الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٧

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 417

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 417
المشاهدات: 185050
تحميل: 6038


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 417 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 185050 / تحميل: 6038
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 7

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وروى أبو الفتح محمّد بن علي النطنزي المولود ٤٨٠ في كتابه: الخصايص عن ابن عبّاس انَّه قال: لمـّا خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه عطس فقال: الحمد لِلَّه فقال له ربُّه: يرحمك ربُّك. فلمّا أسجد له الملائكة فقال: يا ربِّ خلقت خلقاً هو أحبّ إليك منِّي؟ قال: نعم ولولاهم ما خلقتك قال: يا ربِّ فأرنيهم فأوحى الله إلى ملائكة الحجب: أن ارفعوا الحجب. فلمّا رفعت إذا آدم بخمسة أشباح قدّام العراش قال: يا ربّ من هؤلاء؟ قال: يا آدم هذا محمَّد نبيِّي، وهذا عليٌّ أمير المؤمنين ابن عمِّ نبيِّي ووصيُّه وهذه فاطمة بنت نبيِّي، وهذان الحسن والحسين إبنا علي وولدا نبيِّي، ثمَّ قال: يا آدم هم ولدك. ففرح بذلك فلمّا اقترف الخطيئة قال: يا ربّ أسألك بمحمَّد وعليِّ وفاطمة والحسن والحسين لما غفرت لي. فغفر الله له، فهذا الذي قال الله تعالى: فتلقّى: آدم من ربِّه كلمات. إنَّ الكلمات التي تلقّاها آدم من ربِّه: أللهمَّ بحقِّ محمَّد وعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين إلّا تبت عليَّ. فتاب الله عليه.

وهذا الرجل يُروى له بسند صحيح توسّل عمر - أحد الأشباح المزعومة - بالعبّاس عمِّ النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الاستسقاء خرج يستسقي به وقد أجدب الناس فقال: أللهمَّ إنّا نستشفع إليك بعمِّ نبيِّك أن تذهب عنّا المحل، وأن تسقينا الغيث. فقال العبّاس: أللهمّ إنَّه لم ينزل بلاء من السَّماء إلّا بذنب، ولا يكشف إلّا بتوبة، وقد توجَّه بي القوم اليك لمكاني من نبيِّك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا بالتوبة، وأنت الراعي لا تهمل الضالّة، ولا تدع الكسير بدار مضيعة، فقد ضرع الصغير، ورقَّ الكبير، وارتفعت الشكوى، وأنت تعلم السرَّ وأخفى، أللهمَّ فأغثهم بغياثك قبل أن يقنطوا فيهلكوا، فانَّه لا ييأس من رحمتك إلّا القوم الكافرون.

فما تمَّ كلامه حتّى أرخت السَّماء مثل الحبال، فنشأت السحاب، وهطَّت السَّماء، فطفق الناس بالعبّاس يمسحون أركانه ويقولون: هنيئاً لك ساقي الحرمين. فقال حسّان بن ثابت:

سأل الإمام وقد تتابع جدبنا

فسقى الغمام بغرَّة العبّاسِ

عمِّ النبيِّ وصنو والده الذي

ورث النبيَّ بذاك دون الناسِ

أحيا الإلـ~ـه به البلاد فأصبحت

مخضرَّة الأجناب بعد الياسِ

٣٠١

وقال ابن عفيف النصري:

ما زال عبّاس بن شيبة غايةً

للناس عند تنكّر الأيّامِ

رجلٌ تفتِّحت السَّماء لصوته

لمـّا دعا بدعاوة الإسلامِ

فتحت له أبوابها لمـّا دعا

فيها بجند معلمين كرامِ

عمُّ النبيِّ فلا كمن هو عمّه

ولد ولا كالعمِّ في الأقوامِ

عرفت قريشٌ يوم قام مقامه

فبه له فضلٌ على الأقوامِ

وقال شاعر بني هاشم:

رسول الله والشهداء منّا

وعبَّاس الذي بعج الغماما

وقال العبّاس بن عتبة بن أبي لهب:

بعمّي سقى الله الحجاز وأهله

عشيَّة يستسقي بشيبته عمرْ

توجَّه بالعباس في الجدب دائماً

اليه فما إن دام حتى أتى المطرْ

ومنّا رسول الله فينا تراثه

فهل فوق هذا للمفاخر مفتخرْ؟(١)

فهلّا هذا الرجل هو المتوسَّل به في حديث الأشباح - المختلق - الواقع في رديف صاحب الرسالة وسيِّد الوصيِّين صلَّى الله عليهما وآلهما، وهو ومن معه أكرم خلق الله جميعاً باعتراف ممَّن خلقهم وفي خلقه سبحانه الأنبياء واولوا العزم من الرسل والأوصياء والملائكة والمقرّبون؟.

فهلّا هذا الرجل دعا الله بنفسه؟ وما محلُّ توسّله بالعبّاس وهو أكرم عند الله منه ومن أبيه آدم وولده وهلمَّ جراً؟ أو أنَّه وجد استثناء في العبّاس فحسب فهو أكرم على الله منه ومن كلِّ من هو أكرم على الله منه؟

أنا لا أدري ماذا أقول، ولك الفسحة والمجال لأن تقول الحقَّ وما يحدوك

____________________

١ - صحيح البخاري كتاب الصلاة باب سؤال الناس الامام الاستسقاء، صحيح مسلم كتاب الصلاة، الأغاني ١٢: ٨١، اعلام الماوردي ٧٨، تاريخ ابن عساكر ٧: ٢٤٥ - ٢٤٨، مستدرك الحاكم ٣: ٣٣٤، تاريخ ابن كثير ٧: ٩٢، مرآة الجنان ١: ٧٢، طرح التثريب ١: ٦٣، فتح الباري ٢: ٣٩٨ وقال: يستفاد من القصة استحباب الاستسقاء بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة، عمدة القاري ٣ ص ٤٣٨، شذرات الذهب ١: ٢٩.

٣٠٢

إليه ضميرك الحرّ وتقول: كيف يكون المذكورون في الحديث - غير محمَّد وصنوه - أكرم على الله من جميع خلقه وفيهم من ذكرنا هم من الأنبياء والرسل والأوصياء والأولياء والملائكة؟ وكيف يتوسَّل أبو البشر النبيُّ المعصوم بمثل أبي بكر وصاحبيهِ وهم هم؟ وسيرتهم بين يديك، وكيف يكونون رديف النبيِّ الأعظم وصنوه المعصوم بنصِّ الكتاب العزيز ونفسه المطهّر الناطق به القرآن الكريم؟ وكيف يشاركون معهما في فضيلة الخلقة، وكرامة التوسّل؟ ولا أحسب أنَّ احداً من شيعة القوم يصافق رواة هذه الأفيكة على هذه المزاعم، ولعلّهم يصافقونهم ويجعلونها على عهدتهم كما فعل ابن حجر إذ غلوُّهم في الفضائل غير محدود.

وأمَّا الرجل الثاني الذي أربكه التفريط وأسفَّ به إلى هوَّة الجهل فكالقصيمي الذي أنكر ما جاء في الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا ربّ أسألك بحقِّ محمَّد لما غفرت لي فقال الله: يا آدم وكيف عرفت محمَّداً ولم أخلقه؟ قال: يا ربّ لأنَّك لمـَّا خلقتني بيدك ونفخت فيَّ من روحك رفعتُ رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً: لا إ~له إلّا الله، محمَّدٌ رسول الله فعلمت انَّك لم تضف إلى اسمك إلّا أحبّ الخلق إليك فقال الله: صدقت يا آدم! انَّه لأحبُّ الخلق إليَّ، ادعني بحقِّه قد غفرت لك. ولولا محمَّد ما خلقتك.

أخرجه البيهقي في دلائل النبوَّة(١) والحاكم في المستدرك ٢: ٦١٥ وصحَّحه، والطبراني في المعجم الصغير، وأبو نعيم في الدلائل، وابن عساكر كما في الخصايص، وأقرَّ صحته السبكي في شفاء السقام ص ١٢٠، والقسطلاني في المواهب ١ ص ١٦، والسمهودي في وفاء الوفا ٢: ٤١٩، والزرقاني في شرح المواهب ١: ٦٢، والعزّامي في فرقان القرآن ص ١١٧، وذكره السيوطي في الخصايص الكبرى عن عدَّة من الحفّاظ ج ١ ص ٦.

فقال القصيمي في الصّراع ٢: ٥٩٣ تبعاً أثر إبن تيميّة في الردِّ على هذه المأثرة النبويَّة الصحيحة: والسؤال بحقِّ النبيِّ أو بحقِّ غيره من الأنبياء والصالحين ليس له من القيمة العمليَّة الدينيَّة ما يوجب أن يكون عملاً صالحاً مبروراً فضلاً عن أن يكون أداة

____________________

١ - قال الذهبي في الثناء عليه: عليك به فكله هدى ونور.

٣٠٣

غفران وعفوّ تامّ، وماذا في قول القائل: أسألك يا الله بحقِّ فلان أو فلانة من عمل صالح يؤهِّل قائله لأن يكون من المغفور لهم؟ وأنَّما يغفر للمستغفر.

وقال: وأمّا الألفاظ المجرَّدة فلا وزن لها عند الله ولا ينظر إليها فضلاً عن أن تكون عملاً تحطّ به الذنوب والخطايا الثقيلة، فما في قول القائل: أسألك بحقِّ محمَّد لمـّا غفرت لي من الشأن والقيمة؟ حتَّى يُقال له: وإذ سألتني بحقِّه فقد غفرت لك.

وأجهل الناس وأرقُّهم ديناً وتقوىً فضيلةً وأشدُّهم بعداً عن الله وعن رضاه يقولون ذلك، ويلهجون به، وهم على رغمهم لا يجدر بهم الغفران ولا التجاوز والعفو والرضا بل وهو خليقون بالانتقام والطرد والعذاب الأليم الموجع، ولن تجديهم هذه المقالة ولا هذا التوسل قليلاً ولا كثيراً، فنحن لا نشكُّ في أنَّ آدم ما غفر له ذنبه إلّا لتوبته ولرجوعه إلى ربِّه ولإقلاعه عن ذنبه، ولإعتذاره واستغفاره الصادرين عن جميع نفسه وقلبه وعقله، أمّا السؤال بالحقِّ فلا قيمة ولا وزن له عند الله البتة.اهـ.

نحن لا نقابل هذا المغفَّل المستهتر البذيَّ إلّا بالسَّلام، حذا في هذيانه هذا حذو شيخه ابن تيميَّة، وقد ردَّ عليه جمعٌ من أئمَّة الحديث وحفّاظه بكلمات ضافية نقتصر منا بكلام السبكي قال في شفاء السقام ص ١٢١، قال ابن تيميَّة: أمّا ما ذكر في قصَّة آدم من توسّله فليس له أصل، ولا نقله أحدٌ من النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باسناد يصلح للاعتماد عليه ولا الاعتبار ولا الاستشهاد. ثمَّ ادَّعى ابن تيميَّة إنَّه كذب ٌ وأطال الكلام في ذلك جدّاً بما لا حاصل تحته بالوهم والتخرُّص، ولو بلغه انَّ الحاكم صحّحه لما قال ذلك، أو لتعرَّض للجواب عنه، وكأنِّي به إن بلغه بعد ذلك يطعن في عبد الرَّحمن ابن يزيد راوي الحديث، ونحن نقول: قد اعتمدنا في تصحيحه على الحاكم، وايضاً عبد الرَّحمن بن يزيد لا يبلغ في الضعف إلى الحديث الذي إدَّعاه، وكيف يحلُّ لمسلم أن يتجاسر على منع هذا الأمر العظيم الذي لا يردُّه عقلٌ ولا شرعٌ؟ وقد ورد فيه هذا الحديث، وأمّا ما ورد من توسّل نوح وابراهيم وغيرهما من الأنبياء فذكره المفسِّرون واكتفينا عنه بهذا الحديث لجودته وتصحيح الحاكم له: ولا فرق في هذا المعنى بين أن يعبَّر عنه بالتوسُّل أو الأستعانة أو التشفُّع أو التجوُّه. والداعي بالدعاء المذكور ما في معناه متوسّلٌ بالنبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنَّه جعله وسيلة لإجابة الله دعاءه أو مستغيثٌ به،

_١٩_

٣٠٤

والمعنى انَّه استغاث الله به على ما يقصده. الخ.

وقد أسلفنا الكلام حول الموضوع في الجزء الخامس ص ١٤٣ - ١٥٦ راجع.

- ٢٣ -

أبو بكر خير أهل السَّماوات والأرض

عن أبي هريرة: إنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أبو بكر وعمر خير أهل السَّماوات و الأرض، وخير الأوَّلين والآخرين، إلّا النبيِّين والمرسلين.

ذكره ابن حجر في الصَّواعق ٤٥ نقلاً عن الحاكم وابن عدي، وأخرجه الخطيب في تاريخه ٥ ص ٢٥٣ وسكت عمّا في سنده من العلل « على عادته الجارية في مناقب الشيخين » وفيه: جبرون بن واقد الافريقي والراوي عنه محمَّد بن داود القنطري، قال الذهبي في الميزان: جبرون متَّهم فانَّه روى بقلّة حياء عن سفيان، وروى عنه محمّد بن داود القنطري، عن أبي هريرة مرفوعاً: أبو بكر وعمر خير الأوَّلين. الحديث تفرَّد به وبالذي قبله وهما موضوعان. وزاد ابن حجر في اللسان ٢ ص ٩٤ عن ابن عدي انَّه قال: لا أعرف له غير هذين الحديثين ولا أعلم يرويهما عنه غير محمَّد بن داود وهما منكران.

وقال الذهبي في ترجمة محمّد بن داود: عن جبرون الافريقي بحديثين باطلين ذكرهما ابن عدي في ترجمة جبرون وقال تفرَّد بهما محمَّد.

وقال ابن حجر في اللسان ٥: ١٦١: أحسب الآفة في الحديث من جبرون وقد ساق المؤلّف الحديثين في ترجمته وصرَّح بأنَّهما موضوعان وأشار إلى أنَّ المشتهر بهما جبرون.

قال الأميني: ومن الحريِّ لمثل هذين المبطلين أن يرويا باطلاً كمثل هذا الذي يرتأي مفتعله تفضيل الرّجلين على الملائكة المقرَّبين المعصومين من أهل السَّماوات وفيهم سيِّدهم أمين الوحي جبرئيل، وعلى من ثبتت زلفتهم وقربهم من أولياء الله وأصفيائه وأوصياء الأنبياء، أنا لا أدري بماذا فضلا عليهم أبعلمهما المتدفِّق؟ وقد عرفت مبلغهما منه، أم بالعصمة عن الخطايا والذنوب؟ وأنت لا تقول بها، أو أنَّ ما حفظه التاريخ من سيرتهما لا يدع أن تقول بها، لكن عصمة الملائكة ثابتةٌ لا ريب فيها، وعصمة الأوصياء واجبةٌ بالبرهنة الصحيحة، وزلفى المقرَّبين كلقمان والخضر وذي القرنين

٣٠٥

من القضايا التي قياساتها معها، أم ببأسهما المرهب في ذات الله وعنائهما في سبيل الدين وجهودهما الجبّارة؟ لا يخفى على أحد حقُّ القول في ذلك كلّه، ضع يدك ها هنا على أيِّ فضيلة فانَّك لا تجد فيهما منها ما يربي بهما على كثير من الصَّحابة والتابعين هلمَّ جرّا فضلاً عن مَن ذكرناهم، غير أنَّ الغلوَّ في الفضائل حدى صاحبه إلى أن يقول بذلك، فدعه يقول فانَّ الحقايق الثابتة غير قابلة للزوال والاصول الموضوعة يركن اليها على كلِّ حال.

- ٢٤ -

ثواب النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر

عن عليِّ بن أبي طالب قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لأبي بكر: يا أبا بكر! إنَّ الله أعطاني ثواب من آمن به منذ خلق آدم إلى أن بعثني، وإنَّ الله أعطاك ثواب من آمن بي منذ بعثني إلى أن تقوم الساعة.

أخرجه الخلعي والملّا كما في الرياض النضرة ١ ص ١٢٩، والخطيب البغدادي في تاريخه ٥ ص ٥٣ من طريق أحمد بن محمَّد بن عبيد الله ابي الحسن التمّار المقرئ فقال: كان غير ثقة روى أحاديث باطلة ذاكرت أبا القاسم الأزهري حال هذا الشيخ و قلت: أراه ضعيفاً لأنَّ في حديثه مناكير. فقال: نعم هو مثل أبي سعيد العدوي.

قال الأميني: أبو سعيد العدوي هو الحسن بن علي العدوي البصري شيخٌ قليل الحياء كذّابٌ يضع الحديث، أسلفنا ترجمته في سلسلة الكذّابين في الجزء الخامس ص ٢٢٤ ط ٢، فقول الأزهري في أبي الحسن التمّار (انَّه مثل أبي سعيد) يومي إلى انَّه ايضاً كذّابٌ وضّاعٌ.

وفي الإسناد أبو معاوية الضرير وقد اشتهر عنه الغلوّ غلوّ التشيع، وقال يعقوب بن شيبة: ثقةٌ ربما يدلِّس « ميزان الاعتدال ٣ ص ٣٨٢ » وفيه أبو البختري عن عليّ قال سلمة بن كهيل: ما كان من حديث أبي البختري فهو حسن، وما كان عن فهو ضعيفٌ « ميزان الاعتدال ٣ ص ٣٤٤ »

هذا شأن سند الرواية وأما متنه فضميرك الحرُّ نعم الحَكَم فيه.

٣٠٦

- ٢٥ -

الحبُّ والشكر الواجبان على الاُمَّة

عن سهل بن سعد قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حبُّ أبي بكر وشكره واجب على اُمَّتي.

أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه ٥ ص ٤٥٣ من طريق عمر بن ابراهيم الكردي وقال: تفرَّد به عمر، وهو ذاهب الحديث. وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ٢: ٢٤٩ فقال: الحديث منكرٌ جداً.

ورواه الخطيب في تاريخه ٥: ٧٣ من طريق عمر الكردي ايضاً بلفظ: إنَّ أمنَّ الناس عليَّ في صحبته وذات يده أبو بكر الصدِّيق، فحبُّه وشكره وحفظه واجبٌ على اُمَّتي.

قال الأميني: هذه الرِّواية من موضوعات عمر الكردي قال الدارقطني: كذّابٌ خبيثٌ، وقال الخطيب: غير ثقة يروي مناكير من الاثبات. راجع ما مرَّ في سلسلة الكذّابين في الجزء الخامس ص ٢٤٦ ط ٢.

والعجب من الخطيب في تاريخه انَّه مع قوله المذكور في ترجمة الكردي ترى عقدةً في لسانه لمـّا يذكر الرواية فيسكت عمّا فيها تارةً ولم يتكلّم بذأمة تُعرب عن وضعها، ويقتصر اُخرى بقوله: تفرَّد بروايته عمر وغير عمر أوثق منه. كما قاله في الموضع الثاني، وليست هذه كلّها إلّا لإغفال القرّاء عن جليَّة الحال، والتمويه على الحقائق الراهنة، فمن جرّائها يأبى الصفوري بعد حين ويذكر الرواية في نزهة المجالس ٢: ١٨٦ مرسِلاً إيّاها إرسال المسلّم.

- ٢٦ -

أبو بكر في كفَّة الميزان

أخرج الحكيم الترمذي كما في مرقاة الوصول ص ١١٢ قال: حدَّثنا رزق الله بن موسى الباجي البصري قال: حدَّثنا مؤمل بن إسماعيل - العدوي البصري - قال: حدَّثنا حماد بن سلمة قال: حدَّثنا سعيد بن جمهان البصري عن سفينة مولى امّ سلمة قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا صلّى الصبح أقبل على أصحابه فقال: أيُّكم رأى الليل

٣٠٧

رؤيا؟ قال: فصلّى ذات يوم الصبح ثمَّ أقبل على أصحابه فقال: أيُّكم رأى الليل رؤيا؟ فقال رجلٌ: أنا يا رسول الله رأيت كأنَّ ميزاناً أُدلي من السَّماء فوضعت في كفَّة الميزان ووُضع أبو بكر في كفَّة اُخرى فرجحت بأبي بكر رفعت. وتُرك ابو بكر فجيء بعمر فوضع في الكفَّة الاُخرى فوزن بأبي بكر فرجح أبو بكر بعمر، ورُفع أبو بكر وترك عمر مكانه فجيء بعثمان فورع في الكفَّة الاُخرى فرجح عمر بعثمان، ورفع عمر وتُرك عثمان مكانه فجيء بعليّ فوضع في الكفَّة الاُخرى فرجح عثمان بعليّ ورُفع الميزان. فتغيّر وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمَّ قال: خلافة نبوَّة ثلاثين عاماً ثمَّ تكون ملكاً.

(رجال إسناده)

١ - رزق الله البصري المتوفّى ٢٥٦ / ٦٠ قال الاندلسي: روى أحاديث منكرة وهو صالحٌ لا بأس به « تهذيب التهذيب ٣: ٢٧٣ »

٢ - مؤمَّل العدوي البصري المتوفّى ٢٠٦ قال أبو حاتم: صدوقٌ شديدٌ في السنَّة كثير الخطأ. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال يعقوب بن سفيان: شيخٌ جليلٌ سنّيٌ سمعت سليمان بن حرب يحسن الثناء - عليه - كان مشيختنا يوصون به إلّا انَّ حديثه لا يشبه حديث أصحابه، وقد يجب على أهل العلم أن يقفوا عن حديثه، فانَّه يروي المناكير عن ثقات شيوخه، وهذا أشدُّ فلو كانت هذه المناكير عن الضعفاء كلنّا نجعل له عذراً، وقال الساجي: صدوقٌ كثير الخطأ، وله أوهامٌ يطول ذكرها، وقال ابن سعد والدارقطني: كثير الخطأ. وقال المروزي: إذا انفرد بحديث وجب أن يتوقَّف ويتثبَّت فيه، لأنَّه كان سيِّئ الحفظ كثير الغلط.

« ميزان الاعتدال ٢ ص ٢٢١، تهذيب التهذيب ١٠ ص ٣٨١ »

٣ - سعيد بن جمهان البصري المتوفّى ١٣٦. قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يُحتجُّ به. وقال الساجي: لا يُتابع على حديثه.

« ميزان الاعتدال ١: ٣٧٧ تهذيب التهذيب ٤: ١٤ »

قال الأميني: ويلٌ للمطفِّفين، الَّذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون، ألا يظنُّ اولئك أنَّهم مبعوثون لِيوم عظيم، يوم يقوم الناس لربِّ العالمين.

٣٠٨

هذه الميزان التي جاء بها البصريّون واُدليت من سماء البصرة في منجمها عينٌ، وفي إحدى كفَّتيها شولٌ، وفي لسانها عوج. قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ قل هل يستوي الأعمى والبصير؟ أم هل تستوي الظلمات والنور؟

كيف يوزن في ميزان العدل والنصفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو هو مع إبن أبي قحافة الذي ليس إلّا أبو بكر، أيّ خلايق كريمة: أيّ نفسيّات طاهرة؟ أيّ ملكات فاضلة؟ أيّ حِكم علميّة أو عمليّة؟ أيّ عوارف ومعارف راقية: أيّ بصيرة نافذة؟ أيّ أيّ؟ جعلت في كفَّة جعل فيها أبو بكر. هل هذه الموازنة يقبلها الواجدان والمنطق حتّى يقال بالرجحان في إحدى كفَّتي الميزان؟ فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً.

ثمَّ كيف رجح أبو بكر بعمرو إنَّهما كانا عكمي بعير في الفضائل كلّها أيّام حياتهما غير انَّ فتوحات عمر وأياديه في سبط الإسلام في أرجاء العالم لا تُنسى، ولم تزل تذكر في صفحات التاريخ، فله فضيلة الرجحان على أبي بكر إن وزنا بميزان غير معيبة.

وكيفُ فصِّل بين النبيِّ الأعظم وبين أمير المؤمنين في الميزان؟ وهو نفسه بنصِّ القرآن الكريم، وله العصمة بحكم الكتاب العزيز، وهو وارث علمه، وباب حكمته، وهو عدل القرآن وخليفة نبيِّ الإسلام بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنِّي مخلّفٌ فيكم اثنين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي. وأيّ فضيلة رابية لعثمان جعلت في كفَّة الميزان ورجح بها على عليّ رديف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فضائله. أنا لا أدري.

ثمَّ إن كان التعبير الذي عزوه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حقّاً فهو لا محالة بتقدير من الله تعالى ومشيئة منه رعايةً للنظام الأصلح، فلماذا تغيّر وجههصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا قدَّره المولى سبحانه وشاءه وأحبّه؟ ولم تكن له غاية إلّا الحصول على مرضاته والدعوة إليها وايقاف الاُمَّة عليها. أو لَيس هذا ممّا ينافي عصمته ويضادُّ مقامه الأسمى؟ لكن الغلوَّ في الفضايل قد يصحِّح أمثال ذلك. فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.

- ٢٧ -

ما أسلم أبو مهاجر إلّا أبو بكر

أخرج ابن مندة وابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما أسلم أبو أحد

٣٠٩

من المهاجرين إلّا أبو بكر تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٧٣.

وروى المحبُّ الطبري في رياضه ١ ص ٤٧ عن الواحدي مرسلاً بلا إسناد عن عليِّ بن أبي طالب إنّه قال في أبي بكر: أسلم أبواه جميعاً ولم يجتمع لأحد من الصحابة المهاجرين أسلم أبواه غيره. وذكره القرطبي في تفسيره ١٦: ١٩٤.

وأخذ غير واحد من المتأخِّرين كالشبلنجي ونظراؤه هذين الحديثين فعدّوهما من فضائل أبي بكر المتسالم عليها.

قال الأميني: نحن نقدِّس ساحة عليّ وعائشة عن مثل هذا الكذب الفاحش الذي ينادي التاريخ بخلافه، وتكذِّبه سيرة الصحابة المهاجرين، وإنَّما الحبُّ الدفين قد أعمى رواة هذه الأفيكة وأصمَّهم عمَّا في غضون الكتب، فأسرفوا في القول وتغالوا في الفضائل غير مكترثين لمغبَّة قيلهم، أهذا مبلغهم من العلم؟ أم يقولون على الله الكذِب وهم يعلمون؟.

هاجر بنو مظعون من بني جمح. وبنو جحش بن رثاب حلفاء بني اميَّة. وبنو البكير من بني سعد بن ليث حلفاء بني عدي بن كعب. بأهليهم وأموالهم، وغلقت دورهم بمكة هجرةً ليس فيها ساكن كما في سيرة ابن هشام ٢: ٧٩، ١١٧ أكانت نساء تلكم الاُسر الكبيرة أرامل أو عقائم؟ أو كانت أبنائها أيتاماً من الأبوين أيامى؟ أو كانت آباؤها رجالاً بلا أعقاب قاتل الله الحبَّ كيف يُعمي ويُصمُّ.

وهلمَّ معي نقرأ صحيفة من تراجم المهاجرين هذا عمّار بن ياسر مهاجرٌ عظيمٌ وأبواه في الرعيل الأوّل من المعذَّبين في الإسلام. قال مسدَّد كما في تهذيب التهذيب ٧: ٤٠٨: لم يكن في المهاجرين من أبواه مسلمان غير عمّار بن ياسر. فهذا ينفي إسلام والدي أبي بكر ويكذِّب ذلك المختلق.

وهذا عبد الله بن جعفر هاجر أبوه ومعه عبد الله وأخواه محمّد وعون ومعهم امّهم أسماء بنت عميس.

وهذا عمرو بن أبان بن سعيد الأموي، من المهاجرين وأبوه شهد خيبراً مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واُمُّة فاطمة بنت صفوان مسلمة.

وهذا خالد بن أبان الأموي أخو عمرو بن أبان المذكور.

٣١٠

وهذا إبراهيم بن الحارث بن خالد التميمي، هاجر مع أبيه وأمِّه ريطة بنت الحارث بن جبلة.

وهذا الحاطب بن الحارث الجمحي من المهاجرين وهاجر معه أبوه واُمُّه فاطمة بنت المجلّل.

وهذا الحطَّاب بن الحارث الجمحي، هاجر مع أبيه واُمِّه وأخيه الحاطب ومعه امرأته فكيهة بنت يسار.

وهذا حكيم بن الحارث الطائفي، هاجر مع امرأته وبينه ومعه أبواه وهما مسلمان.

وهذا خزيمة بن جهم بن قيس العبدري هاجر مع أبيه وأخيه عمرو ومعهم اُمّهما اُمّ حرملة بنت عبد الأسود.

وهذا جابر بن سفيان بن معمر الجمحي هاجر هو وأبوه واُمُّه حسنة.

وهذا جنادة بن سفيان الجمحي هاجر ومعه اُمُّه حسنة وأخوه جابر المذكور.

وهذا سلمة بن أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي، هاجر أبوه وهاجرت بعده اُمُّه اُمّ سلمة زوج النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع إبنها سلمة.

وهذا جناب بن الحارثة بن صخر العذري، هاجر إلى المدينة وأبوه قد أسلم.

وهذا الحارث بن قيس السهمي هاجر مع بنيه الحارث وبشر ومعمر فهم مهاجرون و أبوهم الحارث قد أسلم وهاجر.

وهذا السائب بن عثمان بن مظعون الجمحي. من المهاجرين وأبوه مهاجرٌ عظيمٌ.

وهذا سليط بن سليط بن عمرو العامري. قال عمر: دلّوني على فتى مهاجر هو و أبوه. فدلّوه عليه.

وهذا عبد الرحمن بن صفوان بن قدامة. هاجر هو وأبوه.

وهذا عبد الله بن صفوان بن قدامة. هاجر هو وأبوه.

وهذا عامر بن غيلان بن سلمة الثقفي. هاجر إلى رسول الله وأبوه قد أسلم.

وهذا عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي. من المهاجرين ووالده صحابيٌّ عظيم.

وهذا عبد الله بن أبي بكر بن أبي قحافة مهاجر وهاجر أبوه وأسلم جدُّه وجدَّته أمّ الخير.

٣١١

على زعم القوم وسيأتي الكلام في إسلامهما.

وهذا عبد الله بن عمر بن الخطاب. مهاجر وأبوه قد أسلم وهاجر.

وهذا محمَّد بن عبد الله بن جحش. أحد المهاجرين ومعه أبوه واُمّه.

وهذا عبد الله بن المطلب بن أزهر. أحد المهاجرين وأبوه مهاجر.

وهذا معمر بن عبد الله بن نضلة. أحد المهاجرين ووالده مهاجر.

وهذا مهاجر بن قنفذ بن عمير القرشي التيمي. من المهاجرين السابقين إلى الاسلام وأبوه له صحبة.

وهذا موسى بن الحرث بن خالد القرشي التيمي. مهاجر ابن مهاجر.

وهذا النعمان بن عدي بن نضلة. مهاجر هو ووالده.

راجع سيرة ابن هشام ٢١، طبقات ابن سعد، تاريخ الطبري، الاستيعاب، اُسد الغابة، كامل ابن الأثير، تاريخ ابن كثير، عيون الأثر لابن سيِّد الناس، الاصابة، تهذيب التهذيب، السيرة الحلبيَّة.

ولعلَّ الباحث يقف في غضون السير وكتب التاريخ ومعاجم التراجم كثيراً من نظراء هؤلاء من المهاجرين الذين أسلم آبائهم أو آبائهم واُمَّهاتهم. فما جاء به المحبُّ الطبري و السيوطي ومَن لفَّ لفَّهما من فضيلة إسلام والد أبي بكر أو والديه دون سائر الصحابة وعزوه إلى مولانا أمير المؤمنين ليس إلّا مجهلة ومخرقة نشأت من الغلوِّ الفاحش في الفضائل.

(إسلام والدي أبي بكر)

هلمَّ معي نحاسب إسلام والدي أبي بكر أحقّاً هما أسلما؟ فضلاً عن أن يخصَّ بهما الإسلام من بين آباء المهاجرين واُمَّهاتهم، أم لم ينبَّأ به خبير؟ بل هو نبأ كنبأ إسلام والدي غيره من المهاجرين يناقش فيه وإنَّما ولَّده الغلوُّ في الفضائل.

أمّا إسلام أبي قحافة فيقال: إنَّه أسلم يوم الفتح وقد أتى به إبنه أبو بكر إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يؤثر إتيانه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة حياته غير مرَّة واحدة في تلك السنة يوم ذاك. وها نحن نذكر جميع ما ورد في إتيانه ذاك، ونجعل تلكم الروايات المرويَّة فيه قسمين: الأوَّل ما لم يذكر فيه إيعاز إلى إسلامه. والثاني ما يوعز فيه إلى إسلامه.

٣١٢

(القسم الأوَّل)

١ - أخرج الحاكم في المستدرك ٣: ٢٤٥ عن أبي عبد الله محمَّد بن أحمد القاضي ابن القاضي قال: حدَّثني أبي ثنا محمَّد بن شجاع ثنا الحسين(١) بن زياد عن أبي حنيفة عن يزيد بن أبي خالد عن أنس رضي الله عنه قال: كأنِّي أنظر إلى لحية أبي قحافة كأنَّه ضرام عرفج من شدَّة حمرته فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه تكرمةً لأبي بكر.

سكت الحاكم عمّا في سند هذه الرواية ولم يصحِّحه على عادته في الكتاب، وتبعه في ذلك الذهبي في تلخيصه، كلُّ ذلك تكرمةً لأبي بكر، وإن بخسا الحقَّ و الحقيقة فيه:

١ - محمَّد بن شجاع البغدادي أبو عبد الله ابن الثلجي الفقيه. قال أحمد إمام الحنابلة: مبتدعٌ صاحب هوى. وقال عبد الله بن أحمد: سمعت القواريري قبل أن يموت بعشرة أيّام وذكر ابن الثلجي فقال هو كافرٌ. قال: فذكرت ذلك لإسماعيل القاضي فسكت، فقلت: ما أكفره إلّا بشيء سمعه منه قال: نعم.

وقال زكريا الساجي: فأمَّا ابن الثلجي فكان كذّاباً إحتال في ابطال حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وردَّه نصرةً لمذهبه، وفي المنتظم: نصرةً لأبي حنيفة ورأيه.

وقال ابن عدي، كان يضع أحاديث في التشبيه وينسبها إلى أصحاب الحديث يبليهم بذلك.

وقال الأزدي: كذَّابٌ لا تحلُّ الرواية عنه لسوء مذهبه، وزيغه عن الدين.

وقال الجوزجاني: وقال موسى بن القاسم الأشيب: كان كذّاباً خبيثاً(٢) وفيه:

٢ - الحسن بن اللؤلؤي الكوفي. قال يحيى بن معين: كذّابٌ.

وقال ابن المديني: لا يكتب حديثه.

وقال محمّد بن عبد الله بن نمير: يكذب على ابن جريج.

وقال ابو داود: كذّابٌ غير ثقة.

____________________

١ - الصحيح: الحسن بن زياد.

٢ - ميزان الاعتدال ٣: ٧١، المنتظم لابن الجوزى ٥: ٥٧، تهذيب التهذيب ٩: ٢٢٠.

٣١٣

وقال أبو حاتم: ليس بثقة. وقال الدارقطني: ضعيفٌ متروكٌ.

وقال نضر بن شميل لرجل كتب كُتب الحسن: لقد جلبتَ إلى بلدك شرًّا.

وقال أبو ثور: ما رأيت أكذب من اللؤلؤي، كان على طرف لسانه: إبن جريج عن عطاء.

وقال أحمد بن سليمان: رأيته يوماً في الصَّلاة وغلام أمرد إلى جانبه في الصفِّ فلمّا سجد مدَّ يده إلى خدِّ الغلام فقرصه فقذفته فلا اُحدِّث عنه.

وقال ابن أبي شيبة: كان أبو اُسامة يسمِّيه الخبيث.

وقال يعقوب بن سفيان، والعقيلي، والساجي: كذّابٌ.

وقال النسائي: ليس بثقة ولا مأمون(١) إقرأ واحكم. أتخفى هذه كلّها على الحاكم والذهبي؟ لا ها الله.

٢ - أخرج الحاكم في المستدرك ٣: ٢٤٤ عن أبي العبّاس محمَّد بن يعقوب قال: ثنا محمَّد بن اسحاق الصغّاني ثنا حسين بن محمَّد المروزي ثنا عبد الله بن عبد الملك الفهري ثنا القاسم بن محمَّد بن أبي بكر عن أبيه عن أبي بكر رضي الله عنهم قال: جئت بأبي أبي قحافة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: هلّا تركت الشيخ حتّى آتيه؟ فقلت: بل هو أحقُّ أن يأتيك. قال: إنَّا لنحفظه لأيادي إبنه عندنا.

وذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ٩: ٥٠ فقال: رواه البزّار وفيه عبد الله ابن عبد الملك الفهري ولم أعرفه. وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: عبد الله منكر الحديث.

وقال الذهبي في الميزان ٢: ٥٥، وابن حجر في لسانه ٢: ٣١١: قال ابن حبان: (عبد الله) لا يشبه حديثه حديث الثقات يروي العجائب. وقال العقيلي: منكر الحديث لا يتابع عليه، وقال أبو زرعة: هو ضعيفٌ يضرب على حديثه. وقال البرقاني: سألت أبا الحسن عنه قلت: ثقة؟ قال: لا ولا كرامة. إنتهى ما في الميزان ولسانه.وفي السند:

القاسم بن محمَّد عن أبيه عن أبي بكر، توفّي القاسم بن محمَّد سنة ١٠٨ / ٩ وهو ابن ٧٠ / ٧٢ سنة كما في صفة الصفوة لابن الجوزي ٢ ص ٥٠ وتوفّي والده محمد سنة

____________________

١ - ميزان الاعتدال ١: ٢٢٨، لسان الميزان ٢: ٢٠٨.

٣١٤

٣٨ فتكون ولادة القاسم سنة وفاة أبيه محمَّد، وإن أخذنا قول إبن سعد من أنَّ القاسم توفّي سنة ١١٢ وهو ابن سبعين سنة فيكون القاسم عند وفاة والده إبن أربع سنين فأنَّى له الرواية عن أبيه.

وأمّا رواية محمَّد عن أبيه أبي بكر فلا يصحُّ إذ محمَّد ولد عام حجَّة الوداع سنة عشرة من الهجرة وتوفِّي والده في جمادى الآخرة عام ثلاثة عشر، فأين يكون مقيل هذه الرواية من الصحَّة؟ قال الذهبي في تلخيص المستدرك في تعقيب هذه الرواية: القاسم لم يدرك أباه ولا أبوه أبا بكر.

٣ - أخرج الحاكم في المستدرك ٣، ٢٤٤ عن القاضي أبو بكر محمَّد بن عمر بن سالم بن الجعابي الحافظ ألا وحدَّثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحرّاني، باسناده عن أنس قال: جاء أبو بكر رضي الله عنه يوم فتح مكة بأبيه أبي قحافة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو اقررت الشيخ في بيته لأتيناه.

ليت شعري ما الذي دعا الذهبي إلى تسليم رواية الجعابي هذه وترك الغمز فيها وقد ترجمه في ميزانه ٣: ١١٣ وقذفه بقوله: إنَّه فاسقٌ رقيق الدين، وقال الخطيب: كثير الغرائب، ومذهبه في التشيُّع معروفٌ، ونسب إليه ابن الجوزي ما هو بريءٌ منه، وحكي عن الحاكم انَّه قال: قلت للدارقطني: بلغني إنَّ إبن الجعابي تغَّير بعدنا. فقال: وأيَّ تغيّر. فقلت: هذا فهمه في الحديث. قال: اي والله حدَّث عن الخليل بن أحمد صاحب العروض بعشرين حديثاً باسانيد ليس له فيها أصلٌ. إلى آخر ما أتى به القوم في ترجمته، راجع تاريخ الخطيب ٣: ٢٦، المنتظم لابن الجوزي ٧: ٣٨، لسان الميزان ٥: ٣٢٢.

ثمَّ كيف خفي عليه وعلى الحاكم أنَّ الجعابي ولد سنة ٢٨٥ وتوفّي ٣٥٥ باتفاق المؤرِّخين فأنَّى تصحُّ روايته عن أبي شعيب عبد الله بن الحسن المتوفّى ٢٩٢؟ كما أرَّخه الذهبي في ميزان الاعتدال، هذا أخذاً بما في لفظ الذهبي في تلخيصه من حذف حرف « ألاوَ » من السند وأمّا على ما في لفظ الحاكم من « ألاوَ » فيكون الراوى عن أبي شعيب المتوفّى ٢٠٢ هو نفس الحاكم المولود سنة ٣٢١.

على انَّ الذهبي قال في الميزان ٢: ٣٠: كان أبو شعيب غير متَّهم لكنه أخذ

٣١٥

الدراهم على الحديث، وحكى ابن حجر عن ابن حبّان في لسان الميزان ٣: ٢٧١ إنَّه قال: كان يخطئ ويهم.

٤ - أخرج الحاكم في المستدرك ٣: ٢٤٤ عن أبي العبّاس محمَّد بن يعقوب ثنا بحر بن نصر ثنا عبد الله بن وهب أخبرني ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أنَّ عمر بن الخطاب أخذ بيد أبي قحافة فأتى به النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا وقف به على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : غيّروه(١) ولا تقرِّبوه سوادا.

متن هذه الرواية يكذِّبه كلُّ ما ورد في إتيان أبي قحافة إلى النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنَّ في الجميع انَّ الآتي به هو أبو بكر. ثمَّ مرَّ في حديث أنس أنَّه نظر إلى لحية أبي قحافة كأنَّه ضرام عرفج من شدَّة حمرتها، فما معنى ما ورد في هذا الرواية من قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : غيّروه ولا تقرِّبوه سوادا؟

وأمّا سندها ففيها عبد الله بن وهب قال ابن معين: ابن وهب ليس بذاك. وفي ابن جريج كان يستصغر. ميزان الاعتدال ٢: ٨٦.

وفيها أبو الزبير محمَّد بن مسلم الأسدي المكي ففي الميزان ٣ ص ١٢٥: يردّ ابن حزم من حديث أبي الزبير ما يقول: عن جابر ونحوه، لأنَّه عندهم ممّن يدلِّس فإذا قال. سمعت وأخبرنا اُحتجّ به. قال الأميني: هذا الحديث ممّا قال فيه أبو الزبير عن جابر فهو يُردُّ على ما قاله ابن حزم.

وقال أبو زرعة وأبو حاتم: أبو الزبير: لا يتحجُّ به وقال يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعي واحتجَّ عليه رجلٌ بحديث عن أبي الزبير فغضب وقال: أبو الزبير محتاج إلى دعامة. وعن ورقاء قال: قلت لشعبة: مالك تركت حديث أبي الزبير؟ قال: رأيته يزن ويسترجح في الميزان وقال شعبة: قدمت مكّة فسمعت من أبي الزبير فبينا أنا جالسٌ عنده إذ جاءه رجلٌ يوماً فسأله عن مسألة فردَّ عليه فقلت له: يا أبا الزبير! تفتري على رجل مسلم قال: إنَّه أغضبني. قلت: مَن يغضبك تفتري عليه؟ لا رويت عنك حديثاً أبداً. وذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب ٩: ٤٤٠ وحكى تضعيف أيّوب وأحمد وغيرهما إيّاه. وعن أبي الزبير هذا أخرج الحاكم في المستدرك ٣: ٢٤٥ عن جابر انَّه قال:

____________________

١ - قال الذهبى فى تلخيص المستدرك: غيّروه يعنى الشيب.

٣١٦

اُتي النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الفتح بأبي قحافة ورأسه ولحيته كالثغامة فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اخضبوا لحيته.

٥ - أخرج ابن حجر من طريق محمَّد بن زكريا العلائي(١) عن العبّاس بن بكار عن أبي بكر الهذلي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عبّاس قال: جاء أبو بكر بأبي قحافة وهو شيخٌ قد عمى فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا تركت الشيخ حتّى آتيه؟ قال: أردت أن يؤجره الله، والذي بعثك بالحقِّ لأنا كنت أشدُّ فرحاً باسلام أبي طالب منِّي باسلام أبي، ألتمس بذلك قرَّة عينك. الاصابة ٤: ١١٦.

(رجال الاسناد)

١ - محمَّد بن زكريّا الغلابي البصري. قال الذهبي: ضعيفٌ. وقال ابن حبّان: يعتبر بحديثه وإذا روي عن ثقة. وقال ابن مندة: تكلّم فيه. وقال الدارقطني يضع الحديث. وذكر الصولي باسناده حديثاً فقال: هذا كذبٌ من الغلابي، ميزان الإعتدال ٣: ٥٨.

٢ - العباس بن بكار البصري. قال الدارقطني: كذّابٌ. وقال العقيلي: الغالب على حديثه الوهم والمناكير.

ميزان الاعتدال ٢: ١٨.

٣ - ابو بكر الهذلي البصري. قال الدوري ليس بشيء وقال ايضاً: ليس بثقة. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال غندر: كان يكذب وقال أبو زرعة ضعيفٌ. وقال ابو حاتم: ليّن الحديث يكتب حديثه ولا يُحتجُّ بحديثه. وقال النسائي: ليس بثقة و لا يُكتب حديثه. وقال ابن الجنيد: متروك الحديث. وقال ابن المديني: ضعيفٌ ليس بشيء ضعيفٌ جدّاً، ضعيفٌ ضييفٌ. وقال الجوزجاني: يضعف حديثه. وقال الدارقطني: منكر الحديث متروكٌ. وقال يعقوب بن سفيان: ضعيفٌ ليس حديثه بشيء. وقال المروزي: كان أبو عبد الله يضعِّف أمره. وقال ابن عمّار: بصريٌّ ضعيفٌ. وقال أبو إسحاق: ليس بحجَّة. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقويِّ عندهم. وقال ابن عدي: عامَّة ما يرويه لا يتابع عليه.

وقال الذهبي: ضعَّفه أحمد وغيره. وقال غندر وابن معين: لم يكُن بثقة. وقال

____________________

١ - الصحيح: الغلابى.

٣١٧

يزيد بن زريع: عدلتُ عنه عمداً. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال البخاري: ليس بالحافظ عندهم.

راجع ميزان الاعتدال ٣: ٣٤٥، تهذيب التهذيب ١٢: ٤٦، وقال ابن حجر في الإصابة بعد ذكر الحديث: إسنادٌ واهٍ.

٦ - قال ابن حجر في الاصابة ٤: ١١٧: أخرج أبو قرة موسى بن طارق عن موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: جاء أبو بكر بأبي قحافة يقوده يوم فتح مكّة فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا تركت الشيخ حتّى نأتيه؟ قال أبو بكر: أردت أن يؤجره الله، والذي بعثك بالحقَّ لأنا كنت أشدّ فرحاً باسلام أبي طالب لو كان أسلم(١) منّي بأبي.

هذا الحديث كسابقه لا يدلّ على إسلام أبي قحافة وهو نظير قول عمر للعبّاس أنا باسلامك إذا أسلمت أفرح منِّي باسلام الخطّاب يعني لو كان أسلم(٢) وأمّا رجال إسناده ففيه:

١ - موسى بن طارق. قال أبو حاتم: يُكتب حديثه ولا يُحتجٌّ به كما قاله الذهبي في الميزان ٣: ٢١١. وفيه:

٢ - موسى بن عبيدة قال الذهبي: قال أحمد: لا يُكتب حديثه. وقال النسائي وغيره: ضعيفٌ. وقال ابن عدي: الضعف على روايته بيِّنٌ. وقال ابن معين ليس بشيء. وقال مرَّة: لا يُحتجُّ بحديثه. وقال يحيى بن سعيد: كنا نتَّقي حديثه. وقال يعقوب بن شيبة: صدوقٌ ضعيف الحديث جِدّاً. ميزان الاعتدال ٣: ٢١٤. وفيه:

٣ - عبد الله بن دينار. قال العقيلي: روى عنه موسى بن عبيدة ونظراؤه أحاديث مناكير الحمل فيها عليهم. تهذيب التهذيب ٥: ٢٠٢.

(القسم الثاني)

لا يوجد في كتب الحديث ومعاجم التراجم ما يدلُّ على إسلام أبي قحافة إلاّ ما

____________________

١ - هذه الجملة أعنى (لو كان أسلم) دخيل من المتأخرين نظراء ابن حجر ولا توجد فى الاصول القديمة راجع الرياض النضرة ١: ٤٥.

٢ - الاصابة ٤: ١١٧.

٣١٨

أخرجه أحمد في مسنده ٦: ٣٤٩ من طريق ابن اسحاق عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لمـّا وقف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذي طوى قال أبو قحافة لابنة له من أصغر ولده: أي بنيَّة اظهري بي على أبي قبيس، قالت: وقد كفَّ بصره، قالت: فأشرفت به عليه فقال: يا بنيَّة ماذا ترين؟ قالت: أرى سواداً مجتمعاً. قال: تلك الخيل، قالت: وأرى رجلاً يسعى بين ذلك السواد مقبلاً ومدبراً قال: يا بنيَّة ذلك الوازع يعني الذي يأمر الخليل و يتقدَّم إليها ثمَّ قالت: قد والله انتشر السواد. فقال: قد والله إذا دفعت الخيل فاسرعي بي إلى بيتي فانحطَّت به وتلقَّاه الخيل قبل أن يصل إلى بيته وفي عنق الجارية طوقٌ لها من ورق فتلقّاها رجل فاقتلعه من عنقها قالت: فلمّا دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكّة و دخل المسجد أتاه أبو بكر بأبيه يقوده فلمّا رآه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: هلاّ تركت الشيخ في بيته حتّى أكون أنا آتيه فيه؟ قال أبو بكر: يا رسول الله! هو أحقُّ أن يمشي إليك من أن تمشي أنت إليه قال: فأجلسه بين يديه ثمَّ مسح صدره ثمَّ قال له: أسلم، فأسلم ودخل به أبو بكر رضي الله عنه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورأسه كأنَّه ثغامة فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : غيّروا هذا من شعره، ثمَّ قام أبو بكر فأخذ بيد اُخته فقال: اُنشد بالله وبالأسلام طوق اُختي فلم يجبه أحدٌ، فقال: يا اُخيَّة: إحتسبي طوقك.

وفي لفظ المحبّ الطبري في الرياض ١، ٤٥: إحتسبي طوقك فوالله إنَّ الأمانة في الناس اليوم قليل.

قال الأميني: هذه الرِّواية لا تصحُّ لمكان محمَّد بن إسحاق بن يسار بن خيار المدني نزيل العراق وليست هي إلّا من موضوعاته. قال سليمان التيمي: ابن إسحاق كذّابٌ. وقال هشام بن عروة: كذّابٌ.

وقال مالك: دجّالٌ من الدجاجلة.

وقال يحيى القطان: أشد أنَّ محمد بن إسحاق كذّابٌ.

وقال الجوزجاني: الناس يشتهون حديثه، وكان يرمى بغير نوع من البدع.

وقال ابن نمير: يحدِّث عن المجهولين أحاديث باطلة.

وقال أيّوب بن اسحاق: سألت أحمد فقلت له: يا أبا عبد الله! إذا انفرد إبن اسحاق بحديث تقبله؟ قال: لا والله إنِّي رأيته يحدِّث عن جماعة بالحديث الواحد

٣١٩

ولا يفصِّل كلام ذا من كلام ذا.

وقال أبو داود: سمعت أحمد ذكر محمَّد بن اسحاق فقال: كان رجلاً يشتهي الحديث فيأخذ كتب الحديث فيضعها في كتبه، وكان يدلِّس، وكان لا يبالي عمَّن يحكي عن الكلبي وغيره.

وقال عبد الله بن أحمد: ما رأيت أبي أتقن حديثه قطُّ، وكان يتتبَّعه بالعلوِّ والنزل، قيل له: يحتجُّ به؟ قال: لم يكن يحتجُّ في السنن.

وقال ابن معين: ليس بذاك، ضعيفٌ، ليس بقويِّ.

وقال النسائي: ليس بقويِّ.

وقال ابن المديني: كذَّبه سليمان التميمي، ويحيى القطَّان، ووهيب بن خالد وقال الدارقطني: لا يحتجُّ به. وقال: اختلفت الأئمَّة فيه وليس بحجَّة إنَّما يعتبر به.

وقال هشام بن عروة: يحدِّث ابن إسحاق عن امرأتي فاطمة بنت المنذر والله إن رآها قطّ.

وقال وهيب: سألت مَالكاً عنه فاتَّهمه.

وقال أحمد: هو كثير التدليس جِدّاً(١) .

وأخرج الحاكم في المستدرك ٣: من طريق الحديث الرابع المذكور عن عبد الله ابن وهب عن عمر بن محمَّد عن زيد بن أسلم رضي الله عنه: انَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هنَّأ أبا بكر باسلام أبيه.

وفيه مضافاً إلى ما أسلفناه في الحديث الرابع: انَّ زيد بن أسلم توفِّي سنة ١٣٦ وعُدَّ ممَّن لقي إبن عمر(٢) فلا تصحُّ روايته عن النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد ولد بعده بكثير.

على أنَّ إبن حجر قال في تهذيب التهذيب ٣: ٣٩٧: ذكر ابن عبد البرّ في مقدِّمة التمهيد ما يدلُّ على انَّه كان يدلِّس. وقال في موضع آخر: لم يسمع من محمود بن لبيد وحكى عن ابن عيينة انَّه قال: كان زيد رجلاً صالحاً وكان في حفظه شيءٌ. ونقل

____________________

١ - راجع ميزان الاعتدال ٣: ٢١ - ٢٤، تهذيب التهذيب ٩: ٣٨ - ٤٦.

٢ - تاريخ ابن كثير ١٠ ص ٦١، مرآة الجنان ١ ص ٢٨٤.

٣٢٠