الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٣

الميزان في تفسير القرآن13%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 443

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 443 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 111419 / تحميل: 6252
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٣

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

والضابط ما ذكرناه من اعتبار الاسم كالمقيس عليه ، وعلف الاُمّهات لا يسري إلى الأولاد.

ويبعد ما قيل في غنم مكّة ، لأنّها لو كانت متولّدة من جنسين لم يكن لها نسل كالسِّمع المتولّد من الذئب والضبع(١) ، وكالبغال.

وقال الشافعي : لا تجب سواء كانت الاُمّهات من الظباء أو الغنم ، لأنّه متولّد من وحشي أشبه المتولّد من وحشيّين.

ولأنّ الوجوب إنّما يثبت بنصّ أو إجماع أو قياس ، والكلّ منفي هنا ، لاختصاص النصّ والإِجماع بالإِيجاب في بهيمة الأنعام من الأزواج الثمانية وليست هذه داخلة في اسمها ولا حكمها ولا حقيقتها ولا معناها ، فإنّ المتولّد بين شيئين ينفرد باسمه وجنسه وحكمه عنهما كالبغل فلا يتناوله النصّ ، ولا يمكن القياس ، لتباعد ما بينهما واختلاف حكمهما ، فإنه لا يجزئ في هدي ولا اُضحية ولا دية(٢) ، ولا نزاع معنا إذا لم يبق الاسم.

وقال أبو حنيفة ومالك : إن كانت الاُمّهات أهليةً وجبت الزكاة وإلّا فلا ، لأنّ ولد البهيمة يتبع اُمّه في الاسم والملك فيتبعها في الزكاة ، كما لو كانت الفحول معلوفةً(٣) . ونمنع التبعيّة في الاسم.

____________________

(١) اُنظر : الصحاح ٣ : ١٢٣٢.

(٢) المجموع ٥ : ٣٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٥ ، المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣٠ ، المغني ٢ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٥ ، المجموع ٥ : ٣٣٩ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٥.

٨١

الفصل الثالث

في زكاة الغنم‌

الزكاة واجبة في الغنم بإجماع علماء الإِسلام.

قالعليه‌السلام : ( كلّ صاحب غنم لا يؤدّي زكاتها بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر تمشي عليه فتطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها كلّما انقضى آخرها عاد أولها حتى يقضي الله بين الخلق في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة )(١) .

إذا ثبت هذا فإنّ شرائط الزكاة هنا كما هي في الإِبل والبقر بالإِجماع ، نعم تختلف في مقادير النصب ، والضأن والمعز جنس واحد بإجماع العلماء ، والظباء مخالف للغنم إجماعاً.

مسألة ٥٢ : أول نصاب الغنم : أربعون ، فلا زكاة فيما دونها‌ ، فإذا بلغت أربعين ففيها شاة.

الثاني : مائة وإحدى وعشرون فلا شي‌ء في الزائد على الأربعين حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين ففيه شاتان.

الثالث : مائتان وواحدة ، فلا زكاة في الزائد حتى تبلغ مائتين وواحدة ففيه ثلاث شياه ، والكلّ بالإِجماع.

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٦٨٢ / ٢٦ ، سنن أبي داود ٢ : ١٢٤ / ١٦٥٨ ، سنن البيهقي ٤ : ٨١.

٨٢

وحكي عن معاذ أنّ الفرض لا يتغيّر بعد المائة وإحدى وعشرين حتى تبلغ مائتين واثنتين وأربعين ليكون مثلَي مائة وإحدى وعشرين فيكون فيها ثلاث شياه(١) .

والإِجماع على خلافه ، على أنّ الراوي لها الشعبي وهو لم يلق معاذاً(٢) .

الرابع : ثلاثمائة وواحدة وفيه روايتان : إحداهما : أنّه كالثالث ثلاث شياه ، فلا يتغيّر الفرض بعد مائتين وواحدة حتى تبلغ أربعمائة فتجب في كلّ مائة شاة ، وبه قال المفيد والسيد المرتضى(٣) ، وهو قول أكثر الفقهاء ، والشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين(٤) .

لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتابه للسُّعاة : ( إنّ في الغنم السائمة إذا بلغت أربعين شاةٌ إلى مائة وعشرين ، فإذا زادت ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين ، فإذا زادت ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة ، فإذا زادت ففي كلّ مائةٍ شاة )(٥) .

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٦٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥.

(٢) معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن من أعيان الصحابة ، شهد بدراً وما بعدها ، مات بالشام سنة ١٨.

والشعبي هو : عامر بن شراحيل أبو عمرو ، مات بعد المائة وله نحو من ثمانين.

اُنظر : اُسد الغابة ٤ : ٣٧٨ ، الاستيعاب بهامش الإِصابة ٣ : ٣٥٥ - ٣٦٠ ، وتهذيب التهذيب ٥ : ٥٩ / ١١٠ و ١٠ : ١٧٠ / ٣٤٩.

(٣) المقنعة : ٣٩ ، جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ١٢٣.

(٤) المجموع ٥ : ٤١٧ - ٤١٨ ، فتح العزيز ٥ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٥٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٦ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٢ ، الشرح الصغير ١ : ٢٠٩ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٨ ، اللباب ١ : ١٤٢ ، المغني ٢ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥.

٨٣

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « ليس فيما دون الأربعين شي‌ء ، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة »(١) .

الثانية(٢) : أنّها إذا زادت على ثلاثمائة وواحدة ففيها أربع شياه ، ثم لا يتغيّر الفرض حتى تبلغ خمسمائة ، وهو اختيار الشيخ -(٣) رحمه‌الله - وأحمد في الرواية الاُخرى ، وبه قال النخعي والحسن بن صالح بن حي(٤) .

لقول الباقرعليه‌السلام في الشاة : « في كلّ أربعين شاةً شاةٌ ، وليس فيما دون الأربعين شاةً شي‌ء حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة ، فإذا زاد على عشرين ومائة ففيها شاتان ، وليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين ، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك ، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه ، ثم ليس فيها أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة ، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه ، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة ، فإن تمّت أربعمائة كان على كلّ مائة شاة شاة »(٥) .

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل ثلاثمائة حدّاً للوقص وغايةً له(٦) ؛

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٣ / ٦٢.

(٢) أي : الرواية الثانية.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٩ ، الخلاف ٢ : ٢١ ، المسألة ١٧.

(٤) المغني ٢ : ٤٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥١٥ - ٥١٦.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٢ / ٦١ ، وفيها عن الإِمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام .

(٦) اُنظر : سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٦.

٨٤

فتجب أن يتعقّبه النصاب كالمائتين.

إذا ثبت هذا ، فلا خلاف في أنّ في أربعمائة أربع شياه ، وفي خمسمائة خمس ، وهكذا بالغاً ما بلغت.

* * *

٨٥

الفصل الرابع

في الأشناق‌

الشّنق بفتح النون : ما بين الفرضين(١) ، والوقص قال الفقهاء : بسكون القاف(٢) .

وقال بعض أهل اللغة : بفتحه(٣) ، لأنّه يجمع على ( أوقاص ) و ( أفعال ) جمع ( فَعَلْ ) لا جمع ( فَعْلْ ) فإنّ ( فَعْلاً ) يجمع على ( أفْعُل ).

وقد جاء - كما قال الفقهاء - هول وأهوال ، وحوْل وأحوال ، وكبْر وأكبار ، وبالجملة فهو ما بين النصابين(٤) أيضاً.

قال الأصمعي : الشنق يختص بأوقاص الإِبل ، والوقص بالبقر والغنم(٥) .

وبعض الفقهاء يخصّ الوقص بالبقر أيضاً ، ويجعل ناقص الغنم والنقدين والغلّات عفواً ، وكلّ ذلك لفظي.

وقيل : الوقص ما بين الفرضين كما بين الثلاثين إلى الأربعين في البقر ،

____________________

(١) الصحاح ٤ : ١٥٠٣.

(٢) المجموع ٥ : ٣٩٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٤ : ١٩٣.

(٣ و ٤ ) الصحاح ٣ : ١٠٦١.

(٥) المجموع ٥ : ٣٩٢ ، وتهذيب الأسماء واللغات ٤ : ١٩٣.

٨٦

والشنق ما دون الفريضة كالأربع من الإِبل(١) .

مسألة ٥٣ : ما نقص عن النصاب الأول لا شي‌ء فيه‌ إجماعاً ، وكذا ما بين النصابين عند علمائنا ، وإنّما تتعلّق الزكاة بالنصاب خاصّة - وبه قال الشافعي في كتبه القديمة والجديدة ، وأبو حنيفة ، والمزني(٢) - لأنّه عدد ناقص عن نصاب إذا بلغه وجبت فيه الزكاة ، فلا تتعلّق به كالأربع.

ولقول الباقر والصادقعليهما‌السلام : « وليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شي‌ء حتى يبلغ أربعين - إلى أن قالاعليهما‌السلام - وليس على النيّف شي‌ء ، ولا على الكسور شي‌ء »(٣) .

وقال الشافعي في الإِملاء : تتعلّق الزكاة بالنصاب وبما زاد عليه من الوقص ، وبه قال محمد بن الحسن.

لقولهعليه‌السلام : ( فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض )(٤) .

ولأنّه حقّ يتعلّق بنصاب فوجب أن يتعلّق به وبما زاد عليه إذا وجد معه ولم ينفرد بحكم كالقطع في السرقة(٥) .

والنصّ أقوى من المفهوم والقياس.

فعلى قولنا ، لو ملك خمسين من الغنم وتلفت العشرة الزائدة قبل‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٤٥٤.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، المجموع ٥ : ٣٩١ و ٣٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٧ - ٣٨ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٩٩ ، اللباب ١ : ١٤١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٦ / ١٥٦٧ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ - ٦٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٤ / ١٧٩٩ ، سنن النسائي ٥ : ١٩ و ٢٨ ، مسند أحمد ١ : ١١ و ٢ : ١٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥.

(٥) فتح العزيز ٥ : ٥٤٨ و ٥٥٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨.

٨٧

التمكّن من الأداء بعد الحول لم يسقط هنا شي‌ء ، لأنّ التالف لم تتعلّق الزكاة به ، ولو تلف عشرون سقط ربع الشاة ، لأنّ الاعتبار بتلف جزء من النصاب ، وإنّما تلف من النصاب ربعه.

فروع :

أ - لو تلف بعض النصاب قبل الحول فلا زكاة ، وبعده وبعد إمكان الأداء يجب جميع الفرض ، لأنّه تلف بعد تفريطه في التأخير فضمن ، وإن تلف بعد الحول وقبل إمكان الأداء سقط عندنا من الزكاة بقدر التالف.

وللشافعي قولان بناءً على أنّ إمكان الأداء شرط في الوجوب أو الضمان ، فعلى الأول لا شي‌ء ، لنقصه قبل الوجوب(١) .

ب - لو كان معه تسع من الإِبل فتلف أربع قبل الحول أو بعده وبعد الإِمكان وجبت الشاة(٢) ، وبه قال الشافعي(٣) .

وإن كان بعد الحول وقبل الإِمكان فكذلك عندنا.

وعند الشافعي كذلك على تقدير أن يكون الإِمكان شرطاً في الوجوب ، لأنّ التالف قبل الوجوب إذا لم ينقص به النصاب لا حكم له ، وعلى تقدير أن يكون من شرائط الضمان فكذلك إن لم تتعلّق بمجموع النصاب والوقص ، وإن تعلّقت بهما سقط قدر الحصّة أربعة أتساع الشاة(٤) .

وقال بعضهم - على هذا التقدير - : لا يسقط شي‌ء ، لأنّ الزيادة لمـّا لم تكن شرطاً في وجوب الشاة لم يسقط شي‌ء بتلفها وإن تعلّقت بها ، كما لو شهد ثمانية بالزنا ورجع أربعة بعد قتله لم يجب عليهم شي‌ء ، ولو رجع خمسة وجب‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٣٧٥ ، الوجيز ١ : ٨٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٧ - ٥٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢.

(٢) في نسخة « ط » : الزكاة.

(٣ و ٤ ) المجموع ٥ : ٣٧٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

٨٨

عليهم الضمان ، لنقص ما بقي من العدد المشترط(١) .

ج - لو ذهب خمس من التسع قبل الحول فلا زكاة ، وإن كان بعده وقبل إمكان الأداء سقط خمس الشاة ، وبه قال الشافعي على تقدير أنّ الإِمكان من شرائط الضمان وتعلّق الزكاة بالنصاب.

وعلى تقدير كونه شرطاً في الوجوب فكقبل الحول لنقص النصاب قبل الوجوب.

وعلى تقدير كونه شرطاً في الضمان وتعلّق الزكاة بالمجموع تسقط خمسة أتساع الشاة(٢) .

د - لو كان معه خمس وعشرون وأوجبنا بنت المخاض فيه فتلف منها خمسة قبل إمكان الأداء وجب أربعة أخماس بنت مخاض - وبه قال الشافعي على تقدير كونه شرطاً في الضمان(٣) ، وأبو يوسف ومحمد(٤) - لأنّ الواجب بحؤول الحول بنت مخاض ، فإذا تلف البعض لم يتغيّر الفرض ، بل كان التالف منه ومن المساكين.

وقال أبو حنيفة : تجب أربع شياه(٥) . فجعل التالف كأنّه لم يكن.

قال الشيخ : لو كان معه ستّ وعشرون فهلك خمس قبل الإِمكان فقد هلك خُمس المال إلّا خُمس الخُمس فيكون عليه أربعة أخماس بنت مخاض إلّا أربعة أخماس خُمسها ، وعلى المساكين خُمس بنت مخاض إلّا أربعة أخماس خُمسها(٦) .

ه- حكم غير الإِبل حكمها في جميع ذلك ، فلو تلف من نصاب الغنم‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٣٧٥ و ٣٩٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

(٢) المجموع ٥ : ٣٧٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٤٩.

(٣) المجموع ٥ : ٣٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٨ - ٣٩.

(٤ و ٥ ) حلية العلماء ٣ : ٣٩.

(٦) المبسوط للطوسي ١ : ١٩٤‌

٨٩

شي‌ء سقط من الفريضة بنسبته.

وهل الشاتان في مجموع النصاب الثاني أو في كلّ واحد شاة؟

احتمالان(١) ، فعلى الأول لو تلف شي‌ء بعد الحول بغير تفريط نقص من الواجب في النصب بقدر التالف ، وعلى الثاني يوزّع على ما بقي من النصاب الذي وجب فيه التالف.

مسألة ٥٤ : لا تأثير للخلطة عندنا في الزكاة‌ سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف ، بل يزكّى كلٌّ منهما زكاة الانفراد ، فإن كان نصيب كلّ منهما نصاباً وجب عليه زكاة بانفراده.

وإن كان المال مشتركاً كما لو كانا مشتركين في ثمانين من الغنم بإرث أو شراء أو هبة فإنّه يجب على كلّ واحد منهما شاة بانفراده.

ولو كانا مشتركين في أربعين فلا زكاة هنا ، وبه قال أبو حنيفة والثوري(٢) ، لقولهعليه‌السلام : ( إذا لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فلا شي‌ء فيها )(٣) .

وقال : ( ليس على المرء في ما دون خمس ذود من الإِبل صدقة )(٤) ولم يفصّل.

وقالعليه‌السلام : « في أربعين شاةً شاةٌ »(٥) .

____________________

(١) ورد في النُسخ الخطية : احتمال. وما أثبتناه من الطبعة الحجرية هو الصحيح.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨٤ ، المجموع ٥ : ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٣.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، مسند أحمد ١ : ١٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٥ ، و ١٠٠ بتفاوت يسير.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٥ / ٩٨٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ / ٦٢٦ ، وسنن البيهقي ٤ : ٨٤ و ١٠٧ و ١٢٠.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ و ٥٧٨ / ١٨٠٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٨ / ١٥٦٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٧ / ٦٢١ ، وسنن البيهقي ٤ : ١١٦.

٩٠

فإذا ملكا ثمانين وجب شاتان.

ولأنّ ملك كلّ واحد منهما ناقص عن النصاب فلا تجب عليه الزكاة ، كما لو كان منفرداً.

وقال الشافعي : الخلطة في السائمة تجعل مال الرجلين كمال الرجل الواحد في الزكاة سواء كانت خلطة أعيان أو أوصاف بأن يكون ملك كلّ منهما متميّزاً عن الآخر ، وإنّما اجتمعت ماشيتهما في المرعى والمسرح - على ما يأتي(١) - سواء تساويا في الشركة أو اختلفا بأن يكون لرجل شاة ولآخر تسعة وثلاثون ، أو يكون لأربعين رجلاً أربعون شاةً لكلّ منهم شاة ، وبه قال عطاء والأوزاعي والليث وأحمد وإسحاق(٢) .

لقولهعليه‌السلام : ( لا يجمع بين متفرّق ولا يفرّق بين مجتمع )(٣) أراد إذا كان لجماعة لا يجمع بين متفرّق فإنّه إذا كان للواحد يجمع للزكاة وإن تفرّقت أماكنه ، وقوله : ( ولا يفرّق بين مجتمع ) يقتضي إذا كان لجماعة لا يفرّق ، ونحن نحمله على أنّه لا يجمع بين متفرّق في الملك ليؤخذ منه الزكاة زكاة رجل واحد فلا يفرّق بين مجتمع في الملك فإنّ الزكاة تجب على الواحد وإن تفرّقت أمواله.

وقال مالك : تصحّ الخلطة إذا كان مال كلّ واحد منهما نصاباً(٤) .

____________________

(١) يأتي في المسألة اللاحقة (٥٥).

(٢) المجموع ٥ : ٤٣٢ - ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٨٩ - ٣٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٦٠ - ٦١ ، الاُم ٢ : ١٤ ، مختصر المزني : ٤٣ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٤ ، سنن النسائي ٥ : ٢٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٦ / ١٨٠١ و ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ / ١٥٦٧ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٣ ، مسند أحمد ١ : ١٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٠٥.

(٤) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٣١ و ٣٣٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٧ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢ ، المجموع ٥ : ٤٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩١ ، المغني ٢ : ٤٧٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٧.

٩١

وحكى بعض الشافعيّة عن الشافعي وجها آخر : أنّ العبرة إنّما هي بخلطة الأعيان دون خلطة الأوصاف(١) .

مسألة ٥٥ : قد بيّنا أنّه لا اعتبار بالخلطة بنوعيها‌ - خلافاً للشافعي ومن تقدّم(٢) - فلا شرط عندنا وعند أبي حنيفة ، لعدم الحكم.

أمّا الشافعي فقد شرط فيها أموراً :

الأول : أن يكون مجموع المالين نصاباً.

الثاني : أن يكون الخليطان معاً من أهل فرض الزكاة ، فلو كان أحدهما ذمّيّاً أو مكاتباً لم تؤثّر الخلطة ، وزكّى المسلم والحرّ كما في حالة الانفراد ، وهذان شرطان عامّان ، وفي اشتراط دوام الخلطة السنة؟ ما يأتي.

وتختصّ خلطة الجوار باُمور :

الأول : اتّحاد المسرح ، والمراد به المرعى.

الثاني : اتّحاد المراح ، وهو مأواها ليلاً.

الثالث : اتّحاد المشرع وهو أن يرد غنمهما ماءً واحداً من نهر أو عين أو بئر أو حوض.

وإنّما شرط(٣) اجتماع المالين في هذه الاُمور ليكون سبيلها سبيل مال المالك [ الواحد ](٤) وليس المقصود أن لا يكون لها إلّا مسرح أو مرعى أو مراح واحد بالذات ، بل يجوز تعدّدها لكن ينبغي أن لا تختص ماشية هذا بمسرح ومراح ، وماشية الآخر بمسرح ومراح.

الرابع : اشتراك المالين في الراعي أو الرعاة - على أظهر الوجهين عنده - كالمراح.

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٣٩٠ - ٣٩١ ، المجموع ٥ : ٤٣٣.

(٢) تقدّم ذكرهم في المسألة السابقة (٥٤).

(٣) في نسختي « ن وف » : شرطوا.

(٤) زيادة يقتضيها السياق.

٩٢

الخامس : اشتراكهما في الفحل ، فلو تميّزت ماشية أحدهما بفحولة ، وماشية الآخر باُخرى فلا خلطة - على أظهر الوجهين - عنده.

السادس : اشتراكهما في موضع الحلب ، فلو حلب هذا ماشيته في أهله ، والآخر في أهله فلا خلطة(١) .

وهل يشترط الاشتراك في الحالب والمحلب؟ أظهر الوجهين عنده عدمه ، كما لا يشترط الاشتراك في الجازّ وآلات الجزّ(٢) .

وإن شرط الاشتراك في المحلب فهل يشترط خلط اللبن؟ وجهان ، أصحهما عنده : المنع ، لأدائه إلى الربا عند القسمة إذ قد يكثر لبن أحدهما(٣) .

وقيل : لا ربا كالمسافرين يستحب خلط أزوادهم وإن اختلف أكلهم(٤) .

وربما يفرّق بأنّ كلّ واحد يدعو غيره إلى طعامه فكان إباحةً ، بخلافه هنا.

وهل يشترط نيّة الخلطة؟ وجهان عندهم : الاشتراط ، لأنّه معنى يتغيّر به حكم الزكاة تخفيفاً كالشاة في الثمانين ، ولو لا الخلطة لوجب شاتان ، وتغليظاً كالشاة في الأربعين ، ولولاها لم يجب شي‌ء فافتقر إلى النيّة ، ولا ينبغي أن يغلظ عليه من غير رضاه ، ولا أن ينقص حقّ الفقراء إذا لم يقصده.

والمنع ، لأنّ تأثير الخلطة لخفّة المؤونة باتّحاد المرافق وذلك لا يختلف‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٣٤ - ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٢ - ٣٩٤ ، الاُم ٢ : ١٣ ، مختصر المزني : ٤٣ ، المغني ٢ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٨ - ٥٣٠.

(٢) المجموع ٥ : ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٧ - ٣٩٨.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٨ - ٣٩٩.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٥ - ٤٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٩.

٩٣

بالقصد وعدمه(١) .

وهل يشترط وجود الاختلاط في أول السنة واتّفاق أوائل الأحوال؟

قولان(٢) .

وفي تأثير الخلطة في الثمار والزرع ثلاثة أقوال له : القديم : عدم التأثير ، وبه قال مالك وأحمد في رواية.

لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( والخليطان ما اجتمعا في الحوض والفحل والرعي )(٣) وإنّما تتحقّق في المواشي.

والجديد : عدمه(٤) ، وتأثير خلطة الشيوع دون الجوار(٥) ، فعلى الجديد تؤثّر ، لحصول الاتّفاق باتّحاد العامل والناطور(٦) والنهر الذي تسقى منه.

وقال بعض أصحاب مالك : لا يشترط من هذه الشروط شي‌ء سوى الخلطة في المرعى ، وأضاف بعض أصحابه إليه الاشتراك في الراعي أيضاً(٧) ، والكلّ عندنا باطل.

فروع على القول بشركة الخلطاء :

أ - إذا اختلطا خلطة جوار ولم يمكن أخذ مال كلّ منهما من ماله كأربعين لكُلٍّ عشرون ، أخذ الساعي شاةً من أيّهما كان ، فإن لم يجد الواجب إلّا في‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣٩٩ - ٤٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٦١.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٠٢ - ٤٠٣.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٠٤ / ١ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٦ وفيهما : ( الراعي ) بدل ( الرعي ).

(٤) أي عدم عدم التأثير الملازم للثبوت.

(٥) المجموع ٥ : ٤٥٠ ، فتح العزيز ٥ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٧١ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٣٤٣ ، بلغة السالك ١ : ٢١٠ - ٢١١ ، المغني ٢ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤٤.

(٦) الناطور : حافظ الزرع والثمر والكرم. لسان العرب ٥ : ٢١٥ « نطر ».

(٧) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٣٧ و ١٣٨ ، المغني ٢ : ٤٧٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٣١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٦٢.

٩٤

مال أحدهما أخذ منه.

وإن أمكن أخذ ما يخصّ كلّ [ واحد ](١) منهما لو انفرد فوجهان : أن يأخذ من كلّ منهما حصّة ماله ليغنيهما عن التراجع ، وأن يأخذ من عرض المال ما يتّفق ، لأنّهما مع الخلطة كمال واحد ، والمأخوذ زكاة جميع المال(٢) .

فعلى هذا لو أخذ من كلّ منهما حصّة ماله بقي التراجع بينهما ، فإذا أخذ من هذا شاةً ، ومن هذا اُخرى رجع كلٌّ منهما على صاحبه بنصف قيمة ما اُخذ منه.

ولو كان بينهما سبعون من البقر أربعون لأحدهما ، وثلاثون للآخر ، فالتبيع والمسنّة واجبان على الشيوع ، على صاحب الأربعين أربعة أسباعهما ، وعلى صاحب الثلاثين ثلاثة أسباعهما.

فإن أخذهما من صاحب الأربعين رجع على صاحب الثلاثين بثلاثة أسباعهما وبالعكس.

ولو أخذ التبيع من صاحب الأربعين والمسنّة من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع التبيع على الآخر ، والآخر بقيمة أربعة أسباع المسنّة على الأول.

وإن أخذ المسنّة من صاحب الأربعين والتبيع من الآخر رجع صاحب الأربعين بقيمة ثلاثة أسباع المسنّة على الآخر ، والآخر عليه بقيمة أربعة أسباع التبيع ، هذا كلّه في خلطه الجوار.

أمّا خلطة الأعيان فالأخذ منه يقع على حسب ملكهما ، فلو كان لهما ثلاثمائة من الإِبل فعليهما ستّ حقاق ولا تراجع.

ولو كان لأحدهما ثلاثمائة وللآخر مائتان فله عشر حقاق بالنسبة ، وهذا‌

____________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) الوجهان للشافعية ، راجع فتح العزيز ٥ : ٤٠٨.

٩٥

يأتي على مذهبنا.

ب - لو ورثا أو ابتاعا شائعاً وأداما الخلطة زكّيا - عندهم - زكاة الخلطة ، وكذا لو ملك كلٌّ منهما دون النصاب ثم خلطا وبلغ النصاب(١) .

ولو انعقد الحول على مال كلّ منهما منفرداً ثم طرأت الخلطة ، فإن اتّفق الحولان بأن ملكا غرّة المحرّم وخلطا غرّة صفر ، ففي الجديد : لا يثبت حكم الخلطة في السنة الاُولى - وبه قال أحمد - لأنّ الأصل الانفراد ، والخلط عارض فيغلب حكم الحول المنعقد على الانفراد ، وتجب على كلّ منهما شاة إذا جاء المحرّم(٢) .

وفي القديم - وبه قال مالك - ثبوت حكم الخلطة نظراً إلى آخر الحول ، فإنّ الاعتبار في قدر الزكاة بآخر الحول ، فيجب على كلّ منهما نصف شاة إذا جاء المحرّم(٣) .

ولو اختلف الحولان ، فملك أحدهما غرّة المحرّم والآخر غرّة صفر وخلطا غرّة ربيع ، فعلى الجديد ، إذا جاء المحرّم فعلى الأول شاة ، وإذا جاء صفر فعلى الثاني شاة.

وعلى القديم ، إذا جاء المحرّم فعلى الأول نصف شاة ، وإذا جاء صفر فعلى الثاني نصف شاة.

ثم في سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة على القولين ، فعلى الأول عند غرّة كلّ محرّم نصف شاة ، وعلى الثاني عند غرّة كلّ صفر كذلك ، وبه قال مالك وأحمد(٤) .

وقال ابن سريج : إنّ حكم الخلطة لا يثبت في سائر الأحوال ، بل‌

____________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٤٤١.

(٢ و ٣ ) المجموع ٥ : ٤٤٠ ، الوجيز ١ : ٨٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٤٣ - ٤٤٦ ، المغني ٢ : ٤٧٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢٩.

(٤) فتح العزيز ٥ : ٤٤٧ - ٤٤٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٠ - ٤٤١.

٩٦

يزكّيان زكاة الانفراد أبداً(١) .

ولو انعقد الحول على الانفراد في حق أحد الخليطين دون الآخر كما لو ملك أحدهما غرّة المحرّم والآخر غرّة صفر ، وكما ملك خلطا ، فإذا جاء المحرّم فعلى الأول شاة في الجديد ، ونصف شاة في القديم(٢) .

وأمّا الثاني فإذا جاء صفر فعليه نصف شاة - في القديم - وفي الجديد ، وجهان : شاة ، لأنّ الأول لم يرتفق بخلطته فلا يرتفق هو بخلطة الأول ، وأظهرهما : نصف شاة ، لأنّه كان خليطاً في جميع الحول ، وفي سائر الأحوال يثبت حكم الخلطة على القولين إلّا عند ابن سريج(٣) .

ولو طرأت خلطة الشيوع على الانفراد كما لو ملك أربعين شاة ، ثم باع بعد ستّة أشهر نصفها مشاعاً ، فالظاهر أنّ الحول لا ينقطع ، لاستمرار النصاب بصفة الاشتراك ، فإذا مضت ستّة أشهر من وقت البيع فعلى البائع نصف شاة ولا شي‌ء على المشتري إن أخرج البائع واجبة من المشترك ، لنقصان النصاب.

وإن أخرجها من غيره ، وقلنا : الزكاة في الذمة ، فعليه أيضاً نصف شاة عند تمام حوله ، وإن قلنا : تتعلّق بالعين ففي انقطاع حول المشتري قولان : أرجحهما : الانقطاع ، لأنّ إخراج الواجب من غير النصاب يفيد عود الملك بعد الزوال لا أنّه يمنع الزوال(٤) .

ج - إذا اجتمع في ملك الواحد ماشية مختلطة ، واُخرى من جنسها منفردة كما لو خلط عشرين شاة بمثلها لغيره وله أربعون ينفرد [ بها ](٥) ففيما يخرجان الزكاة؟ قولان مبنيّان على أنّ الخلطة خلطة ملك أي يثبت حكم الخلطة في‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ٨٣ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٤٩.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ - ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٣.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٨ - ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٤.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٢ ، فتح العزيز ٥ : ٤٥٩ - ٤٦٢.

(٥) زيادة يقتضيها السياق.

٩٧

كلّ ما في ملكه ؛ لأنّ الخلطة تجعل مال الاثنين كمال الواحد ، ومال الواحد يضمّ بعضه إلى بعض وإن تفرّقت أماكنه ، فعلى هذا كان صاحب الستّين خلط جميع ماله بعشرين ، فعليه ثلاثة أرباع شاة ، وعلى الآخر ربعها.

أو أنّها خلطة عين أي يقتصر حكمها على عين المخلوط ، لأنّ خفّة المؤونة إنّما تحصل في القدر المخلوط وهو السبب في تأثير الخلطة ، فعلى صاحب العشرين نصف شاة ، لأنّ جميع ماله خليط عشرين ، وفي أربعين شاة ، فحصّة العشرين نصفها(١) .

وفي صاحب الستّين وجوه : أصحّها عنده : أنه يلزمه شاة ، لأنّه اجتمع في ماله الاختلاط والانفراد فغلّب حكم الانفراد ، كما لو انفرد بالمال في بعض الحول فكأنّه منفرد بجميع الستّين ، وفيها شاة.

والثاني : يلزمه ثلاثة أرباع شاة ، لأنّ جميع ماله ستّون ، وبعضه مختلط حقيقةً ، وملك الواحد لا يتبعّض حكمه فيلزم إثبات حكم الخلطة للباقي ، فكأنّه خلط جميع الستّين بالعشرين ، وواجبها شاة حصّة الستّين ثلاثة أرباعها.

الثالث : يلزمه خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعاً بين اعتبار الخلطة والانفراد ، ففي الأربعين حصّتها من الواجب لو انفرد بالكلّ وهو شاة حصّة الأربعين ثُلثا شاة ، وفي العشرين حصّتها من الواجب لو خلط الكلّ وهي ربع شاة لأنّ الكلّ ثمانون ، وواجبها شاة.

الرابع : أنّ عليه شاة وسدس شاة من ذلك نصف شاة في العشرين المختلطة ، كما أنّه واجب خليطه في ماله ، وثُلثا شاة في الأربعين المنفردة وذلك حصة الأربعين لو انفرد بجميع ماله.

الخامس : أنّ عليه شاة في الأربعين ونصف شاة في العشرين ، كما لو‌

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٩ ، المجموع ٥ : ٤٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٦٩ - ٤٧٠.

٩٨

كانا لمالكين(١) .

ولو خلط عشرين بعشرين لغيره ولكلّ منهما أربعون منفردة ، إن قلنا بخلطة الملك فعليهما شاة ، لأنّ الكلّ مائة وعشرون

وإن قلنا بخلطة العين فوجوه : أصحها : أنّ على كلّ منهما شاة.

الثاني : ثلاثة أرباع ، لأنّ كلّاً منهما يملك ستّين بعضها خليط عشرين فيغلب حكم الخلطة في الكلّ ، والكلّ ثمانون ، حصّة ستّين ما قلنا.

الثالث : على كلّ منهما خمسة أسداس شاة ونصف سدس جمعاً بين الاعتبارين ، فيقدّر كلّ واحد منهما كأنّه منفرد بالستّين ، وفيها شاة ، فحصّة الأربعين منها ثُلثا شاة ، ثم يقدّر أنّه خلط جميع الستّين بالعشرين والمبلغ ثمانون ، وفيها شاة ، فحصّة العشرين منها ربع شاة.

وقيل : على كلّ واحد خمسة أسداس شاة بلا زيادة تجب في العشرين بحساب ما لو كان جميع المالين مختلطاً وهو مائة وعشرون وواجبها شاة ، فحصة العشرين سدس شاة وفي الأربعين ثُلثا شاة(٢) .

الرابع : على كلّ منهما شاة وسدس شاة ، نصف شاة في العشرين المختلطة قصراً لِحكم الخلطة على الأربعين ، وثُلثا شاة في الأربعين المنفردة.

الخامس : على كلّ واحد شاة ونصف شاة ، شاة للأربعين المنفردة ، ونصف للعشرين المختلطة(٣) .

د - لو خالط الشخص ببعض ماله واحداً وببعضه آخر ولم يتشارك الآخران بأن يكون له أربعون فخلط منها عشرين بعشرين لرجل لا يملك غيرها ،

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٤٤ ، الوجيز ١ : ٨٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧١ - ٤٧٣.

(٢) فتح العزيز ٥ : ٤٧٤.

(٣) المجموع ٥ : ٤٤٤ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٣ - ٤٧٥.

٩٩

وعشرين بعشرين لآخر كذلك ، فإن قلنا بخلطة الملك فعلى صاحب الأربعين نصف شاة ، لأنّه خليطهما ومبلغ الأموال ثمانون ، وحصّة الأربعين منها النصف ، وكلّ واحد من خليطيه يضمّ ماله إلى جميع مال صاحب الأربعين.

وهل يضمّه إلى مال الآخر؟ وجهان : الضمّ ، لينضمّ الكلّ في حقّهما كما انضمّ في حق صاحب الأربعين ، فعلى كلّ واحد منهما ربع شاة.

والعدم ، لأنّ كلّاً منهما لم يخالط الآخر بماله بخلاف صاحب الأربعين فإنه خالط لكلِّ واحد منهما ، فعلى كلّ واحد ثُلث شاة.

وإن قلنا بخلطة العين فعلى كلّ من الآخَرَين نصف شاة ، لأنّ مبلغ ماله وما خالط ماله أربعون(١) .

وفي صاحب الأربعين وجوه :

أحدها : تلزمه شاة تغليباً للانفراد وإن لم يكن منفرداً حقيقةً لكن ما لم يخالط به أحدهما فهو منفرد عنه فيعطى حكم الانفراد ، ويغلب حتى يصير كالمنفرد بالباقي أيضاً ، وكذا بالإِضافة إلى الخليط الثاني فكأنّه لم يخالط أحداً.

الثاني : يلزمه نصف شاة ، تغليباً للخلطة ، فإنّه لا بدّ من إثبات حكم الخلطة حيث وجدت حقيقةً ، واتّحاد المال يقتضي ضمّ أحد ماليه إلى الآخر ، فكلّ المال ثمانون ، فكأنّه خلط أربعين بأربعين.

الثالث : يلزمه ثُلثا شاة جمعاً بين اعتبار الخلطة والانفراد ، بأن يقال : لو كان جميع ماله مع [ مال ](٢) زيد لكان المبلغ ستّين وواجبها شاة ، حصّة العشرين الثُلث ، وكذا يفرض في حقّ الثاني فيجتمع عليه ثُلثان(٣) .

مسألة ٥٦ : قد بيّنا أنّه إذا ملك أربعين وجب عليه الشاة وإن تعدّدت‌

____________________

(١) المجموع ٥ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٦ - ٤٧٧.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

(٣) المجموع ٥ : ٤٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٧٧ - ٤٧٨.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

فلم يرزق ذو القرنين أن يشرب منها و شرب الخضر و اغتسل منها فكان له البقاء المؤبّد و في هذه الروايات أنّ الظلمات في جانب المشرق.

و من ذلك اختلافها في موضع السدّ الّذي بناها ففي بعضها أنّه في(١) المشرق و في بعضها(٢) أنّه في الشمال، و قد بلغ من مبالغة بعض الروايات أن ذكرت(٣) أنّ طول السدّ و هو مسافة ما بين الجبلين مائة فرسخ و عرضه خمسون فرسخاً و ارتفاعه ارتفاع الجبلين و قد حفر له أساساً حتّى بلغ الماء و قد جعل حشوه الصخور و طينه النحاس ثمّ علاه بزبر الحديد و النحاس المذاب و جعل خلاله عرقا من نحاس أصفر فصار كأنّه برد محبّر.

و من ذلك اختلافها في وصف يأجوج و مأجوج فروي(٤) أنّهم من الترك و من ولد يافث بن نوح كانوا يفسدون في الأرض فضرب السدّ دونهم و روي(٥) أنّهم من غير ولد آدم و في(٦) عدّة من الروايات أنّهم قوم ولود لا يموت الواحد منهم من ذكر أو اُنثى‏ حتّى يولد له ألف من الأولاد و أنّهم أكثر عدداً من سائر البشر حتّى عدّوا في(٧) بعض الروايات تسعة أضعاف البشر، و روي(٨) أنّهم من الشدّة و البأس بحيث لا يمرّون ببهيمة أو سبع أو إنسان إلّا افترسوه و أكلوه و لا على زرع

____________________

(١) الدرّ المنثور عن ابن إسحاق و غيره عن وهب.

(٢) الدرّ المنثور عن ابن المنذر عن ابن عبّاس.

(٣) الدرّ المنثور عن ابن إسحاق و غيره عن وهب.

(٤) الدرّ المنثور عن ابن المنذر عن عليّعليه‌السلام و عن ابن أبي حاتم عن قتادة. و في نور الثقلين عن علل الشرائع عن العسكري.

(٥) نور الثقلين عن روضة الكافي عن ابن عبّاس.

(٦) الطبريّ عن عبدالله بن عمير، و عن عبدالله بن سلام، و في الدرّ المنثور عن النسائيّ و ابن مردويه عن أوس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و فيه عن ابن أبي حاتم عن السدّيّ عن عليّعليه‌السلام .

(٧) في الدرّ المنثور عن عبدالرزّاق و غيره عن عبدالله بن عمر.

(٨) الدرّ المنثور عن ابن إسحاق و غيره عن وهب.

٤٠١

أو شجر إلّا رعوه و لا على ماء نهر إلّا شربوه و نشفوه، و روي(١) أنّهم اُمّتان كلّ منهما أربع مائة ألف اُمّة كلّ اُمّة لا يحصي عددهم إلّا الله سبحانه.

و روي(٢) أنّهم طوائف ثلاث فطائفة كالاُرز و هو شجر طوال، و طائفة يستوي طولهم و عرضهم: أربعة أذرع في أربعة أذرع و طائفة و هم أشدّهم للواحد منهم اُذنان يفترش بإحداهما و يلتحف بالاُخرى يشتو في إحداهما لابسا له و هي وبرة ظهرها و بطنها و يصيّف في الاُخرى و هي زغبة ظهرها و بطنها، و هم صلب على أجسادهم من الشعر ما يواريها، و روي أنّ الواحد(٣) منهم شبر أو شبران أو ثلاثة، و روي(٤) أنّ الذين كانوا يقاتلونهم كان وجوههم وجوه الكلاب.

و من ذلك اختلافها في زمان ملكه ففي بعضها(٥) أنّه كان بعد نوح، و روي(٦) أنّه كان في زمن إبراهيم و معاصره و قد حجّ البيت و لقيه و صافحه و هي أوّل مصافحة على وجه الأرض، و روي(٧) أنّه كان في زمن داود.

و من ذلك اختلافها في مدّة ملكه فروي(٨) ثلاثون سنة و روي(٩) اثنتا عشرة سنة إلى غير ذلك من جهات الاختلاف الّتي يعثر عليها من راجع أخبار القصّة

____________________

(١) في الدرّ المنثور عن ابن المنذر و أبي الشيخ عن حسان بن عطية. و عن ابن أبي حاتم و غيره عن حذيفة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و قد بلغ من مبالغة الروايات في عددهم أنّه روى عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يأجوج و مأجوج يعدل ألف ضعف للمسلمين (البداية و النهاية عن الصحيحين عن أبي سعيد عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و هو ذا يقال: إنّ المسلمين خمس أهل الأرض و لازمه أن يكون يأجوج و مأجوج مائتا ضعف أهل الأرض.

(٢) في الدرّ المنثور عن ابن المنذر و ابن أبي حاتم عن كعب الأحبار.

(٣) في الدرّ المنثور عن ابن المنذر و الحاكم و غيرهما عن ابن عبّاس.

(٤) في الدرّ المنثور عن عدّة عن عقبة بن عامر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(٥) في تفسير العيّاشيّ عن الأصبغ عن عليّعليه‌السلام .

(٦) الدرّ المنثور عن ابن مردويه و غيره عن عبيد بن عمير، و في نور الثقلين عن أمالي الشيخ عن الباقرعليه‌السلام و في العرائس لابن إسحاق.

(٧) الدرّ المنثور عن ابن أبي حاتم و ابن عساكر عن مجاهد.

(٨) البرهان عن البرقي عن موسى بن جعفرعليه‌السلام .

(٩) الدرّ المنثور عن ابن أبي حاتم عن وهب.

٤٠٢

من جوامع الحديث و خاصّة الدرّ المنثور، و البحار، و البرهان، و نور الثقلين.

و في كتاب كمال الدين، بإسناده عن الأصبغ بن نباتة قال: قام ابن الكوّاء إلى عليّعليه‌السلام و هو على المنبر فقال: يا أميرالمؤمنين أخبرني عن ذي القرنين أ نبيّاً كان أم ملكاً؟ و أخبرني عن قرنيه أ من ذهب أم من فضّة؟ فقال له: لم يكن نبيّاً و لا ملكاً، و لم يكن قرناه من ذهب و لا فضّة و لكن كان عبداً أحبّ الله فأحبّه الله و نصح الله فنصحه الله، و إنّما سمّي ذا القرنين لأنّه دعا قومه إلى الله عزّوجلّ فضربوه على قرنه فغاب عنهم حينا ثمّ عاد إليهم فضرب على قرنه الآخر، و فيكم مثله.

أقول: الظاهر أنّ( الملك) في الرواية بفتح اللام لا بكسرها لاستفاضة الروايات عنه و عن غيرهعليه‌السلام بملك ذي القرنين فنفيهعليه‌السلام أن يكون ذو القرنين نبيّاً أو ملكاً بفتح اللّام إنكار منه لصحّة ما ورد عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض الروايات أنّه كان نبيّاً و في بعضها الآخر أنّه كان ملكاً من الملائكة و به كان يقول عمر بن الخطّاب كما تقدّمت الإشارة إليه.

و قوله:( و فيكم مثله) أي مثل ذي القرنين في شجّتيه يشيرعليه‌السلام إلى نفسه فإنّه اُصيب بضربة من عمرو بن عبد ودّ و بضربة من عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله فاستشهد بها، و لرواية مستفيضة عنهعليه‌السلام روته عنه الشيعة و أهل السنّة بألفاظ مختلفة، و أبسط ألفاظها ما أوردناه، و قد لعبت به يد النقل بالمعنى فأظهرته في صور عجيبة و بلغ بها التحريف غايته.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن مردويه عن سالم بن أبي الجعد قال: سئل عليّ عن ذي القرنين أ نبيّ هو؟ فقال سمعت نبيّكمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: هو عبد ناصح الله فنصحه.

و في احتجاج الطبرسيّ، عن الصادقعليه‌السلام في حديث طويل: و فيه قال السائل‏ أخبرني عن الشمس أين تغيب؟ قال: إنّ بعض العلماء قال: إذا انحدرت أسفل القبّة دار بها الفلك إلى بطن السماء صاعدة أبداً إلى أن تنحطّ إلى موضع مطلعها.

٤٠٣

يعني أنّها تغيب في عين حمئة ثمّ تخرق الأرض راجعة إلى موضع مطلعها فتحير تحت العرش حتّى يؤذن لها بطلوع و يسلب نورها كلّ يوم و تتجلّل نوراً أحمر.

أقول: قوله:( إذا انحدرت أسفل القبّة - إلى قوله - مطلعها) بيان لسير الشمس من حين غروبها إلى إبّان طلوعها في مدارها السماويّ على ما تفرضه هيئة بطليموس الدائرة في تلك الأعصار المبنيّة على سكون الكرة الأرضيّة و حركة الأجرام السماويّة حولها، و لذا نسبهعليه‌السلام إلى بعض العلماء.

و قوله:( يعني أنّها تغيب في عين حمئة ثم تخرق الأرض راجعة إلى موضع مطلعها) من كلام بعض رواة الخبر لا من كلامهعليه‌السلام فالراوي لقصور منه في الفهم فسّر قوله تعالى:( تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ) بسقوط القرص في العين و غيبوبته فيها ثمّ سبحه فيها كالسمكّة في الماء و خرقه الأرض حتّى يبلغ المطلع ثمّ ذهابه إلى تحت العرش و هو على زعمه سماء فوق السماوات السبع أو جسم نورانيّ كأعظم ما يكون موضوع فوق السماء السابعة و مكثه هناك حتّى يؤذن له في الطلوع فيكسى نوراً أحمر و يطلع.

و الراوي يشير بقوله: فتحير تحت العرش حتّى يؤذن لها إلخ إلى رواية اُخرى مأثورة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ الملائكة تذهب بالشمس بعد غروبها فتوقّفها تحت العرش و هي مسلوبة النور فتمكث هناك و هي لا تدري ما تؤمر به غدا حتّى تكسى نوراً و تؤمر بالطلوع، الرواية. و قد ارتكب فهمه في تفسير العرش هناك نظير ما ارتكبه في تفسير الغروب ههنا فزاد عن الحقّ بعداً على بعد.

و لم يرد تفسير العرش في كتاب و لا سنّة قابلة للاعتماد بالفلك التاسع أو بجسم نورانيّ علويّ كهيئة السرير الّتي اختلقها فهمه و قد قدّمنا معظم روايات العرش في أوائل الجزء الثامن من هذا الكتاب.

و في التسمية أعني قوله: قال بعض العلماء بعض الإشارة إلى أنّ هذا القول

٤٠٤

لم يكن مرضيّاً عندهعليه‌السلام و مع ذلك لم يسعه أن يسمح بحقّ القول في المسألة كيف؟ و إذا ساقتهم سذاجة الفهم في فرضيّة سهلة التصوّر عند أهله في تلك الأعصار هذا المساق فما ظنّك بهم لو اُلقي إليهم ما لا يصدّقه ظاهر حسّهم و لا يسعه ظرف فكرهم.

و في الدرّ المنثور، أخرج عبدالرزّاق و سعيد بن منصور و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم من طريق عثمان بن أبي حاضر: أنّ ابن عبّاس ذكر له أنّ معاوية بن أبي سفيان قرأ الآية الّتي في سورة الكهف( تغرب في عين حامية) قال ابن عبّاس: فقلت لمعاوية: ما نقرؤها إلّا حمئة فسأل معاوية عبدالله بن عمر و كيف تقرؤه؟ فقال عبدالله: كما قرأتها.

قال ابن عبّاس: فقلت لمعاوية: في بيتي نزل القرآن فأرسل إلى كعب فقال له: أين تجد الشمس تغرب في التوراة؟ فقال له كعب: سل أهل العربيّة فإنّهم أعلم بها، و أمّا أنا فإنّي أجد الشمس تغرب في التوراة في ماء و طين، و أشار بيده إلى المغرب. قال ابن أبي حاضر: لو أنّي عندكما أيّدتك بكلام تزداد به بصيرة في حمئة. قال ابن عبّاس: و ما هو؟ قلت: فيما نأثر قول تبّع فيما ذكر به ذا القرنين في كلفه بالعلم و اتّباعه إيّاه:

قد كان ذو القرنين عمّر مسلما

ملكاً تدين له الملوك و تحشد

فأتى المشارق و المغارب يبتغي

أسباب ملك من حكيم مرشد

فرأى مغيب الشمس عند غروبها

في عين ذي خلب و ثأط حرمد

فقال ابن عبّاس: ما الخلب؟ قلت: الطين بكلامهم. قال: فما الثأط؟ قلت: الحمأة. قال: فما الحرمد؟ قلت: الأسود فدعا ابن عبّاس غلاماً فقال له: اكتب ما يقول هذا الرجل.

أقول: و الحديث لا يلائم ما ذهبوا إليه من تواتر القراءات تلك الملائمة و عن التيجان لابن هشام الحديث و فيه أنّ ابن عبّاس أنشد هذه الأشعار لمعاوية و أنّ معاوية سأله عن معنى الخلب و الثأط و الحرمد قال: الخلب الحمأة و الثأط

٤٠٥

ما تحتها من الطين و الحرمد ما تحته من الحصى و الحجر، و قد أورد القصيدة، و هذا الاختلاف يؤذن بشي‏ء في الرواية.

في تفسير العيّاشيّ، عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قول الله عزّوجلّ:( لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً ) قال: لم يعلموا صنعة البيوت.

و في تفسير القمّيّ في الآية قال: لم يعلموا صنعة الثياب.

و في الدرّ المنثور، أخرج ابن المنذر عن ابن عبّاس: في قوله:( حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ ) قال: الجبلين أرمينيّة و آذربيجان.

و في تفسير العيّاشيّ، عن المفضّل قال: سألت الصادقعليه‌السلام عن قوله:( أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ رَدْماً ) قال: التقيّة( فما استطاعوا أن يظهروه و ما استطاعوا له نقبا) إذا عملت بالتقيّة لم يقدروا لك على حيلة، و هو الحصن الحصين، و صار بينك و بين أعداء الله سدّاً لا يستطيعون له نقبا.

و فيه، أيضاً عن جابر عنهعليه‌السلام في الآية قال: التقيّة.

أقول: الروايتان من الجري و ليستا بتفسير.

و في تفسير العيّاشيّ، عن الأصبغ بن نباتة عن عليّعليه‌السلام :( وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ) يعني يوم القيامة.

أقول: ظاهر الآية بحسب السياق أنّه من أشراط الساعة، و لعلّه المراد بيوم القيامة فربّما تطلق على ظهور مقدّماتها.

و فيه، عن محمّد بن حكيم قال: كتبت رقعة إلى أبي عبداللهعليه‌السلام فيها: أ تستطيع النفس المعرفة؟ قال: فقال لا فقلت: يقول الله:( الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَ كانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً ) قال: هو كقوله:( ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَ ما كانُوا يُبْصِرُونَ ) قلت: فعابهم؟ قال: لم يعبهم بما صنع هو بهم و لكن عابهم بما صنعوا، و لو لم يتكلّفوا لم يكن عليهم شي‏ء.

أقول: يعني أنّهم تسبّبوا لهذا الحجاب فرجع إليهم تبعته.

٤٠٦

و في تفسير القمّيّ في الآية قال: كانوا لا ينظرون إلى ما خلق الله من الآيات و السماوات و الأرض.

أقول: و في العيون، عن الرضاعليه‌السلام : تطبيق الآية على منكري الولاية و هو من الجري‏.

( كلام حول قصّة ذي القرنين)

و هو بحث قرآنيّ و تاريخيّ في فصول:

١- قصّة ذي القرنين في القرآن: لم يتعرّض لاسمه و لا لتاريخ زمان ولادته و حياته و لا لنسبه و سائر مشخّصاته على ما هو دأبه في ذكر قصص الماضين بل اكتفى على ذكر ثلاث رحلات منه فرحلة اُولى إلى المغرب حتّى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة (أو حامية) و وجد عندها قوماً، و رحلة ثانية إلى المشرق حتّى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم يجعل الله لهم من دونها سترا، و رحلة ثالثة حتّى إذا بلغ بين السدّين وجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولا فشكوا إليه إفساد يأجوج و مأجوج في الأرض و عرضوا عليه أن يجعلوا له خرجاً على أن يجعل بين القوم و بين يأجوج و مأجوج سدّاً فأجابهم إلى بناء السدّ و وعدهم أن يبني لهم فوق ما يأملون و أبى أن يقبل خرجهم و إنّما طلب منهم أن يعينوه بقوّة و قد اُشير منها في القصّة إلى الرجال و زبر الحديد و المنافخ و القطر.

و الخصوصيّات و الجهات الجوهريّة الّتي تستفاد من القصّة هي أوّلاً أنّ صاحب القصّة كان يسمّى قبل نزول قصّته في القرآن بل حتّى في زمان حياته بذي القرنين كما يظهر في سياق القصّة من قوله:( يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ) ( قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ ) و( قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ ) .

و ثانياً: أنّه كان مؤمناً بالله و اليوم الآخر و متديّناً بدين الحقّ كما يظهر من قوله:( هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَ كانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ) و قوله:( أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى‏ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً وَ أَمَّا مَنْ

٤٠٧

آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ) إلخ و يزيد في كرامته الدينيّة أنّ قوله تعالى:( قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَ إِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً ) يدلّ على تأييده بوحي أو إلهام أو نبيّ من أنبياء الله كان عنده يسدّده بتبليغ الوحي.

و ثالثاً: أنّه كان ممّن جمع الله له خير الدنيا و الآخرة، أمّا خير الدنيا فالملك العظيم الّذي بلغ به مغرب الشمس و مطلعها فلم يقم له شي‏ء و قد ذلّت له الأسباب، و أمّا خير الآخرة فبسط العدل و إقامة الحقّ و الصفح و العفو و الرفق و كرامة النفس و بثّ الخير و دفع الشرّ، و هذا كلّه ممّا يدلّ عليه قوله تعالى:( إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ سَبَباً ) مضافاً إلى ما يستفاد من سياق القصّة من سيطرته الجسمانيّة و الروحانيّة.

و رابعاً: أنّه صادف قوماً ظالمين بالمغرب فعذّبهم.

و خامساً: أنّ الردم الّذي بناه هو في غير مغرب الشمس و مطلعها فإنّه بعد ما بلغ مطلع الشمس أتبع سبباً حتّى إذا بلغ بين السدّين. و من مشخّصات ردمه مضافاً إلى كونه واقعاً في غير المغرب و المشرق أنّه واقع بين جبلين كالحائطين، و أنّه ساوى بين صدفيهما و أنّه استعمل في بنائه زبر الحديد و القطر، و لا محالة هو في مضيق هو الرابط بين ناحيتين من نواحي الأرض المسكونة.

٢- ذكرى ذي القرنين و السدّ و يأجوج و مأجوج: في أخبار الماضين، لم يذكر القدماء من المورّخين في أخبارهم ملكاً يسمّى في عهده بذي القرنين أو ما يؤدّي معناه من غير اللفظ العربيّ و لا يأجوج و مأجوج بهذين اللفظين و لا سدّاً ينسب إليه باسمه نعم ينسب إلى بعض ملوك حمير من اليمنيّين أشعار في المباهاة يذكر فيها ذا القرنين و أنّه من أسلافه التبابعة و فيها ذكر سيره إلى المغرب و المشرق و سدّ يأجوج و مأجوج و سيوافيك نبذة منها في بعض الفصول الآتية.

و ورد ذكر( مأجوج) و( جوج و مأجوج) في مواضع من كتب العهد العتيق ففي الإصلاح(١) العاشر من سفر التكوين من التوراة:( و هذه مواليد بني

____________________

(١) كتب العهدين مطبوعة بيروت سنة ١٨٧٠ و منها نقل سائر ما نقل في هذه الفصول.

٤٠٨

نوح: سام و حام و يافث و ولد لهم بنون بعد الطوفان. بنو يافث جومر و مأجوج و ماداي و بأوان و نوبال و ماشك و نبراس) .

و في كتاب حزقيال،(١) الإصحاح الثامن و الثلاثون:( و كان إلى كلام الربّ قائلا: يا بن آدم اجعل وجهك على جوج أرض مأجوج رئيس روش ماشك و نوبال، و تنبّأ عليه و قل: هكذا قال السيّد الربّ: ها أنا ذا عليك يأجوج رئيس روش و ماشك و نوبال و أرجعك و أضع شكائم في فكّيك و اُخرجك أنت و كلّ جيشك خيلاً و فرساناً كلّهم لابسين أفخر لباس جماعة عظيمة مع أتراس و مجانّ كلّهم ممسكين السيوف. فارس و كوش و فوط معهم كلّهم بمجنّ و خوذة، و جومر و كلّ جيوشه و بيت نوجرمه من أقاصي الشمال مع كلّ جيشه شعوباً كثيرين معك) .

قال:( لذلك تنبّأ يا بن آدم و قل لجوج: هكذا قال السيّد الربّ في ذلك اليوم عند سكنى شعب إسرائيل آمنين أ فلا تعلم و تأتي من موضعك من أقاصي الشمال) إلخ.

و قال في الإصحاح التاسع و الثلاثين ماضياً في الحديث السابق: و أنت يا بن آدم تنبّأ على جوج و قل هكذا قال السيّد الربّ ها أنا ذا عليك يأجوج رئيس روش ماشك و نوبال و أردّك و أقودك و اُصعدك من أقاصي الشمال. و آتي بك على جبال إسرائيل و أضرب قوسك من يدك اليسرى و اُسقط سهامك من يدك اليمني فتسقط على جبال إسرائيل أنت و كلّ جيشك و الشعوب الّذين معك أ بذلك مأكلا للطيور الكاسرة من كلّ نوع و لوحوش الحفل، على وجه الحفل تسقط لأنّي تكلمت بقول السيّد الربّ، و اُرسل ناراً على مأجوج و على الساكنين في الجزائر آمنين فيعلمون أنّي أنا الربّ) إلخ.

و في رؤيا يوحنّا في الإصحاح العشرين:( و رأيت ملاكاً نازلاً من السماء معه مفتاح الهاوية و سلسلة عظيمة على يده فقبض على التنيّن الحيّة القديمة الّذي هو إبليس و الشيطان، و قيّده ألف سنة، و طرحه في الهاوية و أغلق عليه و ختم عليه

____________________

(١) و كان بين اليهود أيّام إسارتهم بابل.

٤٠٩

لكيلا يضلّ الاُمم فيما بعد حتّى تتمّ الألف سنة، و بعد ذلك لا بدّ أن يحلّ زماناً يسيراً.

قال:( ثمّ متى تمّت الألف السنّة لن يحلّ الشيطان من سجنه و يخرج ليضلّ الاُمم الّذين في أربع زوايا الأرض جوج و مأجوج ليجمعهم للحرب الّذين عددهم مثل رمل البحر فصعدوا على عرض الأرض، و أحاطوا بمعسكر القدّيسين و بالمدينة المحبوبة فنزلت نار من عند الله من السماء و أكلتهم، و إبليس الّذي كان يضلّهم طرح في بحيرة النار و الكبريت حيث الوحش و النبيّ الكذاب و سيعذّبون نهاراً و ليلاً إلى أبد الآبدين) .

و يستفاد منها أنّ( مأجوج) أو( جوج و مأجوج) اُمّة أو اُمم عظيمة كانت قاطنة في أقاصي شمال آسيا من معمورة الأرض يومئذ و أنّهم كانوا اُمماً حربيّة معروفة بالمغازي و الغارات.

و يقرب حينئذ أن يحدس أنّ ذا القرنين هذا هو أحد الملوك العظام الّذين سدّوا الطريق على هذه الاُمم المفسدة في الأرض، و أنّ السدّ المنسوب إليه يجب أن يكون فاصلاً بين منطقة شماليّة من قارّة آسيا و جنوبها كحائط الصين أو سدّ باب الأبواب أو سدّ( داريال) أو غير هذه.

و قد تسلّمت تواريخ الاُمم اليوم من أنّ ناحية الشمال الشرقيّ من آسيا و هي الأحداب و المرتفعات في شمال الصين كانت موطنا لاُمّة كبيرة بدويّة همجيّة لم تزل تزداد عدداً و تكثر سواداً فتكرّ على الاُمم المجاورة لها كالصين و ربّما نسلت من أحدابها و هبطت إلى بلاد آسيا الوسطى و الدنيا و بلغت إلى شمال اُوربة فمنهم من قطن في أراض أغار عليها كأغلب سكنة اُوربة الشماليّة فتمدين بها و اشتغل بالزراعة و الصناعة، و منهم من رجع ثمّ عاد و عاد(١) .

____________________

(١) و ذكر بعضهم أن يأجوج و مأجوج هم الاُمم الّذين كانوا يشغلون الجزء الشماليّ من آسيا تمتد بلادهم من التبت و الصين إلى المحيط المنجمد الشماليّ و تنتهي غرباً بما يلي بلاد تركستان و نقل ذلك عن فاكهة الخلفاء و تهذيب الأخلاق لابن مسكويه و رسائل إخوان الصفا.

٤١٠

و هذا أيضاً ممّا يؤيّد ما استقربناء آنفاً أنّ السدّ الّذي نبحث عنه هو أحد الأسداد الموجودة في شمال آسيا الفاصلة بين الشمال و جنوبه.

٣- من هو ذو القرنين؟ و أين سدّة؟ للمورّخين و أرباب التفسير في ذلك أقوال بحسب اختلاف أنظارهم في تطبيق القصّة:

أ- ينسب إلى بعضهم أنّ السدّ المذكور في القرآن هو حائط الصين، و هو حائط طويل يحول بين الصين و بين منغوليا بناه( شين ‏هوانك ‏تى) أحد ملوك الصين لصدّ هجمات المغول عن الصين، طوله ثلاثة آلاف كيلومتر في عرض تسعة اُمتار و ارتفاع خمسة عشر متراً و قد بنى بالأحجار شرع في بنائه سنة ٢٦٤ ق م و قد تمّ بناؤه في عشر أو عشرين و على هذا فذو القرنين هو الملك المذكور.

و يدفعه أنّ الأوصاف و المشخّصات المذكورة في القرآن لذي القرنين و سدّة لا تنطبق على هذا الملك و حائط الصين الكبير فلم يذكر من هذا الملك أنّه سار من أرضه إلى المغرب‏ الأقصى، و السدّ الّذي يذكره القرآن يصفه بأنّه ردم بين جبلين و قد استعمل فيه زبر الحديد و القطر و هو النحاس المذاب و الحائط الكبير يمتدّ ثلاثة آلاف كيلومتر يمرّ في طريقه على السهول و الجبال، و ليس بين جبلين و هو مبنيّ بالحجارة لم يستعمل فيه حديد و لا قطر.

ب- نسب إلى بعضهم أنّ الّذي بنى السدّ هو أحد ملوك آشور(١) و قد كان يهجم في حوالي القرن السابع قبل الميلاد أقوام(٢) سيت من مضيق جبال قفقاز إلى أرمينستان ثمّ غربيّ إيران و ربّما بلغوا بلاد آشور و عاصمتها نينوا فأحاطوا بهم قتلاً و سبيا و نهبا فبنى ملك آشور السدّ لصدّهم، و كأنّ المراد به سدّ باب الأبواب المنسوب تعميره أو ترميمه إلى كسرى أنوشيروان من ملوك الفرس هذا. و لكنّ

____________________

(١) منقول عن، كتاب ( كيهان شناخت ) للحسن بن قطان المروزي بن قطان المروزي الطبيب المنجّم المتوفّى سنة ٥٤٨ ه و ذكر فيه أن اسمه ( بلينس ) و سمّاه أيضاً إسكندر.

(٢) كانت هذه الأقوام يسمّون على ما ذكروا عند الغربيّين ( سيت ) و لهم ذكر في بعض النقوش الباقية من زمن ( داريوش ) و يسمّون عند اليونانيّين ( ميكاك ) .

٤١١

الشأن في انطباق خصوصيّات القصّة عليه.

ج- قال في روح المعاني: و قيل: هو يعني ذا القرنين فريدون بن أثفيان بن جمشيد خامس ملوك الفرس الفيشدادية، و كان ملكاً عادلاً مطيعاً لله تعالى، و في كتاب صور الأقاليم، لأبي زيد البلخيّ: أنّه كان مؤيّداً بالوحي و في عامّة التواريخ أنّه ملك الأرض و قسّمها بين بنيه الثلاثة: إيرج و سلم و تور فأعطى إيرج العراق و الهند و الحجاز و جعله صاحب التاج، و أعطى سلم الروم و ديار مصر و المغرب، و أعطى تور الصين و الترك و المشرق، و وضع لكلّ قانوناً يحكم به، و سميّت القوانين الثلاثة( سياسة) و هي معرّبة( سي أيسا) أي ثلاثة قوانين.

و وجه تسميته ذا القرنين أنّه ملك طرفي الدنيا أو طول أيّام سلطنته فإنّها كانت على ما في روضة الصفا، خمسمائة سنة، أو عظم شجاعته و قهره الملوك انتهى.

و فيه أنّ التاريخ لا يعترف بذلك.

د- و قيل: إنّ ذا القرنين هو الإسكندر المقدونيّ و هو المشهور في الألسن و سدّ الإسكندر كالمثل السائر بينهم و قد ورد ذلك في بعض الروايات كما في رواية قرب الإسناد، عن موسى بن جعفرعليهما‌السلام و رواية عقبة بن عامر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و رواية وهب بن منبّه المرويّتين في الدرّ المنثور.

و به قال بعض قدماء المفسّرين من الصحابة و التابعين كمعاذ بن جبل على ما في مجمع البيان، و قتادة على ما رواه في الدرّ المنثور، و وصفه الشيخ أبوعليّ بن سينا عند ما ذكره في كتاب الشفاء، بذي القرنين، و أصرّ على ذلك الإمام الرازيّ في تفسيره الكبير.

قال فيه ما ملخّصه: إنّ القرآن دلّ على أنّ ملك الرجل بلغ إلى أقصى المغرب و أقصى المشرق و جهة الشمال، و ذلك تمام المعمورة من الأرض و مثل هذا الملك يجب أن يبقى اسمه مخلّداً، و الملك الّذي اشتهر في كتب التواريخ أنّ ملكه بلغ هذا المبلغ ليس إلّا الإسكندر.

و ذلك أنّه بعد موت أبيه جمع ملوك الروم و المغرب و قهرهم و انتهى إلى

٤١٢

البحر الأخضر ثمّ إلى مصر، و بنى الإسكندريّة ثمّ دخل الشام و قصد بني إسرائيل و ورد بيت المقدّس، و ذبح في مذبحه. ثمّ انعطف إلى أرمينيّة و باب الأبواب، و دان له العراقيّون و القبط و البربر، و استولى على إيران، و قصد الهند و الصين و غزا الاُمم البعيدة و رجع إلى خراسان و بنى المدن الكثيرة ثمّ رجع إلى العراق و مات في شهرزور أو روميّة المدائن و حمل إلى إسكندريّة و دفن بها، و عاش ثلاثاً و ثلاثين سنة، و مدّة ملكه اثنتا عشرة سنة.

فلمّا ثبت بالقرآن أنّ ذا القرنين ملك أكثر المعمورة، و ثبت بالتواريخ أنّ الذي هذا شأنه هو الإسكندر وجب القطع بأنّ المراد بذي القرنين هو الإسكندر. انتهى.

و فيه أوّلاً: أنّ الذي ذكره من انحصار ملك معظم المعمورة في الإسكندر المقدونيّ غير مسلّم في التاريخ ففي الملوك من يماثله أو يزيد عليه ملكاً.

و ثانياً: أنّ الذي يذكره القرآن من أوصاف ذي القرنين لا يتسلّمه التاريخ للإسكندر أو ينفيه عنه فقد ذكر القرآن أنّ ذا القرنين كان مؤمناً بالله و اليوم الآخر و هو دين التوحيد و كان الإسكندر وثنيّاً من الصابئين كما يحكى أنّه ذبح ذبيحته للمشتري، و ذكر القرآن أنّ ذا القرنين كان من صالحي عباد الله ذا عدل و رفق و التاريخ يقصّ للإسكندر خلاف ذلك.

و ثالثاً: أنّه لم يرد في شي‏ء من تواريخهم أنّ الإسكندر المقدونيّ بنى سدّ يأجوج و مأجوج على ما يذكره القرآن.

و قال في البداية، و النهاية، في خبر ذي القرنين: و قال إسحاق بن بشر عن سعيد بن بشير عن قتادة قال: إسكندر هو ذو القرنين و أبوه أوّل القياصرة، و كان من ولد سام بن نوح. فأمّا ذوالقرنين الثاني فهو إسكندر بن فيلبس (و ساق نسبه إلى عيص بن إسحاق بن إبراهيم) المقدونيّ اليونانيّ المصريّ باني إسكندريّة الّذي يورّخ بأيّامه الروم، و كان متأخّراً عن الأوّل بدهر طويل.

و كان هذا قبل المسيح بنحو من ثلاثمائة سنة، و كان أرسطاطاليس الفيلسوف

٤١٣

وزيره، و هو الّذي قتل دارا بن دارا، و أذلّ ملوك الفرس و أوطأ أرضهم.

قال: و إنّما نبّهنا عليه لأنّ كثيراً من الناس يعتقد أنّهما واحد و أنّ المذكور في القرآن هو الّذي كان أرسطاطاليس وزيره فيقع بسبب ذلك خطأ كبير، و فساد عريض طويل كثير فإنّ الأوّل كان عبداً مؤمناً صالحاً، و ملكاً عادلاً، و كان وزيره الخضر و قد كان نبيّاً على ما قرّرناه قبل هذا، و أمّا الثاني فكان مشركاً، و قد كان وزيره فيلسوفاً، و قد كان بين زمانيهما، أزيد من ألفي سنة فأين هذا من هذا لا يستويان و لا يشتبهان إلّا على غبيّ لا يعرف حقائق الاُمور انتهى.

و فيه تعريض بالإمام الرازيّ في مقاله السابق لكنّك لو أمعنت فيما نقلنا من كلامه ثمّ راجعت كتابه فيما ذكره من قصّة ذي القرنين وجدته لا يرتكب من الخطاء أقلّ ممّا ارتكبه الإمام الرازيّ فلا أثر في التاريخ عن ملك كان قبل المسيح بأكثر من ألفين و ثلاثمائة سنة ملك الأرض من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق و جهة الشمال و بنى السدّ و كان مؤمناً صالحاً بل نبيّاً و وزيره الخضر و دخل الظلمات في طلب ماء الحياة سواء كان اسمه الإسكندر أو غير ذلك.

ه- ذكر جمع من المورّخين أنّ ذا القرنين أحد التبابعة(١) الأذواء اليمنيّين

____________________

(١) كانت مملكة اليمن ينقسم إلى أربعة و ثمانين مخلافاً، و المخلاف بمنزلة القضاء و المديريّة في العرف الحاضر، و كلّ مخلاف يشتمل على عدّة قلاع يسمّى كلّ قلعة قصراً أو محفداً يسكنه جماعة من الاُمّة يحكم فيهم كبير لهم، و كان صاحب القصر الّذي يتولّى أمره يسمّى بذي كذي غمدان و ذي معين أي صاحب غمدان و صاحب معين و الجمع أذواء و ذوين، و الّذي يتولّى أمر المخلاف يسمّى القيل و الجمع أقيال، و الّذي يتولّى أمر مجموع المخاليف يسمّى الملك: و الملك الّذي يضمّ حضرموت و الشحر إلى اليمين و يحكم في الثلاث يسمّى تبع أمّا إذا ملك اليمن فقط فملك و ليس بتبع.

و قد عثر على أسماء خمس و خمسين من الأذواء لكن الملوك منهم ثمانية أذواء هم من ملوك حمير و هم من ملوك الدولة الأخيرة من الدول الحاكمة في اليمن قبل، و قد عدّ منهم أربعة عشر ملكاً، و الّذي يتحصّل من تاريخ ملوك اليمن من طريق النقل و الرواية مبهم جدّاً لا اعتماد على تفاصيله.

٤١٤

من ملوك حمير باليمن كالأصمعي في تاريخ العرب قبل الإسلام، و ابن هشام في السيرة، و التيجان و أبي ريحان البيروني في الآثار الباقية، و نشوان بن سعيد الحميريّ في شمس العلوم، على ما نقل عنهم - و غيرهم -.

و قد اختلفوا في اسمه فقيل اسمه مصعب بن عبدالله، و قيل: صعب بن ذي المرائد و هو أوّل التبابعة، و هو الّذي حكم لإبراهيم في بئر السبع، و قيل: تبّع الأقرن و اسمه حسّان، و ذكر الأصمعيّ أنّه أسعد الكامل الرابع من التبابعة بن حسّان الأقرن ملكي كرب تبّع الثاني ابن الملك تبّع الأوّل، و قيل: اسمه( شمّر يرعش) .

و قد ورد ذكر ذي القرنين و الافتخار به في عدّة من أشعار الحميريّين و بعض شعراء الجاهليّة ففي البداية، و النهاية،: أنشد ابن هشام للأعشى:

و الصعب ذو القرنين أصبح ثاويا

بالجنو في جدث أشمّ مقيما

و قد مرّ في البحث الروائيّ السابق أنّ عثمان بن أبي الحاضر أنشد لابن عبّاس قول بعض الحميريّين:

قد كان ذو القرنين جدّي مسلما

ملكاً تدين له الملوك و تحشد

بلغ المشارق و المغارب يبتغي

أسباب أمر من حكيم مرشد

فرأى مغيب الشمس عند غروبها

في عين ذي خلب و ثأط حرمد

قال المقريزيّ في الخطط: اعلم أنّ التحقيق عند علماء الأخبار أنّ ذا القرنين الّذي ذكره الله في كتابه العزيز فقال:( وَ يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ سَبَباً ) الآيات عربيّ قد كثر ذكره في أشعار العرب.

و أنّ اسمه الصعب بن ذي مرائد بن الحارث الرائش بن الهمال ذي سدد بن عاد ذي منح بن عار الملطاط بن سكسك بن وائل بن حمير بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود بن عابر بن شالح بن أرفخشد بن سام بن نوحعليه‌السلام .

٤١٥

و أنّه ملك من ملوك حمير و هم العرب(١) العاربة، و يقال لهم أيضاً العرب العرباء، و كان ذوالقرنين تبّعاً متوّجاً، و لمّا ولي الملك تجبّر ثمّ تواضع لله، و اجتمع بالخضر، و قد غلط من ظنّ أنّ الإسكندر بن فيلبس هو ذو القرنين الّذي بنى السدّ فإنّ لفظة ذو عربيّة، و ذوالقرنين من ألقاب العرب ملوك اليمن، و ذاك رومي يونانيّ.

قال أبوجعفر الطبريّ: و كان الخضر في أيّام أفريدون الملك بن الضحّاك في قول عامّة علماء أهل الكتاب الأوّل، و قيل: موسى بن عمرانعليه‌السلام ، و قيل: إنّه كان على مقدّمة ذي القرنين الأكبر الّذي كان على أيّام إبراهيم الخليلعليه‌السلام و أنّ الخضر بلغ مع ذي القرنين أيّام مسيره في البلاد نهر الحياة فشرب من مائه و هو لا يعلم به ذو القرنين و لا من معه فخلد و هو حيّ عندهم إلى الآن، و قال آخرون إنّ ذا القرنين الّذي كان على عهد إبراهيم الخليلعليه‌السلام هو أفريدون بن الضحّاك و على مقدّمته كان الخضر.

و قال أبومحمّد عبدالملك بن هشام في كتاب التيجان، في معرفة ملوك الزمان بعد ما ذكر نسب ذي القرنين الّذي ذكرناه: و كان تبّعاً متوّجاً لمّا ولي الملك تجبّر ثمّ تواضع و اجتمع بالخضر ببيت المقدّس، و سار معه مشارق الأرض و مغاربها و أوتي من كلّ شي‏ء سببا كما أخبر الله تعالى، و بنى السدّ على يأجوج و مأجوج و مات بالعراق.

و أمّا الإسكندر فإنّه يونانيّ، و يعرف بالإسكندر المجدوني (و يقال: المقدوني) سئل ابن عبّاس عن ذي القرنين: ممّن كان؟ فقال: من حمير و هو الصعب بن ذي مرائد الّذي مكّنه الله في الأرض و آتاه من كلّ شي‏ء سبباً فبلغ قرني الشمس و رأس الأرض و بنى السدّ على يأجوج و مأجوج. قيل له: فالإسكندر؟ قال: كان رجلاً صالحاً روميّاً حكيماً بنى على البحر في إفريقيّة مناراً، و أخذ أرض رومة، و أتى بحر العرب، و أكثر عمل الآثار في العرب من المصانع و المدن.

____________________

(١) العرب العاربة هم العرب قبل إسماعيل و أمّا إسماعيل و بنوه فهم العرب المستعربة.

٤١٦

و سئل كعب الأحبار عن ذي القرنين فقال: الصحيح عندنا من أحبارنا و أسلافنا أنّه من حمير و أنّه الصعب بن ذي مرائد، و الإسكندر كان رجلاً من يونان من ولد عيصو بن إسحاق بن إبراهيم الخليلعليهما‌السلام ، و رجال الإسكندر(١) أدركوا المسيح بن مريم منهم جالينوس و أرسطاطاليس.

و قال الهمدانيّ في كتاب الأنساب،: و ولد كهلان بن سبا زيدا، فولد زيد عريبا و مالكا و غالبا و عميكرب، و قال الهيثم: عميكرب بن سبإ أخو حمير و كهلان فولد عميكرب أبا مالك فدرحا و مهيليل ابني عميكرب، و ولد غالب جنادة بن غالب و قد ملك بعد مهيليل بن عميكرب بن سبإ، و ولد عريب عمراً، فولد عمرو زيداً و الهميسع و يكنّى أبا الصعب و هو ذو القرنين الأوّل، و هو المسّاح و البناء، و فيه يقول النعمان بن بشير:

فمن ذا يعادونا من الناس معشرا

كراما فذو القرنين منّا و حاتم

و فيه يقول الحارثي:

سمّوا لنا واحدا منكم فنعرفه

في الجاهلية لاسم الملك محتملا

كالتبّعين و ذي القرنين يقبله

أهل الحجى فأحقّ القول ما قبلا

و فيه يقول ابن أبي ذئب الخزاعيّ:

و منّا الّذي بالخافقين تغرّبا

و أصعد في كلّ البلاد و صوّبا

فقد نال قرن الشمس شرقا و مغربا

و في ردم يأجوج بنى ثمّ نصبا

و ذلك ذو القرنين تفخر حمير

بعسكر فيل ليس يحصى فيحسبا

قال الهمدانيّ: و علماء همدان تقول: ذو القرنين الصعب بن مالك بن الحارث الأعلى بن ربيعة بن الحيار بن مالك، و في ذي القرنين أقاويل كثيرة. انتهى كلام المقريزيّ.

و هو كلام جامع، و يستفاد منه أوّلاً أنّ لقب ذي القرنين تسمّى به أكثر من واحد من ملوك حمير و أنّ هناك ذا القرنين الأوّل (الكبير) و غيره.

____________________

(١) و هذا لا يوافق ما قطع به التاريخ أنّه ملك ٣٥٦ - ٣٢٤ ق م.

٤١٧

و ثانياً: أنّ ذا القرنين الأوّل و هو الّذي بنى سدّ يأجوج و مأجوج قبل الإسكندر المقدوني بقرون كثيرة سواء كان معاصراً للخليلعليه‌السلام أو بعده كما هو مقتضى ما نقله ابن هشام من ملاقاته الخضر ببيت المقدّس المبنيّ بعد إبراهيم بعدّة قرون في زمن داود و سليمانعليه‌السلام فهو على أيّ حال قبله مع ما في تاريخ ملوك حمير من الإبهام.

و يبقى الكلام على ما ذكره و اختاره من جهتين:

أحدهما: أنّه أين موضع هذا السدّ الّذي بناه التبّع الحميريّ؟.

و ثانيهما: أنّه من هم هذه الاُمّة المفسدة في الأرض الّتي بنى السدّ لصدّهم فهل هذا السدّ أحد الأسداد المبنيّة في اليمن أو ما والاها كسدّ مأرب و غيره فهي أسداد مبنيّة لادّخار المياه للشرب و السقي لا للصدّ على أنّها لم يعمل فيها زبر الحديد و القطر كما ذكره الله في كتابه، أو غيرها؟ و هل كان هناك اُمّة مفسدة مهاجمة، و ليس فيما يجاورهم إلّا أمثال القبط و الآشور و كلدان و غيرهم و هم أهل حضارة و مدنيّة؟.

و ذكر بعض أجلّة المحقّقين(١) من معاصرينا في تأييد هذا القول ما محصّله: أنّ ذا القرنين المذكور في القرآن قبل الإسكندر المقدوني بمآت من السنين فليس هو هو بل هو أحد الملوك الصالحين من التبابعة الأذواء من ملوك اليمن، و كان من شيمة طائفة منهم التسمّي بذي كذي همدان و ذي غمدان و ذي المنار و ذي الإذعار و ذي يزن و غيرهم.

و كان مسلماً موحّداً و عادلاً حسن السيرة و قويّاً ذا هيبة و شوكة سار في جيش كثيف نحو المغرب فاستولى على مصر و ما وراءها ثمّ لم يزل يسير على سواحل البحر الأبيض حتّى بلغ ساحل المحيط الغربيّ فوجد الشمس تغيب في عين حمئة أو حامية.

____________________

(١) و هو العلامة السيد هبة الدين الشهرستاني.

٤١٨

ثمّ رجع سائراً نحو المشرق و بنى في مسيره( إفريقيّة(١) ) و كان شديد الولع و ذا خبرة في البناء و العمارة، و لم يزل يسير حتّى مرّ بشبه جزيرة و براري آسيا الوسطى و بلغ تركستان و حائط الصين و وجد هناك قوماً لم يجعل الله لهم من دون الشمس سترا.

ثمّ مال إلى الجانب الشماليّ حتّى بلغ مدار السرطان، و لعلّه الّذي شاع في الألسن أنّه دخل الظلمات، فسأله أهل تلك البلاد أن يبني لهم سدّا يصدّ عنهم يأجوج و مأجوج لما أنّ اليمنيّين - و ذو القرنين منهم - كانوا معروفين بعمل السدّ و الخبرة فيه فبنى لهم السدّ.

فإن كان هذا السدّ هو الحائط الكبير الحائل بين الصين و منغوليا فقد كان ذلك ترميماً منه لمواضع تهدّمت من الحائط بمرور الأيّام و إلّا فأصل الحائط إنّما بناه بعض ملوك الصين قبل ذلك، و إن كان سدّا آخر غير الحائط فلا إشكال. و ممّا بناه ذو القرنين و اسمه الأصليّ( شمّر يرعش) في تلك النواحي مدينة سمرقند(٢) على ما قيل.

و أيّد ذلك بأنّ كون ذي القرنين ملكاً عربيّاً صالحاً يسأل عنه الأعراب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و يذكره القرآن الكريم للتذكّر و الاعتبار أقرب للقبول من أن يذكر قصّة بعض ملوك الروم أو العجم أو الصين، و هم من الاُمم البعيدة الّتي لم يكن للأعراب هوى في أن يسمعوا أخبارهم أو يعتبروا بآثارهم، و لذا لم يتعرّض القرآن لشي‏ء من أخبارهم. انتهى ملخّصاً.

و الّذي يبقى عليه أنّ كون حائط الصين هو سدّ ذي القرنين لا سبيل إليه فإنّ ذا القرنين قبل الإسكندر بعدّة قرون على ما ذكره و قد بنى حائط الصين بعد

____________________

(١) بناها التبع أقريقس الملك و يقال إنّه ذو القرنين، و قيل إنّه أبو ذي القرنين أو أخوه و به سميت القارة إفريقا.

(٢) يقال إنّه مرّ بناحية تركستان فخرب ( سند ) و بنى ( سمرقند ) فقيل ( شمركند ) أي شمر قلع و خرب سند فبقي شمر اسما له كند ثمّ عربت الكلمة فصارت سمرقند.

٤١٩

الإسكندر بما يقرب من نصف قرن و أمّا غير الحائط الكبير ففي ناحية الشمال الغربيّ من الصين بعض أسداد اُخر لكنّها مبنيّة من الحجارة على ما يذكر لا أثر فيها من زبر الحديد و القطر.

و قال في تفسير الجواهر بعد ذكر مقدّمة ملخّصها أنّ المعروف من دول اليمن بمعونة من النقوش المكشوفة في خرائب اليمن ثلاث دول:

دولة معين و عاصمتها قرناء و قد قدّر العلماء أنّ آثار دولة معين تبتدئ من القرن الرابع عشر قبل الميلاد إلى القرن السابع أو الثامن قبله، و قد عثروا على بعض ملوك هذه الدولة و هم ستّة و عشرون ملكاً مثل( أب يدع) و( أب يدع ينيع) أي المنقد.

و دولة سبإ و هم من القحطانيين كانوا أوّلاً أذواء فأقيالا، و الّذي نبغ منهم( سبأ) صاحب قصر صرواح شرقيّ صنعاء فاستولى على الجميع، و يبتدئ ملكهم من ٨٥٠ ق م إلى ١١٥ ق م و المعروف من ملوكهم سبعة و عشرون ملكاً خمسة عشر منهم يسمّى مكربا كالمكرب( يثعمر) و المكرب( ذمر على) ، و اثنا عشرة منهم يسمّى ملكاً فقط كالملك( ذرح) و الملك( يريم أيمن) .

و دولة الحميريين و هم طبقتان الاُولى ملوك سبإ و ريدان من سنة ١١٥ ق م إلى سنة ٢٧٥ ق م و هؤلاء ملوك فقط، و الطبقة الثانية ملوك سبإ و ريدان و حضرموت و غيرها، و هؤلاء أربعة عشر ملكاً أكثرهم تبابعة أوّلهم( شمّر يرعش) و ثانيهم( ذو القرنين) و ثالثهم( عمرو) زوج بلقيس(١) و ينتهي إلى ذي جدن و يبتدئ ملكهم من سنة ٢٧٥ م إلى سنة ٥٢٥.

ثمّ قال: فقد ظهرت صلة الاتّصاف بلقب( ذي) بملوك اليمن و لا نجد في غيرهم كملوك الروم مثلاً من يلقّب بذي، فذو القرنين من ملوك اليمن، و قد تقدّم

____________________

(١) بلقيس هذه غير ملكة سبإ الّتي يقال إنّ سليمان بن داودعليه‌السلام تزوّج بها بعد ما أحضرها من سبإ و هو سابق على الميلاد بما يقرب من ألف سنة.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443