الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٧

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 417

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 417
المشاهدات: 184753
تحميل: 6026


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 417 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 184753 / تحميل: 6026
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 7

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

عن أهل بيته، ولا إنَّهم منّحوه عنّي من بعده فما راعني إلّا انثيال الناس على أبي بكر، واجفالهم إليه ليبايعوه، فأمسكت يدي ورأيت أنِّي أحقُّ بمقام محمَّد في الناس ممَّن تولّى الأمر من بعده(١)

بعد ما خرج عليٌّ كرَّم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على دابَّة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله! قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أنَّ زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به، فيقول عليٌّ كرَّم الله وجهه: أفكنت أدع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيته لم أدفنه، وأخرج اُنازع سلطانه؟ فقالت فاطمة: ما صنع أبو الحسن إلّا ما كان ينبغي له ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم(٢) .

بعد قولهعليه‌السلام : أما والله لقد تقمَّصها إبن أبي قحافة، وإنَّه ليعلم أنَّ محلّي منها محلُّ القطب من الرَّحى، ينحدر عنِّي السيل، ولا يرقى إليَّ الطير، فسدلت دونها ثوباً، وطويت عنها كشحاً، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيدٍ جذَّاء، أو أصبر على طخيةٍ عمياء، يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربَّه، فرأيت أنَّ الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجى، أرى تراثي نهبا، حتّى مضى الأوَّل لسبيله فأدلى بها إلى ابن الخطاب بعده.

« ثمَّ تمثَّل بقول الأعشى ».

شتَّان ما يومي على كورها

ويوم حيَّان أخي جابر

فيا عجباً يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته، لشدَّ ما تشطَّرا ضرعيها، فصيِّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها، ويخشن مسُّها، ويكثر العثار فيها والإعتذار منها، فصاحبها كراكب الصعبة، إن اشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحَّم، فمني الناس لعمر الله بخبط وشماس، وتلوُّن واعتراض، فصبرت على طول المدَّة، وشدَّة المحنة حتّى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنِّي أحدهم فيا لله وللشورى، متى اعترض الريب فيَّ مع الأوَّل منهم حتّى صرت أُقرن إلى هذه النظائر، لكنِّي أسففت إذا سفّوا، وطرت إذا طاروا، فصغا رجلٌ منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره مع هنٍ وهنٍ، إلى أن قام ثالث القوم نافجاً

____________________

١ - الامامة والسياسة ١ ص ١٢.

٢ - الامامة والسياسة ١: ١٢، شرح ابن ابى الحديد ١: ١٣١، ج ٢: ٥.

٨١

حضنيه بين نثيله و٢معتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع، إلى أن انتكث فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته. الحديث.

كلمتنا حول هذه الخطبة

هذه الخطبة تسمّى بالشقشقيّة وقد كثر الكلام حولها فأثبتها مَهرةَ الفنِّ من - الفريقين ورأوها من خطب مولانا أمير المؤمنين الثابتة التي لا مغمز فيها، فلا يُسمع إذن قول الجاهل بأنَّها من كلام الشريف الرضي، وقد رواها غير واحد في القرون الأُولى قبل أن تنعقد للرضي نطفته، كما جاءت باسناد معاصريه والمتأخِّرين عنه من غير طريقه و إليك اُمَّة من اولئك:

١ - الحافظ يحيي بن عبد الحميد الحِماني المتوفّى ٢٢٨ كما في طريق الجلودي في العلل والمعاني.

٢ - أبو جعفر دعبل الخزاعي المتوفّى ٢٤٦ رواها باسناده عن ابن عبّاس كما في أمالي شيخ الطائفة ص ٢٣٧، ورواها عنه أخوه أبو الحسن علي.

٣ - أبو جعفر أحمد بن محمّد البرقي المتوفّى ٢٧٤ / ٨٠ كما في علل الشرايع.

٤ - أبو علي الجبائي شيخ المعتزلة المتوفّى ٣٠٣ كما في الفرقة الناجية للشيخ ابراهيم القطيفي، والبحار للعلّامة المجلسي ٨: ١٦١.

٥ - وجدتْ بخطّ قديم عليه كتابة الوزير أبي الحسن عليِّ بن الفرات المتوفّى ٣١٢ كما في شرح ابن ميثم.

٦ - أبو القاسم البلخي أحد مشايخ المعتزلة المتوفّى ٣١٧ كما في شرح ابن ابي الحديد ١ ص ٦٩.

٧ - أبو أحمد عبد العزيز الجلودي البصري المتوفّى ٣٣٢ كما في معاني الأخبار.

٨ - أبو جعفر ابن قبة تلميذ أبي القاسم البلخي المذكور رواها في كتابه (الانصاف) كما في شرح ابن ابي الحديد ١: ٦٩ وشرح ابن ميثم.

٩ - الحافظ سليمان بن أحمد الطبراني المتوفّى ٣٦٠ كما في طريق القطب الراوندي في شرح النهج.

٨٢

١٠ - أبو جعفر ابن بابويه القمي المتوفّى ٣٨١ في كتابيه: علل الشرايع ومعاني الأخبار.

١١ - أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري المتوفّى ٣٨٢. حكى عنه شيخنا الصدوق شرح الخطبة في معاني الأخبار والعلل.

(لفت نظر) عدَّه السيّد العلّامة الشهرستاني في (ما هو نهج البلاغة) ص ٢٢ ممّن روى الشقشقيَّة فأرّخ وفاته بسنة ٣٩٥، وذكره في ص ٢٣ فقال: من أبناء القرن الثالث. لا يتمُّ هذا ولا يصحُّ ذاك، وقد خفي عليه أنَّ الحسن بن عبد الله العسكري راوي الشقشقية هو أبو أحمد صاحب كتاب الزواجر وقد توفِّي سنة ٣٨٢ وولد ٢٩٣، وحسبه أبا هلال الحسن بن عبد الله العسكري صاحب كتاب « الأوائل » تلميذ أبي أحمد العسكري والتاريخ الذي ذكره تاريخ فراغه من كتابه الأوائل لا تاريخ وفاته. توجد ترجمة كلا الحسنين العسكريين فمعجم الاُدباء ٨: ٢٣٣ - ٢٦٨، وبغية الوعاة ص ٢٢١.

١٢ - أبو عبد الله المفيد المتوفّى ٤١٢، استاذ الشريف الرضي رواها في كتابه (الإرشاد) ص ١٣٥.

١٣ - القاضي عبد الجبار المعتزلي المتوفّى ٤١٥: ذكر في كتابه « المغني » تأويل بعض جمل الخطبة ومنع دلالتها على الطعن في خلافة مَن تقدّم على أمير المؤمنين من دون أيِّ إيعاز إلى الغمز في إسنادها.

١٤ - الحافظ أبو بكر ابن مردويه المتوفَّى ٤١٦، كما في طريق الراوندي في شرح النهج.

١٥ - الوزير أبو سعيد الآبي المتوفّى ٤٢٢ في كتابه (نثر الدرر ونزهة الأديب.

١٦ - الشريف المرتضى أخو الشريف الرضي الأكبر توفِّي سنة ٤٣٦ ذكر جملة منها في الشافي ص ٢٠٣ فقال: مشهور: وذكر صدرها في ص ٢٠٤ فقال: معروفٌ.

١٧ - شيخ الطائفة الطوسي المتوفّى ٤٦٠ رواها في أماليه ص ٣٢٧ عن السيِّد أبي الفتح هلال بن محمّد بن جعفر الحفّار المترجم في مستدرك العلاّمة النوري ٣: ٥٠٩ من طريق الخزاعيِّين. وفي تلخيص الشافي.

م ١٨ - أبو الفضل الميداني المتوفّى ٥١٨ في مجمع الأمثال ص ٣٨٣ قال: و

٨٣

لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه خطبةٌ تعرف بالشقشقيَّة لانَّ ابن عباس رضي الله عنهما قال له حين قطع كلامه: يا أمير المؤمنين! لو اطّردت مقالتك من حيث أفضيت فقال: هيهات يا ابن عبّاس! تلك شقشقةٌ هدرت ثمّ قرّت].

١٩ - أبو محمّد عبد الله بن أحمد البغدادي الشهير بابن الخشاب المتوفّى ٥٦٧ قرأها عليه أبو الخبر مصدَّق الواسطي النحوي، وسيوافيك بُعيد هذا كلامه فيها.

٢٠ - أبو الحسن قطب الدين الراوندي المتوفّى ٥٧٣ رواها في شرح نهج البلاغة من طريق الحافظين: ابن مردويه والطبراني وقال: أقول: وجدتها في موضعين تاريخهما قبل مولد الرضي بمدَّة، أحدهما: أنَّها مضمنة كتاب « الانصاف » لأبي جعفر ابن قبة تلميذ أبي القاسم الكعبي أحد شيوخ المعتزلة وكانت وفاته قبل مولد الرضي. الثاني: وجدتها بنسخة عليها خطّ الوزير أبي الحسن علي بن محمّد بن الفرات وكان وزير المقتدر بالله، وذلك قبل مولد الرضي بنيف وستين سنة، والذي يغلب على ظنّي أنَّ تلك النسخة كانت كتبت قبل وجود ابن الفرات بمدَّة.

٢١ - أبو منصور الطبرسي أحد مشايخ ابن شهر اشوب المتوفّى ٥٨٨ في كتابه « الإحتجاج » ص ٩٥ فقال: روى جماعة من أهل النقل من طرق مختلفة عن إبن عبّاس.

٢٢ - أبو الخير مصدّق بن شبيب الصلحي النحوي المتوفّى ٦٠٥ قرأها على أبي محمّد ابن الخشّاب وقال: لمـّا قرأت هذه الخطبة على شيخي أبي محمّد ابن الخشّاب ووصلت إلى قول إبن عبّاس: ما أسفت على شيىء قطُّ كأسفي على هذا الكلام. قال: لو كنت حاضراً لقلت لابن عبّاس: وهل ترك ابن عمّك في نفسه شيئاً لم يقله في هذه الخطبة؟ فانّه ما ترك لا الأوَّلين ولا الآخرين. قال مصدّق: وكانت فيه دعابة فقلت له: يا سيِّدي؟ فلعلّها منحولةٌ إليه. فقال: لا والله إنِّي أعرف أنَّها من كلامه كما أعرف انَّك مصدق. قال فقلت: إنَّ الناس ينسبونها إلى الشريف الرضي فقال: لا والله، ومن أين للرضي هذا الكلام وهذا الاُسلوب؟ فقد رأينا كلامه في نظمه ونثره لا يقرب من هذا الكلام ولا ينتظم في سلكه ثمَّ قال: والله لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صنّف قبل أن يخلق الرضي بمائتي سنة، ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها وأعرف خطوط من هو من العلماء وأهل الأدب قبل أن يُخلق النقيب أبو أحمد والد الرضي « راجع

٨٤

شرح ابن ميثم. وشرح ابن أبي الحديد ١: ٦٩ »

٢٣ - مجد الدين أبو السعادات ابن الأثير الجزري المتوفّى ٦٠٦، أوعز إليها في كلمة « شقشق » في النهاية ج ٢: ٢٩٤ فقال: ومنه حديث عليّ في خطبة له: تلك شقشقةٌ هدرت ثمّ قرَّت.

٢٤ - أبو المظفر سبط ابن الجوزي المتوفّى ٦٥٤ في تذكرته ص ٧٣ من طريق شيخه أبي القاسم النفيس الأنباري باسناده عن ابن عبّاس فقال: تُعرف بالشقشقيَّة ذكر بعضها صاحب نهج البلاغة وأخلَّ بالبعض وقد أتيت بها مستوفاة ثمَّ ذكرها مع اختلاف ألفاظها.

٢٥ - عزّ الدين ابن ابي الحديد المعتزلي المتوفّى ٦٥٥ قال في شرح النهج ١: ٦٩: قلت: وقد وجدت أنا كثيراً من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي إمام البغداديّين من المعتزلة وكان في دولة المقتدر قبل أن يخلق الرضي بمدّة طويلة. ووجدت أيضاً كثيراً منها في كتاب أبي جعفر ابن قبة أحد متكلمي الإماميَّة وهو الكتاب المشهور بكتاب « الإنصاف » وكان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي رحمه الله تعالى ومات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضي رحمه الله تعالى موجوداً.

٢٦ - كمال الدين ابن ميثم البحراني المتوفّى ٦٧٩، حكاها عن نسخة قديمة عليها خطُّ الوزير علي بن الفرات المتوفّى ٣١٢، وعن كتاب « الإنصاف » لابن قبة، وذكر كلمة ابن الخشّاب المذكورة وقراءة أبي الخير إيّاها عليه.

٢٧ - أبو الفضل جمال الدين ابن منظور الافريقي المصري المتوفّى ٧١١ قال في مادَّة (شقشق) من كتابه (لسان العرب) ج ١٢: ٥٣: وفي حديث علي رضوان الله عليه في خطبة له: تلك شقشقةٌ هدرت ثمَّ قرَّت.

٢٨ - مجد الدين الفيروز آبادي المتوفّى ٨١٦ / ١٧ أوعز إليها في القاموس ج ٣: ٢٥١ قال: والخطبة الشقشقية العلويَّة لقوله لابن عبّاس لمـّا قال له: لو اطرّدت مقالتك من حيث أفضيت: يا بن عبّاس! هيهات تلك شقشقةٌ هدرت ثمَّ قرَّت.

ثمَّ ما عساني أن أقول بعد ما يُعربد شاعر النيل(١) اليوم، ويأجِّج النيران الخامدة

____________________

١ - محمد حافظ ابراهيم المتوفى سنة ١٩٣٣ م ١٣٥١ ه‍.

٨٥

ويُجدِّد تلكم الجنايات المنسيَّة (لاها الله لا تُنسى مع الأبد) ويعدّها ثناء على السلف، ويرفع عقيرته بعد مضي قرون على تلكم المعرّات، ويتبهَّج ويتبجَّح بقوله في القصيدة (العمريَّة) تحت عنوان: عمر وعليّ:

وقولةٍ لعليّ قالها عمر

أكرم بسامعها أعظم بملقيها

: حرَّقت دارك لا ابقي عليك بها

إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غير أبي حفصٍ يفوهُ بها

أمام فارس عدنانٍ وحاميها

ماذا أقول بعد ما تحتفل الاُمَّة المصريَّة في حفلة جامعة في أوائل سنة ١٩١٨ بانشاد هذه القصيدة العمريَّة التي تتضمَّن ما ذكر من الأبيات؟ وتنشرها الجرائد في أرجاء العالم، ويأتي رجال مصر نظراء أحمد أمين. وأحمد الزين. وابراهيم الأبياري(١) و علي جارم. وعلي أمين(٢) وخليل مطران(٣) ومصطفى الدمياطي بك(٤) وغيرهم(٥) ويعتنون بنشر ديوانٍ هذا شعره، وبتقدير شاعر هذا شعوره، ويخدشون العواطف في هذه الازمة في هذا اليوم العصبصب، ويعكِّرون بهذه النعرات الطائفيَّة صوف السّلام الوئام في جامعة الإسلام ويشتّتون بها شمل المسلمين، ويحسبون أنّهم يحسنون صنعاً.

وتراهم يجدِّدون طبع ديوان الشاعر وقصيدته العمريَّة خاصَّة مرَّة بعد اخرى ويعلَّق عليها شارحها الدمياطي قوله في البيت الثاني: المراد أنَّ عليّاً لا يعصمه عن عمر سكنى بنت المصطفى في هذه الدار.

وقال في ص ٣٩ من الشرح: وفي رواية لابن جرير الطبري قال: حدّثنا جرير عن مغيرة عن زياد بن كليب قال: أتى عمر بن الخطاب منزل عليّ وبه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال: والله لأحرقنَّ عليكم أو لتخرجنَّ إلى البيعة فخرج عليه

____________________

١ - ضبط وصحح وشرح هؤلاء الثلاث الديوان طبعة سنة ١٩٣٧ م بدار الكتب في جزئين والابيات المذكورة توجد فيها ج ١ ص ٨٢.

٢ - هما ومعهما ثالث التزموا تصحيح الديوان فى طبعة اخرى.

٣ - له مقدمة لديوان الحافظ فى طبعة مكتبة الهلال سنة ١٩٣٥ م ١٣٥٣ ه‍ والابيات فيها ص ١٨٤ غير ان الشطر الثانى من البيت الثانى محرف: ان لم تبالغ وبنت المصطفى فيها.

٤ - شارح القصيدة العمرية طبع بمطبعة السعادة فى مصر في ٩٠ صفحة. توجد الابيات فيه مشروحة ص ٣٨.

٥ - فى عدة طبعات اخرى.

٨٦

الزبير مصلتاً بالسيف فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه. فان كان زياد هذا هو الحنظلي أبو معشر الكوفي فهو موثق. والظاهر أنَّ حافظاً رحمه الله عوَّل على هذه الرواية ه‍.

وتراهم بالغوا في الثناء على الشاعر وقصيدته هذه كأنَّه جاء للاُمَّة بعلم جمّ، أو رأي صالح جديد، أو أتى لعمر بفضيلة رابية تسرُّ بها الاُمَّة ونبيُّها المقدَّس، فبشرى بل بشريان لنبيِّ الأعظم بأنَّ بضعته الصدِّيقة لم تكن لها أيّ حرمة وكرامة عند من يلهج بهذا القول، ولم يكن سكناها في دار طهَّر الله أهلها يعصمهم منه ومن حرق الدار عليهم فزهٍ زهٍ بانتخاب هذا شأنه وبخٍ بخٍ ببيعة تمَّت بذلك الإرهاب، و قضت بتلك الوصمات.

لا تهمّنا هذه كلّها وإنَّما يهمّنا الساعة « بعد أن درسنا تاريخ حياة الخليفة الأوّل فوجدناه لدة غيره من الناس العاديِّين في نفسيّاته قبل إسلامه وبعده، وإنَّما سنّمه عرش الخلافة الانتخاب فحسب » البحث في موضوعين ألا وهما: فضائله المأثورة. وملكاته النفسيَّة.

- ١ -

(فضائله المأثورة)

هل صحَّ عن النبيِّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه حديث فضيلة؟ وهل صحيحٌ ما رووه فيه من الثناء الكثير الحافل؟ نحن هيهنا نقف موقف المستشفِّ للحقيقة، ولا ننبس في القضاء ببنت شفة، غير ما ننقله عن أئمَّة فنِّ الحديث المميِّزين بين صحيحه وسقيمه، ثمَّ نردفه بالإعتبار الذي يساعده.

قال الفيروز آبادي في خاتمة كتابه « سفر السعادة المطبوع »: خاتمة الكتاب في الإشارة إلى أبواب روي فيها أحاديث وليس منها شيىءٌ صحيحٌ، ولم يثبت منها عند جهابذة علماء الحديث شيءٌ. ثمَّ عدَّ أبواباً إلى أن قال:

باب فضائل أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه. أشهر المشهورات من الموضوعات انَّ الله يتجلّى للناس عامّة ولأبي بكر خاصَّة. وحديث: ما صبَّ الله في صدري شيئاً

٨٧

إلّا وصبَّه في صدر أبي بكر. وحديث: كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا اشتاق الجنَّة قبَّل شيبة أبي بكر. وحديث: أنا وأبو بكر كفرسي رهان. وحديث: إنَّ الله لمـّا اختار الأرواح اختار روح أبي بكر. وأمثال هذا من المفتريات المعلوم بطلانها ببديهة العقل ا ه.

وعدَّ العجلوني في كتابه كشف الخفا ص ٤١٩ - ٤٢٤ مائة باب من أبواب الفقه وغيره فقال: لم يصحّ فيه حديثٌ. أو: ليس فيه حديثٌ صحيح. وما يقاربهما وقال في ص ٤١٩: فضائل أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه أشهر المشهورات من الموضوعات كحديث إن الله يتجلّى للناس عامَّة ولأبي بكر خاصَّة. إلى آخر عبارة الفيروز آبادي المذكورة.

وذكر السيوطي في « اللئالي المصنوعة » ج ١ ص ١٨٦ - ٣٠٢ ثلثين حديثاً من أشهر فضائل أبي بكر « ممّا اتّخذه المؤلِّفون في القرون الأخيرة من المتسالم عليه، و أرسلوه إرسال المسلّم بلا أيِّ سند أو أيِّ مبالات » وزيَّفها وحكم فيها بالوضع وذكر رأي الحفّاظ فيها.

كان السيوطي يهملج وراء القوم فبهظه أن لا يستصحّ حتّى حديثاً واحداً من تلكم الثلثين فقال في ص ٢٩٦ فيما عزى اليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله « عُرج بي إلى السَّماء فما مررت بسماء إلّا وجدت فيها مكتوباً: محمّد رسول الله، أبو بكر الصدِّيق من خلفي » بعد ما حكم عليه بالوضع لمكان عبد الله بن ابراهيم الغفاري(١) الوضَّاع.

وكان شيخه عبد الرّحمن بن زيد المتّفق على ضعفه ينصّ منه عليهما بذلك ما لفظه:

قلت: الذي أستخير الله فيه الحكم على هذا الحديث بالحسن لا بالوضع ولا بالضعف لكثرة شواهده. ثمَّ ذكر شواهد عن طرق لا يصحُّ شيءٌ منها، وفي كلِّ واحد منها وضّاع أو كذّابٌ، أو من أتفق على ضعفه، أو مجهول لا يُعرف يروي عن مجهول مثله، وقد عزب عنه أنَّ الاستخارة لا تقلّب خيراً، ولا يعيد السقيم صحيحاً. ولا المنكر معروفاً.

وراحت إلى العطار تبغي شبابها

فهل يُصلح العطار ما أفسد الدهرُ؟

والله سبحانه لا يجازف في إسداء الخير، والشواهد المكذوبة لا تقوي الضعف مع

____________________

١ - راجع الجزء الخامس من هذا الكتاب ص ٣٠٣ ط ٢.

٨٨

نصِّ الحفّاظ على كلِّ واحد منها بالوضع أو الضعف، وإليك بيان طرق تلك الشواهد.

١ - طريق الخطيب البغدادي مرَّ في الجزء الخامس ص ٣٠٣، ٣٢٥ ط ٣.

٢ - طريق البزّار في مسنده وفيه عبد الله بن إبراهيم الغفاري الوضّاع، وشيخه عبد الرحمن بن زيد المتَّفق على ضعفه كما في تهذيب التهذيب ٦ ص ١٧٨، واللئالي المصنوعة ١ ص ٢٩٦.

٣ - طريق ابن شاهين في السنَّة وهو طريق الخطيب البغدادي وحديثه، وقد حكم الذهبي وابن حجر ببطلانه كما مرَّ في الجزء الخامس.

٤ - طريق الدارقطني في الافراد قال السيوطي في « اللئالي » ١ ص ٢٩٧ بعد ذكره قال الدارقطني: تفرَّد به (محمّد) بن فضيل عن ابن جريج لا أعلم أحداً حدَّث به غير هذين. وأورده المؤلِّف في الواهيات من طريق السري وقال: لا يصحّ. قال ابن حبّان: لا يحلُّ الاحتجاج بالسري بن عاصم.

قال الأميني: السري بن عاصم راوي الحديث أحد الكذّابين مرَّت ترجمته في الجزء الخامس ص ٢٣١ ط ٢، وللدارقطني طريق آخر وفيه عمر بن اسماعيل بن مجالد أحد الكذّابين(١) وبهذا الطريق ذكره السيوطي في « اللئالي ١ ص ٣٠٩ فقال: لا يصحُّ آفته عمر كذّابٌ.

٥ - طريق الديلمي في مسند الفردوس فيه بعد رجال مجاهيل عبد المنعم بن بشير أبو الخير الكذّاب الوضّاع الذي له مائتا حديث كذب(٢) وعبد الرَّحمن بن زيد بن أسلم المجمع على ضعفه كما مرَّ.

٦ - طريق الختلي في ديباجة عن نصر بن حريش(٣) عن أبي سهل مسلم الخراساني عن عبد الله بن اسماعيل عن الحسن البصري قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مكتوب على ساق العرش: لا إ~له إلّا الله وحده لا شريك له، محمّدٌ رسول الله، ووزيراه أبو بكر الصدِّيق وعمر الفاروق.

____________________

١ - راجع الجزء الخامس من كتابنا هذا ص ٢٤٦ ط ٢:

٢ - راجع الجزء الخامس من الكتاب ص ٢٤١ ط ٢.

٣ - فى اللئالى: جريش: والصحيح ما ذكرناه.

٨٩

قال الدارقطني كما في تاريخ بغداد ٣ ص ٢٨٦: هذا إسنادٌ ضعيفٌ لا يثبت، أبو سهل ونصر بن حريش ضعيفان. وقال العقيلي كما في لسان الميزان ٣ ص ٢٦٠: عبد الله بن اسماعيل منكر الحديث لا يُتابع على شيىء من حديثه. والحديث مع هذا مرسلٌ والحسن البصري لا يروي عن رسول الله ولم يدركه. وللخطيب طريق بهذا اللفظ ليست فيه كلمة (ساق. ووزيراه) وفي إسناده أحمد بن رجاء بن عبيدة قال الخطيب في تاريخه ٤ ص ١٥٨: مجهولٌ.

٧ - طريق ابن عساكر فيه عبد العزيز الكتاني ليَّنه الذهبي كما في لسان الميزان ٤ ص ٣٣، وفيه الحارث بن زياد المحاربي قال الذهبي وغيره: ضعيفٌ مجهولٌ كما في اللسان ٢ ص ١٤٩، وفيه من لا يُعرف ولا توجد له ترجمةٌ في المعاجم.

ولابن عساكر طريقٌ آخر بالاسناد عن محمّد بن عبد بن عامر المعروف بوضع الحديث(١) عن عصام بن يوسف ضعَّفه ابن سعد، وخطّأه ابن حبّان، وقال ابن عدي: روى أحاديث لا يُتابع عليها كما في لسان الميزان ٤ ص ١٦٨.

ويرشدك إلى صحَّة قول الفيروز آبادي والعجلوني ما أوضحناه في الجزء الخامس ص ٢٩٧ - ٣٣٢ ط ٢ من تفنيد مائة منقبة مكذوبة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مختلفة لأبي بكر ولزبائنه بحكم الأئمَّة والحفّاظ. وكذا ما زيّفناه من خمس وأربعين رواية موضوعة في الخلافة في صفحة ٣٣٣ - ٣٥٦ ط ٢ كلُّ ذلك بقضاء من رجالات الفنِّ نظراء.

ابن عدي، الطبراني، ابن حبَّان، النسائي، الحاكم، الدار قطني، العقيلي، ابن المديني، أبو عمر، الجوزقاني، المحب الطبري، الخطيب البغدادي ابن الجوزي، أبو زرعة، ابن عساكر، الفيروز آبادي، اسحاق الحنظلي ابن كثير، ابن القيِّم، الذهبي، ابن تيميَّة، ابن أبي الحديد، ابن حجر الهيثمي، ابن حجر العسقلاني الحافظ المقدسي، السيوطي الصغّاني، الملّا علي القاري، العجلوني، ابن درويش الحوت، وغيرهم.

ويشهد لبطلان تلكم الروايات الجمَّة في فضائل الخليفة الأوَّل خلوُّ الصحاح الستّ والسنن والمسانيد القديمة عنها، فلو كان مؤلِّفوها يجدون على شيىء منها مسحة

____________________

١ - راجع الجزء الخامس من كتابنا هذا ص ٢٥٩ ط ٢.

٩٠

من الصحَّة بل لو كانوا واقفين عليها ولو على واحدة منها لما أجمعوا على تركها فيرويها متحرّوا الزوايا، ونبّاشة الدفاين، فيبرزوها إلى الملأ من تحت غبار الهجر، أو وراء نسج عناكب النسيان، فيرشدنا ذلك إلى أنَّ مواليد هذه الروايات متأخَّرٌ تاريخها عن عهد أرباب الصِّحاح وحسبها ذلك مهانةً وضعةً. كما أنَّ ما في الصِّحاح من النزر اليسير ولائد متأخِّرة عن عهد النبيِّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

على أنَّ الخليفة نفسه لو كان على ثقة من صدور شيء من تلكم الأحاديث ولو يسيراً منها من قائلهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لَما كان يرى مثل أبي عبيدة الجرّاح حفّار القبور أولى منه بالخلافة، ولما قدّمه على نفسه، ولما ترك الإحتجاج بها يوم كانت حاجته إليه مسيسة، ويوم كان الحوار في أمر الخلافة قائماً على قَدمٍ وساق، وطفق كلُّ ذي فضل يُدلي بحججه، وقد احتدم الجدال حتى كاد أن يكون جلاداً، واستحرَّ الحجاج حتّى عاد لجاجاً، لكن الرجل لم يكن عنده حجَّة ولا لزبانيته إلا انَّه صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثاني اثنين إذ هما في الغار، وأنَّه أكبر القوم سّناً وكان أبوه أكبر منه لا محالة - وقد اختارته الجماعة وانعقدت له البيعة بعد هوس وهياج ركوناً إلى أمثال هذه ممّا لا تثبت بها حجَّة، ولا يخضع لها ذو مسكة، ولا يصلح بها شأن الامّة، ولا يجمع بها شمل، ولا يتمُّ بها الأمر.

نعم: روي عن أبي بكر انّه ذكر في الحجاج له أشياء حذفتها الرواة ولم يذكروا منها إلّا انّه أوّل من أسلم. أو: أوَّل من صلّى. عن أبي سعيد الخدري قال: قال أبو بكر: ألست أحقّ النّاس بها؟ ألست أوَّل من أسلم؟ ألست صاحب كذا؟ ألست صاحب كذا؟(١)

وعن أبي نضرة قال: لمـّا أبطأ الناس عن أبي بكر قال: مَن أحقّ بهذا الأمر منِّي؟ ألست أوَّل من صلّى؟ ألست؟ ألست؟ ألست؟ فذكر خصالاً فعلها مع النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢)

____________________

١ - أخرجه الترمذي، والبزار، وابن حبان، وابو نعيم فى المعرفة، وابن مندة فى غرائب شعبة، وسعيد بن منصور، وأبو داود كما فى كنز العمال ٣ ص ١٢٥، وذكره ابن الاثير فى اسد الغابة ٣: ٢٠٩، وابن كثير فى تأريخه ٣: ٢٧.

٢ - أخرجه ابن سعد فى الطبقات الكبرى ط ليدن ٣: ١٢٩، وخيثمة الطرابلسى فى فضائل الصحابة كما في كنز العمال ٣: ١٢٦.

٩١

ونحن لا نعرف شيئاً ممّا حذفوه من فضائله المزعومة أو اختلقوا نسبته إليه إذ من الممكن - بل المحقق - انَّه لم يقل شيئاً، وإنَّما اصطنعوا له هذه الصورة لإيهام انَّه كانت له يوم ذاك فضائل مسلّمة، لكن نعطف النظرة على المذكور من تلك المناقب وهو كون الخليفة أوَّل من أسلم. أو: أوَّل من صلّى، ولم يكن كذلك. والقول به يخالف رأي النبيِّ الأعظم ونصوص الصّحابة، وقد فصَّلنا القول فيه في الجزء الثالث ص ٢١٩ - ٢٤٣ ط ٢ وذكرنا مائة نصّ عن النبيِّ الأقدس وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما، وعن الصحابة الأوَّلين والتابعين لهم باحسان على أنَّ أوَّل من أسلم وأوّل من صّلى من ذكر هو مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام . وأوضحنا هنالك أنَّ أبا بكر ليس أوَّل من أسلم. أو: صلّى بل في صحيحة الطبري: انَّه أسلم بعد أكثر من خمسين رجلاً. فراجع.

ولو كانت الصحابة الأوَّلون يعرفون شيئاً من تلكم الموضوعات الجمَّة لَما تركوا الإحتجاج به يوم ذاك في إخضاع الناس بدلاً عن إشفاع الدعوة بالإرهاب والترعيد، و لَما يقتصر عمر بن الخطاب يوم السقيفة بقوله: مَن له مثل هذه الثلاث: ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن. إنَّ الله معنا.

وبقوله: إنَّ أولى الناس بأمر نبيِّ الله ثاني اثنين إذ هما في الغار. أبو بكر السبَّاق المسنُّ.

وبقوله يوم بيعة العامَّة: إنَّ أبا بكر صاحب رسول الله. وثاني اثنين إذ هما في الغار(١) .

ولَما قال سلمان للصحابة: أصبتم ذا السنِّ منكم ولكنكم أخطأتم أهل بيت نبيّكم(٢) .

ولَما يكتفي عثمان بن عفّان في الدعوة إلى أبي بكر بقوله: إنَّ أبا بكر الصدّيق أحقّ الناس بها، إنّه لصدّيق وثاني اثنين وصاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣)

____________________

١ - سيرة ابن هشام ٤: ٣٤٠، الرياض النضرة ١: ١٦٢، ١٦٦، تأريخ ابن كثير ٥: ٢٤٧ ٢٤٨، شرح ابن ابي الحديد ٢: ١٦، السيرة الحلبية ٣: ٣٨٨.

٢ - شرح ابن ابى الحديد ١: ١٣١، ج ٢: ١٧.

٣ - أخرج الاطرابلسى فى فضائل الصحابة كما فى كنز العمال ٣: ١٤٠.

٩٢

ولَما فاهَ المغيرة بن شعبة بمقاله لأبي بكر وعمر: تلقّوا العبّاس فتجعلوا له في هذا الأمر نصيباً فيكون له ولعقبه فتقطعوا به من ناحية عليّ ويكون لكم حجّة عند ألناس على عليّ إذا مال معكم العبّاس.

ولما دخل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة والمغيرة على العبّاس ليلاً، ولَما قال أبو بكر له: لقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيباً يكون لك ويكون لمن بعدك من عقبك، إذ كنت عمّ رسول الله(١) .

ولَما تمّ الأمر له ببيعة اثنين فحسب: عمر وأبي عبيدة. أو: ببيعة اربع: هما مع اسيد وبشر. أو بخمسة: هم مع سالم مولى أبي حذيفة كما يأتي تفصيله.

ولَما تخلّف عن بيعته رؤس المهاجرين والأنصار: عليّ وابناه السبطان. والعبّاس وبنوه في بني هاشم. وسعد بن عبادة وولده واسرته. والحباب بن المنذر وتابعوه. والزبير وطلحة. وسلمان. وعمّار. وأبو ذر. والمقداد. وخالد بن سعيد. وسعد بن أبي وقاص. وعتبة بن أبي لهب. والبراء بن عازب. واُبي بن كعب. وأبو سفيان بن حرب. وغيرهم(٢) .

ولَما كان مجال لقول محمّد بن اسحاق: كان عامّة المهاجرين وجلّ الأنصار لا يشكّون انَّ عليّاً صاحب الأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . شرح ابن ابي الحديد ٢: ٨.

ولَما قال عتبة بن ابي لهب يوم ذاك بملأ من مدّعي الفضائل:

ما كنت أحسب أنّ الأمر منصرف

عن هاشم ثمّ منهم عن ابي حسنِ

عن أوَّل الناس ايماناً وسابقةً

وأعلم الناس بالقرآن والسننِ

وآخر الناس عهداً بالنبيِّ ومَن

جبريلُ عونٌ له في الغسل والكفنِ

مَن فيه ما فيهمُ؟ لا يمترون بِهِ

وليس في القوم ما فيه مِن الحسنِ

ما ذا الذي ردّكم عنه؟ فنعلمه

ها إنَّ بيعتكم من أوّل الفتنِ(٣)

____________________

١ - الامامة والسياسة ١: ١٥ تأريخ اليعقوبى ٢: ١٠٣، ١٠٤ شرح ابن أبى الحديد ١: ١٣٢.

٢ - تأريخ اليعقوبى ٢: ١٠٣، الرياض النضرة ١: ١٦٧ تأريخ ابى الفدا ج ١: ١٥٦، روضة المناظر لابن شحنة هامش الكامل ٧: ١٦٤ شرح ابن ابى الحديد ١: ١٣٤.

٣ - تأريخ اليعقوبى ٢: ١٠٣، رسائل الجاحظ ٢٢، اسد الغابة ٤ ص ٤٠، تأريخ ابى الفدا ج ١ ص ١٦٤، شرح ابن ابى الحديد ٣: ٢٥٩، الغدير ٣: ٢٣٢. تعزى هذه الابيات الى عدة شعراء راجع المصادر المذكورة.

٩٣

ولَما قال قصيّ يوم ذاك:

بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكمُ

ولا سيّما تيم بن مرَّة أو عدي

فما الأمر إلّا فيكمُ وإليكمُ

وليس لها إلّا أبو حسن علي

أبا حسنٍ فاشدد بها كفَّ حازمٍ

فانَّك بالأمر الذي يُرتجى ملي

وإنَّ امرءاً يرمي قصيّاً وراءه

عزيز الحمى والناس من غالب قصي(١)

____________________

١ - تاريخ اليعقوبى ٢: ١٠٥.

٩٤

- ٢ -

ملكاته ونفسيّاته

يهمُّنا النظر إلى ملكات الخليفة وما انحنت عليه أضالعه من علوم أو نفسيّات حتّى نعلم أنَّها هل تجعل له صلة بفضيلة؟ أو تقرّب مبوَّأه من التأهُّل لهاتيك المرويّات؟ أو تعيِّن له حدّاً يكون التفريط منه إجحافاً به، وبخساً بحقِّه، وتحطيماً لمقامه؟ أو يُعرف الغلوُّ بالافراط فيه؟

أمّا هو قبل الإسلام فلا نفيض عنه قولاً لأنَّ الاسلام يجبُّ ما قبله، فلا إلتفات إذن إلى ما جاء به عكرمة رضي الله تعالى عنه من قوله: كان أبو بكر رضي الله عنه يُقامر اُبيّ بن خلف وغيره من المشركين وذلك قبل أن يحرم القمار. ذكره الإمام الشعرائي في كتابه كشف الغمَّة ج ٢: ١٥٤.

وقال الإمام أبو بكر الجصّاص الرازي الحنفي المتوفّى ٣٧٠ في أحكام القرآن ١: ٣٨٨: لا خلاف بين أهل العلم في تحريم القمار وانَّ المخاطرة من القمار، قال ابن عبّاس: إنَّ المخاطرة قمار وإنَّ أهل الجاهليَّة كانوا يخاطرون على المال والزوجة وقد كان ذلك مباحا إلى أن ورد تحريمه، وقد خاطر أبو بكر الصدِّيق المشركين حين نزلت: ا~لم غلبت الروم.

كما لا يلتفت إلى ما ذكره أبو بكر الاسكافي في الردِّ على الرسالة العثمانيَّة للجاحظ(١) من أنَّ أبا بكر كان قبل إسلامه مذكوراً ورئيساً معروفاً، يجتمع إليه كثيرٌ من أهل مكّة فينشدون الأشعار، ويتذاكرون الأخبار، ويشربون الخمر، و قد سمع دلائل النبوَّة وحجج الرسالة، وسافر إلى البلدان، ووصلت إليه الأخبار.

وأخرج الفاكهي في كتاب مكّة باسناده عن أبي القموص قال: شرب أبو بكر - الخمر في الجاهليّة(٢) فأنشأ يقول:

____________________

١ - رسائل الجاحظ ص ٣٤، شرح ابن ابى الحديد ٣ ص ٢٦٤.

٢ - هذه الكلمة دخيلة فى الرواية، وذيل الرواية يكذبها ايضا وسنوقفك على التاريخ الصحيح.

٩٥

تحيّي اُمَّ بكر بالسَّلامِ

وهل لي بعد قومك من سلامِ؟

الأبيات

فبلغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقام يجرُّ ازاره حتّى دخل فتلقّاه عمر وكان مع أبي بكر فلمّا نظر إلى وجهه محمرّاً قال: نعوذ بالله من غضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والله لا يلج لنا رأساً أبداً، فكان أوَّل من حرَّمها على نفسه.

وذكره الحكيم الترمذي في نوادر الاصول ص ٦٦ فقال: هو ممّا تنكره القلوب. فكأنَّ الحكيم وجد الحديث دائراً سائراً في الألسن غير أنَّه رأى القلوب تنكره.

وذكره ابن حجر في الاصابة ٤: ٢٢ فقال: واعتمد نفطويه على هذه الرواية فقال: شرب أبو بكر الخمر قبل أن تحرم ورثى قتلى بدر من المشركين.

وحديث أبي القموص هذا أخرجه الطبري في تفسيره ٢: ٢٠٣ وفي طبعة ٢١١ عن ابن بشار(١) عن عبد الوهّاب(٢) عن عوف(٣) عن أبي القموص زيد بن علي(٤) قال: أنزل الله عزَّ وجلَّ في الخمر ثلاث مرّات، فأوَّل ما أنزل قال الله: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيها إثمٌ كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما(٥) قال: فشربها من المسلمين من شاء الله منهم على ذلك حتى شرب رجلان فدخلا في الصَّلاة فجعلا يهجران كلاماً لا يدري عوف ما هو فأنزل الله عزَّ وجل فيها: يا أيُها الَّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى‏ حتّى‏ تعلموا ما تقولون(٦) فشربها من شربها منهم وجعلوا يتَّقونها عند الصَّلاة حتى شربها فيما زعم أبو القموص رجلٌ فجعل ينوح على قتلي بدر:

تحيي بالسَّلامة أمّ عمرو

وهل لك بعد رهطك من سلامِ؟

ذريني أصطبح بكراً فانِّي

رأيت الموت نقَّب عن هشامِ

وودَّ بنو المغيرة لو فدوه

بألف من رجال أو سوامِ

____________________

١ - الحافظ أبو بكر محمد بن بشار العبدى البصرى. من رجال الصحاح الست.

٢ - ابن عبد المجيد البصرى. من رجال الصحاح الست.

٣ - ابن أبى جميلة العبدى البصرى. من رجال الصحاح الست.

٤ - ثقة كما فى تهذيب التهذيب ٣ ص ٤٢٠.

٥ - سورة البقرة آية: ٢١٩.

٦ - سورة النساء. آية: ٤٣.

_٦_

٩٦

كأنِّي بالطويِّ طويِّ بدرِ

من الشيزى يكلّل بالسنامِ

كأنِّي بالطويِّ طويِّ بدرِ

من الفتيان والحلل الكرامِ

قال: فبلغ ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجاء فزعاً يجرُّ رداءه من الفزع حتّى انتهي إليه فلمَّا عاينه الرجل فرفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئاً كان بيده ليضربه قال: أعوذ بالله من غضب الله ورسوله والله لا أطعمها أبداً فأنزل الله تحريمها: يا أيُّها الذين آمنوا إنَّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس(١) إلى قوله: فهل أنتم منتهون. فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنتهينا. إنتهينا(٢) .

وأخرج البزّار عن انس بن مالك قال: كنت ساقي القوم تيناً وزبيباً خلطناهما جميعاً وكان في القوم رجلٌ يقال له: أبو بكر فلمّا شرب قال:

اُحيِّي اُمَّ بكر بالسَّلام

وهل لك بعد قومك من سلامِ؟

يحدِّثنا الرسول بأنَّ سحتاً

وكيف حياة أصلٍ أو هشامِ(٣)

فبينا نحن كذلك والقوم يشربون إذ دخل علينا رجلٌ من المسلمين فقال: ما تصنعون؟ إنَّ الله تبارك وتعالى قد نزَّل تحريم الخمر. الحديث.

وقال ابن حجر في فتح الباري ١٠: ٣٠، والعيني في عمدة القاري ٢٠: ٨٤: من المستغربات ما أورده ابن مردويه في تفسيره من طريق عيسى بن طهمان(٤) عن أنس أنَّ أبا بكر وعمر كانا فيهم. وهو منكرٌ مع نظافة سنده، وما أظنُّه إلّا غلطاً.

وقد أخرج أبو نعيم في الحلية في ترجمة شعبة من حديث عائشة قالت: حرَّم أبو بكر الخمر على نفسه فلم يشربها في جاهليَّة ولا إسلام.

ويحتمل أن كان محفوظاً أن يكون أبو بكر وعمر زارا أبا طلحة في ذلك اليوم

____________________

١ - سورة المائدة. آية: ٩١.

٢ - لا يخفى على القارئ أن الطبرى حرّف اسم أبى بكر وجعل مكانه: رجل. وحرّف كلمة « أم بكر » فى الشعر وبدّلها بأم عمرو. صونا للكرامة.

٣ - مجمع الزوائد ٥: ٥١.

٤ - وثقه أحمد. وابن معين. وأبو حاتم. ويعقوب بن سفيان. وأبو داود. والحاكم. والدار قطنى. تهذيب التهذيب ٨ ص ٢١٦.

٩٧

ولم يشربا معهم(١) ثمَّ وجدت عند البزّار من وجه آخر عن أنس قال: كنت ساقي القوم وكان في القوم رجلٌ يقال له: أبو بكر فلمّا شرب قال:

تحيّي بالسّلامة أمّ بكر......

فدخل علينا رجلٌ من المسلمين فقال: قد نزل تحريم الخمر. الحديث. وأبو بكر هذا يقال له: ابن شغوب فظنَّ بعضهم انَّه أبو بكر الصدِّيق وليس كذلك ولكن قرينة ذكر عمر تدلُّ على عدم الغلط في وصف الصدِّيق فحصَّلنا تسمية عشرة. ا ه.

قال الأميني: ترى ابن حجر يتلعثم في ذكر الحديث، فلا يدعه حبّه للخليفة أن يقبله، ولا تخلّيه صحَّته أن يصفح عنه، فجاء يستغرب أوَّلا ثمَّ يستنكره مع الحكم بنظافة سنده، ويظنّه غلطاً تارةً ويراه محفوظاً اخرى، وبالأخير يأخذه صدق النبأ و صحَّته فيتخلّص منه بالحكم بأنَّ المذكور فيه هو أبو بكر الصدِّيق بقرينة عمر، فيعدُّهما من أحد عشر الذين كانوا يشربون الخمر في دار أبي طلحة.

وابن حجر يعلم بأنَّ ما أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث عايشة لا يقاوم هذا النبأ الثابت المرويَّ بالطرق الصحيحة عن رجال الصحاح، ذكر أبو نعيم حديثه في الحلية ٧ ص ١٦٠ من طريق عباد بن زياد الساجي عن ابن عدي عن شعبة عن محمّد بن عبد الرحمن أبي الرجال عن اُمِّه عمرة عن عائشة. وقال: غريبٌ من حديث شعبة لم نكتبه إلّا من من حديث عباد بن أبي عدي.ا ه. وفيه:

عباد بن زياد الساجي، يتهم بالقدر. قال موسى بن هارون: تركت حديثه، و قال ابن عدي: هو من أهل الكوفة الغالين في التشيع له أحاديث مناكير في الفضائل.

« تهذيب التهذيب ٥: ٢٩٤ »

وفيه: شعبة عن محمَّد بن عبد الرحمن أبي الرجال قال الخطيب: هذا وهمٌ شعبة لم يرو عن أبي الرجال شيئاً، وكذلك من قال فيه عن شعبة عن محمّد بن عبد الرَّحمن عن اُمّه عمرة.

« تهذيب التهذيب ٩: ٢٩٥ »

وقال ابن حجر والعيني: وقع عند عبد الرزاق عن معمر بن ثابت وقتادة وغيرهما

____________________

١ - هنا ينتهى كلام العينى والبقية كلمة ابن حجر فحسب.

٩٨

عن أنس: انَّ القوم كانوا احد عشر رجلاً(١) .

نادي الخمر هذا كان عام الفتح سنة ثمان من الهجرة بالمدينة المشرَّفة في دار أبي طلحة زيد بن سهل وكانت السقاية لأنس كما في صحيح البخاري كتاب التفسير في سورة المائدة في آية الخمر، وفي صحيح مسلم في كتاب الأشربة باب تحريم الخمر وقال السيوطي في الدرِّ المنثور ٢: ٣٢١: أخرجه عبد بن حميد. وأبو يعلى. وابن المنذر، وأبو الشيخ. وابن مردويه عن أنس.

وأخرجه أحمد في المسند ٣: ١٨١، ٢٢٧ والطبري في تفسيره ٧: ٢٤، والبيهقي في السنن الكبرى ٨: ٢٨٦، ٢٩٠. وابن كثير في تفسيره ٢: ٩٣، ٩٤.

وكان عدَّة الحضور في ذلك النادي كما مرَّت عن معمر وقتادة أحد عشر رجلاً ذكر منهم ابن حجر في فتح الباري ١٠: ٣٠ عشرة أنفس وقال كما مرَّ ص ٩٨: فحصَّلنا تسمية عشرة وهم:

١ - أبو بكر بن أبي قحافة. وكان يوم ذاك ابن ثمان وخمسين سنة.

٢ - عمر بن الخطاب. وكان يوم ذاك ابن خمس وأربعين سنة.

٣ - أبو عبيدة الجراح. وكان ابن ثمان وأربعين سنة.

٤ أبو طلحة زيد بن سهل صاحب النادي، وكان له أربع وأربعون سنة، قال ابن الجوزي في الصفوة ١: ١٩١: توفي سنة أربع وثلاثين وهو ابن سبعين سنة.

٥ - سهيل بن بيضاء. توفي بعد القضيَّة بسنة وهو كبير السنِّ.

٦ - اُبيّ بن كعب.

٧ - أبو دجانة سماك بن خرشة.

٨ - أبو أيوب الأنصاري.

٩ - أبو بكر بن شغوب.

١٠ - أنس بن مالك ساقي القوم، كان يوم ذاك ابن ثمانية عشر عاماً على الأصحِّ وفي صحيحة مسلم في الأشربة في باب تحريم الخمر، والبيهقي في السنن ٨: ٢٩ عن انس انِّه قال: إنِّي لقائمٌ أسقيهم وأنا أصغرهم.

____________________

١ - فتح البارى ١٠ ص ٣٠، عمدة القارى ١٠ ص ٨٤.

٩٩

وقد عزب عن ابن حجر حادي عشر القوم وهو: معاذ بن جبل. كما ورد في حديث قتادة عن أنس، أخرجه ابن جرير في تفسيره ٧: ٢٤، والهيثمي في مجمع الزوائد ٥ ٥٢، والعيني في عمدة القاري ٨: ٥٨٩، والسيوطي في الدر المنثور ٢: ٣٢١ نقلاً عن ابن جرير وأبي الشيخ وابن مردويه، والنووي في شرح مسلم هامش إرشاد القسطلاني ٨: ٢٣٢.

وكان معاذ يوم ذاك ابن ثلاث وعشرين سنة إذ توفِّي سنة ١٨ وله ٣٣ عاماً كما ذكره ابن الجوزي في صفة الصفوة.

وهؤلاء المذكورين من الذين كانوا يشربون الخمر بعد نزول الآيتين فيها بتأويل فيهما كما مرَّ في الجزء السادس ٢٥١ ط ٢، إلى أن نزل آية المائدة: يا أيّها الذين آمنوا إنَّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان. إلى قوله تعالى: فهل أنتم منتهون. وكان ذلك في عام الفتح فلمّا رأوا غضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلموا من الآية الثلاثة التحذير والوعيد إنتهوا وقال عمر: إنتهينا. إنتهينا.

قال الآلوسي في تفسيره ٢: ١١٥: شربها كبار الصحابة رضي الله عنهم بعد نزولها « يعني آية الخمر في البقرة » وقالوا: إنّما نشرب ما ينفعنا ولم يمتنعوا حتى نزلت آية المائدة.ا ه.

وأخرج ابن أبي حاتم من حديث أنس أنَّه قال: كنّا نشرب الخمر فاُنزلت: يسألونك عن الخمر والميسر. الآية. فقلنا: نشرب منها ما ينفعنا. فانزلت في المائدة: إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس. الآية. فقالوا: أللّهم قد انتهينا(١) .

وأخرج عبد بن حميد عن عطاء انَّه قال: أوَّل ما نزل في تحريم الخمر « يسألونك عن الخمر والميسر » الآية فقال بعض الناس: نشربها لمنافعها التي فيها. وقال آخرون لا خير في شيىء فيه إثمٌ ثمَّ نزل « يا أيّها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى » الآية، فقال بعض الناس: نشرّبها ونجلس في بيوتنا. وقال آخرون: لا خير في شيىء يحول بيننا وبين الصَّلاة مع المسلمين. فنزلت « يا أيّها الذين آمنوا إنَّما الخمر والميسر الآية » فانتهوا(٢) .

____________________

١ - الدر المنثور ١: ٢٥٢، تفسير الشوكانى ١: ١٩٧.

٢ - تفسير الالوسى ٧ ص ١٧.

١٠٠