الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٧

الغدير في الكتاب والسنة والأدب9%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 417

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 417 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 193763 / تحميل: 6947
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٧

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

يا رسول الله! قد شبت؟ قال: شيَّبتني هود والواقعة. الحديث. وروى مثله الحفّاظ عن ابن مسعود، وفي لفظ أبي جحيفة: قالوا: يا رسول الله! نراك قد شبت؟ قال: شيَّبتني هود وأخواتها(١) .

فهذه الصحيحة تعرب عن أنَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد بان فيه الشيب على خلاف الطبيعة، وأسرع فيه حتّى أصبح مسئولاً عنه وعمّا أثَّره فيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأين منها ذلك التأويل البارد؟

وربما يُقال في حلِّ مشكلة (يُعرف ولا يُعرف): إنَّ أبا بكر كان تاجراً عرفه الناس في المدينة عند اختلافه إلى الشام، لكنَّه على فرض تسليم كونه تاجراً، وعلى تقدير تسليم سفره إلى الشام ودون إثباته خرط القتاد، مقابلٌ بأنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ايضاً كان يحاول التجارة يستطرق المدينة إلي الشام، فلو كانت التجارة بمجرَّدها تستدعي معرفة الناس بالتاجر فهو في النبيِّ الأعظم أولى لأنَّ شرفه المكتسب، وشهرته وبالأمانة، وعظمته في النفوس، وتحلّيه بالفضائل، وبروز عصمته وقداسته عند الناس من أوَّل يومه، وشرفه الطائل في نسبه، أجلب لتوجّه النفوس اليه، بخلاف التاجر الذي هو خلوٌ من كلِّ ذلك.

على أنَّ التاجر متى هبط مصراً فعارفوه رجالٌ معدودون ممَّن شاركوه في الحرفة، أو شارفوه في المعاملة، وهذا التعارف يخصُّ باناس تُعدُّ بالأنامل لا عامَّة الناس كما حسبوه، وأنَّى هذا من سفر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة وأبو بكر يوم ذاك يرضع من ثدي اُمِّه، خرجت بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اُمّ أيمن لمـّا بلغ ستَّ سنين من عمره إلى أخواله بني عدي بن النجار بالمدينة تزور به أخواله، فنزلت به في دار النابغة رجلٌ من بني عدي بن النجار فأقامت به شهراً. وممّا وقع في تلك السفرة:

قالت اُمُّ أيمن: أتاني رجلان من اليهود يوماً نصف النهار بالمدينة فقالا: أخرجي لنا أحمد. فأخرجته ونظرا إليه وقلَّباه مليّاً ثمَّ قال أحدهما لصاحبه: هذا

____________________

١ - أخرجه الحافظ الترمذى فى جامعه، والحكيم الترمذى فى نوادر الاصول، وابو يعلى، والطبرانى، وابن ابى شيبة، والحاكم فى المستدرك ٢: ٣٤٣ وصححه هو واقرّه الذهبى، والقرطبى فى تفسيره ٧: ١. وابو نصر فى اللمع ص ٢٨٠، وابن كثير فى تفسيره ٢: ٤٣٥، والخازن فى تفسيره ٢: ٣٣٥.

٢٦١

نبيُّ هذه الاُمَّة، وهذه دار هجرته، وسيكون بهذه البلدة من القتل والسبي أمرٌ عظيمٌ. قالت اُمٌّ أيمن: وعيت ذلك كلّه من كلامهما(١) أبعد هذه كلّها، وبعد تلكم الإرهاصات للنبوَّة التي ملأت بين الخافقين، وبعد ذلك الصيت الطائل الذي دوَّخ الأقطار، وبعد مضيِّ خمسون سنة من عمره الشريفصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول الله شابٌّ لا يُعرف وأبو بكر شيخٌ يُعرف، يُسأل عنه: مَن هذا الغلام بين يديك؟

ولإيضاح هذه الجمل من الحريِّ أن نسرد كيفيَّة هجرتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى تزيد بصيرة القارئ على موقع الإفك من هذه المجهلة المأثورة في الصِّحاح والمسانيد الصادرة عن الغلوِّ في الفضائل عمياً وصمّاً. فأقول:

(الانصار فى البعتين)

كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرض نفسه على القبائل في المواسم إذا كان يدعوهم إلى الله ويخبرهم انَّه نبيٌّ مرسلٌ فعرض نفسه على كندة. وعلى بني عبد الله بطن من كلب. وعلى بنى حنيفة. وعلى بنى عامر بن صعصعة. وعلى قوم من بني عبد الأشهل. فلمّا أراد الله عزَّ وجلَّ إظهار دينه، وإعزاز نبيِّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنجاز موعده له خرجصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الموسم الذي لقي فيه النفر من الأنصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كلِّ موسم فبينما هو عند العقبة لقي رهطاً من الخزرج أراد الله بهم خيراً وفيهم: أسعد بن زرارة أبو امامة النجاري. وعوف بن الحرث بن عفراء. ورافع بن مالك. وقطبة بن عامر بن حديدة. وعقبة بن عامر بن نابي. وجابر بن عبد الله.

فكلّمهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعاهم إلى الله، وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن فأجابوه فيما دعا إليهم ثمَّ انصرفوا عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم راجعين إلى بلادهم وقد آمنوا وصدَّقوا.

فلمَّا قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعوهم إلى الإسلام حتّى فشا فيهم، فلم تبق دارٌ من دور الأنصار إلّا وفيها ذكرٌ مِن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتَّى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار إثنا عشر رجلاً فلقوه بالعقبة الأولى فبايعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بيعة النساء وذلك قبل أن يفترض عليهم الحرب. وهم:

____________________

١ - دلائل النبوة لابى نعيم ١: ٥٠، صفة الصفوة لابن الجوزى ١: ٢٠ تاريخ ابن كثير ٢: ٢٧٩ بهجة المحافل ١: ٤٤.

٢٦٢

أبو امامة أسعد بن زرارة. وعوف بن عفراء. ومعاذ بن عفراء. ورافع بن مالك. وذكوان بن عبد قيس. وعبادة بن الصامت. ويزيد بن ثعلبة. والعبّاس بن عبادة. وعقبة بن عامر. وقطبة بن عامر. وابو الهيثم بن التيهان. وعويم بن ساعدة.

قال عبادة بن الصامت: بايعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة العقبة الأولى: على أن لا نشرك بالله شيئاً، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف.

فلمّا إنصرف القوم عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث رسول الله معهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف وأمره أن يقرأهم القرآن، ويعلّمهم الاسلام، ويفقِّههم في الدين، ويقيم فيهم الجمعة والجماعة، وكان مصعب يسمّى بالمدينة: المقرئ، وكان منزله على أسعد بن زرارة أبي أمامة النجاري وكان يصلّي بهم الجمعة والجماعة فأقام عنده يدعوان الناس الإسلام حتَّى لم تبق دارٌ من دور الأنصار إلّا وفيها رجالٌ ونساءٌ مسلمون.

ثمَّ إنَّ مصعب بن عمير رجع إلى مكّة، وخرج مَن خرج من الأنصار من المسلمين إلى الموسم مع حُجّاج قومهم من أهل الشرك حتّى قدموا مكّة فواعدوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العقبة من أوسط أيّام التشريق. قال كعب: فلمّا فرغنا من الحجِّ وكانت الليلة التي واعدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر سيِّد ساداتنا وشريف من أشرافنا أخذناه معنا، ثمَّ دعوناه إلى الاسلام فأسلم وشهد معنا العقبة، و كان نقيباً، فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا حتّى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن ثلاثة وسبعون رجلاً، ومعنا امرأتان من نسائنا: نسيبة بنت كعب امّ عمارة. وأسماء بنت عمرو أمّ منيع.

قال: فتكلّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتلا القرآن ودعا إلى الله ورغب في الإسلام ثمَّ قال: أبايعكم على أن تمنعوني ممّا تمنعون منه نساءكم وأبناءكم. فأخذ البراء بن معرور بيده ثمَّ قال: نعم والّذي بعثك بالحقِّ لنمنعنّك عمّا نمنع منه أزرنا(١) فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أهل الحروب، وأهل الحلقة، ورثناها كابراً عن كابر فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أخرجوا إليَّ

____________________

١ - ازرنا: يعنى نساءنا، والمرأة يكنى عنها بالازار.

٢٦٣

منكم إثنى عشر نقيباً ليكونوا على قومهم بما فيهم. فأخرجوا منهم إثنى عشر نقيباً تسعة من الخزرج وثلاثة من الاُوس وهم:

١ - أبو أمامة أسعد بن زرارة الخزرجي.

٢ - سعد بن الربيع بن عمرو الخزرجي.

٣ - عبد الله بن رواحة بن امرؤ القيس الخزرجي.

٤ - رافع بن مالك بن العجلان الخزرجي.

٥ - البراء بن معرور بن صخر الخزرجي.

٦ - عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجي.

٧ - عبادة بن الصامت بن قبس الخزرجي.

٨ - سعد بن عبادة بن دُليم الخزرجي.

٩ - المنذر بن عمرو بن خنيس الخزرجي.

١٠ - أسيد بن حضير بن سماك الأوسي.

١١ - سعد بن خيثمة بن الحرث الأوسي.

١٢ - رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر الأوسي. وقد يعدُّ بمكانه أبو الهيثم ابن التهيان.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للنقباء: أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريِّين لعيسى بن مريم وأنا كفيلٌ على قومي: يعني المسلمين. قالوا: نعم.

قال العبّاس بن عبادة بن نضلة الأنصاري: يا معشر الخزرج! هل تدرون عَلام تبايعون هذا الرجل؟ قالوا: نعم.

قال: إنّكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فان كنتم ترون انّكم إذا نهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتّل استلمتموه؟ فمن الآن، فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف فهو والله خير الدنيا والآخرة. قالوا فانّا نأخذ على مصيبة الأموال قتل الأشراف، فما لنا بذلك يا رسول الله! إن نحن وفينا؟ قال: الجنّة. قالوا: ابسط يدك فبسط يده فبايعوه.

فقال له العبّاس بن عبادة: والله الذي بعثك بالحقِّ إن شئت لنميلنَّ على أهل

٢٦٤

مِنى غداً بأسيافنا؟ قال: فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لم نُؤمر بذلك ولذلك ولكن ارجعوا إلى رحالكم. فرجعوا إلى مضاجعهم. فلمّا قدموا المدينة أظهروا الإسلام بها وفي قومهم بقايا من شيوخ لهم على دينهم من الشِّرك. وكان أهل بيعة العقبة الآخرة ثلاثة وسبعين رجلاً و امرأتين وهم:

اُسيد بن حُضير النقيب

أبو الهيثم بن التيهان النقيب

سلمة بن سلامة الأشهلي

ظهير بن رافع الخزرجي

أبو بردة بن نيار بن عمرو

نهير بن الهيثم الحارثي

سعد بن خيثمة النقيب

رفاعة بن عبد المنذر النقيب

عبد الله بن جبير بن النعمان

معن بن عدي بن الجلد

عويم بن ساعدة الأوسي

أبو أيّوب خالد الأنصاري

معاذ بن الحارث الانصاري

أسعد بن زرارة النقيب

سهيل بن عتيك النجاري

أوس بن ثابت الخزرجي

أبو طلحة زيد بن سهل

قيس بن أبي صعصعة النجاري

عمرو بن غزية الخزرجي

سعد بن الربيع النقيب

خارجة بن زيد الخزرجي

عبد الله بن رواحة النقيب

بشير بن سعد الخزرجي

خلاّد بن سويد الخزرجي

عقبة بن عمرو الخزرجي

زياد بن لبيد الخزرجي

فروة بن عمرو الخزرجي

خالد بن قيس الخزرجي

رافع بن مالك النقيب

ذكوان بن عبد قيس الخزرجي

عبادة بن قيس الخزرجي

الحارث بن قيس الخزرجي

البراء بن معرور النقيب

بشر بن البراء الخزرجي

سنان بن صيفي الخزرجي

الطفيل بن النعمان الخزرجي

معقل بن المنذر الخزرجي

يزيد بن المنذر الخزرجي

مسعود بن يزيد الخزرجي

الضحاك بن حارثة الخزرجي

يزيد بن خزام الخزرجي

جبار بن صخر الخزرجي

الطفيل بن مالك الخزرجي

كعب بن مالك الخزرجي

سليم بن عمرو الخزرجي

قطبة بن عامر الخزرجي

يزيد بن عامر الخزرجي

كعب بن عمرو الخزرجي

صيفي بن سواد الخزرجي

ثعلبة بن غنمة السلمي

عمرو بن غنمة السلمي

عبد الله بن أنيس السلمي

خالد بن عمرو السلمي

عبد الله بن عمر النقيب

جابر بن عبد الله السلمي

ثابت بن ثعلبة السلمي

عمير بن الحارث السلمي

خديج بن سلامة بن الفرافر

معاذ بن جبل الخزرجي

أوس بن عباد الخزرجي

عبادة بن الصامت النقيب

غنم بن عوف الخزرجي

العبّاس بن عبادة الخزرجي

٢٦٥

أبو عبد الرحمن بن الخزرجي

عمرو بن الحرث الخزرجي

رفاعة بن عمرو الخزرجي

عقبة بن وهب الجشمي

سعد بن عبادة النقيب

المنذر بن عمرو النقيب

عوف بن الحارث الأنصاري

معوذ بن الحارث الانصاري

عمارة بن حزم الأنصاري

عبد الله بن زيد مناة الخزرجي.

نبأ الهجرة

فلمّا عتت قريش على الله عزَّ وجلَّ، وردّوا عليه ما أرادهم به من الكرامة، وكذَّبوا نبيَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعذَّبوا ونفوا مَن عَبده ووحَّده وصدَّق نبيَّه واعتصم بدينه أذن الله عزَّ وجلَّ لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القتال فنزل قوله تعالى: اُذن للذين يُقاتلون بأنَّهم ظلموا الآية. ثمَّ أنزل الله تعالى: وقاتلوهم حتّى‏ لا تكون فتنة ويكون الدين لله.

فلمّا أذن الله تعالى لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحرب وتابعه هذ الحيُّ من الأنصار على الاسلام والنصرة له ولمن إتَّبعه، وأوى إليهم من المسلمين، أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحابه من المهاجرين مِن قومه ومَن معه بمكّة من المسلمين بالخروج إلى المدينة والهجرة إليها، واللحوق باخوانهم من الأنصار، وقال: إنَّ الله عزَّ وجلَّ قد جعل لكم إخواناً وداراً تأمنون بها. فخرجوا أرسالاً وأقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكّة ينتظر أن يأذن له ربُّه في الخروج من مكة والهجرة إلى المدينة، فهاجر بنو جحش فغلّقت دورهم هجرة تخفق أبوابها يَبابا، ليس فيها ساكنٌ خلاءٌ من أهلها. وكان بنو غنم بن دودان أهل. اسلام قد أو عبوا إلى المدينة هجرة نساءهم ورجالهم، ثمَّ تتابع المهاجرون وفيهم:

أبو سلمة بن عبد الأسد

عامر بن ربيعة الكعبي

عبد الله بن جحش

عبد بن جحش أبو أحمد

عكاشة بن محصن

شجاع بن وهب

عقبة بن وهب

عربد بن حُميَر

منقذ بن نباتة

سعيد بن رُقيش

محرز بن نضلة

يزيد بن رُقيش

قيس بن خابر

عمرو بن محصِّن

مالك بن عمرو

صفوان بن عمرو

ثقف بن عمرو

ربيعة بن أكثم

الزبير بن عبيدة

تمام بن عبيدة

سخبرة بن عبيدة

محمدبنعبد الله بن جحش

عمر بن الخطاب

عياش بن أبي ربيعة

زيد بن الخطاب

عمرو بن سراقة

عبد الله بن سراقة

خنيس بن حذافة

إياس بن البكير

عاقل بن البكير

عامر بن البكير

خالد بن البكير

٢٦٦

طلحة بن عبيد الله

حمزة بن عبد المطلب

صهيب بن سنان

زيد بن حارثة

كنّار بن حصين

عبيدة بن الحارث

الطفيل بن الحارث

الحصين بن الحرث

مسطح بن أثاثة

سويبط بن سعد

طليب بن عمير

خبّاب مولى عتبة

عبد الرحمن بن عوف

الزبير بن عوام

أبو سبرة بن أبي رهم

مصعب بن عمير

أبو حذيفة بن عتبة

سالم مولى أبي حذيفة

عتبة بن غزوان

عثمان بن عفان

أنسة مولى رسول الله

أبو كبشة مولى رسول الله.

وأقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكّة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يؤذن له في الهجرة. ولم يتخلّف معه بمكّة أحدٌ من المهاجرين إلاّ من حُبس أو فتن، إلاّ عليُّ بن أبي طالب وأبو بكر بن أبي قحافة رضي الله عنهما حتّى إذا كان اليوم الذي أذن الله فيه لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الهجرة والخروج من مكّة من بين ظهري قومه، وما كان يعلم بخروجهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحدٌ حين خرج إلّا عليُّ بن أبي طالب وأبو بكر الصدِّيق وآل أبي بكر، أما عليٌّ فإنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبره بخروجه وأمره أن يتخلّف بعدُ مكّة، حتى يؤدّي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الودائع التي كانت عنده للناس، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس بمكّة أحدٌ عنده شيءٌ يخشى عليه إلّا وضعه عنده لما يعلم من صدقه وأمانتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فلمّا أجمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخروج فخرج ومعه أبو بكر ثمَّ عمدا إلى غار بثور جبل بأسفل مكّة فدخلاه فأقام فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثاً ومعه صاحبه.

ثمَّ خرج بهما دليلهما عبد الله بن أرقط سلك بهما أسفل مكّة ثمَّ مضى بهما على الساحل أسفل من عُسفان(١) ثمَّ سلك بهما على أسفل أمج(٢) ثمَّ استجاز بهما حتى عارض بهما الطريق بعد أن جاز قُديداً(٣) ثمَّ أجاز بهما من مكانه ذلك فسلك بهما الخرّار(٤) ثمَّ سلك بهما ثنيّة(٥) المرة، ثمَّ سلك بهما لقفاً(٦) ، ثمَّ استبطن بهما مدلجة

____________________

١ - بضم الاول ثم السكون: محل من مكة على مرحلتين.

٢ - بفتح الهمزة والميم: بلد من اعراض المدينة.

٣ - بضم الاول وفتح الدال: موضع فيه ماء بين مكة والمدينة. بها منازل خزاعة.

٤ - بفتح المعجمة وتشديد الراء: موضع قرب الجحفة.

٥ - ثنية المرة مخفف الراء.

٦ - يقال: لقف بالتحريك وبفتح اللام وسكون الفاء. وبكسر اللام وسكون الفاء.

٢٦٧

مجاج(١) ثمَّ سلك بهما مَرجح مجاج ثمَّ تبطَّن بهما مرجح(٢) من ذي العضوين - الغضوين - ثمَّ بطن ذي كشر(٣) ثمَّ أخذ بهما على الجداجد(٤) ثمَّ على الأجرد(٥) ثمَّ سلك بهما ذا سلم بن بطن أعدا مَدلجة تعهن(٦) ثمَّ على العبابيد(٧) ثمَّ أجاز بهما الفاجة(٨) ثمَّ هبط بهما العرْج(٩) فحمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلٌ من أسلم يقال له: أوس بن حجر على جمل له يقال له: ابن الرداء. إلى المدينة وبعث معه غلاماً له مسعود بن هُنيدة، ثمَّ خرج بهما دليلهما من العرج فسلك بهما ثنيَّة العائر(١٠) عن يمين ركوبه(١١) حتّى هبط بهما بطن رئم(١٢) ثمَّ قدم بهما قباء(١٣) على بني عمرو بن عوف حين اشتدَّ الضحاء وكادت الشمس تعتدل.

ولمـّا دنوا من قباء بعثوا رجلاً من أهل البادية إلى أبي أمامة وأصحابه من الأنصار فثار المسلمون إلى السلاح واستقبله زهاء خمسمائة من الأنصار فوافوه وهو مع أبي بكر في ظلِّ نخلة، ثمَّ قالوا لهما: اركبا آمنين مطاعين. فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بقباء في دار بني عمرو بن عوف فأقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقباء في بني عمرو بن عوف بن الاثنين ويوم الثلثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس وأسَّس مسجده وقد يقال كما في سنن أبي داود ١

____________________

١ - بفتح الميم وكسره بجيمين وصححه بعض بفتح الميم ثم المعجمة وآخره مهملة.

٢ - بفتح الميم وسكون الراء بعدها معجمة مكسورة وآخره مهملة.

٣ - بفتح الكاف وسكون الشين وآخره مهملة.

٤ - بالمعجمتين والمهملتين بينهما ألف. من الآبار القديمة.

٥ - اسم جبل هناك.

٦ - تعهن بكسر اوله وهائه وتسكين العين وآخره نون: اسم عين ماء سمى به على ثلاثة أميال من السقيا بين مكة والمدينة، ويقال في ضبطه غير هذا.

٧ - ويقال: العبابيب، ويقال: العثيانة.

٨ - ويقال: الفاحة بالمهملة. والقاحة. مدينة على ثلاثة مراحل من المدينة.

٩ - بفتح العين وسكون الراء: عقبة بين مكة والمدينة.

١٠ - قال محمد يحيى الدين المصرى فى حاشية سيرة ابن هشام ٢: ١٠٨: لم يذكر ياقوت العائر لا بالعين المهملة ولا بالغين المعجمة. أقول: ذكره فى العين المهملة ٦ ص ١٠٣ وقال: جبل بالمدينة. وفي حديث الهجرة: ثنية العائر عن يمين ركوبه. ويقال: ثنية الغائر بالغين المعجمة. ا ه‍ ملخصاً.

١١ - بفتح الراء: ثنية صعبة عند العرج.

١٢ - بكسر الراء المهملة موضع على أربعة برد من المدينة وقيل: ثلاثة برد.

١٣ - بضم اوله: قرية على ميلين من المدينة.

٢٦٨

ص ٧٤: إنّه أقام في قباء أربعة عشر ليلاً، وحكى موسى بن عقبة إثنين وعشرين ليلة. وقال البخاري: بضع عشرة ليلة، وبقباء كانت منازل الأوس والخزرج.

ثمَّ أخرجه الله من بين أظهرهم يوم الجمعة فأدركت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الجمعة في بني سالم بن عوف فصلّاها في المسجد الذي في بطن الوادي وادي رانوناء، فكانت أوَّل جمعة صلّاها بالمدينة.

قال عبد الرحمن بن عويم: حدَّثني رجالٌ من قومي من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالوا: لمـّا سمعنا بمخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مكّة وتوكَّفنا(١) قُدومه كنّا نخرج إذا صلّينا الصبح إلى ظاهر حرَّتنا ننتظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فوالله ما نبرح حتّى تغلبنا الشمس على الظلال، فاذا لم نجد ظلّاً دخلنا، وذلك في أيّام حارّة.

فلمّا قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة وصلَّى الجمعة أتاه عتبان بن مالك وعبّاس بن عبادة بن نضلة في رجال من بني سالم بن عوف، فقالوا: يا رسول الله! أقم عندنا في العدد والعُدَّة والمنعة. قال: خلّوا سبيلها فانَّها مأمورةٌ - يعني ناقته - فخلّوا سبيلها فانطلقت، حتّى إذا وازنت دار بني بياضة تلقّاه زياد بن لبيد وفروة ابن عمرو في رجال من بني بياضة فقالوا: يا رسول الله! هلمَّ إلينا إلى العَدَد والعُدَّة والمنعة. قال: خلّوا سبيلها فانَّها مأمورةٌ. فخلّوا سبيلها. فانطلقت حتى إذا مرَّت بدار بني ساعدة إعترضه سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو في رجال من بني ساعدة فقالوا: يا رسول الله هلمَّ الينا إلى العَدَد والعُدَّة والمنعة. قال: خلّوا سبيلها فانَّها مأمورةٌ. فخلّوا سبيلها فانطلقت حتّى إذا وازنت دار بني الحرث بن الخزرج اعترضه سعد بن الربيع وخارجة بن زيد وعبد الله بن رواحة في رجال من بني الحرث بن الخزرج فقالوا: يا رسول الله هلمَّ إلينا إلى العَدَد والعُدَّة والمنعة. قال: خلّوا سبيلها فانَّها مأمورةٌ. فخلّوا سبيلها فانطلقت، حتى إذا مرَّت بدار بني عدي بن النجار اعترضها سليط بن قيس، وأبو سليط أسيرة بن أبي خارجة في رجال من بني عديّ فقالوا: يا رسول الله! هلمَّ إلى أخوالك الى العَدَد والعُدَّة والمنعة. قال: خلّوا سبيلها فإنَّها مأمورةٌ. فخلّوا سبيلها فانطلقت حتّى إذا أتت دار بني مالك بن النجار

____________________

١ - استشعرناه وانتظرناه.

٢٦٩

بركت على باب مسجدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يومئذ مِربد(١) لغلامين يتيمين من بني النجار: سهل وسهيل ابني عمرو، فلمّا بركت ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليها لم ينزل وثبَتْ فسارت غير بعيد ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واضعٌ لها زمامها لا يثنيها به، ثمَّ التفتت إلى خلفها فرجعت إلى مبركها أوَّل مرَّة فبركت فيه ثمَّ تحلحلت(٢) ورزمت(٣) ووضعت جرانها(٤) فنزل عنها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاحتمل أبو أيّوب خالد بن زيد رحله فوضعه في بيته ونزل عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسأل عن المربد لمن هو؟ فقال له معاذ بن عفراء: هو يا رسول الله! لسهل و سهيل ابني عمرو وهما يتيمان لي، وسأرضيهما منه فاتَّخذه مسجداً.

راجع سيرة ابن هشام ٢ ص ٣١ - ١١٤، تاريخ الطبري ٢: ٢٣٣ - ٢٤٩، طبقات ابن سعد ١ ص ٢٠١ - ٢٢٤، عيون الأثر ١: ١٥٢ - ١٥٩، الكامل لابن الأثير ٢: ٣٨. ٤٤ تاريخ ابن كثير ٣: ١٣٨ - ٢٠٥، تاريخ ابن الفدا ج ١: ١٢١ - ١٢٤، الامتاع للمقريزي ص ٣٠ - ٤٧، السيرة الحلبية ٢: ٣ - ٦١.

- ١١ -

أبو بكر أسنُّ من النبيِّ

عن يزيد(٥) بن الأصم إنَّ النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لأبي بكر: أنا أكبر أو أنت؟ قال: لا بل أنت أكبر منِّي وأكرم وخيرٌ منِّي، وأنا أسنُّ منك.

أخرجه ابن الضحاك، وذكره أبو عمر في الاستيعاب ٢: ٢٢٦، والمحبّ الطبري في الرياض النضرة ١ ص ١٢٧، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص ٧٢ نقلاً عن خليفة بن خيّاط، وأحمد بن حنبل، وابن عساكر.

قال الأميني: أو لَا تعجب من اُكذوبة تُعدُّ اُكرومة؟ متى تصحُّ رواية يزيد بن الأصم عن النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يُدركه، فانَّ الرجل توفّي سنة ٤/٣/١٠١ وهو ابن ثلاث و

____________________

١ - بكسر الميم وفتح الباء بينهما مهملة ساكنة أصله الموضع الذي يجفف فيه التمر.

٢ - تحلحلت: تحركت. وقد يقال: تلحلحت. أي لزمت مكانها.

٣ - وعند ابن الاثير: أرزمت. أي رغبت ورجعت في رغائها.

٤ - الجران، ككتاب: قال السهيلي: أي عنقها. وقال غيره: الجران. ما يصيب الارض من صدرها وباطن حلقها.

٥ - في الرياض: زيد. والصحيح: يزيد.

٢٧٠

سبعين سنة فولادته بعد وفاة النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدهر.

ثمَّ متى كان أبو بكر أسنُّ من النبيِّ وقد وُلدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عام الفيل، ووُلد أبو بكر بعد عام الفيل بثلاث سنين.

وقال سعيد بن المسيب: استكمل أبو بكر بخلافته سنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتوفّي وهو بسنِّ النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابن ثلاث وستين سنة. راجع:

المعارف لابن قتيبة ص ٧٥ فقال: إتَّفقوا على أنَّ عمره ثلاث وستون سنة فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسنُّ من أبي بكر بمقدار سني خلافته.اهـ. صحيح الترمذي ٢: ٢٨٨ وفيه: انَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توفّي وهو ابن خمس وستين سنة، سيرة ابن هشام ١ ص ٢٠٥، تاريخ الطبري ٢: ١٢٥ و ج ٤: ٤٧، الاستيعاب م ١: ٣٣٥ وقال: لا يختلفون انّ سنّه انتهت إلى حين وفاته ثلاثاً وستّين سنة إلّا ما لا يصحّ وانَّه استوفى بخلافته بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال في الجزء الثاني ص ٦٢٦ بعد ذكر حديث يزيد الأصم: هذا الخبر لا يعرف إلّا بهذا الاسناد، وأحسبه وهماً لأنَّ جمهور أهل العلم بالأخبار والسير والآثار يقولون: انَّ أبا بكر استوفى بمدَّة خلافته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة] الكامل ١: ١٨٥ و ج ٢: ١٧٦. اُسد الغابة ٣: ٢٢٣، مرآة الجنان ١: ٦٥، ٦٩، مجمع الزوائد ٩: ٦٠، عيون الأثر ١: ٤٣، الاصابة ٢: ٣٤١، ٣٤٤، ألسيرة الحلبيَّة ٣: ٣٩٦.

نعم: هذه المسائلة وقعت بينهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين سعيد بن يربوع المخزومي كما رواها البغوي وابن مندة(١) وابن يربوع توفيّ سنة ٥٤ وله ١٢٠ سنة. وقيل: وزيادة أربع. ولمـَّا كانت شيبة أبي بكر وكبر سنِّه هي الحجَّة الوحيدة على مخالفيه يوم السقيفة فأيَّدها المغالون في فضائله بأمثال هذه المخاريق المفتعلة، وتحريف التاريخ عن مواضعه. والله يعلم أنَّهم لكاذبون.

- ١٢ -

إسلام أبي بكر قبل ولادة عليّ

عن شبابة عن فرات بن السائب قال: قلت لميمون بن مهران: أبو بكر الصِّديق أوّل ايماناً بالنبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم عليّ بن أبي طالب؟ قال: والله لقد آمن أبو بكر بالنبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

____________________

١ - الاصابة ٢: ٥١.

٢٧١

زمن بحيرا الراهب، واختلف فيما بينه وبين خديجة حتّى أنكحها إيّاه، وذلك كلّه قبل أن يولد عليُّ بن أبي طالب.

وعن ربيعة بن كعب(١) قال: كان إسلام أبي بكر شبيهاً بالوحي من السماء وذلك أنَّه كان تاجراً بالشام فرأي رؤيا فقصَّها على بحيرا الراهب فقال له: من أين أنت؟ فقال: من مكة فقال: من أيِّها؟ قال: من قريش. قال: فأيُّ شيء أنت: قال: تاجر. قال: إن صدَّق الله رؤياك فانَّه يبعث نبيٌّ من قومك تكون وزيره في حياته وخليفته من بعد وفاته. فأسرَّ ذلك أبو بكر في نفسه حتّى بعث النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجاء فقال: يا محمَّد ما الدليل على ما تدَّعي؟ قال: الرؤيا التي رأيت بالشام فعانقه وقبَّل بين عينيه وقال: أشهد أن لا إلـ~ـه إلّا الله، وأشهد أنَّك رسول الله.

وقال الامام النووي: كان أبو بكر أسبق الناس إسلاماً، أسلم وهو ابن عشرين سنة. وقيل: خمس عشر سنة.

راجع الرياض النضرة ١: ٥١، ٥٤، اُسد الغابة ١: ١٦٨، تاريخ ابن كثير ٩: ٣١٩، الصواعق المحرقة ص ٤٥، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٢٤، الخصايص الكبرى ١: ٢٩، نزهة المجالس ٢: ١٨٢.

قال الأميني: هلمَّ معي ننظر إلى هذه المراسيل هل توجد فيها مسحةٌ من الصدق؟ أمّا رواية ابن مهران سنداً:

١ - فشبابة بن سوار(٢) أبو عمر والمدائني قال أحمد: تركته لم أكتب عنه للأرجاء وكان داعية، وقال ابن خراش: كان أحمد لا يرضاه وهو صدوقٌ في الحديث وقال الساجي وابن عبد الله وابن سعد والعجلي وابن عدي: انَّه كان يقول بالأرجاء.

وقبل هذه كلّها يظهر ممّا رواه أبو علي المدائني: انَّه كان يبغض أهل بيت النبيِّ صلوات الله عليهم. وضربه الله بالفالج لدعاء مَن دعا عليه بقوله: أللهمَّ إن كان شبابة يبغض أهل نبيِّك فاضربه الساعة بالفالج. ففلج في يومه ومات. ميزان الاعتدال ١: ٤٤٠، تهذيب التهذيب ٤: ٣٠٢.

____________________

١ - في الخصايص الكبرى عن كعب. وهو الصحيح.

٢ - في ميزان الاعتدال: سواد.

_١٧_

٢٧٢

٢ - فرات بن السائب الجرري. قال البخاري: منكر الحديث وقال يحيى ابن معين: ليس بشيء، منكر الحديث. وقال الدارقطني وغيره: متروكٌ. وقال أحمد بن حنبل: قريبٌ من محمَّد بن زياد الطحان في ميمون يتَّهم بما يتَّهم به ذاك. ومحمَّد بن زياد هو اليشكري أحد الكذّابين الوضَّاعين كما مرَّ في ج ٥: ٢٥٨ ط ٢، ففرات عند إمام الحنابلة كذّابٌّ وضّاعٌ. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديّث، منكر الحديث. وقال الساجي: تركوه. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال أبو أحمد الحاكم. ذاهب الحديث وقال ابن عدي: له أحاديث غير محفوظة وعن ميمون مناكير.

[ميزان الاعتدال ٢: ٣٢٥، لسان الميزان ٤: ٤٣٠]

٣ - ميمون بن مهران حَسبه ما مرَّ في رواية فرات عنه، أضف إلى ذلك قول العجلي: انَّه كان يحمل على عليّ كما في تهذيب ابن حجر ١٠: ٣٩١. هب انَّه وثَّقة من وثَّقه، فما قيمته وقيمة حديثه بعد تحامله على عليّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

ثمَّ قد أتى ميمون في حديثه بأمرين: إسلام أبي بكر زمن بحيرا. و إختلافه في زواج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خديجة. أما اختلافه بينهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين خديجة فلم ينبِّأ عنه قطُّ خبير. وليس من الجايز أن يكون الوسيط في قِران رجل عظيم كمحمَّد وامرأة من بيت مجد وسؤدد ورياسة كخديجة، شابٌّ حدث ابن اثنتين وعشرين سنة وللزوج أعمام أشراف أعاظم كالعبّاس وحمزة وأبي طالب وهو بينهم وفي بيتهم، وكان عمُّه أبو طالب كما يأتي يحبُّه حبّاً شديداً لا يحب أولاده مثله، وكان لا ينام إلّا إلى جنبه، ويخرجه معه حين يخرج(١) وكان هو الذي كلّم خديجة حتّى وكلت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتجارتها، كما في الامتاع للمقريزي ص ٨.

والذي جاء في السير والتاريخ في أمر هذا القِران انَّ خديجة بعثت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورغبت في زواجه لقرابته وأمانته وحسن خلقه وصدق حديثه، وعرضت نفسها عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فذكر ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأعمامه فخرج معه عمُّه حمزة وفي لفظ ابن الأثير: خرج معه حمزة وأبو طالب وغيرهما من عمومته. حتّى دخل على خويلد بن أسد، أو على عمرو بن أسد عمّ خديجة فخطبها اليه فتزوَّجها عليه وآله الصَّلاة

____________________

١ - يأتى تفصيل ذلك فى الكلام عن أبى طالب عليه ‌السلام

٢٧٣

والسَّلام وخطب أبو طالبعليه‌السلام خطبة النكاح، فقال:

ألحمد لله الذي جعلنا من ذريَّة إبراهيم، وزرع إسماعيل، وضئضئ معد، و عنصر مضر، وجعلنا حضنة بيته، وسواس حرمه، وجعل لنا بيتاً محجوجا، وحرماً آمناً، وجعلنا الحكّام على الناس، ثمَّ إنَّ ابن أخي هذا محمَّد بن عبد الله لا يوزن برجل إلّا رجح به شرفاً ونبلاً وفضلاً وعقلاً، فان كان في المال قلّ؟ فانَّ المال ظلٌّ زايل، و أمرٌ حائل، ومحمَّد مَن قد عرفتم قرابته، وقد خطب خديجة بنت خويلد، وبذل لها من الصداق ما آجله وعاجله من مالي كذا، وهو والله بعد هذا له نبأٌ عظيم، وخطرٌ جليل. فزوَّجها.

راجع طبقات ابن سعد ١: ١١٣، تاريخ الطبري ٢: ١٢٧، أعلام الماوردي ص ١١٤، الصفوة لابن الجوزي ١: ٢٥ الكامل لابن الأثير ٢: ١٥، تاريخ ابن كثير ٢: ٢٩٤، تاريخ الخميس ١: ٢٩٩، عيون الأثر ١: ٤٩، اُسد الغابة ٥: ٤٣٥، الروض الانف ١: ١٢٢، تاريخ ابن خلدون ٢: ١٧٢، المواهب اللدنيّة ١: ٥٠، السيرة الحلبية ١: ١٤٩، ١٥٠، شرح المواهب للزرقاني ١: ٢٠٠، سيرة زيني دحلان هامش الحلبية ١: ١١٤.

فأين مزعمة ابن مهران من هذا التاريخ الصحيح المتواتر؟

وأمّا إسلام أبي بكر قبل ولادة عليّ أمير المؤمنين زمن « بحيرا » الراهب فانَّه مأخوذٌ ممّا أخرجه ابن مندة(١) من طريق عبد الغني بن سعيد الثقفي عن ابن عبّاس: إنَّ أبا بكر الصدِّيق صحب النبيَّ وهو ابن ثمان عشرة سنة والنبيُّ ابن عشرين وهم يردون الشام في تجارة حتّى إذا نزل منزلاً فيه سدرة قعد في ظلّها ومضى أبو بكر إلى راهب يقال له: بُحيرا يسأله عن شييء. الخ.

هذه الرواية ضعَّفها غير واحد من الحفَّاظ. قال الذهبي في ميزان الاعتدال ٢: ٢٤٣: عبد الغني ضعَّفه ابن يونس. وأقرَّ ضعفه ابن حجر في لسانه ٤: ٤٥، وقال في الاصابة ١: ١٧٧: أحد الضعفاء المتروكين.

وذكره السيوطي في الخصايص الكبرى ١: ٨٦ فقال: سندٌ ضعيف وضعَّفه

____________________

١ - ابو عبد الله محمد بن اسحاق الاصبهانى الحافظ الرجال المتوفى ٣٥٥.

٢٧٤

القسطلاني في المواهب ١: ٥٠، والحلبي في السير النبويَّة ١: ١٣٠.

وأفظع من هذا رواية أخرجها الحفّاظ من طريق أبي نوح قراد عن يونس ابن أبي اسحاق عن أبيه عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري عن أبي موسى قال: خرج أبو طالب إلى الشام ومعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في اشياخ من قريش فلمّا أشرفوا على الراهب - يعني بحيرا - هبطوا فحلّوا رحالهم فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرّون به فلا يخرج ولا يلتفت اليهم قال: فنزل وهم يحلّون رحالهم، فجعل يتخلّلهم حتى جاء فأخذ بيد النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: هذا سيِّد العالمين، هذا رسول ربِّ العالمين، هذا يبعثه الله رحمةً للعالمين، إلى أن قال.

فبايعوه وأقاموا معه عنده، فقال الراهب: انشدكم الله أيُّكم وليّه؟ قالوا: أبو طالب. فلم يزل يناشده حتى ردَّه، وبعث معه أبو بكر بلالاً، وزوّده الراهب من الكعك والزيت.

أخرجه الترمذي في صحيحه ٢: ٢٨٤ فقال: حسنٌ غريبٌ لا نعرفه إلّا من هذا الوجه، والحاكم في المستدرك ٢: ٦١٦، وابو نعيم في الدلائل ١: ٥٣، والبيهقي في الدلائل، والطبري في تاريخه ٢: ١٩٥، وابن عساكر في تاريخه ١: ٢٦٧، وابن كثير في تاريخه ٢: ٢٨٤، نقلاً عن الحافظ أبي بكر الخرائطي والحفّاظ المذكورين، وابن سيِّد الناس في عيون الأثر ١: ٤٢، والقسطلاني في المواهب ١: ٤٩.

(رجال الرواية)

١ - أبو نوح قراد عبد الرحمن بن غزوان، قال عبّاس الدوري: ليس في الدنيا أحدٌ يحدِّث بهذا الحديث غير قراد أبي نوح وقد سمعه منه أحمد ويحيى لغرابته و انفراده « تاريخ ابن كثير ٢: ٢٨٥ »

وقال الذهبي في الميزان ٢: ١١٣: كان يحفظ، قوله مناكير، وأنكر ما له حديث عن يونس « وذكر شطراً من الحديث » فقال: وممّا يدلُّ على انَّه باطلٌ قوله: وبعث معه أبو بكر بلالاً، وبلال لم يكن خُلق، وأبو بكر كان صبيّاً.

وقال في تلخيص المستدرك تعليقاً على تصحيحه قلت: أظنّه موضوعاً فبعضه باطلٌ وقال ابن حجر في التهذيب ٦: ٢٤٨: ذكره ابن حبّان في الثقات وقال: كان

٢٧٥

يخطئ يتخالج في القلب منه لروايته عن الليث قصَّة المماليك. وقال أحمد: هذا « يعني حديث المماليك » باطلٌ ممّا وضع الناس. وقال الدارقطني: قال أبو بكر: أخطأ فيه قراد.

٢ - يونس بن أبي اسحاق. ضعَّف أحمد حديثه عن أبيه، وقال: حديثه عن أبيه مضطربٌ. وقال أبو حاتم: كان صدوقاً إلّا أنَّه لا يُحتجُّ بحديثه. وقال: أبو أحمد الحاكم ربما وهم في روايته. « تهذيب التهذيب ١١: ٤٣٤ »

٣ - أبو اسحاق السبيعي. قال: ابن حبان: مدلِّس، وذكره الكرابيسي في المدلِّسين، وقال معن: أفسد حديث أهل الكوفة الأعمش وأبو اسحاق التدليس « تهذيب التهذيب ٨: ٦٦ » وقال أبو حاتم: صدوقٌ لا يحتجُّ به: وقال ابن خراش. في حديثه لينٌ. وقال ابن حزم في المحلّى: ضعَّفه يحيى وأحمد جِدّاً، وقال احمد: حديثه مضطرب « ميزان الاعتدال ٣: ٣٣٩ »

٤ - أبو بكر بن أبي موسى توفَّي سنة ١٠٦، ضعّفه ابن سعد، وقال أحمد: لم يسمع من أبيه. تهذيب التهذيب ١٢ ص ٤١ »

٥ - أبو موسى الأشعري المتوفّى سنة ٤٢ / ٥٠ / ٥١ / ٥٣ وهو ابن ٦٣ سنة بلا خلاف أجده وقد وقعت الواقعة بعد عام الفيل بتسع سنين أو اثني عشر عاماً قبل ولادة أبي موسى الأشعري ١٧ / ٢٢ / ٢٣ / ٢٥ عاماً، فان كان أبو موسى هو الشاهد للقصَّة قبل مولده فحبَّذا؟ وإن كان يرويها عمَّن شاهدها فمن هو؟ حتّى ننظر في حاله.

هذا شأن الرواية سنداً، أهذه كلّها تخفى على مثل الترمذي ومَن بعده مِن الحفّاظ فيحكمون فيها بالحسن؟ أو بالصحَّة كما فعله ابن حجر والحلبي؟ أنا لا أدري. نعم: الحبُّ يُعمي أو يُصمّ.

وأمّا متن الرواية فهو يكفي في تكذيبها إذ سفر أبي طالبعليه‌السلام إلى الشام و أخذه معه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان وقد مضى من عمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسع سنين على ما قاله أبو جعفر الطبري والسهيلي وغيرهما، أو اثنى عشر عاماً على ما قاله آخرون(١) وكان

____________________

١ - طبقات ابن سعد ١: ١٠٢، تاريخ الطبرى ٢: ١٩٥، تاريخ ابن عساكر ١: ٢، ٢٦٩، تاريخ ابن كثير ٢: ٢٨٥، الروض الانف: ١: ١١٨، امتاع المقريزى ص ٨، عيون الاثر ١: ٤٣، شرح المواهب للزرقانى ١: ١٩٦.

٢٧٦

أبو بكر يوم ذاك إبن ستّ أو تسع سنين: فأين كان هو؟ وماذا كان يصنع بالشام؟ وأيّ اختيار كان له بين شيوخ قريش؟ ولم تكن تنعقد نطفة بلال يوم ذاك أخذاً بقول من قال: انَّه توفّي سنة ٢٥ وله بضع وستون سنة(١) أو انَّه ولد في تلكم السنين أخذاً بقول إبن الجوزي في الصفوة ١ ص ١٧٤ من أنَّه مات سنة عشرين وهو ابن بضع وستين سنة.

كأنَّ أبو بكر وُلد وهو شيخٌ وبلال عتيقه، وكان معه من أوَّل يومه، وكان من يوم ولد له الحلُّ والعقد.

ثمَّ أيّ بيعة كانت يوم ذاك؟ وما معنى قول أبي موسى الأشعري: فبايعوه و أقاموا معه عنده؟ وأيُّ ايمان واسلام على زعم رواة هذه الأفيكة، وكان قبل البعثة باحدى وثلاثين سنة، أو ثمانية وعشرين عاماً، أو إثنين وعشرين، أو سبعة عشرة سنة على زعم النووي؟ ولم تكن للنبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومئذ دعوة، ولا كلّف أحداً بالايمان به، فلا يُقال لمن عرف شيئاً من إرهاصات النبوَّة انَّه أسلم يوم عرف وإلّا لكان « بحيرا » الراهب و « نسطور » وأمثالهما من الرهبان والكهنة أقدم إسلاماً من أبي بكر، وكم هنالك أناس عرفوا أمر الرسالة قبلها وبشّروا بها ثمَّ بعد البعثة عاندوا وحسدوا، فمنهم من مات مشركاً، ومنهم من أدركته الهداية بعد حين كما يأتي في كعب الأحبار بُعيد هذا. و كيف أثبت ذلك اليوم ايماناً لأبي بكر وصار بذلك أقدم الناس إسلاماً ولم يُثبت لأبي طالب لا ذاك ولا غيره؟ وأبو موسى لم يستثن أبا طالب من اولئك الذين بايعوا يوم ذاك نظراء أبي بكر وبلال الخياليِّ.

قال الحافظ الدمياطي: في هذا الحديث وهمان: الأوَّل: قوله: فبايعوه وأقاموا معه. والثاني: قوله: وبعث معه أبو بكر بلالاً. ولم يكونا معه، ولم يكن بلال أسلم لا ملكه أبو بكر، بل كان أبو بكر حينئذ لم يبلغ عشر سنين، ولم يملك أبو بكر بلالاً إلّا بعد ذلك بأكثر من ثلاثين سنة وكذا ضعَّفه الذهبي(٢) .

وقال الزركشي في الاجابة ص ٥٠: هذا من الأوهام الظاهرة لأنَّ بلالاً إنَّما اشتراه أبو بكر بعد مبعث النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعد أن أسلم بلال وعذَّبه قومه ولمـّا خرج

____________________

١ - تهذيب التهذيب ١: ٥٠٣.

٢ - حياة الحيوان للدميرى ٢: ٢٧٥، تاريخ الخميس ١: ٢٩٢.

٢٧٧

النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الشام مع عمِّه أبي طالب كان له من العمر اثنتا عشرة سنة وشهران وأيّام. ولعلَّ بلالاً لم يكن بعدُ ولد.اهـ.

وقال ابن كثير في تاريخه ٢: ٢٨٥: إنَّ قوله: وبعث أبو بكر معه بلالاً إن كان عمره عليه الصَّلاة والسَّلام إذ ذاك اثنتى عشرة سنة فقد كان عمر أبي بكر إذ ذاك تسع سنين أو عشرة، وعمر بلال أقلَّ من ذلك، فأين كان أبو بكر إذ ذلك؟ ثمَّ أين كان بلال، كلاهما غريبٌ، أللّهمّ إلّا أن يقال: إنَّ هذا كان ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كبيراً، إمّا بأن يكون سفره بعد هذا أو إن كان القول بأنَّ عمره كان إذ ذاك اثنتي عشرة سنة غير محفوظ فانَّه إنّما ذكره مقيِّداً بهذا الواقدي، وحكى السهيلي عن بعضهم انّه كان عمره على الصَّلاة والسَّلام إذ ذاك تسع سنين والله أعلم.

قال الأميني: إنَّ ابن كثير غضَّ البصر عمّا في الرواية من خرافة البيعة كأن لم يكن شيئاً مذكوراً. ثمَّ أتى في تصحيح بعث أبي بكر بلالاً بما لا يخفى على فساده، إذ لم يزد سفر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الشام مع أبي طالبعليه‌السلام على المرَّة الواحدة، و كون عمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنى عشر عاماً محفوظٌ عند ابن سعد وابن جرير وابن عساكر و ابن الجوزي، ولم ينحصر بالواقدي كما حسبه. وقد سافر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الشام مرَّة ثانية سنة خمس وعشرين من عام الفيل مع ميسرة غلام السيِّدة خديجة سلام الله عليها وليس هناك أيّ ذكر من « بحيرا » وإنَّما فيه قضيَّة « نسطور » الراهب(١) .

وقال ابن سيِّد الناس في عيون الأثر ١: ٤٣ مثل مقالة الدمياطي المذكورة وكذلك الحلبي في السيرة النبويَّة ١ ص ١٢٩، والحديث أخرجه ابن الجوزي في صفة الصفوة ١: ٢١، من طريق داود بن الحصين وليس فيه أثرٌ من الوهمين ولا ذكرُ من أبي بكر.

(نظرةٌ في حديث كعب) وأمّا رواية كعب فانِّي لم أجدها في أصل من اصول الحديث، ولم أر لها سنداً قطُّ، وفي ذكر كعب وهو كعب الأحبار من رجال

____________________

١ - تاريخ ابن عساكر ١: ٢٦٧، ٢٧٢، دلائل النبوة لابى نعيم ١: ٥٤، الصفوة لابن الجوزى ١: ٢٤، تاريخ ابن الفدا ج ١: ١١٤، الاجابة للزركشي ص ٥٠، تاريخ الخميس ١. ٢٦٢.

٢٧٨

سندها كفاية، وحسبنا في كعب ما أخرجه البخاري من حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن انَّه سمع معاوية يحدِّث رهطاً من قريش بالمدينة وذكر كعب الأحبار فقال: إن كان لمن أصدق هؤلاء المحدِّثين الذين يحدِّثون عن أهل الكتاب وإن كنّا مع ذلك لنبلوا عليه الكذب(١) .

م - وقال ابن أبي الحديد في شرحه ١ ص ٣٦٢: روى جماعة من أهل السير: انَّ عليّاً كان يقول في كعب الأحبار: إنَّه الكذّاب وكان كعب منحرفاً عن عليّعليه‌السلام .

وأخرج ابن أبي خيثمة باسناد حسَّنه ابن حجر عن قتادة قال: بلغ حذيفة انَّ كعباً يقول: إنَّ السَّماء تدور على قطب كالرحى. فقال: كذب كعب إنَّ الله يقول: إنَّ الله يمسك السموات والأرض أن تزولا](٢) .

على انّ كعباً لو كان يصدّق نفسه فيما أخبره من الارهاصات والبشائر لما كان يبقى على دين اليهود طيلة حياة النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما كان يأخِّر إسلامه إلى عهد عمر بن الخطاب، م - ولما كان يتعلّل عندما سُئل عمّا منعه عن إسلامه في العهد النبويّ بقوله: إنّ أبي كان كتب لي كتاباً من التوراة فقال: اعمل بهذا. وختم على ساير كتبه وأخذ عليَّ بحقِّ الوالد علي الولد أن لا أفضّ الختم عنها، فلمّا رأيت ظهور الاسلام قلت: لعلَّ أبي غيَّب عنّي علماً ففتحتها فاذا صفة محمَّد واُمَّته فجئت الآن مسلماً](٣) وكان له يوم توفّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنان وثمانون عاماً(٤) وأثر الكذب لايحٌ في جلِّ ما جاء به كعب وحسبه ما أخرجه ابن عساكر في تاريخه ٥ ص ٢٦٠ من حديث ذي قربات الذي حكم الحفّاظ بعدم صحَّته، وما جاء به السيوطي في الخصايص الكبرى ١: ٣١ من حديث إخباره عمر وعثمان: بانَّهما مذكوران بالخلافة في التوراة، وفيها انّ عثمان يُقتل مظلوماً، ومع هذه كلّها لم يُعلم صدور هذه البشارة منه في أيّام إسلامه ولعلّه كان قبله فلا يُقبل قوله لا يصدَّق في حديثه.

على انَّ الأحلام إن صحَّت وصدقت فِلمَ لم يحدِّث أبو بكر أحداً من الصحابة

____________________

١ - تهذيب التهذيب ٨ ص ٤٣٩، الاصابة ٣ ص ٣١٦.

٢ - الاصابة: ٣: ٣١٦.

٣ - الاصابة ٣: ٣١٦.

٤ - راجع الاصابة، اسد الغابة، تهذيب التهذيب.

٢٧٩

بما أخبره « بحيرا » من البشارة في نفسه من أنَّه يكون وزيراً وخليفة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يدور حديثه في دور النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ألسنتهم، وتخبت إليه أفؤدتهم، وتزهر بمذاكرته أنديتهم؟ أوانَّه حدَّث بها لكن الصحابة ضربوا عنها صفحاً فلم تنه إلى المحدِّثين، ولا انتهت إلى أحد من أرباب الصحاح والمسانيد حتّى انتهت النوبة إلى الغلاة في الفضائل من المتأخِّرين فأرسلوها إرسال المسلّم تجاه الحقائق الراهنة.

ولو كان أبو بكر أوَّل من أسلم بتلكم التقاريب فأين كان هو إلى منتهى سبع سنين من البعثة التي يقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها: لقد صلّت الملائكة عليَّ وعلى عليّ سبع سنين لأنّا كنّا نصلّي وليس معنا أحدٌ يصلّي غيرنا؟(١) .

وفي أوَّليَّة أمير المؤمنين في الإسلام أحاديث صحيحة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام قدَّمناها في الجزء الثالث، وأسلفنا هناك ما يربو على ستِّين حديثاً من الصحابة والتابعين في أنَّ عليّاً أوَّل الناس إسلاماً وأوَّل من صلّى وآمن من ذَكَر. و قد مرَّت هناك صحيحة الطبري انَّ أبا بكر أسلم بعد أكثر من خمسين رجلاً، ولو كان أبو بكر أوَّل من أسلم وقد آمن بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل ولادة عليّعليه‌السلام فأين كان هو يوم قال العبّاس لعبد الله بن مسعود: ما على وجه الأرض أحدٌ يعبد الله بهذا الدين إلّا هؤلاء الثلاثة: محمَّدٌ وعليٌّ وخديجة؟ (تاريخ ابن عساكر ١: ٣١٨).

فلا يحقُّ آنئذ لأيِّ مُغالٍ في الفضائل أن يدع تلكم الصحاح عن النبيِّ الأعظم و وصيِّه الأقدس والصحابة الأوَّلين والتابعين لهم باحسان، ويأخذ تجاهها برواية كعب، و إن هو إلّا كعب ليس إلّا، ولا يثبت الحقُّ بالكعاب. ليس بأمانيِّكم ولا أمانيِّ أهل الكتاب، ولا تتَّبع أهوائهم واحذرهم أن يفتنوك.

- ١٣ -

أبو بكر أسنُّ أصحاب النبيِّ

أخرج ابن سعد والبزّار بسند حسن عن أنس قال: كان أسنّ أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبو بكر الصدِّيق وسهيل بن عمرو بن بيضاء.

وأخرجه أبو عمر في الاستيعاب ١ ص ٥٧٦، وابن الأثير في اسد الغابة ٢ ص ٣٧٠

____________________

١ - راجع الجزء الثالث من كتابنا هذا ص ٢٢٠ - ٢٢٤ ط ٢.

٢٨٠

وذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ ص ٦٠ فقال: رواه البزّار واسناده حسن، و رواه ابن حجر في الاصابة ٢ ص ٨٥. وفيه: سهل بدل سهيل وهو أخوه. أو هو هو. والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص ٧٣ نقلاً عن ابن سعد والبزّار.

قال الأميني: كنّا نعتقد أنَّ المغالاة يمكن أن تقع في النفسيّات التي لا تدرك بالحواسِّ الظاهرة كالعلم والتقوى وأمثالهما، وأمّا الغلوُّ في المشهودات فلم يَدَع المنطق له مساغاً فسرعان ما يظهر فيه كذب الغالي، ويفتضح به المائن حتّى أوقفنا السير على أمثال هذه الأقاويل، فرأينا الرجل يقول بملأ فيه: إنَّ أبا بكر أسنُّ أصحاب النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو يجد في معاجم الصحابة كثيرين هم أسنّ منه بكثير وإليك أسماء اُمَّة منهم:

١ - أماناة بن قيس بن شيبان الكندي. أسلم وقد عاش دهراً، ويقال: أنّه عاش ثلاثمائة وعشرين سنة كما في الاصابة ١: ٦٣.

٢ - أمد بن أبد الحضرمي. أدرك هاشم بن عبد مناف واُميَّة بن عبد شمس و يقال: إنَّه كان في عهد معاوية له ثلاثمائة سنة. صب ١: ٦٣.

٣ - أنس بن مدرك أبو سفيان الخثعمي. قتل مع عليّ كان سيِّد خثعم في الجاهليَّة عاش مائة وأربعاً وخمسين سنة. صب ١: ٧٣.

٤ - أوس بن حارثة الطائي والد خرام صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عاش مائتي سنة، وأكثر هذه المدَّة من أيّام الجاهليَّة. صب ١: ٨٢.

٥ - ثور - ثوب - بن تلدة. أنشد له الكلبي:

وإن امرأ قد عاش تسعين حجَّة

إلى مائتين كلَّما هو ذاهبُ

قال: ولا أدري ما عاش بعد ما أنشد هذا لمعاوية. وقد يقال. إنَّه كان له يوم بدر عشرون ومائة عاماً. صب ١: ٢٠٥.

٦ - الجعد بن قيس المرادي. أسلم، وكان قد بلغ مائة سنة. صب ١: ٢٣٥.

٧ - حسّان بن ثابت الأنصاري. عاش في الجاهليَّة ستِّين وفي الإسلام ستِّين عاماً. صب ١: ٣٢٦.

٨ - حكيم بن حرام الأسدي ابن أخي خديجة زوج النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولد قبل عام الفيل بثلاثة وعشرين سنة، وتوفّي وهو ابن عشرين ومائة سنة. صب ١: ٣٤٩.

٢٨١

٩ - حمزة بن عبد المطلب عمّ النبيِّ الأعظم ولد قبلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسنتين أو بأربع صب ١: ٣٥٣.

١٠ - حنيفة بن جبير بن بكر التميمي. أدرك أحفاده النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولهم صحبة وكانوا يوم ذاك ذا لحى كما في الاصابة ١: ٣٥٩.

١١ - حويطب بن عبد العزَّى بن أبي قيس العامري المتوفَّى سنة ٥٤ له مائة و عشرين عاماً. صب ١: ٣٦٤.

١٢ - حيدة بن معاوية العامري. مات وهو عمُّ ألف رجل وامرأة وأدرك عبد المطلب بن هاشم جدَّ النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان بالغاً مبلغ الرجال. صب ١: ٣٦٥.

١٣ - خنابة بن كعب العبسي. كان له على عهد معاوية بن أبي سفيان مائة و أربعون سنة وله قوله في الاصابة ١: ٤٦٣:

حويت من الغايات تسعين حِجَّة

وخمسين حتّى قيل: أنت المقزَّعُ

١٤ - خويلد بن مرة الهذلي أبو خراش، أدرك الاسلام شيخاً كبيراً. صب ١: ٤٦٥.

١٥ - ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم أبو أروى الهاشمي. كان أسنّ من عمَه العبّاس الآتي ذكره. صب ١: ٥٠٦.

١٦ - سعيد بن يربوع القرشي المخزومي المتوفّى ٥٤ وله ١٢٠ / ٢٤ عاماً. صب ٢: ٥٢.

١٧ - سلمة السلمي، أقبل إلى النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأسلم وهو شيخٌ كبيرٌ.

١٨ - سلمان أبو عبد الله الفارسي مات سنة ٣٢ / ٣ / ٦ روى أبو الشيخ عن العباس بن يزيد انَّه قال: أهل العلم يقولون: عاش سلمان ثلثمائة وخمسين سنة، فأمّا مائتان وخمسون فلا يشكّون فيها. صب ٢: ٦٢.

١٩ - ابو سفيان القرشي الأموي. كان أسنّ من أبي بكر باثني عشر عاماً وعدَّة أشهر. صب ٢: ١٧٩.

٢٠ - صرمة بن أنس أبو قيس الأوسي. أدرك الإسلام فأسلم وهو شيخٌ كبيرٌ عاش نحواً من مائة وعشرين عاماً وهو القائل كما في الاصابة ٢: ١٨٣.

بدا ليَ أنّي عشت تسعين حِجَّة

وعشراً وما بعدها لي ثمانيا

٢٨٢

فلم ألفها لمـّا مضت وعدتها

يحسبها في الدهر إلّا لياليا

٢١ - صرمة بن مالك الأنصاري، أدرك الاسلام فأسلم وهو شيخٌ كبيرٌ. صب ٢: ١٨٣.

٢٢ - طارق بن المرقع الكناني، كان في حجَّة الوداع شيخاً كبيراً. ٢: ٢٢١.

٢٣ - الطفيل بن زيد الحارثي، هو الذي أخبر عمر بأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجاهليَّة، وكان يوم ذاك قد أتت عليه مائة وستون سنة. صب ٢: ٢٢٤.

٢٤ - عاصم بن عديّ العجلاني توفّي سنة خمس وأربعين وله مائة وعشرون سنة. صب ٢: ٢٤٦.

٢٥ - العبّاس بن عبد المطلب عمُّ النبيِّ الأعظم، ولد قبل رسول الله بسنتين أو ثلاث صب ٢: ٢٧١.

٢٦ - عبد الله بن الحارث بن اُميَّة، أدرك الاسلام وهو شيخٌ كبيرٌ. صب ٢: ٢٩١.

٢٧ - عدي بن حاتم الطائي، مات بعد الستِّين وبلغ مائة وثمانين كما قاله أبو حاتم السجستاني، أو مائة وعشرين كما في قول خليفة. صب ٢: ٤٦٨.

٢٨ - عدي بن وداع الدوسي، من رجال الجاهليَّة أدرك الاسلام فأسلم وغزا وتوفّي وله ثلاثمائة سنة. صب ٢: ٤٧٢.

٢٩ - عمرو بن المـُسبِّح(١) الطائي، مات وله مائة وخمسون عاماً. قال ابن قتيبة: لست أدري أقبض قبل وفاة النبيِّ أم بعده. صب ٣: ١٦.

٣٠ - فضالة بن زيد العدواني، سأله معاوية: كم أتت لك يا فضالة؟ قال: عشرون ومائة سنة. صب ٣: ٢١٤.

٣١ - قباث بن أشيم، سأله عثمان بن عفان: أنت أكبر أم رسول الله؟ فقال رسول الله أكبر منِّي وأنا أسنُّ منه. صب ٣: ٢٢١.

٣٢ - قردة بن نفاثة السلولي، أدرك الاسلام وهو شيخٌ كبيرٌ وعاش ومائة وخمسين

____________________

١ - بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الموحدة كما في الاصابة ٣: ١٦، وفي المعارف لابن قتيبة ١٣٦: المسيح.

٢٨٣

سنة وله كما في الاصابة ٣: ٢٣١ من أبيات:

بان الشباب فلم أحفل به بالا

وأقبل الشيب والإسلام إقبالا

٣٣ - لبيد بن ربيعة بن عامر الكلابي الجعفري، توفّي سنة ٤١ وهو ابن مائة و أربعين أو مائة وسبع وخمسين سنة أو مائة وستين سنة. صب ٣: ٣٢٦.

٣٤ - اللجاج الغطفاني، وفد إلى النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ابن سبعين وعاش ومائة وعشرين سنة. صب ٣: ٣٢٨.

٣٥ - المستوعز بن ربيعة بن كعب، كان من فرسان العرب في الجاهليَّة عاش إلى أيّام معاوية وكان له ٣٢٠ / ٣٠ سنة. صب ٣: ٤٩٢.

٣٦ - معاوية بن ثور البكائي، أسلم بيد النبيِّ وهو شيخٌ كبيرٌ صب ١: ١٥٦.

وفي بعض المعاجم كان ابن مائة سنة.

٣٧ - منقذ بن عمرو الأنصاري، كان قد أتى عليه مائة وثلاثون في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في اُسد الغابة.

٣٨ - النابغة الجعدي، عاش في الجاهليَّة مائتي سنة، ومات وهو ابن ٢٢٥ / ٣٠. عاماً وهو القائل كما في الاصابة ٣: ٥٣٨:

ألا زعمت بنو أسد بأنِّي

أبو ولد كبير السنّ فاني؟

فمن يك سائلاً عنِّي؟ فانّي

من الفتيان أيّام الختانِ

أتت مائةٌ لعام ولدت فيه

وعشر بعد ذاك وحِجتّانِ

وقد أبقت صروف الدهر منِّي

كما أبقت من السيف اليماني

وقال أبو حاتم: عاش مائتي سنة وهو القائل:

قال: أمامة كم عمرت زمانه

وذبحت من عنز على الأوثانِ؟

ولقد شهدت عكاظ قبل محلّها

فيها وكنت اُعدّ من الفتيانِ

والمنذر بن محرَّق في ملكه

وشهدت يوم هجائن النعمانِ

وعمرت حتّى جاء أحمد بالهدى

وقوارع تُتلى من القرآنِ

ولبست في الاسلام ثوباً واسعاً

من سيب لا حرم ولا منّانِ

٣٩ - نوفل بن الحرث بن عبد المطلب الهاشمي إبن عمّ النبيِّ الطاهر. كان أَسنَّ من

٢٨٤

أسلم من بني هاشم حتّى من عمَّيه حمزة والعبّاس المذكورين صب ٣: ٥٧٧.

٤٠ - نوفل بن معاوية بن عروة الدئلي، كان ممَّن عاش في الجاهليَّة ستِّين وفي الإسلام ستِّين سنة. صب ٣: ٥٧٨.

وقبل هؤلاء كلّهم أبو قحافة والد الخليفة فانَّه كان أبكر سنّاً من الخليفة لا محالة إن لم تُصغِّره المعاجز من إبنه كما صغَّرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعله غلاماً وشابّاً لا يُعرف بين يدي أبي بكر وهو أكر منه.

راجع في تراجم هؤلاء المذكورين المعارف لابن قتيبة، معجم الشعراء للمرزباني، الاستيعاب لأبي عمر، اُسد الغابة لابن الأثير، تاريخ ابن كثير، الاصابة لابن حجر، مرآة الجنان لليافعي، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي. ونحن إقتصرنا منها بذكر الاصابة مرموزاً بـ (صب) روماً للاختصار.

هؤلاء جملةٌ ممَّن وقفنا على أسمائهم ممَّن أربوا على أبي بكر في السنِّ من الصحابة الأوَّلين، وهب أنّا غضضنا الطرف عن كلِّ ذلك فهلاّ نسائل القوم عن وجه الفضيلة في كبر السنِّ؟ أوَ ليس في الاُمم والأجيال من طعنوا في السنِّ فبلغوا من العمر عتيّاً، وفيهم الحالي بالفضائل والعاطل عنها، وإذا مُدح أحدهم فانَّها يمدح بمآثره لا بطول عمره، ومهما طال عمر الخليفة فإنَّ أكثره إنقضى في الجاهليَّة، بُعث النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للخليفة ثمان وثلاثون سنة وقد مرَّ في الجزء الثالث ص ٢٢٠ انَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى سبع سنين ولم يصلّ معه غير عليّ أمير المؤمنين. إذن فلأبي بكر عند إسلامه خمس وأربعون عاماً و توفّي وهو ابن ثلاث وستّين، فقد اشغل في الاسلام ثمان عشرة سنة، وهذه المدَّة الأخيرة هي التي يمكن أن تزدان بشيء من المناقب فهل ازدانت أو لا؟

وفي الغابة أحسب انَّه ليس للقوم غاية يعتدُّ بها في كبر السنِّ والاهتمام بذلك غير انَّهم جعلوا الحجر الأساسي للخلافة الراشدة أشياء منها: انَّ أبا بكر قُدَّم على أمير المؤمنين لأنَّه شيخٌ محنَّك لا تِرَة لأحد عنده فيُبغض، وعلى هذا الأساس جعلوه تارة أكبر سنّاً من النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد عرفت حاله في صفحة ٢٧٠ واخرى أنَّه كان شيخاً يُعرف والنبيٌّ شابّاً لا يُعرف، وأوقفناك على حقيقة الحال في ص ٢٥٧. وآونة انَّه أسنّ الصحابة ليحسموا مادَّة النقض بشيوخ في الصحابة كلّهم أكبر من الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام

٢٨٥

وفيهم رؤساء وأعاظم، وما عرفوا انَّ المستقبل الكشّاف سيوقف الباحثين على اناس هم أكبر من الرجل سنّاً، وأوفر علماً، وأبلغ حُنكةً، وأقدم شرفاً، وأسبق إسلاماً.

- ١٤ -

أبو بكر في كفَّة الميزان

أخرج الخطيب في تاريخه ١٤ ص ٧٨ من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل عن الهذيل عن مطرح بن يزيد عن عبيد الله بن زحر عن عليِّ بن زيد(١) عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي امامة: قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخلت الجنّة فسمعت فيها خشفة بين يديَّ.

فقلت: ما هذا؟ قال بلال: فمضيت فإذا أكثر أهل الجنَّة فقراء المهاجرين وذراري المسلمين ولم أر فيها أحداً أقلّ من الاغنياء والنساء « إلى أن قال » : ثمَّ خرجنا من أحد أبواب الجنَّة الثانية فلمّا كنت عند الباب اُتيت بكفّة فوضعت فيها ووضعت اُمَّتي في كفَّة فرجحت بها، ثمَّ اُتي بأبي بكر فوضع في كفَّة وجيء بجميع اُمَّتي فوضعوا في كفَّة فرجع أبو بكر، ثمَّ اُتي بعمر فوضع في كفَّة وجيء بجميع اُمَّتي فوضعوا فرجح عمر، ثمَّ رُفع الميزان إلى السماء. وذكره الحكيم الترمذي في نوادر الاصول ص ٢٨٨.

(رجال الرواية)

١ - مطرح بن يزيد الكوفي قال الدوري عن ابن معين: ليس بشيء وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث وقال أبو حاتم: ليس بالقويِّ ضعيف الحديث يروي أحاديث عن ابن زحر عليِّ بن يزد فلا أدري البلاء منه أو من عليِّ بن يزيد. وقال الآجري عن أبي داود: زعموا انَّ البليَّة من قِبَل عليِّ بن يزيد: وقال النسائي: ضعيفٌ ليس بشيء وقال ابن عدي: يجانب روايته عن ابن زحر والضعف على حديثه بيّن.

ميزان الاعتدال ٣: ١٧٤، تهذيب التهذيب ١٠ ص ١٧١.

٢ - عبيد الله بن زحر الأفريقي، مجمعٌ على ضعفه كما في الميزان. ضعَّفه أحمد: وقال ابن معين: ليس بشيء كلُّ حديثه عندي ضعيفٌ. وقال ابن المديني: منكر الحديث. وقال الحاكم: ليِّن الحديث. وقال ابن عدي: يقع في أحاديثه ما لا يتابع عليه. وقال أبو مسهر: صاحب كل معضلة. وقال الدارقطني: ضعيفٌ، وقال ابن حبّان: يروي الموضوعات عن

____________________

١ - كذا والصحيح: يزيد.

٢٨٦

الاثبات. فاذا روى عن عليّ بن يزيد بن أتى بالطامّات وإذا إجتمع في إسناد خبر عبد الله بن زحر وعليُّ بن يزيد والقاسم بن عبد الرحمن لم يكن مَتن ذلك الخبر إلّا ما عملته أيديهم(١) .

قال الأميني: هذه الرواية ممّا اجتمع فيه هؤلاء الثلاثة فهو ممّا عملته أيديهم.

٣ - علي بن يزيد الألهاني. قال ابن معين: عليُّ بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة ضعاف كلّها. وقال يعقوب: واهي الحديث كثير المنكرات. وقال الجوزجاني: رأيت غير واحد من الأئمة ينكر أحاديثه التي يرويها عنه عبيد الله بن زحر. وقال أبو زرعة: ليس بالقويِّ وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث أحاديثه منكرة، وقال البخاري: منكر الحديث ضعيفٌ. وقال النسائي: ليس بثقة متروك الحديث. وقال الأزدي والدارقطني والبرقي: متروكٌ. وقال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث. وقال الساجي: إتَّفق أهل العلم على ضعفه. وقال أبو نعيم: منكر الحديث. وقال ابن حجر: متَّهمٌ.

ميزان الاعتدال ٢: ٢٤٠: تهذيب التهذيب ٧ ص ١٣، ٣٩٦.

٤ - القاسم بن عبد الرَّحمن الشامي. قال أحمد: هذه المناكير التي يرويها عنه جعفر وبشر ومطرح مناكير ممَّا يرويها الثقات انَّها من قِبَل القاسم. وقال الأثرم: حملها أحمد على القاسم. وقال: ما أرى هذا إلّا من قِبَل القاسم. وقال الحرّاني: قال أحمد: ما أرى البلاء إلّا من القاسم. وقال الغلابي منكر الحديث. وقال ابن حبّان: يروي عن الصحابة المعضلات. ميزان الاعتدال ٢: ٣٤، تهذيب التهذيب ٨ ص ٣٢٣.

وهذا الحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٩: ٥٩ فقال: رواه أحمد و الطبراني وفيهما: مطرح بن زياد وعليُّ بن يزيد الألهاني وكلاهما مجمعٌ على ضعفه.

قال الأميني: هذا شأن الرواية سنداً ورجاله كما ترى، واستدلَّ الهيثمي على ضعفه بما في متنه راجع مجمع الزوائد ٩ ص ٥٩.

- ١٥ -

توسُّل الشمس بأبي بكر

قال النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عُرض عليَّ كلُّ شيىء ليلة المعراج حتّى الشمس فانِّي سلّمت عليها وسألتها عن كسوفها فأنطقها الله تعالى وقالت: لقد جعلني الله تعالى على عجلة

____________________

١ - تهذيب التهذيب ٧ - ١٣.

٢٨٧

تجري حيث يريد فأنظر إلى نفسي بعين العجب فنزل بي العجلة فأوقع في البحر فأرى شخصين أحدهما يقول: أحد أحد. والآخر يقول: صدق صدق. فأتوسَّل بهما إلى الله تعالى فينقذني من الكسوف، فأقول: يا ربِّ من هما؟ فيقول: الذي يقول: أحد أحد هو حبيبي محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . والذي يقول: صدق صدق هو أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه.

« نزهة المجالس ٢ ص ١٨٤ »

أنا لا أحكِّم في هذه الرواية إلّا علماء علم الفلك سواء في ذلك القدماء منهم والمحدثون. وقد تكلَّمنا في صحيفة ٢٣٨ عن العجلة التي حملت الشمس وبحثنا عنها بحثاً ضافياً، وليت الهيئيِّين درسوا هذه الرواية فأخذوا عنها علماً غزيراً، وعرفوا أنَّ الكسوف يكون بغمس الشمس في البحر عقوبة على نظرها إلى نفسها بعين العجب وإنَّ إنجلائها يتمُّ بالتوسُّل، ولعلَّ المستقبل الكشّاف يأتي بمن يُعلّم الاُمَّة بسرِّ خسوف القمر وتتأتَّى به للمجالس نزهة بعد نزهة.

وهنا أسؤلةٌ جمَّةٌ:

١ - ليس الكسوف يخصُّ بهذه الاُمَّة فحسب، ولا بأيّام حياة أبي بكر خاصَّة، فمن ذا الذي كان يقول: صدق صدق. قبل ميلاد أبي بكر؟ ومن ذا الذي يقولها بعد وفاته؟ وبمن كانت الشمس تتوسَّل قبل ذلك؟ وبمن تتوسَّل به بعده؟.

٢ - أين كان يقول أبو بكر: صدق صدق؟ أيقولها وهو في محلّة بمرأى من الناس ومسمع فيُسمعها الشمس بالاعجاز؟ أو كان يحضر على ذلك البحرِ الذي لم يحدَّد بأيِّ ساحل فيغيب عن الناس وتطوى له المسافة بخرق العادات؟ فَلِم لم يُحدَّث عنه ذلك ولو مرَّة واحدة؟ أو انَّه يذهب هو ويدع قالبه المثالي بين الناس فيحسبونه هو هو؟ أو انَّه يثبت في مكانه فيرسل قالبه ذلك فتحسبه الشمس أنَّه هو؟

٣ - هب انَّ الشمس تحمل حياةً روحيَّةً فهل تحمل معها نفساً أمَّارة بالسوء بها تعجب بنفسها؟ أنا لا أدري. وعلى فرض ثبوت النفس الأمّارة فما بالها تدأب على المعصية وهي ترى استمرار العقوبة مع كلِّ عصيان؟ فهل هي تتوب بعد كلِّ معصية ثمَّ تعود إليها بنسيان العقاب أو غلبة الشهوة؟ ومن المعلوم انَّ الكسوف لم ينقطع ليلة المعراج فهو من الكائنات المتجدّدة إلى انقراض العالم فكأنَّ الشمس حينئذ كانت

_١٨_

٢٨٨

تخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتصميمها على الاستمرار على المعصية منذ كلِّ كسوف فمتى تتوب هذه العاصية الشاعرة؟ أنا لا أدري. وفي ذمَّة الصفوري صاحب الكتاب الخروج عن عهدة هذه الأسؤلة. فهل يخرج؟ أنا لا أدري، وهذا ايضاً من الغلوِّ في الفضائل والحبِّ المعمي والمصمِّ.

- ١٦ -

كلبةٌ من الجنِّ مأمورة

عن أنس بن مالك قال. كنّا جلوساً عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ أقبل إليه رجلٌ من أصحابه وساقاه تشخبان دماً فقال النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! ما هذا؟ قال: يا رسول الله! مررت بكلبة فلان المنافق فنهشتني. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اجلس فجلس بين يدي النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا كان بعد ذلك بساعة إذ أقبل إليه رجلٌ آخر من أصحابه وساقاه تشخبان دماً مثل الأوَّل فقال النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما هذا؟ فقال: يا رسول الله! إنّي مررت بكلبة فلان المنافق فنهشتني قال: فنهض النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وقال لأصحابه: هلمّوا بنا إلى هذه الكلبة نقتلها فقاموا كلُّهم وحمل كلُّ واحد منهم سيفه فلمّا أتوها وأرادوا أن يضربوها بالسيوف وقعت الكلبة بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالت بلسان طَلِقَ ذلِق: لا تقتلني يا رسول الله! فانّي مؤمنةٌ بالله ورسوله فقال: ما بالك نهشت هذين الرَّجلين؟ فقالت: يا رسول الله! إنّي كلبةٌ من الجنِّ مأمورة أن أنهش مَن سبَّ أبا بكر وعمر رضي الله عنهما. فقال النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا هذين! أما سمعتما ما تقول الكلبة؟ قالا: نعم يا رسول الله! إنّا تائبان إلى الله عزَّ وجلَّ « عمدة التحقيق للعبيدي المالكي ص ١٠٥ »

قال الأميني: ما أعظم شأن هذه الكلبة وأثبتها في ميدان البسالة حتّى استدعى أمرها أن يتجهَّز لحربها النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويحمل عليها أصحابه شاهرين السيوف؟ فهل هي كلبةٌ أو أسدٌ ضارٍ؟ أو عفرنى باسل؟ أو حشدٌ لُهام؟ وأحسب أنَّ الَّذين نهشتهما كانا من هيّابة الصحابة فانَّ شجعانهم ما كانوا يبالون بالضراغم فضلاً عن الكلاب.

وأين كانت هذه الكلبة عمَّن كان ينال من أبي بكر غير الرجلين في ذلك العهد و بعد العهد النبويِّ وهلمَّ جرّا؟ فلم تُشهد لها نهشة، ولا سمع لها عواء، فليتهيَّأ صاحب عمدة التحقيق لتحليل هذه المسائل وذلك بعد الغضِّ عن إسناده الموهوم.

٢٨٩

ثمَّ ما أخرس ألسنة أُولئك الصحابة الحضور يوم أطلق الله لسان تلك الكلبة الطلقة الذلقة عن بثِّ هذه الفضيلة الرابية؟ ومثلها تتوفَّر الدواعي لنقلها، وما أذهل الحفّاظ وأئمة الحديث وأرباب السير عن روايتها؟ فلا يجدها الباحث في المسانيد والصحاح والفضائل ومعاجم السير وأعلام النبوَّة ودلائلها إلى أن بشَّر بها العبيدي آل الصدِّيق بعد لأي من عمر الدهر وقذف بهذه الاُكذوبة أنس بن مالك.

أهكذا تكون المغالاة في الفضائل؟.. لعلَّها تكون.

نعم لِلَّه كلابٌ مفترسة وأُسودٌ ضارية سلّطها الله على أعدائه بدعاء نبيِّه الأعظم أو أحد من أولاده الصّادقين صلوات الله عليه وعليهم، منها: كلبٌ سلّطه الله على لهب بن أبي لهب بدعاء النبيِّ الأقدس كما مرَّ في الجزء الاوّل ص ٢٦١ ط ٢. ومنها، كلب. أخذ برأس عتبة بدعاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما مرَّ في ج ١ ص ٢٦١ ط ٢ قال الحلبي في السيرة النبويَّة ١ ص ٣١٠: ووقع مثل ذلك لجعفر الصّادق قيل له: هذا فلان ينشد الناس هجاءكم يعني أهل البيت بالكوفة فقال لذلك القائل: هل علقت من قوله بشيء! قال: نعم. قال: فأنشد. فأنشد:

صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة

ولم أرَ مهديّاً على الجذع يصلبُ

وقستم بعثمان عليّاً سفاهة

وعثمان خيرٌ من عليّ وأطيبُ

فعند ذلك رفع جعفر يديه وقال: أللّهم إن كان كاذباً فسلِّط عليه كلباً من كلابك فخرج ذلك الرجل فافترسه الأسد. وإنَّما سمِّي الأسد كلباً لأنَّه يشبه الكلب في انّه إذا بال رفع رجله.

قال الأميني: الشاعر المفترَس هو الحكيم الأعور أحد الشعراء المنقطعين إلى بني اُميَّة بدمشق وقصَّته هذه من المتسالم عليه غير أنَّ في معجم الادباء كما مرَّ في الجزء الثاني ص ١٩٧ ط ٢ من كتابنا هذا أنَّ الداعي على الرَّجل هو عبد الله بن جعفر. وأحسبه تصحيف أبي عبد الله جعفر، فعلى كلّ قد وقع من أهله في محلّه.

- ١٧ -

هبة أبي بكر لمحبِّيه

عن عكرمة عن إبن عبّاس قال: قال عليٌّ رضي الله عنه: كنت جالساً مع رسول

٢٩٠

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس معنا ثالثٌ إلّا الله عزَّ وجلَّ فقال: يا عليُّ تريد أن اُعرِّفك بسيِّد كهول أهل الجنَّة وأعظمهم عند الله قدراً ومنزلة يوم القيامة؟ فقلت: أي وعيشك يا رسول الله! قال: هذان المقبلان. قال عليٌّ: فالتفتُّ فإذا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. ثمَّ رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تبسَّم ثمَّ قطب وجهه حتّى ولجا المسجد فقال ابو بكر: يا رسول الله! لمـّا قربنا من دار أبي حنيفة تبسَّمت لنا ثمَّ قطبت وجهك فلِمَ ذلك يا رسول الله؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لمـّا صرتما لجانب دار أبي حنيفة عارضكما إبليس ونظر في وجوهكما ثمَّ رفع يديه إلى السَّماء أسمعه وأراه وأنتما لا تسمعانه ولا تريانه وهو يدعو ويقول: أللّهم إنّي أسألك بحقِّ هذين الرجلين أن لا تعذِّبني بعذاب باغضي هذين الرجلين.

قال أبو بكر: ومَن هو الذي يبغضنا يا رسول الله! وقد آمنّا بك وآزرناك وأقررنا بما جئت به من عند ربِّ العالمين؟ قال: نعم يا أبا بكر! قومٌ يظهرون في آخر الزمان يقال لهم: الرافضة يرفضون الحقَّ، ويتأوَّلون القرآن على غير صحَّته وقد ذكرهم الله عزَّو جلَّ في كتابه العزيز وهو قوله: يحرِّفون الكلم عن مواضعه(١) فقال: يا رسول الله! فما جزاء من يبغضنا عند الله؟ قال يا أبا بكر! حسبك انَّ إبليس لعنه الله تعالى يستجير بالله تعالى أن لا يعذِّبه بعذاب باغضيكما. قال: يا رسول الله! هذا جزاء من قد أبغض فما جزاء من قد أحبِّ؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أن تهديا له هديَّة من أعمالكما. فقال: أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله اُشهد الله وملائكته إنّي قد وهبت لهم ربع أجري - أي عملي - منذ آمنت بالله إلى أن نلقاه. فقال عمر رضي الله عنه: وأنا مثل ذلك يا رسول الله. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فضعا خطَّكما بذلك. قال عليٌّ كرَّم الله وجهه: فأخذ أبو بكر زجاجة وقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اكتب. فكتب:

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم يقول عبد الله عتيق بن أبي قحافة: إنّي قد اُشهدت الله ورسوله ومن حضر من المسلمين انِّي قد وهبت ربع عملي لمحبّي في دار الدنيا منذ آمنت بالله إلى أن ألقاه، وبذلك وضعت خطِّي.

قال: وأخذ عمر وكتب مثل ذلك فلمّا فرغ القلم من الكتابة هبط الأمين جبريلعليه‌السلام وقال: يا رسول الله! الربُّ يقرئك السَّلام ويخصُّك بالتحيَّة والإكرام ويقول لك:

____________________

١ - سورة النساء آية: ٤٦. وسورة المائدة آية: ١٣.

٢٩١

هات ما كتبه صاحباك. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذا هو. فأخذه جبريل وعرج به إلى السَّماء ثمَّ إنَّه عاد إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أين ما أخذت يا جبريل منِّي؟ قال: هو عند الله تعالى وقد شهد الله فيه، وأشهد حملة العرش وأنا وميكائيل وإسرافيل وقال الله تعالى: هو عندي حتّى يفي أبو بكر وعمر بما قالا يوم القيامة.

عمدة التحقيق للعبيدي المالكي ص ١٠٥ - ١٠٧.

قال الأميني: أنا لا أحاول إطناباً في تفنيد هذه الرِّواية الشبيهة بأساطير القصّاصين أو الرِّوايات الخياليَّة، فإنَّ كلَّ فصل منها شاهد صدق على عدم صحَّتها.

أنا لا أخدش في كهولة الشيخين بما مرَّ في الجزء الخامس ص ٣١٣ ط ٢ من القول المعزوِّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليُّ أتحبُّ هذه الشيخين؟. ولا بما مرَّ في هذا الجزء ص ٢٤١ من أنَّ أبا بكر له شيبة في الجنَّة وليس لأحد لحية هناك إلّا هو وإبراهيم الخليل ولا بما مرَّ ص ٢٤١ من أنَّ رسول الله كان يقبِّل شيبة أبي بكر. ولا بما مرَّ في صفحة ٢٥٧ من أنَّ أبا بكر كان يوم هجرة النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى المدينة شيخاً والنبيُّ شابّاً. ولا بما مرَّ في ص ٢٧٠ من أنَّ أبا بكر كان أكبر من النبيِّ. ولا بما مرَّ في ص ٢٨٠ من أنَّه كان أسنَّ أصحاب النبيِّ.

ولا أتكلّم في عذاب باغضي أبي بكر وعمر وأنَّه ما الذي أربى به على عذابَ من تكبَّر وتجبَّر تِجاه المولى سبحانه وعانده وخالف أمره وهو من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم يغوي عباد الله ويضلّهم عن سبيل الحقِّ؟.

ولا اُناقش في أنَّ إبليس كيف كان يصحُّ له أن يتعوَّذ بالله من عذاب باغضيهما؟ أكان يحبِّهما فلماذا هو؟ أو كان يبغضهما كما يبغض كلَّ مؤمن بالله؟ فالدعاء لماذا؟ وما ذا ينتج له وهو يعلم عذاب مبغضيهما وهو يبغضهما ولا يزال يغري الناس ببغضهما؟.

ولا أمدُّ يراعي إلى الزجاجة المكتوبة فيها تلك الهبة الموهومة لئلاّ تنكسر فتحرم الاُمة المرحومة من تلك البضاعة الغالية.

ولا اُسائل رواة هذه المهزأة عن تلك الشهادات من الله إلى حملة عرشه إلى أمين وحيه إلى ميكائيل وإسرافيل. لماذا هي كلّها؟ وما الذي أحوج المولى سبحانه إلى ذلك الاهتمام البالغ في استحكام ذلك الصكّ؟ وما الذي أهمَّ إدِّخاره عند الله حتى يفي أبو بكر و

٢٩٢

عمر بما قالا يوم القيامة؟

ولا أقول لِماذا تركت الأئمَّة وحفّاظ الحديث هذه الفضيلة العظيمة إلى قرن العبيدي المالكي - القرن الحادي عشر - وفيها بشارةٌ كبيرةٌ لمحبِّ الشيخين وإرشاد للاُمَّة إلى ما فيه نجاتهم نجاحهم والمثوبة الجزيلة بجزاء ربعي أعمالهما؟ ولِماذا شحَّ اولئك الحفظة على الاُمة وسمع العبيدي؟

ولكن هلمَّ معي إلى مفاد الآية الكريمة فهي في موضعين من القرآن الكريم:

١ - من الذين هادوا يحرِّفون الكلم عن مواضعه، ويقولون سمعنا وعصينا سورة النساء آية ٤٦.

٢ - ولقد أخذَ الله ميثاقَ بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً وقال الله إنِّي معكم لئن أقمتم الصَّلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزَّرتموه وأقرضتم الله قرضاً حسناً لأكفِّرنَّ عنكم سيِّئاتكم ولاُدخلنَّكم جنّات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضلَّ سواء السبيل، فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرِّفون الكلم عن مواضعه، ونسوا حظّاً ممّا ذكّروا به. سورة المائة ١٢، ١٣.

ألا تعجب من تحريف الكلم باسناد ما ناء به اليهود وبنو إسرائيل بنصِّ القرآن الحكيم إلى قوم لم يأتوا بعدُ وسيضمنهم الزمان في اُخرياته؟ حاشا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقول ذلك، ولكنَّها ورطات القالة، وأهواءٌ وشهوات، حبَّذت الوقيعة في قوم مؤمنين إتَّبعوا النبيَّ الأمين، وهُدوا إلى الصِّراط المستقيم، وهُدوا إلى الطيِّب من القول، وهُدوا إلى صراط الحميد، ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراط مستقيم.

- ١٨ -

أبو بكر في قاب قوسين

بلغنا أنَّ النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لَمّا كان قاب قوسين أو أدنى أخذته وحشة فسمع في حضرة الله تعالى بصوت أبي بكر رضي الله عنه فاطمأنَّ قلبه استأنس بصوت صاحبه.

ذكره العبيدي المالكي في عمدة التحقيق ص ١٥٤ فقال: هذه كرامةٌ للصدِّيق إنفرد بها رضي الله تعالى عنه.

قال الأميني: لِماذا تلك الوحشة؟ ولماذا ذلك الانس؟ وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ساحة

٢٩٣

القدس الربوبيِّ، وكان لا يأنس إلّا بالله، وكانت نفسه القدسيَّة في كلِّ آناته منعطفة إليها فهل هو يستوحش إذا حصل فيها؟ وهي أزلف مباءة إلى المولى سبحانه لا تقلُّ غيره. حتّى انَّ جبرئيل الأمين إنكفئ(١) عنها فقال: إن تجاوزت احترقت بالنار. لمـّا جذبه الله تعالى إليها وحفَّته قداسةٌ إلـ~ـهية تركته مستعدّاً لتلقِّي الفيض الأقدس، وهل هناك وحشةٌ لمثلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسكِّنها صوت أبي بكر؟ وهل كانت لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في مقام الفناء لفتةٌ إلى غيره جلّت عظمته حتى يأنس بصوته؟ لا ها الله، وما كان قلب النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقلُّ غيره سبحانه فهو مستأنسٌ به ومطمأنٌّ بآلائه، فلا مدخل فيه لأيِّ أحد يطمأنّ به، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، ولقد رآه بالاُفق المبين، فأوحى إلى عبده ما أوحى، ما كذب الفؤاد ما رأى، أفتمارونه على ما يرى؟ ولقد رآه نزلةً اخرى عند سدرة المنتهى، ما زاغ البصر وما طغى، لقد رأى من آيات ربِّه الكبرى، ولم تبرح نفسه الكريمة مطمأنَّة ببارئها حتى خوطب بقوله سبحانه: يا أيتها النفس المطمأنَّة ارجعي إلى ربِّك راضيةً مرضيَّة.

هذا مبلغ الرواية من نفس الأمر لكن الغلوَّ في الفضائل آثر أن يعدّوها من فضائل الخليفة وإن كانت مقطوعةً عن الإسناد.

- ١٩ -

الدين وسمعه وبصره

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: لقد هممت أن أبعث إلى الآفاق رجالاً يُعلّمون الناس السنن والفرائض كما بعث عيسى بن مريم الحواريِّين. قيل له: فأين أنت عن أبي بكر وعمر؟ قال: إنَّه لا غني بي عنهما أنَّهما من الدين كالسمع والبصر.

أخرجه الحاكم في المستدرك ٣ ص ٧٤ فقال: هذا حديث تفرَّد به حفص بن عمر العدني عن مسعر. وقال الذهبي في تلخيصه: هو واهٍ.

قال الأميني: قال النسائي: حفص بن عمر ليس بثقة. وقال ابن عدي: عامَّة حديثه غير محفوظة. وقال ابن حبَّان: كان ممَّن يُقلّب الأسانيد لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد.

____________________

١ - الكامل ٢: ٢١، السيرة الحلبية ١: ٤٣١.

٢٩٤

وقال ابن معين: رجل سوء، ليس بثقة. وقال مالك بن عيسى: ليس بشيء، وقال العقيلي: يحدِّث بالأباطيل، وقال أحمد: كان مع حماد(١) في تلك البلايا، وقال أبو داود: منكر الحديث، وقال الدارقطني: ضعيفٌ، ليس بقويّ، متروكٌ(٢) .

هذا على ما فرَّق جمعٌ بينه وبين حفص بن عمر بن دينار الايلي وأمّا إن كان هو هو فقال ابن عدي: أحاديثه كلّها منكرة المتن والسند وهو إلى الضعف أقرب. وقال أبو حاتم: كان شيخاً كذّابا. وقال العقيلي: يحدِّث عن شعبة ومسعر ومالك بن مغول والأئمة بالبواطل، وقال الساجي: كان يكذب، وقال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث(٣) .

هذا شأن سند الرواية، وليت شعري أيّ سنَّة أو فريضة كان يعلّمها الرجلان على فرض إرسالهما؟ وبماذا كان يفتيان في الكلالة وإرث الجدِّ والجدّة والتيمم وشكوك الصَلاة إلى مسائل اُخرى عرَّفناك بعضها في الجزء السادس وجملة منها في هذا الجزء؟ وبماذا كانا يجيبان لو سألا عن آيات القرآن وهما يتقاعسان عن معرفة بعض ألفاظها اللغويَّة فكيف بالغوامض والمعضلات؟

ثمَّ بماذا كان غناء الرجلين لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ وبماذا كانا من الدين كالسمع والبصر؟ أبصولاتهما في الحروب؟ أم بأياديهما في الجدوب؟ أم ببصائرهما في الاُمور؟ أم بعلمهما الناجع في الكتاب والسنَّة؟ أم بتوقّف الدعوة عليهما في عاصمة الاسلام؟ أم باناطة تنفيذ الاحكام بهما؟ إقرأ السير ثمَّ استحف الخبر.

م - وقد مرّ في ج ٥ ص ٣٢٥ عن المقدسي: إنّ أبا بكر وعمر من الاسلام بمنزلة السمع والبصر من موضوعات الوليد بن الفضل الوضّاع، وذكر أبو عمر في الاستيعاب ١ ص ١٤٦ مرفوعاً لأبي بكر وعمر: هذان منِّي بمنزلة السمع والبصر من الرَّأس وقال: إسناده ضعيف أخبرنا أبو عبد الله يعيش بن سعيد قال: نا أبو بكر بن محمَّد بن معاوية: قال جعفر بن محمَّد الفريابي: قال عبد السلام بن محمد الحرّاني؟ قال ابن أبي فديك، عن المغيرة بن عبد الرحمن عن المطلب بن عبد إلله بن حنطب عن أبيه.

____________________

١ - أحد الكذّابين الوضّاعين.

٢ - ميزان الاعتدال ١: ٢٦٢، تهذيب التهذيب ٢ ص ٤١٠.

٣ - ميزان الاعتدال ١: ٢٦٣، لسان الميزان ٢ ص ٣٢٤.

٢٩٥

عن جدِّه انّ النبيَّ.... ليس له غير هذا الاسناد والمغيرة بن عبد الرحمن هذا هو الحزامي ضعيفٌ وليس بالمخزومي الفقيه صاحب الرأي (الخ) وقال في ج ١ ص ٣٤٨: حديث مضطرب الأسناد لا يثبت. وفي الاصابة ٢: ٢٩٩: حديث هذان السمع والبصر. في أبي بكر وعمر قال أبو عمر: حديث مضطرب لا يثبت.

أقول في الاسناد المذكور غير واحد من المجاهيل والضعاف ولا ينحصر ضعفه بمكان المغيرة فحسب، وقال فيه ابن معين: إنَّه ليس بشيء. وقال النسائي: ليس بالقويِّ. تهذيب التهذيب ١٠: ٢٦٦.

- ٢٠ -

أبو بكر ومنزلته عند الله

عن ابن عبّاس قال. كان أبو بكر مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغار فعطش عطشاً شديداً فشكا إلى النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذهب إلى صدر الغار فاشرب. قال أبو بكر: فانطلقت إلى صدر الغار فشربت ماءً أحلى من العسل وأبيض من اللبن وأذكى رائحة من المسك ثمَّ عدت إلى النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: شربت؟ قلت: نعم. قال: ألا اُبشِّرك يا أبا بكر؟ قلت: بلى يا رسول الله! قال: إنَّ الله تبارك وتعالى أمر الملك الموكّل بأنهار الجنَّة أن اخرق نهراً من جنَّة الفردوس إلى صدر الغار ليشرب أبو بكر فقلت: يا رسول الله! ولي عند الله هذه المنزلة؟ فقال النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نعم وأفضل، والذي بعثني بالحقِّ نبيّاً لا يدخل الجنّة مبغضك ولو كان له عمل سبعين نبيّاً.

الرياض النضرة ١ ص ٧١، مرقاة الوصول ص ١١٤.

قال الأميني: كيف تصحّ هذه الرواية قد ضرب عنها حفّاظ الحديث وأئمّة التاريخ والسير صفحا؟ مع ما فيها من نبأ عظيم وكرامة هامّة وهي بين أيديهم وهم يهتمون بجمع دلائل النبوَّة ومعاجز الرسالة، فلم تخرّج في أصل، ولم تذكر في سيرة، وإنَّما ذكرها السيوطي في الخصايص ١ ص ١٨٧ فقال: أخرجه ابن عساكر بسند واهٍ.

ولماذا خصَّت روايتها بابن عبّاس وقد ولد في شعب أبي طالب قبل الهجرة بقليل فكان يوم الغار ابن سنة أو سنتين ولم يسندها إلى أحد ولم يكن في الغار غير النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصاحبه؟ فأين روايتهما إيّاها؟ وأين اولئك الصحابة عنها؟ أيحقّ لحكيم أو حافظ أن

٢٩٦

يرسل مثل هذه الواهية إرسال المسلّم في عدّ الفضائل؟

نعم: للقوم في محبّة أبي بكر وصاحبه روايات تشبه بالقصص الخياليَّة نسجتها يد الغلوِّ في الفضائل وإليك منها:

١ - عن عبد الله بن عمر مرفوعاً، لَمَّا وُلد أبو بكر في تلك الليلة اطّلع الله على جنَّة عدن فقال: وعزَّتي وجلالي لا أدخلك إلّا من أحبَّ هذا المولود.

من موضوعات أحمد بن عصمة النيشابوري كما مرَّ في ج ٥ ص ٣٠٠ ط ٢.

٢ - عن أبي هريرة مرفوعاً: إنَّ في السَّماء الدنيا ثمانين ألف ملك يستغفرون الله لمن أحبَّ أبا بكر وعمر، وفي السَّماء الثانية ثمانون ألف ملك يلعنون من أبغض أبا بكر وعمر.

من طامّات أبي سعيد الحسن بن علي البصري كما أسلفنا في ج ٥: ٣٠٠ ط ٢.

٣ - عن أنس إنَّ يهوديّاً أتى أبا بكر فقال: والذي بعث موسى وكلَّمة تكليما إنِّي لاُحبّك فلم يرفع أبو بكر رأسه تهاوناً باليهوديِّ فهبط جبرئيل على النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال: يا محمَّد إنَّ العليَّ الأعلى يقرأ عليك السَّلام ويقول لك: قل لليهوديِّ: إنَّ الله قد أحاد عنك النار. الحديث. إقرأ واحكم بعد قرائتك القرآن والتدبّر في الآي النازلة في عذاب الكفّار. من موضوعات أبي سعيد البصري راجع الجزء الخامس ص ٣٠١ ط ٢.

٤ - عن أنس مرفوعاً: إنَّ لله تعالى في كلِّ ليلة جمعة مائة ألف عتيق من النار إلّا رجلين فانَّهما يدخلان في اُمَّتي وليسا منهم، وإنَّ الله لا يعتقهما فيمن عتق منهم مع أهل الكبائر في طبقتهم، مصفَّدين مع عبدة الأوثان: مبغضي أبو بكر وعمر، وليس هم داخلين في الإسلام وإنَّما هم يهود هذه الاُمَّة الخ.

من وضع أبي شاكر مولى المتوكِّل كما مرَّ في ج ٥ ص ٣٠٣ ط ٢.

٥ - عن عبد الله بن عمر مرفوعاً: إنَّ الله أمرني بحبِّ أربعة: أبي بكر، وعمر، و عثمان، وعليّ. من بلايا السنجري كما مرَّ ج ٥: ٣١٠ ط ٢.

٦ - عن أبي هريرة مرفوعاً قال لعليّ: أتحبُّ هذين الشيخين؟ قال: نعم يا رسول الله! قال: احبّهما تدخل الجنَّة. من صناعة الاشناني كما مرَّ ج ٥: ٣١٣ ط ٢.

٧ - عن جابر مرفوعاً: لا يبغض أبا بكر وعمر مؤمن ولا يحبّهما منافقٌ.

٢٩٧

من موضوعات معلّى الطحان راجع ج ٥: ٣٢٣ ط ٢.

٨ - عن أبي هريرة مرفوعاً: هذا جبريل يخبرني عن الله: ما أحبَّ أبا بكر و عمر إلّا مؤمن تقيّ، ولا أبغضهما إلّا منافقٌ شقيٌّ.

من موضوعات ابراهيم الأنصاري كما مرَّ ج ٥ ص ٣٢٦ ط ٢.

٩ - عن أبي سعيد مرفوعاً، من أبغض عمر فقد أبغضني راجع ٥: ٣٢٩ ط ٢.

١٠ - عن عليّ مرفوعاً قد أخذ الله بكم الميثاق في اُمِّ الكتاب لا يحبُّكم « يعني أبا بكر. وعمر. وعثمان. وعليّاً » إلّا مؤمن تقيٌّ، ولا يبغضكم إلّا منافقٌ شقيٌّ.

من موضوعات ابراهيم الأنصاري كما مرَّ ج ٥: ٣٢٦ ط ٢.

١١ - عن عليّ مرفوعاً في أبي بكر: من أحبَّني فليحبَّه، ومن أراد كرامتي فليكرمه مرَّ في الجزء الخامس ص ٣٥٥ ط ٢.

١٢ - عن أنس مرفوعاً: إنَّ لعرش الرَّحمن ثلاثمائة وستِّين قائمة، كلُّ قائمة كطباق الدنيا ستّين ألف مرَّة، بين كلِّ قائمتين ستّون ألف صخرة، كلُّ صخرة مثل الدنيا ستّون ألف مرَّة، في كلِّ صخرة ستّون ألف عالم، كلُّ عالم مثل الثقلين ستّون ألف مرَّة.

قد ألهمهم الله تعالى الاستغفار لمن يحبُّ أبا بكر وعمر، ويلعنون مبغضهما إلى يوم القيامة(١) .

كأنَّ لعدد ستِّين ألف خاصَّةٌ عند واضع هذه الخرافة فجعل سلسلة الأكوان الخياليَّة على ذلك العدد، ليست هذه كلّها إلّا حلقة بلاء جاءت بها رماة القول على عواهنه المغالون في الفضائل تجاه الحقائق الراهنة، غير أنّا لا نخدش العواطف ببسط القول في متونها، ونكل القضاء فيها إلى ضمير الباحث النابه الحرِّ.

- ٢١ -

النبيُّ مؤيَّدٌ بالشيخين

عن أبي أروى الدوسي قال كنت جالساً عند النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطّلع أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الحمد الذي أيَّدني بكما.

قال الأميني: أخرجه الحاكم في المستدرك ٣ ص ٧٤ من طريق ابن أبي فديك

____________________

١ - عمدة التحقيق للعبيدى المالكى ص ١٨٣ نقلا عن كتاب العقائق.

٢٩٨

وهو وإن وثَّقه ابن معين غير أنَّ ابن سعد قال: ليس بحجَّة، عن:

عاصم بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، ضعَّفه أحمد وابن معين وابو حاتم، وابن عدي، وقال الفروي: وليس بقويّ، وقال الجوزجاني: يضعف حديثه وقال البخاري: منكر الحديث، وقال الترمذي: متروكٌ ليس بثقة، وقال ابن حبّان: يخطيء ويخالف وقال ايضاً: منكر الحديث جِدّاً يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الاثبات، لا يجوز الاحتجاج به إلّا فيما وافق الثقات، وقال ابن الجارود: ليس حديثه بحجَّة. وتكلّم النسائي على أحمد بن صالح حيث وثَّقه. عن:

سهيل بن أبي صالح قال ابن معين: حديثه ليس بحجَّة. وقال أبو حاتم: حديثه لا يُحتجُّ به، وقال ابن حبَّان يخطئ، وقال ابن أبي خيثمة عن يحيى: لم يزل أهل الحديث يتَّقون حديثه. وذكر العقيلي عن يحيى انَّه قال: هو صويلح وفيه لين عن:

محمَّد بن ابراهيم بن الحارث المدني وثَّقه غير واحد غير أنَّ امام الحنابلة أحمد قال: في حديثه شيىءٌ يروي أحاديث مناكير أو منكرة(١) والحديث ذكره ابن حجر في الاصابة ٤ ص ٥ وضعّفه.

هذا مجمل القول في رجال سند الرواية، وأمّا متنه فكما ترى آيةٌ في الغلوِّ.

- ٢٢ -

الأشباح الخمسة من ذريّة آدم

عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: أخبرني جبريل انَّ الله تعالى لمـّا خلق آدم وأدخل الروح في جسده أمرني أن آخذ تفّاحةً من الجنَّة فأعصرها في حلقه فعصرتها في فمه فخلقك الله من النقطة الأولى أنت يا محمَّد، ومن الثانية أبا بكر، ومن الثالثة عمر، ومن الرابعة عثمان، ومن الخامسة عليّ. فقال آدم: من هؤلاء الذين كرَّمتهم؟ فقال الله تعالى: هؤلاء خمسة أشباح من ذرّيتك، وقال: هؤلاء اكرم عندي من جميع خلقي. قال: فلمّا عصى آدم ربَّه. قال: ربِّ بحرمة أولئك الأشباح الخمسة الذي فضَّلتهم إلّا تبت عليَّ فتاب الله عليه.

____________________

١ - راجع ميزان الاعتدال ٢: ٤ و ج ١: ٤٣٢، تهذيب التهذيب ج ٩ ص ٦، ٦١ ج ٤ ٢٦٣، ج ٥ وبهذا الطريق اخرجه البزار كما في الصواعق ص ٤٧.

٢٩٩

ذكره الحافظ محبّ الدين الطبري في الرياض النضرة ١: ٣٠، وابن حجر في الصواعق ص ٥٠ نقلاً عن رياض المحبّ الطبري وقال: عهدته عليه.

قال الأميني: ما أبعد المسافة بين من يجوِّز توسّل آدم أوَّل الأنبياء إلى الله تعالى باناس عاديِّين في سياق توسّله بأفضل الرسل والسيِّد الأوصياء عليهما وآلهما السَّلام، و بين مَن ينكر التوسُّل لأيِّ أحد، بأيِّ أحد، ولا يرى لتوسّل آدم بالنبيِّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيّ قيمة وكرامة، فيعتقد الأوَّل صحَّة مثل هذه الرواية التي حكم السيوطي بانَّها كذبٌ موضوعٌ، وارتضاه ابن حجر في نقله عنه كما في كشف الخفاء، وإن عدَّه في صواعقه من الفضائل زعماً منه بأنَّ الدهر لم يأت بعده بمن يناقشه في الحساب، وصافقهما على التكذيب والوضع العجلوني فقال في كشف الخفاء ١: ٢٣٣: قال ابن حجر الهيثمي نقلاً عن السيوطي: كذبٌ موضوعٌ.

ومتن الراوية أوضح شاهد على ذلك غير انَّ المغالات في الفضائل إختلقتها لمعارضة ما ورد في قوله تعالى: فتلقّى آدم من ربِّه كلمات فتاب عليه « سورة البقرة »

أخرج الديلمي في مسند الفردوس كما في الدر المنثور ١: ٦٠ باسناده عن عليّ قال سألت النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قول الله: فتلقّى آدم من ربِّه كلمات فتاب عليه؟ فقال: إن الله أهبط آدم بالهند وحواء بجدَّه - إلى أن قال -: حتى بعث الله إليه جبريل، وقال: يا آدم ألم أخلقك بيدي: ألم أنفخ فيك من روحي؟ ألم أسجد لك ملائكتي؟ ألم أُزوِّجك حوّاء أمتي: قال: بلى. قال: فما هذا البكاء؟ قال وما يمنعني من البكاء؟ وقد اُخرجت من جوار الرَّحمن. قال: فعليك بهؤلاء الكلمات فانَّ الله قابلٌ توبتك، وغافرٌ ذنبك. قل: أللهمّ إنيِّ أسألك بحقِّ محمَّد وآل محمَّد سبحانك لا إ~له إلا أنت، عملت سوءً، وظلمت نفسي فاغفر لي إنَّك أنت الغفور الرَّحيم، فهؤلاء الكلمات التي تلقَّى آدم.

وأخرج ابن النجار عن ابن عبّاس قال: سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الكلمات التي تلقَّاها آدم من ربِّه فتاب عليه؟ قال: سأل بحقِّ محمَّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلّا تبت عليَّ. فتاب عليه « الدر المنثور ١: ٦٠ »

وأخرجه الفقيه ابن المغازلي في المناقب كما في ينابيع المودَّة ص ٢٣٩.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417