الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٧

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 417

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 417
المشاهدات: 184746
تحميل: 6026


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 417 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 184746 / تحميل: 6026
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 7

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

عن غيره قوله: لا أعلم به بأساً إلّا أنَّه يفسِّر برأيه القرآن ويكثر منه، وفي ميزان الاعتدال ١: ٣٦١: إنَّه كان يفسِّر القرآن برأيه.

هذا إسلام أيي قحافة وحديثه وليس إلا دعوى مجرَّدةً مدعومةً بالواهيات، ولا يثبت بها إسلام أيِّ أحد، ويظهر من نفس رواية أحمد أنَّ إتيانه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [على فرض تسليمه] لم يكن إلّا لاسترداد ما أخذه المسلمون من إبنته من الطوق، ولو كان له إسلامٌ ثابتٌ وكان إيتانه للاسلام لكان يعيد زيارتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرَّة بعد اُخرى، وكان ينتهز الفرص أيام اقامته تلك في مكّة ويستفيد من نمير علمه، ويأخذ منه معالم دينه، وكان حقّاً عليه أن يزوره في حجَّة الوداع، ولو كان له إسلام لكان يروي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولو حديثاً واحداً، أو كان يروي عن أصحابه ولو عن واحد منهم، ولو كان قد أسلم لكان تُنقل عنه كلمةٌ في الإسلام، أو قولٌ في الذبَّ عنه، أو حرفٌ واحدٌ في الدعوة إليه أو كان له في التاريخ ذكرٌ عن أيَّام إسلامه، ونبأ عن آثار إيمانه بالله وبرسوله، ولا أقلَّ من روايته هو بحديث إسلامه.

ثمَّ إن صحَّ الخبر وقد أكرمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله: هلّا تركت الشيخ في بيته. الخ. وكان ذلك كما مرَّ تكرمةً لأبي بكر فما بال الصحابة تردُّ شفاعة مثل هذا الرَّجل العظيم؟ الذي عظَّمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتلك الكلمة القيِّمة التي لم تُؤثر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أحد من الصحابة حتّى في أعمامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفيهم العبّاس الذي يستسقي به الغمام وهم يسمعونها منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما بالهم يصفحون عن شفاعته في والده باعادة الطوق إليه و هو شيخٌ كبيرٌ حديث العهد بالإسلام حرّيٌ بأن يُكرم؟ وما بال أبي بكر الذي أنفق جلَّ ماله لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على زعم القوم يأخذ بيد اُخته ويأتي بها إلى مجتمع الثويلة وينشد الحضور بالله وبالاسلام ويسألهم ردَّ طوقها إليها؟ وما الطوق وما قيمته والصحابة لم تقبل فيه شفاعة شيخهم يوم ذاك وخليفتهم في الغد؟ وكيف يستعظم أبو بكر أمر الطوق ويأمر اُخته بالاحتساب ويرى الأمانة قليلة في الصحابة يوم ذاك مع حضور نبيِّهم فيهم؟ فما كان محلُّهم من الأمانة بعد يومهم ذاك بثلث سنين وقد ارتحل النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بين ظهرانيهم؟ وكيف صاروا بعد فقدهم نبيَّهم عدولاً؟ أنا لا أدري.

٣٢١

إسلام اُمّ أبي بكر

ليس إسلام اُمِّ الخير اُمّ أبي بكر إلّا كإسلام أبيه أبي قحافة، لا يُدعم بدليل و لا تقوِّمه البرهنة.

أخرج الحافظ أبو الحسن خيثمة بن سليمان الاطرابلسي قال: حدَّثنا عبيد الله بن محمَّد بن عبد العزيز العمري قاضي المصيصة، حدَّثنا أبو بكر عبد الله بن عبيد الله بن اسحاق بن محمَّد بن عمران بن موسى بن طلحة بن عبيد الله حدَّثني أبي عبيد الله، حدَّثني عبد الله بن محمد بن عمران بن إبراهيم بن محمد بن طلحة قال: حدَّثني أبي محمَّد بن عمران عن القاسم بن محمَّد بن أبي بكر عن عائشة رضي الله عنها قالت: لمـّا اجتمع اصحاب النبيِّ وكانوا ثمانية وثلاثين رجلاً ألحَّ أبو بكر على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الظهور فقال: يا أبا بكر إنَّا قليلٌ. فلم يزل أبو بكر يلحُّ حتّى ظهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتفرَّق المسلمون في نواحي المسجد كلُّ رجل في عشيرته وقام أبو بكر في الناس خطيباً ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، جالس فكان أوَّل خطيب دعا إلى الله وإلى رسوله، وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين فضربوا في نواحي المسجد ضرباً شديداً، ووُطئ أبو بكر وضُرب ضرباً شديداً ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفين ويحرِّفهما لوجهه، وأثَّر ذلك حتّى ما يُعرف أنفه من وجهه، وجاءت بنو تيم تتعادى فأجلوا المشركين عن أبي بكر وحملوا أبا بكر في ثوب حتّى أدخلوه بيته ولا يشكّون في موته، ورجع بني تيم فدخلوا المسجد وقالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلنَّ عتبة و رجعوا إلى أبي بكر فجعل أبو قحافة وبنو تيم يكلّمون أبا بكر حتّى أجابهم فتكلّم آخر. النهار: ما فعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فنالوه بألسنتهم وعذلوه ثمَّ قاموا وقالوا لاُمِّ الخير بنت صخر: انظري أن تطعميه شيئاً أو تسقيه إيّاه، فلمَّا خلت به وألحَّت جعل يقول: ما فعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قالت: والله ما أعلم بصاحبك. قال: فاذهبي إلى اُمِّ جميل بنت الخطّاب فاسأليها عنه فخرجت حتّى جاءت إلى اُمِّ جميل فقالت: إنَّ أبا بكر يسألك عن محمَّد بن عبد الله. قالت: ما أعرف أبا بكر ولا محمَّد بن عبد الله، وإن تحبِّي أن أمضي معك إلى ابنك فعلت؟ قالت: نعم فمضت معها حتّى وجدت أبا بكر صريعاً دنفاً فدنت منه اُمّ جميل وأعلنت بالصياح وقالت: إنَّ قوماً نالوا منك هذا لأهل فسق وإنِّي لأرجو أن ينتقم الله لك قال: ما فعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قالت: هذه اُمّك تسمع

٣٢٢

قال: فلا عين عليك منها قالت: سالمٌ صالحٌ. قال فأنِّى هو؟ قالت في دار الأرقم قال: فانَّ لِلَّه عليَّ آليت أن لا أذوق طعاماً ولا شراباً أو آتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأمهلتاه حتّى إذا هدأت الرِّجل وسكن الناس خرجتا به يتَّكئ عليهما حتّى دخلتا على النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: فانكبَّ عليه فقبَّله وانكبَّ عليه المسلمون ورقَّ له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رقَّةً شديدة فقال أبو بكر: بأبي أنت واُمّي ليس بي إلّا ما نال الفاسق من وجهي، هذه اُمِّي برَّة بوالديها وأنت مبارك فادعها إلى الله وأدع الله عزَّ وجلَّ لها عسى أن يستنقذها بك من النار. فدعاها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأسلمت(١) .

قال الأميني: تفرَّد بهذا الحديث عبيد الله بن محمَّد العمري، رماه النسائي بالكذب، وحكاه عنه الذهبي وابن حجر(٢) وقال الدارقطني في حديث آخر تفرَّد به العمري ايضاً: ليس بصحيح تفرَّد به العمري وكان ضعيفاً.

وبقيَّة رجال السند كلّهم تيميّون فيهم عبد الله وعبيد الله من أولاد طلحة بن عبيد الله مجهولان لا يعرفان. وعبد الله ومحمَّد بن عمران من أولاد طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، أو: من أولاد طلحة بن عبيد الله ايضاً وهما مجهولان كسابقيهما

على أنَّ أبا بكر لا يعدُّ من المعذَّبين في الاسلام، ولو كان له هذا الموقف في ذلك اليوم العصبصب وكانت على النبأ مسحةٌ من الصحَّة لكان يُذكر في صفحة كلِّ تاريخ، ولم يكن يهمله أيُّ مؤرِّخ، أمن المعقول أن يحفظ التاريخ في طيّاته تعذيب الموالي ولم يكن في صفحته ذكرٌ عن مثل هذا الموقف لمثل أبي بكر؟.

ثمَّ لو لم يكن الحفّاظ عدّوا هذه الرواية من موضوعات عبيد الله العمري وكان عندهم ثقة برجالها ولو بالعلاج ولو بقيل قائل لما أعرضوا عنها في تلكم القرون الخالية كلّها، وكان يتلقّاها حافظٌ عن حافظ وإمامٌ عن إمامٍ ولم تكن تخصُّ روايتها بالمحبِّ الطبري وابن كثير المتخصِّصين لذكر الموضوعات والأحاديث المفتعلة أو من يحذو حذوهما. وفي نفس الرِّواية ما يكذِّبها من شتَّى النواحي:

١ - إنَّ عائشة ولدت في السنة الرابعة أو الخامسة من البعثة(٣) والقضيَّة على تسليم

____________________

١ - الرياض النضرة ١: ٤٦، تاريخ ابن كثير ٣: ٣٠.

٢ - ميزان الاعتدال ٢: ١٨٠، لسان الميزان ٤: ١١٢.

٣ - طرح التثريب ١: ١٤٧، الاصابة ٤: ٣٥٩.

٣٢٣

قبولها قد وقعت في السادسة من البعثة فأين كانت عائشة يوم ذاك؟ أشاهدت موقف أبيها وهي على ثدي اُمِّها بنت سنة أو سنتين؟ لماذا لم يُرو ذلك عن أبيها أو عن اُمِّها أو عن اُمِّ جميل؟ لعلَّ الرواية من ولائد القرون المتأخّرة عنهم، ولدتها أمّ الفضائل بعد قضاء الدهر على حياة من خُلقت لأجله.

٢ - إنَّ في لفظ الرواية: لمـّا اجتمع أصحاب النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكانوا ثمانية و وثلاثين رجلاً. فعلى هذا لم يكن أبو بكر يوم ذاك مسلماً أخذاً بقول النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّت الملائكة عليَّ وعلى عليّ سبع سنين لأنّا كنا نصلّي وليس معنا أحدٌ يُصلّي غيرنا(١)

وما مرَّت من الصحيحة عن أمير المؤمنينعليه‌السلام لقد صلّيت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل الناس بسبع سنين(٢) وما أسلفنا من صحيحة الطبري: انَّ أبا بكر أسلم بعد أكثر من خمسين رجلاً(٣) .

٣ - في الرواية: ألحَّ أبو بكر على رسول الله في الظهور فقال: يا أبا بكر! إنّا قليلٌ فلم يزل أبو بكر يلحُّ حتّى ظهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . إلخ. يكذِّبه ما في السير من أنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أظهر الدعوة قبل ذلك اليوم بثلاث سنين.

وروى ابن سعد وابن هشام والطبري وغيرهم: انَّ الله عزَّ وجلَّ أمر نبيَّه محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد مبعثه بثلاث سنين أن يصدع بما جاءه منه، وأن ينادي الناس بأمره ويدعو إليه فقال له: فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين(٤) وكان قبل ذلك في السنين الثلاث من مبعثه إلى أن اُمر باظهار الدَّعوة إلى الله مستسرّاً مخفياً أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنزل عليه: وأنذر عشيرتك الأقربين، واخفض جناحك لمن اتَّبعك من المؤمنين فإن عصوك فقل إنِّي بري‏ءٌ ممّا تعملون (سورة الشعراء ٢١٤ - ٢١٦)(٥) .

____________________

١ - راجع الجزء الثالث ص ٢٢٠ ط ٢.

٢ - راجع الجزء الثالث ص ٢٢١ ط ٢.

٣ - تاريخ الطبرى ٢: ٢١٥.

٤ - سورة الحجر آية ٩٤.

٥ - تاريخ الطبرى ٢: ٢١٦، طبقات ابن سعد ١: ١٨٣، سيرة ابن هشام ١: ٢٧٤. الكامل ٢: ٢٣، تفسير القرطبى ١٠: ٦٢، عيون الاثر لابن سيد الناس ١: ٩٩، تاريخ ابى الفدا ج ١: ١١٦، تفسير ابن كثير ٢: ٥٥٩، تفسير الخازن ٣: ١٠٩، تفسير الشوكانى ٣: ١٣٩.

٣٢٤

فإظهار النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعوته كان بأمر من المولى سبحانه من دون سبق أيِّ إلحاح من أيِّ أحد عليه من أبي بكر أو غيره سواء كان أسلم أبو بكر يوم ذاك أولم يسلم.

على أنَّ أبا بكر عُدَّ ممَّن كان يدعو سرّاً بعد ذلك اليوم بعد ظهور الدعوة من المسلمين فأين مقيل إلحاحه على رسول الله في الظهور من الصحَّة يوم ذاك؟ قال ابن سعد في طبقاته ١: ١٨٥: كان أبو بكر يدعو ناحية سرّاً، وكان سعد بن زيد مثل ذلك، وكان عثمان مثل ذلك، وكان عمر يدعو علانية وحمزة بن عبد المطلب فإسرار أبي بكر في الدعوة يوم إعلان عمر كان بعد ذلك اليوم، إذ أسلم عمر بعد خروج المهاجرين إلى أرض الحبشة. بعد أربعين رجلاً(١) وقد مرَّ في الرواية أنَّ القضيَّة وقعت والمسلمون ثمان وثلاثون نسمة.

وذكر الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ٩: ٢٥٩ حديثين في إسلام اُمِّ أبي بكر أحدهما عن ابن عبّاس قال أسلمت اُمُّ أبي بكر واُمُّ عثمان واُمُّ طلحة واُمُّ الزبير واُمُّ عبد الرحمن بن عوف واُمُّ عمّار فقال:

فيه: خازم بن الحسين وهو ضعيفٌ. وقال الذهبي في الميزان ١: ٣١٥: قال ابن معين: خازم ليس بشيىء. وقال أبو داود: روى مناكير وقال ابن عدي: عامَّة ما يرويه لا يُتابع عليه.

والحديث الثاني للهيثمي عن طريق الهيثم بن عدي قال: هلك أبو بكر فورثاه أبواه جميعاً وكانا أسلما. ثمَّ قال: إسناده منقطعٌ.

قال الأميني: كأنَّ الحافظ الهيثمي يوهم بكلمته الأخيرة انَّ علّة الحديث هي انقطاعه فحسب ولم يذكر بقيَّة رجاله حتّى تقف عليها نظّارة التنقيب غير أنَّ في ذكر الهيثم بن عدي الكذّاب كفاية. قال البخاري: ليس بثقة كان يكذب. وقال أبو داود: كذّابٌ. وقال النسائي وغيره متروك الحديث. وقالت جارية الهيثم: كان مولاي يقوم عامَّة الليل يصلّي فإذا أصبح جلس يكذب، وقال النسائي ايضاً: منكر الحديث و ذكر حديثاً وعدَّه من إفتراء الهيثم على هشام بن عروة. وقال أبو حاتم، متروك الحديث وقال أبو زرعة: ليس بشيء. وقال العجلي: كذّابٌ وقد رأيته وقال الساجي: سكن

____________________

١ - الاستيعاب هامش الاصابة ٢: ٤٥٩، تأريخ ابن كثير ٣: ٣١.

٣٢٥

مكّة وكان يكذب. وقال إمام الحنابلة أحمد: كان صاحب أخبار وتدليس. وقال الحاكم النقاش: حدَّث عن الثقات بأحاديث منكرة. وعدَّ البيهقي والنقاش والجوزجاني الحديث من الموضوعات لكون الهيثم فيه. وقال أبو نعيم: يوجد في حديثه المناكير(١) .

فاسلام اُمِّ أبي بكر كاسلام والده أبي قحافة قطُّ لا يثبت. والَّذي ذكر إسلامهما من المؤرِّخين كأبن كثير والديار بكري والحلبي وغيرهم لا يعوّل على قولهم بعد ما عرفت الحال في مستند أقوالهم، فلا قيمة للدعوى المجرَّدة والتقوُّل بلا دليل.

ويُعرب عن جليَّة الحال بقاء اُمِّ الخير « اُمّ أبي بكر » في حبالة أبي قحافة في مكّة، وقد أسلمت هي على قول من يقول باسلامها في السادسة من البعثة وأسلم أبو قحافة في الثامن من الهجرة سنة الفتح كما سمعت فتخلّلت بين إسلامهما ثلاثة عشر عاماً، فبأيِّ كتاب أم بأيَّة سنَّة بقيت تلك المسلمة اُمُّ مثل أبي بكر تلك السنين المتطاولة في نكاح أبي قحافة الذي لم يسلم بعدُ؟ وما الّذي جمع بينهما؟ والفراق بينهما كان أوَّل شعارِ الإسلاميَّة. فأين إسلامها؟ وبماذا يثبت والحال هذه؟

(أبو بكر وأبواه فى القرآن)

لعبت أيدي الهوى بكتاب الله، وحرَّفت الكلم عن مواضعها، وجاء من يؤلِّف في التفسير وقد أعماه الحبُّ وأصمَّه يخبط خبط عشواء، فتراه كحاطب ليل يروي في كتابه أساطير السلف الأوَّلين من الوضّاعين مرسلاً إيّاها ارسال المسلّم من دون أيِّ تحقيق وتثبُت وهم يحسبون انَّهم يحسنون صنعاً، ومع ذلك يرون أنفسهم أئمَّة وقادةً في علم القرآن العزيز. حتّى يرون أنَّ قوله تعالى في الأحقاف ١٥: ووصَّينا الانسان بوالديه حسناً حملته اُمُّه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً حتّى‏ إذا بلغ أشدَّه وبلغ أربعين سنة قال ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي انعمتَ عليَّ وعلى‏ والديَّ وأن أعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريَّتي إنِّي تبت اليك وإنِّي من المسلمين. نزلت في أبي بكر.

ويروون عن عليّ أمير المؤمنين وابن عبّاس انَّ الآية نزلت في أبي بكر الصدِّيق وكان حمله وفصاله ثلاثين شهراً، حملته اُمُّة تسعة أشهر وأرضعته إحدى وعشرين

____________________

١ - ميزان الاعتدال ٣: ٢٦٥، لسان الميزان ٦: ٢٠٩، الغدير ٥: ٢٧٠ ط ٢.

٣٢٦

شهراً، أسلم أبواه جميعاً ولم يجتمع لأحد من المهاجرين أن أسلم أبواه وغيره. فأوصاه الله بهما ولزم ذلك مَن بعده. فلمّا نُبِّئ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ابن أربعين سنة صدَّق أبو بكر رضي الله عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ابن ثمانية وثلاثين سنة فلمّا بلغ أربعين سنة قال: ربِّ أوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والديَّ، واستجاب الله له فأسلم والداه وأولاده كلُّهم.

ألكشاف ٣: ٩٩، تفسير القرطبي ١٦: ١٩٣، ١٩٤، الرياض النضرة ١: ٤٧، مرقاة الوصول ص ١٢١، تفسير الخازن ٤: ١٣٢، تفسير النسفي هامش الخازن ٤: ١٣٢، تفسير الشوكاني ٥: ١٨.

ألا مسائل هؤلاء الأعلام المغفَّلين عن أنَّ كون مدَّة الحمل والفصال ثلاثين شهراً هل يخصّ بأبي بكر فحسب حتى يُخصَّ بالذكر؟ أم هو مطَّردٌ في خلق الله، إمّا بكون مدِّة الحمل ستة أشهر ومدَّة لارضاع حولين كاملين، وإمّا بكون الحمل تسعة أشهر والإرضاع واحداً وعشرين شهراً؟ وإنَّ الحريَّ بالذكر هو الأوَّل شذوذه عن العادة المطَّردة.

ثمَّ إن كان هذا من خاصَّة أبي بكر وحكايةً لحمله وفصاله فكيف يصحّ لمولانا أمير المؤمنين وابن عبّاس الاستدلال بالآية مع ما في سورة لقمان على كون أقلِّ الحمل ستة أشهر كما مرَّ في الجزء السّادس ص ٩٣ - ٩٥ ط ٢ فالآية الكريمة لا تبيّن إلّا ما هو السائر الدائر بين البشر بأحد الوجهين المذكورين وبهذا يتمُّ الإستدلال. وفيه قال ابن كثير في تفسيره ٤: ١٥٧: وهو استنباطٌ قويٌّ صحيحٌ ووافقه عليه عثمان وجماعةٌ من الصحابة رضي الله عنهم. وابن كثير مع اكثاره بنقل الموضوعات لم يوعز إلى نزول الآية في أبي بكر لمـّا يرى في نقله من الفضيحة على نفسه.

ثمَّ إنَّ في نصِّ الآية: إنَّ ذلك الانسان قال ما قاله وقد بلغ أشدَّه وبلغ من عمره أربعين عاماً. وأبو بكر لم يكن مسلماً يوم ذاك لا هو ولا أبوه ولا امّه، أمّا هو فقد قدَّمنا انَّه أسلم بعد سبع من البعثة بنصوص مرَّت في الجزء الثالث ص ٢٢٠ - ٢٢٣ ط ٢.

وأمّا أبوه فقد أسلم « إن أسلم » يوم الفتح في السنة الثامنة من الهجرة وكان لأبي بكر يومئذ ستّ وخمسون سنة أو أكثر.

٣٢٧

وأمّا اُمُّه فقد أسلمت « إن أسلمت » في السنة السادسة من البعثة وأبو بكر يوم ذاك ابن أربع وأربعين سنة أو أكثر منها.

فبماذا أنعم الله عليه وعلى والديه يوم قال: ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والديّ. وكلّهم غير مسلمين؟ والجملة دعائيّة بالنسبة إلى إلهام الشكر على ما أنعم الله به عليه وعلى والديه فحسب، وأمّا بالنسبة إلى كونهم من المنعم عليهم فخبريَّة تقتضي سبق تلك النعمة على ظرف الدعاء، فالقول بأنَّ الله سبحانه استجاب له فأسلم والداه وأولاده كلُّهم مهزأةٌ غير مدعومة بشاهد.

على أنَّ أخبار إسلام والديه « بعد تسليمها والغضِّ عمّا فيها » تدلُّ على أنَّ اسلام اُمِّه كان بدعاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها بالإسلام، واسلام أبيه من بركة مسحهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده على صدره، فأين دعاء أبي بكر؟

وأمّا ما في ذيل الرواية ممّا عزي إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام من أنَّه لم يجتمع لأحد من المهاجرين أن أسلم أبواه غير أبي بكر. فحاشا أمير المؤمنين بقول مثل ذلك، وقد عرّفناك ص ٣١٠ - ٣١٢ زرافات من المهاجرين أسلموا هم وآبائهم واُمَّهاتهم ويقدِّمهم هو سلام الله عليه بالأوَّليَّة والأولويَّة.

(آية اُخرى في أبي بكر وأبيه)

وردت في قوله تعالى من سورة المجادلة: ٢٢: لا تجدُ قوماً يؤمنون باللهَ واليومِ الآخرُ يوادّون من حادَّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الايمان وأيَّدهم بروحٍ منه ويدخلهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إنَّ حزب الله هم المفلحون.

من طريق إبن جريج: انَّ أبا قحافة سبَّ النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصكّه أبو بكر ابنه صكّة فسقط منها على وجهه، ثمَّ أتى النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكر ذلك له، فقال: أو فعلته لا تَعد إليه فقال والّذي بعثك بالحق نبيّاً لو كان السيف منِّي قريباً لقتلته. فنزلت قوله: لا تجد قوماً. الآية.

تفسير القرطبي ١٧: ٣٠٧ تفسير الزمخشري ٣: ١٧٢، مرقاة الوصول حاشية نوادر

٣٢٨

الاُصول ص ١٢١، تفسير الآلوسي ٢٨: ٣٦.

قال الأميني: أصفق رجال التفسير على انَّ سورة الأحقاف التي مرَّت فيها الآية الأولى مكيَّةٌ، وعلى أنَّ سورة المجادلة مدنيَّةٌ، وعلى أنَّ هذه الآية نزلت بعد ردح من الزمن من نزول الأحقاف، ويظهر من تفسير القرطبي وابن كثير والرازي انَّها نزلت بعد بدر واُحد فيقع نزولها على هذا في السنة الرابعة من الهجرة تقريباً، فما وجه الجمع بين الآيتين على تقدير تسليم نزولهما في أبي بكر، والأولى منهما كما مرَّ نصٌّ على أنَّ أبا قحافة ممَّن أنعم الله عليه يوم كان لأبي بكر أربعون سنة، ولمـّا بلغ أشدَّه وبلغ أربعين سنة قال: ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والديَّ. وهذه الآية كما ترى نصٌّ في أنَّ أبا قحافة يوم نزولها - وكان يوم ذاك لأبي بكر ثلث و خمسون سنة تقريبا - كان ممَّن حادَّ الله ورسوله.

والذي يهوّن الخطب انَّ متن هذه الرواية كالرواية السبقة الواردة في الآية الأولى يكذِّب نفسها، إذ الآية كما سمعت نزلت بالمدينة، وظاهر الرواية وقوع القصَّة بها، و يوم ذاك كان أبو قحافة بمكّة، فأين وانَّى اجتمع أبو بكر مع أبيه وصكّه؟

ثمَّ هل يشترط وجوب قتل من سبَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقرب السيف ممَّن سمعه؟ أو شُرّع هذا الحكم بعد القضيَّة؟ أو خُصّ أبو قحافة منه بالدليل، سل مَن أعماه الغلوُّ في الفضائل وأصمَّه، إنَّهم ليقولون منكراً من القول وزُورا، ويقولون هو من عند الله، و ما هو من عند الله، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون.

٣٢٩

(الغاية للقالة)

أحسب إنَّ القوم لم ينسجوا هذا الإفك على نول الجهل بتراجم الرجال فحسب، ولا انَّ لهم مأرباً في آباء المهاجرين أسلموا أو لم يسلموا، أو أنَّ لهم غاية في اسلام أبوي أبي بكر، لكنَّهم زمّروا لِما لم يزل لهم فيه مكاءٌ وتصديةٌ من تكفير سيِّد الأباطح شيخ الأئمَّة أبي طالب والد مولانا أمير المؤمنين سلام الله عليهما، وذلك بعد أن عجزوا عن الوقيعة في الولد فوجَّهوها إلى الوالد أو إلى الوالدين كما فعله الحافظ العاصمي في زين الفتى. وكان من تهويلهم في تخفيف تلكم الوطأة أن جرّوا ذلك إلى والدي النبيِّ المعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليهما حتّى قال العاصمي في زين الفتى عند بيان وجه الشبه بين النبيِّ والمرتضى صلى الله عليهما وآلهما: أمّا تشبيه الأبوين في الحكم والتسمية فإنَّ النبيِّ في كثره ما انعم الله تعالى عليه ووفور احسانه اليه لم يرزقه اسلام أبويه، وعلى هذا جمهور المسلمين(١) إلّا شرذمةٌ قليلون لا يلتفت اليهم، فكذلك المرتضى فيما اكرمه الله به من الأخلاق والخصال وفنون النعم والافضال لم يرزقه إسلام أبويه ا ه‍.

فلم تفتأ لهم في ذلك جلبة ولغط مكابرين فيهما المعلوم من سيرة شيخ الأبطح وكفالته لصاحب الرسالة، ودرعه عنه كلَّ سوء وعادية، وهتافه بدينه القويم، وخضوعه لمناموسه الإ~لهيِّ في قوله وفعله وشعره ونثره، ودفاعه عنه بكلِّ ما يملكه من حول وطول.

ولو لا أبو طالب وابنه

لما مثل الدّين شخصاً وقاما

فذاك بمكّة آوى وحامى

وهذا بيثرب جسَّ الحماما

تكفَّل عبد مناف بأمر

وأودى فكان عليٌّ تماما

فقل في ثبير مضى بعد ما

قضى ما قضاه وأبقى شماما

____________________

١ - كما فعله الحافظ العاصمى فى زين الفتى.

٢ - أفك الرجل على جمهور المسلمين، فان الامامية والزيدية على بكرة أبيهم ومن حذا حذوهم من محققى اهل السنة ذهبوا الى اسلام والدي النبى الاقدس، ومن شذّ عنهم فلا يأبه به ولا يلتفت اليه.

٣٣٠

فَلِلّه ذا فاتحاً للهدى

ولِلَّه ذا للمعالي ختاما

وما ضرَّ مجدَ أبي طالب

جهولٌ لغا أو بصيرٌ تعامى

كما لا يضرُّ إياب الصبا

حِ مَن ظنَّ ضوء النهار الظلاما(١)

وهناك طرقٌ لا يمكن التوسُّل إلى الإذعان بنفسيّات أيِّ أحد إلّا بها ألا وهي:

١ - إستنباطها ممَّا يلفظ به من قول.

٢ - أو ممّا ينوء به من عمل.

٣ - أو ممّا يروي عنه آله وذووه، فإنَّ أهل البيت أدرى بما فيه.

٤ - أو ممّا أسنده إليه مَن لاث به وبخع له.

- ١ -

أمّا أقوال أبي طالب سلام الله عليه فإليك عقوداً عسجديَّة من شعره الرائق مثبتة في السير والتواريخ وكتب الحديث.

أخرج الحاكم في المستدرك ٢: ٦٢٣ باسناده عن ابن اسحاق قال: قال ابو طالب أبياتاً للنجاشي يحضُّهم على حسن جوارهم والدفع عنهم - يعني عن المهاجرين إلى الحبشة من المسلمين -:

ليعلم خيار الناس أنَّ محمَّداً

وزيرٌ لموسى والمسيح ابن مريمِ

أتانا بهدي مثل ما أتيا به

فكلٌّ بأمر الله يهدي ويعصمِ

وانَّكُم تتلونه في كتابكم

بصدق حديثٍ لا حديث المبرجمِ

وانَّك ما تأتيك منها عصابةٌ

بفضلك إلّا ارجعوا بالتكرُّمِ

وقال سلام الله عليه من قصيدة:

فبلّغ عن الشحناء أفناء غالب

لويّاً وتيماً عند نصر الكرائمِ

لأنّا سيوف الله والمجد كلُّه

إذا كان صوت القوم وجي الغمائمِ

ألم تعلموا أنَّ القطيعة مأثمٌ

وأمر بلاء قاتم غير حازمِ؟

وأنَّ سبيل الرشد يُعلم في غدٍ

وأنَّ نعيم الدهر ليس بدائمِ

فلا تسفهن أحلامكم في محمَّد

ولا تتبعوا أمر الغواة الأشائمِ

____________________

١ - ذكرها ابن أبى الحديد لنفسه في شرحه ٣: ٣١٧.

٣٣١

تمنَّيتمُ أن تقتلوه وإنَّما

أمانيُّكم هذي كأحلام نائمِ

وإنَّكمُ والله لا تقتلونه

ولمـّا تروا قطف اللحا والغلاصمِ(١)

ولم تبصروا الأحياء منكم ملاحماً

تحوم عليها الطير بعد ملاحم

وتدعو بأرحام أواصر بيننا

فقد قطّع الأرحام وقع الصوارم

زعمتم بأنّا مسلمون محمَّداً

ولمـّا نقاذف دونه ونزاحمِ

من القوم مفضالٌ أبيٌّ على العدى

تمكّن في الفرعين من آل هاشمِ

أمينٌ حبيبٌ في العباد مسوَّم

بخاتم ربٍّ قاهرٍ في الخواتمِ

يرى الناس برهاناً عليه وهيبةً

وما جاهلٌ في قومه مثلُ عالمٍ

نبيٌّ أتاه الوحي من عند ربِّه

ومن قال: لا يقرع بها سنّ نادمِ

تطيف به جرثومةٌ هاشميَّةٌ

تُذبِّب عنه كل عادتٍ وظالمِ

ديوان أبي طالب ص ٣٢، شرح ابن أبي الحديد ٣: ٣١٣:

ومن شعره في أمر الصحيفة التي سنوقفك على قصَّتها قوله:

ألا أبلغا عنّي على ذات بينها

لوياً وخصّا من لويّ بني كعبِ

ألم تعلموا أنّا وجدنا محمَّداً

رسولاً كموسى خُطَّ في أوّل الكتب؟

وانَّ عليه في العباد محبَّةً

ولا حيف فيمن خصَّه الله بالحبِّ

وانَّ الذي رقَّشتمُ في كتابكم

يكون لكم يوماً كراغية السقبِ(٢)

أفيقوا أفيقوا قبل أن تحفر الزُّبى(٣)

ويصبح من لم يجن ذنباً كذي ذنبِ

ولا تتبعوا أمر الغواة وتقطعوا

أواصرنا بعد المودَّة والقربِ

وتستجلبوا حَرباً عواناً(٤) وربّما

أمرّ على مَن ذاقه حَلبٌ الحربٍ

فلسنا وبيت الله نُسلم أحمداً

لِعزّاء مِن عضِّ الزمان ولا كربِ(٥)

____________________

١ - فى رواية: والجماجم. الغلاصم چ الغلصمة: اللحم بين الرأس والعنق.

٢ - فى رواية: ابن هشام:

وان الذي الصقتم من كتابكم

لكم كائن نحسا كراغية السقب

رقش: كتب وسطر الراغية من الرغاء: أصوات الابل. السقب: ولد الناقة.

٣ - في سيرة ابن هشام: الثرى بدل الزبى.

٤ - الحرب العوان: التى قو تل فيها مرة بعد اخرى. اشد الحروب.

٥ - العزّاء السنة الشديدة عضّ الزمان: شدته وكلبه.

٣٣٢

ولَمّا تَبِن مِنَّا ومِنكم سوالفٌ

وأيدٍ أترَّت(١) بالمهنّدة الشهبِ

بمُعترَكٍ ضنكٍ ترى كسر القنا

به والضباع العرج تعكف كالشربِ(٢)

كأنَّ مجال الخيل في حجراته

ومعمعة الأبطال معركة الحربِ

أليس أبونا هاشمٌ شدَّ أزره

وأوصى بنيه بالطعان وبالضربِ؟

ولسنا نملُّ الحرب حتّى تملّنا

ولا نشتكي ممّا ينوب من النكبِ

ولكنّنا أهل الحفائظ والنُّهى

إذا طار أرواح الكماة من الرعبِ

سيرة ابن هشام ١: ٣٧٣، شرح ابن أبي الحديد ٣: ٣١٣، بلوغ الارب ١: ٣٢٥، خزانة الأدب للبغدادي ١: ٢٦١، الروض الانف ١: ٢٢٠، تاريخ ابن كثير ٣، ٨٧، أسنى المطالب ص ٦: ١٣، طلبة الطالب ص ١٠.

ومن شعره قوله:

ألا ما لهمّ آخر الليل معتمِ

طواني واُخرى النجم لمـّا تقحَّمِ

طواني وقد نامت عيونٌ كثيرةٌ

وسامَر اُخرى قاعدٌ لم يُنوَّمِ

لأحلام أقوامٍ أرادوا محمَّداً

بظلم ومن لا يتَّقي البغي يُظلمِ

سعوا سفهاً واقتادهم سوء أمرهم

على خائل من أمرهم غير محكمِ

رجاة امور لم ينالوا نظامها

وإن نشدوا في كلِّ بدوٍ وموسمِ

يرجُّون منَّا خطَّة دون نيلها

ضرابٌ وطعنٌ بالوشيج المقوَّمِ

يرجُّون أن نسخي بقتل محمَّد

ولم تختضب سمر العوالي من الدَّمِ

كذبتم وبيت الله حتى تفلّقوا

جماجم تُلقى بالحميم وزمزمِ

وتُقطع أرحامٌ وتنسى حليلةٌ

حليلاً ويغشى محرمٌ بعد محرمِ

وينهض قومٌ بالحديد إليكمُ

يذبّون عن أحسابهم كلَّ مجرمِ

هم الاُسد اُسد الزأرتين إذا غدت

على حنقٍ لم تخش إعلان معلمِ

فيا لبَني فهرٍ أفيقوا ولم تُقم

نوائح قتلى تدَّعى بالتسدّمِ(٣)

____________________

١ - تبن: تنفصل. السوالف: صفحات الاعناق. اترت: قطعت.

٢ - ضنك: ضيق. الضباع العرج مر ص ٥٨ الشرب: الجماعة من القوم يشربون. والشطر الثاني في سيرة ابن هشام: به والنسور الطخم يكفن كالشرب.

٣ - التسدم من السدم: الهمّ مع الندم. الغيظ مع الحزن.

٣٣٣

على ما مضى من بغيكم وعقوقكم

وغشيانكم في أمرنا كلَّ مأثمِ

وظلم نبيٍّ جاء يدعو إلى الهدى

وأمر أتى من عند ذي العرش قيِّمِ(١)

فلا تحسبونا مسلِميه ومثله

إذا كان في قوم فليس بمسلَمِ

فهذي معاذيرٌ وتقدمةٌ لكم

لكيلا تكون الحرب قبل التقدُّمِ

ديوان أبي طالب ص ٢٩: شرح ابن أبي الحديد ٣: ٣١٢

وله قوله مخاطباً للنبيِّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

حتّى أوسَّد في التراب دفينا

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة

وابشر بذاك وقرَّ مِنك عيونا

ودعوتني وعلمتُ أنَّك ناصحي

ولقد دعوتَ كنتَ ثمَّ أمينا(٢)

ولقد علمتُ بأنَّ دين محمَّدٍ

مِن خير أديان البريَّة دينا

رواها الثعلبي في تفسيره وقال: قد اتَّفق على صحّة نقل هذه الأبيات عن أبي طالب مقاتل، وعبد الله بن عبّاس، والقسم بن محضرة، وعطاء بن دينار. راجع خزانة الأدب للبغدادي ١: ٢٦١، تاريخ ابن كثير ٣: ٤٢، شرح ابن أبي الحديد ٣: ٣٠٦ تاريخ أبي الفدا ج ١ ص ١٢٠، فتح الباري ٧: ١٥٣، ١٥٥ الاصابة ٤: ١١٦، المواهب اللدنيَّة ١: ٦١، السيرة الحلبية ١: ٣٠٥، ديوان أبي طالب ص ١٢، طلبة الطالب ص ٥ بلوغ الأرب ١: ٣٢٥، السيرة النبويَّة لزيني دحلان هامش الحلبيَّة ١: ٩١، ٢١١، وذكر البيت الأخير في أسنى المطالب ص ٦ فقال: عدَّه البرزنجي من كلام أبي طالب المعروف.

لفت نظر: زاد القرطبي وابن كثير في تاريخه على الأبيات:

لولا الملامة أو حذاري سبَّة

لوجدتني سمحاً بذاك مبينا

قال السيِّد أحمد زيني دحلان المطالب ص ١٤: فقيل: إنَّ هذا البيت موضوعٌ أدخلوه في شعر أبي طالب وليس من كلامه.

____________________

١ - في رواية شيخ الطائفة: مبرم.

٢ - وفي رواية القسطلانى:

ودعوتنى وزعمت أنك ناصحى

ولقد صدقت وكنت ثمّ أمينا

٣٣٤

قال الأميني: هب أنّ البيت الأخير من صُلب ما نظمه أبو طالبعليه‌السلام فانَّ أقصى ما فيه أنَّ العار والسبّة الذَّين كان أبو طالبعليه‌السلام يحذرهما خيفة، أن يسقط محلّه عند قريش فلا تتسنّى له نصرة الرسول المبعوثصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنَّما منعاه عن الابانة والإظهار لاعتناق الدين، وإعلان الإيمان بما جاء به النبيُّ الأمين، وهو صريح قوله: لوجدتني سمحاً بذاك مبينا، أي مظهراً، وأين هو عن إعتناق الدين في نفسه، والعمل بمقتضاه من النصرة والدفاع؟ ولو كان يريد به عدم الخضوع للدين لكان تهافتاً بيِّناً بينه وبين أبياته الأولى التي ينصُّ فيها بانَّ دين محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خير أديان البريَّة دينا، وأنَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صادقٌ في دعوته أمينٌ على اُمَّته.

ومن شعره قوله قد غضب لعثمان بن مظعون حين عذَّبته قريش ونالت منه:

أمِن تذكّر دهر غير مأمونِ

أصبحت مكتئباً تبكي كمحزونِ

أم مِن تذكّر أقوامٍ ذوي سفهٍ

يغشون بالظلِمَ من يدعو إلى الدينِ؟!

ألا ترون أذلَّ الله جمعكمُ

إنَّا غضبنا لَعثمان بن مظعونِ؟

ونمنع الضيم من يبغي مضيَّمنا

بكلِّ مطَّرد في الكفِّ مسنونِ

ومرهفات كأنَّ الملح خالطها

يُشفى بها الداء من هام المجانينِ

حتّى تقرَّ رجالٌ لا حلوم لها

بعد الصعوبة بالأسماح واللينِ

أو تؤمنوا بكتابٍ مُنزلٍ عجبٍ

على نبيٍ كموسى أو كذي النونِ(١)

ومن شعره يمدح النبيَّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله:

لقد أكرم الله النبيَّ محمَّداً

فأكرم خلق الله في الناس أحمدُ

وشقَّ له من إسمه لِيجلّه

فذو العرش محمودٌ وهذا محمَّدُ

أخرجه البخاري في تاريخه الصغير من طريق علي بن يزيد، وأبو نعيم في دلائل النبوَّة ١ ص ٦، وابن عساكر في تاريخه ١: ٢٧٥، وذكره له ابن أبي الحديد في شرحه ٣: ٣١٥، وابن كثير في تاريخه ١ ص ٢٦٦، وابن حجر في الإصابة ٤: ١١٥، القسطلاني في المواهب اللدنيَّة ١: ٥١٨ نقلاً عن تاريخ البخاري، والديار بكري في تاريخ الخميس ١ ص ٢٥٤ فقال: أنشأ أبو طالب في مدح النبيِّ أبياتاً منها هذا البيت

____________________

١ - شرح ابن أبى الحديد ٣: ٣١٣.

٣٣٥

وشقَّ له من إسمه ليجلّه

.........................................

وحسّان بن ثابت ضمَّن شعره هذا البيت فقال:

ألم تر أنَّ الله أرسل عبده

بآياته والله أعلى وأمجدُ

وشقَّ له من إسمه ليجلّه

..........................................

والزرقاني في شرح المواهب ٣: ١٥٦ وقال: توارد حسّان معه أو ضمنه شعره وبه جزم في الخميس، أسنى المطالب ص ١٤.

ومن شعره المشهور كما قاله ابن أبي الحديد في شرحه ٣: ٣١٥:

أنت النبيُّ محمَّدٌ

قرمٌ أغرُّ مسوَّدُ

لمسوّ دين أكارم

طابوا وطاب المولدُ

نعم الاُرومة أصلها

عمرو الخضمّ الأوحدُ

هشم الربيكة في الجفا

ن وعيش مكّة أنكدُ

فجرت بذلك سنَّةٌ

فيها الخبيرة تثردُ

ولنا السقاية للحجيـ

ـج بها يمات العنجدُ

والمأزمان(١) وماحوت

عرفانها والمسجدُ

أنَّى تُضام ولم أمت

وأنا الشجاع العربدُ

وبطاح مكَّة لا يُرى

فيها نجيعٌ أسودُ

وبنوا أبيك كأنَّهم

اُسد العرين توقَّدوا

ولقد عهدتك صادقاً

في القول لا يتزيَّدُ

ما زلتَ تنطق بالصوا

ب وأنت طفلٌ أمردُ

جاء أبو جهل بن هشام إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ساجد وبيده حجر يريد أن يرميه به فلمّا رفع يده لصق الحجر بكفِّه فلم يستطع ما أراد فقال أبو طالب:

أفيقوا بني غالب! وانتهوا

عن الغيِّ من بعض ذا المنطقِ

وإلّا فانّي إذن خائفٌ

بوائق في داركم تلتقي

تكون لغيركمُ عبرةٌ

وربِّ المغارب والمشرقِ

____________________

١ - المأزمان: موضع بمكّة بين المشعر الحرام وعرفة وهو شعب بين جبلين.

_٢١_

٣٣٦

كما نال مَن لان مِن قبلكم

ثمودُ وعادٌ وماذا بقي

غداة أتاهم بها صرصرٌ

وناقة ذي العرش قد تستقي

فحلَّ عليهم بها سخطه

من الله في ضربة الأزرقِ

غداة يعضُّ بعرقوبها

حساماً من الهند ذا رونقِ

وأعجب مِن ذاك في أمركم

عجائب في الحجر الملصقِ

بكفِّ الذي قام من خبثه

إلى الصّابر الصّادق المتَّقي

فأثبته الله في كفِّه

على رغمه الجائر الأحمقِ

اُحيمق مخزومكم إذ غوى

لغيِّ الغواة ولم يصدقِ

ديوان أبي طالب ص ١٣، شرح ابن أبي الحديد ٣: ٣١٤.

قال ابن أبي الحديد في شرحه ٣: ٣١٤: قالوا وقد اشتهر عن عبد الله المأمون رحمه الله إنه كان يقول: أسلم أبو طالب والله بقوله:

نصرت الرَّسول رسول المليك

ببيض تلألا كلمع البروقِ

أذبُّ وأحمي رسول الإلـ~ـه

حماية حامٍ عليه شفيقِ

وما إن أدبّ لأعدائه

دبيب البكار حذار الفنيق(١)

ولكن أزير لهم سامياً

كما زار ليثٌ بغيل مضيقِ

وتوجد هذه الأبيات مع بيت زائد في ديوانه ص ٢٤.

ولسيِّدنا أبي طالب أبياتٌ كتبها إلى النجاشي بعد ما خرج عمرو بن العاص إلى بلاد الحبشة ليكيد جعفر بن أبي طالب وأصحابه عند النجاشي. يحرّض النجاشي على إكرام جعفر والإعراض ممّا يقول عمرو منها:

ألا ليت شعري كيف في الناس جعفرٌ

وعمرو وأعداء النبيِّ الاقاربُ

وهل نال احسان النجاشيِّ جعفراً

وأصحابه أم عاق عن ذاك شاغبُ؟

تعلّم أبيت اللعن أنَّك ماجدٌ

كريمٌ فلا يشقى إليك المجانبُ

ونعلم أنَّ الله زادك بسطةً

وأسباب خير كلَّها بك لازبُ

تاريخ ابن كثير ٣: ٧٧، شرح ابن ابي الحديد ٣: ٣١٤.

____________________

١ - الفنيق: الفحل المكرم لا يؤذى ولا يركب لكرامته ج فنق وأفناق.

٣٣٧

قال ابن ابي الحديد في شرحه ٣: ٣١٥: ومن شعره المشهور ايضاً قوله يخاطب محمّداً، ويسكّن جأشه، ويأمره باظهار الدعوة:

لا يمنعنَّك من حقٍّ تقوم به

أيدٌ تصول ولا سلقٌ بأصواتِ

فإنَّ كفّك كفّى إن مليت بهم

ودون نفسك نفسي في الملِمّاتِ

قال ابن هشام: ولمـّا خشي أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع قومه قال قصيدته التي تعوَّذ فيها بحرم مكة وبمكانه منها، وتودَّد فيها أشراف قومه وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في ذلك من شعره انَّه غير مسلم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا تاركه لشيء أبداً، حتّى يهلك دونه فقال أبو طالب:

خليلي ما اُذني لأوَّل عاذلٍ

بصغواء في حقٍّ ولا عند باطلِ

ولَمّا رأيت القوم لا وُدَّ فيهمُ

وقد قطعوا كلَّ العرى والوسائلِ

وقد صارحونا بالعداوة والأذى

وقد طاوعوا أمر العدوِّ المزايل

وقد حالفوا قوماً علينا أظنَّةً(١)

يعضُّون غيظاً خلفنا بالأناملِ

صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة

وأييض عضب من تراث المقاولِ(٢)

أعوذ بربِّ الناس من كلِّ طاعنٍ

علينا بسوء أو مُلحٍّ بباطلِ

ومن كاشحٍ يسعى لنا بمعيبةٍ

ومن مُلحقٍ في الدين ما لم نحاولِ

وثورٍ ومَن أرسى ثبيراً مكانه

وراقٍ ليرقي في حراء ونازلِ(٣)

وبالبيت حقّ البيت من بطن مكّة

وبالله إنَّ الله ليس بغافلِ

وبالحجر المسودّ إذ يمسحونه

إذا اكتنفوه بالضحى والأصائلِ

كذبتم وبيت الله نترك مكّة

ونضعن إلّا أمركم في بلابلِ

كذبتم وبيت الله نبزي محمّداً

ولمـّا نُطاعن دونه ونناضلِ

ونسلمه حتّى نُصرَّع حوله

ونُذهل عن أبنائنا والحلائلِ

____________________

١ - اظنة جمع ظنين: المتهم.

٢ - سمراء سمحة: أراد بها قناة لينة تسمح بالانعطاف عند هزها. العضب: القاطع، المقاول اراد بها السادات.

٣ - ثور وثبير وحراء جبال فى مكة.

٣٣٨

وينهض قومٌ بالحديد إليكمٌ

نهوض الرَّوايا تحت ذات الصلاصلِ(١)

وحتِّى نرى ذا الضِّغن يركب ردعه

من الطعن فعل الأنكب المتحاملِ(٢)

وإنا لعمر الله إن جدَّ ما أرى

لنلتبسن أسيافنا بالأماثلِ

بكفَّي فتىً مثل الشهاب سميدع

أخي ثقة حامي الحقيقة باسلِ

شهوراً وأيّاماً وحولاً مجرَّماً(٣)

علينا وتأتي حجّةٌ بعدَ قابلِ

وما ترك قومٍ - لا أباً لك - سيِّداً

يحوط الذَّمار غيرَ ذربٍ مُواكلِ(٤)

وأبيضَ يُستسقى الغمامُ بوجهه

ثمال اليتامى عصمةً للأراملِ

يلوذ به الهُلاَّك من آل هاشمِ

فهم عنده في رحمةٍ وفواضلِ

بميزان قسط لا يخيس شعيرةً

له شاهدٌ من نفسه غيرُ عائلِ(٥)

لقد سفُهت أحلام قومٍ تبدَّلوا

بني خَلَفِ قيضاً بنا والغياطلِ(٦)

ونحن الصميم من ذُؤابة هاشمٍ

وآلِ قُصيّ في الخطوب الأوائِل

وسهمٌ ومخزومٌ تمالوا وألَّبوا

علينا العدا من كلِّ طملٍ وخاملِ(٧)

فعبد مناف أنتمُ خير قومكم

فلاُ تشركوا في أمركم كلَّ واغلِ(٨)

ألم تعلموا أنَّ ابننا لا مكذَّبٌ

لدينا ولا نعبأ بقول الأباطلِ؟

أشمَّ من الشُمِّ البهاليل ينتمي

إلى حسب في حومة المجدِ فاضِلِ

____________________

١ - الروايا: الابل التى تحمل الماء، واحدتها: رواية. الصلاصل ج الصلصلة: الصوت وذات الصلاصل: المزادات التي فيها بقية من الماء يسمع لها صوت حين تسير الابل.

٢ - يقال: ركب ردعه، أى خرّ صريعاً لوجهه، الانكب: الذى يمشي على شق.

٣ - حولا مجرّما: أى مكملا يقال: تجرّمت السنة اذا كملت وانقضت.

٤ - الذمار: ما يلزمك أن تحميه. ذوب: فاسد. مواكل: يتكل على غيره.

٥ - لا يخيس من قولهم: خاس بالعهد اذا نقضه وأفسده ويروى « لا يخسّ » اى لا ينقص عائل: جائر.

٦ - قيضاً بنا: عوضاً منّا تقول: قاضه بكذا أى عوضه به. الغيطلة: من بني مرة بن عبد مناة إخوة مدلج بن مرّة وهى ام الغياطل فقيل لولدها: الغياطل وهم من بني سهم بن عمرو بن هصيص.

٧ - الطمل: الرجل الفاحش لا يبالي ما صنع اللئيم، الاحمق. اللص الفاسق.

٨ - كل واغل، أراد كل ملصق ليس من صميم، وأصل الواغل الداخل على القوم وهم يشربون من غير أن يدعى.

٣٣٩

لعمري لقد كلّفت وجداً بأحمد

وأحببته حبَّ الحبيب المواصلِ

فلا زال في الدُّنيا جمالاً لأهلها

وزيناً لمن والاه ربُّ المشاكلِ

فأصبحَ فينا أحمدٌ في ارومةً

تقصِّر عنه سورةُ المتطاولِ

حدبت بنفسي دونه وحَمَيته

ودافعت عند بالذرا والكلاكلِ(١)

فأيَّده ربُّ العباد بنصره

وأظهر ديناً حقُّه غير باطلِ

هذه القصيدة ذكر منها ابن هشام في سيرته ١ ص ٢٨٦ - ٢٩٨، اربعة وتسعين بيتاً وقال: هذا ما صحَّ لي من هذه القصيدة. وذكر ابن كثير من اثنين وتسعين بيتاً في تاريخه ٣ ص ٥٣ - ٥٧، وفي رواية ابن هشام ثلاثة أبيات لم توجد في تاريخ ابن كثير وقال: ص ٥٧ قلت: هذه قصيدةٌ عظيمةٌ بليغةٌ جدّاً لا يستطيع يقولها إلّا من نُسبت إليه، وهي أفحل من المعلّقات السبع، وأبلغ في تأدية المعنى فيها جميعا، وقد أوردها الأمويّ في مغازيه مطوَّلة بزيادات اُخر والله أعلم.

وذكرها أبو هفان العبدي في ديوان أبي طالب ص ٢ - ١٢ في مائة وأحد عشر بيتاً ولعلّها تمام القصيدة.

وقال ابن أبي الحديد في شرحه ٢: ٣١٥ بعد ذكر جملة من شعر أبي طالب: فكلّ هذه الأشعار قد جاءت مجيء التواتر لأنَّه إن لم يكن آحادها متواترة فمجموعها يدلُّ على أمر واحد مشترك وهو تصديق محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومجموعها متواترٌ كما أنَّ كلّ واحدة من قتلات عليّعليه‌السلام الفرسان منقولة آحاداً ومجموعها متواترٌ يفيدنا العلم الضروريَّ بشجاعته، وكذلك القول فيما روي من سخاء حاتم وحلم الأحنف ومعاوية وذكاء إياس وخلاعة أبي نواس وغير ذلك. قالوا: واتركوا هذا كلّه جانباً ما قولكم في القصيدة اللاميَّة التي شهرتها كشهرة قفا نبك. وإن جاز الشكُّ فيها أو في شيء من ابياتها جاز الشكُّ في قفا نبك وفي بعض أبياتها.

وقال القسطلاني في إرشاد الساري ٢: ٢٢٧: قصيدةٌ جليلةٌ بليغةٌ من بحر الطويل وعدَّة أبياتها مائة وعشرة أبيات قالها لمـّا تمالأ قريش على النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونفروا عنه من يريد الاسلام.

____________________

١ - حديت: عطفت ومنعت * الذرا جمع ذرة: أعلى ظهر البعير. الكلاكل جمع كلكل: معظم الصدر.

٣٤٠