الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٣

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 443

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 443
المشاهدات: 107082
تحميل: 5630


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 443 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 107082 / تحميل: 5630
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 13

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ردّ له، و قد عرفت في البيان المتقدّم أنّ السياق يدفعه و النظم البليغ لا يقبله.

و قد تكاثرت الروايات في بيان القصّة من طرق الفريقين لكنّها متهافتة مختلفة لا يكاد يوجد منها خبران متوافقا المضمون من جميع الجهات:

فمن الاختلاف ما في بعض الروايات كالرواية المتقدّمة أنّ سؤالهم كان عن أربعة نبإ أصحاب الكهف و نبإ موسى و العالم و نبإ ذي القرنين و عن الساعة متى تقوم؟ و في بعضها أنّ السؤال كان عن خبر أصحاب الكهف و ذي القرنين و عن الروح و قد ذكروا أنّ آية صدق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا يجيب آخر الأسؤلة فأجاب عن نبإ أصحاب الكهف و نباء ذي القرنين، و نزل:( قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) الآية فلم يجب عنها، و قد عرفت في بيان آية الروح أنّ الكلام مسوق سوق الجواب و ليس بتجاف.

و من ذلك ما في أكثر الروايات أنّهم جماعة واحدة سمّوا أصحاب الكهف و الرقيم، و في بعضها أنّ أصحاب الرقيم غير أصحاب الكهف، و أنّ الله سبحانه أشار في كلامه إليهما معاً لكنّه قصّ قصّة أصحاب الكهف و أعرض عن قصّة أصحاب الرقيم، و ذكروا لهم قصّة و هي أنّ قوماً و هم ثلاثة خرجوا يرتادون لأهلهم فأخذتهم السماء فأووا إلى كهف و انحطّت صخرة من أعلى الجبل و سدّت بابه.

فقال بعضهم لبعض: ليذكر كلّ منّا شيئاً من عمله الصالح و ليدع الله به لعلّه يفرّج عنّا فذكر واحد منهم منه عمله لوجه الله و دعا الله به فتنحّت الصخرة قدر ما دخل عليهم الضوء ثمّ الثاني فتنحّت حتّى تعارفوا ثمّ الثالث ففرّج الله عنهم فخرجوا رواه(١) النعمان بن بشير مرفوعا عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و المستأنس باُسلوب الذكر الحكيم يأبى أن يظنّ به أن يشير في دعوته إلى قصّتين ثمّ يفصّل القول في إحداهما و ينسى الاُخرى من أصلها.

و من ذلك ما تذكره الروايات أنّ الملك الّذي هرب منه الفتية هو دقيانوس (ديوكليس ٢٨٥ م - ٣٠٥ م) ملك الروم و في بعضها كان يدّعي الاُلوهيّة، و في بعض

____________________

(١) الدرّ المنثور

٣٠١

أنّه كان دقيوس (دسيوس ٢٤٩ ٢٥٤ م) ملك الروم و بينهما عشرات من السنين و كان الملك يدعو إلى عبادة الأصنام و يقتل أهل التوحيد، و في بعض الروايات‏ كان مجوسيّاً يدعو إلى دين المجوس، و لم يذكر التاريخ شيوع المجوسيّة هذا الشيوع في بلاد الروم، و في بعض الروايات أنّهم كانوا قبل عيسىعليه‌السلام .

و من ذلك أنّ بعض الروايات تذكر أنّ الرقيم اسم البلد الّذي خرجوا منه و في بعضها اسم الوادي، و في بعضها اسم الجبل الّذي فيه الكهف، و في بعضها اسم كلبهم، و في بعضها هو لوح من حجر، و في بعضها من رصاص، و في بعضها من نحاس و في بعضها من ذهب رقم فيه أسماؤهم و أسماء آبائهم و قصّتهم و وضع على باب الكهف و في بعضها داخله، و في بعضها كان معلّقاً على باب المدينة، و في بعضها في بعض خزائن الملوك و في بعضها هما لوحان.

و من ذلك ما في بعض الروايات أنّ الفتية كانوا من أولاد الملوك، و في بعضها من أولاد الأشراف، و في بعضها من أولاد العلماء، و في بعضها أنّهم سبعة سابعهم كان راعي غنم لحق بهم هو و كلبه في الطريق، و في حديث(١) وهب بن منبّه أنّهم كانوا حمّاميّين يعملون في بعض حمّامات المدينة و ساق لهم قصّة دعوة الملك إلى عبادة الأصنام و في بعضها أنّهم كانوا من وزراء الملك يستشيرهم في اُموره.

و من ذلك ما في بعض الروايات أنّهم أظهروا المخالفة و علم بها الملك قبل الخروج و في بعضها أنّه لم يعلم إلّا بعد خروجهم و في بعضها أنّهم تواطؤوا على الخروج فخرجوا و في بعضها أنّهم خرجوا على غير معرفة من بعضهم لحال بعض و على غير ميعاد ثمّ تعارفوا و اتّفقوا في الصحراء و في بعضها أنّ راعي غنم لحق بهم و هو سابعهم و في بعضها أنّه لم يتبعهم و تبعهم كلبه و سار معهم.

و من ذلك ما في بعض الروايات أنّهم لمّا هربوا و اطّلع الملك على أمرهم افتقدهم و لم يحصل منهم على أثر، و في بعضها أنّه فحص عنهم فوجدهم نياماً في كهفهم فأمر أن يبنى على باب الكهف بنيان ليحتبسوا فيموتوا جوعاً و عطشاً جزاء

____________________

(١) الدرّ المنثور و قد أورده ابن الأثير في الكامل.

٣٠٢

لعصيانهم فبقوا على هذه الحال حتّى إذا أراد الله أن ينبّههم بعث راعي غنم فخرّب البنيان ليتّخذ حظيرة لغنمه و عند ذلك بعثهم الله أيقاظاً و كان من أمرهم ما قصّه الله.

و من ذلك ما في بعض الروايات أنّه لمّا ظهر أمرهم أتاهم الملك و معه الناس فدخل‏ عليهم الكهف فكلّمهم فبينا هو يكلّمهم و يكلّمونه إذ ودّعوه و سلّموا عليه و قضوا نحبهم، و في بعضها أنّهم ماتوا أو ناموا قبل أن يدخل الملك عليهم و سدّ باب الكهف و غاب عن أبصارهم فلم يهتدوا للدخول فبنوا هناك مسجدا يصلّون فيه.

و من ذلك ما في بعض الروايات أنّهم قبضت أرواحهم، و في بعضها أنّ الله أرقدهم ثانياً فهم نيام إلى يوم القيامة، و يقلّبهم كلّ عامّ مرّتين من اليمين إلى الشمال و بالعكس.

و من ذلك اختلاف الروايات في مدّة لبثهم ففي أكثرها أنّ الثلاثمائة و تسع سنين المذكور في الآية قول الله تعالى، و في بعضها أنّه محكيّ قول أهل الكتاب، و قوله تعالى:( قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا ) ردّ له، و في بعضها أنّ الثلاثمائة قوله سبحانه و زيادة التسع قول أهل الكتاب.

إلى غير ذلك من وجوه الاختلاف بين الروايات، و قد جمعت أكثرها من طرق أهل السنّة في الدرّ المنثور، و من طرق الشيعة في البحار، و تفسيري البرهان، و نور الثقلين، من أراد الاطّلاع عليها فليراجعها، و الّذي يمكن أن تعدّ الروايات متّفقة أو كالمتّفقة عليه أنّهم كانوا قوماً موحّدين هربوا من ملك جبّار كان يجبر الناس على الشرك فأووا إلى الكهف فناموا إلى آخر ما قصّه الله تعالى.

و في تفسير العيّاشيّ، عن سليمان بن جعفر الهمدانيّ قال: قال لي جعفر بن محمّدعليه‌السلام يا سليمان من الفتى؟ فقلت له؟ جعلت فداك الفتى عندنا الشابّ. قال لي: أ ما علمت أنّ أصحاب الكهف كانوا كلّهم كهولا فسمّاهم الله فتية بإيمانهم يا سليمان من آمن بالله و اتّقى فهو الفتى.

أقول: و روي ما في معناه في الكافي، عن القمّيّ مرفوعاً عن الصادقعليه‌السلام ، و

٣٠٣

قد روي عن(١) ابن عبّاس أنّهم كانوا شبّانا.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر قال: كان أصحاب الكهف صيارفة.

أقول: و روى القمّيّ أيضاً بإسناده عن سدير الصيرفيّ عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كان أصحاب الكهف صيارفة: لكن في تفسير العيّاشيّ، عن درست عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنّه ذكر أصحاب الكهف فقال: كانوا صيارفة كلام و لم يكونوا صيارفة دراهم.

و في تفسير العيّاشيّ، عن أبي بصير عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إنّ أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان و أظهروا الكفر فآجرهم الله مرّتين.

أقول: و روي في الكافي، ما في معناه عن هشام بن سالم عنهعليه‌السلام و روى ما في معناه العيّاشيّ عن الكاهليّ عنهعليه‌السلام و عن درست في خبرين عنهعليه‌السلام و في أحد الخبرين: أنّهم كانوا ليشدّون الزنانير و يشهدون الأعياد.

و لا يرد عليه أنّ ظاهر قوله تعالى حكاية عنهم:( إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً ) الآية أنّهم كانوا لا يرون التقيّة كما احتمله المفسّرون في تفسير قوله تعالى حكاية عنهم:( أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَ لَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً ) الآية و قد تقدّم.

و ذلك لأنّك عرفت أنّ خروجهم من المدينة كان هجرة من دار الشرك الّتي كانت تحرمهم إظهار كلمة الحقّ و التديّن بدين التوحيد غير أنّ تواطيهم على الخروج و هم ستّة من المعاريف و أهل الشرف و إعراضهم عن الأهل و المال و الوطن لم يكن لذلك عنوان إلّا المخالفة لدين الوثنيّة فقد كانوا على خطر عظيم لو ظهر عليهم القوم و لم ينته أمرهم إلّا إلى أحد أمرين الرجم أو الدخول في ملّة القوم.

و بذلك يظهر أنّ قيامهم أوّل مرّة و قولهم:( رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً ) لم يكن بتظاهر منهم على المخالفة و تجاهر على ذمّ ملّة

____________________

(١) الدرّ المنثور في قوله تعالى: ( نحن نقصّ عليك نبأهم ) الآية.

٣٠٤

القوم و رمي طريقتهم فما كانت الأوضاع العامّة تجيز لهم ذلك، و إنّما كان ذلك منهم قياماً لله و تصميماً على الثبات على كلمة التوحيد و لو سلّم دلالة قوله:( إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ) على التظاهر و رفض التقيّة فقد كان في آخر أيّام مكثهم بين القوم و كانوا قبل ذلك سائرين على التقيّة لا محالة، فقد بان أنّ سياق شي‏ء من الآيتين لا ينافي كون الفتية سائرين على التقيّة ما داموا بين القوم و في المدينة.

و في تفسير العيّاشيّ، أيضاً عن أبي بكر الحضرميّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: خرج أصحاب الكهف على غير معرفة و لا ميعاد فلمّا صاروا في الصحراء أخذ بعضهم على بعض العهود و المواثيق فأخذ هذا على هذا و هذا على هذا ثمّ قالوا: أظهروا أمركم فأظهروه فإذا هم على أمر واحد.

أقول: و في معناه ما عن ابن عبّاس في الخبر الآتي.

في الدرّ المنثور، أخرج ابن أبي شيبة و ابن المنذر و ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس قال: غزونا مع معاوية غزوة المضيق نحو الروم فمررنا بالكهف الّذي فيه أصحاب الكهف الّذي ذكر الله في القرآن فقال معاوية: لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال له ابن عبّاس: ليس ذلك لك قد منع الله ذلك عمّن هو خير منك فقال:( لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَ لَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً ) فقال معاوية: لا أنتهي حتّى أعلم علمهم فبعث رجالاً فقال: اذهبوا فادخلوا الكهف فانظروا فذهبوا فلمّا دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحاً فأخرجتهم فبلغ ذلك ابن عبّاس فأنشأ يحدّث عنهم.

فقال: إنّهم كانوا في مملكة ملك من الجبابرة فجعلوا يعبدون حتّى عبدوا الأوثان و هؤلاء الفتية في المدينة فلمّا رأوا ذلك خرجوا من تلك المدينة فجمعهم الله على غير ميعاد فجعل بعضهم يقول لبعض: أين تريدون؟ أين تذهبون؟ فجعل بعضهم يخفي على بعض لأنّه لا يدري هذا على ما خرج هذا و لا يدري هذا فأخذوا العهود و المواثيق أن يخبر بعضهم بعضاً فإن اجتمعوا على شي‏ء و إلّا كتم بعضهم بعضا فاجتمعوا على كلمة واحدة فقالوا:( رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ - إلى قوله -مِرفَقاً ) .

٣٠٥

قال: فقعدوا فجاء أهلهم يطلبونهم لا يدرون أين ذهبوا؟ فرفع أمرهم إلى الملك فقال: ليكوننّ لهؤلاء القوم بعد اليوم شأن، ناس خرجوا لا يدرى أين ذهبوا في غير خيانة و لا شي‏ء يعرف؟ فدعا بلوح من رصاص فكتب فيه أسماءهم ثمّ طرح في خزانته فذلك قول الله:( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ ) و الرقيم هو اللوح الّذي كتبوا، فانطلقوا حتّى دخلوا الكهف فضرب الله على آذانهم فناموا فلو أنّ الشمس تطلع عليهم لأحرقتهم، و لو لا أنّهم يقلّبون لأكلتهم الأرض، و ذلك قول الله:( وَ تَرَى الشَّمْسَ ) الآية.

قال: ثمّ إنّ ذلك الملك ذهب و جاء ملك آخر فعبدالله و ترك تلك الأوثان و عدل في الناس فبعثهم الله لما يريد فقال قائل منهم: كم لبثتم؟ فقال بعضهم: يوماً و قال بعضهم: يومين و قال بعضهم: أكثر من ذلك فقال كبيرهم: لا تختلفوا فإنّه لم يختلف قوم قطّ إلّا هلكوا فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة.

فرأى شارة(١) أنكرها و رأى بنيانا أنكره ثمّ دنا إلى خبّاز فرمى إليه بدرهم و كانت دراهمهم كخفاف الربع يعني ولد الناقة فأنكر الخبّاز الدرهم فقال: من أين لك هذا الدرهم؟ لقد وجدت كنزاً لتدلّني عليه أو لأرفعنك إلى الأمير فقال: أ و تخوّفني بالأمير؟ و أتى الدهقان الأمير قال: من أبوك؟ قال: فلان فلم يعرفه قال: فمن الملك؟ قال: فلان فلم يعرفه فاجتمع عليهم الناس فرفع إلى عالمهم فسأله فأخبره فقال: عليّ باللوح فجي‏ء به فسمّى أصحابه فلانا و فلانا و هم مكتوبون في اللوح فقال للناس: إنّ الله قد دلّكم على إخوانكم.

و انطلقوا و ركبوا حتّى أتوا إلى الكهف فلمّا دنوا من الكهف قال الفتى: مكانكم أنتم حتّى أدخل أنا على أصحابي، و لا تهجموا فيفزعون منكم و هم لا يعلمون أنّ الله قد أقبل بكم و تاب عليكم فقالوا: لتخرجنّ علينا؟ قال: نعم إن شاء الله فدخل فلم يدروا أين ذهب؟ و عمّي عليهم فطلبوا و حرضوا فلم يقدروا على الدخول

____________________

(١) الشارة الهيئة و الزينة و المنظر و اللباس.

٣٠٦

عليهم فقالوا: لنتّخذنّ عليهم مسجداً فاتّخذوا عليهم مسجداً يصلّون عليهم و يستغفرون لهم.

أقول: و الرواية مشهورة أوردها المفسّرون في تفاسيرهم و تلقّوها بالقبول و هي بعد غير خالية عن أشياء منها أنّ ظاهرها أنّهم بعد على هيئة النيام لا يمكن الاطّلاع عليهم بصرف إلهيّ، و الكهف الّذي في المضيق و هو كهف أفسوس المعروف اليوم ليس على هذا النعت.

و الآية الّتي تمسّك بها ابن عبّاس إنّما تمثّل حالهم و هم رقود قبل البعث لا بعده و قد وردت عن ابن عبّاس رواية اُخرى تخالف هذه الرواية و هي ما في الدرّ المنثور، عن عبد الرزّاق و ابن أبي حاتم عن عكرمة و قد ذكرت فيها القصّة و في آخرها: فركب‏ الملك و ركب معه الناس حتّى انتهى إلى الكهف فقال الفتى: دعوني أدخل إلى أصحابي فلمّا أبصروه و أبصرهم ضرب على آذانهم فلمّا استبطؤوه دخل الملك و دخل الناس معه فإذا أجساد لا يبلى منها شي‏ء غير أنّها لا أرواح فيها فقال الملك: هذه آية بعثها الله لكم.

فغزا ابن عبّاس مع حبيب بن مسلمة فمروا بالكهف فإذا فيه عظام فقال رجل: هذه عظام أهل الكهف فقال ابن عبّاس ذهبت عظامهم أكثر من ثلاثمائة سنة الحديث.

و تزيد هذه الرواية إشكالاً أنّ قوله: ذهبت عظامهم إلخ يؤدّي إلى وقوع القصّة في أوائل التاريخ الميلادي أو قبله فتخالف حينئذ عامّة الروايات إلّا ما تقول إنّهم كانوا قبل المسيح.

و منها ما في قوله:( فقال بعضهم: يوماً و قال بعضهم: يومين) إلخ و الّذي وقع في القرآن:( قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ ) و هو المعقول الموافق للاعتبار من قوم ناموا ثمّ انتبهوا و تكلّموا في مدّة لبثهم أخذاً بشواهد الحال و أمّا احتمال اليومين و أزيد فممّا لا سبيل إليه و لا شاهد يشهد عليه عادة على أنّ اختلافهم في تشخيص مدّة اللبث لم يكن من الاختلاف المذموم

٣٠٧

الّذي هو اختلاف في العمل في شي‏ء حتّى يؤدّي إلى الهلاك فينهى عنه و إنّما هو اختلاف في النظر و لا مناص.

و منها ما في آخرها أنّه دخل فلم يدروا أين ذهب؟ و عمّي عليهم إلخ كأنّ المراد به ما في بعض الروايات أنّ باب الكهف غاب عن أنظارهم بأن مسحه الله و عفاه، و لا يلائم ذلك ما في صدر الرواية أنّه كان ظاهراً معروفاً في تلك الديار فهل مسحه الله لذلك الملك و أصحابه ثمّ أظهره للناس؟.

و ما في صدر الرواية من قول ابن عبّاس( إنّ الرقيم لوح من رصاص مكتوب فيه أسماؤهم) روى ما في معناه العيّاشيّ في تفسيره، عن أحمد بن عليّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام و قد روي في روايات اُخرى عن ابن عبّاس إنكاره كما في الدرّ المنثور، عن سعيد بن منصور و عبدالرزّاق و الفريابي و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و الزجّاجيّ في أماليه و ابن مردويه عن ابن عبّاس قال: لا أدري ما الرقيم؟ و سألت كعبا فقال: اسم القرية الّتي خرجوا منها.

و فيه، أيضاً عن عبدالرزّاق عن ابن عبّاس قال: كلّ القرآن أعلمه إلّا أربعاً: غسلين(١) و حنانا و أوّاه و رقيم.

و في تفسير القمّيّ: في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله تعالى:( لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً ) يعني جورا على الله إن قلنا له شريك.

و في تفسير العيّاشيّ، عن محمّد بن سنان عن البطّيخيّ عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول الله:( لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَ لَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً ) قال: إنّ ذلك لم يعن به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما عني به المؤمنون بعضهم لبعض لكنّه حالهم الّتي هم عليها.

و في تفسير روح المعاني، أسماؤهم على ما صحّ عن ابن عبّاس: مكسلمينا و يمليخا و مرطولس و ثبيونس و دردونس و كفاشيطيطوس و منطنواسيس و هو الراعي و الكلب اسمه قطمير.

____________________

(١) اختلاف إعراب الكلمات من جهة حكاية لفظ القرآن.

٣٠٨

قال: و روي عن عليّ كرّم الله وجهه: أنّ أسماءهم: يمليخا و مكسلينيا و مسلينيا و هؤلاء أصحاب يمين الملك، و مرنوش و دبرنوش و شاذنوش، و هؤلاء أصحاب يساره، و كان يستشير الستّة و السابع الراعي‏ و لم يذكر في هذه الرواية اسمه و ذكر فيها أنّ اسم كلبهم قطمير.

قال: و في صحّة نسبة هذه الرواية لعليّ كرّم الله وجه مقال و ذكر العلّامة السيوطيّ في حواشي البيضاويّ، أنّ الطبرانيّ روى ذلك عن ابن عبّاس في معجمه الأوسط، بإسناد صحيح، و الّذي في الدرّ المنثور، رواية الطبرانيّ في الأوسط بإسناد صحيح ما قدّمناه عن ابن عبّاس.

قال: و قد سمّوا في بعض الروايات بغير هذه الأسماء، و ذكر الحافظ ابن حجر في شرح البخاريّ، أنّ في النطق بأسمائهم اختلافاً كثيراً و لا يقع الوثوق من ضبطها، و في البحر، أنّ أسماء أصحاب الكهف أعجميّة لا تنضبط بشكل و لا نقط و السند في معرفتها ضعيف انتهى كلامه(١) .

____________________

(١) الروايات في قصّة أصحاب الكهف - على ما لخصه بعض علماء الغرب - أربع و هي مشتركة في أصل القصّة مختلفة في خصوصيّاتها:

١- الرواية السريانيّة و أقدم ما يوجد منها ما ذكره Jrmes of Sarug (المتوفّى سنة ٥٢١ م).

٢- الرواية اليونانيّة و تنتهي إلى القرن العاشر الميلاديّ عن Symeon Meta phrastos .

٣- الرواية اللاتينيّة و هي مأخوذة من السريانيّة عن Gregory of tours .

٤- الرواية الإسلاميّة و تنتهي إلى السريانيّة.

و هناك روايات واردة في المتون القبطيّة و الحبشيّة و الأرمنيّة و تنتهي جميعاً إلى السريانيّة، و أسماء أصحاب الكهف في الروايات الإسلاميّة مأخوذة من روايات غيرهم. و قد ذكر أنّ بعض هذه الأسماء كانت أسماءهم قبل التنصر و التعميد.

و هذه أساميهم باليونانيّة و السريانيّة:

مكس منيانوس

١- Maximilianos

اميلخوس - مليخا

٢- Iamblichos

مرتيانوس - مرطلوس - مرطولس

٣- Martinos - (Martelos)

ذوانيوس - دوانيوس - دنياسيوس

٤- Dionysios

ينيوس - يوانيس - نواسيس

٥- Joannes

٣٠٩

و الرواية الّتي نسبها إلى عليّعليه‌السلام هي الّتي رواها الثعلبي في العرائس، و الديلميّ في كتابه مرفوعة و فيها أعاجيب.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أصحاب الكهف أعوان المهديّ.

و في البرهان، عن ابن الفارسيّ قال الصادقعليه‌السلام يخرج للقائمعليه‌السلام من ظهر الكعبة سبعة و عشرون رجلاً من قوم موسى الّذين كانوا يهدون بالحقّ و به يعدلون و سبعة من أهل الكهف و يوشع بن نون، و أبو دجّانة الأنصاريّ، و مقداد بن الأسود و مالك الأشتر فيكونون بين يديه أنصاراً و حكاماً.

____________________

اكساكدثودنيانوس - كسقسططيونس - اكسقوسطط كشنوطط

٦- Exakoustodianos

انطوس (افطونس) - اندونيوس - انطينوس

٧- Antonios

قطمير

و أسماؤهم باللاتينيّة:

Koimeterion

مكس ميانوس

١- Maximianus

امليخوس

٢- Malchus

مرتيانوس

٣- Martinianus

ذيووانيوس

٤- Dionysius

ينيوس

٥- Johannes

قسطنطيوس

٦- Constantinus

ساريبوس - ساريبون

٧- Serapion

و ذكر Gregory أنّ أسماءهم قبل التنصر هي:

ارشليدس - ارخليدس

١- Achilles

ديوماديوس

٢- Diomedes

اوخانيوس

٣- Eugenius

استفانوس - اساطونس

٤- Stephanus

ابروفاديوس

٥- Probatius

صامنديوس

٦- Sabbatius

كيوياكوس

٧- Kyriakos

و يرى بعضهم أنّ الأسماء العربيّة مأخوذة عن القبطيّة المأخوذة عن السريانيّة.

٣١٠

و في تفسير العيّاشيّ، عن عبدالله بن ميمون عن أبي عبداللهعليه‌السلام عن أبيه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام قال: إذا حلف رجل بالله فله ثنياها إلى أربعين يوماً و ذلك أنّ قوماً من اليهود سألوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن شي‏ء فقال: ائتوني غدا - و لم يستثن - حتّى اُخبركم فاحتبس عنه جبرئيل أربعين يوماً ثمّ أتاه و قال:( وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ‏ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ ) .

أقول: الثنيا بالضمّ فالسكون مقصوراً اسم الاستثناء و في هذا المعنى روايات اُخر عن الصادقينعليهما‌السلام و الظاهر من بعضها أنّ المراد بالحلف بتّ الكلام و تأكيده كما يلوّح إليه استشهادهعليه‌السلام في هذه الرواية بقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و أمّا البحث في تقييد اليمين به بعد انعقاده و وقوع الحنث معه و عدمه فموكول إلى الفقه.

( كلام حول قصّة أصحاب الكهف في فصول)

١- الروايات: وردت قصّة الكهف مفصلة كاملة في عدّة روايات عن الصحابة و التابعين و أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام كرواية القمّيّ و رواية ابن عبّاس و رواية عكرمة و رواية مجاهد و قد أوردها في الدرّ المنثور، و رواية ابن إسحاق في العرائس، و قد أوردها في البرهان، و رواية وهب بن منبّه و قد أوردها في الدرّ المنثور، و في الكامل، من غير نسبة و رواية النعمان بن بشير في أصحاب الرقيم و قد أوردها في الدرّ المنثور.

و هذه الروايات - و قد أوردنا في البحث الروائيّ السابق بعضها و أشرنا إلى بعضها الآخر - من الاختلاف في متونها بحيث لا تكاد تتّفق في جهة بارزة من جهات القصّة، و أمّا الروايات الواردة في بعض جهات القصّة كالمتعرّضة لزمان قيامهم و الملك الّذي قاموا في عهده و نسبهم و سمتهم و أسمائهم و وجه تسميتهم بأصحاب الرقيم إلى غير ذلك من جزئيّات القصّة فالاختلاف فيها أشدّ و الحصول فيها على ما تطمئنّ إليه النفس أصعب.

و السبب العمدة في اختلاف هذه الأحاديث مضافاً إلى ما تطرّق إلى أمثال هذه الروايات من الوضع و الدسّ أمران.

٣١١

أحدهما: أنّ القصّة ممّا اعتنت به أهل الكتاب كما يستفاد من رواياتها أنّ قريشاً تلقّتها عنهم و سألوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها بل يستفاد من التماثيل و قد ذكرها أهل التاريخ عن النصارى و من الصور الموجودة في كهوف شتّى في بقاع الأرض المختلفة من آسيا و اُوربا و إفريقا أنّ القصّة اكتسبت بعد شهرة عالميّة، و من شأن القصص الّتي كذلك أن تتجلّى لكلّ قوم في صورة تلائم ما عندهم من الآراء و العقائد و تختلف رواياتها.

ثمّ إنّ المسلمين بالغوا في أخذ الرواية و ضبطها و توسّعوا فيه و أخذوا ما عند غيرهم كما أخذوا ما عند أنفسهم و خاصّة و قد اختلط بهم قوم من علماء أهل الكتاب دخلوا في الإسلام كوهب بن منبّه و كعب الأحبار و أخذ عنهم الصحابة و التابعون كثيراً من أخبار السابقين ثمّ أخذ الخلف عن السلف و عاملوا مع رواياتهم معاملة الأخبار الموقوفة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكانت بلوى.

و ثانيهما: أنّ دأب كلامه تعالى فيما يورده من القصص أن يقتصر على مختارات من نكاتها المهمّة المؤثّرة في إيفاء الغرض من غير أن يبسط القول بذكر متنها بالاستيفاء و التعرّض لجميع جهاتها و الأوضاع و الأحوال المقارنة لها فما كتاب الله بكتاب تاريخ و إنّما هو كتاب هدى.

و هذا من أوضح ما يعثر عليه المتدبّر في القصص المذكورة في كلامه تعالى كالّذي ورد فيه من قصّة أصحاب الكهف و الرقيم فقد أورد أوّلاً شطراً من محاورتهم يشير إلى معنى قيامهم لله و ثباتهم على كلمة الحقّ و اعتزالهم الناس إثر ذلك و دخولهم الكهف و رقودهم فيه و كلبهم معهم دهراً طويلاً ثمّ يذكر بعثهم من الرقدة و محاورة ثانية لهم هي المؤدّية إلى انكشاف حالهم و ظهور أمرهم للناس. ثمّ يذكر إعثار الناس عليهم بما يشير إلى توفيهم ثانياً بعد حصول الغرض الإلهيّ و ما صنع بعد ذلك من اتّخاذ مسجد عليهم هذا هو الّذي جرى عليه كلامه تعالى.

و قد أضرب عن ذكر أسمائهم و أنسابهم و موالدهم و كيفيّة نشأتهم و ما اتّخذوه لأنفسهم من المشاغل و موقعهم من مجتمعهم و زمان قيامهم و اعتزالهم و اسم

٣١٢

الملك الّذي هربوا منه و المدينة الّتي خرجوا منها و القوم الّذين كانوا فيهم و اسم الكلب الّذي لازمهم و هل كان كلب صيد لهم أو كلب غنم للراعي؟ و ما لونه؟ - و قد أمعن فيه الروايات - إلى غير ذلك من الاُمور الّتي لا يتوقّف غرض الهداية على العلم بشي‏ء منها كما يتوقّف عليه غرض البحث التاريخيّ.

ثمّ إنّ المفسّرين من السلف لمّا أخذوا في البحث عن آيات القصص راموا بيان اتّصال الآيات بضمّ المتروك من أطراف القصص إلى المختار المأخوذ منها لتصاغ بذلك قصّة كاملة الأجزاء مستوفاة الأطراف فأدى اختلاف أنظارهم إلى اختلاف يشابه اختلاف النقل فآل الأمر إلى ما نشاهده.

٢- قصّة أصحاب الكهف في القرآن: و قد قال تعالى مخاطباً لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وَ لا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً ) كانت أصحاب الكهف و الرقيم فتية نشأوا في مجتمع مشرك لا يرى إلّا عبادة الأوثان فتسرّب في المجتمع دين التوحيد فآمن بالله قوم منهم فأنكروا عليهم ذلك و قابلوهم بالتشديد و التضييق و الفتنة و العذاب، و أجبروهم على عبادة الأوثان و رفض دين التوحيد فمن عاد إلى ملّتهم تركوه و من أصرّ على المخالفة قتلوه شرّ قتلة.

و كانت الفتية ممّن آمن بالله إيماناً على بصيرة فزادهم الله هدى على هداهم و أفاض عليهم المعرفة و الحكمة و كشف بما آتاهم من النور عمّا يهمّهم من الأمر و ربط على قلوبهم فلم يخشوا إلّا الله و لا أوحشهم ما يستقبلهم من الحوادث و المكاره فعلموا أنّهم لو أداموا المكث في مجتمعهم الجاهل المتحكّم لم يسعهم دون أن يسيروا بسيرتهم فلا يتفوّهوا بكلمة الحقّ و لا يتشرّعوا بشريعة الحقّ و علموا أنّ سبيلهم أن يقوموا على التوحيد و رفض الشرك ثمّ اعتزال القوم، و علموا أن لو اعتزلوهم و دخلوا الكهف أنجاهم الله ممّا هم فيه من البلاء.

فقاموا و قالوا ردّاً على القوم في اقتراحهم و تحكّمهم:( ربّنا ربّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتّخذوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللهِ كَذِباً ) .

٣١٣

ثمّ قالوا:( وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَ ما يَعْبُدُونَ إلّا اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ ربّكم مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً ) .

ثمّ دخلوا الكهف و استقرّوا على فجوة منه و كلبهم باسط ذراعيه بالوصيد فدعوا ربّهم بما تفرّسوا من قبل أنّه سيفعل بهم ذلك فقالوا: ربّنا آتنا من لدنك رحمة و هيّئ لنا من أمرنا رشداً فضرب الله على آذانهم في الكهف سنين و لبثوا في كهفهم - و كلبهم معهم - ثلاثمائة سنين و ازدادوا تسعاً و ترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين و إذا غربت تقرضهم ذات الشمال و هم في فجوة منه و تحسبهم أيقاظاً و هم رقود و يقلّبهم الله ذات اليمين و ذات الشمال و كلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطّلعت عليهم لولّيت منهم فراراً و لملئت منهم رعباً.

ثمّ إنّ الله بعثهم بعد هذا الدهر الطويل و هو ثلاثمائة و تسع سنين من يوم دخلوا الكهف ليريهم كيف نجّاهم من قومهم فاستيقظوا جميعاً و وجدوا أنّ الشمس تغيّر موقعها و فيهم شي‏ء من لوثة نومهم الثقيل قال قائل منهم: كم لبثتم؟ قال قوم منهم: لبثنا يوماً أو بعض يوم لما وجدوا من تغيّر موقع الشعاع و تردّدوا هل مرّت عليهم ليلة أو لا؟ و قال آخرون منهم: بل ربّكم أعلم بما لبثتم ثمّ قال: فابعثوا بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيّها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه فإنّكم جياع و ليتلطّف الذاهب منكم إلى المدينة في مسيره إليها و شرائه الطعام و لا يشعرنّ بكم أحداً إنّهم إن علموا بمكانكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملّتهم و لن تفلحوا إذا أبداً.

و هذا أوان أن يعثر الله سبحانه الناس عليهم فإنّ القوم الّذين اعتزلوهم و فارقوهم يوم دخلوا الكهف قد انقرضوا و ذهب الله بهم و بملكهم و ملّتهم و جاء بقوم آخرين الغلبة فيهم لأهل التوحيد و السلطان و قد اختلفوا أعني أهل التوحيد و غيرهم في أمر المعاد فأراد الله سبحانه أن يظهر لهم آية في ذلك فأعثرهم على أصحاب الكهف.

فخرج المبعوث من الفتية و أتى المدينة و هو يظنّ أنّها الّتي فارقها البارحة لكنّه وجد المدينة قد تغيّرت بما لا يعهد مثله في يوم و لا في عمر و الناس غير الناس و الأوضاع

٣١٤

و الأحوال غير ما كان يشاهده بالأمس فلم يزل على حيرة من الأمر حتّى أراد أن يشتري طعاماً بما عنده من الورق و هي يومئذ من الورق الرائجة قبل ثلاثة قرون فأخذت المشاجرة فيها و لم تلبث دون أن كشفت عن أمر عجيب و هو أنّ الفتى ممّن كانوا يعيشون هناك قبل ذلك بثلاثة قرون، و هو أحد الفتية كانوا في مجتمع مشرك ظالم فهجروا الوطن و اعتزلوا الناس صونا لإيمانهم و دخلوا الكهف فأنامهم الله هذا الدهر الطويل ثمّ بعثهم، و ها هم الآن في الكهف في انتظار هذا الّذي بعثوه إلى المدينة ليشتري لهم طعاماً يتغذّون به.

فشاع الخبر في المدينة لساعته و اجتمع جمّ غفير من أهلها فساروا إلى الكهف و معهم الفتى المبعوث من أصحاب الكهف فشاهدوا ما فيه تصديق الفتى فيما أخبرهم من نبإ رفقته و ظهرت لهم الآية الإلهيّة في أمر المعاد.

و لم يلبث أصحاب الكهف بعد بعثهم كثيراً دون أن توفّاهم الله سبحانه و عند ذلك اختلف المجتمعون على باب الكهف من أهل المدينة ثانياً فقال المشركون منهم: ابنوا عليهم بنياناً ربّهم أعلم بهم قال الّذين غلبوا على أمرهم و هم الموحّدون لنتّخذنّ عليهم مسجداً.

٣- القصّة عند غير المسلمين: معظم أهل الرواية و التاريخ على أنّ القصّة وقعت في الفترة بين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و بين المسيحعليه‌السلام و لذلك لم يرد ذكرها في كتب العهدين و لم يعتوره اليهود و إن اشتملت عدّة من الروايات على أنّ قريشاً تلقّت القصّة من اليهود، و إنّما اهتمّ بها النصارى و اعتوروها قديماً و حديثاً، و ما نقل عنهم في القصّة قريب ممّا أورده ابن إسحاق في العرائس، عن ابن عبّاس غير أنّهم يختلف رواياتهم عن روايات المسلمين في اُمور:.

أحدها: أنّ المصادر السريانيّة تذكر عدد أصحاب الكهف ثمانية في حين يذكره المسلمون و كذا المصادر اليونانيّة و الغربيّة سبعة.

ثانيها: أنّ قصّتهم خالية من ذكر كلب أصحاب الكهف.

ثالثها: أنّهم ذكروا أنّ مدّة لبث أصحاب الكهف فيه مائتا سنة أو أقلّ

٣١٥

و المسلمون يذكر معظمهم أنّه ثلاثمائة و تسع سنين على ما هو ظاهر القرآن الكريم و السبب في تحديدهم ذلك أنّهم ذكروا أنّ الطاغية الّذي كان يجبر الناس على عبادة الأصنام و قد هرب منه الفتية هو دقيوس الملك ٢٤٩ - ٢٥١ و قد استيقظ أهل الكهف على ما ذكروا سنة ٤٢٥ م أو سنة ٤٣٧ أو سنة ٤٣٩ م فلا يبقى للبثهم في الكهف إلّا مائتا سنة أو أقلّ و أوّل من ذكره من مورّخيهم على ما يذكر هو( جيمس) الساروغي السريانيّ الّذي ولد سنة ٤٥١ م و مات سنة ٥٢١ م ثمّ أخذ عنه الآخرون و للكلام تتمّة ستوافيك.

٤- أين كهف أصحاب الكهف؟ عثر في مختلف بقاع الأرض على عدّة من الكهوف و الغيران و على جدرانها تماثيل رجال ثلاثة أو خمسة أو سبعة و معهم كلب و في بعضها بين أيديهم قربان يقرّبونه، و يتمثّل عند الإنسان المطّلع عليها قصص أصحاب الكهف و يقرّب من الظنّ أنّ هذه النقوش و التماثيل إشارة إلى قصّة الفتية و أنّها انتشرت و ذاعت بعد وقوعها في الأقطار فاُخذت ذكرى يتذكّر بها الرهبان و المتجرّدون للعبادة في هذه الكهوف.

و أمّا الكهف الّذي التجأ إليه و استخفى فيه أهل الكهف فجرى عليهم ما جرى فالناس فيه في اختلاف و قد ادّعي ذلك في عدّة مواضع:

أحدها: كهف إفسوس و إفسوس(١) هذا مدينة خربة أثريّة واقعة في تركيا على مسافة ٧٣ كيلومتراً من بلدة إزمير، و الكهف على مساحة كيلومتر واحد أو أقلّ من إفسوس بقرب قرية( اياصولوك) بسفح جبل( ينايرداغ) .

و هو كهف وسيع فيه - على ما يقال - مات من القبور مبنيّة من الطوب و هو في سفح الجبل و بابه متّجه نحو الجهة الشماليّة الشرقيّة و ليس عنده أثر من مسجد أو صومعة أو كنيسة، و هذا الكهف هو الأعرف عند النصارى، و قد ورد ذكره في عدّة من روايات المسلمين.

و هذا الكهف على الرغم من شهرته البالغة - لا ينطبق عليه ما ورد في الكتاب‏

____________________

(١) بكسر الهمزة و الفاء و قد ضبطه في مراصد الاطلاع بالضمّ فالسكون و لعلّه سهو.

٣١٦

العزيز من المشخّصات.

أمّا أوّلاً: فقد قال تعالى:( وَ تَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَ إِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ ) و هو صريح في أنّ الشمس يقع شعاعها عند الطلوع على جهة اليمين من الكهف و عند الغروب على الجانب الشماليّ منه، و يلزمه أن يواجه باب الكهف جهة الجنوب، و باب الكهف الّذي في أفسوس متّجه نحو الشمال الشرقيّ.

و هذا الأمر أعني كون باب كهف إفسوس متّجها نحو الشمال و ما ورد من مشخّص إصابة الشمس منه طلوعاً و غروباً هو الّذي دعا المفسّرين إلى أن يعتبروا يمين الكهف و يساره بالنسبة إلى الداخل فيه لا الخارج منه مع أنّه المعروف المعمول - كما تقدّم في تفسير الآية - قال البيضاويّ في تفسيره: إنّ باب الكهف في مقابلة بنات النعش، و أقرب المشارق و المغارب إلى محاذاته مشرق رأس السرطان و مغربه و الشمس إذا كان مدارها مداره تطلع مائلة عنه مقابلة لجانبه الأيمن و هو الّذي يلي المغرب، و تغرب محاذية لجانبه الأيسر فيقع شعاعها على جانبه و يحلّل عفونته و يعدّل هواءه و لا يقع عليهم فيؤذي أجسادهم و يبلي ثيابهم. انتهى و نحو منه ما ذكره غيره.

على أنّ مقابلة الباب للشمال الشرقيّ لا للقطب الشماليّ و بنات النعش كما ذكروه تستلزم عدم انطباق الوصف حتّى على الاعتبار الّذي اعتبروه فإنّ شعاع الشمس حينئذ يقع على الجانب الغربيّ الّذي يلي الباب عند طلوعها و أمّا عند الغروب فالباب و ما حوله مغمور تحت الظلّ و قد زال الشعاع بعيد زوال الشمس و انبسط الظلّ.

اللهم إلّا أن يدّعى أنّ المراد بقوله:( وَ إِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ ) عدم وقوع الشعاع أو وقوعه خلفهم لا على يسارهم هذا.

و أمّا ثانياً: فلأنّ قوله تعالى:( وَ هُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ) أي في مرتفع منه و لا فجوة في كهف إفسوس - على ما يقال - و هذا مبنيّ على كون الفجوة بمعنى المرتفع و هو

٣١٧

غير مسلّم و قد تقدّم أنّها بمعنى الساحة.

و أمّا ثالثاً: فلأنّ قوله تعالى:( قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى‏ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً ) ظاهر في أنّهم بنوا على الكهف مسجداً، و لا أثر عند كهف أفسوس من مسجد أو صومعة أو نحوهما و أقرب ما هناك كنيسة على مسافة ثلاث كيلومترات تقريباً و لا جهة تربطها بالكهف أصلاً.

على أنّه ليس هناك شي‏ء من رقيم أو كتابة أو أمر آخر يشهد و لو بعض الشهادة على كون بعض هاتيك القبور و هي مآت هي قبور أصحاب الكهف أو أنّهم لبثوا هناك صفة من الدهر راقدين ثمّ بعثهم الله ثمّ توفّاهم.

الكهف الثاني: كهف رجيب و هذا الكهف واقع على مسافة ثمانية كيلومترات من مدينة عمّان عاصمة الاُردن بالقرب من قرية تسمّى رجيب و الكهف في جبل محفوراً على الصخرة في السفح الجنوبيّ منه، و أطرافه من الجانبين الشرقيّ و الغربيّ مفتوحة يقع عليه شعاع الشمس منها، و باب الكهف يقابل جهة الجنوب و في داخل الكهف صفّة صغيرة تقرب من ثلاثة أمتار في مترين و نصف على جانب من سطح الكهف المعادل لثلاثة في ثلاثة تقريباً و في الغار عدّة قبور على هيئة النواويس البيزنطيّة كأنّها ثمانية أو سبعة.

و على الجدران نقوش و خطوط باليونانيّ القديم و الثموديّ منمحية لا تقرء و أيضاً صورة كلب مصبوغة بالحمرة و زخارف و تزويقات اُخرى.

و فوق الغار آثار صومعة بيزنطيّة تدلّ النقود و الآثار الاُخرى المكتشفة فيها على كونها مبنيّة في زمان الملك جوستينوس الأوّل ٤١٨ - ٤٢٧ و آثار اُخرى على أنّ الصومعة بدّلت ثانياً بعد استيلاء المسلمين على الأرض مسجدا إسلامياً مشتملاً على المحراب و المأذنة و الميضاة، و في الساحة المقابلة لباب الكهف آثار مسجد آخر بناه المسلمون في صدر الإسلام ثمّ عمّروها و شيّدوها مرّة بعد مرّة، و هو مبنيّ على إنقاض كنيسة بيزنطيّة كما أنّ المسجد الّذي فوق الكهف كذلك.

٣١٨

و كان هذا الكهف على الرغم من اهتمام الناس بشأنه و عنايتهم بأمره كما يكشف عنه الآثار - متروكاً منسيّاً و بمرور الزمان خربة و ردماً متهدّماً حتّى اهتمّت دائرة الآثار الاُردنيّة أخيراً(١) بالحفر و التنقيب فيه فاكتشفته فظهر ثانياً

____________________

(١) و قد وقع هذا الحفر و الاكتشاف سنة ١٩٦٣ م المطابقة ١٣٤٢ ه ش و ألف في ذلك متصديه الأثري الفاضل ( رفيق وفا الدجاني ) كتاباً سمّاه ( اكتشاف كهف أهل الكهف ) نشره سنة ١٩٦٤ م يفصل القول فيه في مساعي الدائرة و ما عاناه في البحث و التنقيب، و يصف فيه خصوصيّات حصل عليها في هذا الكهف، و الآثار الّتي اكتشفت ممّا يؤيد كون هذا الكهف هو كهف أصحاب الكهف الّذي ورد ذكره في الكتاب العزيز، و يذكر انطباق الأمارات المذكورة فيه و سائر العلائم الّتي وجدت هناك على هذا الكهف دون كهف إفسوس و الّذي في دمشق أو البتراء أو إسكاندنافيّة.

و قد استقرب فيه أنّ الطاغية الّذي هرب منه أصحاب الكهف فدخلوا الكهف هو( طراجان الملك ٩٨ - ١١٧ م) لادقيوس الملك ٢٤٩ - ٢٥١ م الّذي ذكره المسيحيّون و بعض المسلمين و لا دقيانوس الملك ٢٨٥ - ٣٠٥ الّذي ذكره بعض اُخر من المسلمين في رواياتهم.

و استدلّ عليه بأنّ الملك الصالح الّذي بعث الله أصحاب الكهف في زمانه هو( ثئودوسيوس) الملك ٤٠٨ - ٤٥٠ بإجماع مؤرخي المسيحيّين و المسلمين و إذا طرحنا زمان الفترة الّذي ذكره القرآن لنوم أهل الكهف و هي ٣٠٩ سنين من متوسّط حكم هذا الملك الصالح و هو ٤٢١ بقي ١١٢ سنة و صادف زمان حكم طراجان الملك و قد أصدر طراجان في هذه السنة مرسوماً يقضي أن كلّ عيسوي يرفض عبادة الآلهة يحاكم كخائن للدولة و يعرض للموت.

و بهذا الوجه يندفع اعتراض بعض مؤرخي المسيحيّين كجيبون في كتاب( انحطاط و سقوط الإمبراطوريّة الروميّة ) على زمان لبث الفتية ٣٠٩ سنين المذكورة في القرآن بأنّه لا يوافق ما ضبطه و أثبته التاريخ أنّهم بعثوا في زمن حكم الملك الصالح ثئودوسيوس ٤٠٨ - ٤٥١ م و قد دخلوا الكهف في زمن حكم دقيوس ٢٤٩ - ٢٥١ م و الفصل بين الحكمين مائتا سنة أو أقلّ و هذا منه شكر الله سعيه استدلال وجيه بيد أنّه يتوجّه عليه اُمور:

منها: طرحه ٣٠٩ سنين المذكورة في القرآن و هي سنون قمريّة على الظاهر و كان ينبغي أن يعتبرها ٣٠٠ سنة لتكون شمسيّة فيطرحها من ٤٣٠ متوسّط سني حكم الملك الصالح.

و منها: أنّه ذكر إجماع المؤرخين من المسلمين و المسيحيّين على ظهور أمر الفتية في زمن حكم ثئودوسيوس و لا إجماع هناك مع سكوت أكثر رواياتهم عن تسمية هذا الملك الصالح و لم يذكره باسمه إلّا قليل منهم و لعلّهم أخذوا ذلك من مؤرخي المسيحيّين و لعلّ ذلك حدس منهم عمّا ينسب إلى جيمس الساروغي ٤٥٢ - ٥٢١ م أنّه ذكر القصّة في كتاب له ألفه سنة ٤٧٤ فطبقوا الملك على ثئودوسيوس على أن مثل هذا الإجماع إجماعهم المركب على أن طاغيتهم إمّا

٣١٩

بعد خفائه قروناً، و قامت عدّة من الأمارات و الشواهد الأثريّة على كونه هو كهف أصحاب الكهف المذكورين في القرآن.

و قد ورد كون كهف أصحاب الكهف بعمّان في بعض روايات المسلمين كما أشرنا إليه فيما تقدّم و ذكره الياقوت في معجم البلدان و أنّ الرقيم اسم قرية بالقرب من عمّان كان فيها قصر ليزيد بن عبد الملك و قصر آخر في قرية اُخرى قريبة منها تسمّى الموقّر و إليهما يشير الشاعر بقوله:

يزرن على تنانيه يزيدا

بأكناف الموقّر و الرقيم

و بلدة عمّان أيضاً مبنيّة في موضع مدينة( فيلادلفيا) الّتي كانت من أشهر مدن عصرها و أجملها قبل ظهور الدعوة الإسلاميّة و كانت هي و ما والاها تحت استيلاء الروم منذ أوائل القرن الثاني الميلاديّ حتّى فتح المسلمون الأرض المقدّسة.

و الحقّ أنّ مشخّصات كهف أهل الكهف أوضح انطباقاً على هذا الكهف من غيره.

و الكهف الثالث: كهف بجبل قاسيون بالقرب من الصالحيّة بدمشق الشام ينسب إلى أصحاب الكهف.

و الكهف الرابع: كهف بالبتراء من بلاد فلسطين ينسبونه إلى أصحاب الكهف.

و الكهف الخامس: كهف اكتشف - على ما قيل - في شبه جزيرة إسكاندنافية

____________________

دقيوس أو دقيانوس فإنّه ينفي على أيّ حال كونه هو( طراجان) .

و منها: أنّه ذكر أنّ الصومعة الّتي على الكهف تدلّ البيّنات الأثرية على كونها مبنية في زمن جستينوس الأوّل ٥١٨ - ٥٢٧ م و لازم ذلك أن يكون بناؤها بعد مائة سنة تقريباً من ظهور أمر الفتية، و ظاهر الكتاب العزيز أن بناءها مقارن لزمان إعثار الناس عليهم، و على هذا ينبغي أن يعتقد أن بناءها بناء مجدّد ما هو بالبناء الأوليّ عند ظهور أمرهم.

و بعد هذا كلّه فالمشخّصات الّتي وردت في القرآن الكريم للكهف أوضح انطباقاً على كهف الرجيب من غيره.

٣٢٠