الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٧

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 417

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 417
المشاهدات: 184727
تحميل: 6026


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 417 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 184727 / تحميل: 6026
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 7

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الجزء السابع

شعراء الغدير في

القرن التاسع وهم ثلاثة حلّيون

وفي هذا الجزء من الدروس العلميَّة الدينيَّة التاريخيَّة ما

تدعم به الحقايق، ويحقّ للباحث أن يكون به أعنى.

١

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سُبحانَكَ أنتَ وَليُّنا مِنْ دونِهِمْ، وَ اجعَلْ لنَا مِنْ لَدُنكَ وَلِيّاً و اجعَلْ لنَا مِنْ لَدُنكَ نصيرا، يا أيّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الحَقُّ مِن رَبِّكم فَمَن اهتَدى فَإنَّما يَهتَدي لِنَفسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فإنَّما يَضِلُّ عَليها وَ مَا أنا عَليكُمْ بِوكيلْ، وَ مَا عَلينا إلَّا البلاغ، قَد جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبينٌ، لِيَهلكَ مَنْ هَلكَ عَنْ بَيِّنةٍ و يَحيَى مَن حَيَّ عنْ بيِّنةٍ، وَ يُحَذِّركُمُ اللهُ نَفسَهُ وَ أنْ تَقولوا عَلى اللهِ ما لا تَعلمُون، هذا كِتابٌ أنزَلناهُ مُبَارَكٌ فاتَّبعوهُ وَ اَتّقوا لعلّكُمْ تُرحمون، وَ لقدْ جِئناكُم بالحقِّ وَ لكنَّ أكثرَكُمْ للحقِّ كارِهون، يَعرفُون نعمةَ الله ثُمَّ يُنكِرونَها، فَلِمَ تُحاجّونَ فِيما ليس لَكم بِه عِلمٌ، إن تتَّبِعونَ إلّا الظنَّ وَ إنْ أنتُمْ إلّا تخرُصون، لا تَتَّعوا أهواءَ قومٍ قَدْ ضَلّوا مِنْ قَبلُ وَ أضَلّوا كثيراً، أطيعُوا الله و أطيعُوا الرَّسُول و أولي الأمرِ منكُم، ألَّذينَ يُنفِقونَ أمْوالهُمْ باللِيلِ وَ النَّهارِ سِرّاً وَ عَلانيَةً، وَ يُطعِمونَ الطَّعامَ على حبِّهِ مِسكيناً وَ يتيماً و أسيراً، ألَّذِينَ آمنوا وَ عَملوا الصّالِحاتِ أولئكَ هُمْ خيرُ البريَّةِ.

الامينى

٢

(شعراء الغدير)

في القرن التاسع

٧١

ابن العرندس الحلي

أضحى يميس كغصن بانٍ في حُلى

قمرٌ إذا ما مرَّ في قلبي حلا

سلب العقول بناظرٍ في فترةٍ

فيها حرام السحر بان محلّلا

وانحلَّ شدُّ عزائمي لمـَّا غدا

عن خصره بند القباء محلّلا

وزهى بها كافور سالف خدِّه

لمـّا بريحان العذار تسلسلا

وتسلسلت عبثاً سلاسل صدغه

فلذاك بتُّ مقيّداً ومسلسلا

قمرٌ قويم قوامه كقناته

ولحاظه في القتل تحكي المنصلا

وجناته جوريَّةٌ وعيونه

حوريَّةٌ تسبي الغزال الأكحلا

أهوى فواترها المراض إذا رنت

وأحبّ جفنيها المراض الغزَّلا

جارت وما صفحت على عشّاقه

فتكاً وعامل قدِّه ما أعدلا

ملكت محاسنه ملوكاً طالما

أضحى لها الملك العزيز مذلّلا

كسرى بعينيه الصحاح وخدّه

النعمان بالخال النجاشيّ خوّلا

كتب العليُّ على صحائف خدّه

نوني قسيِّ الحاجبين ومَثّلا

فرمى بها في عين غنج عيونه

سهم السهام أصاب منِّي المقتلا

فاعجب لعين عبير عنبر خاله

في جيم جمرة خدِّه لن تشعلا

وسَلا الفؤاد بحرّ نيران الجوى

منِّي فذاب وعن هواهُ ما سلا

فمتى بشير الوصل يأتي منجحاً

وأبيت مسروراً سعيداً مُقبلا

ولقد برى منّي السقام وبتُّ في

لجج الغرام معالجاً كرب البلا

وجرت سحائب عبرتي في وجنتي

كدم الحسين على أراضي كربلا

٣

الصائم القوّام والمتصدّق الطعّام

أفرس مَن على فرسٍ علا

رجلٌ بصيوان الغمامة جدّه

المختار في حرِّ الحجير تظلّلا

وأبوه حيدرة الذي بعلومه

وبفضله شرح الكتاب تفصّلا

والاُمُّ فاطمة المطهَّرة التي

بالمجد تاج فخارها قد كلّلا

نسبُ كمنبلج الصباح يزينه

حسبٌ شبيه الشمس زاهلي المجتلى

السيّد السندُ السعيد الساجد

السبط الشهيد المستظام المبتلى

قمرٌ بكت عين السماء لأجله

أسفاً وقلب الدهر بات مقلقلا

تالله لا أنساه فرداً ظامياً

والماء ينهل منه ذيبان الفلا

والسيّد العبّاس قد سلب العدى

عنه اللباس وصيّروه مجدّلا

والطفل شمس حياته قد أصبحت

بالخسف في طفلٍ وجلّ مؤثلا(١)

وبنو اُميَّة في جسوم صحابه

قد حطّموا السمر اللدان الذبَّلا

شربوا بكاساة القنا خمر الفنا

مزج البلاء به فأمسوا في البلا

وتقاطعت أرحامهم وجسومهم

كرماً وأوصلت الرؤس الأرجلا

وتوارثوا من بعد سلب نفوسهم

دار المقامة في القيامة موئلا

والسبط شاك ما له من ناصرٍ

شاكٍ إلى ربّ السمواتِ العلى

ظامٍ إلى ماء الفرات فإن يرم

نهلاً يرى البيض الصوارم مَنهلا

والقوم محدقةٌ عليه بجحفلٍ

كالبحر آخره يحاكي الأوَّلا

متلاطمٌ سغبت(٢) به أسيافهم

فغدا لهم لحم الفوارس مأكلا

ومن العجائب أنّه يشكو الظما

وأبوه يسقي في المعاد السلسلا

حامت عليه للحمامٍ كواسرٌ

ظمئت فأشربت الحمام دم الطلا(٣)

أمست به سمر الرّماح وزرقها

حمراً وشهب الخيل دهماً جفَّلا(٤)

____________________

١ - الطفل من طفلت الشمس: دنت للغروب. المؤثل: الدائم.

٢ - السغوب والسغب: الجوع.

٣ - الكواسر جمع الكاثرة مؤنث الكاثر: العقاب. الطلا: ولد الظبى ساعة يولد. الصغير من كل شيىء.

٤ - الشهب والشهباء: بياض يتخلله سواد. الدهمة: السواد. الجفل من جفل الشعر: شعث وثار.

٤

هاتيك بالدمِ قد صُبغن وهذه

صُبغت بنقعٍ صبغةً لن تنصلا

عقدت سنابك صافنات خيوله

من فوق هامات الفوارس قسطلا(١)

ودجت عجاجته ومدَّ سواده

حتّى أعاد الصبح ليلاً أليلا

وكأنَّما لمع الصوارم تحته

برقٌ تألّق في غمامٍ فانجلى

جيشٌ ملا فوهَ الفلا وأتى فلا

أمست سنابك خيله تفلي الفلا

أبناءُ من جحد الوصيَّ وكذَّب

الهادي النبيَّ وكان حقّاً مرسلا

بذلوا النفوس وبدَّلوا من جهلهم

ما ليس في الإسلام كان مبدَّلا

فمحلّلٌ قد صيّروه محرَّماً

ومحرَّمٌ قد غادروه محلّلا

وتعمّدوا قتل الوصيِّ وحرّفوا

ما كان أحمد في الكتاب له تلا

وأتوا إلى قتل الحسين وأجّجوا

ناراً لهيبُ ضرامها لن يُصطلى

فسطا عليهم بالنزال بعزمة

تذرُ الحسام المشرفيَّ مفلّلا

من فوقِ طرفٍ أعوجيّ سابح

كالبرق يسبق في سُراه الشمألا(٢)

فرسٌ حوافره بغير جماجم الـ

ـفرسان في يوم الوغى لن تنعلا

أضحى بمبيضِّ الصباح مجلّلا

وغدا بمسودِّ الظلامُ مسربلا

وبكفّه سيفٌ جرازٌ باترٌ

عضبٌ يضمّ الغمد منه جدولا(٣)

فقر الجماجم والطلا بغراره(٤)

من كلّ كفّار وأبرى المفصلا

فكأنّه وجواده وحسامه(٥)

يا صاحبيَّ لمن أراد تأمّلا

شمسٌ على الفلك المدار بكفّه

قمرٌ منازله الجماجم والطلا

____________________

١ - السنبك: طرف الحافر. ج السنابك. الصافنات جمع الصافن من الخيل القائم على ثلاث قوائم مطرفاً حافر الرابعة. القسطل: المنية. الغبار الساطع فى الحرب.

٢ - الطرف من الخيل: الكريم الطرفين. السابح من سبح فى الماء: عام وانبسط فيه و يستعار لمر النجوم وجرى الفرس. الشمأل: ريح الشمال.

٣ - الجراز بضم المعجمة: السيف القطاع. الباتر: السيف القاطع ج بواتر. العضب: السيف القاطع.

٤ - الفقر: الحز. الطلا بضم المهلة وكسرها: قشرة الدم. الغرار: حد السيف.

٥ - سبقه الى مثل هذه البداعة شيخنا علاء الدين الشفهينى بما هو أوسع وأبلغ راجع ج ٦ ص ٣٦٢ ط ٢.

٥

والخيل محدقةٌ بجيم جماله

وقلوبهم في الغلي تحكي المرجلا(١)

والسبط يخترق المواكب حاملاً

بعزيمةٍ تردي الخميس الجحفلا

فبسين سمر الخطّ يطعن أنجلاً

وبباء بيض الهند يضرب أهدلا(٢)

فتخال طاء الطعن أنّى أعجمت

نقطاً وضاد الضرب كيف تشكّلا

حتَّى إذا ما السبط آن مماته

وعليه سلطان الحمام توكّلا

داروا به النفر الطغاة بنو الزنات

العاهرات وطبّقوا رحب الفلا

ورماه بعض المارقين بعيطلٍ

سهماً فخرَّ على الصعيد مجدّلا

وأتى بغيُّ بني ضباب صائلاً

بالقسّ تغميض القطامي الأجدلا

وجثى على صدر الحسين وقلبه

حِقداً وعدواناً عليه قد امتلا

فبرى بسيف البغي رأساً طالما

لَثم النبيُّ ثنيّتيه وقبّلا

واسودّ قرص الشمس ساعة قتله

أسفاً وشهب الفلك أمست اُفّلا

ونعاه جبريلٌ وميكالٌ وإسرا

فيلُ والعرش المجيد تزلزلا

والطير في الأغصان ناح مغرّدا

والوحش في القيعان ناح وأعولا

وأتى الجواد ولا جواد فوقه

متوجّعاً متفجِّعاً متوجَّلا

عالي الصهيل بمقلةٍ إنسانها

باكٍ يسحّ الدمع نقطاً مهملا

فسمعن نسوان الحسين صهيله

فبرزن من خلل المضارب ثكّلا

ينثون من جَون العيون مدامعاً

حمراً على بيض السوالف هُطّلا(٣)

حتى إذا قُتل الحسين وأصبحت

من بعده غرّ المدارس عُطّلا

ومنازل التنزيل حلَّ بها العزا

ومِن الجليس أنيس مربعها خلا

بغت البغاة جهالةً سبي النسا

وبغت وحقَّ لمن بغى أن يجهلا

____________________

١ - المرجل: القدر.

٢ - الانجل من نجل الرجل نجلا: وسعت عينه وحسنت. الاهدل: المسترخى المشفر أو الشفة.

٣ - ينثون من نثى نثوا: فرق ونشر. الجون: الابيض. الاسود. السوالف جمع السالفة صفحة العنق، وسالفة الفرس: ما تقدم من عنقه. هطل المطر: نزل متتابعاً متفرقاً عظيم القطر فهو هاطل والجمعُ هطّل.

٦

نصبوا بمرفوع القناة كريمه(١)

جهراً وجرّوا للمعاصي أذيلا

وسروا بنسوته السراة بلا ملاً

حسرى يلاحظهنّ ألحاظ الملا

وغدوا بزين العابدين الساجد

الحبر الأمين مقيّدا ومغلّلا

وسكينة أمست وساكن قلبها

متحرّكٌ فيه الأسى لن يرحلا

وبدال دمع العين منها غرّقت

صاد الصعيد وأنبتت كاف الكلا

وديارهنَّ الآنسات بلاقعٌ

أقوت(٢) وكنّ بها الأحبّة نزّلا

والصبر عنِّي ضاعنٌ مترحّلٌ

لمـّا شددن على المطيّ الأرحلا

ومدامعي فوق الخدود نوازلٌ

لمـّا زممن جمالهنَّ البزَّلا(٣)

تسري بهنّ إلى الشئام عصابةٌ

أمويّةٌ تبغي العطاء الأجزلا

تُرضي يزيد لكي يزيد لها العطا

جهلاً ويتحفها السؤال معجّلا

فلألعننَّ بني اُميَّة ما حدا

الحادي وما سرت الركائب قفّلا

ولألعننَّ زيادها ويزيدها

ويزيدُها ربّي عذاباً منزلا

تبّاً لهم فعلوا بآل محمَّد

ما ليس تفعله الجبابرة الأولى

ولأبكينَّ على الحسين بمدمعٍ

قانٍ أبلُّ به الصعيد الممحلا

يا طفّ طاف على ثراك من الحيا

هامٍ تِسير به السحائب جفّلا(٤)

ذو هيدبٍ متراكبٍ مُتلاحمٍ(٥)

عالي البروق يسحُّ دمعاً مُسبلا

يشفيك إذ يسقيك منه بوابلٍ

عذب له أرجٌ يُحاكي المندلا(٦)

ثمّ السَّلام من السَّلام على الذي

نُصبت له في (خمّ) رايات الولا

____________________

١ - الكريمة: كل جارحة شريفة.

٢ - أقوت الدار: خلت من ساكنيها.

٣ - زمم الجمال: خطمها. بزل البعير: انشق نابه. فهو بازل ج بوازل وبزل.

٤ - الحيا: المطر. هام فاعل من همى يهمى همياً أى سال لا يثنيه شئ. جفل: أى أسرع. والجفيل: الكثير.

٥ - الهيدب من السحاب: المتدلى الذى يدنو من الارض. المتلاحم: المتلاصق والمتلائم.

٦ - الوابل: المطر الشديد. الارج: الرائحة الطيبة المندل بفتح الميم. العود الطيب الرائحة.

٧

تالي كتاب الله أكرم من تلا

وأجلُّ من للمصطفى الهادي تلا

زوج البتول أخ الرسول مطلّق

الدنيا وقاليها بنيران القلا

رجلٌ تسربل بالعفاف وحبّذا

رجلٌ بأثواب العفاف تسربلا

تلقاه يوم السلم غيثاً مُسبلاً

وتراه يوم الحرب ليثاً مُشبلا

ذو الراحة اليمنى التي حسناتها

مدّت على كيوان باعاً أطولا(١)

والمعجزات الباهرات النيّرات

المشرقات المعذرات لمن غلا

منها رجوع الشمس بعد غروبها(٢)

نبأ تصير له البصائر ذُهّلا

ولسيره فوق البساط فضيلةٌ(٣)

أوصافها تُعيي الفصيح المقولا

وخطاب أهل الكهف منقبةٌ غلت

وعلت فجاوزت السماك الأعزلا

وصعود غارب احمدٍ فضل له

دون القرابة والصحابة أفضلا

هذا الذي حاز العلوم بأسرها

ما كان منها مُجملاً ومفصّلا

هذا الذي بصَلاته وصِلاته

للدين والدنيا أتمّ وأكملا

هذا الذي بحسامه وقناته

في خيبر صعب الفتوح تسهّلا

وأباد مرحب في النزال بضربة

ألقت على الكفّار عبئاً مُثقلا

وكتائب الأحزاب صيّر عَمروها

بدمائه فوق الرمال مُرمَّلا

وتبوك نازل شوسها فأبادهم

ضرباً بصارم عزمة لن يُفللا

وبه توسَّل آدم لمـّا عصى

حتّى اجتباه ربُّنا وتقبّلا

وبه دعا نوحٌ فسارت فلكه

والأرض بالطوفان مفعمةُ ملا

وبه الخليل دعا فأضحت ناره

برداً وقد أذكت حريقاً مُشعلا

وبه دعا موسى تلقّفت العصا

حيّات سحرٍ كُنَّ قِدماً أحبلا

وبه دعا عيسى المسيح فأنطق

الميت الدفين به وقام من البلا

____________________

١ - كيوان: زحل تحيط به منطقة نيرة يضرب به المثل فى العلو والبعد. الباع: قدر مد اليدين.

٢ - مر حديث رد الشمس فى الجزء الثالث ص ١٢٦ - ١٤١ ط ٢.

٣ - اخرجها الثعلبى والفقيه المغازلى والقزوينى عن ابن عباس وأنس بن مالك وستأتى بلفظها فى محلها انشاء الله تعالى.

٨

وبخمّ وأخاه النبيُّ محمَّدٌ

حقّاً وذلك في الكتاب تنزّلا

عذل النواصب في هواه وعنَّفوا

فعصيتهم وأطعت فيه مَن غلا

ومدحته رغماً على آنافهم

مدحاً به ربِّي صدا قلبي جلا

وتراب نعل أبي ترابٍ كلّما

مسَّ القذا عيني يكون لها جلا

فعليه أضعاف التحيَّة ما سرى

سارٍ وما سحَّ السحاب وأهملا

سمعاً أمير المؤمنين قصائداً

تزداد ما مرَّ الزمان تجمّلا

عربيَّة نشأت بحلّة بابلٍ

فغدت تُخجّل بالفصاحة جرولا

سادت فشادت للعرندس صالح

مجداً على هام النجوم مؤثّلا

وسمت قلوب حواسدي وسمت على

[نمَّ العذار بعارضيه وسلسلا](١)

وعلت بمدحك يا عليُّ ووازنت

[لم أبك ربعاً للأحبّة قد خلا](٢)

(ما يتبع الشعر)

ذكر شاعرنا إبن العرندس في قصيدته هذه جملةً من مناقب مولانا أمير المؤمنين وقد مرَّ تفصيل بعضها، وستوافيك كلمتنا الضافية في بعضها الآخر، ونقتصر في المقام على ما أشار اليه بقوله:

وصعود غارب أحمد فضلٌ له

دون القرابة الصَّحابة أفضلا

عن عليّ رضي الله عنه قال: انطلق بي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الأصنام فقال: اجلس فجلست إلى جنب الكعبة ثمَّ صعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على منكبي ثمَّ قال: انهض بي إلى الصنم فنهضت به فلمّا رأى ضعفي تحته قال: اجلس فجلست وأنزلته عنِّي وجلس لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمَّ قال لي: يا عليُّ! اصعد على منكبي. فصعدت على منكبيه ثمَّ نهض بي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا نهض بي خيل لي انِّي لو شئت نلت اُفق السَّماء وصعدت على الكعبة وتنحّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فألقيت صنمهم الأكبر صنم قريش وكان من نحاس موتداً بأوتاد من حديد إلى الأرض فقال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عالجه فعالجته فما زلت

____________________

١ - مطلع قصيدة للشيخ علاء الدين الحلى المذكورة فى الجزء السادس ص ٣٨٣ ط ٢.

٢ - هى قصيدة جمال الدين الخلعى المترجم فى الجزء السادس ص ١٢ - ١٩ والقصيدة فى الامام السبط الشهيد تقدر بـ ٧٥ بيتاً كما مر في ج ٦ ص ١٨.

٩

اُعالجه ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إيه إيه إيه. فلم أزل اُعالجه حتّى استمكنت منه فقال: دقَّه فدققته وكسرته ونزلت.

وفي لفظ: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقذف به. فقذفت به فتكسّر كما تنكسر القوارير ثمّ نزلت. وفي لفظ: ونزوت من فوق الكعبة.

وعن جابر بن عبد الله قال: دخلنا مع النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكّة وفي البيت وحوله ثلثمائة وستّون صنماً فأمر بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاُلقيت كلّها لوجوهها وكان على البيت صنمٌ طويلٌ يقال له: هبل. فنظر النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عليّ وقال له: يا عليُّ! تركب عليَّ أو أركب عليك لألقي هبل. عن ظهر الكعبة؟ قلت: يا رسول الله! بل تركبني: فلمّا جلس على ظهري لم استطع حمله لثقل الرسالة قلت: يا رسول الله! بل أركبك. فضحك ونزل وطأطأ لي ظهره واستويت عليه فوالذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة لو أردت أن أمسك السماء لأمسكتها بيدي، فألقيت هبل عن ظهر الكعبة فأنزل الله تعالى: وقل جاء الحقُّ وزهق الباطل إنَّ الباطل كان زهوقا.

وعن ابن عبّاس قال: قال النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ: قم بنا إلى الصنم في أعلى الكعبة لنكسِّره فقاما جميعاً فلمّا أتياه قال له النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قم على عاتقي حتّى أرفعك عليه فأعطاه عليٌّ ثوبه فوضعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عاتقه ثمَّ رفعه حتّى وضعه على البيت فأخذ عليٌّ الصنم وهو من نحاس، فرمى به من فوق الكعبة كأنَّما كان له جناحان.

هذه الأثارة أخرجتها اُمَّةٌ من الحفّاظ وأئمَّة الحديث والتاريخ، وأخذها منهم رجال التأليف في القرون المتأخِّرة وذكروها في كتبهم مرسلين إيّاها إرسال المسلّم من دون أيِّ غمز في سندها وإليك جملةٌ منهم:

١ - اسباط بن محمَّد القرشي المتوفّى ٢٠٠ روى عنه أحمد في المسند.

٢ - ألحافظ أبو بكر الصغاني المتوفّى ٢١١ حكاه عنه السيوطي.

٣ - ألحافظ إبن أبي شيبة المتوفّى ٢٣٥ حكاه عنه الزرقاني والسيوطي.

٤ - إمام الحنابلة أحمد المتوفّى ٢٤١ في مسنده ١: ٨٤ باسناد صحيح رجاله كلّهم ثقات.

٥ - أبو علي أحمد المازني المتوفّى ٢٦٣ روى عنه النسائي.

١٠

٦ - ألحافظ أبو بكر البزّار ألمتوفّى ٢٩٢ كما في الينابيع.

٧ - ألحافظ إبن شعيب النسائي ألمتوفّى ٣٠٣ في الخصايص ص ٣١.

٨ - ألحافظ أبو يعلى الموصلي ألمتوفّى ٣٠٧ في مسنده.

٩ - ألحافظ أبو جعفر الطبري ألمتوفّى ٣١٠ كما في جمع الجوامع.

١٠ - ألحافظ أبو القاسم الطبراني ألمتوفّى ٣٦٠ كما في تاريخ الخميس.

١١ - ألحافظ الحاكم النيسابوري ألمتوفّى ٤٠٥ في المستدرك ٢: ٣٦٧ وصحَّحه.

١٢ - ألحافظ أبو بكر الشيرازي ألمتوفّى ٤٠٧ / ١٠ في نزول القرآن من طريق جابر.

١٣ - ألحافظ أبو محمَّد أحمد بن محمَّد العاصمي في زين الفتى شرح سورة هل أتى.

١٤ - ألحافظ أبو نعيم الإصبهاني المتوفّى ٣٤٠ روى عنه الخطيب املاءً.

١٥ - ألحافظ أبو بكر البيهقي المتوفّى ٤٥٨ روى من طريقه الخوارزمي.

١٦ - ألحافظ الخطيب البغدادي المتوفّى ٤٦٣ في تاريخه ١٣: ٢. ٣.

١٧ - الفقيه أبو الحسن ابن المغازلي المتوفّى ٤٨٣ في مناقبه من طريق أبي هريرة.

١٨ - الحافظ أبو عبد الله الفراوي المتوفّى ٥٣٠ كما في كفاية الكنجي.

١٩ - أخطب خطباء خوارزم المتوفّى ٥٦٨ في المناقب ص ٧٣ من طريق الحافظين: البيهقي والحاكم.

٢٠ - الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي المتوفّى ٥٩٧ في صفة الصفوة ١ ص ١١٩.

٢١ - الحافظ رضي الدين أبو الخير الحاكمي في أربعينه في فضائل عليّعليه‌السلام .

٢٢ - الحافظ أبو عبد الله ابن النجار المتوفّى ٦٤٣ كما في الكفاية.

٢٣ - أبو سالم ابن طلحة الشافعي المتوفّى ٦٥٢ في مطالب السئول ص ١٢.

٢٤ - أبو المظفر يوسف سبط ابن الجوزي المتوفّى ٦٥٤ في التذكرة ص ١٧].

٢٥ - الحافظ أبو عبد الله الكنجي المتوفّى ٦٥٨ في الكفاية ص ١٢٨. وقال: رواه الحاكم والبيهقي، وهو حديثٌ حسنٌ ثابتٌ عند أهل النقل.

٢٦ - الحافظ الصالحاني كما في تاريخ الخميس.

٢٧ - الحافظ محب الدين الطبري المتوفّى ٦٩٤ في الرياض النضرة ٢: ٢٠٠ نقلاً عن أحمد وابن الجوزي والحاكمي

١١

٢٨ - جمال الدين أبو عبد الله ابن النقيب المتوفّى ٦٩٨ في تفسيره والعبر.

٢٩ - شيخ الإسلام الحموي المتوفّى ٧٢٢ في فرائد السمطين.

٣٠ - الحافظ شمس الدين الذهبي المتوفّى ٧٤٨ في تلخيص المستدرك و قال: إسناده نظيفٌ والمتن منكرٌ. قال الأميني: لم يك يعرف أيّ حافظ هذه النكارة في تلكم القرون الخالية إلى أن جاد الدهر بالذهبي، وكوى الحديث بعينه، فكوّه نار حقده، غير أنَّ تلك النكارة الموهومة دفنت معه ولم يتّبع أثره فيها أيُّ محدِّث بعده.

٣١ - الحافظ الزرندي المتوفّى بضع و ٧٥٠ في نظم درر السمطين.

٣٢ - الحافظ جلال الدين السيوطي المتوفّى ٩١١ في الجامع الكبير كما في ترتيبه ٦: ٤٠٧ عن إبن أبي شيبة، وعبد الرزّاق، وأحمد، وابن جرير، والخطيب، والحاكم وقال: صححه. وذكره في الخصايص الكبرى ١: ٢٦٤.

٣٣ - الحافظ أبو العبّاس القسطلاني المتوفّى ٩٢٣ في المواهب اللدنيَّة ١ ص ٢٠٤ نقلاً عن ابن النقيب.

٣٤ - القاضي الديار بكري المالكي المتوفّى ٩٦٦ / ٨٢ في تاريخ الخميس ٢ ص ٩٥ نقلاً عن الطبراني والزرندي والصالحاني وابن النقيب الممقدَسي والمحبّ الطبري وصاحب شواهد النبوَّة فقال: ثمَّ إنَّ عليّاً أراد أن ينزل فألقى نفسه من صوب الميزاب تأدّباً وشفقةً على النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولمـّا وقع على الأرض تبسَّم فسأله النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن تبسّمه؟ قال: لأنِّي ألقيت نفسي من هذا المكان الرفيع وما أصابني ألمٌ. قال: كيف يصيبك ألمٌ وقد رفعك محمّد وأنزلك جبريل؟ وقال الشاعر:

قيل لي: قل في عليّ مدحاً

ذكره يخمد ناراً موصده

قلت: لا أقدم في مدح امرئ

ضلّ ذو اللبِّ إلى أن عبده

والنبيّ المصطفى قال لنا:

ليلة المعراج لمـّا صعده

وضع الله بظهري يده

فأحسِّ القلب أن قد برده

وعليُّ واضعٌ أقدامه

في محلّ وضع الله يده

٣٥ - نور الدين الحلبي الشافعي المتوفّى ١٠٤٤ في السيرة الحلبيّة ٣: ٩٧.

٣٦ - أبو عبد الله الزرقاني المالكي المتوفّى ١١٢٢ في شرح المواهب ٢: ٣٣٦ عن

١٢

إبن أبي شيبة والحاكم فقال: قد أجاد القائل:

يا ربّ بالقدم التي أوطأتها

من قاب قوسين المحلّ الأعظما

وبحرمة القدم التي جعلت لها

كتف المؤيّد بالرسالة سلّما

ثبِّت على متن الصراط تكرُّماً

قدمي وكن لي منقذاً ومسلّما

واجعلهما ذخري فمن كانا له

ذخراً فليس يخاف قطّ جهنّما

٣٧ - السيِّد أحمد زيني دحلان المكي المتوفّى ١٢٣٢ في السِّيرة النبويَّة هامش الحلبيّة ٢: ٢٩٣ فقال: وقد أجاد القائل:

يا ربّ بالقدم التي أوطأتها

إلى آخر الأبيات المذكورة

٣٨ - شهاب الدين الآلوسي المتوفّى ١٢٧٠ في شرح العينيَّة ص ٧٥ وقد مرَّت كلمته في ج ٦ ص ٢٢.

٣٩ - خواجه كلان القندوزي المتوفّى ١٢٩٣ في ينابيع المودَّة ص ١٩٣ عن البزّار وأبي يعلى الموصلي.

٤٠ - الشيخ أبو بكر بن محمَّد الحنفي المتوفّى ١٢٧٠ في قرَّة العيون المبصرة ج ١ ص ١٨٥.

٤١ - السيِّد محمود القراغولي الحنفي في جوهرة الكلام ص ٥٥، ٥٩.

(ألشاعر)

الشيخ صالح بن عبد الوهاب بن العرندس الحلي الشهير بابن العرندس، أحد أعلام الشيعة ومن مؤلِّفي علمائها في الفقه والاُصول، وله مدائح ومراثي لأئمة أهل البيت عليهم السّلام تنمُّ عن تفانيه في ولائهم ومناوئته لأعدائهم، ذكر شطراً منها شيخنا الطريحي في « المنتخب » وجملة منها مبثوثة في المجاميع والموسوعات، وعقد له العلّامة السماوي في « الطليعة » ترجمة اطراه فيها بالعلم والفضل والتقى والنسك و المشاركة في العلوم. وأشفع ذلك الخطيب الفاضل اليعقوبي في « البابليات » وأثنى عليه ثناءً جميلاً، وذكر في « الطليعة » أنّه توفّي حدود ٨٤٠ بالحلّة الفيحاء ودفن فيها وله قبرٌ يزار ويتبرَّك به.

١٣

كان إبن العرندس يحاول في شعره كثيراً الجناس على نمط الشيخ علاء الدين الشفهيني المترجم في الجزء السادس ص ٣٥٦ وتعلوه القوَّة والمتانة، ويُعرب عن تضلّعه من العربيَّة واللغة، ولولا تهالكه على ما تجده في شعره من الجناس الكثير لكان ما ينظمه أبلغ وأبرع ممّا هو الآن.

ومن شعر شيخنا الصّالح رائيةٌ اشتهر بين الأصحاب أنَّها لم تقرأ في مجلس إلّا وحضره الإمام الحجّة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه، توجد برمَّتها في منتخب شيخنا الطريحي ٢: ٧٥ وهي:

طوايا نظامي في الزَّمان لها نشرُ

يعطِّرها من طيب ذكراكمُ نشرُ

قصائدُ ما خابت لهنَّ مقاصدٌ

بواطنها حمدٌ ظواهرها شكرُ

مطالعها تحكي النجوم طوالعاً

فأخلاقها زُهرٌ وأنوارها زَهرُ

عرائس تُجلي حين تُجلي قلوبنا

أكاليلها درُّ وتيجانها تبرُ

حسانٌ لها حسّان بالفضل شاهد

على وجهها تِبرٌ يُزان بها التِّبرُ

اُنظِّمها نظم اللّئالي وأسهر الليالـ

ـي ليحيى لي بها وبكم ذكرُ

فيا ساكني أرض الطفوف عليكمُ

سلامُ مُحبّ ما له عنكمُ صبرُ

نشرتُ دواوين الثنا بعد طيِّها

وفي كلِّ طرس من مديحي لكم سطرُ

فطابق شعري فيكمُ دمع ناظري

فمبيضُّ ذا نظمٌ ومحمرُّ ذا نثرُ

فلا تتهموني بالسلوِّ فإنّما

مواعيد سلواني وحقّكمُ الحشرُ

فذلّي بكم عزُّ وفقري بكم غنىّ

وعسري بكم يسر وكسري بكم جبرُ

ترقّ بروق السّحب لي من دياركم

فينهلُّ من دمعي لبارقها القطرُ

فعيناي كالخنساء(١) تجري دموعها

وقلبي شديدٌ في محبِّتكم صخرُ

وقفت على الدّار التي كنتمُ بها

فمغناكُم من بَعد معناكمُ فقرُ

وقد دُرست منها الدُّروس وطالما

بها درس العلم الآلهيّ والذّكرُ

وسالت عليها من دموعي سحائبٌ

إلى أن تروّى البان بالدمع والسّدرُ

____________________

١ - هى الخنساء بنت عمرو بن الحارث شاعرة صحابية شهيرة لها شعر كثير فى رثاء أخيها لابيها صخر وقد قتله بنو أسد.

١٤

فَراق فِراق الرّوح لي بَعد بُعدكم

ودار برسم الدّار في خاطري الفكرُ

وقد أقلعت عنها السحابُ ولم يُجد

ولا درَّ مِن بعد الحسين لها درُّ

إمام الهدى سبط النبوَّة والد الأئمَّة

ربّ النّهي مولىً له الأمرُ

إمامٌ أبوه المرتضى علم الهدى

وصيُّ رسول الله والصّنو والصهرُ

إمامٌ بكته الإنس والجنُّ والسما

ووحش الفلا والطير والبرُّ والبحرُ

له القبَّة البيضاء بالطفِّ لم تزل(١)

تطوف بها طوعاً ملائكةٌ غرُّ

وفيه رسول الله قال وقوله

صحيحٌ صريحٌ ليس في ذلكم نكرُ

: حُبي بثلاث ما أحاط بمثلها

وليٌّ فمن زيدٌ هناك ومَن عمرو؟

له تربةٌ فيها الشفاء وقبَّةٌ

يجاب بها الداعي إذا مسَّه الضرُّ

وذُريَّةٌ ذريَّةٌ منه تسعة

أئمَّة حقّ لا ثمان ولا عشرُ

أيقتل ظمآناً حسينٌ بكربلا

وفي كلّ عضوٍ من أنامله بحرُ؟

ووالده السّاقي على الحوض في غد

وفاطمةٌ ماء الفرات لها مهرُ

فوالهف نفسي للحسين وما جنى

عليه غَداة الطفِّ في حربه الشمرُ

رماه بجيش كالظلام قسيّه الأ

هلّة والخرصان أنجمه الزّهرُ

لراياتهم نصبٌ وأسيافهم جزمٌ

وللنَّقع رفعٌ والرِّماح لها جرُّ

تجمَّع فيها من طغاة اُميَّة

عصابة غدر لا يقوم لها عذرُ

وأرسلها الطاغي يزيد ليملك الـ‍

ـعراق وما أغنته شامٌ ولا مصرُ

وشدَّ لهم أزراً سليل زيادها

فحلَّ به من شدِّ أزرهم الوزرُ

وأمَّر فيهم نجل سعد لنحسه

فما طال في الريِّ اللعين له عُمرُ

فلمّا التقى الجمعان في أرض كربلا

تباعد فعل الخير واقترب الشرُّ

فحاطوا به في عشر شهر محرَّم

وبيض المواضي في الأكفِّ لها شَمرُ

فقام الفتى لمـّا تشاجرت القنا

وصال وقد أودى بمهجته الحَرُّ

وجال بطرف في المجال كأنَّه

دجى اللّيل في لألآء غرَّته الفجرُ

____________________

١ - تلك القبة المقدسة كانت بيضاء فى تلكم القرون وأما اليوم فقد تغشتها صفائح النضار، فهى صفراء لونها تسرّ الناظرين كما أن باطنها سرح ممرد من قوارير.

١٥

له أربعٌ للرّيح فيهنَّ أربعٌ

لقد زانه كرٌّ و ما شانه الفرُّ

ففرَّق جمع القوم حتّى كأنَّهم

طيور بُغاث(١) شتَّ شملهم الصقرُ

فأذكرهم ليل الهرير فاجمع الكلا

ب على اللّيث الهزبر وقد هرّوا(٢)

هناك فدته الصّالحون بأنفس

يُضاعف في يوم الحساب لها الأجرُ

وحادوا عن الكفّار طوعاً لنصره

وجاد له بالنفس مِن سَعده الحُرُّ(٣)

ومدّوا إليه ذُبَّلاً سمهريَّة(٤)

لطول حياة السبط في مدِّها جزرُ

فغادره في مارق الحرب مارقٌ

بسهم لنحر السبط من وقعه نحرُ

فمالَ عن الطِرف الجواد أخو الندى

الجواد قتيلاً حوله يصهل المهرُ(٥)

سَنان سنانٍ خارقٌ منه في الحشا

وصارم شمرٍ في الوريد له شَمرُ(٦)

تجرّ عليه العاصفات ذيولها

ومن نسج أيدي الصافنات له طمرُ(٧)

فرجَّت له السبع الطباق وزلزلت

رواسي جبال الأرض والتطم البحرُ

فيا لك مقتولا بكته السَّما دماً

فمغبرُّ وجه الأرض بالدّم محمرُّ

ملابسه في الحرب حمرٌ من الدما

وهنَّ غداة الحشر من سندس خضرُ

ولهفي لزين العابدين وقد سرى

أسيراً عليلاً لا يفكُّ له أسرُ

وآل رسول الله تسبى نسائهم

ومن حولهنَّ الستر يهتك والخدرُ

____________________

١ - البغاث بتثليث الباء: طائر أبغث أصغر من الرخم بطيئ الطيران ج بغثان.

٢ - ليلة الهرير من ليالى صفين قتل فيها ما يقرب من سبعين ألف قتيل ولمولانا أمير المؤمنين ولاصحابه فى تلك الليلة موقف شجاعة يذكر مع الابد. الهرير كأمير. هرير الكلب صوته دون نباحه من قلة صبره على البرد.

٣ - الحر بن يزيد الرياحى التميمى اليربوعى كان سلام الله عليه شريف قومه جاهلية و اسلاماً كما قاله ابن الاثير.

٤ - الذبّل بضم المعجمة ثم الموحدة المفتوحة جمع الذابل: الرقيق. السمهري: الرمح الصلب.

٥ - الطرف كما مر من الخيل: الكريم الطرفين: الاب والام. المهر: ولد الفرس.

٦ - الشمر بفتح المعجمة من شمر تشميراً: مر مسرعاً. وأشمره بالسيف: أدرجه.

٧ - العاصفات: الارياح الشديدة. الصافنات « راجع ص ٥ » الطمر: الثوب البالي.

_١_

١٦

سبايا بأكوار المطايا حواسراً

يلاحظهنَّ العبد في الناس والحرُّ

ورملة(١) في ظلّ القصور مصونة

يُناط على أقراطها الدرُّ والتبرُ

فويلُ يزيدٍ من عذاب جهنّم

إذا أقبلت في الحشر فاطمة الطُّهرُ

ملابسها ثوبٌ من السمِّ أسودٌ

وآخرُ قانٍ من دم السبط محمرُّ

تنادي وأبصار الأنام شواخصٌ

وفي كلِّ قلبٍ من مهابتها ذُعرُ(٢)

وتشكو إلى الله العليِّ وصوتها

عليٌّ ومولانا عليٌّ لها ظهرُ

فلا ينطق الطاغي يزيد بما جنى

وأنّى له عذرٌ ومن شأنه الغدرُ؟

فيؤخذ منه بالقِصاص فيحرم النّعـ

ـ يم ويُخلى في الجحيم له قصرُ

ويشدو له الشادي فيطر به الغنا

ويسكب في الكاس النّضار له خمرُ

فذاك الغنا في البعث تصحيفه العنا

وتصحيف ذاك الخمر في قلبه الجمرُ

أيُقرع جهلاً ثغر سبط محمَّد

وصاحب ذاك الثغر يُحمى به الثغرُ؟

فليس لأخذ الثار إلّا خليفة

يكون لكسر الدين من عدله جبرُ

تحفُّ به الأملاك من كلِّ جانب

ويقدمه الإقبال والعزُّ والنصرُ

عوامله في الدار عين شوارعٌ

وحاجبه عيسى وناظره الخضرٌ

تظلّله حقّاً عمامة جدِّه

إذا ما ملوك الصيد ظلّلها الجبرُ

محيطٌ على علم النبوَّة صدره

فطوبى لعلم ضمَّه ذلك الصدرُ

هو ابن الإمام العسكريِّ محمَّد التـ

ـ قيُّ النقي الطّاهر العَلم الحَبرُ

سليل علي الهادي ونجل محمَّد الجـ

واد ومَن في أرض طوس له قبرُ

عليّ الرضا وهو ابن موسى الذي قضى

ففاح على بغداد من نشره عطرُ

وصادق وعدٍ انّه نجل صادق

إمامٌ به في العلم يفتخر الفخرُ

وبهجة مولانا الإمام محمَّد

إمامٌ لعلم الأنبياء له بَقرُ

____________________

١ - رملة بنت معاوية بن أبى سفيان، شبب بها عبد الرحمن بن حسان بأبيات أولها:

رمل هل تذكرين يوم غزال

اذ قطعنا مسيرنا بالتمنى

ولهذا التشبيب قصة توجد فى معاجم التراجم.

٢ - الشواخص من شخص البصر، أى: فتح عينيه فلم يطرف. الذعر: الفزع والخوف.

١٧

سلالة زين العابدين الذي بكى

فمن دمعه يُبس الأعاشيب مُخضرُّ

سليل حسين الفاطميِّ وحيدر الـ

وصيِّ فمن طُهر نمى ذلك الطُّهرُ

له الحسن المسموم عمُّ فحبَّذا الإ

مامُ الذي عمَّ الورى جوده الغمرُ

سميُّ رسول الله وارث علمه

إمامٌ على آبائه نزل الذَّكرُ

هم النّور نور الله جلِّ جلاله

همُ التين والزيتون والشفع والوترُ

مهابط وحي الله خزّان علمه

ميامين في أبياتهم نزل الذّكرُ

وأسمائهم مكتوبةٌ فوق عرشه

ومكنونة مِن قبل أن يُخلق الذرُّ

ولولاهُم لم يخلق الله آدماً

ولا كان زيدٌ في الأنام ولا عمرو

ولا سطحت أرضٌ ولا رُفعت سما

ولا طلعت شمسٌ ولا أشرق البدرُ

ونوحٌ به في الفلك لمـّا دعا نجا

وغيض به طوفانه وقضى الأمرُ

ولولاهمُ نار الخليل لما غدت

سلاماً وبرداً وانطفى ذلك الجمرُ

ولولاهمُ يعقوب ما زال حزنه

ولا كان عن أيّوب ينكشف الضرُّ

ولان لداوُد الحديد بسرِّهم

فقدَّر في سردٍ يحير به الفكرُ

ولمـّا سليمان البساط به سرى

أُسيلت له عينٌ يفيض له القطرُ

وسخّرت الريح الرَّخاء بأمره

فغدوتها شهرٌ وروحتها شهرُ

وهم سرُّ موسى والعصا عندما عصى

أو امره فرعون والتقف السِّحرُ

ولولاهُم ما كان عيسى بن مريم

لعازر من طيِّ اللحود له نشرُ

سرى سرّهم في الكائنات وفضلهم

وكلُّ نبيّ فيه من سرِّهم سرُّ

علا بهمُ قدري وفخري بهم غلا

ولولاهمُ ما كان في الناس لي ذكرُ

مصابكمُ يا آل طه! مصيبةٌ

ورزءٌ على الإسلام أحدثه الكفرُ

سأندبكم يا عدَّتي عند شدّتي

وأبكيكمُ حزناً إذا أقبل العَشرُ

عرائس فكر الصالح بن عرندس

قبولكمُ يا آل طه لها مهرُ

وكيف يحيط الواصفون بمدحكم

وفي مدح آيات الكتاب لكم ذكرُ؟

ومولدكم بطحاء مكّة والصَّفا

وزمزم والبيت المحرَّم والحجرُ

١٨

جعلتكمُ يوم المعاد وسيلتي

فطوبى لمن أمسى وأنتم له ذخرُ

سيُبلي الجديدان الجديد وحبُّكم

جديد بقلبي ليس يُخلقه الدَّهرُ

عليكم سلامُ الله ما لاح بارقٌ

وحلّت عقود المزن وانتشر القطرُ

وله من قصيدة يرثي بها الحسينعليه‌السلام :

بات العذول على الحبيب مسهَّدا

فأقام عذري في الغرام ومهَّدا

ورأى العذار بسالفيه مُسلسلا

فأقام في سجن الغرام مقيَّدا

هذا الذي أمسى عذولي عاذري

فيه وراقد مقلتيه تسهّدا

ريمٌ(١) رمى قلبي بسهم لحاظه

عن قوس حاجبه أصاب المقصدا

قمرٌ هلال الشمس فوق جبينه

عال تغار الشمس منه إذا بدا

وقوامه كالغصن رنّحه الصبا

فيه حمام الحيّ بات مغرَّدا

فإذا أراد الفتك كان قوامه

لدناً وجرَّدت اللحاظ مُهنَّدا

تلقاه منعطفاً قضيباً أميداً

وتراه ملتفتاً غزالاً أغيدا(٢)

في طاء طرَّته وجيم جبينه

ضدّ ان شأنهما الضَّلالة والهدى

ليلٌ وصبحٌ أسودٌ في أبيضٍ

هذا أضلَّ العاشقين وذا هدى

لا تحسبوا داود قدِّر سرده

في سين سالفه فبات مُسرَّدا

لكنَّما ياقوت خاء خدوده

نمَّ(٣) العذار به فصار زبرجِدا

يا قاتل العشّاق يا من طرفه

الرشَّاق يرشقنا سهاماً من رَدى(٤)

قسماً بثاء الثغر منك لأنَّه

ثغرٌ به جيم الجمان تنضَّدا(٥)

وبراء ريقٍ كالمدام مزاجه

شهدٌ به تروى القلوب من الصدى

____________________

١ - الريم: الظبى الخالص البياض.

٢ - منعطفاً: منثنياً. القضيب: السيف القطاع. القوس عملت من قضيب أو غصن غير مشقوق. الاميد من ماد يميد ميداً: تحرك واضطرب. الاغيد من غيد يغيد غيداً: مالت عنقه لانت أعطافه فهو أغيد وهى غيداء.

٣ - نمّ نمّا: زين.

٤ - الرشق: الرمي. الردى: الهلاك.

٥ - الثغر: مقدم الاسنان. الجمان: اللؤلؤ.

١٩

إنِّي لقد أصبحت عبدك في الهوى

وغدوت في شرح المحبَّة سيِّدا

فاعدل بعبدك لا تجر واسمح ولا

تبخل بقربٍ من وفاك الأبعدا

وابدِ الوفا ودَعِ الجفا وذَرِ العفا

فلقد غدوتُ أخا غرامٍ مكمداً

وفجعت قلبي بالتفرُّق مثلما

فجعت اُميَّة بالحسين محمَّدا

سبط النبيِّ المصطفى الهادي الَّذي

أهدى الأنام من الضلال وأرشدا

وهو ابن مولانا عليِّ المرتضى

بحر الندى مروي الصدا مُردي العدا

أسما الورى نسباً وأشرفهم أباً

وأجلّهم حسباً وأكرم محتدا

بحرٌ طما. ليثٌ حمى. غيثٌ همى

صبحٌ أضا. نجمٌ هدى. بدرٌ بدا

السيّد السند الحسين أعمُّ أهـ

ـ ل الخافقين ندىً وأسمحهم يدا

لم أنسه في كربلا متلظّيا

في الكرب لا يلقي لماءٍ موردا

والمقنب الأمويُّ حول خبائه

النبويِّ قد ملأ الفدافدُ فدفدا(١)

عصبٌ عصت غضَّت بخيلهم الفضا

غصبت حقوق بني الوصيِّ وأحمدا

حمَّت كتائبه وثار عجاجه

فحكى الخضمَّ المدلهمَّ المزبدا

للنُصب فيه زماجرٌ مرفوعةٌ

جزمت بها الأسماء من حرف الندا

صامت صوافنه وبيض صفاحه

صلّت فصيّرت الجماجم سجَّدا

نسج الغبار على الاُسود مدارعاً

فيه فجسَّدت النجيع وعسجدا

والخيل عابسةُ الوجوه كأنَّها

العقيان تخترق العجاج الأربدا

حتّى إذا لمعت بروق صفاحها

وغد الجبان مِن الرواعد مُرعدا

صال الحسين على الطغاة بعزمه

لا يختشي من شرب كاسات الردا

وغدا بلام اللدن يطعن أنجلاً

وبغين غرب العضب يضرب أهودا(٢)

فأعاد بالضرب الحسام مفلَّلا

وثنى السنان من الطعان مقصَّدا(٣)

____________________

١ - المقنب: الجماعة من الخيل تجتمع للغارة. الفدافد بفتح الفاء: الفلاة. فدفد بضم الفاء الجافى الكلام المرتفع الصوت.

٢ - الانجل: الواسع الطويل العريض، يقال: طعنه طعنة نجلاء. أي واسعة. الاهود من الهوادة: اللين والرفق.

٣ - المقصدة من القصدة بالكسر: القطعة مما يكسر. يقال رمح قصدو قصيد وأقصاد: اى متكسر.

٢٠