الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٣

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 443

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 443
المشاهدات: 107065
تحميل: 5630


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 443 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 107065 / تحميل: 5630
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 13

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

و في الآية دلالة على أنّ لفظة الجلالة من الأسماء الحسنى فهو في أصله - الإله - وصف يفيد معنى المعبوديّة و إن عرضت عليه العلميّة بكثرة الاستعمال كما يدلّ عليه صحّة إجراء الصفات عليه يقال: الله الرحمن الرحيم و لا يقال: الرحمن الله الرحيم و في كلامه تعالى:( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) .

قوله تعالى: ( وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا ) الجهر و الإخفات وصفان متضائفان، يتّصف بهما الأصوات، و ربّما يعتبر بينهما خصلة ثالثة هي بالنسبة إلى الجهر إخفات و بالنسبة إلى الإخفات جهر فيكون الجهر هو المبالغة في رفع الصوت، و الإخفات هو المبالغة في خفضه و ما بينهما هو الاعتدال فيكون معنى الآية لا تبالغ في صلاتك في الجهر و لا في الإخفات بل اسلك فيما بينهما سبيلاً و هو الاعتدال و تسميته سبيلاً لأنّه سنّة يستنّ بها هو و من يقتدي به من اُمّته المؤمنين به.

هذا لو كان المراد بالصلاة في قوله:( بِصَلاتِكَ ) للاستغراق و المراد به كلّ صلاة صلاة و أمّا لو أريد المجموع و لعلّه الأظهر كان المعنى لا تجهر في صلواتك كلّها و لا تخافت فيها كلّها بل اتّخذ سبيلاً وسطاً تجهر في بعض و تخافت في بعض، و هذا المعنى أنسب بالنظر إلى ما ثبت في السنّة من الجهر في بعض الفرائض اليوميّة كالصبح و المغرب و العشاء و الإخفات في غيرها.

و لعلّ هذا الوجه أوفق بالنظر إلى اتّصال ذيل الآية بصدرها فالجهر بالصلاة يناسب كونه تعالى عليّاً متعالياً و الإخفات يناسب كونه قريباً أقرب من حبل الوريد فاتّخاذ الخصلتين جميعاً في الصلوات أداء لحقّ أسمائه جميعاً.

قوله تعالى: ( وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيراً ) معطوف على قوله في الآية السابقة:( قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ ) و يرجع محصّل الكلام إلى أن قل لهم إنّ ما تدعونها من الأسماء و تزعمون أنّها آلهة معبودون غيره إنّما هي أسماؤه و هي مملوكة له لا تملك أنفسها و لا شيئاً لأنفسها فدعاؤها دعاؤه فهو المعبود على كلّ حال.

٢٤١

ثمّ أحمده و أثن عليه بما يتفرّع على إطلاق ملكه فإنّه لا يماثله شي‏ء في ذات و لا صفة حتّى يكون ولداً له إن اشتقّ عنه في ذات أو صفة كما تقوله الوثنيّة و أهل الكتاب من النصارى و اليهود و قدماء المجوس في الملائكة أو الجنّ أو المسيح أو عزير و الأحبار، أو يكون شريكاً إن شاركه في الملك من غير اشتقاق كما تقوله الوثنيّون و الثنويّون و غيرهم من عبدة الشيطان أو يكون وليّاً له إن شاركه في الملك و فاق عليه فأصلح من ملكه بعض ما لم يقدر هو على إصلاحه.

و بوجه آخر لا يجانسه شي‏ء حتّى يكون ولدا إن كان دونه أو شريكاً له إن كان مساوياً له في مرتبته أو وليّاً له إن كان فائقا عليه في الملك.

و الآية في الحقيقة ثناء عليه تعالى بما له من إطلاق الملك الّذي يتفرّع عليه نفي الولد و الشريك و الوليّ، و لذلك أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتحميد دون التسبيح مع أنّ المذكور فيها من نفي الولد و الشريك و الوليّ صفات سلبيّة و الّذي يناسبها التسبيح دون التحميد فافهم ذلك.

و ختم سبحانه الآية بقوله:( وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيراً ) و قد اُطلق إطلاقاً بعد التوصيف و التنزيه فهو تكبير من كلّ وصف، و لذا فسّر( الله أكبر) بأنّه أكبر من أن يوصف على ما ورد عن الصادقعليه‌السلام ، و لو كان المعنى أنّه أكبر من كلّ شي‏ء لم يخل من إشراك الأشياء به تعالى في معنى الكبر و هو أعزّ ساحة أن يشاركه شي‏ء في أمر.

و من لطيف الصنعة في السورة افتتاح أوّل آية منها بالتسبيح و اختتام آخر آية منها بالتكبير مع افتتاحها بالتحميد.

( بحث روائي‏)

في الدرّ المنثور، أخرج سعيد بن منصور و ابن المنذر و ابن أبي حاتم عن عليّ أنّه كان يقرء: لقد علمت يعني بالرفع قال عليّ: و الله ما علم عدوّ الله و لكن موسى هو الّذي علم.

٢٤٢

أقول: و هي قراءة منسوبة إليهعليه‌السلام .

و في الكافي، عن عليّ بن محمّد بإسناده قال: سئل أبوعبداللهعليه‌السلام عمّن بجبهته علّة لا يقدر على السجود عليها قال: يضع ذقنه على الأرض إنّ الله عزّوجلّ يقول:( يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ) .

أقول: و في معناه غيره.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن جرير و ابن مردويه عن ابن عبّاس قال: صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكّة ذات يوم فدعا الله فقال في دعائه: يا الله يا رحمان فقال المشركون: انظروا إلى هذا الصابئ ينهانا أن ندعو إلهين و هو يدعو إلهين فأنزل الله:( قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ ) الآية.

أقول: و في سبب نزول الآية روايات اُخر تخالف هذه الرواية و تذكر أشياء غير ما ذكرته غير أنّ هذه الرواية أقربها انطباقاً على مفاد الآية.

و في التوحيد، مسنداً و في الاحتجاج، مرسلاً عن هشام بن الحكم قال: سألت أباعبداللهعليه‌السلام عن أسماء الله عزّ ذكره و اشتقاقها فقلت: الله ممّا هو مشتقّ؟ قال يا هشام: الله مشتقّ من أله و إله يقتضي مألوها، و الاسم غير المسمّى فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر و لم يعبد شيئاً، و من عبد الاسم و المعنى فقد كفر و عبد اثنين، و من عبد المعنى دون الاسم فذلك التوحيد أ فهمت يا هشام؟

قال: فقلت: زدني فقال: إنّ لله تبارك و تعالى تسعة و تسعين اسما فلو كان الاسم هو المسمّى لكان كلّ اسم منها إلهاً و لكنّ الله معنى يدلّ عليه بهذه الأسماء و كلّها غيره يا هشام الخبز اسم المأكول و الماء اسم المشروب و الثوب اسم الملبوس و النار اسم المحرق. الحديث.

و في التوحيد، بإسناده عن ابن رئاب عن غير واحد عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: من عبدالله بالتوهّم فقد كفر، و من عبد الاسم و لم يعبد المعنى فقد كفر، و من عبد الاسم و المعنى فقد أشرك، و من عبد المعنى بإيقاع الأسماء عليه بصفاته الّتي يصف بها نفسه فعقد عليه قلبه و نطق به لسانه في سرائره و علانيته فاُولئك أصحاب

٢٤٣

أميرالمؤمنين‏ و في حديث آخر: اُولئك هم المؤمنون حقّاً.

و في توحيد البحار، في باب المغايرة بين الاسم و المعنى عن التوحيد بإسناده عن إبراهيم بن عمر عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إنّ الله تبارك و تعالى خلق اسماً بالحروف غير منعوت، و باللفظ غير منطق، و بالشخص غير مجسّد، و بالتشبيه غير موصوف و باللون غير مصبوغ منفيّ عنه الأقطار، مبعّد عنه الحدود، محجوب عنه حسّ كلّ متوهّم، مستتر غير مستور فجعله كلمة تامّة على أربعة أجزاء معا ليس منها واحد قبل الآخر فأظهر منها ثلاثة أشياء لفاقة الخلق إليها، و حجب واحداً منها و هو الاسم المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة الّتي اُظهرت.

فالظاهر هو الله و تبارك و سبحان لكلّ اسم من هذه أربعة أركان فذلك اثنا عشر ركنا ثمّ خلق لكلّ ركن منها ثلاثين اسماً و فعلاً منسوباً إليها فهو الرحمن الرحيم الملك القدّوس الخالق البارئ المصوّر الحيّ القيّوم لا تأخذه سنة و لا نوم العليم الخبير السميع البصير الحكيم العزيز الجبّار المتكبّر العليّ العظيم المقتدر القادر السلام المؤمن المهيمن البارئ المنشئ البديع الرفيع الجليل الكريم الرازق المحيي المميت الباعث الوارث.

فهذه الأسماء و ما كان من الأسماء الحسنى حتّى تتمّ ثلاث مائة و ستّين اسما فهي نسبة لهذه الأسماء الثلاثة و هذه الأسماء الثلاثة أركان و حجب للاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة، و ذلك قوله عزّوجلّ:( قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى)

أقول: و الحديث مرويّ في الكافي، أيضاً عنهعليه‌السلام .

و قد تقدّم في بحث الأسماء الحسنى في الجزء الثامن من الكتاب أنّ هذه الألفاظ المسمّاة بأسماء الله إنّما هي أسماء الأسماء و أنّ ما تدلّ عليه و تشير إليه من المصداق أعني الذات مأخوذة بوصف ما هو الاسم بحسب الحقيقة، و على هذا فبعض الأسماء الحسنى عين الذات و هو المشتمل على صفة ثبوتيّة كماليّة كالحيّ و العليم و القدير، و بعضها زائد على الذات خارج منها و هو المشتمل على صفة سلبيّة أو

٢٤٤

فعليّة كالخالق و الرازق لا تأخذه سنة و لا نوم، هذا في الأسماء و أمّا أسماء الأسماء و هي الألفاظ الدالّة على الذات المأخوذة مع وصف من أوصافها فلا ريب في كونها غير الذات، و أنّها ألفاظ حادثة قائمة بمن يتلفّظ بها.

إلّا أنّ ههنا خلافاً من جهتين:

إحداهما: أنّ بعض الجهلة من متكلّمي السلف خلطوا بين الأسماء و أسماء الأسماء فحسبوا أنّ المراد من عينيّة الأسماء مع الذات عينيّة أسماء الأسماء معها فذهبوا إلى أنّ الاسم هو المسمّى و يكون على هذا عبادة الاسم و دعوته هو عين عبادة المسمّى، و قد كان هذا القول سائغاً في أوائل عصر العبّاسيّين، و الروايتان السابقتان أعني روايتي التوحيد في الردّ عليه.

و الثانية: ما عليه الوثنيّة و هو أنّ الله سبحانه لا يتعلّق به التوجّه العباديّ و إنّما يتعلّق بالأسماء فالأسماء أو مظاهرها من الملائكة و الجنّ و الكمّل من الإنس هم المدعوّون و هم الآلهة المعبودون دون الله، و قد عرفت في البيان المتقدّم أنّ قوله تعالى:( قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ ) إلخ ردّ عليه.

و الرواية الأخيرة أيضاً تكشف عن وجه انتشاء الأسماء عن الذات المتعالية الّتي هي أرفع من أن يحيط به علم أو يقيّده وصف و نعت أو يحدّه اسم أو رسم، و هي بما في صدره و ذيله من البيان صريح في أنّ المراد بالأسماء فيها هي الأسماء دون أسماء الأسماء و قد شرحناها بعض الشرح في ذيل البحث عن الأسماء الحسنى في الجزء الثامن من الكتاب فراجعه إن شئت.

و في تفسير العيّاشيّ، عن زرارة و حمران و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبداللهعليه‌السلام : في قوله تعالى:( وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا ) قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا كان بمكّة جهر بصوته فيعلم بمكانه المشركون فكانوا يؤذونه فاُنزلت هذه الآية عند ذلك.

أقول: و روي هذا المعنى في الدرّ المنثور، عن ابن مردويه عن ابن عبّاس، و روي أيضاً عن عائشة: أنّها نزلت في الدعاء، و لا بأس به لعدم معارضته، و روي عنها

٢٤٥

أيضاً أنّها نزلت في التشهّد.

و في الكافي، بإسناده عن سماعة قال: سألته عن قول الله تعالى:( وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها ) قال: المخافتة ما دون سمعك و الجهر أن ترفع صوتك شديداً.

أقول: فيه تأييد المعنى الأوّل المتقدّم في تفسير الآية.

و فيه، بإسناده عن عبدالله بن سنان قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : على الإمام أن يسمع من خلفه و إن كثروا؟ فقال: ليقرأ وسطاً يقول الله تبارك و تعالى:( وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها ) .

و في الدرّ المنثور، أخرج أحمد و الطبرانيّ عن معاذ بن أنس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : آية العزّ( وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ) الآية كلّها.

و في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ ) قال: قال: لم يذلّ فيحتاج إلى وليّ ينصره.

( بحث آخر روائي و قرآني)

( في نزول القرآن نجوماً في فصول ‏)

متعلّق بقوله تعالى:( وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى‏ مُكْثٍ ) ثلاثة فصول:

١- في انقسامات القرآن: إنّ للقرآن الكريم أجزاء يعرف بها كالجزء و الحزب و العشر و غير ذلك و الّذي ينتهي اعتباره إلى عناية من نفس الكتاب العزيز اثنان منها و هما السورة و الآية فقد كرّر الله سبحانه ذكرهما في كلامه كقوله:( سُورَةٌ أَنْزَلْناها ) النور: ١ و قوله:( قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ ) يونس: ٣٨ و غير ذلك.

و قد كثر استعماله في لسان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و الصحابة و الأئمّة كثرة لا تدع ريبا في أنّ لها حقيقة في القرآن الكريم و هي مجموعة من الكلام الإلهيّ مبدوّة بالبسملة مسوقة لبيان غرض، و هو معرّف للسورة مطّرد غير منقوض إلّا ببراءة و قد ورد(١)

____________________

(١) تقدّم بعض ما يدلّ ما يدلّ عليه من الرواية في ذيل قوله: ( إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ ) الآية الحجر: ٩ في الجزء الثاني عشر من الكتاب.

٢٤٦

عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام أنّها آيات من سورة الأنفال، و إلّا بما ورد(١) عنهمعليهم‌السلام أنّ الضحى و أ لم نشرح سورة واحدة و أنّ الفيل و الإيلاف سورة واحدة.

و نظيره القول في الآية فقد تكرّر في كلامه تعالى إطلاق الآية على قطعة من الكلام كقوله:( وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً ) الأنفال: ٢، و قوله:( كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا ) حم السجدة: ٣، و قد روي عن اُمّ سلمة: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقف على رؤس الآي و صحّ أنّ سورة الحمد سبع آيات‏، و روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّ سورة الملك ثلاثون آية إلى غير ذلك ممّا يدلّ على وقوع العدد على الآيات في كلام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و آله.

و الّذي يعطيه التأمّل في انقسام الكلام العربيّ إلى قطع و فصول بالطبع و خاصّة فيما كان من الكلام مسجّعا ثمّ التدبّر فيما ورد عن النبيّ و آلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أعداد الآيات أنّ الآية من القرآن هي قطعة من الكلام من حقّها أن تعتمد عليها التلاوة بفصلها عمّا قبلها و عمّا بعدها.

و يختلف ذلك باختلاف السياقات و خاصّة في السياقات المسجّعة فربّما كانت كلمة واحدة كقوله:( مُدْهامَّتانِ ) الرحمن: ٦٤ و ربّما كانت كلمتين فصاعداً كلاماً أو غير كلام كقوله:( الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ ) الرحمن ١ - ٤ و قوله:( الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ ) الحاقة ١ - ٣ و ربّما طالت كآية الدّين من سورة البقرة آية: ٢٨٢.

٢- في عدد السور: أمّا عدد السور القرآنيّة فهي مائة و أربع عشرة سورة على ما جرى عليه الرسم في المصحف الدائر بيننا و هو مطابق للمصحف العثمانيّ، و قد تقدّم كلام أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام فيه، و أنّهم لا يعدّون براءة سورة مستقلّة و يعدّون الضحى و أ لم نشرح سورة واحدة و يعدّون الفيل و الإيلاف سورة واحدة.

____________________

(١) رواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن الشحام عن الصادقعليه‌السلام و نسبه المحقّق في الشرائع و الطبرسيّ في مجمع البيان الى رواية أصحابنا.

٢٤٧

و أمّا عدد الآي فلم يرد فيه نصّ متواتر يعرّف الآي و يميّز كلّ آية من غيرها و لا شي‏ء من الآحاد يعتمد عليه، و من أوضح الدليل على ذلك اختلاف أهل العدد فيما بينهم و هم المكّيّون و المدنيّون و الشاميّون و البصريّون و الكوفيّون.

فقد قال بعضهم: إنّ مجموع القرآن ستّة آلاف آية، و قال بعضهم: ستّة آلاف و مائتان و أربع آيات، و قيل: و أربع عشرة، و قيل: و تسع عشرة، و قيل: و خمس و عشرون، و قيل: و ستّ و ثلاثون.

و قد روى المكّيّون عددهم عن عبدالله بن كثير عن مجاهد عن ابن عبّاس عن اُبيّ بن كعب، و للمدنيّين عددان ينتهي أحدهما إلى أبي جعفر مرثد بن القعقاع و شيبة بن نصاح، و الآخر إلى إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاريّ و روى أهل الشام عددهم عن أبي الدرداء، و ينتهي عدد أهل البصرة إلى عاصم بن العجّاج الجحدريّ، و يضاف عدد أهل الكوفة إلى حمزة و الكسائيّ و خلف قال حمزة أخبرنا بهذا العدد ابن أبي ليلى عن أبي عبد الرحمن السلميّ عن عليّ بن أبي طالب.

و بالجملة لمّا كانت الأعداد لا تنتهي إلى نصّ متواتر أو واحد يعبؤ به و يجوز الركون إليه و يتميّز به كلّ آية عن اُختها لا ملزم للأخذ بشي‏ء منها فما كان منها بيّنا ظاهر الأمر فهو و إلّا فللباحث المتدبّر أن يختار ما أدّى إليه نظره.

و الّذي روي عن عليّعليه‌السلام من عدد الكوفيّين معارض بأنّ البسملة غير معدودة في شي‏ء من السور ما خلا فاتحة الكتاب من آياتها مع أنّ المرويّ عنهعليه‌السلام و عن غيره من أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام أنّ البسملة آية من القرآن و هي جزء من كلّ سورة افتتحت بها و لازم ذلك زيادة العدد بعدد البسملات.

و هذا هو الّذي صرفنا عن إيراد تفاصيل ما ذكروه من العدد ههنا، و ذكر ما اتّفقوا على عدده من السور القرآنيّة و هي أربعون سورة و ما اختلفوه في عدده أو في رؤس آية من السور و هي أربع و سبعون سورة و كذا ما اتّفقوا على كونه آية تامّة أو على عدم كونه آية مثل( الر ) أينما وقع من القرآن و ما اختلف فيه، و على من أراد الاطّلاع على تفصيل ذلك أن يراجع مظانّه.

٢٤٨

٣- في ترتيب السور نزولا: نقل في الإتقان عن ابن الضريس في فضائل القرآن قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله بن أبي جعفر الرازيّ أنبأنا عمرو بن هارون، حدّثنا عثمان بن عطاء الخراسانيّ عن أبيه عن ابن عبّاس قال: كانت إذا نزلت فاتحة سورة بمكّة كتبت بمكّة ثمّ يزيد الله فيها ما شاء.

و كان أوّل ما اُنزل من القرآن اقرء باسم ربّك، ثمّ ن، ثمّ يا أيّها المزّمّل، ثمّ يا أيّها المدّثّر، ثمّ تبّت يدا أبي لهب، ثمّ إذا الشمس كوّرت، ثمّ سبّح اسم ربّك الأعلى، ثمّ و اللّيل إذا يغشى، ثمّ و الفجر، ثمّ و الضحى، ثمّ أ لم نشرح، ثمّ و العصر، ثمّ و العاديات ثمّ إنّا أعطيناك، ثمّ ألهيكم التكاثر، ثمّ أ رأيت الّذي يكذّب، ثمّ قل يا أيّها الكافرون، ثمّ أ لم تر كيف فعل ربك، ثمّ قل أعوذ بربّ الفلق، ثمّ قل أعوذ بربّ الناس، ثمّ قل هو الله أحد، ثمّ و النجم، ثمّ عبس، ثمّ إنّا أنزلناه في ليلة القدر، ثمّ و الشمس و ضحاها، ثمّ و السماء ذات البروج، ثمّ التين، ثمّ لإيلاف قريش، ثمّ القارعة، ثمّ لا اُقسم بيوم القيامة، ثمّ ويل لكلّ همزة، ثمّ و المرسلات، ثمّ ق، ثمّ لا اُقسم بهذا البلد، ثمّ و السماء و الطارق، ثمّ اقتربت الساعة، ثمّ ص، ثمّ الأعراف، ثمّ قل اُوحي ثمّ يس، ثمّ الفرقان، ثمّ الملائكة، ثمّ كهيعص، ثمّ طه، ثمّ الواقعة، ثمّ طسم الشعراء، ثمّ طس، ثمّ القصص، ثمّ بني إسرائيل، ثمّ يونس، ثمّ هود، ثمّ يوسف، ثمّ الحجر، ثمّ الأنعام، ثمّ الصافّات، ثمّ لقمان، ثمّ سبأ، ثمّ الزمر، ثمّ حم المؤمن، ثمّ حم السجدة. ثمّ حمعسق، ثمّ حم الزخرف، ثمّ الدخان، ثمّ الجاثية، ثمّ الأحقاف ثمّ الذاريات، ثمّ الغاشية، ثمّ الكهف، ثمّ النحل، ثمّ إنا أرسلنا نوحاً، ثمّ سورة إبراهيم، ثمّ الأنبياء، ثمّ المؤمنين، ثمّ تنزيل السجدة، ثمّ الطور، ثمّ تبارك الملك، ثمّ الحاقّة، ثمّ سأل، ثمّ عمّ يتساءلون، ثمّ النازعات، ثمّ إذا السماء انفطرت، ثمّ إذا السماء انشقّت، ثمّ الروم، ثمّ العنكبوت، ثمّ ويل للمطفّفين فهذا ما أنزل الله بمكّة.

ثمّ أنزل الله بالمدينة سورة البقرة، ثمّ الأنفال، ثمّ آل عمران، ثمّ الأحزاب،

٢٤٩

ثمّ الممتحنة، ثمّ النساء، ثمّ إذا زلزلت، ثمّ الحديد، ثمّ القتال، ثمّ الرعد، ثمّ الرحمن، ثمّ الإنسان، ثمّ الطلاق، ثمّ لم يكن، ثمّ الحشر، ثمّ إذا جاء نصر الله، ثمّ النور، ثمّ الحجّ، ثمّ المنافقون، ثمّ المجادلة، ثمّ الحجرات، ثمّ التحريم، ثمّ الجمعة ثمّ التغابن، ثمّ الصفّ، ثمّ الفتح، ثمّ المائدة، ثمّ براءة.

و قد سقطت من الرواية سورة فاتحة الكتاب و ربّما قيل: إنّها نزلت مرّتين مرّة بمكّة و مرّة بالمدينة.

و نقل فيه، عن البيهقيّ في دلائل النبوّة، أنّه روى بإسناده عن عكرمة و الحسين بن أبي الحسن قالا: أنزل الله من القرآن بمكّة اقرأ باسم ربّك‏ و ساقا الحديث نحو حديث عطاء السابق عن ابن عبّاس إلّا أنّه قد سقط منه الفاتحة و الأعراف و كهيعص ممّا نزل بمكّة.

و أيضاً ذكر فيه حم الدخان قبل حم السجدة ثمّ إذا السماء انشقّت قبل إذا السماء انفطرت ثمّ ويل للمطفّفين قبل البقرة ممّا نزل بالمدينة ثمّ آل عمران قبل الأنفال ثمّ المائدة قبل الممتحنة.

ثم‏ روى البيهقيّ بإسناده عن مجاهد عن ابن عبّاس أنّه قال: إنّ أوّل ما أنزل الله على نبيّه من القرآن اقرأ باسم ربّك‏ الحديث و هو مطابق لحديث عكرمة في الترتيب و قد ذكرت فيه السور الّتي سقطت من حديث عكرمة فيما نزل بمكّة.

و فيه، عن كتاب الناسخ و المنسوخ، لابن حصار: أنّ المدنيّ باتّفاق عشرون سورة، و المختلف فيه اثنا عشرة سورة و ما عدا ذلك مكّيّ باتّفاق انتهى.

و الّذي اتّفقوا عليه من المدنيّات البقرة و آل عمران و النساء و المائدة و الأنفال و التوبة و النور و الأحزاب و سورة محمّد و الفتح و الحجرات و الحديد و المجادلة و الحشر و الممتحنة و المنافقون و الجمعة و الطلاق و التحريم و النصر.

و ما اختلفوا في مكّيّته و مدنيّته سورة الرعد و الرحمن و الجنّ و الصفّ و التغابن و المطفّفين و القدر و البيّنة و الزلزال و التوحيد و المعوّذتان.

و للعلم بمكّيّة السور و مدنيّتها ثمّ ترتيب نزولها أثر هامّ في الأبحاث

٢٥٠

المتعلّقة بالدعوة النبويّة و سيرها الروحيّ و السياسيّ و المدنيّ في زمنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و تحليل سيرته الشريفة، و الروايات - كما ترى - لا تصلح أن تنهض حجّة معتمداً عليها في إثبات شي‏ء من ذلك على أنّ فيما بينها من التعارض ما يسقطها عن الاعتبار.

فالطريق المتعيّن لهذا الغرض هو التدبّر في سياق الآيات و الاستمداد بما يتحصّل من القرائن و الأمارات الداخليّة و الخارجيّة، و على ذلك نجري في هذا الكتاب و الله المستعان.

٢٥١

( سورة الكهف مكّيّة و هي مائة و عشر آيات)

( سورة الكهف الآيات ١ - ٨)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا  ( ١ ) قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا ( ٢ ) مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ( ٣ ) وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا ( ٤ ) مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ  كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ  إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ( ٥ ) فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ( ٦ ) إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ( ٧ ) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا ( ٨ )

( بيان‏)

السورة تتضمّن الدعوة إلى الاعتقاد الحقّ و العمل الصالح بالإنذار و التبشير كما يلوّح إليه ما افتتحت به من الآيتين و ما اختتمت به من قوله تعالى:( فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) .

و فيها مع ذلك عناية بالغة بنفي الولد كما يدلّ على ذلك تخصيص إنذار القائلين بالولد بالذكر ثانياً بعد ذكر مطلق الإنذار أوّلاً أعني وقوع قوله:( وَ يُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً ) بعد قوله:( لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ ) .

فوجه الكلام فيها إلى الوثنيّين القائلين ببنوّة الملائكة و الجنّ و المصلحين من البشر و النصارى القائلين ببنوّة المسيحعليه‌السلام و لعلّ اليهود يشاركونهم فيه حيث يذكر القرآن عنهم أنّهم قالوا: عزير ابن الله.

٢٥٢

و غير بعيد أن يقال إنّ الغرض من نزول السورة ذكر القصص الثلاث العجيبة الّتي لم تذكر في القرآن الكريم إلّا في هذه السورة و هي قصّة أصحاب الكهف و قصّة موسى و فتاه في مسيرهما إلى مجمع البحرين و قصّة ذي القرنين ثمّ استفيد منها ما استفرغ في السورة من الكلام في نفي الشريك و الحثّ على تقوى الله سبحانه.

و السورة مكّيّة على ما يستفاد من سياق آياتها و قد استثني منها قوله:( وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ) الآية و سيجي‏ء ما فيه من الكلام.

قوله تعالى: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى‏ عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً ) العوج بفتح العين و كسرها الانحراف، قال في المجمع: العوج بالفتح فيما يرى كالقناة و الخشبة و بالكسر فيما لا يرى شخصاً قائماً كالدين و الكلام. انتهى.

و لعلّ المراد بما يرى و ما لا يرى ما يسهل رؤيته و ما يشكل كما ذكره الراغب في المفردات، بقوله: العوج - بالفتح - يقال فيما يدرك بالبصر سهلا كالخشب المنتصب و نحوه و العوج - بالكسر - يقال فيما يدرك بالفكر و البصيرة كما يكون في أرض بسيط يعرف تفاوته بالبصيرة و كالدين و المعاش انتهى. فلا يرد عليه ما في قوله تعالى:( لا تَرى‏ فِيها عِوَجاً - بكسر العين -وَ لا أَمْتاً ) طه: ١٠٧ فافهم.

و قد افتتح تعالى الكلام في السورة بالثناء على نفسه بما نزّل على عبده قرآناً لا انحراف فيه عن الحقّ بوجه و هو قيّم على مصالح عباده في حياتهم الدنيا و الآخرة فله كلّ الحمد فيما يترتّب على نزوله من الخيرات و البركات من يوم نزل إلى يوم القيامة فلا ينبغي أن يرتاب الباحث الناقد أنّ ما في المجتمع البشريّ من الصلاح و السداد من بركات ما بثّه الأنبياء الكرام من الدعوة إلى القول الحقّ و الخلق الحسن و العمل الصالح و أنّ ما يمتاز به عصر القرآن في قرونه الأربعة عشر عمّا تقدّمه من الأعصار من رقيّ المجتمع البشريّ و تقدّمه في علم نافع أو عمل صالح للقرآن فيه أثره الخاصّ و للدعوة النبويّة فيه أياديها الجميلة فللّه في ذلك الحمد كلّه.

و من هنا يظهر أنّ قول بعضهم في تفسير الآية: يعني قولوا الحمد لله الّذي

٢٥٣

نزّل إلخ ليس على ما ينبغي.

و قوله:( وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً ) الضمير للكتاب و الجملة حال عن الكتاب و قوله:( قَيِّماً ) حال بعد حال على ما يفيده السياق فإنّه تعالى في مقام حمد نفسه من جهة تنزيله كتاباً موصوفاً بأنّه لا عوج له و أنّه قيّم على مصالح المجتمع البشري فالعناية متعلّقة بالوصفين موزّعة بينهما على السواء و هو مفاد كونهما حالين من الكتاب.

و قيل: إنّ جملة( وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً ) معطوفة على الصلة و( قَيِّماً ) حال من ضمير( لِلَّهِ ) و المعنى و الّذي لم يجعل للكتاب حال كونه قيّماً عوجاً أو أنّ( قَيِّماً ) منصوب بمقدّر، و المعنى: و الّذي لم يجعل له عوجاً و جعله قيّماً، و لازم الوجهين انقسام العناية بين أصل النزول و بين كون الكتاب قيّماً لا عوج له. و قد عرفت أنّه خلاف ما يستفاد من السياق.

و قيل: إنّ في الآية تقديماً و تأخيراً، و التقدير نزل الكتاب قيّماً و لم يجعل له عوجاً و هو أردء الوجوه.

و قد قدّم نفي العوج على إثبات القيمومة لأنّ الأوّل كمال الكتاب في نفسه و الثاني تكميله لغيره و الكمال مقدّم طبعاً على التكميل.

و وقوع( عِوَجاً ) و هو نكرة في سياق النفي يفيد العموم فالقرآن مستقيم في جميع جهاته فصيح في لفظه، بليغ في معناه، مصيب في هدايته، حيّ في حججه و براهينه، ناصح في أمره و نهيه، صادق فيما يقصّه من قصصه و أخباره، فاصل فيما يقضي به محفوظ من مخالطة الشياطين، لا اختلاف فيه، و لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه.

و القيّم هو الّذي يقوم بمصلحة الشي‏ء و تدبير أمره كقيّم الدار و هو القائم بمصالحها و يرجع إليه في اُمورها، و الكتاب إنّما يكون قيّماً بما يشتمل عليه من المعاني، و الّذي يتضمّنه القرآن هو الاعتقاد الحقّ و العمل الصالح كما قال تعالى:( يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَ إِلى‏ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ) الأحقاف: ٣٠، و هذا هو الدين

٢٥٤

و قد وصف تعالى دينه في مواضع من كتابه بأنّه قيّم قال:( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ ) الروم: ٤٣ و على هذا فتوصيف الكتاب بالقيّم لما يتضمّنه من الدين القيّم على مصالح العالم الإنسانيّ في دنياهم و اُخراهم.

و ربّما عكس الأمر فاُخذ القيمومة وصفاً للكتاب ثمّ للدين من جهته كما في قوله تعالى:( وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) البينة: ٥ فالظاهر أنّ معناه دين الكتب القيّمة و هو نوع تجوّز.

و قيل: المراد بالقيّم المستقيم المعتدل الّذي لا إفراط فيه و لا تفريط، و قيل: القيّم المدبّر لسائر الكتب السماويّة يصدّقها و يحفظها و ينسخ شرائعها و تعقيب الكلمة بقوله:( لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ ) إلخ يؤيّد ما قدّمناه.

قوله تعالى: ( لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ ) الآية أي لينذر الكافرين عذاباً شديداً صادراً من عند الله كذا قيل و الظاهر بقرينة تقييد المؤمنين المبشّرين بقوله:( الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ ) أنّ التقدير لينذر الّذين لا يعملون الصالحات أعمّ ممّن لا يؤمن أصلاً أو يؤمن و يفسق في عمله.

و الجملة على أيّ حال بيان لتنزيله الكتاب على عبده مستقيماً قيّماً إذ لو لا استقامته في نفسه و قيمومته على غيره لم يستقم إنذار و لا تبشير و هو ظاهر.

و المراد بالأجر الحسن الجنّة بقرينة قوله في الآية التالية:( ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً ) و المعنى ظاهر.

قوله تعالى: ( وَ يُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً ) و هم عامّة الوثنيّين القائلين بأنّ الملائكة أبناء أو بنات له و ربّما قالوا بذلك في الجنّ و المصلحين من البشر و النصارى القائلين بأنّ المسيح ابن الله و قد نسب القرآن إلى اليهود أنّهم قالوا: عزير ابن الله.

و ذكر إنذارهم خاصّة ثانياً بعد ذكره على وجه العموم أوّلاً بقوله:( لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ ) لمزيد الاهتمام بشأنهم.

٢٥٥

قوله تعالى: ( ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَ لا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ ) كانت عامّتهم يريدون بقولهم: اتّخذ الله ولداً حقيقة التوليد كما يدلّ عليه قوله:( أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَ خَلَقَ كلّ شَيْ‏ءٍ ) الأنعام: ١٠١.

و قد ردّ سبحانه قولهم عليهم أوّلاً بأنّه قول منهم جهلاً بغير علم و ثانياً بقوله في آخر الآية:( إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً ) .

و كان قوله:( ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ ) شاملاً لهم جميعاً من آباء و أبناء لكنّهم لمّا كانوا يحيلون العلم به إلى آبائهم قائلين إنّ هذه ملّة آبائنا و هم أعلم منّا و ليس لنا إلّا أن نتّبعهم و نقتدي بهم فرّق تعالى بينهم و بين آبائهم فنفى العلم عنهم أوّلاً و عن آبائهم الّذين كانوا يركنون إليهم ثانياً ليكون إبطالاً لقولهم و لحجّتهم جميعاً.

و قوله:( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ ) ذمّ لهم و إعظام لقولهم: اتّخذ الله ولداً لما فيه من عظيم الاجتراء على الله سبحانه بنسبة الشريك و التجسّم و التركّب و الحاجة إلى المعين و الخليفة إليه، تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً.

و ربّما وقع في كلام أوائلهم إطلاق الابن على بعض خلقه بعناية التشريف للدلالة على قربه منه و اختصاصه به نظير قول اليهود فيما حكاه القرآن: عزير ابن الله، و قولهم: نحن أبناء الله و أحبّاؤه، و كذا وقع في كلام عدّة من قدمائهم إطلاق الابن على بعض الخلق الأوّل بعناية صدوره منه كما يصدر الابن عن الأب و إطلاق الزوج و الصاحبة على وسائط الصدور و الإيجاد كما أنّ زوج الرجل واسطة لصدور الولد منه فاُطلق على بعض الملائكة من الخلق الأوّل الزوج و على بعض آخر منهم الابن أو البنت.

و هذان الإطلاقان و إن لم يشتملاً على مثل ما اشتمل عليه الإطلاق الأوّل لكونهما من التجوّز بعناية التشريف و نحوه لكنّهما ممنوعان شرعاً و كفى ملاكاً لحرمتهما سوقهما و سوق أمثالهما عامّة الناس إلى الشقاء الدائم و الهلاك الخالد.

قوله تعالى: ( فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى‏ آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً ) البخوع و البخع القتل و الإهلاك و الآثار علائم أقدام المارّة على الأرض،

٢٥٦

و الأسف شدّة الحزن و المراد بهذا الحديث القرآن.

و الآية و اللّتان بعدها في مقام تعزية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و تسليته و تطييب نفسه و الفاء لتفريع الكلام على كفرهم و جحدهم بآيات الله المفهوم من الآيات السابقة و المعنى يرجى منك أن تهلك نفسك بعد إعراضهم عن القرآن و انصرافهم عنك من شدّة الحزن، و قد دلّ على إعراضهم و تولّيهم بقوله: عَلى‏ آثارِهِمْ و هو من الاستعارة.

قوله تعالى: ( إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) إلى آخر الآيتين الزينة الأمر الجميل الّذي ينضمّ إلى الشي‏ء فيفيده جمالاً يرغب إليه لأجله و الصعيد ظهر الأرض و الجرز على ما في المجمع، الأرض الّتي لا تنبت كأنّها تأكل النبت أكلا.

و لقد أتى في الآيتين ببيان عجيب في حقيقة حياة الإنسان الأرضيّة و هو أنّ النفوس الإنسانيّة - و هي في أصل جوهرها علويّة شريفة - ما كانت لتميل إلى الأرض و الحياة عليها و قد قدّر الله أن يكون كمالها و سعادتها الخالدة بالاعتقاد الحقّ و العمل الصالح فاحتالت العناية الإلهيّة إلى توقيفها موقف الاعتقاد و العمل و إيصالها إلى محكّ التصفية و التطهير و إسكانها الأرض إلى أجل معلوم بإلقاء التعلّق و الارتباط بينها و بين ما على الأرض من أمتعة الحياة من مال و ولد و جاه و تحبيبه إلى قلوبهم فكان ما على الأرض و هو جميل عندهم محبوب في أنفسهم زينة للأرض و حلية تتحلّى بها لكونه عليها فتعلّقت نفوسهم على الأرض بسببه و اطمأنّت إليها.

فإذا انقضى الأجل الّذي أجّله الله تعالى لمكثهم في الأرض بتحقّق ما أراده من البلاء و الامتحان سلب الله ما بينهم و بين ما على الأرض من التعلّق و محى ما له من الجمال و الزينة و صار كالصعيد الجرز الّذي لا نبت فيه و لا نضارة عليه و نودي فيهم بالرحيل و هم فرادى كما خلقهم الله تعالى أوّل مرّة.

و هذه سنّة الله تعالى في خلق الإنسان و إسكانه الأرض و تزيينه ما عليها له ليمتحنه بذلك و يتميّز به أهل السعادة من غيرهم فيأتي سبحانه بالجيل بعد الجيل و الفرد بعد الفرد فيزيّن له ما على وجه الأرض من أمتعة الحياة ثمّ يخلّيه و اختياره

٢٥٧

ليختبرهم بذلك ثمّ إذا تمّ الاختبار قطع ما بينه و بين زخارف الدنيا المزيّنة و نقله من دار العمل إلى دار الجزاء قال تعالى:( وَ لَوْ تَرى‏ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَ الْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ - إلى أن قال -وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى‏ كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ تَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَ ما نَرى‏ مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَ ضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ) الأنعام: ٩٤.

فمحصّل معنى الآية لا تتحرّج و لا تأسّف عليهم إذ أعرضوا عن دعوتك بالإنذار و التبشير و اشتغلوا بالتمتّع من أمتعة الحياة فما هم بسابقين و لا معجزين و إنّما حقيقة حياتهم هذه نوع تسخير إلهيّ أسكنّاهم الأرض ثمّ جعلنا ما على الأرض زينة يفتتن الناظر إليها لتتعلّق به نفوسهم فنبلوهم أيّهم أحسن عملاً و إنّا لجاعلون هذا الّذي زيّن لهم بعينه كالصعيد الجرز الّذي ليس فيه نبت و لا شي‏ء ممّا يرغب فيه النفس فالله سبحانه لم يشأ منهم الإيمان جميعاً حتّى يكون مغلوباً بكفرهم بالكتاب و تماديهم في الضلال و تبخع أنت نفسك على آثارهم أسفا و إنّما أراد بهم الابتلاء و الامتحان و هو سبحانه الغالب فيما شاء و أراد.

و قد ظهر بما تقدّم أنّ قوله:( وَ إِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً ) من الاستعارة بالكناية، و المراد به قطع رابطة التعلّق بين الإنسان و بين أمتعة الحياة الدنيا ممّا على الأرض.

و ربّما قيل: إنّ المراد به حقيقة معنى الصعيد الجرز، و المعنى أنّا سنعيد ما على الأرض من زينة تراباً مستوياً بالأرض، و نجعله صعيداً أملس لا نبات فيه و لا شي‏ء عليه.

و قوله:( ما عَلَيْها ) من قبيل وضع الظاهر موضع المضمر و كان من طبع الكلام أن يقال: و إنّا لجاعلوه، و لعلّ النكتة مزيد العناية بوصف كونه على الأرض.

٢٥٨

( بحث روائي)

في تفسير العيّاشيّ، عن البرقيّ رفعه عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام :( لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ ) قال: البأس الشديد عليّعليه‌السلام و هو من لدن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قاتل معه عدوّه فذلك قوله:( لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ )

أقول: و رواه ابن شهرآشوب عن الباقر و الصادقعليهما‌السلام : و هو من التطبيق و ليس بتفسير.

و في تفسير القمّيّ، في حديث أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قوله:( فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ ) يقول: قاتلٌ نفسك على آثارهم، و أمّا أسفاً يقول حزناً.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم و ابن مردويه و الحاكم في التاريخ، عن ابن عمر قال: تلا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الآية:( لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) فقلت ما معنى ذلك يا رسول الله؟ قال: ليبلوكم أيّكم أحسن عقلاً و أورع عن محارم الله و أسرعكم في طاعة الله.

و في تفسير القمّيّ، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قوله:( صَعِيداً جُرُزاً ) قال: لا نبات فيها.

٢٥٩

( سورة الكهف الآيات ٩ - ٢٦)

أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ( ٩ ) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ( ١٠ ) فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا ( ١١ ) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا ( ١٢ ) نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ  إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ( ١٣ ) وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَٰهًا  لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ( ١٤ ) هَٰؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً  لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ  فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللهِ كَذِبًا ( ١٥ ) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا ( ١٦ ) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ  ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ  وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا ( ١٧ ) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ  وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ  وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ  لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا ( ١٨ ) وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ  قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ  قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ  قَالُوا

٢٦٠