الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٧

الغدير في الكتاب والسنة والأدب14%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 417

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 417 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 192019 / تحميل: 6796
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٧

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ضيّعتمونا والوصايا ضُيِّعت

فينا وسهمُ الحور سارٍ سارحُ

يا فاطم الزهراء قومي وانظري

وجهَ الحسين له الصعيد مصافحُ

أكفانه نَسجُ الغبار وغسله

بدم الوريد ولم تنحه نوائحُ

وشبوله نهب السيوف تزورها

بين الطفوف فراعلٌ وجوارحُ(١)

وعلى السنانَ سنان رافع رأسه

ولجسمه خيل العداة روامحُ(٢)

والوحش يندب وحشةً لفراقه

والجنُّ إن جنَّ الظُّلام نوايحُ

والأرض ترجف والسماء لأجله

تبكي معاً والطِير غادٍ رايحُ

والدهر من عظم الشجى شق الردا

أسفاً عليه وفاضَ جفنٌ دالحُ(٣)

يا للرِّجال لظلم آل محمّدٍ

ولأجل ثارهمُ وأين الكادحُ؟(٤)

يُضحى الحسين بكربلاء مرَّملاً

عريان تكسوه التراب صحاصحُ(٥)

وعياله فيها حيارى حسَّرٌ

للذلِّ في اشخاصهنَّ ملامحُ(٦)

يُسري بهم أسرى إلى شرِّ الورى

مِن فوق أقتاب الجمال مضابحُ(٧)

ويُقاد زين العابدين مغلّلاً

بالقيد لم يشفق عليه مسامحُ

ما يكشف الغمّاء إلّا نفحةٌ

يحيى بها الموتى نسيمٌ نافحُ

نبويَّة علويَّةٌ مهديَّةٌ

يُشفى بريّاها العليل البارحُ

يضحى مناديها ينادي: يا لثا

رات الحسين وذاك يومٌ فارحُ

والجنُّ والأملاك حول لوائه

والرعب يقدم والحتوفُ تناوحُ(٨)

____________________

١ - فراعل ج الفرعل: والد الضبع. الجوارح ج الجارحة: ذات الصيد من السباع والطير والكلاب.

٢ - روامح من رمحته الدابة: رفسته.

٣ - الدالح: الكثير الماء.

٤ - الكادح: الذي جهد نفسه فى العمل.

٥ - صحاصح ج الصحصح: الارض الجرداء المستوية ذات حصى صغار.

٦ - الملاح: ما بدى من محاسن الوجه ومساويه.

٧ - المضابح: المقالى والمخاصم.

٨ - تناوح: تقابل.

٦١

و و في جذعيهما

خفضاً ونصب الصلب رفعٌ فاتحُ

و و و الإثم والـ

ـعدوان في ذُلِّ الهوان شوائحُ

لعنوا بما اقترفوا وكلُّ جريِمة

شبَّت لها منهم زنادٌ قادحُ

يا بن النبيِّ صبابتي لا تنقضي

كمداً وحزني في الجوانح جانحُ(١)

أبكيكُم بمدامع تترى إذا

بخل السحاب لها انصبابٌ سافحُ

فاستجلِ من مولاك عبد ولاك من

لولاك ما جادت عليه قرايحُ

برسيَّة كملت عقود نطامها

حليَّة ولها البديع وشايحُ(٢)

مدَّت إليك يداً وأنت منيلها

يا بن النبيِّ وعن خطاها صافحُ

يرجو بها (رجب) القبول إذا أتى

وهو الذي بِك واثقٌ لك مادحُ

أنت المعاذ لدى المعاد وأنت لي

إن ضاق بي رَجب البلاد الفاسحُ

صلّى عليك الله ما سكب الحيا

دمعاً وما هبَّ النسيم الفائحُ

وله في رثاء الامام السبط صلوات الله عليه قوله:

ما هاجني ذكر ذات البان والعلم

ولا السَّلام على سلمى بذيِ سلمِ

ولا صبوت لصبّ صاب مدمعه

من الصبابة صبَّ الوابل الرزمِ(٣)

ولا على طلل يوماً أطلت بهِ

مخاطباً لاُهيل الحيِّ والخيمِ

ولا تمسَّكت بالحادي وقلت له:

إن جئت سلعاً فسل عن جيرة العلمِ(٤)

لكن تذكرت مولاي الحسين وقد

أضحى بكرب البلا في كربلاء ظمي

ففاض صبري وفاض الدمع وابتـ

ـ عد الرقاد واقترب السهاد بالقسمِ

وهامَ إذ همت العبراتِ من عدم(٥)

قلبي ولم استطع مع ذاك منعَ دمي

____________________

١ - الجوانح: الضلوع تحت الترائب مما يلى الصدر. الجانح من جنحت السفينة: لزقت بالارض فلم تمض.

٢ - وشايح ج وشاح شبه قلادة يرصّع بالجوهر تشدّه المرأة بين عاتقها وكشحيها.

٣ - صبوت من صبا يصبو: حنّ. الصب: العاشق. الصبابة. الشوق ورقة الهوى. الوابل المطر الشديد. الرزم الذى لا ينقطع رعده.

٤ - مطلع بديعية صفى الدين الحلى. راجع ج ٦: ٤٤ ط ٢.

٥ - همت من همى يهمى هميا: سال لا يثنيه شىء.

٦٢

لم أنسه وجيوش الكفر جائشة

والجيش في أمل والدين في ألمِ

تطوف بالطفِّ فرسان الضَّلال به

والحقُّ يسمع والأسماع في صممِ

وللمنايا بفرسان المنى عجلٌ

والموت يسعى على ساقِ بلا قدمِ

مُسائلاَ ودموع العين سائلةٌ

وهو العليم بعلم اللوح والقلمِ:

ما إسم هذا الثرى يا قوم! فابتدروا

بقولهم يوصلون الكلم بالكلمِ:

بكربلا هذه تُدعى فقال: أجل

آجالنا بين تلك الهضب والاكمِ

حطوا الرِّحال فحال الموت حلَّ بنا

دون البقاء وغير الله لم يدمِ

يا للرِّجال لخطب حلَّ مخترم الآ

جال معتدياً في الأشهر الحرمِ

فهاهنا تصبح الأكباد من ظمأٍ

حرَّى وأجسادها تروى بفيض دمِ

وها هنا تصبح الأقمار آفلةً

والشَّمس في طفل والبدر في ظلمِ

وها هنا تملك السادات أعبدُها

ظلماً ومخدومها في قبضة الخدمِ

وها هنا تصبح الأجساد ثاويةً

على الثَرىّ مطعماً للبوم والرّخمِ(١)

وها هنا بُعد بُعد الدار مدفننا

وموعد الخصم عند الواحد الحكمِ

وصاح بالصحب هذا الموت فابتدروا

اُسداً فرائسها الآساد في الأجمِ

من كل أبيض وضَّاح الجبين فتىً

يغشي صلى الحرب لا يخشى من الضرمِ

من كلِّ منتدبٍ لله محتسبٍ

في الله مُنتجب بالله مُعتصمِ

وكلِّ مصطلم الأبطال مصطلم

الآجال مُلتمس الآمال مُستلمِ

وراح ثَمَّ جواد السبط يندبه

عالي الصهيل خلّياً طالب الخيمِ

فمذ رأته النساء الطاهرات بدا

يكادم(٢) الأرض في خدّ له وفمِ

برزن نادبةً حسرى وثاكلةً

عبرى ومعلولة بالمدمع السجمِ

فجئن والسبط ملقىً بالنصال أبت

مِن كفّ مُستلمٍ أو ثغرِ ملتثمِ

والشمر ينحر منه النحر من حنقٍ

والأرض ترجف خوفاً مِن فعالهمِ

____________________

١ - البوم. طائر يسكن الخراب. الرخم: طائر من الجوارح الكبيرة الجثة الوحشية الطباع.

٢ - يكادم: يعضّ.

٦٣

فتستر الوجهَ في كمّ عقيلته

وتنحني فوق قلبٍ والهٍ كلمِ(١)

تدعو أخاها الغريب المستظام أخي

يا ليت طرف المنايا عن عُلاك عمِ

مَن إتكلت عليه في النساء ومَن

اوصيت فينا ومن يحنو على الحرمِ؟

هذي سكينة قد عزَّت سكينتها

وهذه فاطمٌ تبكي بفيض دَمٍ

تهوي لتقبيله والدمع منهمرٌ

والسبط عنها بكرب الموت في غممِ(٢)

فيمنع الدمَّ والنصل الكسير به

عنها فتنصلُّ لم تبرح ولم ترمِ

تضمُّه نحوها شوقاً وتلثمه

ويخضب النحرُ منه صدرَها بدمِ

تقول من عظم شكواها ولوعتها

وحزنها غير منقضٍّ ومُنفصمِ

: أخي لقد كنت نوراً يستضاء به

فما لنور الهدى والدين في ظلمِ

أخي لقد كنت غوثاً للأرامل يا

غوث اليتامى وبحر الجود والكرمِ

يا كافلي هل ترى الأيتامَ بعدك في

اسر المذلَّة والاوصاب(٣) والالمِ

يا واحدي يا بن اُمِّي يا حسين لقد

نال العدى ما تمنّوا مِن طلابهمِ

وبرَّدوا غلل الأحقادِ من ضغنٍ

وأظهروا ما تخفّى في صدورهمِ

أين الشفيقُ وقد بان الشقيق وقد

جار الرفيق ولجُّ الدَّهر في الازمِ(٤)

مات الكفيل وغاب اللّيث فابتدرت

عرج الضباع على الأشبال في نهمِ

وتستغيث رسول الله صارخةً:

يا جدُّ أين الوصايا في ذوي الرحمِ؟

يا جدُّ لو نظرتْ عيناك مِن حزن

للعترة الغرِّ بعد الصون والحشمِ

مشرَّدين عن الأوطان قد قهروا

ثكلى أسارى حيارى ضرِّجوا بدمِ

يسرى بهنَّ سبايا بعد عزَّهُم

فوق المطايا كسبي الروم والخدمِ

هذا بقيَّة آل الله سيّد أهل

الأرض زينُ عباد الله كلّهمِ

____________________

١ - الكلم من كلمه كلما: جرحه.

٢ - غمم بضم المعجمة ج الغمة: الحيرة واللبس.

٣ - الاوصاب ج الوصب راجع ص ٥٥.

٤ - الازم: من أزم الدهر القوم: استأصلهم. وأزم بصاحبه: لزم. وأزم الحبل: احكم فعله. والازم ج الازمة: الشدة.

_٤_

٦٤

نجل الحسين الفتى الباقي ووارثه

والسيِّد العابد السجّاد في الظلمِ

يُساق في الأسر نحو الشام مهتظماً

بين الأعادي فمن باكٍ ومبتسمِ

أين النبيُّ وثغر السِّبط يقرعه

يزيدُ بعضاً لخير الخلق كلّهمِ؟

أيَنكت الرجس ثغراً كان قبَّله

مِن حبِّه الطهر خيرُ العرب والعجمِ؟

ويدَّعي بعدها الإسلام من سفه

وكان أكفر من عاد من إرمِ؟

يا ويله حين تأتي الطُّهر فاطمةٌ

في الحشر صارخةً في موقف الاُممِ

تأتى فيطرق أهلُ الجمع أجمعهم

منها حياءً ووجه الأرض في قتمِ

وتشتكي عن يمين العرش صارخة

وتستغيث إلى الجبّار ذي النقمِ

هناك يظهر حكم الله في ملأ

عضّوا وخانوا فيا سحقاً لفعلهمِ

وفي يديها قميصٌ للحسين غدا

مضمَّخاً بدم قرناً إلى قَدمِ

أيا بني الوحي والذكر الحكيم ومَن

وِلاهمُ أملي والبرء مِن ألمي

حزني لكم أبداً لا ينقضي كمداً

حتى الممات وردِّ الروح في رممِ

حتّى تعود إليكم دولةٌ وُعدت

مهدَّية تملأ الأقطار بالنعمِ

فليس للدين مِن حامٍ ومُنتصرِ

إلَّا الإمام الفتى الكشّاف للظلمِ

القائم الخلف المهديُّ سيِّدنا

الطاهر العلم ابن الطاهر العلمِ

بدر الغياهب تيّار المواهب مَنـ

ـصور الكتائب حامي الحلّ والحرمِ(١)

يا بن الامام الزكيّ العسكريّ فتى

الهادي التقيّ عليِّ الطاهر الشيمِ

يا بن الجواد ويا نجل الرضا ويا

سليلَ كاظم غيظ مَنبع الكرمِ

خليفة الصّادق المولى الذي ظهرت

علومه فأنارت غيهب الظلمِ

خليفة الباقر المولى خليفة زين

العابدين عليّ طيِّب الخيمِ

نجل الحسين شهيد الطفِّ سيِّدنا

وحبَّذا مفخرٌ يعلو على الاُممِ

نجل الحسين سليل الطُّهر فاطمة

وابن الوصيّ عليٍّ كاسر الصنمِ(٢)

____________________

١ - الغياهب جمع الغيهب: الظلمة الشديد السواد من الليل. التيّار: موج البحر الهائج. الكتائب ج الكتيبة: القطعة من الجيش أو الجماعة من الخيل.

٢ - راجع من هذا الجزء ص ٩ - ١٣.

٦٥

يا بن النبيِّ ويا بن الطُّهر حيدرة

يا بن البتولِ ويا بن الحلِّ والحرمِ

أنت الفخار ومعناه وصورته

ونقطة الحكم لا بل خطّة الحِكمِ

أيَّامك البيض خضرٌ فهي خاتمة

الدنيا وختم سعود الدين الاممِ

متى نراك فلا ظُلمٌ ولا ظلم

والدين في رَغَد والكفر في رغمِ؟

أقبل فسبل الهدى والدين قد طمست

ومسّها نصبٌ والحقُّ في عدمِ

يا آل طاها ومَن حبّي لهم شرفٌ

أعدُّه في الورى من أعظم النعمِ

إليكمُ مِدحةٌ جاءت منظَّمةً

ميمونة صغتها مِن جوهر الكلمِ

بسيطة إن شذت أو انشدت عطرت

بمدحكم كبساط الزهر منخرمِ

بكراً عروساً ثكولاً زفَّها حزنٌ

على المنابر غير الدَّمع لم تسمِ

يرجو بها (رجب) رَحب المقام غداً

بعد العناء غناء غير منهدمِ

يا سادة الحقِّ مالي غيركم أملٌ

وحبّكم عدّتي والمدح معتصمي

ما قدر مدحيَ والرَّحمن مادحكم

في هل أتى قد أتى مع نون والقلمِ

حاشاكم تحرموا الراجي مكارمكم

ويرجع الجارُ عنكم غيرَ محترمِ

أو يختشي الزلَّة (البرسيُّ) وهو يرى

ولاكم فوق ذي القربى وذي الرحمِ

إليكمُ تحف التسليم واصلةٌ

ومنكمُ وبكم أنجو مِن النقمِ

صلّى الإ~له عليكم ما بدا نسمٌ(١)

وما أتت نسمات الصبح في الحرمِ

وله قوله:

أما والّذي لِدَمي حلّلا

وخصَّ اُهيل الولا بالبلا

لئن أسق فيه كؤس الحمام

لما قال قلبي لساقيه: لا

فموتي حياتي وفي حبِّه

يلذُّ افتضاحيَ بين الملا

فمن يسل عنه؟ فإنَّ الفؤا

د تسلّى وما قطُّ آناً سلا

مضت سنَّة الله في خلقه

بأنَّ المحبَّ هو المبتلى

وله قوله:

لقد أظهرتَ يا حافظُ

سرّاً كان مخفيّاً

____________________

١ - نسم ج النسمة: الانسان أو كل دابة فيها روح.

٦٦

وأبرزتَ مِن الأنوارِ

نوراً كان مطويّا

به قد صرت عند اللهِ

والسّادات علويّا

ومقبولاً ومسعوداً

و محسوداً ومرضيّا

فطب نفساً وعش فرداً

وكن طيراً سماويّا

غريباً يألف الخلوةَ

لا يقرب إنسيّا

غدا في الناس بالخلوةِ

والوحدة منسيّا

وإن أصبحت مرفوضاً

بسهم البغض مرميّا

فلم يبغضك إلّا مَن

أبوه الزنج بصريّاً

عمانيّاً مراديّاً

مجوسيّاً يهوديّا

لهذا قد غدا يبغض

ذاك الطين كوفيّا

وفي المولد والمحتد

برسيّاً وحليّا

وله في الغزل قوله:

لقد شاع عّني حبُّ ليلى وإنَّني

كلفت بها عشقاً وهمت بها وجداً

وأصبحت اُدعى سيِّداً بين قومها

كما أنَّني أصبحت فيهم لها عبدا

اُلاقي الورى في حبِّها في تنكُّر

فذا مانحٌ صدّاً وذا صاعرٌ خدّا

وذا عابسٌ وجهاً يطوِّل أنفه

عليَّ كأنّي قد قتلتُ له وُلدا

ولا ذنب لي في هجرهم لي وهُجرهم

سوى إنَّني أصبحتُ في حبِّها فردا

ولو عرفوا ما قد عرفتُ ويمّموا

حماها كما يمّمته أعذروا حدّا

وظنّوا وبعض الظنِّ إثمٌ وشنَّعوا

بأنّ امتداحي جاوز الحدَّ والعدّا

فوالله ما وصفي لها جاز حدَّه

ولكنها في الحسن قد جازت الحدّا

هذه جملة ما وقفنا عليه من شعر شيخنا الحافظ البرسي وهي ٥٤٠ بيتاً ولا يوجد فيها كما ترى شيء ممّا يرمى به من الارتفاع والغلوّ فالأمر كما قال هو:

وظّنوا وبعض الظنِّ إثمٌ وشنّعوا

بأنَّ امتداحي جاوز الحدَّ والعدّا

فوالله ما وصفي لها جاز حدَّه

ولكنَّها في الحسن قد جازت الحدّا

توجد ترجمته في أمل الآمل. ورياض العلماء. ورياض الجنّة في الروضة الرابعة.

٦٧

وروضات الجنات. وتتميم الأمل للسيّد ابن أبي شبانة. الكنى والألقاب. وأعيان الشيعة. والطليعة. والبابليات.

ولم نقف على تاريخ ولادة شاعرنا الحافظ ووفاته، غير أنّه أرَّخ بعض تآليفه بقوله: إنَّ بين ولادة المهديعليه‌السلام وبين تأليف هذا الكتاب خمسمائة وثمانية عشر سنة. فيوافق ٧٧٣، أخذاً برواية ٢٥٥ في ولادة الإمام المنصور صلوات الله عليه، ومرَّ في تاريخ بعض كتبه أنّه أرَّخه بـ ٨١٣، ولعلّه توفّي حدود هذا التاريخ والله العالم.

٦٨

(المغالاة في الفضائل)

لمـّا وقع غير واحد من شعراء الغدير نظراء المترجم - البرسي - في شبك النقد والاعتراض، ورُموا بالغلوِّ، وجاء غير واحد من المؤلِّفين(١) فشنَّ عليهم الغارات بالقذف والسباب المقذع فيهمّنا إيقاف الباحث على هذا المهمِّ حتّى لا يستهويه اللغب و الصخب، ولا يصيخ إلى النعرات الطائفيَّة الممقوتة، وقول الزور فنقول:

الغلوّ على ما صرَّح به أئمَّة اللغة كالجوهري والفيّومي والراغب وغيرهم هو تجاوز الحدِّ، ومنه غلا السعر يغلو غلاء، وغلا الرجل غلوّاً، وغلا بالجارية لحمها وعظمها إذا اسرعت الشباب فجاوزت لِداتها قال الحرث بن خالد المخزومي:

خمصانة قلق موشحها

رود الشباب غلابها عظم

ومنه قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تغالوا في النساء فانَّما هنَّ سقيا الله(٢) وقول عمر: لا تغالوا في مهور النساء(٣) والغلوُّ ممقوت لا محالة أينما كان وحيثما كان في أيِّ أمر كان، ولا سيِّما في الدِّين وعليه ينزّل قوله تعالى في موضعين(٤) من الذكر الحكيم: يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم. ويعني في ذلك كما ذكره المفسرون(٥) غلوّ اليهود في عيسى حتى قذفوا مريم، وغلوّ النصارى فيه حتى جعلوه ربّاً. فالإفراط والتقصير كله سيِّئة. والحسنة بين السيِّئتين كما قاله مطرف بن عبد الله، وقال الشاعر:

وأوف ولا تستوف حقّك كله

وصافح فلم يستوف قطُّ كريمُ

ولا تغلُ في شيء من الأمر واقتصد

كلا طرفي قصد الأمور ذميمُ

____________________

١ - كابن تيمية وابن كثير، والقصيمى وموسى جار الله. ومن لفّ لفهم.

٢ - البيان والتبيين ٢ ص ٢١.

٣ - راجع الجزء السادس من الكتاب ص ٩٦ ط ٢.

٤ - النساء: ١٧١، المائدة: ٧٧.

٥ - تفسير القرطبى ٦ ص ٢١.

٦٩

وقال آخر:

عليك بأوساط الامور فانَّها

نجاةٌ ولا تركب ذلولاً ولا صعبا

وقال مولانا أمير المؤمنين: إنَّ دين الله بين المقصّر والغالي فعليكم بالنمرقة الوسطى فيها يلحق المقصّر، ويرجع اليها الغالي(١) غير أنّ من الواجب تعيين الحدِّ الذي لا يجوز في الدين أن يتجاوزه الإنسان لاستلزام الغلوِّ الكذب تارة، والإغراء بالجهل اُخرى، وبخس الحقوق الواجبة آونة، لا ما دأبت عليه اُمَّة من الرميِّ بالغلوِّ كلّ قائل ما لا يروقها، وتحدوها العصبيَّة العمياء إلى التجهم أمام القول بما لا يلائم ذوقها، ومن هذا الباب أكثر ما ترمى به الشيعة الإماميَّة من الغلوِّ لاعتقادهم أو روايتهم فضائل لأئمَّة أهل البيت عليهم السّلام، وقد طفحت بها الصحاح والمسانيد، وتدفَّقت بنقلها الكتب والمؤلِّفات، حيث لمُ يقمَ من نَبزَهم به لأئمة الهدى وزناً تقيمه الحقيقة ويقتضيه مقامهم الأسمى، ذلك المقام الشامخ المستنبط من الكتاب والسّنة والإعتبار الصحيح والقضايا الخارجيَّة الصادقة المتسالم عليها بين الاُمّة، لولا أنّ هناك من يتعامى أو يتصامم عن رؤية هذه وسماع هاتك، أو تقصر مُنَّته العلميَّة عن تحليل الفلسفة الصحيحة، أو يقصر باعه عن الإحاطة بالكائنات التاريخيَّة، من الذين استأسرهم الهوى وتَدَهور بهم الجهل إلى هوَّة التيه والضلال، فعدّوا من الغلوِّ الفاحش القول بعلم الغيب فيهم أو إخبارهم عمّا في الضمير، أو تكلّم الموتى معهم، أو علمهم بمنطق الطير والحيوانات، أو إحياء الله الموتى بدعائهم، أو استجابة دعواتهم في برء الأكمه والأبرص، وبلّ كلّ ذي عاهة، أو القول بالرجعة لهم، أو ظهور كرامة لهم تخرق العادة، أو الشخوص إلى زيارة قبورهم والتوسُّل بهم، والتبرّك بتربتهم، والدعاء والصَّلاة عند مراقدهم، أو التلهف والتأسف على ما انتابهم من المصائب، إلى كثير من أمثال هذه من مبادئ تراها الشيعة في العترة الهادية من فضائلهم المدعومة بالبرهنة الصحيحة والحجج القويَّة ممّا أنكرته أبناء حزم وجوزيّ وتيميَّة وقيّم وُكثير ومَن حذا حذوهم ولفَّ لفَّهم.

ولعلَّ لهم العذر في ذلك بأنَّ الذي يرتأونه في الخليفة لا يزيد على أنَّه رجلٌ يقطع

____________________

١ - ربيع الابرار للزمخشرى.

٧٠

السارق ويقتصُّ من القاتل، ويحفظ الثغور، ويدحر الهرج في الأوساط، ويجمع الفيء ويقسِّم، إلى أمثال هذه ممّا هو شأن الملوك والاُمراء في الاُمم والأجيال، وتُعرب عنه خطب أبي بكر وعمر لمـّا استخلفا(١) واستخلاف عثمان ومعاوية وابنه الطاغي، وهلمّ جرّا، وحديث عبد الله بن عمر وحميد بن عبد الرحمن كما يأتي بيانه.

وهم لا يوجبون في الخليفة قوَّةً في النفس منبعثةً عن نزاهة وقداسة وعصمة يتصرَّف بها صاحبها في الكائنات كيفما اقتضته المصلحة، ويبصر المغيَّب بعين بصيرته، أو بنور بصره الذي لا يقلُّ عن أشعَّة (رنتجن) التي يبصر صاحبها الأمعاء من وراء الجلد الغليظ وتُري ما في قبضة المسك بيده من ظهر اليد، وبلغت بها القوَّة حتى أخذت بها الصورة الشمسيَّة من وراء سياج الصندوق الحديدي.

والذي يخبت في القوى النفسيّة إلى مثل التنويم المغناطيسي الصناعي أو استحضار الأرواح واستخدامها للجواب عن كلِّ مسألة يريدها الإنسان ممّا في وراء عالم الشهود بقوَّة نفسه كيف يسعه إنكار ردّ الأرواح إلى الأجسام باذن ربِّها لدعاء وليٍّ، أو مقدرة صدِّيق موهوبة له من بارئ كيانه؟ وليس على الله بعزيز، هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمراً فإنَّما يقول له كن فيكون.

وكذلكَ من يشهد: انَّ الطائرات الجوِّية تطوي مئات من الفراسخ في آونة قصيرة، وكان يستدعي ذلك اشغال أشهر من الزمن يوم كانوا يطوونها على الظهور، أنّى يُسيغ له حجاه أن ينكر طيّ الأرض لمن يحمل بين جنبيه قوىً مفاضةً من المبدء الحقِّ سبحانه؟ وترى الجبال تحسبها جامدةً وهي تمرُّ مرَّ السحاب(٢) .

ومثله: الذي يبصر المذياع وهو ينقل الأصوات من أبعد المسافات فيسمعها كأنَّه يتلو القرآن الكريم، أو يُلقي خطابته، أو يسرد أخباره، أو يغنّي بأهازيجه إلى جنبه فهو لا يسعه إنكار ما يشابه ذلك في إمام حقّ مؤيَّد من عند الله، إنّ الله يُسمع مَن يشاء وما أنت بمسمع مَن في القبور(٣) .

____________________

١ - راجع الجزء السادس من الكتاب ص ١٩١ ط ٢ وهذا الجزء فيما يأتى.

٢ - سورة النمل آية ٨٨.

٣ - سورة فاطر آية ٢٢.

٧١

ونظيره: المتكلّم الذي تُمثَّل له بالقوى الممثِّلة صورةُ مَن يخاطبه ويتكلّم معه (في الهاتف) مِن صقعٍ شاسعٍ كأنّه يراه وينظر اليه من كَثَب. وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السَّموات والأرض(١) .

وأمثال هذه في المكتشفات الحديثة من آثار الكهرباء وغيره كثيرة ذلَّلت فيهم المعضلات التي كانت تقصر عنها العقول السذّج قبل هذا اليوم، ولعلَّ في المستقبل الكشَّاف يكون ما هو أعظم وأعظم من هذه كلّها، فإنَّ العلم لم يقف على حدّ، ولا دلَّت البرهنة على وصول الكشف إلى غايته المحدودة، فمن الجائز أن يتدرَّج إلى الأمام كما تدرَّج في هذه القرون الأخيرة جلّت قدرة بارئها.

أنا لا اُحاول جعل تلكم المعاجز وكرامات الأولياء من قبيل ما ذكرته من مجاري الناموس الطبيعيِّ، ولو أنَّها لا يعدوها الاعجاز حتَّى لو كانت على تلك المجاري، لأنَّها حدثت يوم لم تكن هذه الآثار مكتشفة، ولا عرفها أحدٌ من الناس، حتى أنَّه لو فاهَ بها أحدٌ لما كانوا يحفلون به إلّا بالهزء والسخريَّة معتقدين بأنّه يلهج بالمحال فصدورها من إنسان هذا ظرفه وتلك أحوال اُمَّته، ولم يعهد أنَّه دخل كلِّية أو تخرَّج على يد استاذ لا يعدوه أن تكون معجزة، لكنّا نعتقد أنَّ اولئك الأئمّة بما أنهَّم مقيّضون لإصلاح الاُمَّة ولا يكون إلّا بخضوعها لهم، وأقوى الحجج لاستلانة جماحها لذلك الخضوع هو صدور المعجزات والخوارق - لهم صلة بالمبدء الأقدس يسدِّدهم بها من فوق عالم الطبيعة، وهو لازم اللطف الواجب على الله سبحانه من تقريب البعيد إلى ما ذكرناه من الإكتشافات الحديثة لتقريب الأذهان وتشحيذها، وإيقاف المنصف على الحقايق. وقد فصَّلنا القول في بعض الموضوع في الجزء الخامس ٥٢، ٦٥ ط ٢.

فهلمَّ معي إلى اناس يشنِّعون على الشيعة باثبات تلكم النسب ويقذفونهم بالغلوِّ والكفر والشرك وهم يثبتونها لغير واحد من أولياءهم، وذكروا أضعاف ما عند الشيعة من تلكم الفضائل المرميَّة بالغلوِّ في تراجم العاديِّين من رجالهم، ونشروها في الملأ واتَّخذوها تاريخاً صحيحاً من دون أيِّ غمز وإنكار في السند، ومن غير مناقشة و نظرةٍ صحيحة في المتون، كلّ ذلك حبّاً وكرامة لأولئك الرجال، وحبُّ الشيىء يعمي

____________________

١ - سوره الانعام آية ٧٥.

٧٢

ويصمّ، وهذه السيرة مطَّردة فيهم منذ القرن الأول حتّى اليوم، ولا يسع لأيِّ باحثٍ رميُ أولئك المؤلِّفين الحفّاظ بالضَّلال والشرك والغلوِّ وخروجهم عمّا أجمعت عليه الاُمّة الاسلاميّة كما هم رموا الشيعة بذلك، على أنَّ الباحث يجد فيما لفَّقته يد الدعاية والنشر، ونسجته أكفُّ المخرقة والغلوِّ في الفضائل، عجائب وغرائب أو قل: سفاسف وسفسطات، تبعد عن نطاق العقل السليم، فضلاً عن أن تكون مشروعةً أو غير مشروعة وإليك البيان:

(الغلوّ فى أبى بكر)

ليس من العسير الشديد عرفان حدود أيِّ فرد شئت من الصَّحابة، إذ التاريخ - مع ما فيه من الخبط والخلط، مع ما نسجت عليه أيدي المعرَّة الأثيمة، مع ما طمس صحيحه بالفتن المظلمة في أدوارها وقرونها الخالية، مع ما لعبت به الأهواء المضلّة بالتحريف والاختلاق، مع ما دسَّ فيه عباقية الإفك والافتعال، مع ما سوِّدت صفحاته بآراء تافهة، و نظريّات سخيفة، ومبادئ فاسدة، ونعرات طائفيَّة، ومخاريق قوميَّة، وجنايات شعوبيّة - فيه رمزٌ من الحقيقة، لا يختلط للناقد البصير زُبده بخاثره، وصحيحه بسقيمه، ويسع له أن يستخرج المحض بالمخض، يتَّخذ منه دروس الحقايق، ويعرف به حدود الرجال، ومقاييس السلف، ومقادير الاُمم الغابرة.

ومن اللازم المحتوم علينا النظرة في تراجم الشخصيّات البارزة من رجال الإسلام سلفاً وخلفاً بعين الإكبار دون عين رمصة، ولا سيِّما من عُرف منهم بالخلافة الراشدة بين الملأ الدينيِّ ولو بالإنتخاب الدستوري الذي ليس له أيّ قيمة وكرامة في سوق الإعتبار، وميزان العدل، ربّك يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة(١) وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم(٢) ولله الأمر مِن قبلُ ومِن بعدُ، وهو وليّهم بما كانوا يعملون، وكذَّبوا وأتبَّعوا أهوائهم وكلّ أمر مستقرّ.

____________________

١ - سورة القصص آية ٦٨.

٢ - سورة الاحزاب آية ٣٦.

٧٣

فصاحب النبيِّ الأعظم في الغار، والمهاجر الوحيد معه في الرعيل الأوَّل من المهاجرين السابقين يهمّنا إكباره وإعظامه، ويُعدُّ من الجنايات الفاحشة بخس حقّه، والتقصير في تحديد نفسيّاته، والخروج عن قضاء العدل فيها، والنزول على حكم العاطفة.

ونحن لا نحوم حول موضوع الخلافة وانَّها كيف تمَّت؟ كيف صارت؟ كيف قامت؟ كيف دامت؟ وانَّ الآراء فيها هل كانت حرَّة؟ ووصايا المشرِّع الأعظم هل كانت متَّبعة؟ أو كانت للأهواء والشهوات يوم ذاك حكومة جبّارة هي تبطش وتقبض، وهي ترفع وتخفض، وهي ترتق وتفتق، وهي تنقض وتبرم، وهي تحلُّ وتعقد.

لا يهمّنا البحث عن هذه كلّها بعد ما سمعت اُذن الدنيا حديث السقيفة مجتمع الثويلة، وقرّطت بنبأ تلك الصاخّة الكبرى، والتحارش العظيم بين المهاجرين والأنصار، إذا وقعت الواقعة، ليس لوقعتها كاذبة، خافضة رافعة.

ما عساني أن أقول؟ والتاريخ بين يدي الباحث يدرسه بانَّ كلَّ رجل من سواد الناس يوم ذاك كان يرى الفوز والسّلامة لنفسه في عدم التحزُّب بأحد من تلكم الأحزاب المتكثّرة، وترك الإقتحام في تلك الثورات النائرة، وكانت الخواطر تهدِّده بالقتل مهما أبدى الشقاق، أو التحيز إلى فئة دون فئة، بعد ما رأت عيناه فِرند الصارم المسلول، وسمعت اُذناه نداء محزّ(١) يتوعّد بالقتل كلَّ قائل بموت رسول الله ويقول: لا أسمع رجلاً يقول: مات رسول الله. إلّا ضربته بسيفي. أو يقول: من قال: إنَّه مات. علّوت رأسه بسيفي، وإنّما ارتفع إلى السَّماء(٢) .

يصيح: مَن قال نفس المصطفى قبضت

علّوت هامته بالسيف أبريها(٣)

بعد ما تشازرت الاُمَّة وتلاكمت وتكالمت وقام الشيخان يعرض كلٌّ منهما البيعة

____________________

١ - المحز: الرجل الغليظ الكلام.

٢ - تأريخ الطبرى ٣: ١٩٨، شرح ابن ابى الحديد ١: ١٢٨، تاريخ ابن كثير ٥: ٢٤٢، تأريخ ابى الفدا ج ١: ١٥٦، المواهب اللدنية للقسطلانى، روضة المناظر لابن شحنة هامش الكامل ٧: ١٦٤، شرح المواهب للزرقانى ٨: ٢٨٠، السيرة النبوية لزينى دحلان هامش الحلبية ٣: ٣٧١ - ٣٧٤، ذكرى حافظ للدمياطى ص ٣٦ نقلا عن الغزالى.

٣ - من ابيات القصيدة العمرية لحافظ ابراهيم شاعر النيل.

٧٤

لصاحبه قبل أخذ الرأي عن أيِّ أحد، كأنَّ الأمر دبّر بليل، فيقول هذا لصاحبه: ابسط يدك فلاُبايعك. ويقول آخر: بل أنت. وكلٌّ منهما يريد أن يفتح يد صاحبه ويبايعه، ومعهما أبو عبيدة الجراح حفّار القبور بالمدينة(١) يدعو الناس اليهما(٢) والوصيُّ الأقدس والعترة الهادية وبنو هاشم ألهاهم النبيُّ الأعظم وهو مسجّى بين يديهم وقد أغلق دونه الباب أهله(٣) وخلّى أصحابهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بينه وبين أهله فولوا إجنانه(٤) و مكث ثلاثة أيّام لا يُدفن(٥) أو من يوم الاءثنين إلى يوم الأربعاء أو ليلته(٦) فدفنه أهله ولم يله إلّا أقاربه(٧) دفنوه في الليل أو في آخره(٨) ولم يعلم به القوم إلّا بعد سماع صريف المساحي وهم في بيوتهم من جوف الليل(٩) ولم يشهد الشيخان دفنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١٠) .

بعد ما رأى الرجل عمر بن الخطاب محتجراً يهرول بين يدي أبي بكر وقد نبر حتى أزبد شدقاه(١١) .

بعد ما قرعت سمعه عقيرة صحابيّ بدريّ عظيم - الحباب بن المنذر - وقد انتضى سيفه على أبي بكر ويقول: والله لا يردُّ عليَّ أحدٌ ما أقول إلّا حطمت أنفه بالسيف،

____________________

١ - راجع الجزء الخامس من هذا الكتاب ص ٣١٤، ٣١٥ ط ٢.

٢ - تأريخ الطبرى ٣: ١٩٩.

٣ - سيرة ابن هشام ٤: ٣٣٦، الرياض النضرة ١: ١٦٣.

٤ - طبقات ابن سعد ص ٨٢١ ط ليدن ج ٢ من القسم الثانى ص ٧٦.

٥ - تأريخ ابن كثير ٥ ص ٢٧١، تاريخ ابى الفدا ج ١: ١٥٢.

٦ - طبقات ابن سعد ط ليدن ج ٢ ص ٥٨، ٧٩، سيرة ابن هشام ٤ ص ٣٤٣، ٣٤٤، مسند احمد ٦: ٢٧٤، سنن ابن ماجة ١ ص ٤٩٩، سيرة ابن سيد الناس ٢ ص ٣٤٠، تأريخ ابي الفداء ١: ١٥٢ وقال: الاصح دفنه ليلة الاربعاء، تاريخ ابن كثير ٥ ص ١٧١ وقال: هو المشهور عن الجمهور. وقال: والصحيح انه دفن ليلة الاربعاء، السيرة الحلبية ٣ ص ٣٩٤، شرح المواهب للزرقانى ٨ ص ٢٨٤، سيرة زينى دحلان هامش الحلبية ٣ ص ٣٨٠.

٧ - طبقات ابن سعد ص ٨٢٤، ط ليدن ٢ من القسم الثاني ص ٧٨.

٨ - سنن ابن ماجة ١ ص ٤٩٩، مسند احمد ٦: ٢٧٤.

٩ - الطبقات لابن سعد ص ٨٢٤ ط ليدن ٢ من القسم الثانى ص ٧٨، مسند احمد ٦: ٢٧٤، سيرة ابن هشام ٤ ص ٣٤٤، تأريخ ابن كثير ٥ ص ٢٧٠.

١٠ - أخرجه ابن ابى شيبة كما فى

كنز العمال ٣ ص ١٤٠.

١١ - طبقات ابن سعد ص ٧٨٧، ط ليدن ج ٢ من القسم الثاني ص ٥٣، شرح ابن ابى الحديد ١ ص ١٣٣.

٧٥

أنا جُذيلها المحكَّك(١) وعُذيقها المرجّب، أنا أبو شبل في عرينة الأسد يُعزى إلى الاسد، فيقال عليه: إذن يقتلك الله. فيقول: بل إياك يقتل. أو: بل أراك تقتل(٢) فأخذ ووطىء في بطنه، وُدسَّ في فيه التراب(٣) .

بعد ما شاهد ثالثاً يخالف البيعة لابي بكر وينادي: أما والله أرميكم بكلِّ سهم في كنانتي من نبل. وأخضب منكم سناني ورمحي، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي، واُقاتلكم مع من معي من أهلي وعشيرتي(٤) .

بعد ما رأى رابعاً يتذمَّر على البيعة، ويشبُّ نار الحرب بقوله: إنِّي لأرى عجاجة لا يطفئها إلّا دم(٥) .

بعد ما نظر إلى مثل سعد بن عبادة أمير الخزرج وقد وقع في ورطة الهون يُنزى عليه، ويُنادى عليه بغضب: اقتلوا سعداً قتله الله إنِّه منافق. أو: صاحب فتنة. وقد قام الرجل على رأسه ويقول: لقد هممت أن أطئك حتَّى تندر عضوك. أو تندر عيونك(٦) .

بعد ما شاهد قيس بن سعد قد أخذ بلحية عمر قائلاً: والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة. أو: لو خفضت منه شعرة ما رجعت وفيك جارحة(٧)

____________________

١ - الجذل بالكسر والفتح: أصل الشجرة والعود الذى ينصب للابل الجربى لتحتكّ به فتستشفى به، فالقول مثل يضرب لمن يستشفى برأيه ويعتمد عليه، والتصغير للتعظيم.

وكذلك عذيقها المرجّب. والعذق: النخلة بحملها والترجيب أن تدعم الشجرة اذ اكثر حملها لئلا تنكسر اغصانها.

٢ - صحيح البخارى ١٠ ص ٤٥، مسند احمد ١ ص ٥٦، البيان والتبيين ٣ ص ١٨١. سيرة ابن هشام ٤ ص ٣٣٩ العقد الفريد ٢ ص ٢٤٨، الامامة والسياسة ١ ص ٩، تاريخ الطبرى ٣ ص ٢٠٩، ٢١٠، تاريخ ابن الاثير ٢ ص ١٣٦، ١٣٧، الرياض النضرة ١ ص ١٦٢، ١٦٤، تاريخ ابن كثير ٥ ص ٢٤٦ ج ٧ ص ١٤٢، الصفوة ١ ص ٩٧، تيسير الوصول ٢ ص ٤٥، شرح ابن ابى الحديد ١ ص ١٢٨ و ج ٢ ص ٤، السيرة الحلبية ٣ ص ٣٨٧، ابو بكر الصديق للاستاذ محمد رضا المصرى ص ٢٥.

٣ - شرح ابن ابى الحديد ٢ ص ١٦.

٤ - الامامة والسياسة ١ ص ١١، تاريخ الطبرى ٣ ص ٢١٠، تاريخ ابن الاثير ٢ ص ١٣٧. شرح ابن ابى الحديد ١ ص ١٢٨، السيرة الحلبية ٣ ص ٣٨٧.

٥ - راجع الجزء الثالث من كتابنا هذا صفحة ٢٥٣ ط ٢.

٦ - مسند احمد ١ ص ٥٦، العقد الفريد ٢ ص ٢٤٩، تاريخ الطبرى ٣ ص ٢١٠، سيرة ابن هشام ٤ ص ٣٣٩، الرياض النضرة ١: ١٦٢، ١٦٤، السيرة الحلبية ٣ ص ٣٨٧.

٧ - تاريخ الطبرى ٣ ص ٢١٠، السيرة الحلبية ٣ ص ٣٨٧.

٧٦

بعد ما عاين الزبير وقد اخترط سيفه ويقول: لا أغمده حتى يبايع عليٌّ فيقول عمر: عليكم الكلب، فيؤخذ سيفه من يده ويُضرب به الحجر ويُكسر(١) .

بعد ما بصر مقداداً ذلك الرجل العظيم وهو يدافع في صدره أو نظر إلى الحباب ابن المنذر وهو يحطَّم أنفه، وتُضرب يده. أو إلي اللائذين بدار النبوَّة، مأمن الاُمَّة، وبيت شرفها، بيت فاطمة وعليٍّ - سلام الله عليهما - وقد لحقهم الإرهاب والترعيد(٢) وبعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب وقال لهم: إن أبوا فقاتلهم. فأقبل عمر بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة فقالت: يا بن الخطّاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخل فيه الاُمَّة(٣) .

بعد ما رأى هجوم رجال الحزب السياسيِّ دار أهل الوحي وكشف بيت فاطمة(٤) وقد علت عقيرة قائدهم بعد ما دعا بالحطب: والله لتحرقنَّ عليكم أو لتخرجنَّ إلى البيعة. أو لتخرجنَّ إلى البيعة أو لأحرقنَّها على مَن فيها، فيقال للرجل: إنَّ فيها فاطمة فيقول: وإن(٥) .

بعد قول ابن شحنة: إنَّ عمر جاء إلى بيت عليٍّ ليحرقه على من فيه فلقيته فاطمة فقال: ادخلوا فيما دخلت فيه الاُمَّة « تاريخ ابن شحنة هامش الكامل ٧ ص ١٦٤ »

بعد ما سمع أنّةً وحنّةً من حزينة كئيبة - بضعة المصطفى - وقد خرجت عن خدرها وهي تبكي وتنادي بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول الله! ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و إبن أبي قحافة؟(٦) .

____________________

١ - الامامة والسياسة ١ ص ١١، تاريخ الطبرى ٣ ص ١٩٩، الرياض النضرة ١ ص ١٦٧، شرح ابن ابى الحديد ١ ص ٥٨، ١٣٢، ج ٢ ص ٥، ١٩.

٢ - تاريخ الطبرى ٣: ٢١٠، شرح ابن أبى الحديد ١: ٥٨.

٣ - العقد الفريد ٢: ٢٥٠ تاريخ ابى الفدا ج ١: ١٥٦، اعلام النساء ٣: ١٢٠٧.

٤ - الاموال لابى عبيد ص ١٣١، الامامة والسياسة لابن قتيبة ١: ١٨، تاريخ الطبرى ٤: ٥٢ مروج الذهب ١: ٤١٤، العقد الفريد ٢: ٢٥٤، تاريخ اليعقوبى ٢: ١٠٥.

٥ - تاريخ الطبرى ٣: ١٩٨، الامامة والسياسة ١: ١٣، شرح ابن ابى الحديد ١: ١٣٤. ج ٢: ١٩ اعلام النساء ٣: ١٢٠٥.

٦ - الامامة والسياسة ١: ١٣ اعلام النساء ٣: ١٢٠٦. الامام على لعبد الفتاح عبد المقصود ١: ٢٢٥.

٧٧

بعد ما رآها وهي تصرخ وتولول ومعها نسوة من الهاشميّات تنادي: يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله، والله لا أكلّم عمر حتّى ألقى الله.

« شرح ابن ابي الحديد ١ ص ١٣٤ ج ٢ ص ١٩ »

بعد ما شاهد هيكل القداسة والعظمة - أمير المؤمنين - يُقاد إلى البيعة كما يُقاد الجمل المخشوش(١) ويُدفع ويٌساق سوقاً عنيفاً واجتمع الناس ينظرون ويقال له: بايع: فيقول: إن أنا لم أفعل فمه؟ فيقال: إذن والله الذي لا إلـ~ـه إلّا هو نضرب عنقك فيقول: إذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله(٢) .

بعد ما رأى صنو المصطفى عليّاً لاذ بقبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يصيح ويبكي و يقول: يا ابن اُمّ! إنَّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني(٣) .

بعد نداء أبي عبيدة الجرّاح لعليّعليه‌السلام يوم سيق إلى البيعة: يا بن عمّ إنَّك حديث السنِّ وهؤلاء مشيخة قومك ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالاُمور ولا أرى أبا بكر إلّا أقوى على هذا الأمر منك وأشدّ احتمالاً واستطلالا، فسلّم لأبي بكر هذا الأمر فإنَّك إن تعش ويطل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليقٌ وحقيقٌ في فضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك(٤) .

بعد رفع الأنصار عقيرتهم في ذلك اليوم العصبصب بقولهم: لا نبايع إلّا عليّاً. و بعد صياح بدريِّهم: منّا أميرٌ ومنكم أميرٌ، وقول عمر له: إذ كان ذلك فمت إن استطعت(٥) .

بعد قول أبي بكر للأنصار: نحن الاُمراء وأنتم الوزراء، وهذا الأمر بيننا وبينكم

____________________

١ - العقد الفريد ٢ ص ٢٨٥، صبح الاعشى ١ ص ٢٢٨. شرح ابن ابى الحديد ٣ ص ٤٠٧.

٢ - الامامة السياسة ١ ص ١٣، شرح ابن ابى الحديد ٢ ص ٨ و ١٩، اعلام النساء ٣ ص ١٢٠٦.

٣ - الامامة والسياسة ١: ١٤.

٤ - الامامة والسياسة ١ ص ١٣، شرح ابن ابى الحديد ٢ ص ٥.

٥ - صحيح البخارى فى مناقب ابى بكر وفى باب رجم الحبلى ج ١٠ ص ٤٥، طبقات ابن سعد ٢ ص ٥٥ و ج ٣ ص ١٢٩، البيان والتبيين للجاحظ ٣ ص ١٨١، سيرة ابن هشام ٤ ص ٣٣٩. التمهيد للباقلانى ص ١٩٧، تاريخ الطبرى ٣ ص ٢٠٦ و ٢٠٩، مستدرك الحاكم ٣ ص ٦٧، الرياض النضرة ١ ص ١٦٢، ١٦٣، ١٦٤، تاريخ ابن كثير ٥ ص ١٤٦، تيسير الوصول ٢ ص ٤١، ٤٥.

٧٨

نصفان كشقِّ الابلمة - يعني الخوصة -(١) .

مدَّت لها الاوس كفّاكي تناولها

فمدَّت الخزرج الأيدي تباريها

وظنَّ كلُّ فريق أنّ صاحبه

أولى بها وأتى الشحناء آتيها(٢)

بعد قول امّ مسطح بن أثاثة واقفةً عند قبر النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي تنادي: يا رسول الله!

قد كان بعدك أنباءٌ وهنبثةٌ(٣)

لو كنت شاهدها لم تكثر الخطبُ

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها

واختلَّ قومك فاشهدهم ولا تغب(٤)

هذه كلّها كانت تهدِّد السواد، وتروِّع عامَّة الناس وما كان لأحد في إصلاح القوم مطمع، ولا لأيّ من الاُمَّة بعد ما شاهد الحل يوم ذاك حسبان حرمة ولا كرامة لنفسه يقوم بها تجاه ذلك التيّار المتدفِّق.

وكانت هناك اُمَّةٌ تراها سكارى - وما هي بسكارى - من حراجة الموقف تسارّها هواجسها بالتربّص إلى حين، حتّى تضع الغائلة أوزارها، ويتّضح مآل أمر دبّر بليل، ويتبيَّن الرشد من الغيِّ، وهواجس تجعل جماعة كالنزيعة تجهش وتحنُّ وتقرع سنَّ الأسف، وكم حنون لا يجديه حنينه.

وما عساني أن قول في تلك الخلافة؟ بعد ما رآها أبو بكر وعمر بن الخطاب فلتة كفلتة الجاهليَّة وقى الله شرَّها(٥) .

بعد ما حكم عمر بقتل من عاد إلى مثل تلك البيعة(٦) .

بعد قوله يوم السقيفة: من بايع أميراً عن غير مشورة المسلمين فلا بيعة له ولا

____________________

١ - صحيح البخارى فى مناقب ابى بكر البيان والتبيين ١ ص ١٨١، عيون الاخبار لابن قتيبة ٢ ص ٢٣٤، طبقات ابن سعد ٢ ص ٥٥، ج ٣ ص ١٢٩، العقد الفريد ٢ ص ١٥٨، تيسير الوصول ٢ ص ٤٥٢، السيرة الحلبية ٣ ص ٣٨٦، نهاية ابن الاثير ١ ص ١٣ فيه: كقد الابلمة. تاج العروس ٨ ص ٢٠٥.

٢ - من أبيات القصيدة العمرية الحافظ ابراهيم شاعر النيل.

٣ - الهنبثة: الامر الشديد والاختلاط فى القول.

٤ - طبقات ابن سعد ص ٨٥٣، شرح ابن ابى الحديد ٢ ص ١٧، و ج ١ ص ١٣٢، وقد يعزى البيتان مع ابيات اخرى الى الصديقة فاطمة سلام الله عليها.

٥ - التمهيد للباقلانى ص ١٩٦، شرح ابن ابى الحديد ٢: ١٩، الغدير لنا ج ٥: ٣٧٠.

٦ - التمهيد ص ١٩٦ شرح ابن ابي الحديد ١: ١٢٣، ١٢٤، الصواعق لابن حجر ص ٢١.

٧٩

بيعة للذي بايعه تغرّة أن يقتلا(١) .

بعد قوله لابن عباس: لقد كان عليٌّ فيكم أولى بهذا الأمر منّي ومن أبي بكر(٢) بعد قوله: إنّا والله ما فعلناه عن عداوة ولكن استصغرناه، وحسبنا أن لا يجتمع عليه العرب وقريش لما قد وترها.

بعد قول ابن عبّاس له في جوابه: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبعثه فينطح كبشها فلم يستصغره، أفتستصغره أنت وصاحبك؟(٣) .

بعد قول عمر لابن عبّاس: يا بن عبّاس! ما أظنُّ صاحبك الّا مظلوماً. وقول ابن عبّاس له: والله ما استصغره الله حين أمره أن يأخذ سورة براءة من أبي بكر، (شرح ابن أبي الحديد ٢ ص ١٨)

بعد قول أبي السبطين أمير المؤمنين: أنا عبد الله وأخو رسول الله، أنا أحقُّ بهذا الأمر منكم، لا اُبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، فيقول عمر: لستَ متروكاً حتى تبايع. فيقول عليٌّ: احلب يا عمر! حلباً لك شطره(٤) .

بعد قولهعليه‌السلام : ألله ألله يا معشر المهاجرين! ألا تخرجوا سلطان محمَّد في العرب من داره، وقعر بيته إلى دوركم، وتدفعون أهله عن مقامه في الناس وحقّه، فوالله يا معشر المهاجرين فنحن أحقُّ الناس به لأنّا أهل البيت ونحن أحقُّ بهذا الأمر منكم، ما كان فينا القارئ لكتاب الله، العالم بسنن الله، المتطلّع لأمر الرعيَّة الدافع عنهم الأمور السيّئة، القاسم بينهم بالسويَّة، والله انَّه لفينا، فلا تتَّبعوا الهوى فتضلّوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحقِّ بعدا(٥) .

بعد قولهعليه‌السلام : لَمّا مضى - المصطفى - لسبيله تنازع المسلمون الأمر بعده، فوالله ما كان يُلقى في روعى، ولا يخطر على بالي أنَّ العرب تعدل هذ الأمر بعد محمَّد

____________________

١ - صحيح البخارى ١٠: ٤٤ باب رجم الحبلى من الزنا، مسند أحمد ١: ٥٦، سيرة ابن هشام ٤: ٣٣٨ نهاية ابن الاثير ٣: ١٧٥، تيسير الوصول ٢: ٤٥ شرح ابن ابي الحديد ١: ١٢٨، تاريخ ابن كثير ٥: ٢٤٦.

٢ - شرح ابن ابى الحديد ١: ١٣٤ و ج ٢: ٢٠، الغدير كتابنا هذا ج ١: ٣٨٩.

٣ - راجع الجزء الاول من كتابنا هذا ص ٣٨٩ ط ٢، كنز العمال ٦ ص ٣٩١.

٤ - الامامة والسياسة ١ ص ١٢، شرح ابن أبى الحديد ٢ ص ٥.

٥ - الامامة والسياسة ١ ص ١٢، شرح ابن أبى الحديد ٢ ص ٥.

_٥_

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

٥٠

يحل لعليعليه‌السلام في المسجد ما يحل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

سليم عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفي يده عسيب(١) رَطب ونحن في مسجده، فجعل يضربنا ويقول: لا ترقدوا في المسجد.

قال جابر: فخرجنا وأراد عليعليه‌السلام أن يخرج معنا، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أين تخرج يا أخي؟! إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي. أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إن الله أمر موسى أن يبني مسجداً طاهراً طيباً لا يسكنه معه إلا هو وابناه شبر وشبير.

عليعليه‌السلام الذائد عن الحوض يوم القيامة

يا أخي، والذي نفسي بيده إنك لَلذائد عن حوضي بيدك كما يذود الرجل عن إبله الإبل الجربة، كأني أنظر إلى مقامك من حوضي معك عصى من عوسج.(٢)

____________________

١. العسيب: جريدة من النخل كُشِط خوصها.

٢. العوسج: شجيرة من فصيلة الباذنجانيات، أغصانه شائكة وأزهاره مختلفة الألوان.

٤٠١

٥١

يحل مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل بيته فقط

سليم بن قيس قال: سمعت أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول: كأني أنظر إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بصحن مسجده يقول:

«ألا إنه لا يحل مسجدي لجنب ولا لحائض غيري وغير أخي وغير ابنتي ونسائي وخدمي وحشمي. ألا هل سمعتم؟ ألا هل بيَّنت لكم؟ ألا لا تضلوا»، ينادي بذلك نداءً.

٤٠٢

٥٢

عليعليه‌السلام صديق الأمة وفاروقها

وذكر سليم بن قيس أنه جلس إلى سلمان وأبي ذر والمقداد في إمارة عمر بن الخطاب، فجاء رجل من أهل الكوفة فجلس إليهم مسترشداً. فقالوا له: عليك بكتاب الله فألزِمه، وعلي بن أبي طالب فإنه مع الكتاب لا يفارقه.

وإنا نشهد أنا سمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «إن علياً مع القرآن والحق، حيثما دارَ دارَ.(١) إنه أول من آمن بالله وأول من يُصافحني يوم القيامة من أمتي،وهو الصديق الأكبر والفاروق بين الحق والباطل ، وهو وصيي ووزيري وخليفتي في أمتي ويقاتل على سنتي».

أبو بكر وعمر انتحلا اسم غيرهما!

فقال لهم الرجل: فما بال الناس يسمون أبا بكر الصديق وعمر الفاروق؟

فقالوا له(٢) :نحلهما الناس اسم غيرهما (٣) كما نحلوهما خلافة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإمرة المؤمنين ،

____________________

١. هكذا في النسخ بصيغة المفرد.

٢. من هنا إلى آخر الحديث في «الفضائل» هكذا:

فقالوا له: الناس تجهل حق عليعليه‌السلام . كما جهل خلافة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جهلا حق أمير المؤمنينعليه‌السلام . وما هما لهما باسم لأنهما اسم غيرهما. والله إن علياً هو الصديق الأكبر والفاروق الأزهر، والله إن علياً لخليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإنه أمير المؤمنين أمرنا وأمرهم به رسول الله فسلمنا إليه - جميعاً وهما معاً - بإمرة المؤمنين والفاروق الأزهر وأنه الصديق الأكبر.

٣. أورد الكاندهلوي في حياة الصحابة: ج ٢ ص ٢٢ عن ابن شهاب قال: بلغنا أن أول من قال لعمر «الفاروق» أهل الكتاب.

٤٠٣

وما هو لهما باسم لأنه اسم غيرهما. إن علياً لخليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين. لقد أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمرهما معنا فسلَّمنا على عليعليه‌السلام بإمرة المؤمنين.(١)

____________________

١. ورد هذا الحديث في الإحتجاج للطبرسي بتفاوت كثير. ولذا نورد ما في الإحتجاج هيهنا:

قال سليم بن قيس: جلست إلى سلمان وأبي ذر والمقداد، فجاء رجل من أهل الكوفة فجلس إليهم مسترشداً، فقال له سلمان: عليك بكتاب الله فألزمه وعلي بن أبي طالبعليه‌السلام فإنه مع القرآن لا يفارقه، فإنا نشهد أنا سمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إن علياً يدور مع الحق حيث دار، وإن علياً هو الصديق والفاروق، يفرق بين الحق والباطل.

قال: فما بال القوم يسمون أبا بكر الصديق وعمر الفاروق؟

قال: نحلهما الناس اسم غيرهما كما نحلوهما خلافة رسول الله وإمرة المؤمنين. لقد أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمرهما معنا فسلمنا جميعاً على علي بن أبي طالبعليه‌السلام بإمرة المؤمنين.

٤٠٤

٥٣

الدافع لحرب الجمل وصفين عند عليعليه‌السلام

سليم قال: سمعت علياًعليه‌السلام يقول يوم الجمل ويوم الصفين:

إني نظرت فلم أجد إلا الكفر بالله والجحود بما أنزل الله تعالى، أو الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فاخترت الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على الكفر بالله والجحود بما أنزل الله ومعالجة الأغلال في نار جهنم، إذا وجدت أعواناً على ذلك.

إني لم أزل مظلوماً منذ قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلو وجدت قبل اليوم أعواناً على إحياء الكتاب والسنةكما وجدتهم اليوم لقاتلت ولم يسعني الجلوس.

٤٠٥

٥٤

أهل البيتعليهم‌السلام الشهداء على الناس

يحذر على الدين من ثلاثة رجال

سليم بن قيس قال: سمعت علي بن أبي طالبعليه‌السلام يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

احذروا على دينكمثلاثة رجال : رجل قرأ القرآن حتى إذا رآى عليه بهجته كأنَّ رداء للإيمان غيَّره إلى ما شاء الله، اخترط سيفه على أخيه المسلم ورماه بالشرك.

قلت: يا رسول الله، أيهما أولى بالشرك؟ قال: الرامي به منهما.

ورجل استخفَّته الأحاديث، كلما انقطعت أحدوثة كَذِب مثلها أطول منها. إن يدرك الدجال يتبعه.

ورجل آتاه الله عز وجل سلطاناً فزعم أن طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله، وكذب، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لا طاعة لمن عصى الله.

العصمة هي المناط في طاعة النبي والأئمةعليهم‌السلام

إنما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه فقال:( أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (١) ، لأن الله إنما أمر بطاعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأنهمعصوم مطهرٌ لا يأمر بمعصية الله، وإنما أمر بطاعة أولي الأمر لأنهممعصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية الله.

____________________

١. سورة النساء: الآية ٥٩.

٤٠٦

طريق أهل البيتعليهم‌السلام ينجي من الضلال

قال: ثم أقبل عليَّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام - حين فرغ من حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - فقال: لا بد من رحى ضلالة، فإذا قامت طحنت وإن لطحنها روقاً وإن روقها حدَّتها وعلى الله فلُّها.

إن أبرار عترتي وطيِّب أُرومتي أحلم الناس صغاراً وأعلمهم كباراً. ألا وبنا يفرِّج الله الضيِّق والزمان الكلب، وعلى أيدينا يغيِّر الكذب.

ألا وإنا أهل بيت من حكم الله حكمنا وقول صادق سمعنا، فإن تتبعوا سبيلنا وتسلكوا طريقنا وآثارنا تهتدوا ببصائرنا، وإن تخالفونا تهلكوا، وإن تقتدوا بنا تجدونا على الكتاب أمامكم،وإن تخالفونا لم تضروا بذلك إلا أنفسكم .

إن الله يسأل الشهداء من أهل البيتعليهم‌السلام عن أهل زمانهم

إن الله سائل أهل كل زمان ويُدعى الشهداء عليهم في زمانهم منا،فمن صدق صدقناه ومن كذب كذبناه .(١) إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو المنذر الهادي الرسول إلى الجن والأنس إلى يوم القيامة، لا نبي بعده ولا رسول، ولا ينزل بعد القرآن كتاباً.

ولكل أهل زمان هاد ودليل وإمام يهديهم ويدلُّهم ويرشدهم إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم؛ كلما مضى هاد خلَّف آخر مثله. هم مع الكتاب والكتاب معهم لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حوضه.

____________________

١. يمكن قراءة هذه الفقرة بالتشديد هكذا: فمن صدَّق صدَّقناه ومن كذَّب كذَّبناه.

٤٠٧

إنا أهل بيت دعا الله لنا أبونا إبراهيمعليه‌السلام فقال: «فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم»(١) ، فإيانا عنى الله بذلك خاصة.

ونحن الذين عنى الله: «يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون» إلى آخر السورة(٢) ، فرسول الله الشاهد علينا ونحن شهداء الله على خلقه وحججه في أرضه.

ونحن الذين عنى الله بقوله: «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس» إلى آخر الآية.(٣) فلكل زمان منا إمام شاهد على أهل زمانه.(٤)

____________________

١. سورة إبراهيم: الآية ٣٧.

٢. سورة الحج: الآيتان ٧٧ و ٧٨. والآية الثانية هكذا: «وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير».

٣. سورة البقرة: الآية ١٤٣، وتمام الآية هكذا: «... ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم».

٤. ورد الحديث في خصال الصدوق بصورة أخصر وبتفاوت، وهذا نص ما في الخصال:

سليم بن قيس قال: سمعت علي بن أبي طالبعليه‌السلام يقول: احذروا على دينكم ثلاثة رجال: رجلاً قرأ القرآن حتى إذا رأيت عليه بهجته اخترط سيفه على جاره ورماه بالشرك. قلت: يا أمير المؤمنين، أيهما أولى بالشرك؟ قال: الرامي.

ورجلاً استخفَّته الأحاديث، كلما حدث أحدوثةَ كذبٍ مدها بأطول منها.

ورجلاً آتاه الله عز وجل سلطاناً فزعم أن طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله، وكذب لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. لا ينبغي للمخلوق أن يكون حبه لمعصية الله، فلا طاعة في معصيته ولا طاعة لمن عصى الله، إنما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر. إنما أمر الله عز وجل بطاعة الرسول لأنه معصوم مطهر لا يأمر بمعصيته وإنما أمر بطاعة أولي الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصيته.

٤٠٨

٥٥

اعترافات سعد بن أبي وقاص بشأن أمير المؤمنينعليه‌السلام

قال سليم بن قيس: لقيت سعد بن أبي وقاص وقلت له: إني سمعت علياًعليه‌السلام يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «اتقوا فتنة الأُخَيْنِس (١) ،اتقوا فتنة سعد ، فإنه يدعو إلى خذلان الحق وأهله». فقال سعد: اللهمَّ إني أعوذ بك أن أبغض علياً أو يبغضني، أو أقاتل علياً أو يقاتلني، أو أعادي علياً أو يعاديني.

فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام على لسان سعد

إن علياً كانت له خصال لم تكن لأحد من الناس مثلها:

إنه صاحب براءة حين قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنه لا يبلغ عني إلا رجل مني».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله له يوم غزاة تبوك: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة، فإنه لا نبي بعدي».

وأمرصلى‌الله‌عليه‌وآله بسد كل باب شارع إلى المسجد غير بابه؛ فجهد عمر أن يرخص له في كوة صغيرة قدر عينه فأبى ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال عند ذلك حمزة والعباس وجعفر: «سددت أبوابنا وتركت باب علي»؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما أنا سددتها ولا فتحت بابه، ولكن الله سدها وفتح بابه ».

وآخى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين كل رجلين من أصحابه، فقالعليه‌السلام له: آخيت بين كل رجلين من أصحابك وتركتني؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة».

____________________

١. «ج» خ ل: الأخنس، بمعنى المتأخر والمتنحي.

٤٠٩

غزوة خيبر على لسان سعد

وقال في يوم خيبر حين انهزم أبو بكر وعمر فغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: «ما بال أقوام يلقون المشركين ثم يفرون؟ لأدفعنَّ الراية غداً إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ليس بجبان ولا فرار ولا يرجع حتى يفتح الله على يديه خيبراً».

فلما أصبحنا اجتمعنا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأريت رسول الله وجهي(١) فقال: «أين أخي، ادعوا لي علياً». فأتوه به، فإذا هو رَمِدٌ يقاد من رَمَده وعليه إزار وغبار الدقيق عليه وكان يطحن لأهله. فأمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فوضع رأسه في حجره وتفل في عينيه. ثم عقد له ودعا له، فما انثنى حتى فتح الله له وأتاه بصفية بنت حُيي بن أخطب، فأعتقها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها.

واقعة الغدير على لسان سعد

وأعظم من ذلك - يا أخا بني هلال(٢) -يوم غدير خم ، أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيده- وأنا أنظر إليه - رافعاً عضديه فقال: «ألست أولى بكم من أنفسكم»؟ فقالوا: بلى. قال: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهمَّ وال من والاه وعاد من عاداه. ليبلغ الشاهد الغائب».

محاولة سعد بن أبي وقاص تبرير نفاقه

قال سليم: وأقبل عليَّ سعد فقال: إنما شككت ولست بقاتل نفسي! إن كان سبقني إلى فضل غبت عنه إني لم أزعم أني مخطئ ولا مسىء، بل هو على الحق.

____________________

١. قائل هذا الكلام سعد بن أبي وقاص.

٢. المخاطَب به سليم بن قيس الهلالي.

٤١٠

٥٦

المهاجرون والأنصار لم يواجهوا علياًعليه‌السلام في حروبه

قال: وذكر سليم: أنه لم يكن معطلحة والزبير رجل واحد من المهاجرين والأنصار، ولا معمعاوية رجل من المهاجرين والأنصار، ولا معالخوارج يوم النهروان أحد من المهاجرين والأنصار.

سعد يخبر عن رئيس الخوارج

قال: وسمعت سعداً وذكرالمخدج ، قال: فقال عليعليه‌السلام : قُتل شيطان الوهدة. قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «أُمُّه أمَةٌ لبني سليم وأبوه شيطان»!

٤١١

٥٧

ندامة الثلاثة المتخلفين عن عليعليه‌السلام

قال سليم بن قيس: وجلست يوماً إلى محمد بن مسلمة وسعد بن مالك وعبد الله بن عمر(١) ، فسمعتهم يقولون:لقد تخوَّفنا أن نكون قد هلكنا بتخلفنا عن نصرة علي وعن قتالنا معه الفئة الباغية.

فقلت: اللهمَّ إني قد سمعت علياًعليه‌السلام يقول: «أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين».

قال: فبكوا، ثم قالوا: صدق عليعليه‌السلام وبرَّ، ما قال على الله ولا على رسوله قط إلا الحق.فنستغفر الله من تخلفنا عنه وخذلاننا إياه .

____________________

١. هؤلاء الثلاثة هم الذين تخلفوا عن بيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام والمسير معه إلى القتال. روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين: ص ٦٥ عن خفاف بن عبد الله قال: ثم تهيأ عليعليه‌السلام للمسير إلى البصرة وخفَّ معه المهاجرون والأنصار؛ وكره القتال معه ثلاثة نفر: سعد بن مالك (وهو ابن أبي وقاص) وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة.

وروى ابن أبي الحديد أن محمد بن مسلمة كان معهم (يوم بيعة أبي بكر) وأنه هو الذي كسر سيف الزبير. راجع البحار: ج ٨ طبع قديم ص ٥٩.

٤١٢

٥٨

احتجاجات أبان على الحسن البصري

التبرك بتراب أقدام أمير المؤمنينعليه‌السلام

سليم بن قيس، قال: سمعت سلمان يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام :

«لولا أن تقول طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك مقالة تتبع أمتي آثار قدميك في التراب فيقبلونه ».(١)

فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام على لسان الحسن البصري

قال أبان: فحدثت الحسن بن أبي الحسن - وهو في بيت أبي خليفة(٢) - بهذا الحديث عن سليم عن سلمان. فقال الحسن: «والله لقد سمعت في علي حديثين ما حدثت بهما

____________________

١. ورد هذا الحديث في «ج» خ ل هكذا: سليم قال: سمعت سلمان يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعليعليه‌السلام : «لولا أن تقول أمتي فيك ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك مقالة تتبع أمتي آثار قدميك في التراب فيقبلونه».

روي في البحار: ج ٦٨ ص ١٣٧ بإسناده عن جابر قال: لما قدم عليعليه‌السلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بفتح خيبر قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لولا أن يقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى للمسيح عيسى بن مريم لقلت اليوم فيك مقالاً لا تمر بملأ إلا أخذوا التراب من تحت رجليك ومن فضل طهورك يستشفون به...».

وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله مثل ذلك بشأن عليعليه‌السلام في غزوة ذات السلاسل كما في البحار: ج ٢١ ص ٧٩.

٢. أبو خليفة الحجاج بن أبي عتاب الديلمي العبدي البصري هو الذي آوى إليه عدد ممن هرب من ظلم الحجاج الثقفي.

٤١٣

أحداً قط». فحدَّث بتسليم الملائكة عليه وحديث يوم أحُد.(١) فوجدتهما في صحيفة سليم بعد ذلك يرويهما عن عليعليه‌السلام أنه سمعهما منه.

أكاذيب الحسن البصري لتبرير نفاقه

قال أبان: فلما حدثنا بهذين الحديثين خلوت به وتفرق القوم غيري وغير أبي خليفة، وبتُّ ليلتي إذ ذاك عنده. فقال الحسن تلك الليلة: لولا رواية يرويها الناس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لظننت أن الناس كلهم هلكوا منذ قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غير عليعليه‌السلام وشيعته.

قلت: يا با سعيد،وأبو بكر وعمر ؟! قال: نعم.

____________________

١. روي في البحار: ج ٣٩ ص ٩ بإسناده عن ابن عباس أنه قال: انتدب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الناس ليلة بدر إلى الماء. فانتدب عليعليه‌السلام فخرج وكانت ليلة باردة ذات ريح وظلمة. فخرج بقِربته، فلما كان إلى القليب لم يجد دلواً. فنزل إلى الجب تلك الساعة فملأ قربته ثم أقبل. فاستقبلَته ريح شديدة، فجلس حتى مضت، ثم قام. ثم مرت به أخرى فجلس حتى مضت، ثم قام. ثم مرت به أخرى فجلس حتى مضت.

فلما جاء قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما حبسك يا أبا الحسن؟ قال: لقيت ريحاً ثم ريحاً ثم ريحاً شديدة، فأصابتني قشعريرة. فقال: أتدري ما كان ذلك يا علي؟ فقال: لا. فقال: ذاك جبرئيل في ألف من الملائكة وقد سلَّم عليك وسلَّموا. ثم مر ميكائيل في ألف من الملائكة فسلَّم عليك وسلَّموا. ثم مرَّ إسرافيل في ألف من الملائكة فسلَّم عليك وسلَّموا.

وروي في البحار: ج ٢٠ ص ٨٥ أنه أشار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم أحُد إلى قوم انحدروا من الجبل فحمل عليهم عليعليه‌السلام فهزمهم، ثم أشار إلى قوم آخر فحمل عليهم فهزمهم، ثم أشار إلى قوم آخر فحمل عليهم فهزمهم، ثم أشار إلى قوم آخر فحمل عليهم فهزمهم. فجاء جبرئيل: فقال: يا رسول الله، لقد عجبت الملائكة وعجبنا معها من حسن مواساة علي لك بنفسه. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وما يمنعه من هذا وهو مني وأنا منه. فقال جبرئيل: وأنا منكما.

وروي في البحار: ج ٢٠ ص ٧٢ عن ابن مسعود أنه قال: انهزم الناس يوم أحُد إلا علي وحده. فقلت: إن ثبوت عليعليه‌السلام في ذلك المقام لعجبٌ! قال: إن تعجَّبتَ منه فقد تعجَّبَت الملائكة. أما علمت أن جبرئيل قال في ذلك اليوم وهو يعرج إلى السماء: «لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي».

وروي في البحار: ج ٢٠ ص ٦٩ أن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال يوم الشورى: نشدتكم بالله، هل فيكم أحد وقفت الملائكة معه يوم أحُد حين ذهب الناس غيري؟ قالوا: لا.

٤١٤

قلت: وما تلك الرواية يا با سعيد؟ قال: قول حذيفة «قوم ينجون ويهلك أتباعهم». قيل: وكيف ذلك يا حذيفة؟ قال: «قوم لهم سوابق أحدثوا أحداثاً فتبعهم على أحداثهم قوم ليست لهم سوابق. فنجا أولئك بسوابقهم وهلك الأتباع بأحداثهم».(١) وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعمر - حين استأذنه في قتل حاطب بن أبي بلتعة(٢) - فقال: «وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطلع إلى عصبة أهل بدر فأشهد ملائكته: إني قد غفرت لهم فليعملوا ما شاءوا». وحديث جابر بن عبد الله الأنصاري: أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر الموجبتين. قالوا: يا رسول الله، ما تعني بالموجبتين؟ قال: «من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به دخل النار». فلست أرجو لأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير النجاة إلا بهذه الروايات والسلامة.

قلت: أتجعل حدث أبي بكر وعمر مثل حدث عثمان وطلحة والزبير، إن كان الأمر لعليعليه‌السلام دونهم من الله ورسوله؟

فقال: يا أحمق، لا تقولنَّ «إن كان»!هو والله لعلي دونهم ، وكيف لا يكون له دونهم بعد الخصال الأربع؟ ولقد حدثني عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الثقات ما لا أحصي.

قلت: وما هذه الخصال الأربع؟

قال: قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونصبه إياه يوم غدير خم.

وقوله في غزوة تبوك: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة»، ولو كان غير النبوة لاستثناه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد علمنا يقيناً أن الخلافة غير النبوة.

وخطب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله آخر خطبة خطبها للناس ثم دخل بيته فلم يخرج حتى قبضه الله إليه: «أيها الناس، إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وأهل بيتي، فإن اللطيف الخبير قد عهد إليَّ أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض كهاتين - وجمع بين سبابتيه - لا كهاتين - وجمع بين سبابته والوسطى - لأن إحديهما

____________________

١. لا يخفى أن هذه الرواية من الموضوعات التي تمسَّك بها الحسن البصري لتوجيه نفاقه.

٢. حاطب بن أبي بلتعة الخالفي اللخمي المتوفى سنة ٣٠، قد مر قصته في الحديث ١٥ من هذا الكتاب.

٤١٥

قدام الأخرى فتمسكوا بهما لا تضلوا ولا تولوا. لا تقدِّموهم فتهلكوا؛ ولا تعلِّموهم فإنهم أعلم منكم.

ولقد أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر وعمر - وهما سابعا سبعة - أن يسلِّموا على عليعليه‌السلام بإمرة المؤمنين.

ولعمري لئن جاز لنا - يا أخا عبد القيس(١) - أن نستغفر لعثمان وطلحة والزبير - وقد بلغ من حدثهم ما قد ظهر لنا - إنه ليسعنا أن نستغفر لهما.

فأما طلحة والزبير، فإنهما بايعا علياًعليه‌السلام - وأنا شاهد - طائعين غير مكرهين. ثم نكثا بيعتهما وسفكا الدماء التي قد حرم الله رغبة في الدنيا وحرصاً على الملك، وليس ذنب بعد الشرك بالله أعظم من سفك الدماء التي حرم الله.

وأما عثمان فأدنى السفهاء وباعد الأتقياء وآوى طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيِّر أولياء الله أبا ذر وقوماً صالحين وجعل المال دولة بين الأغنياء وحكم بغير ما أنزل الله، وكانت أحداثه أكثر وأعظم من أن تحصى، وأعظمهماتحريق كتاب الله ؛وأفظعها صلاته بمنى أربعاً خلافاً على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .(٢)

____________________

١. المخاطَب به أبان بن أبي عياش الذي كان من موالي يني عبد القيس. راجع المقدمة.

٢. راجع عن تحريق عثمان المصاحف: الحديث ١١ من هذا الكتاب.

وروي في البحار: ج ٨ طبع قديم ص ٣١٢، والغدير: ج ٨ ص ١٠١ عن تاريخ الطبري وغيره: أنه حج عثمان بالناس في سنة ٢٩ فضرب بمنى فسطاطاً، فكان أول فسطاط ضربه عثمان بمنى وأتم الصلاة بها وبعرفة. فذكر الواقدي بالإسناد عن ابن عباس قال: إن أول ما تكلم الناس في عثمان ظاهراً أنه صلى بالناس بمنى في ولايته ركعتين حتى إذا كانت السادسة أتمها، فعاب على ذلك غير واحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتكلم في ذلك من يريد أن يكثر عليه حتى جاءه عليعليه‌السلام فيمن جاءه فقال: والله ما حدث أمر ولا قدم عهد. أوَلا عهدت نبيك يصلي ركعتين ثم أبا بكر، ثم عمر، وأنت صدراً من ولايتك. فما أدري ما يرجع إليه؟ فقال: رأي رأيته!!

راجع عن مثالب عثمان: بحار الأنوار: ج ٨ (طبع قديم) ص ٣٢٣ - ٣٠١، والغدير: ج ٨ ص ٣٨٧ - ٩ و ج ٩ ص ٦٩ - ٣.

٤١٦

قلت: أصلحك الله، فترحمك عليه وتفضيلك إياه؟

قال: إنما أصنع ذلك ليسمع بذلك أوليائه الطغاة العتاة الجبابرة الظلمة،الحجاج وابن زياد قبله وأبوه . أما علمت أنهم من اتهموه في بغض عثمان وحب عليعليه‌السلام وأهل بيته نفوه ومثلوا به وقتلوه؟ وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ليس للمؤمن أن يذل نفسه». قلت: وما إذلاله لنفسه؟ قال: يتعرَّض من البلاء لما لا يقوى عليه ولا يقوم به.

وقد سمعت علياًعليه‌السلام يروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم قتل عثمان وهو يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إن التقية من دين الله، ولا دين لمن لا تقية له.والله لولا التقية ما عبد الله في الأرض في دولة إبليس ». فقال له رجل: وما دولة إبليس؟ قالعليه‌السلام : «إذا ولّى الناس إمام ضلالة فهي دولة إبليس على آدم، وإذا ولّيهم إمام هدى فهي دولة آدم على إبليس ».

ثم همس إلى عمار ومحمد بن أبي بكر همسة وأنا أسمع، فقال: «ما زلتم منذ قبض نبيكم في دولة إبليس بترككم إياي واتباعكم غيري».

كيف بايع الناس علياًعليه‌السلام بعد قتل عثمان

ثم هرب من الناس ثلاثة أيام، فطلبوه فأتوه في خُصَّ(١) لبني النجار فقالوا: إنا قد تشاورنا في هذا الأمر ثلاثة أيام فما وجدنا أحداً من الناس أحق بها منك، فننشدك الله في أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أن تضيع وأن يلي أمرها غيرك. فبايعوه وكان أول من بايعه طلحة والزبير، ثم جاءا إلى البصرة يزعمان أنهما بايعا مكرهين، وكذبا.

ثم أتاه رجل من مَهْرَة(٢) - ومحمد بن أبي بكر بجنبه - فقال له عليعليه‌السلام - وأنا أسمع -: يا أخا مهرة، أجئت لتبايع؟ قال: نعم. قال: تبايعني على أنرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبض والأمر لي، فانتزى علينا ابن أبي قحافة ظلماً وعدواناً. ثم انتزى علينا بعده عمر ؟ قال: نعم. فبايعه على ذلك طائعاً غير مكره.

____________________

١. الخُصَّ: البيت من قصب أو شجر.

٢. «مَهرة»: بلاد مقفرة في جزيرة العرب تقع بين حضرموت وعمان.

٤١٧