الميزان في تفسير القرآن الجزء ٦

الميزان في تفسير القرآن9%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 401

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 401 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84105 / تحميل: 7581
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ رَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ ) التوبة: ٦١ و قال أيضاً:( وَ إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) القلم: ٤ و قال أيضاً و فيه جماع ما تقدّم:( وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ) الأنبياء: ١٠٧.

و هذه الآيات و إن كانت بحسب المعنى المطابقيّ ناظرة إلى أخلاقهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسنة دون أدبه الّذي هو أمر وراء الخلق إلّا أنّ نوع الأدب - كما تقدّم بيانه - يستفاد من نوع الخلق، على أنّ نفس الأدب من الأخلاق الفرعيّة.

( بحث روائي آخر)

( في سنن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و آدابه خاصّة)

الآيات القرآنيّة الّتي يستفاد منها خلقهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكريم و أدبه الجميل أكثرها واردة في صورة الأمر و النهي، و لذلك رأينا أن نورد في هذا المقام روايات من سننهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها مجامع أخلاقه الّتي تلوّح إلى أدبه الإلهيّ الجميل، و هي مع ذلك متأيّدة بالآيات الشريفة القرآنيّة.

١- في معاني الأخبار، بطريق عن أبي هالة التميميّ عن الحسن بن عليّعليهما‌السلام و بطريق آخر عن الرضا عن آبائه عن عليّ بن الحسين عن الحسن بن عليّعليهم‌السلام ، و بطريق آخر عن رجل من ولد أبي هالة عن الحسن بن عليّعليهما‌السلام :

قال: سألت خالي هند بن أبي هالة، و كان وصّافاً للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و أنا أشتهي أن يصف لي منه شيئاً لعلّي أتعلّق به فقال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخماً مفخّماً يتلألؤ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع و أقصر من المشذّب، عظيم الهامة، رجل الشعر، إن تفرّقت عقيقته فرّق و إلّا فلا يجاوز شعره شحمة اُذنيه إذا هو وفّره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزجّ الحواجب سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدرّه الغضب له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمّله أشمّ، كثّ اللحية، سهل الخدّين، ضليع الفم، مفلّج، أشنب، مفلّج الأسنان، دقيق المشربة، كأنّ عنقه جيد دمية في صفاء الفضّة، معتدل الخلق، بادناً متماسكاً، سواء البطن و الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، عريض الصدر، أنور المتجرّد،

٣٢١

موصول ما بين اللبّة و السرّة بشعر يجري كالخطّ، عاري الثديين و البطن ممّا سوى ذلك، أشعر الذراعين و المنكبين و أعلى الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، شثن الكفّين و القدمين، سائل الأطراف، سبط القصب، خمصان الأخمصين، فسيح القدمين ينبو عنهما الماء، إذا زال زال قلعاً، يخطو تكفّؤاً، و يمشي هوناً، ذريع المشية، إذا مشى كأنّما ينحطّ في صبب، و إذا التفت التفت جميعاً، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جلّ نظره الملاحظة يبدر من لقيه بالسلام.

قال: فقلت له: صف لي منطقه، فقال: كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكر ليس له راحة، طويل الصمت لا يتكلّم في غير حاجة، يفتتح الكلام و يختتمه بأشداقه، يتكلّم بجوامع الكلم فصلاً لا فضول فيه و لا تقصير، دمثاً ليس بالجافي و لا بالمهين، يعظم عنده النعمة و إن دقّت، لا يذمّ منها شيئاً غير أنّه كان لا يذمّ ذواقاً و لا يمدحه، و لا تغضيه الدنيا و ما كان لها، فإذا تعوطي الحقّ لم يعرفه أحد، و لم يقم لغضبه شي‏ء حتّى ينتصر له، إذا أشار أشار بكفّه كلّها، و إذا تعجّب قلّبها، و إذا تحدّث اتّصل بها فضرب راحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، و إذا غضب أعرض و انشاح، و إذا غضب غضّ طرفه جلّ ضحكه التبسّم، يفترّ عن مثل حبّ الغمام.

قال الصدوق: إلى هنا رواية القاسم بن المنيع عن إسماعيل بن محمّد بن إسحاق بن جعفر بن محمّد، و الباقي رواية عبدالرحمن إلى آخره:

قال الحسنعليه‌السلام : فكتمتها الحسينعليه‌السلام زماناً ثمّ حدّثته به فوجدته قد سبقني إليه فسألته عنه فوجدته قد سأل أباهعليه‌السلام عن مدخل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و مخرجه و مجلسه و شكله فلم يدع منه شيئاً.

قال الحسينعليه‌السلام قد سألت أبيعليه‌السلام عن مدخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: كان دخوله في نفسه مأذوناً له في ذلك، فإذا آوى إلى منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزءً لله، و جزءً لأهله، و جزءً لنفسه، ثمّ جزّأ جزءه بينه و بين الناس فيرّد ذلك بالخاصّة على العامّة، و لا يدخّر عنهم منه شيئاً.

و كان من سيرتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جزء الاُمّة إيثار أهل الفضل بأدبه، و قسمه على قدر

٣٢٢

فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، و منهم ذو الحاجتين، و منهم ذو الحوائج فيتشاغل بهم، و يشغلهم فيما أصلحهم و الاُمّة من مسألته عنهم، و بإخبارهم بالّذي ينبغي، و يقول: ليبلّغ الشاهد منكم الغائب، و أبلغوني حاجة من لا يقدر على إبلاغ حاجته فإنّه من أبلغ سلطاناً حاجة من لا يقدر على إبلاغها ثبّت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده إلّا ذلك، و لا يقبل من أحد غيره، يدخلون روّاداً، و لا يفترقون إلّا عن ذواق و يخرجون أدلّة.

و سألته عن مخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيف كان يصنع فيه؟ فقال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخزن لسانه إلّا عمّا كان يعنيه، و يؤلّفهم و لا ينفّرهم، و يكرم كريم كلّ قوم و يولّيه عليهم، و يحذر الناس و يحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره و لا خلقه، و يتفقّد أصحابه، و يسأل الناس عن الناس، و يحسّن الحسن و يقوّيه، و يقبّح القبيح و يوهنه، معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا و يميلوا، و لا يقصر عن الحقّ و لا يجوزه، الّذين يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم عنده أعمّهم نصيحة للمسلمين، و أعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة و موازرة.

قالعليه‌السلام : فسألته عن مجلسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: كان لا يجلس و لا يقوم إلّا على ذكر، لا يوطن الأماكن و ينهى عن إيطانها و إذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس و يأمر بذلك، و يعطي كلّ جلسائه نصيبه، و لا يحسب أحد من جلسائه أنّ أحداً أكرم عليه منه، من جالسه صابره حتّى يكون هو المنصرف، من سأله حاجة لم يرجع إلّا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس منه خلقه فصار لهم أباً، و كانوا عنده في الحقّ سواء، مجلسه مجلس حلم و حياء و صدق و أمانة، و لا ترفع فيه الأصوات، و لا يؤبن فيه الحرم، و لا تثنّى فلتاته، متعادلين، متواصلين فيه بالتقوى، متواضعين، يوقّرون الكبير، و يرحمون الصغير، و يؤثرون ذا الحاجة، و يحفظون الغريب.

فقلت: كيف كانت سيرتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جلسائه؟ فقالعليه‌السلام : كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دائم البشر، سهل الخلق، ليّن الجانب، ليس بفظّ و لا غليظ و لا صخّاب و لا فحّاش و لا عيّاب، و لا مدّاح، يتغافل عمّا لا يشتهي، فلا يؤيس منه و لا يخيّب منه مؤمّليه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء و الإكثار و ما لا يعنيه، و ترك الناس من ثلاث: كان لا يذمّ أحداً و لا يعيّره، و لا يطلب

٣٢٣

عثراته و لا عورته، و لا يتكلّم إلّا فيما رجى ثوابه، إذا تكلّم أطرق جلساؤه كأنّ على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلّموا، و لا يتنازعون عنده الحديث، من تكلّم أنصتوا له حتّى يفرغ، حديثهم عنده حديث أوليتهم، يضحك ممّا يضحكون منه، و يتعجّب ممّا يتعجّبون منه، و يصبر للغريب على الجفوة في مسألته و منطقه حتّى إن كان أصحابه يستجلبونهم، و يقول: إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فارفدوه، و لا يقبل الثناء إلّا من مكافئ، و لا يقطع على أحد كلامه حتّى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام.

قال: فسألته عن سكوت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالعليه‌السلام كان سكوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أربع: على الحلم و الحذر و التقدير و التفكير: فأمّا التقدير ففي تسوية النظر و الاستماع بين الناس، و أمّا تفكّره ففيما يبقى و يفنى، و جمع له الحلم و الصبر فكان لا يغضبه شي‏ء و لا يستفزّه، و جمع له الحذر في أربع: أخذه بالحسن ليقتدي به، و تركه القبيح لينتهي عنه، و اجتهاده الرأي في صلاح اُمّته، و القيام فيما جمع له خير الدنيا و الآخرة:.

أقول: و رواه في مكارم الأخلاق نقلاً من كتاب محمّد بن إسحاق بن إبراهيم الطالقانيّ بروايته عن ثقاته عن الحسن و الحسينعليهما‌السلام قال في البحار: و الرواية من الأخبار المشهورة روته العامّة في أكثر كتبهم، انتهى.

و قد روي في معناها أو معنى بعض أجزائها روايات كثيرة عن الصحابة.

قوله:( المربوع) الّذي بين الطويل و القصير، و المشذّب الطويل الّذي لا كثير لحم على بدنه، و رجل الشعر من باب علم فهو رجل بالفتح و السكون أي كان بين السبط و الجعد، و العقيقة الخصلة السبطة من الشعر، و أزهر اللون أي لونه مشرق صاف، و الأزجّ من الحاجب ما رقّ و طال، و السوابغ من الحاجب هي الواسعة، و القرن بفتحتين اقتران ما بينها، و الشمم ارتفاع قصبة الأنف مع حسن و استواء، و كثّ اللحية المجتمع شعرها إذا كثف من غير طول، و سهل الخدّ مستوية من غير لحم كثير، و ضليع الفم أي وسيعه و يعدّ في الرجال من المحاسن، و المفلّج من الفلجة بفتحتين إذا تباعد ما بين قدميه أو يديه أو أسنانه، و الأشنب أبيض الأسنان.

و المشربة الشعر وسط الصدر إلى البطن، و الدمية بالضمّ الغزال، و المنكب مجتمع

٣٢٤

رأس الكتف و العضد، و الكراديس جمع كردوس و هو العظمان إذا التقيا في مفصل، و أنور المتجرّد كأنّ المتجرّد اسم فاعل من التجرّد و هو التعرّي من لباس و نحوه، و المراد أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان جميل الظاهر حسن الخلقة في بدنه إذا تجرّد عن اللباس.

و اللبّة بالضمّ فالتشديد موضع القلادة من الصدر و السرّة معروفة، و الزند موصل الذراع من الكفّ، و رحب الراحة أي وسيعها، و الشثن بفتحتين الغلظ في القدمين و الكفّين، و سبط القصب أي سهل العظام مسترسلها من غير نتوّ، أخمص القدم، الموضع الّذي لا يصل الأرض منها، و الخمصان ضامر البطن فخمصان الأخمصين أي كونهما ذا نتوّ و ارتفاع بالغ من الأرض، و الفسحة هي الوسعة، و القلع بفتحتين القوّة في المشي.

و التكفّؤ في المشي الميد و التمايل فيه، و ذريع المشية أي السريع فيها، و الصبب ما انحدر من الطريق أو الأرض، و خافض الطرف تفسيره ما بعده من قوله:( نظره إلى الأرض) إلخ.

و الأشداق جمع شدق - بالكسر فالسكون - و هو زاوية الفم من باطن الخدّين، و افتتاح الكلام و اختتامه بالأشداق كناية عن الفصاحة، يقال: تشدّق أي لوى شدقه للتفصّح، و الدمث من الدماثة و تفسيره ما بعده و هو قوله:( ليس بالجافي و لا بالمهين) و الذواق بالفتح ما يذاق من طعام، و انشاح من النشوح أي أعرض، و يفترّ عن مثل حبّ الغمام افترّ الرجل افتراراً أي ضحك ضحكاً حسناً، و حبّ الغمام البرد، و المراد أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يضحك ضحكاً حسناً يبدو به أسنانه.

و قوله:( فيردّ ذلك بالخاصّة على العامّة) إلخ، المراد أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و إن كان في جزئه الّذي لنفسه خلا بنفسه عن الناس لكنّه لا ينقطع عنهم بالكلّيّة بل يرتبط بواسطة خاصّته بالناس فيجيبهم في مسائلهم و يقضي حوائجهم، و لا يدّخر عنهم من جزء نفسه شيئاً، و الروّاد جمع رائد و هو الّذي يتقدّم القوم أو القافلة يطلب لهم مرعى أو منزلاً و نحو ذلك.

و قوله:( لا يوطن الأماكن و ينهى عن إيطانها) المراد بها المجالس أي لا يعيّن لنفسه مجلساً خاصّاً بين الجلساء حذراً من التصدّر و التقدّم فقوله:( و إذا انتهى) إلخ، كالمفسّر له،

٣٢٥

و لا تؤبن فيه الحرم أي لا تعاب عنده حرمات الناس، و الاُبنة بالضمّ العيب، و الحرم بالضمّ فالفتح جمع حرمة.

و قوله:( و لا تثنّى فلتاته) من التثنية بمعنى التكرار، و الفلتات جمع فلتة و هي العثرة أي إذا وقعت فيه فلتة من أحد جلسائه بيّنها لهم فراقبوا للتحذّر من الوقوع فيها ثانياً، و البشر بالكسر فالسكون بشاشة الوجه، و الصخاب الشديد الصياح.

و قوله:( حديثهم عنده حديث أوليتهم) الأولية جمع وليّ، و كأنّ المراد به التالي التابع و المعنى أنّهم كانوا يتكلّمون واحداً بعد آخر بالتناوب من غير أن يداخل أحدهم كلام الآخر أو يتوسّطه أو يشاغبوا فيه، و قوله:( حتّى إن كان أصحابه يستجلبونهم) أي يريدون جلبهم عنه و تخليصه منهم.

و قوله:( و لا يقبل الثناء إلّا من مكافئ) أي في مقابل نعمة أنعمها على أحدهم و هو الشكر الممدوح من كافأه بمعنى جازاه، أو من المكافاة بمعنى المساواة أي ممّن يثني بما يستحقّه من الثناء على ما أنعم به من غير إطراء و إغراق، و قوله:( و لا يقطع على أحد كلامه حتّى يجوز) أي يتعدّى عن الحقّ فيقطعه حينئذ بنهي أو قيام، و الاستفزاز الاستخفاف و الإزعاج.

٢- و في الإحياء،: كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفصح الناس منطقاً و أحلاهم - إلى أن قال - و كان يتكلّم بجوامع الكلم لا فضول و لا تقصير كأنّه يتبع بعضه بعضاً، بين كلامه توقّف يحفظه سامعه و يعيه، كان جهير الصوت أحسن الناس نغمة.

٣- و في التهذيب، بإسناده عن إسحاق بن جعفر عن أخيه موسى عن آبائه عن عليّعليه‌السلام قال: سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: بعثت بمكارم الأخلاق و محاسنها.

٤- و في مكارم الأخلاق، عن أبي سعيد الخدريّ قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشدّ حياء من العذراء في خدرها، و كان إذا كره شيئاً عرفناه في وجهه.

٥- و في الكافي، بإسناده عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أباجعفرعليه‌السلام يذكر أنّه أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ملك فقال: إنّ الله يخيّرك أن تكون عبداً رسولاً متواضعاً أو ملكاً رسولاً.

٣٢٦

قال: فنظر إلى جبرئيل و أومأ بيده أن تواضع فقال: عبداً رسولاً متواضعاً، فقال الرسول: مع أنّه لا ينقصك ممّا عند ربّك شيئاً، قال: و معه مفاتيح خزائن الأرض.

٦- و في نهج البلاغة، قالعليه‌السلام : فتأسّ بنبيّك الأطهر الأطيب - إلى أن قال - قضم الدنيا، قضماً و لم يعرها طرفاً، أهضم أهل الدنيا كشحاً، و أخمصهم من الدنيا بطناً، عرضت عليه الدنيا عرضاً فأبى أن يقبلها، و علم أنّ الله سبحانه أبغض شيئاً فأبغضه، و صغّر شيئاً فصغّره، و لو لم يكن فينا إلّا حبّنا ما أبغض الله و تعظيمنا لما صغّر الله لكفى به شقاقاً لله و محادّة عن أمر الله، و لقد كان رسول الله يأكل على الأرض و يجلس جلسة العبد، و يخصف بيده نعله، و يركب الحمار العاري و يردف خلفه، و يكون الستر على باب بيته فيكون عليه التصاوير فيقول: يا فلانة - لإحدى أزواجه - غيّبيه عنّي فإنّي إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا و زخارفها، فأعرض عن الدنيا بقلبه، و أمات ذكرها عن نفسه، و أحبّ أن يغيب زينتها عن عينه لكيلا يتّخذ منها رياشاً، و لا يعتقدها قراراً، و لا يرجو فيها مقاماً، فأخرجها من النفس، و أشخصها عن القلب، و غيّبها عن البصر، و كذلك من أبغض شيئاً أبغض أن ينظر إليه و أن يذكر عنده.

٧- و في الإحتجاج، عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الحسنبن عليّ عن أبيه عليّعليهم‌السلام في خبر طويل: و كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكي حتّى يبتلّ مصلّاه خشية من الله عزّوجلّ من غير جرم‏، الحديث.

٨- و في المناقب: و كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكي حتّى يغشى عليه فقيل له: أ ليس قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك و ما تأخّر؟ فقال: أ فلا أكون عبداً شكوراً؟ و كذلك كان غشيات عليّ بن أبي طالب وصيّه في مقاماته.

أقول: بناء سؤال السائل على تقدير كون الغرض من العبادة هو الأمن من العذاب و قد ورد: أنّه عبادة العبيد، و بناء جوابهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على كون الداعي هو الشّكر لله سبحانه، و هو عبادة الكرام، و هو قسم آخر من أقسام العبادة، و قد ورد في المأثور عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام : أنّ من العبادة ما تكون خوفاً من العقاب و هو عبادة العبيد، و منها ما تكون طمعاً

٣٢٧

في الثواب و هو عبادة التجّار، و منها ما تكون شكراً لله سبحانه، و في بعض الروايات حبّاً لله تعالى، و في بعضها لأنّه أهل له.

و قد استقصينا البحث في معنى الروايات في تفسير قوله تعالى:( وَ سَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) آل عمران: ١٤٤ في الجزء الرابع من الكتاب، و بيّنّا هناك أنّ الشكر لله في عبادته هو الإخلاص له، و أنّ الشاكرين هم المخلصون (بفتح اللّام) من عباد الله المعنيّون بمثل قوله تعالى:( سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ، إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ ) الصافّات: ١٦٠.

٩- و في إرشاد الديلميّ: أنّ إبراهيمعليه‌السلام كان يسمع منه في صلاته أزيز كأزيز الوجل من خوف الله تعالى، و كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك.

١٠- و في تفسير أبي الفتوح، عن أبي سعيد الخدريّ قال: لما نزل قوله تعالى:( اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً ) اشتغل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذكر الله حتّى قال الكفّار: إنّه جنّ.

١١- و في الكافي، بإسناده عن زيد الشحّام عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتوب إلى الله في كلّ يوم سبعين مرّة، قلت: أ كان يقول: أستغفر الله و أتوب إليه؟ قال: لا و لكن كان يقول: أتوب إلى الله، قلت كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتوب و لا يعود، و نحن نتوب و نعود، قال: الله المستعان.

١٢- و في مكارم الأخلاق، نقلاً من كتاب النبوّة عن عليّعليه‌السلام : أنّه كان إذا وصف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: قال: كان أجود الناس كفّاً، و أجرأ الناس صدراً، و أصدق الناس لهجة، و أوفاهم ذمّة، و ألينهم عريكة، و أكرمهم عشيرة، من رآه بديهة هابه، و من خالطه معرفة أحبّه، لم أر قبله و لا بعده مثله،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٣- و في الكافي، بإسناده عن عمربن عليّ عن أبيهعليه‌السلام قال: كانت من أيمان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا و أستغفر الله.

١٤- و في إحياء العلوم: كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا اشتدّ وجده أكثر من مسّ لحيته الكريمة.

١٥- و فيه: و كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسخى الناس لا يثبت عنده دينار و لا درهم، و إن فضل شي‏ء

٣٢٨

و لم يجد من يعطيه و فجأ الليل لم يأو إلى منزله حتّى يتبرّأ منه إلى من يحتاج إليه، لا يأخذ ممّا آتاه الله إلّا قوت عامه فقط من أيسر ما يجد من التمر و الشعير، و يضع سائر ذلك في سبيل الله.

لا يسأل شيئاً إلّا أعطاه ثمّ يعود إلى قوت عامه فيؤثر منه حتّى إنّه ربّما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شي‏ء، قال: و ينفذ الحقّ و إن عاد ذلك عليه بالضرر أو على أصحابه، قال: و يمشي وحده بين أعدائه بلا حارس، قال: لا يهوّله شي‏ء من اُمور الدنيا.

قال: و يجالس الفقراء، و يؤاكل المساكين، و يكرم أهل الفضل في أخلاقهم، و يتألّف أهل الشرف بالبرّ لهم، يصل ذوي رحمة من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم، لا يجفو على أحد، يقبل معذرة المعتذر إليه.

قال: و كان له عبيد و إماء من غير أن يرتفع عليهم في مأكل و لا ملبس، لا يمضي له وقت من غير عمل لله تعالى أو لما لا بدّ منه من صلاح نفسه، يخرج إلى بساتين أصحابه لا يحتقر مسكيناً لفقره أو زمانته، و لا يهاب ملكاً لملكه، يدعو هذا و هذا إلى الله دعاءً مستوياً.

١٦- و فيه، قال: و كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبعد الناس غضباً و أسرعهم رضىّ، و كان أرأف الناس بالناس، و خير الناس للناس، و أنفع الناس للناس.

١٧- و فيه، قال: و كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا سرّ و رضي فهو أحسن الناس رضىً، فإنّ وعظ وعظ بجدّ، و إن غضب - و لا يغضب إلّا لله - لم يقم لغضبه شي‏ء، و كذلك كان في اُموره كلّها، و كان إذا نزل به الأمر فوّض الأمر إلى الله، و تبرّأ من الحول و القوّة، و استنزل الهدى.

أقول: و التوكّل على الله و تفويض الاُمور إليه و التبرّي من الحول و القوّة و استنزال الهدى من الله يرجع بعضها إلى بعض و ينشأ الجميع من أصل واحد، و هو أنّ للاُمور استناداً إلى الإرادة الإلهيّة الغالبة غير المغلوبة و القدرة القاهرة غير المتناهية، و قد أطبق على الندب إلى ذلك الكتاب و السنّة كقوله تعالى:( وَ عَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ )

٣٢٩

إبراهيم: ١٢ و قوله:( وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ ) المؤمن: ٤٤ و قوله:( وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) الطلاق: ٣ و قوله:( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ ) الأعراف: ٥٤ و قوله:( وَ أَنَّ إِلى‏ رَبِّكَ الْمُنْتَهى) النجم: ٤٢ إلى غير ذلك من الآيات، و الروايات في هذه المعاني فوق حدّ الإحصاء.

و التخلّق بهذه الأخلاق و التأدّب بهذه الآداب على أنّه يجري بالإنسان مجرى الحقائق و يطبّق عمله على ما ينبغي أن ينطبق عليه من الواقع و يقرّه على دين الفطرة فإنّ حقيقة الأمر هو رجوع الاُمور بحسب الحقيقة إلى الله سبحانه كما قال:( أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ) الشورى: ٥٣، له فائدة قيّمة هي أنّ اتّكاء الإنسان و اعتماده على ربّه - و هو يعرفه بقدرة غير متناهية و إرادة قاهرة غير مغلوبة - يمدّ إرادته و يشيّد أركان عزيمته فلا ينثلم عن كلّ مانع يبدو له، و لا تنفسح عن كلّ تعب أو عناء يستقبله، و لا يزيلها كلّ تسويل نفسانيّ و وسوسة شيطانيّة تظهر لسرّه في صورة الخطورات الوهميّة.

من سننه و أدبه في العشرة

١٨- و في إرشاد الديلميّ قال: كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرقع ثوبه، و يخصف نعله، و يحلب شاته، و يأكل مع العبد و يجلس على الأرض، و يركب الحمار و يردف، و لا يمنعه الحياء أن يحمل حاجته من السوق إلى أهله، و يصافح الغنيّ و الفقير، و لا ينزع يده من يد أحد حتّى ينزعها هو، و يسلّم على من استقبله من غنيّ و فقير و كبير و صغير، و لا يحقّر ما دعي إليه و لو إلى حشف التمر.

و كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خفيف المؤنة، كريم الطبيعة، جميل المعاشرة، طلق الوجه، بسّاماً من غير ضحك، محزوناً من غير عبوس، متواضعاً من غير مذلّة، جواداً من غير سرف رقيق القلب، رحيماً بكلّ مسلم، و لم يتجشّ من شبع قطّ، و لم يمدّ يده إلى طمع قطّ.

١٩- و في مكارم الأخلاق، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه كان ينظر في المرآة و يرجّل جمّته و يتمشّط، و ربّما نظر في الماء و سوّى جمّته فيه، و لقد كان يتجمّل لأصحابه فضلاً على تجمّله لأهله، و قال:صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ الله يحبّ من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيّأ لهم و يتجمّل.

٣٣٠

٢٠- و في العلل، و العيون، و المجالس، بإسناده عن الرضا عن آبائهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خمس لا أدعهنّ حتّى الممات: الأكل على الأرض مع العبيد، و ركوبي مؤكّفاً، و حلبي العنز بيدي، و لبس الصوف، و التسليم على الصبيان لتكون سنّة من بعدي.

٢١- و في الفقيه، عن عليّعليه‌السلام : أنّه قال لرجل من بني سعد: أ لا اُحدّثك عنّي و عن فاطمة - إلى أن قال - فغدا علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و نحن في لحافنا فقال: السلام عليكم فسكتنا و استحيينا لمكاننا ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : السلام عليكم فسكتنا، ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : السلام عليكم فخشينا إن لم نردّ عليه أن ينصرف، و قد كان يفعل ذلك فيسلّم ثلاثاً فإنّ اُذن له و إلّا انصرف فقلنا: و عليك السلام يا رسول الله ادخل فدخل‏، الخبر.

٢٢- و في الكافي، بإسناده عن ربعيّ بن عبدالله عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسلّم على النساء و يرددن عليه السلام، و كان أميرالمؤمنينعليه‌السلام يسلّم على النساء و كان يكره أن يسلّم على الشابّة منهنّ، و يقول: أتخوّف أن يعجبني صوتها فيدخل عليّ أكثر ممّا أطلب من الأجر.

أقول: و رواه الصدوق مرسلاً، و كذا سبط الطبرسيّ في المشكاة، نقلاً عن كتاب المحاسن.

٢٣- و فيه، بإسناده عن عبدالعظيم بن عبدالله الحسنيّ رفعه قال: كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجلس ثلاثاً: القرفصاء و هو أن يقيم ساقيه و يستقبلهما بيده، و يشدّ يده في ذراعه، و كان يجثو على ركبتيه، و كان يثنّي رجلاً واحدة و يبسط عليها الاُخرى، و لم ير متربّعاً قطّ.

٢٤- و في المكارم، نقلاً من كتاب النبوّة عن عليّعليه‌السلام قال: ما صافح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحداً قطّ فنزع يده من يده حتّى يكون هو الّذي ينزع يده، و ما فاوضه أحد قطّ في حاجة أو حديث فانصرف حتّى يكون الرجل هو الّذي ينصرف، و ما نازعه أحد قطّ الحديث فيسكت حتّى يكون هو الّذي يسكت، و ما رئي مقدّماً رجله بين يدي جليس له قطّ.

و لا خيّر بين أمرين إلّا أخذ بأشدّهما، و ما انتصر لنفسه من مظلمة حتّى ينتهك

٣٣١

محارم الله فيكون حينئذ غضبه لله تبارك و تعالى، و ما أكل متّكئاً قطّ حتّى فارق الدنيا، و ما سئل شيئاً قطّ فقال لا، و ما ردّ سائل حاجة قطّ إلّا أتى بها أو بميسور من القول، و كان أخفّ الناس صلاة في تمام، و كان أقصر الناس خطبة و أقلّهم هذراً، و كان يعرف بالريح الطيّب إذا أقبل، و كان إذا أكل مع القوم كان أوّل من يبدأ و آخر من يرفع يده، و كان إذا أكل أكل ممّا يليه، فإذا كان الرطب و التمر جالت يده، و إذا شرب شرب ثلاثة أنفاس، و كان يمصّ الماء مصّاً و لا يعبّه عبّاً، و كان يمينه لطعامه و شرابه و أخذه و عطائه فكان لا يأخذ إلّا بيمينه، و لا يعطي إلّا بيمينه، و كان شماله لما سوى ذلك من بدنه و كان يحبّ التيمّن في جميع اُموره في لبسه و تنعّله و ترجّله.

و كان إذا دعا دعا ثلاثاً، و إذا تكلّم تكلّم وتراً، و إذا استأذن استأذن ثلاثاً، و كان كلامه فصلاً يتبيّنه كلّ من سمعه، و إذا تكلّم رئي كالنور يخرج من بين ثناياه، و إذا رأيته قلت: أفلج و ليس بأفلج.

و كان نظره اللحظ بعينه، و كان لا يكلّم أحداً بشي‏ء يكرهه، و كان إذا مشى كأنّما ينحطّ في صبب، و كان يقول: إنّ خياركم أحسنكم أخلاقاً، و كان لا يذمّ ذواقا و لا يمدحه، و لا يتنازع أصحاب الحديث عنده، و كان المحدّث عنه يقول: لم أر بعينيّ مثله قبله و لا بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢٥- و في الكافي، بإسناده عن جميل بن درّاج عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقسّم لحظاته بين أصحابه فينظر إلى ذا و ينظر إلى ذا بالسويّة. قال: و لم يبسط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجليه بين أصحابه قطّ، و إن كان ليصافحه الرجل فما يترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده من يده حتّى يكون هو التارك فلمّا فطنوا لذلك كان الرجل إذا صافحه مال بيده فنزعها من يده.

٢٦- و في المكارم، قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا حدّث بحديث تبسّم في حديثه.

٢٧- و فيه، عن يونس الشيبانيّ قال: قال لي أبوعبداللهعليه‌السلام : كيف مداعبة بعضكم بعضاً؟ قلت: قليلاً. قال: هلّا تفعلوا؟ فإنّ المداعبة من حسن الخلق، و إنّك لتدخل بها السرور على أخيك، و لقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يداعب الرجل يريد به أن يسرّه.

٣٣٢

٢٨- و فيه، عن أبي القاسم الكوفيّ في كتاب الأخلاق، عن الصادقعليه‌السلام قال: ما من مؤمن إلّا و فيه دعابة، و كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يداعب و لا يقول إلّا حقّاً.

٢٩- و في الكافي، بإسناده عن معمّر بن خلّاد قال: سألت أباالحسنعليه‌السلام فقلت: جعلت فداك الرجل يكون مع القوم فيمضي بينهم كلام يمزحون و يضحكون؟ فقال: لا بأس ما لم يكن، فظننت أنّه عنى الفحش.

ثمّ قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأتيه الأعرابيّ فيأتي إليه بالهديّة ثمّ يقول مكانه: أعطنا ثمن هديّتنا فيضحك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و كان إذا اغتمّ يقول: ما فعل الأعرابيّ ليته أتانا.

٣٠- و في الكافي، بإسناده عن طلحة بن زيد عن أبي عبداللهعليه‌السلام : قال كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر ما يجلس تجاه القبلة.

٣١- و في المكارم، قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤتى بالصبيّ الصغير ليدعو له بالبركة فيضعه في حجره تكرمة لأهله، و ربّما بال الصبيّ عليه فيصيح بعض من رآه حين يبول فيقولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تزرموا بالصبيّ حتّى يقضي بوله ثمّ يفرغ له من دعائه أو تسميته، و يبلغ سرور أهله فيه، و لا يرون أنّه يتأذّى ببول صبيّهم فإذا انصرفوا غسل ثوبه بعده.

٣٢- و فيه، روي: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان لا يدع أحداً يمشي معه إذا كان راكباً حتّى يحمله معه فإن أبى قال: تقدّم أمامي و أدركني في المكان الّذي تريد.

٣٣- و فيه، عن أبي القاسم الكوفيّ في كتاب الأخلاق،: و جاء في الآثار: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينتقم لنفسه من أحد قطّ بل كان يعفو و يصفح.

٣٤- و فيه: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيّام سأل عنه فإن كان غائباً دعا له، و إن كان شاهداً زاره، و إن كان مريضاً عاده.

٣٥- و فيه: عن أنس قال: خدمت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسع سنين فما أعلم أنّه قال لي قطّ: هلّا فعلت كذا و كذا؟ و لا عاب عليّ شيئاً قطّ.

٣٦- و في الإحياء، قال: قال أنس: و الّذي بعثه بالحقّ ما قال لي في شي‏ء قطّ كرهه: لم فعلته؟ و لا لامني نساؤه إلّا قال: دعوه إنّما كان هذا بكتاب و قدر.

٣٣٣

٣٧- و فيه، عن أنس: و كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يدعوه أحد من أصحابه و غيرهم إلّا قال: لبّيك.

٣٨- و فيه، عنه: و لقد كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعو أصحابه بكناهم إكراماً لهم و استمالة لقلوبهم، و يكنّي من لم يكن له كنية فكان يدعى بما كنّاه به، و يكنّي أيضاً النساء اللّاتي لهنّ الأولاد و اللاتّي لم يلدن، و يكنّي الصبيان فيستلين به قلوبهم.

٣٩- و فيه: و كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤثر الداخل عليه بالوسادة الّتي تحته فإن أبى أن يقبلها عزم عليه حتّى يفعل.

٤٠- و في الكافي، بإسناده عن عجلان قال: كنت عند أبي عبداللهعليه‌السلام فجاء سائل فقامعليه‌السلام إلى مكيل فيه تمر فملأ يده فناوله، ثمّ جاء آخر فسأله فقام فأخذ بيده فناوله ثمّ جاء آخر فسأله فقام فأخذ بيده فناوله، ثمّ جاء آخر فقالعليه‌السلام : الله رازقنا و إيّاك.

ثمّ قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان لا يسأله أحد من الدنيا شيئاً إلّا أعطاه فأرسلت إليه امرأة ابناً لها فقالت: انطلق إليه فاسأله فإن قال: ليس عندنا شي‏ء فقل: أعطني قميصك، قال: فأخذ قميصه فرمى به (و في نسخة اُخرى فأعطاه) فأدّبه الله على القصد فقال:( وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى‏ عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً ) .

٤١- و فيه، بإسناده عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأكل الهديّة و لا يأكل الصدقة.

٤٢- و فيه، عن موسى بن عمران بن بزيع قال: قلت للرضا (ع): جعلت فداك إنّ الناس رووا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا أخذ في طريق رجع في غيره! كذا كان؟ قال: فقال نعم فأنا أفعله كثيراً فافعله، ثمّ قال لي: أمّا إنّه أرزق لك.

٤٣- و في الإقبال، بإسناده عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخرج بعد طلوع الشمس.

٤٤- و في الكافي، بإسناده عن عبدالله بن المغيرة عمّن ذكره قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا دخل منزلاً قعد في أدنى المجلس إليه حين يدخل:

أقول: و رواه سبط الطبرسيّ في المشكاة، نقلاً عن المحاسن، و غيره.

٣٣٤

٤٥- و من سننه و آدابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التنظّف و الزينة ما في المكارم، قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا غسل رأسه و لحيته غسلهما بالسدر.

٤٦- و في الجعفريّات، بإسناده عن جعفر بن محمّد عن آبائه عن عليّعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرجّل شعره، و أكثر ما كان يرجّل بالماء، و يقول: كفى بالماء طيباً للمؤمن.

٤٧- و في الفقيه، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ المجوس جزّوا لحاهم و وفّروا شواربهم، و إنّا نحن نجزّ الشوارب و نعفي اللحى.

٤٨- و في الكافي، بإسناده عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: من السنّة تقليم الأظفار.

٤٩- و في الفقيه،: روي: من السنّة دفن الشعر و الظفر و الدم.

٥٠- و فيه، بإسناده عن محمّد بن مسلم: أنّه سأل أباجعفرعليه‌السلام عن الخضاب فقال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يختضب، و هذا شعره عندنا.

٥١- و في المكارم: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطلّي فيطلّيه من يطلّي حتّى إذا بلغ ما تحت الإزار تولّاه بنفسه.

٥٢- و في الفقيه: قال عليّعليه‌السلام : نتف الإبط ينفي الرائحة الكريهة و هو طهور و سنّة ممّا أمر به الطيّبعليه‌السلام .

٥٣- و في المكارم: كان لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكحلة يكتحل بها في كلّ ليلة و كان كحله الإثمد.

٥٤- و في الكافي، بإسناده عن أبي اُسامة عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: من سنن المرسلين السواك.

٥٥- و في الفقيه، بإسناده عن عليّعليه‌السلام في حديث الأربعمائة قال: و السواك مرضاة الله و سنّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و مطهّرة للفم.

أقول: و الأخبار في استنانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسواك من طرق الفريقين كثيرة جدّاً.

٥٦- و في الفقيه: قال الصادقعليه‌السلام : أربع من أخلاق الأنبياء: التطيّب و التنظيف بالموسى و حلق الجسد بالنورة و كثرة الطروقة.

٣٣٥

٥٧- و في الكافي، بإسناده عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كانت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممسكة إذا هو توضّأ أخذها بيده و هي رطبة فكان إذا خرج عرفوا أنّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٥٨- و في المكارم: كان لا يعرض له طيب إلّا تطيّب، و يقول: هو طيّب ريحه خفيف محمله، و إن لم يتطيّب وضع إصبعه في ذلك الطيب ثمّ لعق منه.

٥٩- و فيه: كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستجمر بالعود القماريّ.

٦٠- و في ذخيرة المعاد: و كان أي المسك أحبّ الطيب إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٦١- و في الكافي، بإسناده عن إسحاق الطويل العطّار عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينفق في الطيب أكثر ممّا ينفق في الطعام.

٦٢- و فيه، بإسناده عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قال أميرالمؤمنينعليه‌السلام : الطيب في الشارب من أخلاق النبيّين و كرامة للكاتبين.

٦٣- و فيه، بإسناده عن السكن الخزّاز قال: سمعت أباعبداللهعليه‌السلام يقول: حقّ على كلّ محتلم في كلّ جمعة أخذ شاربه و أظفاره و مسّ شي‏ء من الطيب، و كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا كان يوم الجمعة و لم يكن عنده طيب دعا ببعض خمر نسائه فبلّها في الماء ثمّ وضعها على وجهه.

٦٤- و في الفقيه، بإسناده عن إسحاق بن عمّار عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أتى بطيب يوم الفطر بدأ بنسائه.

٦٥- و في المكارم: و كان يدّهنصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأصناف من الدهن، قال و كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدّهن بالبنفسج و يقول: هو أفضل الأدهان.

٦٦- و من آدابهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في السفر ما في الفقيه، بإسناده عن عبدالله بن سنان عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسافر يوم الخميس.

أقول: و في هذا المعنى أحاديث كثيرة.

٦٧- و في أمان الأخطار، و مصباح الزائر، قال: ذكر صاحب كتاب عوارف المعارف: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا سافر حمل معه خمسة أشياء: المرآة و المكحلة و المذرى و السواك، قال: و في رواية اُخرى: و المقراض.

٣٣٦

أقول: و رواه في المكارم و الجعفريّات.

٦٨- و في المكارم، عن ابن عبّاس قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا مشى مشى مشياً يعرف أنّه ليس بعاجز و لا كسلان.

٦٩- و في الفقيه، بإسناده عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفره إذا هبط هلّل و إذا صعد كبّر.

٧٠- و في لبّ اللباب، للقطب: عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه لم يرتحل من منزل إلّا و صلّى فيه ركعتين، و قال: حتّى يشهد عليّ بالصلاة.

٧١- و في الفقيه، قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا ودّع المؤمنين قال: زوّدكم الله التقوى، و وجّهكم إلى كلّ خير، و قضى لكم كلّ حاجة، و سلّم لكم دينكم و دنياكم، و ردّكم سالمين إلي غانمين.

أقول: و الروايات في دعائهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند الوداع مختلفة لكنّها على اختلافها متّفقة في الدعاء بالسلامة و الغنيمة.

٧٢- و في الجعفريّات، بإسناده عن جعفر بن محمّد عن آبائه عن عليّعليه‌السلام : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول للقادم من مكّة: تقبّل الله نسكك، و غفر ذنبك، و أخلف عليك نفقتك.

٧٣- و من آدابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الملابس و ما يتعلّق بها ما في الإحياء: كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلبس من الثياب ما وجد من إزار أو رداء، أو قميص أو جبّة أو غير ذلك، و كان يعجبه الثياب الخضر، و كان أكثر ثيابه البياض، و يقول: ألبسوها أحياءكم، و كفّنوا فيها موتاكم.

و كان يلبس القباء المحشوّ للحرب و غير الحرب، و كان له قباء سندس فيلبسه فيحسن خضرته على بياض لونه، و كانت ثيابه كلّها مشمّرة فوق الكعبين، و يكون الإزار فوق ذلك إلى نصف الساق و كان قميصه مشدود الإزار و ربّما حلّ الإزار في الصلاة و غيرها.

. و كانت له ملحفة مصبوغة بالزعفران، و ربّما صلّى بالناس فيها وحدها، و ربّما لبس الكساء وحده ليس عليه غيره، و كان له كساء ملبّد يلبسه و يقول: إنّما أنا عبد ألبس كما يلبس العبد، و كان له ثوبان لجمعته خاصّة سوى ثيابه في غير الجمعة، و ربّما لبس الإزار

٣٣٧

الواحد ليس عليه غيره، و يعقد طرفيه بين كتفيه، و ربّما أمّ به الناس على الجنائز، و ربّما صلّى في بيته في الإزار الواحد ملتحفاً به محالفاً بين طرفيه و يكون ذلك الأزر الّذي جامع فيه يومئذ، و كان ربّما صلّى بالليل في الإزار و يرتدي ببعض الثوب ممّا يلي هدبه، و يلقي البقيّة على بعض نسائه فيصلّي كذلك.

و لقد كان له كساء أسود فوهبه فقالت له اُمّ سلمة، بأبي أنت و اُمّي ما فعل ذلك الكساء الأسود؟ فقال: كسوته. فقالت: ما رأيت شيئاً قطّ كان أحسن من بياضك على سواده و قال أنس: و ربّما رأيته يصلّي بنا الظهر في شمله عاقداً بين طرفيها، و كان يتختّم، و ربّما خرج و في خاتمه الخيط المربوط يتذكّر بها الشي‏ء، و كان يختم به على الكتب و يقول: الخاتم على الكتاب خير من التهمة.

و كان يلبس القلانس تحت العمائم و بغير عمامة، و ربّما نزع قلنسوته من رأسه فجعلها سترة بين يديه ثمّ يصلّي إليها، و ربّما لم تكن العمامة فيشدّ العصابة على رأسه و على جبهته، و كانت له عمامة تسمّى السحاب فوهبها من عليّ فربّما طلع عليّ فيها فيقولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتاكم عليّ في السحاب.

و كان إذا لبس ثوباً لبسه من قبل ميامنه و يقول: الحمد لله الّذي كساني ما اُواري به عورتي و أتجمّل به في الناس، و إذا نزع ثوبه أخرجه من مياسره، و كان إذا لبس جديداً أعطى خلق ثيابه مسكيناً ثمّ يقول: ما من مسلم يكسو مسلماً من سمل ثيابه، لا يكسوه إلّا لله إلّا كان في ضمان الله و حرزه و خيره ما واراه حيّاً و ميّتاً.

و كان له فراش من أدم حشوه ليف طوله ذراعان أو نحوه و عرضه ذراع و شبر أو نحوه، و كانت له عباءة تفرش له حيثما تنقّل تثنّى طاقين تحته، و كان ينام على الحصير ليس تحته شي‏ء غيره.

و كان من خلقه تسمية دوابّه و سلاحه و متاعه و كان اسم رايته العقاب، و سيفه الّذي يشهد به الحروب ذا الفقار، و كان له سيف يقال له: المخذم، و آخر يقال له: الرسوب، و آخر يقال له القضيب، و كانت قبضة سيفه محلّاة بالفضّة، و كان يلبس المنطقة من الأدم فيها ثلاث حلق من فضّة، و كان اسم قوسه الكتوم و جعبته الكافور، و كان اسم ناقته العضباء،

٣٣٨

و اسم بغلته الدلدل، و كان اسم حماره يعفور، و اسم شاته الّتي يشرب لبنها عينة.

و كان له مطهرة من فخار يتوضّأ فيها و يشرب منها فيرسل الناس أولادهم الصغار الّذين قد عقلوا فيدخلون على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يدفعون عنه، فإذا وجدوا في المطهرة ماءً شربوا منه و مسحوا على وجوههم و أجسادهم يبتغون بذلك البركة.

٧٤- و في الجعفريّات، عن جعفر بن محمّد عن آبائه عن عليّعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلبس من القلانس المضرّبة - إلى أن قال - و كان له درع يقال له ذات الفضول و كانت له ثلاث حلقات من فضّة، بين يديها واحدة و اثنتان من خلفها، الخبر.

٧٥- و في العوالي: روي أنّه كان لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمامة سوداء يتعمّم بها و يصلّي فيها.

أقول: و روي أنّ عمامتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت ثلاث أكوار أو خمساً.

٧٦- و في الخصال، بإسناده عن عليّ في الحديث الأربعمائة قال: البسوا الثياب القطن فإنّها لباس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لم يكن يلبس الشعر و الصوف إلّا من علّة.

أقول: و رواه الصدوق أيضاً مرسلاً، و رواه الصفوانيّ في كتاب التعريف‏، و يتبيّن بهذا معنى ما مرّ من لبسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصوف و أنّه لا منافاة.

٧٧- و في الفقيه، بإسناده عن إسماعيل بن مسلم عن الصادق عن أبيهعليهما‌السلام قال: كانت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنزة في أسفلها عكاز يتوكّأ عليها و يخرجها في العيدين يصلّي إليها.

أقول: و رواه في الجعفريّات.

٧٨- و في الكافي، بإسناده عن هشام بن سالم عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان خاتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ورق.

٧٩- و فيه، بإسناده عن أبي خديجة قال: قال: الفصّ مدوّر، و قال: هكذا كان خاتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨٠- و في الخصال، بإسناده عن عبدالرحيم بن أبي البلاد عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال:

٣٣٩

كان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاتمان: أحدهما عليه مكتوب لا إله إلّا الله محمّد رسول الله، و الآخر: صدق الله.

٨١- و فيه، بإسناده عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الثانيعليه‌السلام في حديث: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين و الأئمّةعليهم‌السلام كانوا يتختّمون في اليمين.

٨٢- و في المكارم، عن الصادق عن عليّعليه‌السلام قال: لبس الأنبياء القمّيّص قبل السراويل.

أقول: و رواه في الجعفريّات، و في المعاني السابقة أخبار اُخر كثيرة.

٨٣- و من آدابهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسكنه و ما يتعلّق به ما في كتاب التحصين، لابن فهد قال: توفّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و ما وضع لبنة على لبنة.

٨٤- و في لبّ اللباب، قال: قالعليه‌السلام : المساجد مجالس الأنبياء.

٨٥- و في الكافي، بإسناده عن السكونيّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا خرج في الصيف من البيت خرج يوم الخميس، و إذا أراد أن يدخل في الشتاء من البرد دخل يوم الجمعة.

أقول: و رواه أيضاً في الخصال مرسلاً.

٨٦- و عن كتاب العدد القويّة، للشيخ عليّ بن الحسن بن المطهّر أخ العلّامة رحمهما الله عن خديجة رضي الله عنها قالت: كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا دخل المنزل دعا بالإناء فتطهّر للصلاة ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين يوجز فيهما ثمّ يأوي إلى فراشه.

٨٧- و في الكافي، بإسناده عن عباد بن صهيب قال: سمعت أباعبداللهعليه‌السلام يقول: ما بيّت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدوّاً قطّ.

٨٨- و في المكارم: كان فراش رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عباءة، و كانت مرفقته من أدم حشوها ليف فثنيت ذات ليلة فلمّا أصبح قال: لقد منعتني الليلة الفراش الصلاة فأمر أن يجعل له بطاق واحد، و كان له فراش من أدم حشوه ليف، و كانت له عباءة تفرش له حيثما انتقل، و تثنّى ثنتين.

٣٤٠

٨٩- و فيه: عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ما استيقظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من نوم قطّ إلّا خرّ لله ساجداً.

٩٠- و من آدابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المناكح و الأولاد ما في رسالة المحكم و المتشابه، للمرتضى بإسناده إلى تفسير النعمانيّ عن عليّعليه‌السلام قال: إنّ جماعة من الصحابة كانوا قد حرّموا على أنفسهم النساء و الإفطار بالنهار و النوم بالليل فأخبرت اُمّ سلمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخرج إلى أصحابه فقال: أ ترغبون عن النساء؟ فإنّي آتي النساء و آكل بالنهار و أنام بالليل فمن رغب عن سنّتي فليس منّي‏، الخبر.

أقول: و هذا المعنى مرويّ في كتب الفريقين بطرق كثيرة.

٩١- و في الكافي، بإسناده عن إسحاق بن عمّار عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: من أخلاق الأنبياء حبّ النساء.

٩٢- و فيه، بإسناده عن بكّار بن كردم و غير واحد عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : جعل قرّة عيني في الصلاة و لذّتي في النساء.

أقول: و يقرب منه ما روي بطرق اُخرى.

٩٣- و في الفقيه: و كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أراد أن يتزوّج بامرأة بعث إليها من ينظر إليها، الخبر.

٩٤- و في تفسير العيّاشيّ: عن الحسين بن بنت إلياس قال: سمعت أباالحسن الرضاعليه‌السلام يقول: إنّ الله جعل الليل سكناً، و جعل النساء سكناً، و من السنّة التزويج بالليل و إطعام الطعام.

٩٥- و في الخصال، بإسناده عن عليّعليه‌السلام في حديث الأربعمائة قال: عقّوا عن أولادكم يوم السابع، و تصدّقوا بوزن شعورهم فضّة على مسلم، و كذلك فعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحسن و الحسين و سائر أولاده.

٩٦- و من آدابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأطعمة و الأشربة و ما يتعلّق بالمائدة ما في الكافي، بإسناده عن هشام بن سالم و غيره عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: ما كان شي‏ء أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أن يظلّ جائعاً خائفاً في الله.

٣٤١

٩٧- و في الإحتجاج، بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه عن الحسين بن عليّعليهم‌السلام في حديث طويل: في أسئلة اليهوديّ الشاميّ عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام - إلى أن قال - قال له اليهوديّ: فإنّ عيسى يزعمون أنّه كان زاهداً!، قال له عليّعليه‌السلام : كان كذلك، و محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أزهد الأنبياء كان له ثلاث عشرة نسوة سوى من يطيف به من الإماء ما رفعت له مائدة قطّ و عليها طعام، و ما أكل خبز برّ قطّ، و لا شبع من خبز شعير قطّ ثلاث ليال متواليات.

٩٨- و في أمالي الصدوق، عن العيص بن القاسم قال: قلت للصادقعليه‌السلام : حديث يروى عن أبيك: أنّه قال: ما شبع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خبز برّ قطّ أ هو صحيح؟ فقال: لا ما أكل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خبز برّ قطّ و لا شبع من خبز شعير قطّ.

٩٩- و في الدعوات، للقطب قال: و روي ما أكل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متّكئاً إلّا مرّة ثمّ جلس فقال: اللّهمّ إنّي عبدك و رسولك.

أقول: و روى هذا المعنى الكلينيّ و الشيخ بطرق كثيرة و الصدوق و البرقيّ و الحسين بن سعيد في كتاب الزهد.

١٠٠- و في الكافي، بإسناده عن زيد الشحّام عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: ما أكل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متّكئاً منذ بعثه الله حتّى قبض كان يأكل أكلة العبد، و يجلس جلسة العبد. قلت: و لم؟ قال تواضعاً لله عزّوجلّ.

١٠١- و فيه، بإسناده عن أبي خديجة قال: سأل بشير الدهّان عن أبي عبداللهعليه‌السلام و أنا حاضر فقال: هل كان يأكل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متّكئاً على يمينه و على يساره؟ فقال: ما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأكل متّكئاً على يمينه و لا على يساره، و لكن يجلس جلسة العبد، قلت: و لم ذاك؟ قال: تواضعاً لله عزّوجلّ.

١٠٢- و فيه، بإسناده عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأكل أكل العبد، و يجلس جلسة العبد، و كان يأكل على الحضيض و ينام على الحضيض.

١٠٣- و في الإحياء،: كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا جلس يأكل جمع بين ركبتيه و بين قدميه كما يجلس المصلّي إلّا أنّ الركبة فوق الركبة و القدم فوق القدم، و يقول إنّما أنا عبد آكل

٣٤٢

كما يأكل العبد و أجلس كما يجلس العبد.

١٠٤- و في كتاب التعريف، للصفوانيّ عن عليّعليه‌السلام : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا قعد على المائدة قعد قعدة العبد، و كان يتّكئ عن(١) فخذه الأيسر.

١٠٥- و في المكارم: عن ابن عبّاس قال: كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجلس على الأرض، و يعتقل الشاة، و يجيب دعوة المملوك.

١٠٦- و في المحاسن، بإسناده عن حمّاد بن عثمان عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلعق أصابعه إذا أكل.

١٠٧- و في الإحتجاج، نقلاً من كتاب مواليد الصادقين قال: كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأكل كلّ الأصناف من الطعام، و كان يأكل ما أحلّ الله له مع أهله و خدمه إذا أكلوا و مع من يدعوه من المسلمين على الأكل، و على ما أكلوا عليه و ما أكلوا إلّا أن ينزل بهم ضيف فيأكل مع ضيفه - إلى أن قال - و كان أحبّ الطعام إليه ما كان على ضفف.

أقول: قوله:( و على ما أكلوا عليه) يريد أمثال المائدة و الصحفة، و قوله:( و ما أكلوا) ما موصولة أو توقيتيّة، و قوله:( إلّا أن ينزل) ، إلخ استثناء من قوله:( مع أهله و خدمه) و( الضفف) كثرة العيال و نحوها، و الضفّة بالفتح الجماعة.

١٠٨- و في الكافي، بإسناده عن ابن القدّاح عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أكل مع القوم طعاماً كان أوّل من يضع يده و آخر من يرفعها ليأكل القوم.

١٠٩- و في الكافي، بإسناده إلى محمّد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال أميرالمؤمنينعليه‌السلام : عشاء النبيّين بعد العتمة فلا تدعوا العشاء فإنّ ترك العشاء خراب البدن.

١١٠- و في الكافي، بإسناده عن عنبسة بن نجاد عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: ما قدّم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طعام فيه تمر إلّا بدأ بالتمر.

١١١- و في الكافي، و صحيفة الرضا، بإسناده عن آبائهعليهم‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أكل التمر يطرح النوى على ظهر كفّه ثمّ يقذف به.

١١٢- و في الإقبال، نقلاً من الجزء الثاني من تاريخ النيشابوريّ، في ترجمة الحسن

____________________

(١) كذا

٣٤٣

بن بشر بإسناده قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحمد الله بين كلّ لقمتين.

١١٣- و في الكافي، بإسناده عن وهب بن عبد ربّه قال: رأيت أبا عبداللهعليه‌السلام يتخلّل فنظرت إليه فقال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتخلّل، و هو يطيّب الفم.

١١٤- و في المكارم، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه كان إذا شرب بدأ فسمّى - إلى أن قال - و يمصّ الماء مصّاً و لا يعبّه عبّاً، و يقول: إنّ الكباد من العبّ.

١١٥- و في الجعفريّات، عن جعفر بن محمّد عن آبائه عن عليّعليه‌السلام قال: تفقدّت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير مرّة، و هو إذا شرب تنفّس ثلاثاً مع كلّ واحدة منها تسمية إذا شرب و تحميد إذا انقطع فسألته عن ذلك فقال: يا عليّ شكراً لله تعالى بالحمد و تسمية من الداء.

١١٦- و في المكارم: كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يتنفّس في الإناء إذا شرب فإن أراد أن يتنفّس أبعد الإناء عن فيه حتّى يتنفّس.

١١٧- و في الإحياء: و كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أكل اللحم لم يطأطئ رأسه إليه و يرفعه إلى فيه رفعاً ثمّ ينهشه انتهاشاً ثمّ قال: و كان إذا أكل اللحم خاصّة غسل يديه غسلاً جيّداً ثمّ مسح بفضل الماء على وجهه.

١١٨- و في المكارم، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه كان يأكل الأصناف من الطعام.

أقول: ثمّ ذكر الطبرسي أصنافاً من الطعام كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأكلها كالخبز و اللحم على أقسامه و البطّيخ و الخربز و السكّر و العنب و الرمّان و التمر و اللبن و الهريسة و السمن و الخلّ و الهندباء و الباذروج و الكرنب. و روي: أنّه كان يحبّ التمر. و روي أنّه كان يعجبه العسل. و روي أنّه كان أحبّ الثمرات إليه الرمّان.

١١٩- و في أمالي الطوسيّ، بإسناده عن أبي اُسامة عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان طعام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشعير إذا وجده، و حلواه التمر، و وقوده السعف.

١٢٠- و في المكارم، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه كان لا يأكل الحارّ حتّى يبرد و يقول: إنّ الله لم يطعمنا ناراً إنّ الطعام الحارّ غير ذي بركة.

و كان إذا أكل سمّى، و يأكل بثلاث أصابع، و ممّا يليه و لا يتناول من بين يدي غيره، و يؤتى بالطعام فيشرع قبل القوم ثمّ يشرعون، و كان يأكل بأصابعه الثلاث:

٣٤٤

الإبهام و الّتي تليها و الوسطى و ربّما استعان بالرابعة، و كان يأكل بكفّه كلّها، و لم يأكل بإصبعين، و يقول: إنّ الأكل بإصبعين هو أكل الشيطان، و لقد جاء أصحابه يوماً بفالوذج فأكل معهم و قال: ممّ هذا؟ فقالوا: نجعل السمن و العسل فيأتي - كما ترى - فقال: إنّ هذا طعام طيّب.

و كان يأكل خبز الشعير غير منخول، و ما أكل خبز برّ قطّ، و لا شبع من خبز شعير قطّ، و لا أكل على خوان حتّى مات، و كان يأكل البطّيخ و العنب و يأكل الرطب و يطعم الشاة النوى، و كان لا يأكل الثوم و لا البصل و لا الكرّاث و لا العسل الّذي فيه المغافير، و المغافير ما يبقى من الشجر في بطون النحل فيلقيه في العسل فيبقى له ريح في الفم.

و ما ذمّ طعاماً قطّ. كان إذا أعجبه أكله، و إذا كرهه تركه و لا يحرّمه على غيره، و كان يلحس القصعة و يقول: آخر الصحفة أعظم الطعام بركة، و كان إذا فرغ لعق أصابعه الثلاث الّتي أكل بها واحدة واحدة، و كان يغسل يده من الطعام حتّى ينقّيها، و كان لا يأكل وحده.

أقول: قوله:( الإبهام و الّتي تليها و الوسطى) من جميل أدب الراوي حيث لم يقل: الإبهام و السبّابة إلخ صوناً لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن إطلاق السبّابة على إصبعه الشريفة لما في اللفظ من الإيهام.

و الّذي رواه من أكلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الفالوذج يخالف ما في المحاسن مسنداً عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: بينا أميرالمؤمنينعليه‌السلام في الرحبة في نفر من أصحابه إذ اُهدي إليه خوان فالوذج فقال لأصحابه: مدّوا أيديكم فمدّوا أيديهم و مدّ يده ثمّ قبضها و قال: إنّي ذكرت أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأكله فكرهت أكله.

١٢١- و في المكارم، قال: و كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشرب في أقداح القوارير الّتي يؤتى بها من الشام، و يشرب في الأقداح الّتي تتّخذ من الخشب و الجلود و الخزف.

أقول: و روي قريباً من صدره في الكافي، و المحاسن، و فيه: و يعجبه أن يشرب في القدح الشاميّ و كان يقول: هي أنظف آنيتكم.

١٢٢- و في المكارم، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه كان يشرب بكفّه يصبّ الماء فيها، و يقول:

٣٤٥

ليس إناء أطيب من اليد.

١٢٣- و في الكافي، بإسناده عن عبدالله بن سنان قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يذبح يوم الأضحى كبشين أحدهما عن نفسه و الآخر عمّن لم يجد من اُمّته.

١٢٤- و من آدابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخلوة ما في شرح النفليّة، للشهيد الثاني عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه لم ير علي بول و لا غائط.

١٢٥- و في الجعفريّات، بإسناده عن جعفر بن محمّد عن آبائه عن عليّعليه‌السلام قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أراد أن يتخنّع غطّى رأسه ثمّ دفنه، و إذا أراد يبزق فعل مثل ذلك، و كان إذا أراد الكنيف غطّى رأسه.

أقول: و اتّخاذ الكنيف في العرب ممّا حدث بعد الإسلام، و كانوا قبل ذلك يخرجون إلى البرّ على ما يستفاد من بعض الروايات.

١٢٦- و في الكافي، بإسناده عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الثانيعليه‌السلام قال: قلت له: إنّا روينا الحديث أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يستنجي و خاتمه في إصبعه، و كذلك كان يفعل أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، و كان نقش خاتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : محمّد رسول الله؟ قال: صدقوا، قلت: فينبغي لنا أن نفعل، قال: إنّ اُولئك كانوا يتختّمون في اليد اليمنى و إنّكم أنتم تتختّمون في اليسرى‏، الحديث.

أقول: و روي قريب منه في الجعفريّات، و في المكارم، نقلاً عن كتاب اللباس، للعيّاشيّ عن الصادقعليه‌السلام .

١٢٧- و من آدابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند المصائب و البلايا و في الأموات و ما يتعلّق بها ما في المكارم: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا رأى من جسمه بثرة أعاذ بالله و استكان له و جار إليه فيقال له: يا رسول الله ما هو ببأس، فيقول: إنّ الله إذا أراد أن يعظّم صغيراً عظّم، و إذا أراد أن يصغّر عظيماً صغّر.

١٢٨- و في الكافي، بإسناده عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: السنّة أن يحمل السرير من جوانبه الأربع، و ما كان بعد ذلك من حمل فهو تطوّع.

١٢٩- و في قرب الإسناد، عن الحسين بن طريف عن الحسين بن علوان عن جعفر

٣٤٦

عن أبيه: أنّ الحسن بن عليّعليه‌السلام كان جالساً و معه أصحاب له فمرّ بجنازة فقام بعض القوم و لم يقم الحسنعليه‌السلام فلمّا مضوا بها قال بعضهم: أ لّا قمت عافاك الله فقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقوم للجنازة إذا مرّوا بها؟ فقال الحسنعليه‌السلام : إنّما قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّة واحدة، و ذلك أنّه مرّ بجنازة يهوديّ و قد كان المكان ضيّقاً فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و كره أن يعلوا رأسه.

١٣٠- و في دعوات القطب، قال: كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أتّبع جنازة غلبته كآبة، و أكثر حديث النفس، و أقلّ الكلام.

١٣١- و في الجعفريّات، بإسناده عن جعفر بن محمّد عن آبائه عن عليّعليه‌السلام : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحثو ثلاث حثيات من تراب على القبر.

١٣٢- و في الكافي، بإسناده عن زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصنع بمن مات من بني هاشم خاصّة شيئاً لا يصنعه بأحد من المسلمين: كان إذا صلّى بالهاشميّ و نضح قبره بالماء وضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفّه على القبر حتّى ترى أصابعه في الطين، فكان الغريب يقدم أو المسافر من أهل المدينة فيرى القبر الجديد عليه أثر كفّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقول: من مات من آل محمّد؟

١٣٣- و في مسكّن الفؤاد، للشهيد الثاني عن عليّعليه‌السلام : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا عزّى قال: آجركم الله و رحمكم، و إذا هنّأ قال: بارك الله لكم و بارك الله عليكم.

١٣٤- و من آدابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الوضوء و الغسل ما في آيات الأحكام، للقطب عن سليمان بن بريدة عن أبيه أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتوضّأ لكلّ صلاة فلمّا كان عام الفتح صلّى الصلوات بوضوء واحد فقال عمر: يا رسول الله صنعت شيئاً ما كنت صنعته، فقال: عمداً فعلته.

١٣٥- و في الكافي، بإسناده عن زرارة قال: قال أبوجعفرعليه‌السلام : أ لا أحكي لكم وضوء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقلنا: بلى فدعا بقعب فيه شي‏ء من ماء فوضعه بين يديه، ثمّ حسر عن ذراعيه، ثمّ غمس فيه كفه اليمنى ثمّ قال: هكذا إذا كانت الكفّ طاهرة ثمّ غرف ملأها ماءً فوضعها على جبينه، ثمّ قال: بسم الله و سدله على أطراف لحيته ثمّ أمرّ يده

٣٤٧

على وجهه و ظاهر جبينه مرّة واحدة، ثمّ غمس يده اليسرى فغرف بها ملأها ثمّ وضعه على مرفقه اليمنى فأمرّ كفّه على ساعده حتّى جرى الماء على أطراف أصابعه ثمّ غرف بيمينه ملأها فوضعه على مرفقه اليسرى فأمرّ كفّه على ساعده حتّى جرى الماء على أطراف أصابعه، و مسح مقدّم رأسه و ظاهر قدميه ببلّة يساره و بقيّة بلّة يمناه.

قال: و قال أبوجعفرعليه‌السلام : إنّ الله وتر يحبّ الوتر فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات: واحدة للوجه و اثنتان للذراعين، و تمسح ببلّة يمناك ناصيتك، و ما بقي من بلّة يمينك ظهر قدمك اليمنى، و تمسح ببلّة يسارك ظهر قدمك اليسرى.

قال زرارة: قال أبوجعفرعليه‌السلام سأل رجل أميرالمؤمنينعليه‌السلام عن وضوء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحكى له مثل ذلك.

أقول: و هذا المعنى مرويّ عن زرارة و بكير و غيرهما بطرق متعدّدة رواها الكلينيّ و الصدوق و الشيخ و العيّاشيّ و المفيد و الكراجكيّ و غيرهم، و أخبار أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام في ذلك مستفيضة تقرب من التواتر.

١٣٦- و في الأمالي، لمفيد الدين الطوسيّ بإسناده عن أبي هريرة: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا توضّأ بدأ بميامنه.

١٣٧- و في التهذيب، بإسناده عن أبي بصير قال: سألت أباعبداللهعليه‌السلام عن الوضوء فقال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتوضّأ بمدّ من ماء و يغتسل بصاع.

أقول: و روي مثله عن أبي جعفرعليه‌السلام بطريق آخر.

١٣٨- و في العيون، بإسناده عن الرضا عن آبائهعليه‌السلام في حديث طويل: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّا أهل بيت لا تحلّ لنا الصدقة، و اُمرنا بإسباغ الطهور، و لا ننزي حماراً على عتيقة.

١٣٩- و في التهذيب، بإسناده عن عبدالله بن سنان عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: المضمضة و الاستنشاق ممّا سنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٤٠- و فيه، بإسناده عن معاوية بن عمّار قال: سمعت أباعبداللهعليه‌السلام يقول: كان رسول الله يغتسل بصاع، و إذا كان معه بعض نسائه يغتسل بصاع و مدّ.

٣٤٨

أقول: و روى هذا المعنى الكلينيّ في الكافي، بإسناده عن محمّد بن مسلم عنه و فيه: يغتسلان جميعاً من إناء واحد، و كذلك الشيخ بطريق آخر.

١٤١- و في الجعفريّات، بإسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيهعليهما‌السلام قال: سأل الحسن ابن محمّد، جابر بن عبدالله عن غسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال جابر: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يغرف على رأسه ثلاث مرّات فقال الحسن بن محمّد: إنّ شعري كثير - كما ترى - فقال جابر: يا حرّ لا تقل ذلك فشعر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أكثر و أطيب.

١٤٢- و في الهداية، للصدوق: قال الصادقعليه‌السلام : غسل الجمعة سنّة واجبة على الرجال و النساء في السفر و الحضر - إلى أن قال - و قال الصادقعليه‌السلام : غسل يوم الجمعة طهور و كفّارة لما بينهما من الذنوب من الجمعة إلى الجمعة، قال: و العلّة في غسل الجمعة أنّ الأنصار كانت تعمل لنواضحها و أموالها فإذا كان يوم الجمعة حضروا المسجد فيتأذّى الناس بأرياح آباطهم فأمر الله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالغسل فجرت به السنّة.

أقول: و قد روي من سننهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغسل غسل يوم الفطر و الغسل في جميع الأعياد و أغسال اُخر كثيرة ربّما يأتي بعضها فيما سيأتي إن شاء الله تعالى.

١٤٣- و من آدابه و سننه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصلاة و ما يلحق بها ما في الكافي، بإسناده عن الفضيل بن يسار و عبد الملك و بكير قالوا: سمعنا أباعبداللهعليه‌السلام يقول: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي من التطوّع مثلي الفريضة، و يصوم من التطوّع مثلي الفريضة.

أقول: و رواه الشيخ أيضاً.

١٤٤- و فيه، بإسناده عن حنان قال: سأل عمرو بن حريث أباعبداللهعليه‌السلام و أنا جالس فقال: جعلت فداك أخبرني عن صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي ثمان ركعات الزوال، و أربعاً الاُولى، و ثماني بعدها، و أربعاً العصر، و ثلاثاً المغرب، و أربعاً بعد المغرب، و العشاء الآخرة أربعاً، و ثماني صلاة الليل، و ثلاثاً الوتر، و ركعتي الفجر، و صلاة الغداة ركعتين.

قلت: جعلت فداك إن كنت أقوى على أكثر من هذا يعذّبني الله على كثرة الصلاة؟ فقال: لا و لكن يعذّبك على ترك السنّة.

٣٤٩

أقول: و يظهر من الرواية أنّ الركعتين عن جلوس العشاء أعني العتمة ليستا من الخمسين بل يتمّ بهما - محسوبتين بواحدة عن قيام - العدد إحدى و خمسين بل إنّما شرّعت العتمة بدلاً من الوتر لو نزل الموت قبل القيام إلى الوتر فقد روى الكلينيّ رحمه الله في الكافي، بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يبيتنّ إلّا بوتر قلت: تعني الركعتين بعد العشاء الآخرة؟ قال: نعم إنّهما بركعة فمن صلّاهما ثمّ حدث به حدث مات على وتر فإن لم يحدث به حدث الموت يصلّي الوتر في آخر الليل.

فقلت: هل صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هاتين الركعتين؟ قال: لا. قلت: و لم؟ قال: لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأتيه الوحي، و كان يعلم أنّه هل يموت في تلك اللّيلة أم لا؟ و غيره لا يعلم فمن أجل ذلك لم يصلّهما و أمر بهما، الخبر.

و يمكن أن يكون المراد بقوله في الحديث:( لم يصلّهما) أنّه لم يداوم عليهما بل ربّما صلّى و ربّما ترك كما يستفاد من بعض آخر من الأحاديث، فلا يعارض ما ورد من أنّه كان يصلّيهما.

١٤٥- و في التهذيب، بإسناده عن زرارة قال: سمعت أباجعفرعليه‌السلام يقول: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يصلّي من النهار شيئاً حتّى تزول الشمس فإذا زالت قدر نصف إصبع صلّى ثماني ركعات فإذا فاء الفي‏ء ذراعاً صلّى الظهر، ثمّ صلّى بعد الظهر ركعتين، و يصلّي قبل وقت العصر ركعتين، فإذا فاء الفي‏ء ذراعين صلّى العصر، و صلّى المغرب حتّي (حين ظ) تغيب الشمس، فإذا غاب الشفق دخل وقت العشاء، و آخر وقت المغرب إياب الشفق فإذا آب الشفق دخل وقت العشاء و آخر وقت العشاء ثلث اللّيل.

و كان لا يصلّي بعد العشاء حتّى ينتصف الليل ثمّ يصلّي ثلاث عشرة ركعة منها الوتر و منها ركعتا الفجر قبل الغداة، فإذا طلع الفجر و أضاء صلّى الغداة.

أقول: و لم يستوعب تمام نافلة العصر في الرواية، و هي معلومة من روايات اُخر.

١٤٦- و فيه، بإسناده عن معاوية بن وهب قال: سمعت أباعبداللهعليه‌السلام يقول: و ذكر

٣٥٠

صلاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤتى بطهور فيخمّر عند رأسه و يوضع سواكه تحت فراشه، ثمّ ينام ما شاء الله فإذا استيقظ جلس ثمّ قلّب بصره في السماء، ثمّ تلا الآيات من آل عمران:( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ) الآيات، ثمّ يستنّ و يتطهّر، ثمّ يقوم إلى المسجد فيركع أربع ركعات على قدر قراءته ركوعه، و سجوده على قدر ركوعه، يركع حتّى يقال: متى يرفع رأسه؟ و يسجد حتّى يقال: متى يرفع رأسه.

ثمّ يعود إلى فراشه فينام ما شاء الله، ثمّ يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات و يقلّب بصره إلى السماء، ثمّ يستنّ و يتطهّر و يقوم إلى المسجد فيصلّي الأربع ركعات كما ركع قبل ذلك.

ثمّ يعود إلى فراشه فينام ما شاء الله ثمّ يستيقظ و يجلس و يتلو الآيات من آل عمران و يقلّب بصره في السماء، ثمّ يستنّ و يتطهّر و يقوم إلى المسجد فيوتر و يصلّي الركعتين ثمّ يخرج إلى الصلاة.

أقول: و روي هذا المعنى أيضاً في الكافي، بطريقين.

١٤٧- و روي: أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يوجز في نافلة الصبح يصلّيهما عند أوّل الفجر ثمّ يخرج إلى الصلاة.

١٤٨- و في المحاسن، بإسناده عن عمر بن يزيد عن أبي عبداللهعليه‌السلام : أنّه قال: من قال في وتره إذا أوتر: أستغفر الله ربّي و أتوب إليه سبعين مرّة، و واظب على ذلك حتّى قضى سنة كتبه الله عنده من المستغفرين بالأسحار.

و كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستغفر الله في الوتر سبعين مرّة، و يقول: هذا مقام العائذ بك من النار سبعاً، الخبر.

١٤٩- و في الفقيه: كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في قنوت الوتر: اللّهمّ اهدني فيمن هديت، و عافني فيمن عافيت، و تولّني فيمن تولّيت، و بارك لي فيما أعطيت، و قني شرّ ما قضيت، إنّك تقضي و لا يقضى عليك، سبحانك ربّ البيت، أستغفرك و أتوب إليك و اُومن بك و أتوكّل عليك، و لا حول و لا قوّة إلّا بك يا رحيم.

١٥٠- و في التهذيب، بإسناده عن أبي خديجة عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان

٣٥١

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا جاء شهر رمضان زاد في الصلاة و أنا أزيد فزيدوا.

أقول: يعنيعليه‌السلام بالزيادة الألف ركعة - التراويح - نوافل شهر رمضان الّتي كان يصلّيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير الخمسين نوافل اليوم و الليلة، و قد وردت في كيفيّتها و تقسّمها على ليالي شهر رمضان أخبار كثيرة، و ورد من طرق أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلّيها بغير جماعة، و ينهى عن إتيانها بالجماعة، و يقول:

لا جماعة في نافلة.

و للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلوات خاصّة اُخرى منقولة عنه في كتب الأدعية تركنا ذكرها لخروجها عن غرضنا في هذا المقام، و كذلك لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنن في الصلوات و الأدعية و الأوراد من أراد الوقوف عليها فليراجع مظانّ ذكرها.

١٥١- و في الكافي، بإسناده عن يزيد بن خليفة قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : إنّ عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت قال: إذن لا يكذب علينا - إلى أن قال - قلت: و قال: إنّ وقت المغرب إذا غاب القرص إلّا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا جدّ به السير اُخر المغرب و يجمع بينها و بين العشاء، فقال: صدق.

١٥٢- و في التهذيب، بإسناده عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيهعليه‌السلام : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في الليلة الممطرة يوجز في المغرب و يعجّل في العشاء يصلّيهما جميعاً، و يقول: من لا يرحم لا يرحم.

١٥٣- و فيه، بإسناده عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبيّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا كان في سفر أو عجلت به الحاجة يجمع بين الظهر و العصر و بين المغرب و العشاء الآخرة، الخبر.

أقول: و في هذا المعنى روايات كثيرة رواها الكلينيّ و الشيخ و ابنه و الشهيد الأوّل رحمهم الله.

١٥٤- و في الفقيه، بإسناده عن معاوية بن وهب عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنّه قال: كان المؤذّن يأتي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحرّ في صلاة الظهر فيقول له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أبرد أبرد.

٣٥٢

أقول: قال الصدوق: يعني عجّل عجّل اُخذ ذلك من البريد، و الظاهر أنّ المراد به التأخير ليزول شدّة الحرّ كما يدلّ عليه ما في كتاب العلاء، عن محمّد بن مسلم قال: مرّ بي أبوجعفرعليه‌السلام بمسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أنا اُصلّي فلقيني بعد فقال: إيّاك أن تصلّي الفريضة في تلك الساعة، أ تؤدّيها في شدّة الحرّ؟ قلت: إنّي كنت أتنفّل.

١٥٥- و في الإحياء، قال: و كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يجالس إليه أحد و هو يصلّي إلّا خفّف صلاته و أقبل عليه فقال، أ لك حاجة؟ فإذا فرغ من حاجاته عاد إلى صلاته.

١٥٦- و في كتاب زهد النبيّ، لجعفر بن أحمد القمّيّ قال: كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا قام إلى الصلاة تربّد وجهه خوفاً من الله، و كان لصدره أو لجوفه أزيز كأزيز الوجل.

أقول: و روى هذا المعنى ابن الفهد و غيره أيضاً.

١٥٧- و فيه، قال: و في رواية اُخرى: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا قام إلى الصلاة كأنّه ثوب ملقى.

١٥٨- و في البحار، قال: قالت عائشة: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحدّثنا و نحدّثه فإذا حضرت الصلاة فكأنّه لم يعرفنا و لم نعرفه.

١٥٩- و في المجالس، لمفيد الدين الطوسيّ بإسناده إلى عليّعليه‌السلام : في كتابه إلى محمّد بن أبي بكر حين ولّاه مصر - إلى أن قال - ثمّ انظر ركوعك و سجودك فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أتمّ الناس صلاة، و أخفّهم عملاً فيها.

١٦٠- و في الجعفريّات، بإسناده عن جعفر بن محمّد عن آبائه عن عليّعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا تثاءب في الصلاة ردّها بيده اليمنى.

أقول: و روي في الدعائم مثله.

١٦١- و في العلل، بإسناده عن هشام بن الحكم عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام في حديث قال: قلت له: لأيّ علّة يقال في الركوع: سبحان ربّي العظيم و بحمده؟ و يقال في السجود: سبحان ربّي الأعلى و بحمده؟ فقال: يا هشام إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما اُسري به، و صلّى و ذكر ما رأى من عظمة الله ارتعدت فرائصه و ابترك على ركبتيه، و أخذ يقول: سبحان ربّي العظيم و بحمده، فلمّا اعتدل من ركوعه فإنّما نظر إليه في موضع أعلى من

٣٥٣

ذلك خرّ على وجهه و هو يقول: سبحان ربّي الأعلى و بحمده فلمّا قالها سبع مرّات سكن ذلك الرعب فلذلك جرت به السنّة.

١٦٢- في تنبيه الخواطر، للشيخ ورّام بن أبي فرّاس عن النعمان قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسوّي صفوفنا كأنّما يسوّي بها القداح حتّى رأى أنّا قد أغفلنا عنه ثمّ خرج يوماً و قام حتّى كاد أن يكبّر فرأى رجلاً بادئاً صدره فقال: عباد الله لتسوّون صفوفكم أو ليخالفنّ بين وجوهكم.

١٦٣- و فيه، عن ابن مسعود قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة و يقول: استووا و لا تختلفوا فتختلف قلوبكم‏، الخبر.

١٦٤- و في الفقيه، بإسناده عن داود بن الحصين عن أبي العبّاس عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: اعتكف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شهر رمضان في العشر الأوّل ثمّ اعتكف في الثانية في العشر الوسطى، ثمّ لم يزل يعتكف في العشر الأواخر.

١٦٥- و فيه، قال: قال أبوعبداللهعليه‌السلام : كانت بدر في شهر رمضان و لم يعتكف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا أن كان من قابل اعتكف عشرين: عشراً لعامه، و عشراً قضاءً لما فاته.

أقول: و رواه و الّذي قبله الكلينيّ في الكافي.

١٦٦- و في الكافي، بإسناده عن الحلبيّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا دخل العشر الأواخر (يعني من شهر رمضان) اعتكف في المسجد، و ضربت له قبّة من شعر، و شمّر الميزر، و طوى فراشه و قال بعضهم: و اعتزل النساء؟ قال: أمّا اعتزال النساء فلا.

أقول: و هذا المعنى مرويّ في روايات كثيرة، و المراد من نفي الاعتزال - كما ذكروه و تدلّ عليه الروايات - تجويز مخالطتهنّ و معاشرتهنّ دون المجامعة.

١٦٧- و من آدابه و سننه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصيام ما في الفقيه، بإسناده عن محمّد بن مروان قال: سمعت أباعبداللهعليه‌السلام يقول: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصوم حتّى يقال: لا يفطر، و يفطر حتّى يقال: لا يصوم، ثمّ صام يوماً و أفطر يوماً، ثمّ صام الإثنين و الخميس، ثمّ آل من ذلك إلى صيام ثلاثة أيّام في الشهر: الخميس في أوّل الشهر، و أربعاء في وسط الشهر، و الخميس في آخر الشهر، و كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: ذلك صوم الدهر.

٣٥٤

و قد كان أبيعليه‌السلام يقول: ما من أحد أبغض إلى الله من رجل يقال له: كان رسول الله يفعل كذا و كذا فيقول: لا يعذّبني الله على أن أجتهد في الصلاة و الصوم كأنّه يرى أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك شيئاً من الفضل عجزاً منه.

١٦٨- و في الكافي، بإسناده عن محمّد بن مسلم عن أبي عبداللهعليه‌السلام : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوّل ما بعث يصوم حتّى يقال: ما يفطر و يفطر حتّى يقال: ما يصوم، ثمّ ترك ذلك و صام يوماً و أفطر يوماً و هو صوم داود، ثمّ ترك ذلك و صام الثلاثة الأيّام الغرّ، ثمّ ترك ذلك و فرقها في كلّ عشرة يوماً: خميسين بينهما أربعاء فقبضصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو يعمل ذلك.

أقول: و في هذا المعنى روايات كثيرة مستفيضة.

١٦٩- و فيه، بإسناده عن عنبسة العابد قال: قبض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على صيام شعبان و رمضان و ثلاثة أيّام من كلّ شهر.

١٧٠- و في نوادر، أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن نعمان عن زرعة عن سماعة قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن صوم شعبان أ صامه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: نعم و لم يصمه كلّه، قلت: كم أفطر منه؟ قال: أفطر، فأعدتها و أعادها ثلاث مرّات لا يزيدني على أن أفطر، ثمّ سألته في العام القابل عن ذلك فأجابني بمثل ذلك‏ الخبر.

١٧١- و في المكارم، عن أنس قال: كانت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شربة يفطر عليها و شربة للسحر، و ربّما كانت واحدة و ربّما كانت لبناً، و ربّما كانت الشربة خبزاً يماث‏، الخبر.

١٧٢- و في الكافي، بإسناده عن ابن القدّاح عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوّل ما يفطر عليه في زمن الرطب الرطب و في زمن التمر التمر.

١٧٣- و فيه، بإسناده عن السكونيّ عن جعفر عن أبيهعليهما‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا صام و لم يجد الحلواء أفطر على الماء و في بعض الروايات: أنّه ربّما أفطر على الزبيب.

١٧٤- و في المقنعة، روي عن آل محمّدعليه‌السلام أنّهم قالوا: يستحبّ السحور و لو بشربة من الماء، و روي أنّ أفضله التمر و السويق لمكان استعمال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك.

أقول: و هذا في سننه الجارية، و كان من مختصّاته صوم الوصال و هو الصوم أكثر

٣٥٥

من يوم من غير فصل بالإفطار، و قد نهىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الاُمّة عن ذلك، و قال: إنّكم لا تطيقون ذلك و إنّ لي عند ربّي ما يطعمني و يسقين.

١٧٥- و في المكارم، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه كان يأكل الهريسة أكثر ما يأكل و يتسحّر بها.

١٧٦- و في الفقيه، قال: و كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا دخل شهر رمضان اُطلق كلّ أسير و أعطى كلّ سائل.

١٧٧- و في الدعائم، عن عليّعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطوي فراشه و يشدّ ميزره في العشر الأواخر من شهر رمضان، و كان يوقظ أهله ليلة ثلاث و عشرين، و كان يرشّ وجوه النيام بالماء في تلك الليلة، و كانت فاطمةعليها‌السلام لا تدع أحداً من أهلها ينام تلك الليلة و تداويهم بقلّة الطعام و تتأهّب لها من النهار، و تقول: محروم من حرم خيرها.

١٧٨- و في المقنع: و السنّة أن يفطر الرجل في الأضحى بعد الصلاة و في الفطر قبل الصلاة.

١٧٩- و من آدابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قراءة القرآن و الدعاء ما في مجالس الشيخ، بإسناده عن أبي الدنيا عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يحجزه عن قراءة القرآن إلّا الجنابة.

١٨٠- و في مجمع البيان، عن اُمّ سلمة: كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقطع قراءته آية آية.

١٨١- و في تفسير أبي الفتوح: كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يرقد حتّى يقرأ المسبّحات، و يقول: في هذه السور آية هي أفضل من ألف آية. قالوا: و ما المسبّحات؟ قال: سورة الحديد و الحشر و الصفّ و الجمعة و التغابن.

أقول: و روي هذا المعنى في مجمع البيان، عن العرباض بن سارية.

١٨٢- و في درر اللئالي، لابن أبي جمهور عن جابر قال: كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ينام حتّى يقرأ تبارك و الم التنزيل.

١٨٣- و في مجمع البيان: و روى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبّ هذه السورة: سبّح اسم ربّك الأعلى، و أوّل من قال:( سبحان ربّي الأعلى) ميكائيل.

٣٥٦

أقول: و روي أوّل الحديث في البحار عن الدرّ المنثور، و هنا أخبار اُخر في ما كان يقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند تلاوة القرآن أو عند تلاوة سور أو آيات مخصوصة، من أرادها فعليه بمظانّها.

و لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب و بيانات يرغّب فيها و يحثّ على التمسّك بالقرآن و التدبّر فيه، و الاهتداء بهدايته، و الاستنارة بنوره، و كان هوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى الناس بما يندب إليه من الكمال و أسبق الناس و أسرعهم إلى كلّ خير، و هو القائل - في الرواية المشهورة -: شيّبتني(١) سورة هود، و قد روي(٢) عن ابن مسعود قال: أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أتلو عليه شيئاً من القرآن فقرأت عليه من سورة يونس حتّى إذا بلغت قوله تعالى:( وَ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ ) الآية رأيته و إذا الدمع تدور في عينيه الكريمتين.

فهذه شذرات(٣) من آدابه و سننهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و قد استفاضت الروايات و تكرّر النقل في كثير منها في كتب الفريقين، و الكلام الإلهيّ يؤيّدها و لا يدفع شيئاً منها، و الله الهادي.

( كلام في الرقّ و الاستعباد)

قوله تعالى:( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ ) المائدة: ١١٨ كلام منبئ عن معنى الرقّ و العبوديّة، و الآيات المتضمّنة لهذا المعنى و إن كانت كثيرة في القرآن الكريم غير أنّ هذه الآية مشتملة على التعليل العقليّ الكاشف عن أنّه لو كان هناك عبد كان من المسلّم عند العقل أنّ لمولاه أن يتصرّف فيه بالعذاب لأنّه مولاه المالك له.

و العقل لا يحقّ الحكم بجواز التعذيب، و تسويغ التصرّف الّذي يشقّه إلّا بعد حكمه بإباحة سائر التصرّفات غير الشاقّة فللمولى أن يتصرّف في عبده كيف شاء و بما شاء، و إنّما استثنى العقل التصرّفات الّتي يستهجنها بما أنّها تصرّفات شنيعة مستهجنة لا بما أنّ العبد عبد.

____________________

(١) يشير صلّى الله عليه و آله إلى قوله تعالى فيها: فاستقم كما أمرت.

(٢) الرواية منقولة بالمعنى.

(٣) استخرجناها من رسالة عملناها سابقاً في سنن النبيّ صلّى الله عليه و آله.

٣٥٧

و لازم ذلك أيضاً أنّ على العبد أن يطيع مولاه فيما كلّفه به و أن يتّبعه فيما أراد و ليس له أن يستقلّ بشي‏ء من العمل إن لم يرض به مولاه كما يشير إلى ذلك بعض الإشارة قوله تعالى:( بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) الأنبياء: ٢٧ و قوله تعالى:( ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى‏ شَيْ‏ءٍ وَ مَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَ جَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ ) النحل: ٧٥.

و استقصاء البحث في جهات ما يراه القرآن الشريف في مسألة العبوديّة و الرقّ يتوقّف على فصول:

١- اعتبار العبوديّة لله سبحانه: في القرآن الكريم آيات كثيرة جدّاً يعدّ الناس عباداً لله سبحانه، و تبني على ذلك أصل الدعوة الدينيّة: الناس عبيد و الله مولاهم الحقّ. بل ربّما تعدّى ذلك و أخذ كلّ من في السماوات و الأرض موسوماً بسمة العبوديّة كالحقيقة المسمّاة بالملك على كثرتها و الحقيقة الاُخرى الّتي يسمّيها القرآن الشريف بالجنّ قال تعالى:( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً ) مريم: ٩٣.

و لا ريب أنّ اعتبار العبوديّة لله سبحانه أمر مأخوذ بالتحليل و هو تحليل معنى العبوديّة إلى أجزائها الأصليّة ثمّ الحكم بثبوت حقيقته بعد طرح خصوصيّاته الزائدة الطارئة على أصل المعنى في اُولي العقل من الخليقة فهناك أفراد من الناس يسمّى الواحد منهم عبداً، و لا يسمّى به إلّا لأنّ نفسه مملوكة لغيره ملكاً يسوّغ لذلك الغير الّذي هو مالكه و مولاه أن يتصرّف فيه كيف يشاء و بما أراد، و يسلب عن العبد استقلال الإرادة مطلقاً.

و التأمّل في هذا المعنى يوجب الحكم بأنّ الإنسان - و إن شئت وسّعت و قلت: كلّ ذي شعور و إرادة - عبد لله سبحانه بحقيقة معنى العبوديّة فإنّ الله سبحانه مالك كلّ ما يسمّى شيئاً بحقيقة معنى الملك فلا يملك شي‏ء من نفسه و لا من غيره شيئاً من ضرّ و لا نفع و لا موت و لا حياة و لا نشور، و لا يستقلّ أمر في الوجود بذات و لا وصف و لا فعل اللّهمّ إلّا ما ملّكه الله ذلك تمليكاً لا يبطل بذلك ملكه تعالى، و لا ينتقل به الملك عنه إلى غيره بل هو المالك لما ملّكهم، و القادر على ما عليه أقدرهم، و هو على كلّ شي‏ء قدير، و بكلّ شي‏ء محيط.

٣٥٨

و هذه السلطة الحقيقيّة و الملك الواقعيّ هي المنشأ لوجوب انقيادهم لما يريده منهم بإرادته التشريعيّة، و ما يصنع لهم من شرائع الدين و قوانين الشريعة ممّا يصلح به أمرهم و تحاز به سعادتهم في الدارين.

و الحاصل أنّه تعالى هو المالك لهم ملكاً تكوينيّاً يكونون به عبيده الداخرين لقضائه سواء عرفوه أم جهلوه أطاعوه في تكاليفه أم عصوه و هو المالك لهم ملكاً تشريعيّاً يوجب له عليهم السمع و الطاعة، و يحكم عليهم بالتقوى و العبادة.

و يتميّز هذا الملك و المولويّة بحسب الحكم عن الملك و المولويّة الدائر بين الناس - و كذا العبوديّة المقابلة له - بأنّ الله سبحانه لما كان مالكاً تكويناً على الإطلاق لا مالك سواه لم يجز في مرحلة العبوديّة التشريعيّة اتّخاذ مولى سواه و لا عبادة أحد غيره قال تعالى:( وَ قَضى‏ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) الإسراء: ٢٣ بخلاف الموالي من الناس فإنّ الملك هناك لمن غلب بسبب من أسباب الغلبة.

و أيضاً لما لم يكن في عبيده تعالى المملوكين شي‏ء غير مملوك له تعالى و لم ينقسموا في وجودهم إلى مملوك و غير مملوك بل كانوا من حيث ذواتهم و أوصافهم و أحوالهم و أعمالهم مملوكين له تكويناً تبع ذلك التشريع فحكم فيهم بدوام العبوديّة و استيعابها لجميع ما يرجع إليهم بوجه من الوجوه فلا يسعهم أن يعبدوا الله من جهة بعض ما يرجع إليهم دون بعض مثل أن يعبدوه باللسان دون اليد كما لا يسعهم أن يجعلوا بعض عبادتهم لله تعالى و بعضها لغيره و هذا بخلاف المولويّة الدائرة بين الناس فلا يسع للمولى عقلاً أن يفعل ما يشاء، تأمّل فيه.

و هذا هو الّذي يدلّ على إطلاق أمثال قوله تعالى:( ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا شَفِيعٍ ) السجدة: ٤ و قوله تعالى:( وَ هُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى‏ وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُ الْحُكْمُ ) القصص: ٧٠، و قوله:( يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَ لَهُ الْحَمْدُ وَ هُوَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ ) التغابن: ١.

و كيفما كان فالعبوديّة المعتبرة بالنسبة إليه تعالى معنى تحليليّ مأخوذ من العبوديّة الّتي تعتبره العقلاء من الإنسان في مجتمعهم فلها أصل في المجتمع الإنسانيّ فلننظر

٣٥٩

ما هو أصله؟.

٢- استعباد الإنسان و أسبابه: كان الاستعباد و الاسترقاق دائراً في المجتمع الإنسانيّ شائعة معروفة إلى ما يقرب من سبعين سنة قبل هذا التاريخ، و لعلّها توجد معمولة في بعض القبائل المتطرّفة النائية في أفريقيا و آسيا حتّى اليوم، و كان اتّخاذ العبيد و الإماء من السنن الدائرة بين الأقوام القديمة لا يكاد يضبط بدء تاريخيّ له و كان ذا نظام مخصوص و أحكام و قوانين عامّة بين الاُمم، و اُخرى مخصوصة باُمّة اُمّة.

و الأصل في معناه كون النفس الإنسانيّة عند وجود شرائط خاصّة سلعة مملوكة كسائر السلع المملوكة من حيوان و نبات و جماد، و إذا كانت النفس مملوكة كانت مسلوبة الاختيار مملوكة الأعمال و الآثار يتصرّف فيها كيف اُريد.

هذه سنّتهم الدائرة بينهم في الاسترقاق غير أنّه لم يكن متّكئاً على إرادة جزافيّة أو مطلقاً غير مبنيّ على أيّ شرط فلم يكن يسع لأحدهم أن يتملّك كلّ من أحبّ، و لا أن يملّك كلّ من شاء و أراد ببيع أو هبة أو غير ذلك فلم يكن أصل المعنى متّكئاً على الجزاف، و إن كان ربّما يوجد في تضاعيف القوانين المتّبعة فيه بحسب اختلاف آراء الأقوام و سننهم اُمور جزافيّة كثيرة.

كانت الاستعباد مبنيّاً على نوع من الغلبة و السيطرة كغلبة الحرب الّتي تنتج للغالب الفاتح أن يفعل بخصمه المغلوب ما يشاء من قتل أو سبي أو غيره، و غلبة الرئاسة الّتي تصيّر الرئيس الجبّار فعّالاً لما يشاء في حوزة رئاسته، و اختصاص التوليد و الإنتاج الّذي يضع ولاية أمر المولود الضعيف في كفّ والده القويّ يصنع به ما بدا له حتّى البيع و الهبة و التبديل و الإعارة و نحو ذلك.

و قد تكرّر في أبحاثنا السابقة: أنّ أصل الملك في المجتمع الإنسانيّ مبنيّ على القدرة المغروزة في الإنسان على الانتفاع من كلّ شي‏ء يمكنه أن ينتفع به بوجه - و الإنسان مستخدم بالطبع - فالإنسان يستخدم في سبيل إبقاء حياته كلّ ما قدر عليه و استخدامه و الانتفاع بمنافع وجوده آخذاً من المادّة الأصليّة فالعناصر فالمركّبات الجماديّة المتنوّعة فالحيوان حتّى الإنسان الّذي هو مثله في الإنسانيّة.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401