الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٣

الميزان في تفسير القرآن13%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 443

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 443 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 111421 / تحميل: 6252
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٣

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

و ظاهر بعض المفسّرين أنّ الأعمى الثاني في الآية تفيد معنى التفضيل حيث فسّره أنّه في الآخرة أشدّ عمى و أضلّ سبيلاً و السياق يساعده على ذلك.

( بحث روائي)

في أمالي الشيخ، بإسناده عن زيد بن عليّ عن أبيهعليه‌السلام : في قوله:( وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ‏ ) يقول: فضّلنا بني آدم على سائر الخلق( وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ ) يقول: على الرطب و اليابس( وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ) يقول: من طيّبات الثمار كلّها( وَ فَضَّلْناهُمْ ) يقول: ليس من دابّة و لا طائر إلّا هي تأكل و تشرب بفيها لا ترفع يدها إلى فيها طعاماً و لا شراباً غير ابن آدم فإنّه يرفع إلى فيه بيده طعامه فهذا من التفضيل.

و في تفسير العيّاشيّ، عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام :( وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى‏ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا ) قال: خلق كلّ شي‏ء منكبّاً غير الإنسان خلق منتصباً.

أقول: و ما في الروايتين من قبيل ذكر بعض المصاديق و الدليل عليه قوله في آخر الرواية الاُولى: فهذا من التفضيل.

و فيه، عن الفضيل قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله:( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ) قال: يجي‏ء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قومه، و عليّعليه‌السلام في قومه و الحسن في قومه و الحسين في قومه و كلّ من مات بين ظهرانيّ إمام جاء معه.

و في تفسير البرهان، عن ابن شهرآشوب عن الصادقعليه‌السلام : أ لا تحمدون الله؟ إنّه إذا كان يوم القيامة يدعى كلّ قوم إلى من يتولّونه، و فزعنا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و فزعتم أنتم إلينا.

أقول: و رواه في المجمع، عنهعليه‌السلام ‏ و فيه دلالة على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إمام الأئمّة كما أنّه شهيد الشهداء و أنّ حكم الدعوة بالإمام جار بين الأئمّة أنفسهم.

و في مجمع البيان، روى الخاصّ و العام عن عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام بالأسانيد الصحيحة أنّه روى عن آبائه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال فيه: يدعى كلّ

١٨١

اُناس بإمام زمانهم و كتاب ربّهم و سنّة نبيّهم.

أقول: و رواه في تفسير البرهان، عن ابن شهرآشوب عنه عن آبائه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلفظه و قد أسنده أيضاً إلى رواية الخاصّ و العامّ.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن عليّ قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ) قال: يدعى كلّ قوم بإمام زمانهم و كتاب ربّهم و سنّة نبيّهم.

و في تفسير العيّاشيّ، عن عمّار الساباطيّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: لا يترك الأرض بغير إمام يحلّ حلال الله و يحرّم حرامه، و هو قول الله:( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ) ثمّ قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من مات بغير إمام مات ميتة جاهليّة. الحديث.

أقول: و وجه الاحتجاج بالآية عموم الدعوة فيها لجميع الناس.

و فيه، عن إسماعيل بن همّام عن أبي عبداللهعليه‌السلام : في قول الله:( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ) قال: إذا كان يوم القيامة قال الله: أ ليس العدل من ربّكم أن يولّوا كلّ قوم من تولّوا؟ قالوا: بلى قال: فيقول: تميّزوا فيتميّزون.

أقول: و فيه تأييد لما قدّمنا أنّ المراد بالدعوة بالإمام إحضارهم معه دون النداء بالاسم، و الروايات في المعاني السابقة كثيرة.

و في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ) قال: قال: الجلدة الّتي في ظهر النواة.

و في تفسير العيّاشيّ، عن المثنّى عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سأله أبوبصير و أنا أسمع فقال له: رجل له مائة ألف فقال: العامّ أحجّ العامّ أحجّ حتّى يجيئه الموت فحجبه البلاء و لم يحجّ حجّ الإسلام فقال: يا با بصير أ و ما سمعت قول الله:( مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى‏ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى‏ وَ أَضَلُّ سَبِيلًا ) ؟ عمي عن فريضة من فرائض الله.

١٨٢

( سورة الإسراء الآيات ٧٣ - ٨١)

وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ  وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا ( ٧٣ ) وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ( ٧٤ ) إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ( ٧٥ ) وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا  وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا ( ٧٦ ) سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا  وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا ( ٧٧ ) أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ  إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ( ٧٨ ) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ( ٧٩ ) وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا ( ٨٠ ) وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ  إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ( ٨١ )

( بيان‏)

تذكر الآيات بعض مكر المشركين بالقرآن و بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بعد ما ذمّتهم على تماديهم في إنكار التوحيد و المعاد و احتجّت عليهم في ذلك - حيث أرادوا أن يفتنوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بعض ما اُوحي إليه ليداهنهم فيه بعض المداهنة، و أرادوا أن يخرجوه من مكّة.

و قد أوعد الله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشدّ الوعيد إن مال إلى الركون إليهم بعض

١٨٣

الميل، و أوعدهم أن أخرجوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالهلاك.

و في الآيات إيصاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصلوات و الالتجاء بربّه في مدخله و مخرجه و إعلام ظهور الحقّ.

قوله تعالى: ( وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَ إِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا ) إن مخفّفة بدليل اللّام في( لَيَفْتِنُونَكَ ) و الفتنة الإزلال و الصرف، و الخليل من الخلّة بمعنى الصداقة و ربّما قيل: هو من الخلّة بمعنى الحاجة و هو بعيد.

و ظاهر السياق أنّ المراد بالذي أوحينا إليك القرآن بما يشتمل عليه من التوحيد و نفي الشريك و السيرة الصالحة و هذا يؤيّد ما ورد في بعض أسباب النزول أنّ المشركين سألوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكفّ عن ذكر آلهتهم بسوء و يبعّد عن نفسه عبيدهم المؤمنين به و السقاط حتّى يجالسوه و يسمعوا منه فنزلت الآيات.

و المعنى: و إنّ المشركين اقتربوا أن يزلّوك و يصرفوك عمّا أوحينا إليك لتتّخذ من السيرة و العمل ما يخالفه فيكون في ذلك افتراء علينا لانتسابه بعملك إلينا و إذا لاتّخذوك صديقاً.

قوله تعالى: ( وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا ) التثبيت - كما يفيده السياق - هو العصمة الإلهيّة و جعل جواب لو لا قوله:( لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ ) دون نفس الركون و الركون هو الميل أو أدنى الميل كما قيل دليل على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يركن و لم يكد، و يؤكّده إضافة الركون إليهم دون إجابتهم إلى ما سألوه.

و المعنى: و لو لا أن ثبّتناك بعصمتنا دنوت من أن تميل إليهم قليلاً لكنّا ثبّتناك فلم تدن من أدنى الميل إليهم فضلاً من أن تجيبهم إلى ما سألوا فهوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يجبهم إلى ما سألوا و لا مال إليهم شيئاً قليلاً و لا كاد أن يميل.

قوله تعالى: ( إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً ) سياق الآية سياق توعّد فالمراد بضعف الحياة و الممات المضاعف من عذاب

١٨٤

الحياة و الممات، و المعنى لو قارنت أن تميل إليهم بعض الميل لأذقناك الضعف من العذاب الّذي نعذّب به المجرمين في حياتهم و الضعف ممّا نعذّبهم به في مماتهم أي ضعف عذاب الدنيا و الآخرة.

و نقل في المجمع، عن أبان بن تغلب أنّ المراد بالضعف العذاب المضاعف ألمه و المعنى لأذقناك عذاب الدنيا و عذاب الآخرة، و أنشد قول الشاعر:

لمقتل مالك إذ بان منّي

أبيت الليل في ضعف أليم

أي في عذاب أليم.

و ما في ذيل الآية من قوله:( ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً ) تشديد في الإيعاد أي إنّ العذاب واقع حينئذ لا مخلص منه.

قوله تعالى: ( وَ إِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَ إِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا ) الاستفزاز الإزعاج و التحريك بخفّة و سهولة، و اللّام في( الْأَرْضِ ) للعهد و المراد بها مكّة، و الخلاف بمعنى بعد، و المراد بالقليل اليسير من الزمان.

و المعنى و إنّ المشركين قاربوا أن يزعجوك من أرض مكّة لإخراجك منها و لو كان منهم و خرجت منها لم يمكثوا بعدك فيها إلّا قليلاً فهم هالكون لا محالة.

و قيل: هؤلاء الّذين كادوا يستفزّونه هم اليهود أرادوا أن يخرجوه من المدينة و قيل: المراد المشركون و اليهود أرادوا جميعاً أن يخرجوه من أرض العرب.

و يبعّد ذلك أنّ السورة مكّيّة و الآيات ذات سياق واحد و ابتلاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باليهود إنّما كان بالمدينة بعد الهجرة.

قوله تعالى: ( سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَ لا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا ) التحويل نقل الشي‏ء من حال، إلى حال، و قوله:( سُنَّةَ ) أي كسنّة من قد أرسلنا و هو متعلّق بقوله:( لا يَلْبَثُونَ ) أي لا يلبثون بعدك إلّا قليلاً كسنّة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا.

و هذه السنّة و هي إهلاك المشركين الّذين أخرجوا رسولهم من بلادهم و

١٨٥

طردوه من بينهم سنّة لله سبحانه، و إنّما نسبها إلى رسله لأنّها مسنونة لأجلهم بدليل قوله بعد:( وَ لا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا ) و قد قال تعالى:( وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى‏ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ) إبراهيم: ١٣.

و المعنى: و إذا نهلكهم لسنّتنا الّتي سننّاها لأجل من قد أرسلنا قبلك من رسلنا و أجريناها و لست تجد لسنّتنا تحويلاً و تبديلاً.

قوله تعالى: ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى‏ غَسَقِ اللَّيْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) قال في مجمع البيان: الدلوك الزوال، و قال المبرّد: دلوك الشمس من لدن زوالها إلى غروبها، و قيل: هو الغروب و أصله من الدلك فسمّي الزوال دلوكاً لأنّ الناظر إليها يدلك عينيه لشدّة شعاعها، و سمّي الغروب دلوكاً لأنّ الناظر يدلك عينيه ليثبتها. انتهى.

و قال فيه: غسق الليل ظهور ظلامه يقال: غسقت القرحة إذا انفجرت فظهر ما فيها. انتهى، و في المفردات،: غسق الليل شدّة ظلمته. انتهى.

و قد اختلف المفسّرون في تفسير صدر الآية و المرويّ عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام من طرق الشيعة تفسير دلوك الشمس بزوالها و غسق الليل بمنتصفه، و سيجي‏ء الإشارة إلى الروايات في البحث الروائيّ الآتي إن شاء الله.

و عليه فالآية تشمل من الوقت ما بين زوال الشمس و منتصف الليل، و الواقع في هذا المقدار من الوقت من الفرائض اليوميّة أربع صلاة الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة. و بانضمام صلاة الصبح المدلول عليها بقوله:( وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ ) إلخ إليها تتمّ الصلوات الخمس اليوميّة.

و قوله:( وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ ) معطوف على الصلاة أي و أقم قرآن الفجر و المراد به صلاة الصبح لما تشتمل عليه من القرائة و قد اتّفقت الروايات على أنّ صلاة الصبح هي المراد بقرآن الفجر.

و كذا اتّفقت الروايات من طرق الفريقين على تفسير قوله ذيلاً:( إِنَّ

١٨٦

قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) بأنّه يشهده ملائكة الليل و ملائكة النهار، و سنشير إلى بعض هذه الروايات عن قريب إن شاء الله.

قوله تعالى: ( وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى‏ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ) التهجّد من الهجود و هو النوم في الأصل و معنى التهجّد التيقّظ و السهر بعد النوم على ما ذكره غير واحد منهم، و الضمير في( بِهِ ) للقرآن أو للبعض المفهوم من قوله:( وَ مِنَ اللَّيْلِ ) و النافلة من النفل و هو الزيادة، و ربّما قيل: إنّ قوله:( وَ مِنَ اللَّيْلِ ) من قبيل الإغراء نظير قولنا: عليك بالليل، و الفاء في قوله:( فَتَهَجَّدْ بِهِ ) نظير قوله:( فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) النحل: ٥١.

و المعنى: و أسهر بعض الليل بعد نومتك بالقرآن - و هو الصلاة - حال كونها صلاة زائدة لك على الفريضة.

و قوله:( عَسى‏ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ) من الممكن أن يكون المقام مصدراً ميميّاً و هو البعث فيكون مفعولاً مطلقاً ليبعثك من غير لفظه، و المعنى عسى أن يبعثك ربّك بعثاً محموداً، و من الممكن أن يكون اسم مكان و البعث بمعنى الإقامة أو مضمّنا معنى الإعطاء و نحوه، و المعنى عسى أن يقيمك ربّك في مقام محمود أو يبعثك معطياً لك مقاماً محموداً أو يعطيك باعثاً مقاماً محموداً.

و قد وصف سبحانه مقامه بأنّه محمود و أطلق القول من غير تقييد و هو يفيد أنّه مقام يحمده الكلّ و لا يثني عليه الكلّ إلّا إذا استحسنه الكلّ و انتفع به الجميع و لذا فسّروا المقام المحمود بأنّه المقام الّذي يحمده عليه جميع الخلائق و هو مقام الشفاعة الكبرى لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم القيامة و قد اتّفقت على هذا التفسير الروايات من طرق الفريقين عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

قوله تعالى: ( وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَ اجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً ) المدخل بضمّ الميم و فتح الخاء مصدر ميميّ بمعنى الإدخال و نظيره المخرج بمعنى الإخراج، و العناية في إضافة الإدخال و الإخراج إلى الصدق أن يكون الدخول و الخروج في كلّ أمر منعوتا بالصدق

١٨٧

جاريا على الحقيقة من غير أن يخالف ظاهره باطنه أو يضادّ بعض أجزائه بعضاً كأن يدعو الإنسان بلسانه إلى الله و هو يريد بقلبه أن يسود الناس أو يخلص في بعض دعوته لله و يشرك في بعضها غيره.

و بالجملة هو أن يرى الصدق في كلّ مدخل منه و مخرج و يستوعب وجوده فيقول ما يفعل و يفعل ما يقول و لا يقول و لا يفعل إلّا ما يراه و يعتقد به، و هذا مقام الصدّيقين. و يرجع المعنى إلى نحو قولنا: اللّهمّ تولّ أمري كما تتولّى أمر الصدّيقين.

و قوله:( وَ اجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً ) أي سلطنة بنصرتي على ما أهمّ به من الاُمور و أشتغل به من الأعمال فلا اُغلب في دعوتي بحجّة باطلة، و لا أفتتن بفتنة أو مكر يمكرني به أعداؤك و لا أضلّ بنزغ شيطان و وسوسته.

و الآية - كما ترى - مطلقة تأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يسأل ربّه أن يتولّى أمره في كلّ مدخل و مخرج بالصدق و يجعل له سلطاناً من عنده ينصره فلا يزيغ في حقّ و لا يظهر بباطل فلا وجه لما ذكره بعض المفسّرين أنّ المراد بالدخول و الخروج دخول المدينة بالهجرة و الخروج منها إلى مكّة للفتح أو أنّ المراد بهما دخول القبر بالموت و الخروج منه بالبعث.

نعم لمّا كانت الآية بعد قوله:( وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ) ( وَ إِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ ) و في سياقهما، لوّحت إلى أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يلتجئ إلى ربّه في كلّ أمر يهمّ به أو يشتغل به من اُمور الدعوة، و في الدخول و الخروج في كلّ مكان يسكنه أو يدخله أو يخرج منه و هو ظاهر.

قوله تعالى: ( وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً ) قال في المجمع: الزهوق هو الهلاك و البطلان يقال: زهقت نفسه إذا خرجت فكأنّها قد خرجت إلى الهلاك. انتهى و المعنى ظاهر.

و في الآية أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإعلام ظهور الحقّ و هو لوقوع الآية في سياق ما مرّ من قوله:( و إن كادوا ليفتنونك) إلى آخر الآيات أمر بإياس المشركين من نفسه و تنبيههم أن يوقنوا أن لا مطمع لهم فيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٨٨

و في الآية دلالة على أنّ الباطل لا دوام له كما قال تعالى في موضع آخر:( وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ ) إبراهيم: ٢٦.

( بحث روائي‏)

في المجمع: في سبب نزول قوله تعالى:( وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ) الآيات أنّهم قالوا له: كفّ عن شتم آلهتنا و تسفيه أحلامنا و اطرد هؤلاء العبيد و السقاط الّذين رائحتهم رائحة الصنان حتّى نجالسك و نسمع منك فطمع في إسلامهم فنزلت الآية.

أقول: و روي في الدرّ المنثور، عن ابن أبي حاتم عن سعيد بن نفير ما يقرب منه.

و أمّا ما روي عن ابن عبّاس: أنّ اُميّة بن خلف و أباجهل بن هشام و رجالاً من قريش أتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا: تعال فاستلم آلهتنا و ندخل معك في دينك و كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشتدّ عليه فراق قومه و يحبّ إسلامهم فرقّ لهم فأنزل الله:( وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ - إلى قوله -نَصِيراً ) فلا يلائم ظاهر الآيات حيث تنفي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقارب الركون فضلاً عن الركون.

و كذا ما رواه الطبريّ و ابن مردويه عن ابن عبّاس: أنّ ثقيفاً قالوا للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أجّلنا سنة حتّى يهدي لآلهتنا فإذا قبضنا الّذي يهدي للآلهة أحرزناه ثمّ أسلمنا و كسرنا الآلهة فهمّ أن يؤجّلهم فنزلت:( وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ) الآية.

و كذا ما في تفسير العيّاشيّ، عن أبي يعقوب عن أبي عبداللهعليه‌السلام :في الآية قال: لمّا كان يوم الفتح أخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصناماً من المسجد و كان منها صنم على المروة فطلبت إليه قريش أن يتركه و كان مستحيا ثمّ أمر بكسره فنزلت هذه الآية.

و نظيرهما أخبار اُخر تقرب منها معنى فهذه روايات لا تلائم ظاهر الكتاب و حاشا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يهمّ بمثل هذه البدع و الله سبحانه ينفي عنه المقارنة من

١٨٩

الركون و الميل اليسير فضلا أن يهمّ بالعمل.

على أنّ هذه القضايا من الحوادث الواقعة بعد الهجرة و السورة مكّيّة.

و في العيون، بإسناده عن عليّ بن محمّد بن الجهم عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام : ممّا سأله المأمون فقال له: أخبرني عن قول الله:( عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ) قال الرضاعليه‌السلام هذا ممّا نزل بإيّاك أعني و اسمعي يا جارة خاطب الله بذلك نبيّه و أراد به اُمّته، و كذلك قوله:( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ ) و قوله تعالى:( وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا ) قال: صدقت يا بن رسول الله.

و في المجمع، عن ابن عبّاس: في قوله تعالى:( إِذاً لَأَذَقْناكَ ) الآية قال: إنّه لمّا نزلت هذه الآية قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللّهمّ لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً.

و في تفسير العيّاشيّ، عن سعيد بن المسيّب عن عليّ بن الحسينعليه‌السلام قال: قلت له: متى فرضت الصلاة على المسلمين على ما هم اليوم عليه؟ قال: بالمدينة حين ظهرت الدعوة و قوي الإسلام فكتب الله على المسلمين الجهاد، و زاد في الصلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبع ركعات في الظهر ركعتين، و في العصر ركعتين، و في المغرب ركعة، و في العشاء ركعتين، و أقرّ الفجر على ما فرضت عليه بمكّة لتعجيل نزول ملائكة النهار إلى الأرض و تعجيل عروج ملائكة الليل إلى السماء فكان ملائكة الليل و ملائكة النهار يشهدون مع رسول الله الفجر فلذلك قال الله:( وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) يشهد المسلمون و يشهد ملائكة الليل و النهار.

و في المجمع: في قوله تعالى:( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى‏ غَسَقِ اللَّيْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ ) قال: ففي الآية بيان وجوب الصلوات الخمس و بيان أوقاتها و يؤيّد ذلك ما رواه العيّاشيّ بالإسناد عن عبيدة بن زرارة عن أبي عبداللهعليه‌السلام في هذه الآية.

قال: إنّ الله افترض أربع صلوات أوّل وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل منها صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروبها إلّا أنّ هذه قبل

١٩٠

هذه، و منها صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلّا أنّ هذه قبل هذه.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتاني جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلّى بي الظهر.

و فيه، أخرج الحكيم الترمذيّ في نوادر الاُصول و ابن جرير و الطبرانيّ و ابن مردويه عن أبي الدرداء قال: قرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ) قال: يشهده الله و ملائكة الليل و ملائكة النهار.

أقول: تفسير كون قرآن الفجر مشهوداً في روايات الفريقين بشهادة ملائكة الليل و ملائكة النهار يكاد يبلغ حدّ التواتر، و قد اُضيف إلى ذلك في بعضها شهادة الله كما في هذه الرواية، و في بعضها شهادة المسلمين كما فيما تقدّم.

و في تفسير العيّاشيّ، عن عبيد بن زرارة قال: سئل أبوعبداللهعليه‌السلام عن المؤمن هل له شفاعة؟ قال: نعم فقال له رجل من القوم: هل يحتاج المؤمن إلى شفاعة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: نعم للمؤمنين خطايا و ذنوب و ما من أحد إلّا و يحتاج إلى شفاعة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومئذ.

قال: و سأله رجل عن قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا سيّد ولد آدم و لا فخر قال: نعم يأخذ حلقة من باب الجنّة فيفتحها فيخرّ ساجداً فيقول: الله: ارفع رأسك اشفع تشفّع اطلب تعط فيرفع رأسه ثمّ يخرّ ساجداً فيقول الله: ارفع رأسك اشفع تشفّع و اطلب تعط ثمّ يرفع رأسه فيشفع يشفّع (فيشفّع) و يطلب فيعطى.

و فيه، عن سماعة بن مهران عن أبي إبراهيمعليه‌السلام : في قول الله:( عَسى‏ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ) قال: يقوم الناس يوم القيامة مقدار أربعين يوماً و تؤمر الشمس فنزلت على رؤس العباد و يلجم العرق و تؤمر الأرض لا تقبل من عرقهم شيئاً فيأتون آدم فيشفعون له فيدلّهم على نوح و يدلّهم نوح على إبراهيم، و يدلّهم إبراهيم على موسى و يدلّهم موسى على عيسى، و يدلّهم عيسى على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقول: عليكم بمحمّد خاتم النبيّين، فيقول محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا لها.

١٩١

فينطلق حتّى يأتي باب الجنّة فيدقّ فيقال له: من هذا؟ و الله أعلم فيقول محمّد: افتحوا فإذا فتح الباب استقبل ربّه فخرّ ساجداً فلا يرفع رأسه حتّى يقال له تكلّم و سل تعط و اشفع تشفّع فيرفع رأسه فيستقبل ربّه فيخرّ ساجداً فيقال له مثلها فيرفع رأسه حتّى أنّه ليشفع من قد اُحرق بالنار فما أحد من الناس يوم القيامة في جميع الاُمم أوجه من محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو قول الله تعالى:( عَسى‏ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ) .

أقول: و قوله:( حتى أنّه ليشفع من قد اُحرق بالنار) أي بعض من اُدخل النار، و في معنى هذه الرواية عدّة روايات من طرق أهل السنّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و في الدرّ المنثور، أخرج البخاريّ و ابن جرير و ابن مردويه عن ابن عمر قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إنّ الشمس لتدنو حتّى يبلغ العرق نصف الاُذن فبينما هم كذلك استغاثوا بآدمعليه‌السلام فيقول: لست بصاحب ذلك ثمّ موسىعليه‌السلام فيقول مثل ذلك ثمّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيشفع فيقضي الله بين الخلائق فيمشي حتّى يأخذ بحلقة باب الجنّة فيومئذ يبعثه الله مقاماً.

و فيه، أخرج ابن جرير و البيهقيّ في شعب الإيمان عن أبي هريرة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: المقام المحمود الشفاعة.

و فيه، أخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي الوقّاص قال: سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المقام المحمود فقال: هو الشفاعة.

أقول: و الروايات في المضامين السابقة كثيرة.

١٩٢

( سورة الإسراء الآيات ٨٢ - ١٠٠)

وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ  وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ( ٨٢ ) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ  وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا ( ٨٣ ) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلًا ( ٨٤ ) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ  قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ( ٨٥ ) وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا ( ٨٦ ) إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ  إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا ( ٨٧ ) قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ( ٨٨ ) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ( ٨٩ ) وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا ( ٩٠ ) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا ( ٩١ ) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا ( ٩٢ ) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ  قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا ( ٩٣ ) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ إِلَّا أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَرًا رَّسُولًا ( ٩٤ ) قُل لَّوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ

١٩٣

لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولًا( ٩٥) قُلْ كَفَىٰ بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ  إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا( ٩٦) وَمَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ  وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِهِ  وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا  مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ  كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا( ٩٧) ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا( ٩٨) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَّا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا( ٩٩) قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا( ١٠٠)

( بيان‏)

رجوع بعد رجوع إلى حديث القرآن و كونه آية للنبوّة و ما يصحبه من الرحمة و البركة، و قد افتتح الكلام فيه بقوله فيما تقدّم:( إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) ثمّ رجع إليه بقوله:( وَ لَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا ) إلخ و قوله:( وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ ) إلخ و قوله:( وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ ) إلخ.

فبيّن في هذه الآيات أنّ القرآن شفاء و رحمة و بعبارة اُخرى مصلح لمن صلحت نفسه و مخسر للظالمين و أنّه آية معجزة للنبوّة ثمّ ذكر ما كانوا يقترحونه على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الآيات و الجواب عنه و ما يلحق بذلك من الكلام.

١٩٤

و في الآيات ذكر سؤالهم عن الروح و الجواب عنه.

قوله تعالى: ( وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً ) من بيانيّة تبيّن الموصول أعني قوله:( ما هُوَ شِفاءٌ ) إلخ أي و ننزّل ما هو شفاء و رحمة و هو القرآن.

و عدّ القرآن شفاء و الشفاء إنّما يكون عن مرض دليل على أنّ للقلوب أحوالاً نسبة القرآن إليها نسبة الدواء الشافي إلى المرض، و هو المستفاد من كلامه سبحانه حيث ذكر أنّ الدين الحقّ فطريّ للإنسان فكما أنّ للبنية الإنسانيّة الّتي سوّيت على الخلقة الأصليّة قبل أن يلحق بها أحوال منافية و آثار مغايرة للتسوية الأوّليّة استقامة طبيعيّة تجري عليها في أطوار الحياة كذلك لها بحسب الخلقة الأصليّة عقائد حقّة في المبدإ و المعاد و ما يتفرّع عليهما من اُصول المعارف، و أخلاق فاضلة زاكية تلائمها و يترتّب عليها من الأحوال و الأعمال ما يناسبها.

فللإنسان صحّة و استقامة روحيّة معنويّة كما أنّ له صحّة و استقامة جسميّة صوريّة، و له أمراض و أدواء روحيّة باختلال أمر الصحّة الروحيّة كما أنّ له أمراضاً و أدواء جسميّة باختلال أمر الصحّة الجسميّة و لكلّ داء دواء و لكلّ مرض شفاء.

و قد ذكر الله سبحانه في اُناس من المؤمنين أنّ في قلوبهم مرضا و هو غير الكفر و النفاق الصريحين كما يدلّ عليه قوله:( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ) الأحزاب: ٦٠ و قوله:( وَ لِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلًا ) المدّثّر: ٣١.

و ليس هذا المسمّى مرضاً إلّا ما يختلّ به ثبات القلب و استقامة النفس من أنواع الشكّ و الريب الموجبة لاضطراب الباطن و تزلزل السرّ و الميل إلى الباطل و اتّباع الهوى ممّا يجامع إيمان عامّة المؤمنين من أهل أدنى مراتب الإيمان و ممّا هو معدود نقصاً و شركاً بالإضافة إلى مراتب الإيمان العالية، و قد قال تعالى:( وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ ) يوسف: ١٠٦ و قال:( فَلا وَ رَبِّكَ

١٩٥

لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) النساء: ٦٥.

و القرآن الكريم يزيل بحججه القاطعة و براهينه الساطعة أنواع الشكوك و الشبهات المعترضة في طريق العقائد الحقّة و المعارف الحقيقيّة و يدفع بمواعظه الشافية و ما فيه من القصص و العبر و الأمثال و الوعد و الوعيد و الإنذار و التبشير و الأحكام و الشرائع عاهات الأفئدة و آفاتها فالقرآن شفاء للمؤمنين.

و أمّا كونه رحمة للمؤمنين - و الرحمة إفاضة ما يتمّ به النقص و يرتفع به الحاجة - فلأنّ القرآن ينوّر القلوب بنور العلم و اليقين بعد ما يزيل عنها ظلمات الجهل و العمى و الشكّ و الريب و يحلّيها بالملكات الفاضلة و الحالات الشريفة الزاكية بعد ما يغسل عنها أوساخ الهيآت الرديّة و الصفات الخسيسة.

فهو بما أنّه شفاء يزيل عنها أنواع الأمراض و الأدواء، و بما أنّه رحمة يعيد إليها ما افتقدته من الصحّة و الاستقامة الأصليّة الفطريّة فهو بكونه شفاء يطهر المحلّ من الموانع المضادّة للسعادة و يهيّئها لقبولها، و بكونه رحمة يلبسه لباس السعادة و ينعم عليه بنعمة الاستقامة.

فالقرآن شفاء و رحمة للقلوب المريضة كما أنّه هدى و رحمة للنفوس غير الأمنة من الضلال، و بذلك يظهر النكتة في ترتّب الرحمة على الشفاء في قوله:( ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) فهو كقوله:( هُدىً وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) يوسف: ١١١ و قوله:( وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً ) النساء: ٩٦.

فمعنى قوله:( وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) و ننزّل إليك أمراً يشفي أمراض القلوب و يزيلها و يعيد إليها حالة الصحّة و الاستقامة فتتمتّع من نعمة السعادة و الكرامة.

و قوله:( وَ لا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً ) السياق دالّ على أنّ المراد به بيان ما للقرآن من الأثر في غير المؤمنين قبال ما له من الأثر الجميل في المؤمنين فالمراد بالظالمين غير المؤمنين و هم الكفار دون المشركين خاصّة كما يظهر من بعض المفسّرين

١٩٦

و إنّما علّق الحكم بالوصف أعني الظلم ليشعر بالتعليل أي إنّ القرآن إنّما يزيدهم خساراً لمكان ظلمهم بالكفر.

و الخسار هو النقص في رأس المال فللكفّار رأس مال بحسب الأصل و هو الدين الفطريّ تلهم به نفوسهم الساذجة ثمّ إنّهم بكفرهم بالله و آياته خسروا فيه و نقصوا. ثمّ إنّ كفرهم بالقرآن و إعراضهم عنه بظلمهم يزيدهم خساراً على خسار و نقصا على نقص إن كانت عندهم بقيّة من موهبة الفطرة، و إلى هذه النكتة يشير سياق النفي و الاستثناء حيث قيل:( وَ لا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً ) و لم يقل: و يزيد الظالمين خسارا.

و به يظهر أنّ محصّل معنى الآية أنّ القرآن يزيد المؤمنين صحّة و استقامة على صحّتهم و استقامتهم بالإيمان و سعادة على سعادتهم و إن زاد الكافرين شيئاً فإنّما يزيدهم نقصاً و خساراً.

و للمفسّرين في معنى صدر الآية و ذيلها وجوه اُخر أغمضنا عنها من أراد الوقوف عليها فليراجع مسفوراتهم.

و ممّا ذكروه فيها أنّ المراد بالشفاء في الآية أعمّ من شفاء الأمراض الروحيّة من الجهل و الشبهة و الريب و الملكات النفسانيّة الرذيلة و شفاء الأمراض الجسميّة بالتبرّك بآياته الكريمة قراءة و كتابة هذا.

و لا بأس به لكن لو صحّ التعميم فليصحّ في الصدر و الذيل جميعاً فإنّه كما يستعان به على دفع الأمراض و العاهات بقراءة أو كتابة كذلك يستعان به على دفع الأعداء و رفع ظلم الظالمين و إبطال كيد الكافرين فيزيد بذلك الظالمين خساراً كما يفيد المؤمنين شفاء هذا، و نسبة زيادة خسارهم إلى القرآن مع أنّها مستندة بالحقيقة إلى سوء اختيارهم و شقاء أنفسهم إنّما هي بنوع من المجاز.

قوله تعالى: ( وَ إِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَ نَأى‏ بِجانِبِهِ وَ إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً ) قال في المفردات: العرض خلاف الطول و أصله أن يقال في الأجسام ثمّ يستعمل في غيرها - إلى أن قال - و أعرض أظهر عرضه أي ناحيته فإذا قيل: أعرض

١٩٧

لي كذا أي بدا عرضه فأمكن تناوله، و إذا قيل: أعرض عنّي فمعناه ولّى مبدياً عرضه. انتهى موضع الحاجة.

و النأي البعد و نأى بجانبه أي اتّخذ لنفسه جهة بعيدة منّا، و مجموع قوله:( أَعْرَضَ وَ نَأى‏ بِجانِبِهِ ) يمثّل حال الإنسان في تباعده و انقطاعه من ربّه عند ما ينعم عليه. كمن يحوّل وجهه عن صاحبه و يتّخذ لنفسه موقفاً بعيداً منه، و ربّما ذكر بعض المفسّرين أنّ قوله:( نَأى‏ بِجانِبِهِ ) كناية عن الاستكبار و الاستعلاء.

و قوله:( وَ إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً ) أي و إذا أصابه الشرّ أصابة خفيفة كالمسّ كان آيسا منقطع الرجاء عن الخير و هو النعمة، و لم ينسب الشرّ إليه تعالى كما نسب النعمة تنزيها له تعالى من أن يسند إليه الشرّ، و لأنّ وجود الشرّ أمر نسبيّ لا نفسيّ فما يتحقّق من الشرّ في العالم كالموت و المرض و الفقر و النقص و غير ذلك إنّما هو شرّ بالنسبة إلى مورده، و أمّا بالنسبة إلى غيره و خاصّة النظام العامّ الجاري في الكون فهو من الخير الّذي لا مناص عنه في التدبير الكلّيّ فما كان من الخير فهو ممّا تعلّقت به بعينه العناية الإلهيّة و هو مراد بالذات، و ما كان من الشرّ فهو ممّا تعلّقت به العناية لغيره و هو مقضيّ بالعرض.

فالمعنى إنّا إذا أنعمنا على الإنسان هذا الموجود الواقع في مجرى الأسباب اشتغل بظواهر الأسباب و أخلد إليها فنسينا فلم يذكرنا و لم يشكرنا، و إذا ناله شي‏ء يسير من الشرّ فسلب منه الخير و زالت عنه أسبابه و رأى ذلك كان شديد اليأس من الخير لكونه متعلّقاً بأسبابه و هو يرى بطلان أسبابه و لا يرى لربّه في ذلك صنعاً.

و الآية تصف حال الإنسان العاديّ الواقع في المجتمع الحيويّ الّذي يحكم فيه العرف و العادة فهو إذا توالت عليه النعم الإلهيّة من المال و الجاه و البنين و غيرها و وافقته على ذلك الأسباب الظاهريّة اشتغل بها و تعلّق قلبه بها فلم تدع له فراغاً يشتغل فيه بذكر ربّه و شكره بما أنعم عليه، و إذا مسّه الشرّ و سلب عنه بعض النعم الموهوبة أيس من الخير و لم يتسلّ بالرجاء لأنّه لا يرى للخير إلّا الأسباب الظاهرية الّتي لا يجد وقتئذ شيئاً منها في الوجود.

١٩٨

و هذه الحال غير حال الإنسان الفطريّ غير المشوب ذهنه بالرسوم و الآداب و لا الحاكم فيه العرف و العادة إمّا بتأييد إلهيّ يلازمه و يسدّده و إمّا بعروض اضطرار ينسيه الأسباب الظاهريّة فيرجع إلى سذاجة فطرته و يدعو ربّه و يسأله كشف ضرّه فللإنسان حالان حال فطريّة تهديه إلى الرجوع إلى ربّه عند مسّ الضرّ و نزول الشرّ و حال عاديّة تحوّل فيها الأسباب بينه و بين ربّه فتشغله و تصرفه عن الرجوع إليه بالذكر و الشكر، و الآية تصف حاله الثانية دون الاُولى.

و من هنا يظهر أن لا منافاة بين هذه الآية و الآيات الدالّة على أنّ الإنسان إذا مسّه الضرّ رجع إلى ربّه كقوله تعالى فيما تقدّم:( وَ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ) الآية و قوله:( وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً ) الآية: يونس: ١٢ إلى غير ذلك.

و يظهر أيضاً وجه اتّصال الآية بما قبلها و أنّها متّصلة بالآية السابقة من جهة ذيلها أعني قوله:( وَ لا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً ) و المحصّل أنّ هذا الخسار غير بعيد منهم فإنّ من حال الإنسان أن يشغله الأسباب الظاهريّة عند نزول النعم الإلهيّة فينصرف عن ربّه و يعرض و ينأى بجانبه، و ييأس عند مسّ الشرّ.

( بحث فلسفي)

( في تعلّق القضاء بالشرور)

ذكروا أنّ الشرور داخلة في القضاء الإلهيّ بالعرض، و قد أوردوا في بيانه ما يأتي:

نقل عن أفلاطون أنّ الشرّ عدم و قد بيّن ذلك بالأمثلة فإنّ في القتل بالسيف مثلاً شرّاً و ليس هو في قدرة الضارب على مباشرة الضرب و لا في شجاعته و لا في قوّة عضلات يده فإنّ ذلك كلّه كمال له، ليس من الشرّ في شي‏ء، و ليس هو في حدّة السيف و دقّة ذبابه و كونه قطّاعاً فإنّ ذلك من كماله و حسنه، و ليس هو في انفعال رقبة المقتول عن الآلة القطّاعة فإنّ من كماله أن يكون كذلك فلا يبقى

١٩٩

للشرّ إلّا زهاق روح المقتول و بطلان حياته و هو عدميّ، و على هذا سائر الأمثلة فالشرّ عدم.

ثمّ إنّ الشرور الّتي في العالم لما كانت مرتبطة بالحوادث الواقعة مكتنفة بها كانت أعداماً مضافة لا عدماً مطلقاً فلها حظّ من الوجود و الوقوع كأنواع الفقد و النقص و الموت و الفساد الواقعة في الخارج الداخلة في النظام العامّ الكونيّ، و لذلك كان لها مساس بالقضاء الإلهيّ الحاكم في الكون لكنّها داخلة في القضاء بالعرض لا بالذات.

و ذلك أنّ الّذي تتصوّره من العدم إمّا عدم مطلق و هو عدم النقيض للوجود و إمّا مضاف إلى ملكة و هو عدم كمال الوجود عمّا من شأنه ذلك كالعمى الّذي هو عدم البصر ممّا من شأنه أن يكون بصيراً.

و القسم الأوّل إمّا عدم شي‏ء مأخوذ بالنسبة إلى ماهيّته كعدم زيد مثلاً مأخوذاً بالنسبة إلى ماهيّة نفسه، و هذا اعتبار عقليّ ليس من وقوع الشرّ في شي‏ء إذ لا موضوع مشترك بين النقيضين نعم ربّما يقيّد العدم فيقاس إلى الشي‏ء فيكون من الشرّ كعدم زيد بعد وجوده، و هو راجع في الحقيقة إلى العدم المضاف إلى الملكة الآتي حكمه.

و إمّا عدم شي‏ء مأخوذ بالنسبة إلى شي‏ء آخر كفقدان الماهيّات الإمكانيّة كمال الوجود الواجبيّ و كفقدان كلّ ماهيّة وجود الماهيّة الاُخرى الخاصّ بها مثل فقدان النبات وجود الحيوان و فقدان البقر وجود الفرس، و هذا النوع من العدم من لوازم الماهيّات و هي اعتباريّة غير مجعولة.

و القسم الثاني و هو العدم المضاف إلى الملكة فقدان أمر ما شيئاً من كمال وجوده الّذي من شأنه أن يوجد له و يتّصف به كأنواع الفساد العارضة للأشياء و النواقص و العيوب و العاهات و الأمراض و الأسقام و الآلام الطارئة عليها، و هذا القسم من الشرور إنّما يتحقّق في الاُمور المادّيّة و يستند إلى قصور الاستعدادات

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

٢٠٥ ـ رواية الحسن بن كثير :

وقد روى الحسن بن كثير وعبد خير ، قالا : لما وصل عليعليه‌السلام إلى كربلا وقف وبكى ، وقال : بأبي أغيلمة يقتلون ههنا. هذا مناخ ركابهم ، هذا موضع رحالهم ، هذا مصرع الرجل.

ـ رواية أخرى :(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٣ ص ١٧١)

عن الحسن بن كثير ، عن أبيه ، أن علياعليه‌السلام أتى كربلاء ، فوقف بها ، فقيل له :

يا أمير المؤمنين ، هذه كربلاء. فقال : ذات كرب وبلاء. ثم أومأ بيده إلى المكان ، فقال : ههنا موضع رحالهم ومناخ ركابهم.

ثم أومأ بيده إلى مكان آخر ، فقال : ههنا مهراق دمائهم. ثم مضى إلى ساباط.

٢٠٦ ـ شهداء كربلاء مثل شهداء بدر (رض):

(أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ، ج ٤ ص ١٤٣)

في منتخب كنز العمال عن الطبراني في الكبير ما لفظه عن شيبان بن محرم ، قال :إني لمع عليعليه‌السلام إذ أتى كربلاء ، فقال : يقتل في هذا الموضع شهداء ليس مثلهم إلا شهداء بدر.

ـ شهداء كربلاء لا يسبقهم سابق :(المنتخب للطريحي ، ص ٨٧)

عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : مر أمير المؤمنينعليه‌السلام بكربلاء ، فبكى حتى اغرورقت عيناه بالدموع ، وقال : هذا مناخ ركابهم ، هذا ملقى رحالهم ، ههنا تراق دماؤهم. طوبى لك من تربة عليها يراق دم الأحبة. مناخ ركاب ومنازل شهداء ، لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم من كان بعدهم.

٢٠٧ ـ إخبار عليعليه‌السلام أن الحسينعليه‌السلام يقتل وموضع ذلك ، وما في ذلك من معجزات :(مدينة المعاجز لهاشم البحراني ، ص ١٢٠)

روى الشيخ الصدوق بسنده عن ابن عباس ، قال : كنت مع عليعليه‌السلام في خروجه من صفين. فلما نزلنا نينوى ـ وهي بشط الفرات ـ قال بأعلى صوته : يابن عباس أتعرف هذا الموضع؟ قلت : لا أعرفه يا أمير المؤمنين. فقال عليعليه‌السلام : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي لبكائي. قال فبكىعليه‌السلام طويلا حتى اخضلت لحيته وسالت الدموع على صدره ، وبكينا معه ، وهو يقول : أوه أوه ، مالي

٢٢١

ولآل أبي سفيان مالي ولآل حزب الشيطان وأولياء الكفر. صبرا صبرا يا أبا عبد الله ، فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم. ثم دعا بماء فتوضأ وضوء الصلاة ، فصلى ما شاء الله أن يصلي.

وذكر نحو كلامه ، إلا أنه نعس عند انقضاء صلاته وكلامه ساعة ، ثم انتبه فقال :يابن عباس. قلت : ها أنذا. فقال : ألا أحدثك عما رأيت في منامي آنفا عند رقدتي؟ فقلت : نامت عينك ورأيت خيرا يا أمير المؤمنين. قالعليه‌السلام : رأيت كأني برجال قد نزلوا من السماء ، معهم أعلام بيض ، قد تقلدوا سيوفهم ، وهي بيض تلمع ، وقد خطّوا حول هذه الأرض خطة. ثم رأيت كأن النخيل قد ضربت بأغصانها الأرض ، تضرب بدم عبيط (أي طري) ، وكأني بالحسين سخلي وفرخي ومضغتي ومخي ، قد غرق فيه ، يستغيث فلا يغاث. وكأن الرجال البيض (الذين) نزلوا من السماء ، ينادونه ويقولون : صبرا آل الرسول ، فإنكم تقتلون على يدي شرار الناس ، وهذه الجنة يا أبا عبد الله مشتاقة إليك. ثم يعزّونني ويقولون : يا أبا الحسن أبشروا فقد أقرّ الله عينك يوم يقوم الناس لرب العالمين. ثم انتبهت هكذا.

والذي نفس علي بيده ، لقد حدثني الصادق المصدق أبو القاسمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أني سأمر بها في خروجي إلى أهل البغي علينا. وهي أرض كرب وبلاء ، يدفن فيها الحسينعليه‌السلام وسبعة عشر رجلا من ولدي وولد فاطمةعليها‌السلام . وإنها لفي السموات معروفة تذكر أرض كرب وبلاء ، كما تذكر بقعة الحرمين وبقعة بيت المقدس. ثم قال : يا بن عباس ، اطلب حولها بعر الظباء ، فو الله ما كذبت ولا كذبت ، وهي مصفرة ، لونها لون الزعفران. فطلبتها فوجدتها مجتمعة. فناديته : يا أمير المؤمنين قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي. فقال عليعليه‌السلام : صدق الله ورسوله.

ـ قصة مرور عيسىعليه‌السلام بكربلاء :

ثم قام عليعليه‌السلام يهرول حتى جاء إليها فحملها وشمها ، وقال : هي هي ، أتعلم يابن عباس ما هذه الأبعار؟ هذه قد شمها عيسى بن مريم ، وذلك أنه مرّ بها ومعه الحواريون ، فرأى ههنا ظباء مجتمعة وهي تبكي ، فجلس عيسىعليه‌السلام وجلس الحواريون. فبكى وبكى الحواريون ، وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى. فقالوا : يا روح الله وكلمته ما يبكيك؟ قال : أتعلمون أي أرض هذه ، هذه أرض من يقتل فيها

٢٢٢

فرخ رسول الله أحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفرخ الحرة الطاهرة البتول ، شبيهة أمي ، ويلحد فيها أطيب من المسك ، لأنها طينة الفرخ المستشهد ، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء. فهذه الظباء تكلمني وتقول : انها ترعى هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ المبارك ، وزعمت أنها آمنة في هذه الأرض.

ثم ضرب بيده البعيرات فشمها ، وقال : هذه بعر الظباء على هذا الطيب لمكان حشيشها. اللهم فأبقها أبدا حتى يشمها أبوه ، فتكون له عزاء وسلوة. فبقيت إلى يومنا هذا وقد اصفرت لطول زمنها ، وهذه أرض كرب وبلاء.

ثم قال بأعلى صوته : يا رب عيسى بن مريم ، لا تبارك في قتلته والمعين لهم والخاذل له. ثم بكى طويلا وبكينا معه حتى سقط لوجهه وغشي عليه طويلا. ثم أفاق فأخذ البعر فصّره في ردائه وأمرني أن أصرها كذلك.

ثم قال : يابن عباس ، إذا رأيتها تتفجر دماء عبيطا ويسيل منها دم عبيط ، فاعلم أن أبا عبد اللهعليه‌السلام قد قتل بها ودفن.

قال ابن عباس : فوالله لقد كنت أحفظها أشد من حفظي لما افترض اللهعزوجل علي ، وأنا لا أحلها من طرف كمي. فبينا أنا نائم في البيت فإذا هي تسيل دما عبيطا ، وان كمي قد امتلأ دما عبيطا. فجلست وأنا باك ، وقلت : قتل والله الحسين ، والله ما كذبني قط في حديث ، ولا أخبر بشيء أن يكون إلا كان كذلك ، لأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبره بأشياء لا يخبر بها غيره. ففزعت وخرجت وذلك عند الفجر ، فرأيت والله المدينة كأنها ضباب لا يستبين منها أثر عين. ثم طلعت الشمس فرأيت كأنها منكسفة ، ورأيت كأن حيطان المدينة عليها دم عبيط. فجلست وأنا باك ، وقلت قتل والله الحسينعليه‌السلام .

وسمعت صوتا من ناحية البيت ، وهو يقول : اصبروا آل الرسول قتل الفرخ النحول ، نزل الروح الأمين ببكاء وعويل. ثم بكى بأعلى صوته وبكيت. فأثبتّ عندي تلك الساعة ، وكان شهر محرم يوم عاشور لعشر مضين منه ، فوجدته قتل يوم ورد علينا خبره ، وتاريخه كذلك. فحدثت بهذا الحديث الذين كانوا معه فقالوا :والله لقد سمعنا ما سمعت ونحن في المعركة ، ولا ندري ما هو. قلت : أترى أنه الخضرعليه‌السلام .

٢٢٣

٢٠٨ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام حين مر بكربلاء وهو سائر إلى صفين :

(وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص ١٤٠ ط ٢)

قال نصر بن مزاحم : حدثني مصعب بن سلام عن هرثمة بن سليم ، قال :غزونا مع علي بن أبي طالبعليه‌السلام غزوة صفين. فسار حتى انتهى إلى كربلاء ، فنزل إلى شجرة فصلى إليها ، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ، ثم قال : واها لك أيتها التربة ، ليحشرن منك (وفي رواية : ليقتلن بك) قوم يدخلون الجنة بغير حساب.

فلما رجع هرثمة من غزوته إلى امرأته ـ وهي جرداء بنت سمير ، وكانت شيعة لعليعليه‌السلام ـ فقال لها زوجها هرثمة : ألا أعجّبك من صديقك أبي الحسن؟ لما نزلنا كربلا رفع إليه من تربتها فشمها ، وقال : «واها لك يا تربة ، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب». وما علمه بالغيب؟! فقالت : دعنا منك أيها الرجل ، فإن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا.

فلما بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين بن عليعليه‌السلام وأصحابه ، قال هرثمة : كنت فيهم في الخيل التي بعث إليهم ، فلما انتهيت إلى القوم وحسين وأصحابه ، نظرت إلى الشجرة ، فذكرت الحديث وعرفت المنزل الذي نزلنا فيه مع عليعليه‌السلام ، والبقعة التي رفع إليه من ترابها ، والقول الذي قاله ، فكرهت مسيري. فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسينعليه‌السلام ، فسلمت عليه وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل.

فقال الحسينعليه‌السلام : فأنت معنا أم علينا؟ فقلت : يابن رسول الله لا معك ولا عليك. تركت أهلي وولدي وعيالي ، أخاف عليهم من ابن زياد.

فقال الحسينعليه‌السلام : فولّ في الأرض هربا حتى لا ترى لنا مقتلا ، فو الذي نفس محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل ولا يغيثنا إلا أدخله الله النار. قال هرثمة :فأقبلت في الأرض هاربا حتى خفي علي مقتله.

ملاحظة : هذه الفقرة هي جمع عدة روايات مع بعض ، إحداها وردت في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ٣ ص ١٦٩ ط مصر ـ تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم.

٢٠٩ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام بما سيحدث في كربلاء :

(المصدر السابق ، ص ١٤١)

حدّث نصر بن مزاحم عن مصعب بن سلام عن سعيد بن وهب ، قال : بعثني

٢٢٤

مخنف بن سليم إلى عليعليه‌السلام عند توجهه إلى صفين. فأتيته بكربلاء ، فوجدته يشير بيده ويقول : ههنا! فقال له رجل : وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال : ثقل آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينزل ههنا ، فويل لهم منكم ، وويل لكم منهم!.

فقال له الرجل : ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال (ويل لهم منكم) تقتلونهم ، (وويل لكم منهم) يدخلكم الله بقتلهم إلى النار.

٢١٠ ـ حديث الإمام الحسنعليه‌السلام عن مصرع أخيه الحسينعليه‌السلام :

(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٨ ط نجف)

روى الإمام الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال : دخل الحسين على أخيه الحسنعليهما‌السلام يوما ، فلما نظر إليه بكى. فقال له الحسنعليه‌السلام : ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال :أبكي لما يصنع بك. فقال له الحسنعليه‌السلام : إن الذي يؤتى إليّ سم يدس إلي فأقتل به(١) ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله. يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدّعون أنهم من أمة جدك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وينتحلون بك الإسلام ، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك ، وانتهاك حرمتك ، وسبي ذراريك ونسائك ، وانتهاب ثقلك ، فعندها تحلّ ببني أمية اللعنة ، وتمطر السماء دما ورمادا ، ويبكي عليك كل شيء ، حتى الوحوش في الفلوات ، والحيتان في البحار.

٢١١ ـ إخبار الحسينعليه‌السلام بمقتله :

عن معاوية بن قرة قال : قال الحسينعليه‌السلام : والله ليعتدن عليّ كما اعتدت بنو اسرائيل في السبت.

قال : وأنبأنا علي بن محمد ، عن جعفر بن سليمان الضبعي ، (قال) قال الحسينعليه‌السلام : والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرم الأمة.

__________________

(١) اللهوف على قتلى الطفوف ، ص ١٤.

٢٢٥

أخبار أخرى

٢١٢ ـ ورود سلمان (رض) كربلاء :

(وسيلة الدارين في أنصار الحسين للسيد إبراهيم الزنجاني ، ص ٧١)

في الخبر عن المسيب بن نجبة الفزاري ، قال : خرجت أستقبل سلمان الفارسي حين أقبل من المدينة إلى المدائن. فلما وصل إلى كربلاء تغير حاله وبكى ، وقال :هذه مصارع إخواني. هذا موضع رحالهم ، وهذا مناخ ركابهم ، وهذا مهراق دمائهم. يقتل بها خير الأولين وابن خير الآخرين.

٢١٣ ـ إخبار أبي ذر الغفاري بمقتل الحسينعليه‌السلام ونتائج ذلك :

(الإرشاد للشيخ المفيد ، ص ٢٣٦)

في (كامل الزيارة) عن عروة بن الزبير ، قال : سمعت أبا ذر ، وهو يومئذ قد أخرجه عثمان إلى الربذة ، فقال له الناس : يا أبا ذر أبشر ، فهذا قليل في الله. فقال ما أيسر هذا ، ولكن كيف أنتم إذا قتل الحسين بن عليعليه‌السلام قتلا (أو قال : ذبح ذبحا)؟. والله لا يكون في الإسلام بعد قتل الخليفة (يعني علي بن أبي طالب) أعظم قتيلا منه. وإن الله سيسل سيفه على هذه الأمة لا يغمده أبدا. ويبعث ناقما من ذريته فينتقم من الناس. وإنكم لو تعلمون ما يدخل على أهل البحار ، وسكان الجبال في الغياض والآكام ، وأهل السماء من قتله ، لبكيتم والله حتى تزهق أنفسكم. وما من سماء يمر بها روح الحسينعليه‌السلام إلا فزع له سبعون ألف ملك ، يقومون قياما ترعد مفاصلهم إلى يوم القيامة. وما من سحابة تمر وترعد وتبرق إلا لعنت قاتله. وما من يوم إلا وتعرض روحه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيلتقيان.

٢١٤ ـ ملازمة رجل من بني أسد أرض كربلاء :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢١٢)

قال العريان بن الهيثم : كان أبي يتبدى فينزل قريبا من الموضع الذي كانت فيه معركة الحسينعليه‌السلام . فكنا لا نبدو إلا وجدنا رجلا من بني أسد هناك. فقال له أبي : أراك ملازما هذا المكان!. قال : بلغني أن حسيناعليه‌السلام يقتل ههنا ، فأنا أخرج إلى هذا المكان ، لعلي أصادفه فأقتل معه.

قال ابن الهيثم : فلما قتل الحسينعليه‌السلام قال أبي : انطلقوا بنا ننظر ، هل الأسدي فيمن قتل مع الحسينعليه‌السلام . فأتينا المعركة وطوّقنا ، فإذا الأسدي مقتول.

٢٢٦

(أقول) لعل هذا الشهيد هو أنس بن الحرثرحمه‌الله . وهذا درس يعلمنا أن المؤمن النبيه يسعى نحو الحق حتى يدركه ، فينال أعلى درجات السعادة والكرامة ، كما فعل أنس بن الحرث الأسدي.

٤ ـ أخبار بمن يقتل الحسينعليه‌السلام

٢١٥ ـ الحسينعليه‌السلام يخبر بأن عمر بن سعد سيقتله :

(كشف الغمة ٢ / ٩ وإرشاد المفيد ص ٢٨٢ والبحار ٤٤ / ٢٦٣)

روى سالم بن أبي حفصة ، (قال) قال عمر بن سعد للحسينعليه‌السلام : يا أبا عبد الله ، إن قبلنا أناسا سفهاء يزعمون أني أقتلك. فقال له الحسينعليه‌السلام : إنهم ليسوا سفهاء ، ولكنهم حلماء. أما إنه يقر عيني أن لا تأكل من برّ العراق بعدي إلا قليلا.

٢١٦ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام بأن عمر بن سعد يقتل ابنه الحسينعليه‌السلام :

عن الأصبغ بن نباتة ، قال : بينا أمير المؤمنينعليه‌السلام يخطب الناس ، وهو يقول :سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الله لا تسألوني عن شيء مضى ولا شيء يكون إلا أنبأتكم به. فقام إليه سعد بن أبي وقاص ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة. فقال : أما والله لقد سألتني عن مسألة حدثني خليلي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنك ستسألني عنها. وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفي أصلها شيطان جالس ، وإن في بيتك لسخلا يقتل ابني الحسينعليه‌السلام . وكان عمر بن سعد يومئذ يدرج بين يديه.

(أقول) : فلما كان من أمر الحسينعليه‌السلام ما كان ، تولى عمر بن سعد قتل الحسينعليه‌السلام ، وكان الأمر كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وفي رواية (الإرشاد) للمفيد ص ٢٠ قال له عليعليه‌السلام :

وآية ذلك مصداق ما خبّرتك به. ولو لا أن الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرتك به ، ولكن آية ذلك ما أنبأتك به من لعنتك وسخلك الملعون.

قال ابن سيرين : وقد ظهرت كرامات علي بن أبي طالبعليه‌السلام في هذا ، فإنه لقي قاتل الحسينعليه‌السلام وهو شاب ، فقال : ويحك ، كيف بك إذا قمت مقاما تخير فيه بين الجنة والنار ، فتختار النار؟

وسيرد هذا الخبر عند الحديث عن عمر بن سعد ، الذي تولى قيادة الجيش لقتال

٢٢٧

الحسينعليه‌السلام ، وقد نصحه الحسينعليه‌السلام كثيرا ، ولكن حب الدنيا أعمى قلبه.

تنبيه حول السائل :ذكر فخر الدين الطريحي في (المنتخب) ص ١٦٦ : أن الذي سأل الإمامعليه‌السلام : كم شعرة في رأسي ، هو يزيد والد خولي بن يزيد الأصبحي.ولعل بعض الروايات تشير إلى أنه سنان بن أنس ، والله أعلم.

يقول العلامة المجلسي في البحار ، ج ٤٤ ص ٢٥٧ : لا يخفى ما في الحديث من تسمية الرجل السائل المتعنت بأنه سعد بن أبي وقاص ، حيث أن سعد بن أبي وقاص اعتزل عن الجماعة وامتنع عن بيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فاشترى أرضا واشتغل بها ، فلم يكن ليجيء إلى الكوفة ويجلس إلى خطبة الإمام عليعليه‌السلام .ومن جهة أخرى إن عمر بن سعد قد ولد في السنة التي مات فيها عمر بن الخطاب وهي سنة ٢٣ ه‍ فكان عمره حين خطب الإمامعليه‌السلام هذه الخطبة بالكوفة غلاما بالغا أشرف على العشرين ، لا أنه سخل في بيته.

ولما كان أصل القصة مسلمة مشهورة ، عدل الشيخ المفيد في (الإرشاد) عن تسمية الرجل ، وتبعه الطبرسي في (إعلام الورى) ص ١٨٦. ولعل الصحيح ما ذكره ابن أبي الحديد ، حيث ذكر الخطبة في شرحه على النهج ، ج ١ ص ٢٥٣ عن كتاب (الغارات) لابن هلال الثقفي عن زكريا بن يحيى العطار عن فضيل عن محمد الباقرعليه‌السلام وقال في آخره : والرجل هو سنان بن أنس النخعي.

٢١٧ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يزيد هو قاتل الحسينعليه‌السلام :

أخرج الطبراني عن معاذ بن جبل ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يزيد ، لا بارك الله في يزيد. نعي إليّ الحسينعليه‌السلام وأتيت بتربته ، وأخبرت بقاتله. والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه ، إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلط عليهم شرارهم وألبسهم شيعا (أي جماعات متفرقين).

وأخرجه ابن عساكر عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا بلفظ : يزيد ، لا بارك الله في يزيد ، الطّعان اللعّان ، أما إنه نعي إلي حبيبي وسخلي حسين ، أتيت بتربته ورأيت قاتله. أما إنه لا يقتل بين ظهراني قوم فلا ينصرونه ، إلا عمّهم الله بعقاب.

وأخرج أبو يعلى عن أبي عبيدة (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يزال أمر أمتي قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية ، يقال له : يزيد.

وأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى والروياني والحافظ أبوبكر محمد بن اسحق ابن

٢٢٨

خزيمة السلمي النيسابوري والبيهقي وابن عساكر والضياء ، عن أبي ذر ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية. وزاد الروياني : يقال له يزيد.

٢١٨ ـ رواية أخرى :

(معجم الطبراني ص ١٣٠ ومقتل الخوارزمي ص ١٦٠ وكنز العمال ١٣ / ١١٣ وأمالي الشجري ص ١٦٩)

في معجم الطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن معاذ بن جبل أخبره قال :خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متغير اللون ، فقال : أنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوتيت فواتح الكلام وخواتمه ، فأطيعوني ما دمت بين أظهركم ، فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب اللهعزوجل ، أحلوا حلاله وحرموا حرامه ، (فإذا) أتتكم الموتة أتتكم بالروح والراحة.كتاب الله من الله سبق ، أتتكم فتن كقطع الليل المظلم ، كلما ذهب رسل جاء رسل ، تناسخت النبوة فصارت ملكا. رحم الله من أخذها بحقها ، وخرج منها كما دخلها.

أمسك يا معاذ واحص!. قال : فلما بلغت خمسة ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يزيد ، لا بارك الله في يزيد. ثم ذرفت عيناه. ثم قال : نعي إلي حسين ، وأوتيت بتربته ، وأخبرت بقاتله. والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه ، إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلط عليهم شرارهم وألبسهم شيعا.

ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : واها لفراخ آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خليفة مستخلف مترف ، يقتل خلفي وخلف الخلف.

أمسك يا معاذ. فلما بلغت عشرة ، قال : الوليد(١) اسم فرعون ، هادم شرائع الاسلام ، يبوء بدمه رجل من أهل بيته ، يسل الله سيفه فلا غماد له ، ويختلف الناس فكانوا هكذا ، وشبك بين أصابعه.

ثم قال : وبعد العشرين والمائة موت سريع وقتل ذريع ، فيه هلاكهم ، ويلي عليهم رجل من ولد العباس.

__________________

(١) لعل المقصود به الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، وهو الذي مزّق القرآن وقال :

تهددني بجبار عنيد

فها أنا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربك يوم حشر

فقل : يا ربّ مزّقني الوليد

٢٢٩
٢٣٠

الفصل السادس

المآتم الحسينيّة

١ ـ إقامة ذكرى الحسينعليه‌السلام والحزن عليه

ـ إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام

٢ ـ فضل البكاء والحزن على الحسينعليه‌السلام

٣ ـ إقامة ذكرى الحسينعليه‌السلام ومراسم الحزن يوم عاشوراء

ـ اتخاذ بني أمية يوم عاشوراء يوم عيد وفرح

ـ أحاديث موضوعة في فضل يوم عاشوراء وأنه عيد

ـ هل يجوز صيام يوم عاشوراء؟

٤ ـ فلسفة المآتم الحسينية

٢٣١
٢٣٢

الفصل السادس

المآتم الحسينيّة

* مقدمة الفصل :

لا يخفى أن مصيبة الحسينعليه‌السلام الكبيرة قد أقضّت مضجع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستحوذت عليه كل اهتمامه. فلا عجب إذا رأيناه يقيم المأتم على الحسينعليه‌السلام منذ مولده ، وفي عدة مناسبات من حياته. وعلى ذلك سار الأئمة الأطهار ودعوا كل من شايع الحسينعليه‌السلام إلى إقامة الحزن والعزاء عليه في كل مكان وزمان ، ولا سيما يوم العاشر من المحرم ، حتّى صار شعارهم :

«كل أرض كربلا ، وكل يوم عاشورا»

في حين كان بعض المسلمين عمدا أو جهلا يقيمون الفرح في ذلك اليوم ، جريا على السنّة التي اختطها لهم بنو أمية من غابر الزمان.

وسوف نتكلم في هذا الفصل حول إقامة المآتم الحسينية ، ثم فضل الحزن والبكاء على الحسينعليه‌السلام ، ثم إقامة مراسم العزاء والحزن والحداد يوم العاشر من المحرم كل عام. ونتعرض إلى بعض خصوصيات يوم عاشوراء ، والمحاولات المغرضة لتغيير مفهومه وصرفه عن حقيقته. ثم ننهي الفصل بفلسفة المآتم الحسينية ، وتتضمن أهداف ذكرى الحسينعليه‌السلام والفوائد التي تحققها المجالس الحسينية ، وأن هدفها ليس فقط الحزن والبكاء ، وإنما العظة واليقظة والاعتبار ، وتبديل السلوك وتعديل المسار ، والخروج من مستنقع الخطايا والأوزار ، إلى رياض الأخيار وجنان الأبرار.

١ ـ مآتم الحسينعليه‌السلام

مرت في الفصل السابق روايات مستفيضة حول إخبار جبرئيل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنبأ استشهاد الحسينعليه‌السلام ، ثم إخبار محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهله وأصحابه بذلك. وكان في

٢٣٣

تلك الأحوال يضع الحسين الطفل في حضنه ، ويبكي بكاء شديدا ، ويقبّله من فمه ونحره ، ويشمّه ويضمه إلى صدره ، فكانت تلك المشاهد أول المآتم المقامة على الحسينعليه‌السلام في حياته وقبل مماته. وعلى هذا الهدي المحمدي سار شيعة الحسينعليه‌السلام من بعده ، يقيمون المآتم والعزاء عليه ، بعد موته واستشهاده ، اقتداء بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومشاركة له في محنته ومصيبته.

٢١٩ ـ مأتم الحسينعليه‌السلام في دار فاطمةعليها‌السلام :

(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ١٢٠)

روى الخوارزمي عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال : زارنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعملنا له حريرة ، وأهدت لنا أم أيمن قعبا من لبن وزبدا وصفحة من تمر. فأكل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأكلنا معه. ثم وضّأت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقام فاستقبل القبلة ، فدعا الله ما شاء. ثم أكبّ على الأرض بدموع غزيرة مثل المطر. فهبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن نسأله!.

فوثب الحسينعليه‌السلام فقال : يا أبتي رأيتك تصنع ما لم أرك تصنع مثله!.فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بني إني سررت بكم اليوم سرورا لم أسرّ بكم مثله. وإن حبيبي جبرئيل أتاني فأخبرني أنكم قتلى ، وأن مصارعكم شتى ، فدعوت الله لكم ، وأحزنني ذلك.

فقال الحسينعليه‌السلام : يا رسول الله ، فمن يزورنا على تشتّتنا ، ويتعاهد قبورنا؟.قال : طائفة من أمتي ، يريدون برّي وصلتي. فإذا كان يوم القيامة شهدتها بالموقف ، وأخذت بأعضادها ، فأنجيتها والله من أهواله وشدائده.

٢٢٠ ـ في دار أم سلمة :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ١٧٦)

وروى ابن عساكر بإسناده عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند ، عن أبيه (قال) قالت أم سلمة : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نائما في بيتي ، فجاء الحسينعليه‌السلام . قالت : فقصد الباب ، فسبقته على الباب مخافة أن يدخل فيوقظه. قالت : ثم غفلت في شيء ، فدبّ فدخل ، فقعد على بطنه.

قالت : فسمعت نحيب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فجئت فقلت : يا رسول الله ، والله ما علمت به. فقال : إنما جاءني جبرئيلعليه‌السلام وهو على بطني قاعد ، فقال لي :

٢٣٤

أتحبّه؟. فقلت : نعم. قال : إن أمتك ستقتله. ألا أريك التربة التي يقتل بها؟.(قال) فقلت : بلى. قال : فضرب بجناحه فأتى بهذه التربة. قالت : فإذا في يده تربة حمراء ، وهو يبكي ويقول : يا ليت شعري من يقتلك بعدي؟!.

وفي رواية أخرى للخوارزمي : (قادتنا ـ ج ٦ ص ١٢٦)

قال : ثم أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلك القبضة التي أتاه بها الملك ، فجعل يشمّها ويبكي ، ويقول في بكائه : الله م لا تبارك في قاتل ولدي ، وأصله نار جهنم.

ثم دفع تلك القبضة إلى أم سلمة ، وأخبرها بقتل الحسينعليه‌السلام بشاطئ الفرات ، وقال : يا أم سلمة خذي هذه التربة إليك ، فإنها إذا تغيرت وتحولت دما عبيطا ، فعند ذلك يقتل ولدي الحسينعليه‌السلام .

إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام

٢٢١ ـ إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٩٣)

يقول الفاضل الدربندي : اعلم أن من تأمل في الأخبار المروية من طرق العامة في فضل الحسن والحسينعليه‌السلام ومناقبهما ، علم أن البكاء على الحسينعليه‌السلام وإقامة تعزيته في كل سنة ، بل في كل شهر ، بل في كل أسبوع ، بل في كل ليلة ، من أفضل العبادات وأشرف الطاعات والقربات. فلعنة الله على كل متعصب من المخالفين ، الذين يأخذون يوم عاشوراء عيدا ، ويسمّون الاجتماع للعزاء والبكاء على سيد الشهداء بدعة ، وذلك كابن حجر العسقلاني ومن مثله.

٢٢٢ ـ ثواب إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام :

(المنتخب للطريحي ، ص ٢٨ ط ٢)

روي أنه لما أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسينعليه‌السلام وما يجري عليه من المحن ، بكت فاطمةعليه‌السلام بكاء شديدا ، وقالت : يا أبتي متى يكون ذلك؟. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في زمان خال مني ومنك ومن عليعليه‌السلام . فاشتد بكاؤها ، وقالت : يا أبة فمن يبكي عليه؟. ومن يلتزم بإقامة العزاء له؟. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :يا فاطمة إن نساء أمتي يبكون على نساء أهل بيتي ، ورجالهم يبكون على رجال

٢٣٥

أهل بيتي ، ويجددون العزاء جيلا بعد جيل في كل سنة. فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء ، وأنا أشفع للرجال. وكل من بكى على مصاب الحسينعليه‌السلام أخذنا بيده وأدخلناه الجنة.

يا فاطمة ، كل عين باكية يوم القيامة ، إلا عين بكت على مصاب الحسينعليه‌السلام ، فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة.

٢ ـ فضل البكاء والحزن على الحسينعليه‌السلام

٢٢٣ ـ البكاء على أمناء الرحمن :

(المنتخب للطريحي ، ص ١٦ ط ٢)

يقول فخر الدين الطريحي : فيا إخواني ، كيف لا نبكي على أمناء الرحمن ، وسادات أهل الزمان؟. وكيف لا نجدد النوح والأحزان ، في كل آن ومكان؟. على الشهيد العطشان ، النائي عن الأهل والأوطان ، المدفون بلا غسل ولا أكفان؟.فعلى الأطائب من أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فليبك الباكون ، وإياهم فليندب النادبون ، ولمثلهم تذرف الدموع من العيون.

٢٢٤ ـ فضيلة البكاء من خشية الله :

(أخبار الدول للقرماني ص ١١١)

قال الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام : ما اغرورقت عين بمائها من خشية الله ، إلا وحرّم اللهعزوجل وجه صاحبها على النار. فإن سالت على الخدين دموعه ، لم يرهق وجهه قتر ولا ذلّة. وما من شيء إلا له جزاء إلا الدمعة ، فإن الله تعالى يكفّر بها بحور الخطايا. ولو أن باكيا بكى في أمة ، لحرّم الله تلك الأمّة على النار.

(أقول) : ومن هذا القبيل بكاء المؤمن على الإمام الحسينعليه‌السلام .

٢٢٥ ـ البكاء من خوف الله وخشيته :

(أسرار الشهادة ، ص ٤٨)

يقول الفاضل الدربندي : ومنها أن البيت المبني من الطين إذا انهدم أمكن إصلاحه بقرب من الماء ، فكذلك الإنسان المخلوق أصله من الطين ، إذا فسد أمره بارتكاب المعصية ، أمكنه تداركه بإرسال العبرات على الحسرات. كما قال أمير

٢٣٦

المؤمنين ، وسيد الموحدين ، وتاج رؤوس البكّائينعليه‌السلام : أمحوا المثبّتات من العثرات بالمرسلات من العبرات.

٢٢٦ ـ البكاء على الحسينعليه‌السلام هو من خشية الله :

(المصدر السابق ، ص ٤٩)

ويقول الفاضل الدربندي : واعلم أن البكاء على مصاب أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا سيما على مصاب سيد الشهداء روحي له الفداء ، ليس أمرا مغايرا للبكاء من خوف الله تعالى. حتّى يتمشّى سؤال : أهل البكاء من خوف الله تعالى أفضل ، أم البكاء على سيد الشهداءعليه‌السلام ؟. بل إن البكاء عليه هو البكاء في محبة الله ، والبكاء المنبعث عن التقرب إلى الله.

٢٢٧ ـ البكاء من خوف الله قسمان :

(المصدر السابق)

ثم يقول الفاضل الدربندي : فإن شئت أن توضّح المطلب في غاية الإيضاح فقل :إن البكاء من خوف الله تعالى ينحلّ إلى نوعين وينقسم إلى قسمين :

الأول : أن يكون منشأ البكاء معاصي الإنسان ، وتذكّره لحالة الاحتضار وأهوال البرزخ والمحشر والعقوبات التي يستحقها. فهذا البكاء وإن كان يطلق عليه أيضا أنه بكاء من خوف الله وقسم منه ، إلا أنه في الحقيقة يرجع إلى بكائه على نفسه وعلى ذنبه.

الثاني : أن يكون ذلك البكاء في مقام محبة الله تعالى ، وملاحظة عظمة صفاته وكبريائه وجبروته ، وفي مقام التفكر في التقصير في عبادته. وهذا في مقام ذوق حلاوة مناجاته ومحبته التي انبعثت عنها المحبة والموالاة لأوليائه وحججه ، فلا يلاحظ في هذا القسم أصلا رجاء الثواب ولا الخوف من العقاب. فلا شك أن هذا القسم من البكاء هو أفضل من القسم الأول. ومما لا شك فيه أن البكاء على مصاب آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذا القسم ، إذ قد عرفت أن المحبة والموالاة لهم مما يرجع إلى محبة الله وموالاته. ويتضح هذا المطلب عند الفطن المتدبر ، إذا لا حظ عوم الأئمة الطاهرين ، وسباحة حجج الله المعصومين ، في بحار البلايا وقواميس المصائب ، لأجل محبة الله تعالى.

شرح : القواميس : جمع قاموس ، وهو البحر العظيم.

٢٣٧

٢٢٨ ـ ثواب البكاء عامة على الحسين ومصيبة سائر الأئمةعليه‌السلام :

(الخصال الأربعمائة ٢ / ٦٣٥ والبحار ٤٤ / ٢٨٧)

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إن الله تبارك وتعالى اطّلع إلى الأرض فاختارنا ، واختار لنا شيعة ينصروننا ، ويفرحون لفرحنا ، ويحزنون لحزننا ، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا ، أولئك منا وإلينا.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل عين باكية إلا عين بكت على مصاب الحسينعليه‌السلام ، فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة».

وقال الإمام الرضاعليه‌السلام للريان بن شبيب : إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان ، فاحزن لحزننا ، وافرح لفرحنا ، وعليك بولايتنا. فلو أن رجلا تولّى حجرا حشره الله معه يوم القيامة.

وقال الإمام عليعليه‌السلام : كل عين يوم القيامة باكية ، وكل عين يوم القيامة ساهرة ، إلا عين من اختصه الله بكرامته ، وبكى على ما ينتهك من الحسين وآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . (راجع مقتل العوالم ص ٥٢٥).

٢٢٩ ـ من قطرت عينه قطرة على الحسينعليه‌السلام :

(مجالس المفيد ، ص ٣٤٠ وأمالي الطوسي ١ / ١١٦ والبحار ٤٤ / ٢٧٩)

عن الإمام الحسينعليه‌السلام قال : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة ، أو دمعت عيناه فينا دمعة ، إلا بوّأه الله تعالى بها في الجنة (غرفا يسكنها) حقبا. (وفي رواية) : أحقابا أحقابا.

شرح : الحقبة من الدهر : مدة لا وقت لها ، جمعها : حقب. وهي كناية عن الدوام.

٢٣٠ ـ فضيلة البكاء على الحسينعليه‌السلام :

(مقتل العوالم ، ج ١٧ ص ٥٢٦)

في (تفسير علي بن إبراهيم) عن الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام قال : كان علي ابن الحسينعليه‌السلام يقول : أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن عليعليه‌السلام دمعة ، حتّى تسيل على خده ، بوّأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا. وأيما مؤمن دمعت عيناه (دمعا) حتّى يسيل دمعه على خده ، لأذى مسّنا من عدونا في الدنيا ، بوّأه الله مبوّأ صدق في الجنة. وأيما مؤمن مسّه أذى فينا ، فدمعت عيناه حتّى يسيل

٢٣٨

دمعه على خديه ، من مضاضة ما أوذي فينا ، صرف الله عن وجهه الأذى ، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار.

٢٣١ ـ البكاء على الحسينعليه‌السلام يحطّ الذنوب :

(بحار الأنوار للمجلسي ، ج ٤٤ ص ٢٨٢)

عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال لفضيل : تجلسون وتتحدثون؟. قال : نعم جعلت فداك. قال : إن تلك المجالس أحبّها ، فأحيوا أمرنا يا فضيل ، فرحم الله من أحيا أمرنا.

يا فضيل ، من ذكرنا أو ذكرنا عنده ، فخرج من عينه مثل جناح الذباب ، غفر الله له ذنوبه ، ولو كانت أكثر من زبد البحر.

٢٣٢ ـ حديث : نفس المهموم لظلمنا تسبيح :

(مجالس المفيد ، ص ٣٣٨ وأمالي الطوسي ١ / ١١٥ والبحار ٤٤ / ٢٧٨)

عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال : نفس المهموم لظلمنا تسبيح ، وهمهّ لنا عبادة ، وكتمان سرّنا جهاد في سبيل الله.

ثم قالعليه‌السلام : يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب.

٢٣٣ ـ حديث : من دمعت عينه فينا دمعة :

(مجالس المفيد ، ص ١٧٤ وأمالي الطوسي ١ / ٩٧ والبحار ٤٤ / ٢٧٩)

عن محمّد بن أبي عمارة الكوفي ، قال : سمعت جعفر بن محمّدعليه‌السلام يقول :من دمعت عينه فينا دمعة ، لدم سفك لنا ، أو حقّ لنا أنقصناه ، أو عرض انتهك لنا أو لأحد من شيعتنا ، بوّأه الله تعالى بها في الجنة حقبا.

٢٣٤ ـ حديث : من ذكرنا عنده :

(كامل الزيارات ، ص ١٠٤ والبحار ٤٤ / ٢٨٥)

عن فضيل بن فضالة ، عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال : من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ، حرّم الله وجهه على النار.

وروي عن الصادقعليه‌السلام قال : لكل سرّ ثواب ، إلا الدمعة فينا.

٢٣٩

٢٣٥ ـ حديث الإمام الصادقعليه‌السلام لمسمع كردين :

(كامل الزيارات ، ص ١٠١ والبحار ٤٤ / ٢٨٩)

سأل الإمام الصادقعليه‌السلام مسمع كردين ، وهو من أهل العراق : هل يبكي على الحسينعليه‌السلام ؟ فقال : بلى

قال : ثم استعبر واستعبرت معه. فقالعليه‌السلام : الحمد لله الّذي فضّلنا على خلقه بالرحمة ، وخصّنا أهل البيت بالرحمة.

يا مسمع ، إن الأرض والسماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا. وما بكى لنا من الملائكة أكثر. وما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا. وما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا ، إلارحمه‌الله قبل أن تخرج الدمعة من عينيه. فإذا سالت دموعه على خده غفر الله ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر. فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم ، لأطفأت حرّها حتّى لا يوجد لها حرّ. وإن الموجع لنا قلبه ليفرح يوم يرانا عند موته ، فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض. وإن الكوثر ليفرح بمحبّنا إذا ورد عليه ، حتّى أنه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه.

٢٣٦ ـ حديث : من تذكر مصابنا وبكى :

(أمالي الصدوق ، ص ٦٨ وبحار الأنوار ٤٤ / ٢٧٨)

قال الإمام الرضاعليه‌السلام : من تذكّر مصابنا وبكى لما ارتكب منا ، كان معنا في درجاتنا يوم القيامة. ومن ذكّر بمصابنا فبكى وأبكى ، لم تبك عينه يوم تبكي العيون. ومن جلس مجلسا يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.

٢٣٧ ـ الحسينعليه‌السلام قتيل العبرة :

(أمالي الطوسي ، ص ١٢١)

عن الإمام الصادقعليه‌السلام (قال) قال الحسين بن عليعليه‌السلام : أنا قتيل العبرة ، قتلت مكروبا ، وحقيق على الله أن لا يأتيني مكروب قط ، إلا ردّه الله وأقلبه إلى أهله مسرورا.

وعن الحسينعليه‌السلام قال : أنا قتيل العبرة ، لا يذكرني مؤمن إلا استعبر.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443