إخواننالهذه الآية تحت عنوان: (بازار الأحاديث والآراء في الرؤية )

فسّرها أهل البيتعليهم‌السلام بكشف حجاب الآخرة وأهوالها

- تفسير نور الثقلين ج ٥ ص ٣٩٥

في عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام من الأخبار في التوحيد بإسناده إلى الحسن بن سعيد عن أبي الحسنعليه‌السلام في قوله: يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود، قال: حجاب من نور يكشف، فيقع المؤمنون سجداً، وتدمج أصلاب المنافقين فلا يستطيعون السجود.

في مجمع البيان: وروي عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام أنهما قالا في هذه الآية: أفحم القوم ودخلتهم الهيبة وشخصت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر لما رهقهم من الندامة والخزي والذلة، وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون، أي لا يستطيعون الأخذ بما أمروا والترك لما نهوا عنه، ولذلك ابتلوا.

في كتاب التوحيد بإسناده إلى حمزة بن محمد الطيار قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عز وجل:وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ، قال: مستطيعون يستطيعون الأخذ بما أمروا به والترك لما نهوا عنه، وبذلك ابتلوا. ثم قال: ليس شيء مما أمروا به ونهوا إلا ومن الله عز وجل فيه ابتلاء وقضاء.

- تفسير التبيان ج ١٠ ص ٨٦

وقوله:يوم يكشف عن ساق ، قال الزجاج: هو متعلق بقوله:فليأتوا بشركائهم .... وقال ابن عباس والحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك معناه: يوم يبدو عن الأمر الشديد كالقطيع من هول يوم القيامة. والساق ساق الإنسان وساق الشجرة لما يقوم عليه بدنها، وكل نبت له ساق فهو شجر، قال الشاعر:

للفتى عقل يعيش به

حيث يهدي سَاقَهُ قَدَمُهْ

٣٧٩

فالمعنى يوم يشتد الأمر كما يشتد ما يحتاج فيه إلى أن يقوم على ساق، وقد كثر في كلام العرب حتى صار كالمثل فيقولون: قامت الحرب على ساق وكشفت عن ساق، قال قيس بن زهير بن جذيمة:

فإذا شَمَّرَتْ لك عن ساقها

فَوَيْهاً ربيعُ ولا تسأمِ

وقال جد أبي طرفة:

كشفت لهم عن ساقها

وبدا من الشر الصراح

وقال آخر:

قد شمرت عن ساقها فشدوا

وجدَّت الحرب بكم فجدوا

والقوس فيها وترٌ عُرُدّ

وقوله:ويدعون إلى السجود ، قيل: معناه إنه يقال لهم على وجه التوبيخ: اسجدوا فلا يستطيعون، وقيل: معناه إن شدة الأمر وصعوبة الحال تدعوهم إلى السجود، وإن كانوا لا ينتفعون به.

تفسير إخواننا الموافق لمذهبنا

- مستدرك الحاكم ج ٢ ص ٤٩٩

عن عكرمة عن ابن عباسرضي‌الله‌عنهم أنه سئل عن قوله عز وجل:يوم يكشف عن ساق ، قال: إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب، أما سمعتم قول الشاعر:

إصبر عناق إنه شر باق ....

وقد روى الحاكم وغيره عدة أحاديث فيها (يكشف عن ساق) بدون نسبة الساق إلى الله تعالى، كما في ج ٢ ص ٣٧٦ وج ٤ ص ٥٥١ وقال عنه: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ورواه في ج ٤ ص ٥٨٢ ونحوه في مسلم في ج ١ ص ١١٥ وج ٨ ص ٢٠٢

٣٨٠