العقائد الإسلامية الجزء ٢

العقائد الإسلامية0%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 434

العقائد الإسلامية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 434
المشاهدات: 217043
تحميل: 5013


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 434 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 217043 / تحميل: 5013
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

لكن في أثناء البحث العلمي تمر معي بعض الأحاديث في الصحيحين أو في أحدهما، فينكشف لي أن هناك بعض الأحاديث الضعيفة. لكن من كان في ريب من ما أحكم أنا على بعض الأحاديث فليعد إلى فتح الباري فسيجد هناك أشياء كثيرة وكثيرة جداً ينتقدها الحافظ أحمد ابن حجر العسقلاني الذي يسمى بحق أمير المؤمنين في الحديث، والذي أعتقد أنا وأظن أن كل من كان مشاركاً في هذا العلم يوافقني على أنه لم تلد النساء بعده مثله.

هذا الإمام أحمد ابن حجر العسقلاني يبين في أثناء شرحه أخطاء كثيرة في أحاديث البخاري، بوجه ما كان ليس في أحاديث مسلم فقط بل وما جاء في بعض السنن وفي بعض المسانيد.

ثم نقدي الموجود في أحاديث صحيح البخاري تارة يكون للحديث كله.. أي يقال هذا حديث ضعيف وتارة يكون نقداً لجزء من حديث، أصل الحديث صحيح، لكن يكون جزء منه غير صحيح.

من النوع الأول مثلاً حديث ابن عباس قال: تزوج أو نكح رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم.

هذا حديث ليس من الأحاديث التي تفرد بها البخاري دون صاحبه مسلم، بل اشتركا واتفقا على رواية الحديث في صحيحيهما.

والسبب في ذلك أن السند إلى راوي هذا الحديث وهو عبد الله بن عباس لا غبار عليه فهو إسناد صحيح لا مجال لنقد أحد رواته، بينما هناك أحاديث أخرى هناك مجال لنقدها من فرد من أفراد رواته.

مثلاً من رجال البخاري اسمه: فليح بن سليمان، هذا يصفه ابن حجر في كتابه التقريب أنه صدوق سيء الحفظ. فهذا إذا روى حديثاً في صحيح البخاري وتفرد به ولم يكن له متابع أو لم يكن لحديثه شاهد، يبقى حديثه في مرتبة الضعيف الذي يقبل التقوية بمتابع أو مشاهد. فحديث ابن ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه

٤١

وسلم تزوجها وهو محرم لا مجال لنقد إسناده من حيث فرد من رواته كفليح بن سليمان مثلاً.. لا.. كلهم ثقات. لذلك لم يجد الناقدون لهذا الحديث من العلماء الذين سبقونا بقرون لم يجدوا مجالاً لنقد هذا الحديث إلا في رواية الأول وهو صحابي جليل فقالوا إن الوهم جاء من ابن عباس، ذلك لأنه كان صغير السن من جهة، ومن جهة أخرى أنه خالف في روايته لصاحبة القصة أي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم التي هي ميمونة، فقد صح عنها أنهعليه‌السلام تزوجها وهما محلان.

إذاً هذا حديث وهم فيه راويه الأول وهو ابن عباس فكان الحديث ضعيفاً، وهو كما ترون كلمات محدودات (تزوج ميمونة وهو محرم) أربع كلمات.. مثل هذا الحديث وقد يكون أطول منه له أمثلة أخرى في صحيح البخاري.

النوع الثاني، يكون الحديث أصله صحيحاً لكن أحد رواته أخطأ من حيث أنه أدرج في متنه جملة ليست من حديث النبي صلى الله عليه وسلم.. من ذلك الحديث المعروف في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء. إلى هنا الحديث صحيح وله شواهد كثيرة زاد أحد الرواة في صحيح البخاري: فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني، وقال ابن قيم الجوزية، وقال شيخه ابن تيمية، وقال الحافظ المنذري وعلماء آخرون: هذه الزيادة مدرجة ليست من كلام الرسولعليه‌السلام ... وإنما هو من كلام أبي هريرة.

إذاً الجواب تم حتى الآن عن الشطر الأول.. أي انتقدت بعض الأحاديث وسبقت من أئمة كثيرين.

أما أنني ألفت أو ألف غيري فأنا ما ألفت، أما غيري فقد ألفوا لكن لا نعرف اليوم كتاباً بهذا الصدد. هذا جواب ما سألت...

الآن ندخل بتصحيح البخاري وندع تضعيف مسلم، وقد تكون المسألة بالعكس حديث ضعفه البخاري وصححه مسلم وهذا يقع كثيراً.. الذي ليس عنده مرجح

٤٢

آخر لا شك أنه يطمئن لقول البخاري، سواء كان تصحيحاً أو تضعيفاً أو كان توثيقاً أو كان تجريحاً فيقدم قوله على قول من دونه كمسلم مثلاً على شهرته بعلمه، فضلاً عما إذا خالف البخاري بعض المتأخرين كالدارقطني أو ابن حبان أو غيرهما. هذا من المرجحات بلا شك.

الآن نأتي إلى مثال عرف في العصر الحاضر قيمته وهو: التخصص في العلم...

تعرفون اليوم مثلاً العلم علم الطب وأنواعه وأقسامه، هناك مثلاً طب عام هناك طب خاص. رجل يشكو من ألم في فمه أو في عينه أو في أذنه لا يذهب إلى الطبيب العام بل إلى المختص. وهذا مثال واضح جداً. رجل يريد أن يعرف الحكم هل هو حلال أو حرام ما يسأل اللغوي ولا يسأل الطبيب ولا عدداً الأمثلة كلها. وإنما يسأل عالماً بالشرع. وأنا أعني التعميم الآن يسأل عالماً بالشرع، لكن العلماء بالشرع ينقسمون إلى أقسام: علماء بما يسمى اليوم بالفقه المقارن فيقول لك قال فلان كذا وقال فلان كذا وقال فلان كذا فيجعلك في حيرة، على كل حال سؤالك إياه أقرب من المنطق بنسبة لا حدود لها من أن تسأل من كان عالماً أو متخصصاً باللغة العربية. لكن إذا كنت تعلم أن هناك رجلاً آخر عالماً بالشرع لكنه يفتي على الراجح من أقوال العلماء بناء على الدليل من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة السلف، لا شك أنك تطمئن لهذا أكثر من الأول. وهكذا.

الآن ندخل في ما نحن بصدده. الآن كما قلت اختلف الأقوال وبعضهم يرد على بعض. الشيء الذي ينبغي أن يلاحظه طالب العلم هو هذا التسلسل المنطقي، وأنا لا أريد لنفسي وإن كان هذا يتعلق بي تماماً، لكن هذا مثل للقاعدة العلمية التي ينبغي للعالم - عفواً لطالب العلم - أن ينطلق منها.

عندنا مثلاً الآن مشكلة تتعلق بالعقيدة.. عندنا الشيخ عبد العزيز بن باز، وعندنا هذا الرجل الذي ابتلى الشعب الأردني بجهله وبقلة أدبه مع علماء السلف فضلاً عن الخلف، يقول مثلاً عن الشيخ ابن باز بأنه: لا علم عنده بالتوحيد.

٤٣

أنا أتعجب من هؤلاء الشباب الذين التفوا حوله متى عرف هذا الرجل بالعلم حتى يعتمد عليه والشيخ ابن باز يملأ علمه العالم الإسلامي.

إذاً هنا أحد شيئين إما الجهل أو اتباع الهوى. فهؤلاء الذين يلتفون حول هذا الرجل. هذا الرجل ابن اليوم في العلم، ما أحد عرفه ولا أحد شهد له لا من العلماء المهتدين، ولا من العلماء الضالين، ما أحد شهد له بأنه رجل عالم. فلماذا يلتف حوله هؤلاء الشباب أحد شيئين: إما أنهم لا يعلمون هذا التدقيق الذي نحن نتسلسل فيه من الصحابة إلى اليوم.. صحابيان اختلفا، رجل من الأولين السابقين وآخرون اتبعهم بإحسان بالفتح وغيره ممن تأخروا بالإسلام، هؤلاء أهل علم وهؤلاء أهل علم.. لكن هؤلاء من السابقين الأولين. فهنا نفس القضية تمشي تماماً.. رجلان أحدهما بلغ من السن ما شاء الله وهو عالم وينشر العلم ويعترف بعلمه وفضله.. وآخر لا قيمة له ولا يعترف بعلمه وليس له منزلة علمية إطلاقاً في بلده فضلاً عن بلاد أخرى.

إذاً من هنا يأخذ الإنسان منهج ممن يتلقى العلم، أمن هذا الحدث أو من ذاك الرجل الفاضل الذي ملأ بعلمه الدنيا.

نأتي الآن إلى صلب سؤالك.. والله اختلفت الأقوال الآن بعضهم يرد على بعض.. وأنا أقول إخواننا طلبة العلم مع الأسف الشديد ينطبق عليهم ما ينطبق على هؤلاء المغشوشين مثل السقاف.. تركوا العلماء قديماً وحديثاً والتفوا حوله وهو ابن اليوم لا أقول في العلم.. في طلب العلم، وربما لا يصدق عليه ذلك!!

أهل البيتعليهم‌السلام ينفون أحاديث الرؤية والتشبيه

- روى المجلسي في بحار الأنوار ج ٤ ص ٣٨

١٥ - يد: أبي عن محمد العطار عن ابن عيسى عن البزنطي عن الرضاعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لما أسرى بي إلى السماء بلغ بي جبرئيلعليه‌السلام مكاناً لم يطأه جبرئيل قط، فكشف لي فأراني الله عز وجل من نور عظمته ما أحب.

٤٤

- وروى الكليني في الكافي ج ١ ص ٩٥ باب في إبطال الرؤية:

١ - محمد بن أبي عبد الله عن علي بن أبي القاسم عن يعقوب بن إسحاق قال: كتبت إلى أبي محمدعليه‌السلام أسأله: كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه؟ فوقععليه‌السلام : يا أبا يوسف جل سيدي ومولاي والمنعم علي وعلى آبائي أن يرى. قال وسألته: هل رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ربه؟ فوقععليه‌السلام : إن الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب. انتهى. ورواه المجلسي في بحار الأنوار ج ٤ ص ٤٣

- وروى الكليني في الكافي ج ١ ص ٩٥

٢ - أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى قال: سألني أبو قرة المحدث أن أدخله على أبي الحسن الرضاعليه‌السلام فاستأذنته في ذلك فأذن لي، فدخل عليه فسأله عن الحلال والحرام والأحكام حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد، فقال أبو قرة: إنا روينا أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين فقسم الكلام لموسى ولمحمد الرؤية.

فقال أبو الحسنعليه‌السلام : فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين من الجن والإنس: لا تدركه الأبصار ولا يحيطون به علماً وليس كمثله شيء أليس محمد! قال: بلى. قال: كيف يجيء رجل إلى الخلق جميعاً فيخبرهم أنه جاء من عند الله وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله فيقول: لا تدركه الأبصار، ولا يحيطون به علماً، وليس كمثله شيء، ثم يقول أنا رأيته بعيني وأحطت به علماً وهو على صورة البشر! أما تستحيون! ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي من عند الله بشيء ثم يأتي بخلافه من وجه آخر!

قال أبو قرة: فإنه يقول:ولقد رآه نزلة أخرى .

فقال أبو الحسنعليه‌السلام : إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث قال: ما كذب الفؤاد ما رأى، يقول: ما كذب فؤاد محمد ما رأت عيناه، ثم أخبر بما رأى فقال: لقد رأى من آيات ربه الكبرى، فآيات الله غير الله، وقد قال الله: ولا يحيطون به علماً، فإذا رأته الأبصار فقد أحاطت به العلم ووقعت المعرفة!

٤٥

فقال أبو قرة: فتكذِّب بالروايات!

فقال أبو الحسنعليه‌السلام : إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها. وما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علماً، ولا تدركه الأبصار، وليس كمثله شيء. انتهى.

وقال في هامشه: إعلم أن الأمة اختلفوا في رؤية الله سبحانه وتعالى عن ذلك على أقوال: فذهب المشبهة والكرامية إلى جواز رؤيته تعالى في الدارين في الجهة والمكان لكونه تعالى عندهم جسماً! وذهب الأشاعرة إلى جواز رؤيته تعالى في الآخرة منزهاً عن المقابلة والجهة والمكان. وذهب المعتزلة والإمامية إلى امتناعها في الدنيا والآخرة، وقد دلت الآيات الكريمة والبراهين العقلية والأخبار المتواترة عن أهل بيت الرسول صلوات الله عليهم على امتناعها مطلقاً كما ستعرف، وقد أفرد العلامة المجاهد السيد عبدالحسين شرف الدين العامليقدس‌سره كتاباً أسماه: كلمة حول الرؤية فجاء - شكر الله سعيه - وافياً كما يهواه الحق ويرتضيه الإنصاف ونحن نذكر منه بعض الأدلة العقلية:

منها: أن كل من استضاء بنور العقل يعلم أن الرؤية البصرية لا يمكن وقوعها ولا تصورها إلا أن يكون المرئي في جهة ومكان ومسافة خاصة بينه وبين رائيه، ولابد أن يكون مقابلاً لعين الرائي، وكل ذلك ممتنع على الله تعالى مستحيل بإجماع أهل التنزيه من الأشاعرة وغيرهم.

ومنها: أن الرؤية التي يقول الأشاعرة بإمكانها ووقوعها، إما أن تقع على الله كله فيكون مركباً محدوداً متناهياً محصوراً يشغل فراغ الناحية المرئي فيها فتخلو منه بقية النواحي، وإما أن تقع على بعضه فيكون مبعضاً مركباً متحيزاً، وكل ذلك مما يمنعه ويبرأ منه أهل التنزيه من الأشاعرة وغيرهم.

ومنها: أن كل مرئي بجارحة العين مشار إليه بحدقتها، وأهل التنزيه من الأشاعرة وغيرهم ينزهون الله تعالى عن أن يشار إليه بحدقة، كما ينزهونه عن الإشارة إليه بإصبع أو غيرها.

ومنها: أن الرؤية بالعين الباصرة لا تكون في حيز الممكنات ما لم تتصل أشعة

٤٦

البصر بالمرئي، ومنزهوا الله تعالى من الأشاعرة وغيرهم مجمعون على امتناع اتصال شيء ما بذاته جل وعلا.

ومنها: أن الإستقراء يشهد أن كل متصور لابد أن يكون إما محسوساً أو متخيلاً، من أشياء محسوسة أو قائماً في نفس المتصور بفطرته التي فطر عليها، فالأول كالأجرام وألوانها المحسوسة بالبصر وكالحلاوة والمرارة ونحوهما من المحسوسة بالذائقة، والثاني كقول القائل: أعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد، ونحوه مما تدركه المخيلة مركباً من عدة أشياء أدركه البصر. والثالث: كالألم واللذة والراحة والعناء والسرور والحزن ونحوها مما يدركه الإنسان من نفسه بفطرته، وحيث أن الله سبحانه متعال عن هذا كله لم يكن تصوره ممكناً. انتهى. وروى النيسابوري في روضة الواعظين ص ٣٣ حديث أبي قرة المتقدم. ورواه المجلسي في بحار الأنوار ج ٤ ص ٣٦ وقال في ص ٣٧

قوله تعالى:ما كذب الفؤاد ما رأى ، يحتمل كون ضمير الفاعل في رأى راجعاً إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وإلى الفؤاد.

قال البيضاوي: ما كذب الفؤاد ما رأى ببصره من صورة جبرئيل، أو ما كذب الفؤاد بصره بما حكاه له، فإن الأمور القدسية تدرك أولاً بالقلب ثم تنتقل منه إلى البصر، أو ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك، ولو قال ذلك كان كاذباً لأنه عرفه بقلبه كما رآه بصره، أو ما رآه بقلبه. والمعنى لم يكن تخيلاً كاذباً، ويدل عليه أنه سئلعليه‌السلام هل رأيت ربك فقال: رأيته بفؤادي، وقرأ: ما كذب أي صدقه ولم يشك فيه. أفتمارونه على ما يرى أفتجادلونه عليه، من المراء وهو المجادلة. انتهى.

قوله تعالى:ولقد رآه نزلة أخرى ، قال الرازي: يحتمل الكلام وجوهاً ثلاثة: الأول الرب تعالى والثاني جبرئيلعليه‌السلام والثالث الآيات العجيبة الإلَهية. انتهى. أي ولقد رآه نازلاً نزلة أخرى فيحتمل نزولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونزول مرئية. فإذا عرفت محتملات تلك الآيات عرفت سخافة استدلالهم بها على جواز الرؤية ووقوعها بوجوه:

الأول: أنه يحتمل أن يكون المرئي جبرئيل، إذ المرئي غير مذكور في اللفظ،

٤٧

وقد أشار أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى هذا الوجه في الخبر السابق. وروى مسلم في صحيحه بإسناده عن زرعة عن عبد الله:ما كذب الفؤاد ما رأى قال: رأى جبرئيلعليه‌السلام له ستمائة جناح. وروى أيضاً بإسناده عن أبي هريرة: ولقد رآه نزلة أخرى قال: رأى جبرئيلعليه‌السلام بصورته التي له في الخلقة الأصلية.

الثاني: ما ذكرهعليه‌السلام في هذا الخبر، وهو قريب من الأول لكنه أعم منه.

الثالث: أن يكون ضمير الرؤية راجعاً إلى الفؤاد، فعلى تقدير إرجاع الضمير إلى الله تعالى أيضاً لافساد فيه.

الرابع: أن يكون على تقدير ارجاع الضمير إليهعليه‌السلام وكون المرئي هو الله تعالى والمراد بالرؤية غاية مرتبة المعرفة ونهاية الإنكشاف.

وأما استدلالهعليه‌السلام بقوله تعالى: ليس كمثله شيء، فهو إما لأن الرؤية تستلزم الجهة والمكان وكونه جسماً أو جسمانياً، أو لأن الصورة التي تحصل منه في المدركة تشبهه.

قولهعليه‌السلام : حيث قال، أي أولاً قبل هذه الآية، وإنما ذكرعليه‌السلام ذلك لبيان أن المرئي قبل هذه الآية غير مفسر أيضاً، بل إنما يفسره ما سيأتي بعدها.

قولهعليه‌السلام : وما أجمع المسلمون عليه، أي اتفق المسلمون على حقية مدلول ما في الكتاب مجملاً. والحاصل أن الكتاب قطعي السند متفق عليه بين جميع الفرق فلا تعارضه الأخبار المختلفة المتخالفة التي تفردتم بروايتها.

ثم اعلم أنهعليه‌السلام أشار في هذا الخبر إلى دقيقة غفل عنها الأكثر وهي أن الأشاعرة وافقونا في أن كنهه تعالى يستحيل أن يتمثل في قوة عقلية، حتى أن المحقق الدواني نسبه إلى الأشاعرة موهماً اتفاقهم عليه وجوزوا ارتسامه وتمثله في قوة جسمانية، وتجويز إدراك القوة الجسمانية لها دون العقلية بعيد عن العقل مستغرب، فأشارعليه‌السلام إلى أن كل ما ينفي العلم بكنهه تعالى من السمع ينفي الرؤية أيضاً، فإن الكلام ليس في رؤية عرض من أعراضه تعالى، بل في رؤية ذاته وهو نوع من العلم بكنهه تعالى.

٤٨

الإمام الكاظم والإمام الرضا يكشفان تحريف حديث النزول

- قال الصدوق في كتابه التوحيد ص ١٨٣

١٨ - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاققدس‌سره قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، عن علي بن العباس عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر الجعفري، عن أبي إبراهيم موسى بن جعفرعليهما‌السلام قال: ذكر عنده قوم يزعمون أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا فقال: إن الله تبارك وتعالى لا ينزل ولا يحتاج إلى أن ينزل، إنما منظره في القرب والبعد سواء، لم يبعد منه قريب ولم يقرب منه بعيد، ولم يحتج بل يحتاج إليه، وهو ذو الطول لا إله إلا هو العزيز الحكيم. أما قول الواصفين: إنه تبارك وتعالى ينزل فإنما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة، وكل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به، فظن بالله الظنون فهلك، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حد فتحدوه بنقص أو زيادة أو تحرك أو زوال أو نهوض أو قعود، فإن الله جل عن صفة الواصفين ونعت الناعتين وتوهم المتوهمين.

- وقال الصدوق في كتابه التوحيد ص ١٧٦

٧ - حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاقرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا محمد بن هارون الصوفي قال: حدثنا عبيد الله بن موسى أبو تراب الروياني، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن إبراهيم بن أبي محمود قال قلت للرضاعليه‌السلام : يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم أنه قال: إن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا؟ فقالعليه‌السلام : لعن الله المحرفين الكلم عن مواضعه، والله ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم كذلك، إنما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله تبارك وتعالى يُنْزِلُ ملكاً إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير وليلة الجمعة في أول الليل فيأمره فينادي: هل من سائل فأعطيه، هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له، يا طالب الخير أقبل، يا طالب الشر أقصر، فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من ملكوت السماء. حدثني بذلك أبي عن جدي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٤٩

٥٠

الفصل الثاني

مذاهب السنّيين في الأُلوهيّة والتوحيد

عندما قبل إخواننا السنّة أحاديث الرؤية والتشبيه، تورطوا فيها، وانقسموا في تفسيرها منذ القرن الأول إلى أربعة مذاهب وأكثر، وقد ولدت هذه المذاهب العقائدية قبل أن تتكون مذاهبهم الفقهية بمدة طويلة، بقيت حاكمة على أئمة المذاهب الأربعة وأتباعهم إلى يومنا هذا!

المذهب الأول: مذهب المتأولين الذين يوافقون مذهب أهل البيتعليهم‌السلام تقريباً، ويدافعون عن تنزيه الله تعالى ويجعلون الأساس الآيات المحكمة في التوحيد مثل قوله تعالى(ليس كمثله شيء) و(لا تدركه الأبصار) ويقولون بتأويل كل نص يظهر منه التشبيه أو الرؤية بالعين، لينسجم مع حكم العقل وبقية الآيات والأحاديث.

المذهب الثاني: مذهب التفويض وتحريم التأويل، ومعناه تجميد تفسير آيات الصفات وأحاديثها، وتفويضها إلى الله تعالى، وتحريم الكلام في معانيها مطلقاً. وهو مذهب عدد من قدامى رواة الأحاديث، وقليل من المتأخرين.

المذهب الثالث: مذهب تحريم التأويل ووجوب تفسير آيات الصفات وأحاديثها بمعناها الظاهري الحسين، والقول بأن لله تعالى يداً ووجهاً ورجلاً وجنباً بالمعنى اللغوي المعروف، غاية الأمر أنهم لايقولون إن شكل ذلك مثل جوارح الإنسان،

٥١

وهو مذهب اليهود وكعب الأحبار ومن وافقهم من الصحابة، وهو المجسمة من الحنابلة، الذي تعصب له ابن تيمية والذهبي والوهابيون، وادعوا أنه مذهب السلف وأهل السنة.

المذهب الرابع: مذهب المتنقلين بين المذاهب، والمذبذبين، والمتحيرين، وهم أنواع ثلاثة.

والظاهر أن لقب (المتأولة) الذي يطلقه السنة على الشيعة في بلاد الشام وفلسطين ومصر، جاء من هؤلاء المجسمة الذين كانوا يكفرون الشيعة وغيرهم، لأنهم يقولون بتأويل أحاديث الصفات.. ومع أن التأويل موجود عند إخواننا السنة بل أكثرهم (متأولة) إلا أن نبز هذا اللقب وَسُبَّتَهُ بقيت من نصيب شيعة أهل البيت المظلومين، وبقيت كلمة (مِتْوَالي) بكسر الميم في ذهن كثير من عوام السنة أسوأ من كلمة كافر!

ونكتفي هنا بالإشارة إلى هذه المذاهب، وبما كتبناه في (الوهابية والتوحيد)

نعم لابد من ذكر شيء عن أصحاب المذهب الرابع:

المذهب الرابع: مذهب المتنقّلين بين المذاهب والمذبذبين والمتحيّرين

الإنتقال من مذهب فقهي إلى مذهب آخر أمر طبيعي يكثر حدوثه في المسلمين، وكذا الإنتقال من مذهب عقائدي إلى مذهب آخر. ونلاحظ في مسألتنا أن المنتقلين من مذهب عقائدي إلى مذهب آخر كثيرون. كما نلاحظ ظاهرةً ثانية عند بعضهم هي الجمع بين التأويل والتفويض فترى أحدهم متأولاً تارة مفوضاً أخرى. والظاهر أن ذلك كان أمراً شائعاً ومقبولاً عند القدماء، لأنهم يجوزون الأمرين.

ولكن تبقى ظاهرة التناقض بين التأويل والتفويض والحمل على الظاهر عند أصحاب الظاهر، أمراً لا يقبل الحل، لأنهم حرموا التأويل والتفويض وهاجموا الآخرين بسببه بل تكفروهم، ثم ارتكبوا ما حرموه. وفيما يلي نماذج من التهافت عند أهل هذه المذاهب، فبدؤها بما ذكره ابن تيمية عن تهافت آراء ابن فورك، في

٥٢

حين نسي هو تهافت آرائه، قال ابن تيمية في تفسيره ج ٦ ص ١٠٨

فصل. أقوال الفرق في صفات الله تعالى... هذا مع أن ابن فورك هو ممن يثبت الصفات الخبرية كالوجه واليدين وكذلك المجيء والإتيان موافقة لأبي الحسن فإن هذا قوله وقول متقدمي أصحابه، فقال ابن فورك فيما صنف في أصول الدين: فإن سألت الجهمية عن الدلالة على أن القديم سميع بصير؟ قيل لهم: قد اتفقنا على أنه من تستحيل عليه الآفات والحي إذا لم يكن مأووناً بآفات تمنعه من إدراك المسموعات والمبصرات كان سميعاً بصيراً.

وإن سألت فقلت: أين هو؟ فجوابنا إنه في السماء كما أخبر في التنزيل عن نفسه بذلك، فقال عز من قائل:أأمنتم من في السماء ، وإشارة المسلمين بأيديهم عند الدعاء في رفعها إليه، وإنك لو سألت صغيرهم وكبيرهم فقلت: أين الله؟ لقالوا إنه في السماء، ولم ينكروا بلفظ السؤال ب- (أين) لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الجارية التي عرضت للعتق فقال: أين الله؟ فقالت في السماء مشيرة بها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إعتقها فإنها مؤمنة، ولو كان ذلك قولاً منكراً لم يحكم بإيمانها ولأنكره عليها، ومعنى ذلك أنه فوق السماء لأن (في) بمعنى (فوق) قال الله تعالى: فسيحوا في الأرض أي فوقها.

قال ابن فورك: وإن سألت كيف هو؟ قلنا له: كيف سؤال عن صفته وهو ذو الصفات العلى، هو العالم الذي له العلم، والقادر الذي له القدرة، والحي الذي له الحياة، الذي لم يزل منفرداً بهذه الصفات، لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء.

(قلت) فهذا الكلام هو موافق لما ذكره الأشعري في كتاب الإبانة ولما ذكره ابن كلاب لما حكاه عنه ابن فورك، لكن ابن كلاب يقول إن العلو والمباينة من الصفات العقلية، وأما هؤلاء فيقولون: كونه في السماء صفة خبريه كالمجيء والإتيان، ويطلقون القول بأنه بذاته فوق العرش وذلك صفة ذاتية عندهم.

والأشعري يبطل تأويل من تأول الإستواء بمعنى الإستيلاء والقهر بأنه لم يزل

٥٣

مستولياً على العرش وعلى كل شيء، والإستواء مختص بالعرش، فلو كان بمعنى الإستيلاء لجاز أن يقال (هو مستولياً (كذا) على كل شيء وعلى الأرض وغيرها) كما يقال إنه مستول عليها، ولما اتفق المسلمون على أن الإستواء مختص بالعرش، فهذا الإستواء الخاص ليس بمعنى الإستيلاء العام، وأين للسلطان جعل الإستواء بمعنى الغلبة والقهر وهو الإستيلاء فيشبه والله أعلم أن يكون اجتهاده مختلفاً في هذه المسائل كما اختلف اجتهاد غيره، فأبو المعالي كان يقول بالتأويل ثم حرمه، وحكى إجماع السلف على تحريمه، وابن عقيل له أقوال مختلفة، وكذلك لأبي حامد والرازي وغيرهم.

ومما بين اختلاف كلام ابن فورك أنه في مصنف آخر قال: فإن قال قائل: أين هو فقال: ليس بذي كيفية فنخبر عنها إلا أن يقول: كيف صنعه؟ فمن صنعه أنه يعز من يشاء ويذل من يشاء وهو الصانع للأشياء كلها.

فهنا أبطل السؤال عن الكيفية، وهناك جوزه وقال: الكيفية هي الصفة وهو ذو الصفات، وكذلك السؤال عن الماهية. قال في ذلك المصنف: وإن سألت الجهمية فقلت ما هو يقال لهم (ما) يكون استفهاماً عن جنس أو صفة في ذات المستفهم، فإن أردت بذلك سؤالاً عن صفته فهو العلم والقدرة والكلام والعزة والعظمة.

- سير أعلام النبلاء ج ١٠ ص ٦١٠

... أخبرنا محمد بن إسماعيل الترمذي، سمعت نعيم بن حماد يقول: من شبه الله بخلقه، فقد كفر، ومن أنكر ما وصف به نفسه، فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه.

قلت: هذا الكلام حق، نعوذ بالله من التشبيه ومن إنكار أحاديث الصفات، فما ينكر الثابت منها من فقه، وإنما بعد الإيمان بها هنا مقامان مذمومان: تأويلها وصرفها عن موضوع الخطاب، فما أولها السلف ولا حرفوا ألفاظها عن مواضعها، بل آمنوا بها، وأمروها كما جاءت.

٥٤

المقام الثاني: المبالغة في إثباتها، وتصورها من جنس صفات البشر، وتشكلها في الذهن، فهذا جهل وضلال، وإنما الصفة تابعة للموصوف، فإذا كان الموصوف عز وجل لم نره، ولا أخبرنا أحد أنه عاينه مع قوله لنا في تنزيله: ليس كمثله شيء، فكيف بقي لأذهاننا مجال في إثبات كيفية الباري تعالى الله عن ذلك، فكذلك صفاته المقدسة، نقر بها ونعتقد أنها حق، ولا نمثلها أصلاً ولا نتشكلها.

- وقال الذهبي في سيره ج ٢٠ ص ٨٠ - ٨٦

التيمي الإمام العلامة الحافظ شيخ الإسلام أبو القاسم إسماعيل بن محمد... حدث عنه: أبوسعد السمعاني وأبو العلاء الهمذاني وأبوطاهر السلفي وأبو القاسم بن عساكر... قال أبو موسى المديني: أبو القاسم إسماعيل الحافظ إمام أئمة وقته وأستاذ علماء عصره وقدوة أهل السنة في زمانه، حدثنا عنه جماعة في حال حياته قال أبو موسى: ولا أعلم أحداً عاب عليه قولاً ولا فعلاً ولا عانده أحد إلا ونصره الله... وقال السلفي: وسمعت أبا الحسين بن الطيوري غير مرة يقول: ما قدم علينا من خراسان مثل إسماعيل بن محمد.

... وقد سئل أبو القاسم التيميقدس‌سره : هل يجوز أن يقال لله حد أو لا، وهل جرى هذا الخلاف في السلف؟ فأجاب: هذه مسألة أستعفي من الجواب عنها لغموضها وقلة وقوفي على غرض السائل منها، لكني أشير إلى بعض ما بلغني: تكلم أهل الحقائق في تفسير الحد بعبارات مختلفة محصولها أن حد كل شيء موضع بينونته عن غيره، فإن كان غرض القائل: ليس لله حد لا يحيط علم الحقائق به فهو مصيب، وإن كان غرضه بذلك لا يحيط علمه تعالى بنفسه فهو ضال، أو كان غرضه أن الله بذاته في كل مكان فهو أيضاً ضال.

قلت: الصواب الكف عن إطلاق ذلك إذ لم يأت فيه نص، ولو فرضنا أن المعنى صحيح فليس لنا أن نتفوه بشيء لم يأذن به الله خوفاً من أن يدخل القلب شيء من البدعة اللهم إحفظ علينا إيماننا.

٥٥

- وقال في هامش سير أعلام النبلاء ج ١٩ ص ٤٤٣

وقد بين شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل ٨ - ٦٠ - ٦١ نوع الخطأ الذي وقع فيه (ابن عقيل) فقال:

ولابن عقيل أنواع من الكلام، فإنه كان من أذكياء العالم كثير الفكر والنظر في كلام الناس، فتارة يسلك مسلك نفاة الصفات الحبرية وينكر على من يسميها صفات ويقول: إنما هي إضافات موافقة للمعتزلة كما فعله في كتابه ذم التشبيه وإثبات التنزيه، وغيره من كتبه، واتبعه على ذلك أبوالفرج ابن الجوزي في كف التشبيه بكف التنزيه، وفي كتابه منهاج الوصول.

وتارة يثبت الصفات الخبرية ويرد على النفاة والمعتزلة بأنواع من الأدلة الواضحات، وتارة يوجب التأويل كما فعله في كتابه الواضح وغيره. وتارة يحرم التأويل ويذمه وينهى عنه كما فعله في كتابه الإنتصار لأصحاب الحديث، فيوجد في كلامه من الكلام الحسن البليغ ما هو معظم مشكور، ومن الكلام المخالف للسنة والحق ما هو مذموم ومدحور... ولابن عقيل من الكلام في ذم من خرج عن الشريعة من أهل الكلام والتصوف ما هو معروف كما قال في الفنون، ومن خطه نقلت ثم ذكر فصلاً مطولاً استوعب سبع صفحات من الكتاب فراجعه.

وصار الترمذي متأوّلاً ذات يوم فكفّره المجسّمة

- قال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص ١٧٠ - ١٧١

... فهذا ابن القيم يقول في كتابه الصواعق المرسلة - أنظر مختصر الصواعق ٢-٢٧٥: وأما تأويل الترمذي وغيره له بالعلم فقال شيخنا: (٩٨) وهو ظاهر الفساد من جنس تأويلات الجهمية.... وهذا الخلال يقول في سنته ص ٢٣٢ ناقلاً: لا أعلم أحداً من أهل العلم ممن تقدم ولا في عصرنا هذا إلا وهو منكر لما أحدث الترمذي (٩٩) من رد حديث محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد في قوله:عَسَى أَنْ

٥٦

يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا قال يقعده على العرش (١٠٠) فهو عندنا جهمي يهجر ونحذر عنه.

وقال السقاف في هامش كتابه:

(٩٨) يعني بشيخه: ابن تيمية كما لا ينتطح في ذلك كبشان.

(٩٩) مع أن التأويل والتفويض لم يحدثه ولم يخترعه الترمذيقدس‌سره . ومن الغريب العجيب أيضاً أن محقق سنة الخلال عطية الزهراني - حاول أن ينفي أن كون الترمذي المراد هنا هو الإمام المعروف صاحب السنن فقال ص ٢٢٤ في الهامش تعليق رقم ٤ هو جهم بن صفوان ثم تراجع عن ذلك ص ٢٣٢ فقال في الهامش التعليق رقم ٨ (كنت أظنه جهم ولكن اتضح من الروايات أن يقصد رجلاً آخر لم أتوصل إلى معرفته) فيا للعجب!!

(١٠٠) وهذا القعود الذي يتحدثون عنه هو قعود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بجنب الله تعالى على العرش! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً! والدليل عليه قول الخلال هناك ص ٢٤٤:

حدثنا أبو معمر ثنا أبو الهذيل عن محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد: قال:عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ، قال: يجلسه معه على العرش، قال عبد الله: سمعت هذا الحديث من جماعة وما رأيت أحداً من المحدثين ينكره، وكان عندنا في وقت ما سمعناه من المشائخ أن هذا الحديث إنما تنكره الجهمية.

أقول: ومن العجيب الغريب أن الألباني ينكر هذا ويقول بعدم صحته وأنه لم يثبت كما سيأتي، وكذلك محقق الكتاب وهو متمسلف معاصر ينكر ذلك أيضاً، ويحكم على هذا الأثر بالضعف حيث يقول في هامش تلك الصحيفة تعليق رقم ١٩: إسناده ضعيف!

فهل هؤلاء جهمية! وما هذا الخلاف الواقع بين هؤلاء في أصول اعتقادهم!

٥٧

ومن الغريب العجيب أيضاً أنهم اعتبروا أن نفي قعود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بجنب الله نافياً ودافعاً لفضيلة من فضائل النبي صلى الله عليه وسلم، والدليل على ما قلناه قول الخلال هناك ص ٢٣٧:

(وقال أبو علي إسماعيل بن إبراهيم الهاشمي (وهو مجهول بنظر المحقق): إن هذا المعروف بالترمذي عندنا مبتدع جهمي، ومن رد حديث مجاهد فقد دفع فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن رد فضيلة الرسول صلى الله عليه وسلم فهو عندنا كافر مرتد عن الإسلام)!

وقال ص ٢٣٤ ناقلاً (وأنا أشهد على هذا الترمذي أنه جهمي خبيث)!!

ودافع رشيد رضا عن أكثر الحنابلة وجعلهم متأوّلة

- قال في تفسير المنار ج ٣ ص ١٩٨ - ١٩٩

... الصفات التي هي في الحادث انفعالات نفسية كالمحبة والرحمة والرضا والغضب والكراهة، فالسلف يقرونها على ظاهرها مع تنزيه الله تعالى عن انفعالات المخلوقين، فيقولون إن لله تعالى محبة تليق بشأنه ليست انفعالاً نفسياً كمحبة الناس. والخلف يؤولون ما ورد من النصوص في ذلك فيرجعونه إلى القدرة أو إلى الإرادة فيقولون الرحمة هي الإحسان بالفعل أو إرادة الإحسان.

ومنهم من لا يسمي هذا تأويلاً بل يقولون إن الرحمة تدل على الإنفعال الذي هو رقة القلب المخصوصة على الفعل الذي يترتب على ذلك الإنفعال، وقالوا إن هذه الألفاظ إذا أطلقت على الباري تعالى يراد بها غايتها التي هي أفعال دون مباديها التي هي انفعالات.

وإنما يردون هذه الصفات إلى القدرة والإرادة بناء على أن إطلاق لفظ القدرة والإرادة وكذا العلم على صفات الله إطلاق حقيقي لا مجازي.

والحق أن جميع ما أطلق على الله تعالى فهو منقول مما أطلق على البشر، ولما

٥٨

كان العقل والنقل متفقين على تنزيه الله تعالى عن مشابهة البشر، تعين أن نجمع بين النصوص فنقول إن لله تعالى قدرة حقيقية ولكنها ليست كقدرة البشر، وإن له رحمة ليست كرحمة البشر، وهكذا نقول في جميع ما أطلق عليه تعالى جمعاً بين النصوص، ولا ندعي أن إطلاق بعضها حقيقي وإطلاق البعض الآخر مجازي، فكما أن القدرة شأن من شؤونه لا يعرف كنهه ولا يجهل أثره كذلك الرحمة شأن من شؤونه لا يعرف كنهه ولا يخفى أثره، وهذا هو مذهب السلف فهم لا يقولون إن هذه الألفاظ لا يفهم لها معنى بالمرة، ولا يقولون إنها على ظاهرها بمعنى أن رحمة الله كرحمة الإنسان ويده كيده وإن ظن ذلك في الحنابلة بعض الجاهلين.

ومحققوا الصوفية لا يفرقون بين صفات الله تعالى ولا يجعلون بعضها محكماً إطلاق اللفظ عليه حقيقي، وبعضها متشابهاً إطلاقه عليه مجازي، بل كل ما أطلق عليه تعالى فهو مجاز.

ثم تبنّى رشيد رضا رأي الغزالي مع أنّه كاد أن يكفّر الحنابلة

للغزالي رسالة إسمها(إلجام العوام عن علم الكلام) حرم فيها على العوام حتى السؤال عن معنى أحاديث الرؤية والتجسيم، وقد تبناها الشيخ رشيد رضا ونقلها كلها في تفسيرهقال في ج ٣ ص ٢٠٧ - ٢٠٨:

وللإمام الغزالي تفصيل في كيفية الإستعمال وتحقيق في هذا البحث قاله بعد الرجوع إلى مذهب السلف(!) فننقله هنا من كتابه(إلجام العوام عن علم الكلام) وهو:

الباب الأول في شرح اعتقاد السلف في هذه الأخبار:

إعلم أن الحق الصريح الذي لامراء فيه عند أهل البصائر هو مذهب السلف أعني مذهب الصحابة والتابعين، وها أنا أورد بيانه وبيان برهانه فأقول: حقيقة مذهب السلف - وهو الحق عندنا - أن كل من بلغه حديث من هذه الأحاديث من عوام الخلق يجب عليه فيه سبعة أمور: التقديس، ثم التصديق، ثم الإعتراف بالعجز، ثم السكوت، ثم الإمساك، ثم الكف، ثم التسليم لأهل المعرفة.

٥٩

أما التقديس فأعني به تنزيه الرب تعالى عن الجسمية وتوابعها.

وأما التصديق فهو الإيمان بما قاله صلى الله عليه وسلم، وأن ما ذكره حق وهو فيما قاله صادق، وأنه حق على الوجه الذي قاله وأراده.

وأما الإعتراف بالعجز، فهو أن يقر بأن معرفة مراده ليست على قدر طاقته، وأن ذلك ليس من شأنه وحرفته.

وأما السكوت فأن لا يسأل عن معناه ولا يخوض فيه ويعلم أن سؤاله عنه بدعة، وأنه في خوضه فيه مخاطر بدينه، وأنه يوشك أن يكفر لو خاض فيه من حيث لا يشعر.

وأما الإمساك فأن لا نتصرف في تلك الألفاظ بالتصريف والتبديل بلغة أخرى والزيادة فيه والنقصان منها والجمع والتفريق، بل لا ينطق إلا بذلك اللفظ وعلى ذلك الوجه من الإيراد والإعراب والتصريف والصيغة.

وأما الكف فأن يكف باطنه عن البحث عنه والتفكر فيه.

وأما التسليم لأهله فأن لا يعتقد أن ذلك إن خفي عليه لعجزه فقد خفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو على الأنبياء أو على الصديقين والأولياء.

فهذه سبع وظائف اعتقد كافة السلف وجوبها على كل العوام، لا ينبغي أن يظن بالسلف الخلاف في شيء منها، فلنشرحها وظيفة وظيفة إن شاء الله تعالى... انتهى.

ومع أن الغزالي أنزل بالعوام هذه الفتاوى الشديدة منعاً لهم من تكذيب روايات السلف وأشاد بالسلف مدعياً أن ما يقوله هو مذهبهم، لكنه قدم تأويلاً لها مخالفاً للحنابلة والسلف وهاجم اتجاههم في تحريم التأويل والميل إلى التشبيه حتى جعل منهم عبدة أصنام!

قال في ص ٢٠٩:

الوظيفة الأولى التقديس ومعناه: أنه إذا سمع اليد والأصبع وقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله خمر طينة آدم بيده وإن قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن فينبغي أن يعلم أن اليد تطلق لمعنيين: أحدهما هو الوضع الأصلي وهو عضو مركب

٦٠