الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٧

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 417

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 417
المشاهدات: 184777
تحميل: 6026


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 417 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 184777 / تحميل: 6026
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 7

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ولتعدُّد آيات الخمر واختلاف السلف فيها وتأويل جمع منهم آيتي البقرة و النساء من تلكم الآيات وقع الخلاف في تاريخ حرمتها على أقوال:

١ - الأخذ بما أخرجه الطبراني من طريق معاذ بن جبل من أنّ اوَّل ما نهى عنه النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين بعث شرب الخمر وملاحاة الرجال(١) فتحريم الخمر كان فى اوليات الهجرةِ ان لم تكن في اوليات البعثة، ويساعده ما صحَّ عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من اَن أعظم الكبائر شرب الخمر(٢) ويبرمه النظر في آيات الخمر فالآية الاولى منها من سورة البقرة وهي أوّل سورة نزلت بالمدينة(٣) والآية الثانية في سورة النساء وقد نزلت في أوائل الهجرةِ(٤) .

ولعلَّ هذا رأي كلِّ من رأى حرمة الخمر بآية البقرة، قالت عائشة: لَمّا نزلت سورة البقرة نزل فيها تحريم الخمر فنهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك(٥) وقد نزلت سورة البقرة بعد زواج عايشة كما مرَّ في الجزء السادس ص ١٩٧.

واختار الجصّاص حرمة الخمر بآية البقرة كما أسلفنا كلامه في الجزء السادس صفحة ٢٥٤ ط ٢، وقال القرطبي في تفسيره ٣: ٦٠: قال قومٌ من أهل النظر حرّمت الخمر بهذه الآية يعني التي في سورة البقرة، وقال الرازي في تفسيره ٢: ٢٢٩: إنَّ هذه الآية « يعني آية البقرة » دالَّةٌ على تحريم شرب الخمر. وذكر في ص ٢٣١ في وجه دلالتها عليه وجوهاً.

٢ - رأى البلاذري انَّه كان سنة أربع من الهجرة كما في « الإمتاع » للمقريزي ص ١٩٣، وذكر ابن اسحاق: أنه كان في وقعة بني النضير سنة أربع على الراجح(٦) وقال ابن هشام في سيرته ٢: ١٩٢: نزل ببني النضير وذلك في شهر ربيع الأوّل - سنة أربع فحاسرهم فيها ستّ ليال، ونزل تحريم الخمر. وذكره ابن سيّد الناس في عيون الأثر ٢: ٤٨.

____________________

١ - أوائل السيوطى ص ٩٠.

٢ - الغدير ٦: ٢٥٧ ط ٢.

٣ - تفسير القرطبى ١: ١٣٢ تفسير ابن كثيرا: ٣٥، تفسير الخازن ١: ١٩.

٤ - راجع ما يأتى فى الجزء الثامن صفحة ١١ من الطبعة الاولى.

٥ - تاريخ الخطيب ٨: ٣٥٨، الدر المنثور ١: ٢٥٢.

٦ - فتح البارى ١٠: ٢٤، عمدة القارى ١٠: ٨٢.

١٠١

ويؤيِّد هذا الرأي ما أخرجه ابن مردويه عن جابر انَّه قال: حرّمت الخمر بعد اُحد(١) وقد وقعت غزوة اُحد في سنة ثلاث فبعدها تكون سنة أربع تقريباً.

٣ - جزم الدمياطي على أنَّ تحريم الخمر كان في سنة الحديبيّة سنة ستّ كما في فتح الباري ١٠: ٢٤، وعمدة القاري ١٠: ٨٢.

٤ - حرمتها في سنة الفتح عام ثمان من الهجرة يوم الندوة المذكورة المنعقدة في دار أبي طلحة بآية المائدة التي فيها الإرهاب والتحذير، وبها كفَّ عمر ومن كان معه في تلك الندوة عن الشرب وقال: إنتهينا، إنتهينا.

وهذا القول غير مدعوم بحجَّة، وليس إلّا لتصحيح شرب اولئك الرجال من الصحابة وجعله قبل التحريم، فترى مثل ابن حجر لا يحكم به حكماً باتّاً بل يستظهره من حديث أحمد قال في فتح الباري ٨: ٢٧٤: الذي يظهر أنَّ تحريمها كان عام الفتح سنة ثمان لما روى أحمد من طريق عبد الرحمن بن وعلة قال: سألت ابن عباس عن بيع الخمر فقال: كان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صديقٌ من ثقيف أو من دوس فلقيه بمكة عام الفتح براوية خمر يهديها إليه فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أبا فلان! أما علمت أنَّ الله حرَّمها؟ فأقبل الرجل على غلامه فقال: اذهب فبعها، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أبا فلان! بماذا أمرته؟ قال: أمرته أن يبيعها. قال: إنَّ الذي حرَّم شربها حرَّم بيعها. فأمر بها فاُفرغت في البطحاء.

وقصارى ما في هذا الحديث أنَّ تحريم الخمر بلغ الرجال في عام الفتح لا انَّها حُرِّمت فيه، لأنّ الرجل كان في منتئً عن مستوى تبليغ الأحكام، متخبّطاً بين أعراب البوادي، غير عارف حتى باصول المراودة والتحابب، ويشهد لذلك إهداؤه الخمر لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فانَّها على فرض عدم حرمتها ليست ممَّا يُهدى إلى مثلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لكن الرجل كان من دهماء الناس، وجرى على ما هو المطرَّد بن الرعرعة والساقة.

الخليفة فى الاسلام

وأمَّا هو « أبو بكر » في الاسلام فلم نعهد له نبوغٌ في علم، أو تقدُّمٌ في جهاد، أو تبرُّزٌ في الأخلاق، أو تهالكٌ فى العبادة، أو ثباتٌ علي مبدء.

____________________

١ - تفسير الشوكانى ٢: ٧١.

١٠٢

أمَّا نبوغه في علم التفسير فلم يؤثر عنه في هذا العلم شيءُ يُحفل به، فدونك كتب التفسير والحديث فلا تكاد تجد فيها عنه ما يُروى غُلّة صادٍ، أو يُنجع طلبة طالب. نعم: يروى عنه انّه شارك صاحبه - عمر بن الخطاب - في عدم المعرفة لمعنى الأبِّ(١) الذي عرفه كلُّ عربيّ صميم حتى أعراب البادية، وليس من البدع أن يعرفه حتى الساقة من الناس فانَّه لا يعدوه أن يكون لدة بقيّة الكلمات العربيَّة التي لا تزال العرب تلهج بها في كلِّ حلّ ومرتحل، ولا هو الدخيل(٢) حتى يُعذر فيه الجاهل به، ولا من شواذّ الكلم التي قلّما تتعاطاه الجامعة العربيَّة حتى يشذَّ عرفانه عن بعضهم.

وإن تعجب فعجبٌ إعتذار من جنح إليه(٣) بأنّه كان يلتزم الحايطة في تفسير القرآن، ولذلك تورَّع عن الافاضة في معنى الأبِّ لكن عرف من عرف انَّ الحايطة إنَّما تجب في بيان مغازي القرآن الكريم وتعيين إرادته، وتبيين مجمله، وتأويل متشابهه، وما يجري مجرى ذلك ممّا يحظر في الدين التسرُّع إليه من دون تثبُّت وتوقيف، وأمّا معاني ألفاظه العربيَّة للعريق في لغة الضاد فأيّ حائطة تضرب على يده عن أن يفهمها و هو يعرفها بطبعه وجبلَّته.

وهب أنَّ الرجل لم يحطُ خبراً بلغة قومه فهلاً تروَّى في الذكر الحكيم في ذيل الآية الكريمة من قوله سبحانه: متاعاً لكم ولأنعامكم. بياناً للفاكهة والأبّ؟ ليعلم انَّه سبحانه وتعالى امتنَّ على الناس بالفاكهة ليأكلوها، وبالأبّ لترعاه أنعامهم، فتلك فاكهة، وهذا العشب.

أخرج أبو القاسم البغوي عن ابن أبي مليكه قال: سُئل أبو بكر عن آيةٍ فقال: أيّ أرض تسعني؟ أو أيّ سماء تظلّني؟ اذا قلت في كتاب الله ما لم يرد الله؟

وأخرج أبو عبيدة عن ابراهيم التيمي قال: سئل أبو بكر عن قوله تعالى

____________________

١ - فى قوله تعالى فى سورة عبس: فانبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبّا.

٢ - أما ما زعمه ابن حجر فى فتح البارى من ان الكلمة من الدخيل ولذلك لم يعرفها الخليفتان فقد مرّ الجواب عنه فى الجزء السادس ص ١٠٠ ط ٢.

٣ - نظراء القرطبى والسيوطى.

١٠٣

(وفاكهة وأبّا)؟ فقال: أيّ سماء تظلّني؟ أو أيّ أرض تقلّني؟ إن قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟.

وفي لفظ القرطبي: أيّ سماء تظلّني؟ وأي أرض تقلّني، وأين أذهب؟ وكيف أصنع؟ إذا قلت في حرف من كتاب الله بغير ما أراد تبارك وتعالى.

ذكره القرطبي في تفسيره ١ ص ٢٩، ابن تيميَّة في مقدَّمة اصول التفسير ص ٣٠، الزمخشري في الكشاف ٣ ص ٢٥٣، ابن كثير في تفسيره ١ ص ٥ وصحّحه في ص ٦، ابن القيِّم في أعلام الموقعين ص ٢٩ وصحَّحه، الخازن في تفسيره ٤ ص ٣٧٤، النسفي في تفسيره هامش الرازي ٨ ص ٣٨٩، السيوطي في الدرّ المنثور ٦ ص ٣١٧ نقلاً عن أبي عبيد في فضائله وعبد بن حميد، ابن حجر في فتح الباري ١٣ ص ٢٣٠ وأو عز إليه ابن جزي الكلبي في تفسيره ٤ ص ١٨٠.

الكلالة

وتجد الخليفة على شاكلة صنوه في عدم العلم بالكلالة النازلة في آية الصيف آخر سورة النساء: يستفتونك قل الله يُفتيكم في الكلالة إن امرؤٌ هلكَ ليسَ له وَلدٌ وله اُختٌ فلها نصف ما ترك. الآية.

أخرج أئمَّة الحديث باسناد صحيح رجاله ثقات عن الشعبي قال: سئل أبو بكر رضي الله عنه عن الكلالة؟ فقال: إنِّي سأقول فيها برأيي فإن يك صواباً فمن الله وإن يك خطأ فمنِّي ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه، أراه ما خلا الولد والوالد، فلمّا استخلف عمر رضي الله عنه قال: إنّي لأستحيي الله أن أردَّ شيئاً قاله أبو بكر.

أخرجه سعد بن منصور، عبد الرّزاق، ابن أبي شيبة، الدارمي في سننه ٢ ص ٣٦٥، وابن جرير الطبري في تفسيره ٦ ص ٣٠ ابن المنذر، البيهقي في السنن الكبرى ٦ ص ٢٢٣، وحكى عنهم السيوطي في الجامع الكبير كما في ترتيبه ٦ ص ٢٠، وذكره ابن كثير في تفسيره ١ ص ٢٦٠، والخازن في تفسيره ١ ص ٣٦٧، وابن القيِّم في أعلام الموقعين ص ٢٩.

قال الأميني: هذا رأيه الثاني وكان أوَّ لاً يرى أنَّ الكلالة من لا ولد له خاصَّة،

١٠٤

وكان يشاركه في رأيه هذا عمر بن الخطاب ثمَّ رجعا عنه إلى ما سمعت(١) ثمَّ اختلفا فيها، قال ابن عبّاس كنت آخر الناس عهداً بعمر بن الخطاب قال: اختلفت أنا وأبو بكر في الكلالة والقول ما قلت(٢) وفي صحيحة البيهقي والحاكم والذهبي وابن كثير(٣) عن ابن عبّاس قال: كنت آخر الناس عهداً بعمر فسمعته يقول: القول ما قلت. قلت: وما قلت؟ قال: قلت: الكلالة ما لا ولد له.

هذا القول كان من عمر لَمّا طعن بعد قوله لمـّا استخلف: إنّي لأستحيي أن اُخالف فيه أبا بكر كما مرَّ وبعد قوله: أتى عليَّ زمانُ لا أدري ما الكلالة وإذا الكلالة من لا أب له ولا ولد(٤) وبعده هذه كلّها قال ما قال وهو على ما يقول بصير.

أنا لا أدري أين ولَّت تلك الحائطة التي التزمها الخليفة الأوَّل في معنى الأبِّ لتلك الحدَّة والشدَّة؟ وأيّ سماء أظلّته؟ وأيّ أرض أقلته؟ وأين ذهب؟ وكيف صنع لمـَّا قال في دين الله برأي لا يعرف غيَّه من رشده، ولا يعلمه أمن الله أم منه ومن الشيطان؟ وكيف خفيت عليه آية الصيف؟ وقد رأى النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها الكفاية في عرفان الكلالة كما مرَّ ج ٦: ١٢٧ ط ٢، وكيف عزب عنه قوله تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون؟ ولِمَ لم يسأل ولم يتعلّم ولم يعبأ بأهل الذكر وهو يعرفه لا محالة؟ فكأنَّ الأحكام ليست بتوقيفيَّة، وكأنَّها منوطةٌ بالحظِّ والنصيب ولكلِّ إنسان ما رأى، ولو صدقت هذه الأحلام فيسع لكلِّ امرء أن يُفتي برأيه فيما يُسأل عنه من الكتاب والسنَّة ويقول: إن كان صواباً فمن الله، وإن كان خطأ فمنّي ومن الشيطان.

نعم هذا الإفتاء بالرأي يفتقر إلى جرأة على الله وعلى رسوله، وتلك لا تتأتّى لأيِّ أحد فتخصّ لا محالة بجماعة دون أخرى، وكأنَّ هذا هو معنى الإجتهاد عند القوم لا استنباط الأحكام من أدلّتها التفصيليَّة من الكتاب والسنَّة. ومن هنا يرون نظراء

____________________

١ - تفسير القرطبى ٥ ص ٧٧.

٢ - تفسير ابن كثير ١ ص ٥٩٥.

٣ - المستدرك للحاكم ٢ ص ٣٠٤ وصححه السنن الكبرى للبيهقى ٦ ص ٢٢٥ تلخيص - المستدرك للذهبى واقرّ تصحيح الحاكم، تفسير ابن كثير ١ ص ٥٩٥ وذكر تصحيح الحاكم واقرّه.

٤ - السنن الكبرى ٦ ص ٢٢٤.

١٠٥

عبد الرَّحمن بن ملجم قاتل مولانا أمير المؤمنين(١) .

وأبي الغادية قاتل الصحابيِّ العظيم عمّار بن ياسر سلام الله عليه(٢) .

ومعاوية بن أبي سفيان قاتل آلاف من الأبرياء والأزكياء(٣) .

وعمرو بن النابغة، العاصي ابن العاصي(٤) .

وخالد بن الوليد قاتل مالك ظلماً والزّاني بامرأته(٥) .

وطلحة والزبير(٦) الخارجين على الإمام الحقِّ الثابت إمامته بالنصِّ والاختيار.

م - ويزيد الخمور والفجور صاحب الطامات والصحائف السوداء](٧) .

مجتهدين في دين الله متأوِّلين في تلكم الآراء الشاذّة عن حكم الإسلام وشرعة الحقِّ، مأجورين في تلك المظالم العادية. وقال ابن حجر في الإصابة ٤ ص ١٥١: والظنُّ بالصحابة في تلك الحروب انَّهم كانوا فيها متأوّلين وللمجتهد المخطئ أجرٌ، وإذا ثبت هذا في حقِّ آحاد الناس فثبوته للصحابة بالطريق الأولى.ا ه.

مرحباً مرحباً بهذا الدين، وبخٍ وبخٍ ما أكثر المجتهدين من اُمّة محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى أصبحت غوغاء الشام، وطغام الاُمَّة، وحثالة الأعراب، وأجلاف الأحزاب، و أبناء الطلقاء مجتهدين متأوّلين.

وزهٍ زهٍ باولئك المتحلِّين بابراد الإجتهاد جراثيم الفساد، قتلة صفوة الأبرار المهاجمين على ناموس الإسلام وقدس صاحب الرِّسالة، الخارجين عن طوع الكتاب والسنَّة، الفئة الباغية الطاغية، المدرِّبين بالشرِّ والفساد وبغض العترة الطاهرة تحت راية الطليق ابن الطليق اللعين ابن اللعين بلسان النبيِّ الأعظم(٨) صدق رسول الله

____________________

١ - راجع الجزء الاول من كتابنا هذا ص ٣٢٣ ط ٢.

٢ - راجع الجزء الاول من الكتاب ص ٣٢٨ ط ٢.

٣ - الفصل لابن حزم ٤ ص ٨٩، تاريخ ابن كثير ٧: ٢٧٩.

٤ - تاريخ ابن كثير ٧ ص ٢٨٣.

٥ - تاريخ ابن كثير ٦ ص ٢٢٣، روضة المناظر لابن شحنة هامش الكامل ٧ ص ١٦٧، وسيأتى تفصيله.

٦ - التمهيد للباقلانى ص ٢٣٢.

٧ - تاريخ ابن كثير ٨: ٢٢٣.

٨ - راجع الجزء الثالث من الكتاب ص ٢٥١، ٢٥٢ ط ٢.

١٠٦

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله: آفة الدين ثلاثة: فقيهٌ فاجر. وإمامٌ جائر، ومجتهدٌ جاهل(١) .

وحسب الإسلام عاراً وشناراً اولئك الأعلام أصحاب هذه الآراء المضلّة والأقلام المسمومة التي تنزِّه ساحة المجرمين عن دنس الفجور والنفاق، وتجعل المحسن والمسيئ والمبطل والمحقّ، والطيِّب والخبيث، عكمي بعير، وتضلُّ الاُمّة عن رشدها بأمثال هذه الكلم التافهة، والدعاوي الفارغة، والآراء الساقطة وتصغِّر في عين المجتمع الديني تلكم الجنايات العظيمة على الله وعلى رسوله وكتابه وسنّته وخليفته وعترته و مواليهم. كبرت كلمةً تخرج من أفواههم إن يقولون إلّا كذبا. فمن يعمل مثقال ذرَّة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرَّة شرّاً يره.

وأوَّل من فتح باب التأويل والاجتهاد، وقدَّس ساحة المجرمين بذينك، وحابى رجال الجرايم والمعرّات بهما هو الخليفة الأوَّل، فقد نزَّه بهذا العذر المفتعل ذيل خالد ابن الوليد عن دنس آثامه الخطيرة ودرأ عنه الحدَّ بذلك كما سنوقفك على تفصيله إنشاء الله تعالى.

هذا نموذجٌ من تقدُّم الخليفة في علم التفسير على قلّة ما روي عنه في ذلك قال الحافظ جلال الدين السيوطي في « الاتقان » ٢ ص ٣٢٨:

إشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة: الخلفاء الأربعة. وابن مسعود. وابن عبّاس. واُبيّ بن كعب. وزيد بن ثابت. وأبو موسى الأشعري. وعبد الله بن الزبير. أمّا الخلفاء فأكثر من روي عنه منهم عليُّ بن أبي طالب، والرواية عن الثلاثة نزرة جدّاً، وكان السبب في ذلك تقدُّم وفاتهم كما أنَّ هو السبب في قلّة رواية أبي بكر رضي الله عنه للحديث، و لا أحفظ عن أبي بكر رضي الله عنه في التفسير إلاّ آثاراً قليلة جدّاً لا تكاد تجاوز العشرة.

وأمّا عليٌّ فروي عنه الكثير، وقد روى معمر عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل: شهدت عليّاً يخطب وهو يقول: سلوني فوالله لا تسألون عن شيء إلّا أخبرتكم، و سلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلّا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل.

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود قال: إنَّ القرآن اُنزل على سبعة أحرف

____________________

١ - كنز العمال ٥ ص ٢١٢.

١٠٧

ما منها حرفٌ إلاّ وله ظهرٌ وبطنٌ وإنَّ عليّ بن أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن.

وأخرج أيضاً من طريق أبي بكر بن عيّاش عن نصير بن سليمان الأحمسي عن أبيه عن عليّ قال: والله ما نزلت آية إلاّ وقد علمت فيم اُنزلت وأين اُنزلت إنَّ ربِّي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سؤولا. ا ه.

قال الأميني: ما هذا التهافت في كلام السيوطي هذا؟ ألا مسائل الرجل عن أنَّ الذي لم يجد له هو نفسه وهو ذلك المتتبِّع الضليع عشرة أحاديث في علم التفسير كيف عدَّه ممّن اشتهر بالتفسير من الصحابة؟ نعم راقه أن لا يفرِّق بينه وبين مولانا أمير المؤمنين وقد روى فيه ما روى ذاهلاً عن قوله تعالى، هل يستوي الذين يعلمون والَّذين لا يعلمون.

تقدّم الخليفة في السّنة

أمّا تقدّمه في السنَّة فكلّ ما أثبته عنه إمام الحنابلة أحمد في المسند ١ ص ٢ - ١٤ ثمانون حديثاً، ويربو المتكرّر منها على العشرين، فلم يصفُ منها إلّا ما يقرب الستين حديثاً وقد التقط ما في مسنده من أكثر من سبعمائة وخمسين ألف حديث، وكان يحفظ ألف ألف حديث(١) .

وجمع ابن كثير بعد جهود جبّارة أحاديثه في اثنين وسبعين حديثاً وسمّى مجموعه: مسند الصدِّيق(٢) .

واستدرك ما جمعه ابن كثير جلال الدين السيوطي بعد تصعيد وتصويب ومع تضلّع وإحاطة بالحديث، فأنهى أحاديثه إلى مائة وأربعة، وذكرها برمَّتها في تاريخ الخلفاء ص ٥٩ - ٦٤.

وقد يروى أنَّ له مائة واثنان وأربعون حديثاً اتَّفق الشيخان على ستَّة أحاديث منها. وانفرد البخاري بأحد عشر، ومسلم بواحد(٣) .

وفي وسع الباحث المناقشة في غير واحد من تلك الأحاديث سنداً أو متناً، فانَّ

____________________

١ - طبقات الحفاظ للذهبى ٢ ص ١٧، ترجمة احمد فى آخر الجزء الاول من مسنده.

٢ - تاريخ الخلفاء للسيوطى ص ٦٤.

٣ - شرح رياض الصالحين للصديقى ٢: ٢٣.

١٠٨

من جملتها ما ليس بحديث وإنّما هو قول قاله كقوله: للحسن السبط سلام الله عليه: بأبي شبيه بالنبيِّ ليس شبيهاً بعليّ.

وقوله: شاور رسول الله في أمر الحرب.

وقوله: إنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهدى جملاً لأبي جهل.

ومنها ما هو محكومٌ عليه بالوضع، أو يخالف الكتاب والسنَّة، ويكذِّبه العقل والمنطق والطبيعة مثل قوله:

١ - لو لم اُبعث فيكم لبعث عمر.

٢ - وقوله: ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر.

٣ - وقوله: إنَّ الميت ينضح عليه الحميم ببكاء الحيِّ.

٤ - وقوله: إنَّما حرُّ جهنَّم على امَّتي مثل الحمّام

أمّا الأوَّل فله عدَّة طرق لا يصحُّ شيءُ منها. الطريق الاوَّل لابن عدي وفي إسناده:

١ - زكريّا بن يحيى الوكار، أحد الكذّابين الكبار مرَّت ترجمته في سلسلة الكذّابين في الجزء الخامس ص ٢٣٠ ط ٢.

٢ - بشر بن بكر. قال الأزدي منكر الحديث ولا يعرف، لسان الميزان ٢ ص ٢٠

٣ - أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني. قال أحمد: ضعيفٌ كان عيسى بن يونس لا يرضاه وعن أبي داود عن أحمد: انّه ليس بشيء وقال أبو حاتم: سألت ابن معين عنه فضعَّفه. وقال أبو زرعة: ضعيفٌ منكر الحديث. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث طرقه لصوصٌ فأخذوا متاعه فاختلط(١) وقال الجوزقاني: ليس بالقوي.

وقال النسائي: ضعيفٌ وقال أبو سعد: كان كثير الحديث ضعيفاً. وقال الدار قطني: متروكٌ(٢) .

الطريق الثاني لابن عدي أيضاً وفي إسناده:

١ - مصعب بن سعيد أبو خيثمة المصيصي. قال ابن عدي: يحدِّث عن الثقات

____________________

١ - قال الأمينى: لو لم يكن لاختلاط الرجل آية غير حديثه هذا لكفى وحسبه.

٢ - تهذيب التهذيب ١٢ ص ٢٩.

١٠٩

بالمناكير ويصحِّف. وقال: والضعف على رواياته بيّن. وقال ابن حبّان: كان مدلِّساً وقال صالح جزرة: شيخٌ ضريرٌ لا يدري ما يقول. وذكر الذهبي له أحاديث فقال: ما هذه إلّا مناكير وبلايا(١) .

٢ - عبد الله بن واقد. قال ابن عدي والجوزقاني والنسائي: متروك الحديث و قال غيرهما: ليس بشيء. وقال الأزدي: عنده مناكير. وقال أحمد: أظنُّه كان يدلِّس. وقال ابو زرعة: ضعيف الحديث لا يحدّث عنه. وقال البخاري: تركوه منكر الحديث: وقال ابن حبّان: وقع المناكير في حديثه فلا يجوز الإحتجاج بخبره. وقال صالح جزرة: ضعيفٌ مهين. وقال أبو أحمد الحاكم: حديثه ليس بالقائم(٢) .

٣ - مشرح بن عاهان. قال ابن عدي وابن حبان: لا يحتجُّ به. وقال غيرهما: يروي عن عقبة مناكير لا يتابع عليهما. وقال آخرون: الصواب ترك ما انفرد به(٣) .

أورده بهذين الطريقين ابن الجوزي في الموضوعات فقال: هذان حديثان لا يصحّان عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أمَّا الأوّل، فانَّ زكريّا بن يحيى كان من الكذّابين.

قال ابن عدي، كان يضع الحديث. وأمَّا الثاني: فقال أحمد ويحيى: عبد الله بن واقد ليس بشيء. وقال النسائي: متروكٌ: وقال ابن حبان: انقلبتُ على مشرح صحائفه فبطل الإحتجاج به. ا ه-.

الطريق الثالث لأبي العبّاس الزوزني في كتاب شجرة العقل بلفظ: لو لم اُبعث لبعثت يا عمر!. وفي إسناده:

١ - عبد الله بن واقد. وقد مرَّ في الطريق الثاني.

٢ - راشد بن سعد بن الحمصي، ذكر الحاكم انّ الدار قطني ضعَّفه، وكذا ضعَّفه ابن حزم، وذكر البخاري انَّه شهد صفّين مع معاوية(٤) فالرجل من الفئة الباغية بنصّ من النبي الأعظم، وذكره الصغّاني فقال: موضوعٌ. كما في كشف

____________________

١ - ميزان الاعتدال ٣: ١٧٣، لسان الميزان ٦: ٤٤.

٢ - تهذيب التهذيب ٦ ص ٦٦، ميزان الاعتدال ٢ ص ٨٤، لسان الميزان ٣ ص ٣٧٤. اللئالى المصنوعة ١ ص ٣٠٢.

٣ - اللئالى المصنوعة ١: ٣٠٢، ميزان الاعتدال ٣: ١٧٢.

٤ - تهذيب التهذيب ٣ ص ٢٢٦.

١١٠

الخفاء ٢ ص ١٦٣.

الطريق الرابع للديلمي عن أبي هريرة بلفظ: لو لم اُبعث فيكم لبعث عمر. أيَّد الله عمر بملكين يوفِّقانه ويسدِّدانه، فاذا أخطأ صرفاه حتى يكون صواباً.

في إسناده إسحاق بن نجيح الملطي أبو صالح الأزدي. قال أحمد: من أكذب الناس. وقال ابن معين: كذّابٌ عدوّ الله رجل سوء خبيث. كان ببغداد قومٌ يضعون الحديث منهم إسحاق الملطي. وقال ابن أبي مريم عنه: من المعروفين بالكذب ووضع الحديث. وقال علي بن المديني: ليس بشيء وضعَّفه، روى عجائب. وقال عمر بن علي: كذّابٌ كان يضع الحديث. وقال الجوزقاني: غير ثقة ولا من أوعية الأمانة. وقال: كذّابٌ وضّاعٌ لا يجوز قبول خبره ولا الاحتجاج بحديثه ويجب بيان أمره. وقال الجهضمي والبخاري: منكر الحديث. وقال السنائي: كذّابٌ متروك الحديث. وقال: ابن عدي: أحاديثه موضوعات وضعها هو وعامّة ما أتى عن ابن جريج بكلِّ منكر ووضعه عليه، وهو بيِّن الأمر في الضعفاء، وهو ممّن يضع الحديث. وقال ابن حبان: دجّالٌ من الدجاجلة يضع الحديث صراحاً. وقال البرقي: نسب إلى الكذب. وقال أبو سعيد النقّاش: مشهورٌ بوضع الحديث. وقال: وقال ابن طاهر: دجّالٌ كذّابٌ. وقال ابن الجوزي: أجمعوا على انّه كان يضع الحديث(١) .

قال الديلمي بعد ذكر الحديث بالطريق المذكور: وتابعه راشد بن سعد عن المقدام بن معدي كرب عن أبي بكر الصدِّيق والله أعلم.

قال الأميني: عرفت في الطريق الثالث ضعف راشد، وإنَّما الصغّاني حكم على حديثه هذا بالوضع، وأقرَّه العجلوني وزيَّفه في كشف الخفاء ٢ ص ١٥٤، ١٦٣ وذكره السيوطي في اللئالي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ١ ص ٣٠٢ غير أنّه عدّه بهذا الطريق الوعر في تاريخ الخلفاء عن أحاديث أبي بكر، ولا تخفى عليه تراجم هؤلاء الرجال أمثال إسحاق الملطي، نعم راقه أن يكثر عدد أحاديث الخليفة ولو بمثل هذا وقد حذف الأسانيد منها حتّى لا يقف القارئ على ما فيها من الوضع والاختلاق والله من ورائه حسيب.

____________________

١ - مرت المصادر فى الجزء الخامس ص ٢١٨ ط ٢.

١١١

أما الحديث الثانى:

فأخرجه الحاكم في المستدرك ٣ ص ٩٠ باسناده عن عبد الله بن داود الواسطي التمّار عن عبد الرحمن ابن أخي محمّد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: قال عمر بن الخطاب ذات يوم لأبي بكر الصدِّيق رضي الله عنهما: يا خير الناس بعد رسول الله! فقال أبو بكر: أما انّك إن قلت ذلك سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر.

عقّبه الذهبي في تلخيص المستدرك فقال: قلت عبد الله ضعّفوه، وعبد الرحمن متكلّم فيه، والحديث شبه موضوع.

وقال في ميزان الاعتدال ٢ ص ١٢٣: رواه عبد الله ابن داود التمّار وهو هالكٌ، عن عبد الرحمن بن أخي محمّد المنكدر لا يكادُ يعرف، ولا يتابع على حديثه، وقال الترمذي: ليس إسناده بذلك.

قال الأميني: أمّا عبد الله بن داود التمّار فقال البخاري: فيه نظر. وقال ابو حاتم ليس بقويّ، في حديثه مناكير، وقال ألحاكم أبو أحمد: ليس بالمتين عندهم، وقال النسائي: ضعيفٌ.

وقال ابن حبّان: منكر الحديث جدّاً يروي المناكير عن المشاهير لا يجوز الاحتجاج بروايته. وقال الدارقطني: ضعيفٌ(١) .

وأمّا عبد الرحمن فقال يحيى بن معين: ما أعرف عبد الرحمن فقرأه إبراهيم بن الجنيد الحديث فقال يحيي: ما أعرف عبد الرحمن. وأنكر الحديث ولم يعرفه(٢) .

جاء العلّامة الحريفيش في القرن الثامن وأتى في كتابه الروض الفائق ص ٣٨٨ بحديث مختلق في فضيلة مولانا أمير المؤمنين وأبي بكر وجعل هذه الرواية في فضل أبي بكر عن لسان عليّعليه‌السلام قال روى أبو هريرة: انَّ أبا بكر الصدِّيق وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما قدما يوماً إلى حجرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال عليُّ لأبي بكر رضي الله عنهما: تقدَّم فكن أوَّل قارع يقرع الباب وألحّ عليه، فقال أبو بكر: تقدَّم أنت يا عليّ فقال عليٌّ: ما كنت بالذي يتقدَّم على رجل سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في حقِّه: ما طلعت الشمس ولا غربت من بعدي على رجل أفضل من أبي بكر

____________________

١ - تهذيب التهذيب ٤ ص ٢٠٠.

٢ - لسان الميزان ٣ ص ٤٤٨.

_٧_

١١٢

الصدِّيق. فقال أبو بكر: ما كنت بالذي يتقدَّم على رجل قال في حقِّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اعطيت خير النساء لخير الرجال. إلى آخره وفيه مناقب ستّ لأبي بكر على لسان عليّ وكذلك لعليّ على لسان أبي بكر لم يذكر السيوطي شيئاً منها في عدِّ أحاديث أبي بكر مع اهتمامه باكثار عددها وذلك لبداهة الكذب فيه، وركّة لفظه، ووضوح الاختلاق في معانيه وألفاظه، وظهور التهافت بين جمله كما ترى. نعم لكلّ من الوضّاعين في وضع الحديث ذوقٌ، ولكلِّ واحد منهم طريقة وسليقة، وليس أمرهم سلكي.

أما الحديث الثالث

فمن المنكر الواضح وهو لِدة ما سبق عن عمر في الجزء السادس صفحة ١٦٢ ط ٢ من قوله: إن الميِّت يعذَّب ببكاء الحيِّ. وقد أنكرته عليه عائشة، وهو مخالفٌ للكتاب المجيد حيث يقول: ولا تزر وازرة وزر اُخرى، وأمثالها وقد فصَّلنا القول فيه تفصيلا في الجزء السابق فراجع ص ١٥٩ ١٦٧ ط ٢.

ومخالفٌ للعدل فانَّ تعذيب أيِّ أحد لما اجترحه غيره من سيّئة - بعد تسليم كون البكاء عليه سيِّئة - يرفضه ناموس العدل الآلهي، وتلفظه العقول السليمة، ويتوجَّه إلى قائله اللوم من كلِّ ذي مسكة، تعالى الله عمّا يقولون علوًّا كبيراً.

اما الحديث الرابع: انما حرّ جهنم على امّتى مثل الحمام.

فانَّه أشبه شيء بمخاريق المعتوهين، أو من يريد تحطيماً من عظمة أمر المولى سبحانه، أو إغراءً لبسطاء الاُمَّة على اقتحام الجرائر بحسبان انَّ حرَّ الجحيم الشديد الذي أوقده المنتقم الجبّار للعصاة عامَّة لا يصيب هذه الاُمَّة وإنَّما هو للاُمم السابقة ومن لم يعتنق الاسلام من الموجودين، وأنت إذا تأمَّلت في نار الله الموقدة التي تطَّلع على الأفئدة(١) التي وقودها الناس والحجارة(٢) يوم يُحمى‏ عليها في نار جهنَّم فتكوى‏ بها جباههم وجنوبهم(٣) إذا الجحيم سُعِّرت(٤) وبُرِّزت الجحيم لمن يرى(٥) ترمي بشرر كالقصر كأنَّه جمالةٌ صفر(٦) كلّا إنَّها لظى‏ نزَّاعة للشوى‏(٧) يوم يسحبون

____________________

١ - سورة الهمزة آية ٧.

٢ - سورة البقرة آية ٢٤.

٣ - سورة التوبة آية ٣٥.

٤ - سورة التكوير آية ١٢.

٥ - سورة النازعات آية ٣٦.

٦ - سورة المرسلات آية ٣٣.

٧ - سورة المعارج آية ١٥.

١١٣

في النَّار على‏ وجوههم ذوقوا مسَّ سقر(١) وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر لوّاحة للبشر عليها تسعة عشر(٢) قالوا ما سلككم في سقر؟ قالوا لم نك من المصلّين ولم نك نطعم المسكين وكنّا نخوض مع الخائضين(٣) إنَّ شجرة الزّقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم(٤) .

أو تأمّلت فيما هدَّد به المولى سبحانه المتثاقلين عن النفر للجهاد في الحرِّ بقوله: قل نار جهنَّم أشدُّ حرًّا لو كانوا يفقهون(٥) و مَن يأكل أموال اليتامى بقوله: إنَّما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا(٦) إلى كثير من أمثال هذه لا ترتاب في أنَّ الاُمم كلها بالنسبة إليها شرعٌ سواء، بل إنَّ توجيه تلكم الخطابات إلى الاُمّة المرحومة المعنيَّة بالتهذيب وايقافها عن المعصية بالتهديد أولى من توجيهها إلى الاُمم البائدة التي جرى عليها ما جرى من عاقبة طاعة، أو مغبَّة عصيان، فذهبوا رهائن أعمالهم، وبه يتمُّ اللطف، وتحسن التربية، وهو الذي كان يُبكي الصالح، ويُفجع المتَّقين، ويدرُّ عبرات الأولياء، ويجعل سيِّدهم أمير المؤمنين يتململ في جنح الليل البهيم تململ السليم قابضاً على لحيته، يبكي بكاء الحزين وهو يقول: يا ربَّنا! يا ربَّنا! - يتضرَّع إليه - ثمَّ يقول للدنيا: إليَّ تغرَّرت؟ إليَّ تشوّقتِ؟ هيهات هيهات، غرّي غيري قد بتتكِ ثلاثاً، فعمركِ قصير، ومجلسكِ حقير، وخطركِ يسير، آه آه من قلَّة الزاد، وبُعد السفر ووحشة الطريق(٧) .

ثمَّ أيّ مشابهة بين ذلك اللهب المصطلم وبين الحمَّام الذي لا يكون الحرُّ فيه إلّا صحيّاً تُزاح به الأوساخ، وتعرق به الأبدان وترفع به الأتعاب، وترتاح به الأجسام؟ وهل يهدّد بمثله عصاة البشر الذي خُلق ظلوماً جهولاً جموحاً، البشر الذي هذا عقله ورشده وحديثه؟

____________________

١ - سورة القمر آية ٤٨.

٢ - سورة المدثر آية ٢٩.

٣ - سورة المدثر آية ٤٥.

٤ - سورة الدخان آية ٤٦.

٥ - سورة التوبة آية ٨١.

٦ - سورة النساء آية ١٠.

٧ - حلية الاولياء ١ ص ٨٥، الاستيعاب ٢ ص ٤٦٣، الرياض النضرة ٢ ص ٢١٢، زهر الاداب للقيروانى ١ ص ٣٨، تذكرة السبط ص ٢٧٠، مطالب السؤول ص ٣٣، اتحاف الشبراوى ص ٧.

١١٤

غاية جهد الباحث

هذه غاية جهد الباحث عن علم الخليفة بالسنَّة وهذه سعة إطّلاعه عليها، فنحن إذا قسنا مجموع ما ورد عن الخليفة من الصحيح والموضوع في التفسير والأحكام والفوائد من المائة وأربعة حديثاً أو المائة واثنين وأربعين حديثاً إلى ما جاء عن النبيِّ الأقدس من السنَّة الشريفة لتجدها كقطرة من بحر لجِّي، لا تقام بها قائمةٌ للاسلام، ولا تدعم بها أيّ دعامة للدين، ولا تُروى بها غلّة صاد، ولا تنحلُّ بها عقدة أيّة مشكلة. هذا أبو هريرة، وأنس بن مالك، وعبد الله عمر، وعبد الله بن العبّاس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن مسعود، و و و يروون آلافاً من السنَّة النبويَّة فقد أخرج تقيّ ابن مخلد في مسنده من حديث أبي هريرة فحسب خمسة آلاف وثلثمائة حديث وكسراً(١) وأبو هريرة لم يصحب النبيَّ إلّا ثلاث سنين.

وهذا أحمد بن الفرات كتب ألف ا لف وخمسمائة ألف حديث، وانتخب منها ثلاثمائة ألف في التفسير والأحكام والفوائد: « خلاصة التهذيب ص ٩ »

وهذا حرمة بن يحيى أبو حفص المصري صاحب الشافعي يروي عن طريق إبن وهب فحسب مائة ألف حديث. « خلاصة التهذيب ص ٦٣ »

وهذا أبو بكر الباغندي يجيب عن ثلثمائة ألف مسألة في حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « تاريخ الطبري ٣ ص ٢١٠ »

وهذا الحافظ روح بن عبادة القيسي له أكثر من مائة ألف حديث. « ميزان الاعتدال ١ ص ٣٤٢ »

وهذا الحافظ مسلم صاحب الصحيح عنده ثلاثمائة ألف حديث مسموعة. « طبقات الحفّاظ ٢ ص ١٥١ »

وهذا الحافظ أبو محمَّد عبدان الأهوازي يحفظ مائة ألف حديث « تاريخ ابن عساكر ٧ ص ٢٨٨ »

وهذا الحافظ أبو بكر ابن الأنباري يحفظ ثلاثمائة ألف بيت شاهد في القرآن

____________________

١ - الاصابة ٤ ص ٢٠٥.

١١٥

وكان يحفظ مائة وعشرين تفسيراً بأسانيدها (شذرات الذهب ٢ ص ٣١٦).

وهذا الحافظ أبو زرعة حفظ مائة ألف حديث كما يحفظ الإنسان قل هو الله أحد، ويقال: سبعمائة ألف حديث (تاريخ ابن كثير ١١ ص ٣٧، تهذيب التهذيب ٧ ص ٣٣).

وهذا الحافظ ابن عقدة يجيب في ثلاثمائة ألف حديث من حديث أهل البيت عليهم السَّلام وبني هاشم حدَّث بها عنه الدارقطني (تذكرة الحفّاظ ٢ ص ٥٦).

وهذا الحافظ أبو العبّاس احمد بن منصور الشيرازي كتب عن الطبراني ثلاثمائة ألف حديث (تذكرة الحفّاظ ٣ ص ١٢٢).

وهذا الحافظ أبو داود السجستاني كتب عن النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسمائة ألف حديث (تذكرة الحفّاظ ٢ ص ١٥٤).

وهذا عبد الله بن إمام الحنابلة أحمد سمع من أبيه مائة ألف وبضعة أحاديث (طبقات الحفّاظ ٢ ص ٢١٤).

وهذا ثعلب البغدادي سمع من القواريري مائة ألف حديث [طبقات الحفّاظ ٢ ص ٢١٤].

وهذا أبو داود الطيالسي يملي من حفظه مائة ألف حديث (شذرات الذهب ٢ ص ١٢).

وهذا أبو بكر الجعابي يحفظ أربعمائة ألف حديث بأسانيد ها ومتونها ويذاكر ستمائة ألف حديث، ويحفظ من المراسيل والمقاطيع والخطابات قريباً من ذلك (تاريخ ابن كثير ١١ ص ٢٦١).

وهذا إمام الحنابلة أحمد عنده أكثر من سبعمائة وخمسين ألفاً (راجع آخر الجزء الأول من مسنده).

وهذا الحافظ أبو عبد الله الختلي يحدِّث من حفظه بخمسين ألف حديث (تاريخ ابن كثير ١١ ص ٢١٧).

وهذا يحيى بن يمان العجلي يحفظ عن سفيان أربعة آلاف حديث في التفسير فقط (تاريخ الطبري ١٤ ص ١٢١).

١١٦

وهذا الحافظ ابن أبي عاصم يملي من ظهر قلبه خمسين ألف حديث بعد ما ذهبت كتبه (تذكرة الحفّاظ ٢ ص ١٩٤).

وهذا الحافظ إبو قلابة عبد الملك حدَّث من حفظه ستِّين ألف حديث (طبقات الحفّاظ ٢ ص ١٤٣).

وهذا أبو العبّاس السرَّاج كتب لمالك سبعين ألف مسألة (تاريخ بغداد ١ ص ٢٥١).

وهذا الحافظ ابن راهويه يملي سبعين ألف حديث من حفظه (تاريخ ابن عساكر ٢ ص ٤١٣).

وهذا الحافظ اسحاق الحنظلي يحفظ سبعين ألف حديث (تاريخ الخطيب ٦ ص ٣٥٢).

وهذا إسحاق بن بهلول التنوخي يحدِّث من حفظه خمسين ألف حديث (تاريخ الخطيب ٦ ص ٣٦٨).

وهذا محمّد بن عيسى الطبّاع كان يحفظ نحواً من أربعين ألف حديث (تاريخ بغداد ٢ ص ٣٩٦).

وهذا الحافظ ابن شاهين يكتب من حفظه بعد ما ذهبت كتبه عشرين أو ثلاثين ألف حديث (تاريخ بغداد ١١ ص ٢٦٨).

وهذا الحافظ يزيد بن هارون يحفظ أربعة وعشرين ألف حديث باسنادها (شذرات الذهب ٢ ص ١٦).

فهلمَّ معي نرى أنَّ إسلاماً هذه سعة نطاق علمه، وكثرة طقوسه وسننه، وغزارة فنونه وعلومه، ونبيّاً هذا حديثه وسنَّته، وهذا ودايعه المصلحة لاُمَّته، وهذا شأن الأعلام اُمناء ودايع العلم والدين، وهذه سيرة حفظة السنَّة الشريفة، كيف يجب أن يتحلّى خليفة ذلك النبيِّ الأقدس بأبراد علوم الكتاب والسنَّة؟ وكيف يحقُّ أن يكون حاملاً بأعباء علوم مستخلفه ومعالمه، وراثاً مآثره وآثاره؟ أفهل يُقتصر منه بمائة وأربعة حديثاً؟ أو تقبل الاُمَّة المسكينة أو تُجديها هذه الكميَّة اليسيرة من ذلك الحوش الحايش؟ أو يسدُّ ذلك الفراغ، ويمثِّل تلك العلوم الاسلاميَّة الجمَّة مَن هذا شأنه وشعاره، وهذه سيرته وسنَّته، وهذا علمه وحديثه؟ أو يُتلقّى

١١٧

بالقبول عذر المدافع عن الخليفة بأنَّ قلّة حديثه لقصر مدَّة خلافته؟ أيّ صلة بين قصر العمر بعد النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقلَّة الرواية؟ فانَّ رواة الأحاديث على العهد النبويِّ ما كان حجر عليها، ولم يكن عقال في ألسن أولئك الصحابة الأوَّلين، ولا على الأفواه أوكية عن بثِّ العلم من الكتاب والسنّة طيلة حياة النبيِّ الأقدس، ولم يكن المكثرون من الرواية قصروا أحاديثهم على ما بعد ايّامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلَّة حديث الرجل إن هي إلّا لقلّة تلقِّيه، وقصر حفظه، إنّما الإناء ينضح بما فيه والأوعية إذا طفحت فاضت.

ثمَّ أنَّى يسوغ للخليفة؟ أن تُثقله أعباء الخلافة، وتعييه معضلات المسائل و ويتترَّس بمثل قوله: أيّ سماء تظلّني. إلخ.

أو قوله: سأقول فيها برأيي. أو يخطب بعد أيّام قلائل من خلافته وقد أهرجته المواقف، ويتطلَّب الفوز منها بقوله: لوددت أنَّ هذا كفانيه غيري، ولئن أخذ ولئن أخذتموني بسنَّة نبيِّكمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا اُطيقها، إن كان لمعصوماً من الشيطان، وإن كان لينزل عليه الوحي من السماء(١) .

أو بقوله: أما والله ما أنا بخيركم، ولقد كنت لمقامي هذا كارهاً، ولوددت أنَّ فيكم من يكفيني، أفتظنّون انِّي أعمل فيكم بسنَّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ إذن لا أقوم بها إنَّ رسول الله كان يُعصم بالوحي، وكان معه ملك، وإنَّ لي شيطاناً يعتريني، فاذا غضبت فاجتنبوني أن لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم، ألا فراعوني فإن استقمت فأعينوني وإن زغت فقوِّموني

وفي لفظ ابن سعيد: ألا وإنَّما أنا بشرٌ ولست بخير من أحد منكم فراعوني، فإذا رأيتموني استقمت فاتّبعوني، وإن رأيتموني غضبت فاجتنبوني لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم(٢) أو بقوله: إنِّي وُليت عليكم ولست بخيركم، فان رأيتموني على الحقِّ فأعينوني وإن رأيتموني على الباطل فسدِّدوني(٣) .

____________________

١ - مسند احمد ١ ص ١٤، الرياض النضرة ١ ص ١٧٧، كنز العمال ٣ ص ١٢٦.

٢ - طبقات ابن سعد ٣ ص ١٥١، الامامة والسياسة ١ ص ١٦، تاريخ الطبرى ٣ ص ٢١٠، الصفوة ١ ص ٩٩، شرح نهج البلاغة: ٣ ص ٨، ج ٤: ١٦٧. كنز العمال ٣ ص ١٢٦.

٣ - طبقات ابن سعد ٣ ص ١٣٩، المجتنى لابن دريد ص ٢٧، عيون الاخبار لابن قتيبة ٢ ص ٢٣٤، تاريخ الطبرى ٣ ص ٢٠٣، سيرة ابن هشام ٤ ص ٣٤٠، تهذيب الكامل ١ ص ٦، العقد الفريد ٢ ص ١٥٨، اعجاز القرآن ص ١١٥، الرياض النضرة ١ ص ١٦٧، ١٧٧، تاريخ ابن كثير ص ٢٤٧ وصححه، شرح ابن ابى الحديد ١ ص ١٣٤، تاريخ الخلفاء السيوطى ص ٤٧، ٤٨ السيرة الحلبية ٣ ص ٣٨٨.

١١٨

وفي لفظ ابن الجوزي في الصفوة ١، ٩٨: قد وُليت أمركم ولست بخيركم، فإنْ أحسنت فأعينوني، وإن زغت فقوِّموني.

وهل الخليفة حريٌّ بأن ترعاه اُمّته ورعيَّته فتعينه وتسدِّده وتقوِّمه عند الخطل والزيغ؟ وكيف لا يؤاخذ الخليفة بالسنَّة وهو وارث علم النبيِّ وحامل سنَّته وقد أكمل الله دينه وأوحى إلى نبيِّه ما تحتاج إليه اُمَّته، وبلّغصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلَّ ما جاء به حتى حقَّ له أن ينهى عن الرأي والقياس في دين الله، أو يقول: ما تركت شيئاً ممَّا أمركم الله به إلّا وقد أمرتكم به، ولا تركت شيئاً ممّا نهاكم عنه إلّا وقد نهيتكم عنه(١) .

وقد فتح الخليفة لقصر باعه في علوم الكتاب والسنَّة باب القول بالرأي بمصراعيه بعد ما سدَّه النبيُّ الأعظم على اُمَّته، ولم تكن عند الخليفة مندوحة سواه، قال ابن سعد في الطبقات، وأبو عمر في كتاب العلم ٢: ٥١، وابن القيِّم في أعلام الموّقعين ص ١٩، إنَّ أبا بكر نزلت به قضيَّة فلم يجد في كتاب الله منها اصلاً، ولا في السنَّة أثراً، فاجتهد رأيه ثمَّ قال: هذا رأيي فان يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأ فمنِّي واستغفر الله. « وذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء عن ابن سعد ص ٧١ »

وقال ميمون بن مهران: كان أبو بكر إذ ورد عليه الخصم فإن وجد في الكتاب أو علم من رسول الله ما يقضي بينهم قضى به، فان أعياه خرج فسأل المسلمين وقال: أتاني كذا وكذا فهل علمتم أنَّ رسول الله قضى في ذلك بقضاء؟ فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر من رسول الله فيه قضاءاً، فيقول أبو بكر: الحمد لله الَّذي جعل فينا مَن يحفظ نبِّينا، فإن أعياه أن يجد فيه سنَّة من رسول الله جمع رؤس الناس و خيارهم فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به(٢) .

هكذا كان شأن الخليفة في القضاء، وهذا مبلغ علمه، وهذه سيرته في العمل بالرأي المجرَّد وقد قال عمر بن الخطاب: أصبح أهل الرأي أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يعوها، وتفلّتت منهم أن يرووها فاشتقّوا الرأي، أيُّها الناس إنَّ الرأي إن كان من

____________________

١ - كتاب العلم لابى عمر، وفى مختصره ص ٢٢٢.

٢ - سنن الدارمى ١ ص ٥٨، و اخرجه البغوى كما فى الصواعق ص ١٠.

١١٩

رسول الله مصيباً لأنَّ الله كان يريه، وإنَّما هو منّا الظنُّ والتكلّف(١) .

ثمَّ ما المسوِّغ لمن سدَّ فراغ النبيِّ وأشغل منصَّته أن يسأل الناس عن السنَّة الشريفة، ويأخذها ممَّن هو خليفة عليه؟ ولماذا خالف سيرته هذه لمـّا سُئل عن الأبِّ والكلالة و ترك سؤال الصحابة واستشارتهم فأفتى برأيه ما أفتى وقال بحريَّته ما قال.

وفيما اتَّفق لأبي بكر من القضايا غير ما مرَّ مع قلّته غنية وكفاية في عرفان مبلغ علمه وإليك منها:

- ١ -

رأي الخليفة في الجدَّة

عن قُبيصة بن ذؤيب قال: جاءت الجدَّة إلى أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه تسأله عن ميراثها فقال لها أبو بكر: ما لك في كتاب الله شيء وما علمت لك في سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئاً فارجعي حتى أسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطاها السدس. فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمّد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة فأنفذه لها أبو بكر رضي الله عنه. الحديث(٢) .

فانظر إلى ما عزب عنه علم الخليفة في مسألة تكثر بها البلوى ويطَّرد الحكم فيها، حتى اضطرَّته الحاجة إلى الركون إلى رواية مثل المغيرة أزنى ثقيف وأكذب الاُمَّة(٣) وكان من تغييره للسنَّة ولعبه بها انَّه صلّى صلاة العيد يوم عرفة مخافة أن يعزل سنة أربعين(٤) وكان ينال من أمير المؤمنينعليه‌السلام كلَّما رقى صهوة المنبر(٥) .

- ٢ -

رأي الخليفة في الجدَّتين

عن القاسم بن محمّد انَّه قال: أتت الجدَّتان إلى أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه

____________________

١ - كتاب العلم لابى عمر ٢: ١٣٤، وفى مختصره ص ١٨٥، اعلام الموقعين ص ١٩.

٢ - موطأ مالك ١ ص ٣٣٥، سنن الدارمى ٢ ص ٣٥٩، سنن ابى داود ٢ ص ١٧، سنن ابن ماجة ٣ ص ١٦٣، مسند احمد ٤ ص ٢٢٤، سنن البيهقى ٦ ص ٢٣٤، بداية المجتهد ٢ ص ٣٤٤، مصابيح السنة ٢ ص ٢٢.

٣ - راج الجزء السادس من كتابنا هذا ص ١٤١ ط ٢.

٤ - الاغانى ١٤ ص ١٤٢.

٥ - مرّ فى الجزء السادس ص ١٤٣، ١٤٤ ط ٢.

١٢٠