الميزان في تفسير القرآن الجزء ٦

الميزان في تفسير القرآن14%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 401

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 401 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84113 / تحميل: 7581
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٦

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

التدريجي وقبول الانقسام والتجزّي - لكان مادّيّاً متغيّراً وقابلاً للانقسام، وليس كذلك، فإنّ كلّ أحدٍ إذا رجع إلى هذه المشاهدة النفسانيّة اللاّزمة لنفسه، وذكر ما كان يجده من هذه المشاهدة منذ أوّل شعوره بنفسه ؛ وجده معنىً مشهوداً واحداً باقياً على حاله من غير أدنى تعدّدٍ وتغيّر، كما يجد بدنه وأجزاء بدنه، والخواصّ الموجودة معها متغيّرة متبدّلة من كلّ جهةٍ في مادّتها وشكلها وسائر أحوالها وصورها، وكذا وجده معنىً بسيطاً غير قابلٍ للانقسام والتجزّي، كما يجد البدن وأجزائه وخواصّه - وكلّ مادّة وأمرٍ مادّيٍّ كذلك - ؛ فليست النفس هي البدن ولا جزءاً من أجزائه، ولا خاصّة من خواصّه، سواء أدركناه بشيءٍ من الحواسّ، أو بنحوٍ من الاستدلال، أو لم ندرك ؛ فإنّها جميعاً مادّية كيفما فُرضت، ومن حكم المّادة التغيّر وقبول الانقسام، والمفروض أنْ ليس في مشهودنا المسمّى بالنفس شيء من هذه الأحكام ؛ فليست النفس بمادّيّة بوجه.

وأيضاً، هذا الذي نشاهده، نشاهده أمراً واحداً بسيطاً، ليس فيه كثرة من الأجزاء، ولا خليط من خارج، بل هو واحد صِرْف، فكلّ إنسانٍ يشاهد ذلك من نفسه، ويرى أنّه هو وليس بغيره، فهذا المشهود أمرٌ مستقلٌّ في نفسه، لا ينطبق عليه حدّ المادّة، ولا يوجد فيه شيء من أحكامها اللاّزمة، فهو جوهر مجرّد عن المادّة متعلّق بالبدن نحو تعلّق يوجب اتحاداً ما له بالبدن، وهو التعلّق التدبيري ؛ وهو المطلوب.

وقد أنكر تجرّد النفس جميع المادّيّين، وجمعٌ من الإلهيّين من المتكلّمين والظاهريّين من المحدثين، واستدلّوا على ذلك، وردّوا ما ذُكر من البرهان بما لا يخلو عن تكلّف من غير طائل.

قال المادّيّون: إنّ الأبحاث العلميّة على تقدّمها وبلوغها اليوم إلى غاية

٤١

الدقّة في فحصها وتجسّسها، لم تجد خاصّة من الخواصّ البدنيّة إلاّ وجدت علّتها المادّيّة، ولم تجد أثراً روحيّاً لا يقبل الانطباق على قوانين المادّة حتّى تحكم بسببها بوجود روح مجرّدة.

قالوا: وسلسلة الأعصاب تؤدّي الإدراكات إلى العضو المركزي وهو الجزء الدماغي، على التوالي وفي نهاية السرعة، ففيه مجموعة متّحدة ذات وضع واحد لا يتميّز أجزائها ولا يُدرك بطلان بعضها وقيام الآخر مقامه، وهذا الواحد المتحصّل هو نفسنا التي نشاهدها ونحكي عنها ب-: أنا.

فالذي نرى أنّه غير جميع أعضائنا صحيح، إلاّ أنّه لا يثبت أنّه غير البدن وغير خواصّه، بل هو مجموعة متّحدة من جهة التوالي والتوارد لا نغفل عنه، فإنّ لازم الغفلة عنه - على ما تبيّن - بطلان الأعصاب، ووقوفها عن أفعالها وهو الموت، والذي نرى أنّه ثابت صحيح لكنّه لا من جهة ثباته وعدم تغيّره في نفسه بل الأمر مشتبه على المشاهدة من جهة توالي الواردات الإدراكيّة وسرعة ورودها، كالحوض الذي يرد عليه الماء من جانب ويخرج من جانب بما يساويه وهو مملوء دائماً، فما فيه من الماء يجده الحسّ واحداً ثابتاً، وهو بحسب الواقع لا واحدٌ ولا ثابت، وكذا يجد عكس الإنسان، أو الشجر أو غيرهما فيه واحداً ثابتا، وليس واحداً ثابتاً بل هو كثيرٌ متغيّر تدريجاً بالجريان التدريجي الذي لأجزاء الماء فيه، وعلى هذا النحو وجود الثبات والوحدة والشخصيّة التي نرى في النفس.

قالوا: فالنفس التي يُقام البرهان على تجرّدها من طريق المشاهدة الباطنيّة، هي في الحقيقة مجموعة من خواصّ طبيعيّة، وهي: الإدراكات العصبيّة، التي هي نتائج حاصلة من التأثير والتأثّر المتقابلين بين جزء المادّة الخارجيّة وجزء المركّب العصبي، ووحدتها وحدة اجتماعيّة لا وحدة واقعيّة حقيقيّة.

٤٢

أقول : أمّا قولهم: ( إنّ الأبحاث العلميّة المبتنية على الحسّ والتجربة، لم تظفر في سيرها الدقيق بالروح، ولا وجدت حكماً من الأحكام غير قابل التعليل إلاّ بها )، فهو كلام حقٍّ لا ريب فيه، لكنّه لا ينتج انتفاء النفس المجرّدة التي أُقيم البرهان على وجودها، فإنّ العلوم الطبيعيّة الباحثة عن أحكام الطبيعة، وخواص المادّة، إنّما تقدر على تحصيل خواصّ موضوعها الذي هو المادّة، وإثبات ما هو من سنخها، وكذا الخواص والأدوات المادّيّة، التي نستعملها لتتميم التجارب المادّيّة، إنّما لها أن تحكم في الأُمور المادّيّة، وأمّا ما وراء المادّة والطبيعة فليس لها أن تحكم فيها نفياً ولا إثباتاً، وغاية ما يشعر البحث المادّي به هو عدم الوجدان، وعدم الوجدان غير عدم الوجود، وليس من شأنه - كما عرفت - أن يجد ما بين المادّة التي هي موضوعها ولا بين أحكام المادّة وخواصّها، التي هي نتائج بحثها، أمراً مجرّداً خارجاً عن سنخ المادّة، وحكم الطبيعة.

والذي جرّأهم على هذا النفي ؛ زعمهم أنّ المثبتين لهذه النفس المجرّدة، إنّما أثبتوها لعثورهم إلى أحكام حيويّة من وظائف الأعضاء، ولم يقدروا على تعليلها العلمي، فأثبتوا النفس المجرّدة لتكون موضوعاً مُبْدئاً لهذه الأفاعيل، فلمّا حصل العلم اليوم على عللها الطبيعيّة لم يبق وجهٌ للقول بها. ونظير هذا الزعم ما زعموه في باب إثبات الصانع.

وهو اشتباهٌ فاسدٌ، فإنّ المثبتين لوجود هذه النفس لم يثبتوها لذلك، ولم يسندوا بعض الأفاعيل البدنيّة إلى البدن، فيما علله ظاهرة، وبعضها إلى النفس فيما علله مجهولة، بل أسندوا الجميع إلى العلل البدنيّة بلا واسطة وإلى النفس بواسطتها، وإنّما أسندوا إلى النفس ما لا يمكن إسناده إلى البدن ألبتّة، وهو علم الإنسان بنفسه ومشاهدته ذاته، كما مرّ.

٤٣

وأمّا قولهم: ( إنّ الإنيّة المشهودة للإنسان على صفة الوحدة، هي عدّة من الإدراكات العصبيّة الواردة على المركز، على التوالي، وفي نهاية السرعة - ولها وحدة اجتماعية - ) فكلام لا محصّل له، ولا ينطبق عليه الشهود النفساني ألبتّة، وكأنّهم ذهلوا عن شهودهم النفساني ؛ فعدلوا عنه إلى ورود المشهودات الحسّيّة إلى الدماغ، واشتغلوا بالبحث عمّا يلزم ذلك من الآثار التالية، وليت شعري، إذا فرض أنّ هناك أُموراً كثيرة بحسب الواقع لا وحدة لها ألبتّة، وهذه الأُمور الكثيرة التي هي الإدراكات أُمور مادّيّة ليس ورائها شيء آخر إلاّ نفسها، وأنّ الأمر المشهود الذي هو النفس الواحدة هو عين هذه الإدراكات الكثيرة، فمِن أين حصل هذا الواحد الذي لا نشاهد غيره ؟!

ومن أين حصلت هذه الوحدة المشهودة فيها عياناً ؟!

والذي ذكروه من وحدتها الاجتماعية كلام أشبه بالهزل منه بالجد ؛ فإنّ الواحد الاجتماعي هو كثير في الواقع من غير وحدة، وإنّما وحدتها في الحسّ أو الخيال - كالدار الواحد والخطّ الواحد مثلاً - لا في نفسه، والمفروض، في محلّ كلامنا، أنّ الإدراكات والشعورات الكثيرة في نفسها هي شعور واحد عند نفسها، فلازم قولهم:

إنّ هذه الإدراكات في نفسها كثيرة لا ترجع إلى وحدة أصلاً، وهي بعينها شعور واحد نفساني واقعاً، وليس هناك أمر آخر له هذه الإدراكات الكثيرة فيدركها على نعت الوحدة، كما يدرك الحاسّة أو الخيال المحسوسات، أو المخيّلات الكثيرة المجتمعة على وصف الوحدة الاجتماعية، فإنّ المفروض أنّ مجموع الإدراكات الكثيرة في نفسها، نفس الإدراك النفساني الواحد في نفسه، ولو قيل: إنّ المُدْرك هاهنا الجزء الدماغي، يدرك الإدراكات الكثيرة على نعت الوحدة ؛ كان الإشكال بحاله، فإنّ المفروض: أنّ إدراك الجزء الدماغي نفس هذه الإدراكات الكثيرة

٤٤

المتعاقبة بعينها، لا أنّ للجزء الدماغي قوّة إدراك تتعلّق بهذه الإدراكات، كتعلّق القوى الحسيّة بمعلوماتها الخارجيّة وانتزاعها منها صوراً حسّيّة، فافهم ذلك.

والكلام في كيفيّة حصول الثبات والبساطة في هذا المشهود، الذي هو متغيّر متجزّئ في نفسه كالكلام في حصول وحدته، مع أنّ هذا الفرض أيضاً - أعني أن تكون الإدراكات الكثيرة المتوالية المتعاقبة مشعورةً بشعورٍ دماغيٍّ على نعت الوحدة - نفسه فرض غير صحيح، فما شأن الدماغ والقوّة التي فيه، والشعور الذي لها، والمعلوم الذي عندها ؟!

وهي جميعاً أُمورٌ مادّيّةٌ، ومن شأن المادّة والمادّي الكثرة والتغيّر وقبول الانقسام، وليس في هذه الصورة العلميّة شيء من هذه الأوصاف والنعوت، وليس غير المادة والمادي هناك شيء.

وقولهم: ( إنّ الأمر يشتبه على الحسّ أو القوّة المُدْرِكة، فيدرك الكثير المتجزّي المتغيّر واحداً بسيطاً ثابتاً ) غلط واضح، فإنّ الغلط والاشتباه من الأُمور النسبيّة التي تحصل بالمقايسة والنسبة، لا من الأُمور النفسيّة، مثال ذلك أنّا نشاهد الأجرام العظيمة السماويّة صغيرة كالنقاط البيض، ونغلط في مشاهدتنا هذه على ما تبيّنه البراهين العلميّة، وكثير من مشاهدات حواسّنا، إلاّ أنّ هذه الأغلاط، إنّما تحصل وتوجد إذا قايسنا ما عند الحسّ ممّا في الخارج من واقع هذه المشهودات، وأمّا ما عند الحسّ في نفسه، فهو أمرٌ واقعيٌّ كنقطة بيضاء لا معنى لكونه غلطاً ألبتّة.

والأمر فيما نحن فيه من هذا القبيل، فإنّ حواسّنا وقوانا المُدْرِكة إذا وجدت الأُمور الكثيرة المتغيِّرة المتجزّية على صفة الوحدة والثبات والبساطة ؛ كانت القوى المُدْرِكة غالطة في إدراكها، مشتبهة في معلومها

٤٥

بالقياس إلى المعلوم الذي في الخارج، وأمّا هذه الصورة العلميّة الموجودة عند القوّة فهي واحدة ثابتة بسيطة في نفسها ألبتّة، ولا يمكن أن يُقال للأمر الذي هذا شأنه: إنّه مادّي لفقده أوصاف المادّة العامّة.

فقد تحصّل من جميع ما ذكرنا: أنّ الحجّة التي أوردها المادّيون من طريق الحسّ والتجربة إنّما ينتج عدم الوجدان، وقد وقعوا في المغالطة بأخذ عدم الوجود ( وهو مدَّعاهم ) مكان عدم الوجدان، وما صوّروه لتقرير الشهود النفساني - المثبت لوجود أمرٍ واحدٍ بسيطٍ ثابتٍ - تصوير فاسد، لا يوافق لا الأُصول المادّيّة المسلِّمة بالحسّ والتجربة، ولا واقع الأمر الذي هو عليه في نفسه.

وأمّا ما افترضه الباحثون في علم النفس الجديد، في أمر النفس، وهو أنّه الحالة المتّحدة الحاصلة من تفاعل الحالات الروحيّة من الإدراك والإرادة والرضا والحب وغيرها، المنتجة لحالة متّحدة مؤلّفة، فلا كلام لنا فيه، فإن لكلّ باحثٍ أنّ يفترض موضوعاً، ويضعه موضوعاً لبحثه، وإنّما الكلام فيه من حيث وجوده وعدمه في الخارج والواقع، مع قطع النظر عن فرض الفارض وعدمه، وهو البحث الفلسفي، كما هو ظاهر على الخبير بجهات البحث.

وقال قوم آخرون من نُفاة تجرّد النفس من الملِّيّين: إنّ الذي يتحصّل من الأُمور المربوطة بحياة الإنسان: كالتشريح والفيزيولوجي، إنّ هذه الخواص الروحيّة الحيويّة تستند إلى جراثيم الحياة والسلولات التي هي الأُصول في حياة الإنسان، وسائر الحيوان، وتتعلّق بها، فالروح خاصّة، وأثر مخصوص فيها لكلّ واحدٍ منها أرواح متعدّدة، فالذي يسمّيه الإنسان روحاً لنفسه، ويحكي عنه ب-: أنا: مجموعة متكوّنة من أرواح غير محصورة على نعت الاتحاد

٤٦

والاجتماع، ومن المعلوم أنّ هذه الكيفيّات الحيويّة، والخواصّ الروحيّة، تبطل بموت الجراثيم والسلولات، وتفسد بفسادها، فلا معنى للروح الواحدة المجرّدة الباقية بعد فناء التركيب البدني، غاية الأمر أنّ الأُصول المادّيّة المكتشَفة بالبحث العلمي لمّا لم تفِ بكشف رموز الحياة ؛ كان لنا أن نقول: إنّ العلل الطبيعيّة لا تفي بإيجاد الروح، فهي معلولة لموجود آخر وراء الطبيعة، وأمّا الاستدلال على تجرّد النفس من جهة العقل محضاً فشيء لا يقبله ولا يصغي إليه العلم اليوم، لعدم اعتمادها على غير الحسّ والتجربة، هذا.

أقول : وأنت خبير بأنّ جميع ما أوردناه على حجّة الماديّين وارد على هذه الحجّة المختلَقة من غير فرق، ونزيدها أنّها مخدوشة:

أوّلاً : بأنّ عدم وفاء الأُصول العلميّة المكتَشَفة إلى اليوم ببيان حقيقة الروح والحياة، لا ينتج عدم وفائها أبداً، ولا عدم انتهاء هذه الخواص إلى العلل المادّيّة في نفس الأمر على جهلٍ منّا، فهل هذا إلاّ مغالطة وُضع فيها العلم بالعدم مكان عدم العلم ؟!

وثانياً : بأنّ استناد بعض حوادث العالم - وهي الحوادث المادّيّة - إلى المادّة وبعضها الآخر - وهي الحوادث الحيويّة - إلى أمر وراء المادّة - وهو الصانع - قول بأصلين في الإيجاد، ولا يرتضيه المادّي ولا الإلهي، وجميع أدلّة التوحيد تُبطله.

وهنا إشكالات أُخر أوردوها على تجرّد النفس، مذكورة في الكتب الفلسفيّة والكلاميّة، غير أنّ جميعها ناشئة عن عدم التأمّل والإمعان فيما مرّ من البرهان، وعدم التثبّت في تعقّل الغرض منه ؛ ولذلك أضربنا عن إيرادها، والكلام

٤٧

عليها، فمَن أراد الوقوف عليها فعليه بالرجوع إلى مظانّها، والله الهادي(١) انتهى كلامه.

وأمّا الكلام في الجهة الثانية - وهي دلالة القرآن والسنّة على أنّ للإنسان روحاً ونفساً غير البدن، فنقتصر فيه على نقل جملةٍ من الآيات الكريمة:

١ -( وَ لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ‌ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاَ هُمْ يَحْزَنُونَ‌ ) (آل عمران ١٦٩ - ١٧١ ).

٢ -( وَ لاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَ لٰکِنْ لاَ تَشْعُرُونَ‌ ) ( البقرة ١٥٤ ).

٣ - (وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غُدُوّاً وعشيّاً ويوم تقوم الساعة أدْخِلُوا آل فروعون أشدّ العذاب ) ( المؤمن ٤٥ - ٤٦ ).

واعلم أنّ هذه الآيات الثلاث تدلّ على أمرين:

أوّلهما : الحياة البرزخيّة للشهداء وأئمّة الكفر فقط دون غيرهما، أي لا يُستفاد منها عموم الحياة البرزخيّة للجميع، والاستدلال عليه بآيات أُخر لا يخلو عن منع وإشكال.

ثانيهما : أنّ للإنسان شيئاً آخر وراء البدن لا يموت بموت البدن وفنائه، وهو المستحقّ للثواب والعذاب، وهو الذي يُسمّى بالروح والنفس.

٤ -( فَلَوْ لاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ‌ ) ( الواقعة ٨٣ ).

___________________

(١) ص ٣٦٤ إلى ٣٧٠ ج١ تفسير الميزان.

٤٨

٥ -( کَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِي ) ( القيامة ٢٦ ).

٦ -( إِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ کَافِرُونَ‌ * قُلْ يَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ الَّذِي وُکِّلَ بِکُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّکُمْ تُرْجَعُونَ‌ ) ( السجدة ١٠ ).

أقول : ملك الموت لا يتوفّى الجسم الذي يُدفن في الأرض ويضلّ فيها، بل يتوفّى النفس.

٧ -( وَ لَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَ الْمَلاَئِکَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَکُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ.. ) ( الأنعام ٩٣ ).

٨ -( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِکُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَ يُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذٰلِکَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَکَّرُونَ‌ ) ( الزمر ٤٢)(١) .

___________________

(١) وقد يُقال أنّ قوله تعالى( هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاکُمْ بِاللَّيْلِ وَ يَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُکُمْ فِيهِ ) ( الأنعام ٦٠ )، يدلّ على موت الإنسان في المنام، والحال أنّه حيّ نائم.

وقد يُجاب عنه بأنّ الموت والنوم يشتركان في انقطاع تصرّف النفس في البدن، كما أنّ البعث بمعنى الإيقاظ بعد النوم يشارك البعث بمعنى الإحياء بعد الموت في عود النفس إلى تصرّفها في البدن بعد الانقطاع، فلأجله عُدت الإنامة توفياً، وإن شئت فقل إنّ التوفّي على قسمين: توفّي مؤقّت وهو الإنامة، وتوفّي يستمر وهو الإماتة كما يُستفاد من قوله تعالى:

( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِکُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَ يُرْسِلُ الْأُخْرَى... ) ( الزمر آية ٤٢).

ويقول بعض الأطبّاء: إنّ حياة النوم ليست بها حسّ ولا وعي ولا حركة.

ويجب أن نعرف أنّ للنوم درجات، والدرجات السطحيّة منه يخالطها بعض اليقظة، وبعض الحسّ والحركة من تقليب وخلافه.

وأمّا الدرجات العميقة فلا، ونفس الشيء يحدث في التخدير وفقد الوعي المؤقّت، وفقد الوعي الدائم كتلف قشرة المخّ الكامل ( ص ٣٤٤ الحياة الإنسانيّة ).

أقول : وبعد فقد بقى الفرق العلمي بين الموت والنوم، وأخواته المشار إليها، وكذا الجنون وبيانه على عهدة العلوم.

وسيأتي في الفصل الثاني من المسألة التاسعة

=

٤٩

( البحث الرابع ) : النفس والروح مفهومان لحقيقةٍ واحدةٍ، فهما موجود واحد قطعاً، ومهما قيل في الفرق بينهما فهو بلحاظ الاعتبارات والمراتب لا غير، فإنّ كلّ إنسان يُدرك من ضميره أنّه واحد لا اثنان !

وتخيّل التعدّد من أوهام العوام، ومَن بحكمهم من مدّعي العلم المبتلين بالجهل المركّب.

ويناسب هنا أنْ نرجع إلى الكتاب والسنّة ؛ لنرى رأيهما في حقّهما وما يتعلّق بهما من خصوصياتهما.

أمّا الروح فقد استُعملت في القرآن في معانٍ مختلفةٍ غير ما به حياة الإنسان وشخصيّته، بل ليس فيه أنّ آدمعليه‌السلام أعطاه الله روحاً، وإنّما فيه أنّه تعالى نفخ في آدم من روحه ( الحجر ٢٩ - ص٧٢ ) كما ورد ( مثله ) في حقّ عيسىعليه‌السلام ، فلعلّ المراد من النفخ هو الإحياء فقط لا أنّ آدم وعيسى صاحبا روح(١) .

وأمّا قوله تعالى:( ويسئلونك عن الرُّوح قُلِ الرُّوح من أمر ربّي ) فالمراد بها مجهول، ويُحتمل أنّها الروح الأمين، أو روح القُدُس(٢) ، أو أُريد به ما أُريد بقوله تعالى:( تَنَزَّلُ الْمَلاَئِکَةُ وَ الرُّوحُ ) ، وبقوله:( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلاَئِکَةُ صَفّاً ) ، أو روح الإنسان. لكن في الأحاديث أنّه خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل...(٣) .

وأمّا قوله تعالى:( أُولٰئِکَ کَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) ( المجادلة ٢٢ ) فهي الروح المؤيّدة للمؤمنين - رزقنا الله بفضله -

___________________

=

عشرة حول النسيج الشبكي ما ينفع للمقام، وكذا في الفصل الرابع في جواب الإشكال السابع.

(١) نعم الأحاديث تدلّ على أن للإنسان روحاً كما تأتي.

(٢) بناءً على أنّه غير الروح الأعلين أي جبرئيل وفيه بحث.

(٣) لاحظ ج١٨ وغيره من بحار الأنوار.

٥٠

وليست بروح تنشأ منها الحياة الإنسانية، كما لا يخفى.

وأما النفس والأنفس فقد وردت في القرآن كثيراً، وإليك بعض ما يتعلّق بها:

١ - النفس هي المسؤولة عن أعمال الإنسان كقوله تعالى:( ثُمَّ تُوَفَّى کُلُّ نَفْسٍ مَا کَسَبَتْ ) ( البقرة ٢٨١ )، وقوله:

( وَ وُفِّيَتْ کُلُّ نَفْسٍ مَا کَسَبَتْ وَ هُمْ لاَ يُظْلَمُونَ‌ ) (١) .

والآيات الدالّة عليه كثيرة(٢) .

٢ - أنّها تذوق الموت وإليها أُسند القتل، كقوله تعالى:( کُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ) ( آل عمران ١٨٠ )، ( الأنبياء ٢٥ )، ( العنكبوت ٥٧ ).

٣ - أنّها تُلْهَم فجورها وتقواها.

٤ - أنّها المكلّفة:( لاَ يُکَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ) ( البقرة ٢٨٦ )، ولاحظ سورة الأنعام ١٥٢، والأعراف ٤٢، والمؤمنون ٦٢، والطلاق ٧.

٥ - أنّها أمّارة بالسوء، وأنّها لوّامة، ومطمئنة وترجع إلى ربّها راضيةً مرضيّة.

٦ - أنّها متنعّمة في الجنّة، ( الزخرف ٧١ - فُصّلت ٣١ )(٣) .

وأمّا الأحاديث المعتَبَرة الواردة في المقام فقد استوفيناها في موسوعتنا الحديثيّة( معجم الأحاديث المعتبرة ) وذكرنا بعضها في سائر كتبنا ( گوناگون ج١ - عقايد براى همه وغيرها )، وإليك جملة منها:

١ - صحيح أبي ولاّد المروي في الكافي عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال: قلت له: جعلت فداك يروون أنّ أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر

___________________

(١) آل عمران أية ٢٥.

(٢) البقرة ٤٨، ١٢٣، ٢٨١، آل عمران ٢٥..

(٣) ونسب إلى النفس - أيضاً - زائداً على ما في المتن: الإيمان والتفريط في جنب الله، والوسوسة، والتسويل، والشّحّ، والاشتهاء، والهوى، والأكنان، والحرج، والإخفاء، والاستيقان في آيات أُخر.

٥١

حول العرش، فقال: ( لا، المؤمن أكرم على الله مِن أن يجعل روحه في حوصلة طير ( و ) لكن في أبدان كأبدانهم )(١) .

٢ - صحيح محمّد بن قيس المروي في الخصال عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال: سأل الشامي... عن العين التي تأوي إليها أرواح المشركين ؟ فقال: ( هي عينٌ يُقال لها سلمى )(٢) .

٣ - صحيح الكناسي المروي في الكافي، عن الباقرعليه‌السلام ...: ( إنّ لله جنّة خلقها الله في المغرب... وإليها تخرج أرواح المؤمنين من حفرهم عند كلّ مساء... وإنّ لله ناراً في المشرق خلقها ليسكنها أرواح الكفار... )(٣) .

٤ - صحيح الأحول المروي فيه قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الروح التي في آدم قوله:( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) (٤) ، قال: ( هذه روح مخلوقة، والروح في عيسى مخلوقة)(٥) .

٥ - حسنة حمران، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ:( وَرُوحٌ مِنْهُ ) (٦) قال: ( هي روح الله مخلوقة خلقها الله في آدم وعيسى )(٧) .

٦ - صحيح أبي بصير المروي في الكافي، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ:( وَ يَسْأَلُونَکَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) (٨) ،

___________________

(١) ص ٢٦٨ ج٦ بحار الأنوار.

(٢) ص ٢٧٤ نفس المصدر.

(٣) ص ٢٩٠ المصدر.

(٤) الحجر آية ٢٩.

(٥) ص ١٣٣ ج١ الكافي.

(٦) النساء آية ١٧١.

(٧) الكافي ١: ١٣٣.

(٨) الإسراء آية ٨٥.

٥٢

قال: ( خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل(١) ... )

٧ - معتبرة ابن أبي يعفور المرويّة في العلل عن الصادقعليه‌السلام :

( إنّ الأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها في الميثاق ائتلف ههنا، وما تناكر منها في الميثاق اختلف ههنا )(٢) .

أقول : هذا المضمون وارد في عدّة من الأحاديث، لكنّ أكثرها ضعيفة سنداً فتكون مؤيّدة لها.

٨ - موثّقة ابن بكير، عن الباقرعليه‌السلام : (... وخلق الله أرواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفَي عام)(٣) .

أقول : خلقة الأرواح قبل الأبدان بألفي عام وردت في جملة من الأحاديث(٤) ، ولا يبعد حصول الاطمئنان بصدور بعضها عن الأئمّةعليهم‌السلام ، والظاهر أنّها تنافي قول بعض الفلاسفة: إنّ الروح جسمانيّة الحدوث روحانيّة البقاء، ولذا أوّله في الأسفار تأويلاً باطلاً.

واعلم أنّ الروح لا تُطلق على الإنسان المركّب منها ومن البدن، بل يطلق على نفسها فقط، بخلاف النفس، فإنّها تطلق على خصوص معناها، كما تُطلق على معنىً يُعبّر عنه بالفارسيّة بكلمة ( خود، خودتان، خودما )، أي: على مجموع الإنسان، كقوله تعالى:( فسلِّموا على أنفُسِكُم ) (٥) ، بل ربّما على ما استحال البدن والنفس فيه ؛ كما في حقّه تعالى:( وَ يُحَذِّرُکُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ) (٦) .

___________________

(١) الكافي ١: ٢٧٣، نسخة الكومبيوتر.

(٢) ص ١٣٩ ص ٥٨ البحار.

(٣) ص ١٣٨ ج ١ الكافي.

(٤) النور آية ٦١.

(٥) لاحظ ج٥٨ وغيره من بحار الأنوار.

(٦) آل عمران آية ٢٨ و ٣٠.

٥٣

بقي شيء وهو: أنّ عوام المسلمين يزعمون أنّ الروح لا تأمر بالشرّ بل تأمر بالخير دائماً، وأمّا النفس، فهي تأمر بالخير والشرّ، ولعلّ وجه هذا الزعم أنّ القرآن أسند الشرّ إلى النفس ولم يسنده إلى الروح، لكنّ القرآن لم يفصّل القول في الروح الإنسانيّة، كما عرفت، وما تقدّم من الأحاديث المعتبرة يكفي في ضعف الزعم المذكور.

وبالجملة : هما مفهومان لمصداقٍ واحدٍ كما عرفت.

وأمّا الكلام في الجهة الثالثة - وهي دلالة العلم على وجود الروح - فهو طويل نقتصر فيه هنا على كلام بعض الفضلاء فقط ؛ حتى لا يطول بنا المقام:

والمادّة التي يتكوّن منها الدماغ، هي عين المادّة التي تنشأ منها بقيّة أعضاء الجسد، ونوع الحياة الذي يتسبّب في نشوء الجميع واحد. فإنّ أصل الجنين خليّة واحدة ثمّ تتكثّر، وعليه، يلزم أن تكون الوظائف التي تقوم بها مختلف أعضاء الجسم من جنسٍ واحدٍ دون اختلاف تخصّصاتها، وهي وظائف غير إراديّة ولا فكريّة، لأنّها اللاّرادة، ويستحيل بحسب سنن الكون وموجوداته أن يتولّد - بصورة آليّة - المريد من غير المريد والمفكِّر من غير المفكِّر.

وماقيل من أنّ: الإرادة، والفكر، والشعور، وغيرها من الأنشطة الإنسانيّة الاختياريّة، إنّما تنشأ من الدماغ نتيجة تفاعلات كيميائية وفيزيائية، غير صحيح ؛ فإنّ كلّ تفاعلٍ لابُدّ له من عامل، فهو إن كان خارجيّاً يلزم استناد إرادته وأفكاره ومشاعره المختلفة غير اختياريّة له، مع أن المادّيّين لم يستطيعوا - ولن يستطيعوا - ولا مرّة واحدة أن يضعوا العناصر والمركّبات في أنابيب الاختبار، ثمّ يدفعونها بالتأشيرات المعنويّة بدلاً من العوامل المادّيّة المعهودة.

٥٤

وإن كان داخليّاً فما هو ؟

هل هو مجرد احتكاك الخلايا والأعصاب، أم هو مجرد وصول الدماء إلى عروق الدماغ، أم هو شيءٌ آخر ؟

فليكن أيّ شيء فلماذا تتحدّد وتختلف نتائج ذلك التفاعل الكيميائي المزعوم، باختلاف الأشخاص من جهة، وباختلاف الأزمان والساعات والأحوال في الشخص الواحد من جهةٍ أُخرى ؟

إنّ محتويات الأدمغة واحدة في الأشخاص والأزمان، وأنشطتهما المادّيّة واحدة، فلماذا تتعدّد إذن نتائج التفاعلات التي تحدث فيها ؟

فتتعدّد الأفكار، وتتعدّد المشاعر والأحاسيس، وتعدّد الاكتشافات، وتتعدّد المواهب عند الأشخاص، بل وتعدّد عند الشخص الواحد في ساعتين...، أقول : ولا تفسير له سوى الإقرار بوجود الروح...(١) . انتهى ما أردنا نقله.

واعلم أنّ الاعتقاد بوجود الروح، لا ينقص من أهميّة المخّ وعظم عمله، فلا تغفل، ويقول طبيب مسلم: إنّ كثيراً من العلماء، ذكروا أنّ المظاهر النفسيّة: كالوعي، والإدراك، والانفعال، والذاكرة، والقدرة على التعلّم، والإحساس النهائي للّذّة والألم، وكلّ هذه المظاهر النفسيّة لم يثبت علميّاً - إلى الآن - أنّ مراكزها النهائيّة موجودة في خلايا المخّ.

والحقيقة أنّنا نتعلّم الطبّ حسب المدرسة الغربيّة، التي ينفصل عندها العلم عن الدين، فهي ترى: أنّ المظاهر النفسيّة عبارة عن تفاعلات كيمياوية معقّدة تحدث داخل خلايا المخّ، وهذا أمر لم يثبت علميّاً للآن(٢) .

أقول : ولتأثير الروح والمخّ وأهمّيّة كلتيهما لنضرب مثلاً، ونشبّه

___________________

(١) ص ١٢٧ إلى ص١٣١ رؤية إسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة، نقلنا عنها بعض القليل مع الاختصار.

(٢) ص٨٦ نفس المصدر.

٥٥

الروح بالمصوِّر، وخلايا المخّ بجهاز التصوير، والصورة كما تحتاج إلى المصوِّر تحتاج إلى آلة التصوير ولا يغني أحدهما عن الآخر في إنتاج الصورة.

( البحث الخامس ) في بدء حياة الإنسان.

المتدبّر في البحثين الأخيرين، يقتنع بسهولة أنّ الحياة الإنسانيّة إنّما هي بتعلّق الروح بالبدن، كما أنّ موت الإنسان بانقطاع هذا التعلّق نهائياً، ولا ربط لحياة الخلايا بحياة الإنسان، ولا موته بموتها، وهذا الذي اعتقده علماء الإسلام، هو الصحيح المطابق للبراهين العقليّة أيضاً.

وإنْ شئت فقل: إنّ قوام إنسانيّة الإنسان بروحه لا ببدنه، وإنّ فُرض موجوداً تامّاً في الخارج وكان جميع خلاياه حيّة، فالجنين مهما تكامل وتنامى فهو - قبل تعلّق الروح - جنين الإنسان، وما يؤل إلى الإنسان وليس بإنسان نفسه.

متى تتعلّق الروح بالبدن ؟

هذا هو السؤال المهمّ في المقام، ولا يصلح علم الطب وعلم الأجنّة، وسائر العلوم للإجابة عليه، لحدّ الآن، ولا أظنّ اهتداء العقل إليه أيضاً، فلا بُدّ من الرجوع إلى الدين فيه، لكنّ القرآن الكريم - وحسب فهمي - ليس فيه ما يدلّ على توقيت تعلّق الروح بالبدن، سوى قوله تعالى:( ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَکَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ‌ ) (١) ، ولا بُعد في إرادة تعلّق الروح بالجنين من هذه الآية، إذ إنشاء الجنين مخلوقاً آخر لا يناسب إلاّ صيرورته ذات روح، ويؤكِّده قوله:( فَتَبَارَکَ اللَّهُ... ) ، بل يدلّ على إرادة التعلّق المذكور بعض الروايات المعتبرة الآتية، لكن لا يُستفاد أنّ تعلق الروح

___________________

(١) المؤمنون آية ١٤.

٥٦

بالجنين في أيّ شهرٍ من شهور الحمل، وإنّما يُستفاد من الآية المذكورة أنّه بعد كسوة العظام لحماً. وإن قدّر الطب بشكلٍ دقيقٍ محسوسٍ على تعيين زمن كسوتها لحماً لم يقدر على زمان تعلّق الروح بالجنين، إذ لا دليل على أنّه بعدها بلا فصل، بل ظاهر قوله:( ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ ) ، الفصل بينهما، فلا يبقى أمامنا للحصول على جواب السؤال المذكور سوى الأحاديث، فنقول:

١ - الصحيح المرويّ في التهذيب عن أمير المؤمنينعليه‌السلام :

(... فإذا أُنشئ فيه خلقٌ آخر، وهو الروح، فهو حينئذٍ نفس، ألف دينار كاملة إن كان ذكراً، وإن كان أُنثى فخمسمئة دينار )(١) .

٢ - صحيح محمّد بن مسلم المرويّ في الكافي، قال:

سألت أبا جعفرعليه‌السلام ... قلت: فما صفة النطفة التي تُعرف بها ؟

فقال: ( النطفة تكون بيضاء مثل النخامة الغليظة، فتمكث في الرحم إذا صارت أربعين يوماً، ثمّ تصير إلى علقة.

قلت: فما صفة خلقة العلقة التي تُعرف بها ؟

فقال: هي علقة كعلقة الدم المحجمة الجامدة تمكث في الرحم بعد تحويلها عن النطفة أربعين يوماً، ثمّ تصير مضغة.

قلت: فما صفة المضغة وخلقتها التي تُعرف بها ؟

قال: هي مضغة لحمٍ حمراءَ فيها عروقٌ خضرٌ مشتبكة، ثمّ تصير إلى عظم.

قلت: فما صفة خلقته إذا كان عظماً ؟

فقال: إذا كان عظماً شقّ له السمع والبصر، ورُتّبت جوارحه، فإذا كان كذلك فإنّ فيه الديّة كاملة )(٢) ، ورواه الشيخ في تهذيبه بتفاوت(٣) .

أقول : لم يذكر في هذا الصحيح توقيت المضغة بأربعين يوماً، ولا

___________________

(١) ص ٢٨٥ ج ١٠ نسخة الكومبيوتر.

(٢) ص ٣٤٥ ج ٧ الكافي.

(٣) ص ٤٧٥ ج ٢٦ جامع الأحاديث.

٥٧

يضر، فإنّه مذكور في صحيح زرارة وغيره، الآتية في مسألة الإجهاض(١) . ولم يذكر تعلّق الروح بالجنين أيضاً.

أقول : لا يُفهم من هذه الأحاديث مع الآية أنّ بدء الحياة الإنسانيّة، في أوّل الشهر الخامس من الحمل، أي في اليوم ١٢١ من الحمل، بل يُحتمل نفخ الروح بأطول من ذلك، كما لا يخفى، بل في رواية أبي شبل:

( هيهاتَ يا أبا شبل، إذا مضت الخمسة الأشهر فقد صارت فيه الحياة، وقد استوجب الديّة)(٢) ، ولعلّه اشتباه ومحرّف الأربعة الأشهر، لكنّه محتمل، إذ لا يخالفه نصٌّ معتبر، سوى معتبرة ابن الجهم الآتية(٣) ، ولا بُدّ لك أن تُلاحظ ما يأتي من الآية والأحاديث في المسألة الآتية، مع هذه الأحاديث جمعاً.

ومقتضى النظر الدقيق، أنّ جميع الأحاديث لا تدلّ على أنّ نفخ الروح يكون في أوّل الشهر الخامس من الحمل، حتّى معتبرة ابن الجهم في المطلب الأوّل من المسألة الآتية، وإنْ كانت مشعرة بها، نعم مدلولها نفخ الروح في الجنين بعد أربعة أشهر، فلاحظ وتأمّل جيّداً، والله العالم.

ولعلّه لأجل ما ذكرنا ؛ قال صاحب الجواهرقدس‌سره في باب الدية ( ص٣٦٥ ج٤٣ ): بل عن ظاهر الأصحاب عدم اعتبار مضيّ الأربعة أشهر في الحكم بحياته على وجه يترتّب عليه الديّة، وإن قال الصادقعليه‌السلام في خبر زرارة:

( السّقط إذا تمّ له أربعة أشهر غُسِّل )(٤) .

وأفتى الأصحاب بمضمونه، إلاّ أنّ ذلك لا يقتضي تحقّق العنوان في المقام.

أقول : أي حياة الجنين لوجوب الدية الكاملة.

___________________

(١) لاحظ ص ٦٤ هذا الكتاب.

(٢) جامع الأحاديث ٢٦ / ٤٨١.

(٣) الكافي ٧: ٣٤٦، نسخة الكومبيوتر.

(٤) الكافي ٣: ٢٠٦.

٥٨

المسألة السادسة

حول إجهاض الجنين(١)

الإجهاض: إلقاء حَمْلٍ ناقص الخَلْق بغير تمام، سواء من المرأة أو من غيرها، وكثيراً ما يُعبّر عن الإجهاض بالإسقاط، أو الطرح أو الإلقاء، وفي المقام مطالب ننقلها عن الأطبّاء:

١ - الثابت في علم الأجنّة أنّ الحياة موجودة في الحيوان المنوي قبل التلقيح، وموجودة في البويضة قبل الالتقاء، وقد يلتقي الحيوان المنوي والبويضة ويُسفر عن ذلك حمل عنقود وليس إنساناً، والحمل العنقودي ليس جنيناً، وإنّما مجرد خلايا لا تكون في مجموعها أي شكل من الأشكال، وإنّما شكلها شكل عنقود العنب، وبعد فترةٍ من الزمن يتقلّص الرحم ويطرد هذا المحتوى، ولكن ليس فيه ما يدلّ على الإنسان، أو على صورة الإنسان، أو على الحياة، وهو - أيضاً - نتيجة التقاء الحيوان المنوي بالبويضة(٢) .

٢ - فترة الإنشاء - يعني به قوله تعالى:( ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ) (٣) -

___________________

(١) الإجهاض - كما في معاجم اللُّغة واستعمال الفقهاء - هو إلقاء الحمْل ناقص الخَلْق، أو ناقص المدّة.

وقد أطلق مجمع اللُّغة العربية كلمة الإجهاض: على خروج الجنين قبل الشهر الرابع، وكلمة الإسقاط على إلقائه ما بين الشهر الرابع والسابع. هكذا قيل.

(٢) قال بعض الأطباء: إنّ البويضة المخصبة من ناحية خلويّة بالتأكيد هي ليست الجنين، إنّ جزءً يسيراً منها يتكوّن منه الجنين، وهذا يحدث في اليوم العاشر بعد العلوق، وقد لا يحدث فتكون بويضةً فاسدةً لا ينتج عنها جنين، وقد يحدث منها حمل عنقودي، وقد يحدث توأم... ص٦٧٧، الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبّيّة.

(٣) المؤمنون آية ١٤.

٥٩

حسبما رأيناه في الفيلم: أنّه في الأُسبوع السادس أو السابع بعد الفترة من الأُسبوع الأوّل إلى الأُسبوع السادس كانت مجموعة من الأنسجة لم تظهر بالفيلم، وإنّما ظهر لنا من بعد الأُسبوع السادس، وبعد الأربعين يوماً بدأ يتخلّق، بدأ يظهر الرأس وتظهر الأطراف، بدء خَلْقٍ آخر... ( و) من بعد الأُسبوع السادس ما هو إلاّ نموٌّ وليس تكويناً جديداً(١) .

٣ - إنّ الجنين يتحرّك ويتحرّك من قبل نهاية الشهر الرابع بزمن ٍطويل، ولكنّ السيّدة لا تحس به ؛ لأنّ الكيس المائي الذي يسبح فيه يكون في البداية كبيراً فسيحاً بالنسبة لجسمه الصغير، ويمرّ زمن حتّى يكبر الجنين، فتستطيع لكماته وركلاته أنْ تطال جدار الرحم ؛ فتشعر بها السيّدة بعد أربعة أشهر من الحمل، بل إنّ لدينا الآن من الأجهزة ما نسمع به دقّات قلب الجنين وهو في الأُسبوع الخامس، ولدينا من الأجهزة ما نرصد به حركة الجنين حتّى مِن قبل ذلك...(٢) .

وقيل: إنّ الحركة متّصلة قبل ذلك ؛ لأنّ الخلايا منذ المراحل الأُولى في حركة، حتّى إنْ لم ترها الأجهزة ؛ لأنّ الخلايا تتحرّك، وترتّب نفسها إلى آخره(٣) .

٤ - مبرِّرات الإجهاض في الغرب قد اتّسعت حتّى بلغت خاتمة المطاف بالإجهاض حسب الطلب !!!

ومن المبرِّرات: الدواعي الطبّيّة، لكن وسع في بعض البلاد مدلولها فبدأت بالخطر على حياة الأُمّ إن استمرّ الحمل، ثمّ الخطر على صحّتها، ثمّ على صحّتها الجسميّة، أو النفسيّة، ثمّ عليها في الحاضر وفي المستقبل المنظور، ثمّ على الصحّة الجسميّة أو

___________________

(١) ص٢٣٤ وص٢٣٥، الإنجاب في ضوء الإسلام.

(٢) ص٢٥٤ وص٢٥٥، نفس المصدر.

(٣) ص٢٨٢، نفس المصدر.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

٨٩- و فيه: عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ما استيقظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من نوم قطّ إلّا خرّ لله ساجداً.

٩٠- و من آدابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المناكح و الأولاد ما في رسالة المحكم و المتشابه، للمرتضى بإسناده إلى تفسير النعمانيّ عن عليّعليه‌السلام قال: إنّ جماعة من الصحابة كانوا قد حرّموا على أنفسهم النساء و الإفطار بالنهار و النوم بالليل فأخبرت اُمّ سلمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخرج إلى أصحابه فقال: أ ترغبون عن النساء؟ فإنّي آتي النساء و آكل بالنهار و أنام بالليل فمن رغب عن سنّتي فليس منّي‏، الخبر.

أقول: و هذا المعنى مرويّ في كتب الفريقين بطرق كثيرة.

٩١- و في الكافي، بإسناده عن إسحاق بن عمّار عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: من أخلاق الأنبياء حبّ النساء.

٩٢- و فيه، بإسناده عن بكّار بن كردم و غير واحد عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : جعل قرّة عيني في الصلاة و لذّتي في النساء.

أقول: و يقرب منه ما روي بطرق اُخرى.

٩٣- و في الفقيه: و كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أراد أن يتزوّج بامرأة بعث إليها من ينظر إليها، الخبر.

٩٤- و في تفسير العيّاشيّ: عن الحسين بن بنت إلياس قال: سمعت أباالحسن الرضاعليه‌السلام يقول: إنّ الله جعل الليل سكناً، و جعل النساء سكناً، و من السنّة التزويج بالليل و إطعام الطعام.

٩٥- و في الخصال، بإسناده عن عليّعليه‌السلام في حديث الأربعمائة قال: عقّوا عن أولادكم يوم السابع، و تصدّقوا بوزن شعورهم فضّة على مسلم، و كذلك فعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحسن و الحسين و سائر أولاده.

٩٦- و من آدابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأطعمة و الأشربة و ما يتعلّق بالمائدة ما في الكافي، بإسناده عن هشام بن سالم و غيره عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: ما كان شي‏ء أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أن يظلّ جائعاً خائفاً في الله.

٣٤١

٩٧- و في الإحتجاج، بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه عن الحسين بن عليّعليهم‌السلام في حديث طويل: في أسئلة اليهوديّ الشاميّ عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام - إلى أن قال - قال له اليهوديّ: فإنّ عيسى يزعمون أنّه كان زاهداً!، قال له عليّعليه‌السلام : كان كذلك، و محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أزهد الأنبياء كان له ثلاث عشرة نسوة سوى من يطيف به من الإماء ما رفعت له مائدة قطّ و عليها طعام، و ما أكل خبز برّ قطّ، و لا شبع من خبز شعير قطّ ثلاث ليال متواليات.

٩٨- و في أمالي الصدوق، عن العيص بن القاسم قال: قلت للصادقعليه‌السلام : حديث يروى عن أبيك: أنّه قال: ما شبع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خبز برّ قطّ أ هو صحيح؟ فقال: لا ما أكل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خبز برّ قطّ و لا شبع من خبز شعير قطّ.

٩٩- و في الدعوات، للقطب قال: و روي ما أكل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متّكئاً إلّا مرّة ثمّ جلس فقال: اللّهمّ إنّي عبدك و رسولك.

أقول: و روى هذا المعنى الكلينيّ و الشيخ بطرق كثيرة و الصدوق و البرقيّ و الحسين بن سعيد في كتاب الزهد.

١٠٠- و في الكافي، بإسناده عن زيد الشحّام عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: ما أكل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متّكئاً منذ بعثه الله حتّى قبض كان يأكل أكلة العبد، و يجلس جلسة العبد. قلت: و لم؟ قال تواضعاً لله عزّوجلّ.

١٠١- و فيه، بإسناده عن أبي خديجة قال: سأل بشير الدهّان عن أبي عبداللهعليه‌السلام و أنا حاضر فقال: هل كان يأكل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متّكئاً على يمينه و على يساره؟ فقال: ما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأكل متّكئاً على يمينه و لا على يساره، و لكن يجلس جلسة العبد، قلت: و لم ذاك؟ قال: تواضعاً لله عزّوجلّ.

١٠٢- و فيه، بإسناده عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأكل أكل العبد، و يجلس جلسة العبد، و كان يأكل على الحضيض و ينام على الحضيض.

١٠٣- و في الإحياء،: كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا جلس يأكل جمع بين ركبتيه و بين قدميه كما يجلس المصلّي إلّا أنّ الركبة فوق الركبة و القدم فوق القدم، و يقول إنّما أنا عبد آكل

٣٤٢

كما يأكل العبد و أجلس كما يجلس العبد.

١٠٤- و في كتاب التعريف، للصفوانيّ عن عليّعليه‌السلام : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا قعد على المائدة قعد قعدة العبد، و كان يتّكئ عن(١) فخذه الأيسر.

١٠٥- و في المكارم: عن ابن عبّاس قال: كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجلس على الأرض، و يعتقل الشاة، و يجيب دعوة المملوك.

١٠٦- و في المحاسن، بإسناده عن حمّاد بن عثمان عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلعق أصابعه إذا أكل.

١٠٧- و في الإحتجاج، نقلاً من كتاب مواليد الصادقين قال: كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأكل كلّ الأصناف من الطعام، و كان يأكل ما أحلّ الله له مع أهله و خدمه إذا أكلوا و مع من يدعوه من المسلمين على الأكل، و على ما أكلوا عليه و ما أكلوا إلّا أن ينزل بهم ضيف فيأكل مع ضيفه - إلى أن قال - و كان أحبّ الطعام إليه ما كان على ضفف.

أقول: قوله:( و على ما أكلوا عليه) يريد أمثال المائدة و الصحفة، و قوله:( و ما أكلوا) ما موصولة أو توقيتيّة، و قوله:( إلّا أن ينزل) ، إلخ استثناء من قوله:( مع أهله و خدمه) و( الضفف) كثرة العيال و نحوها، و الضفّة بالفتح الجماعة.

١٠٨- و في الكافي، بإسناده عن ابن القدّاح عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أكل مع القوم طعاماً كان أوّل من يضع يده و آخر من يرفعها ليأكل القوم.

١٠٩- و في الكافي، بإسناده إلى محمّد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال أميرالمؤمنينعليه‌السلام : عشاء النبيّين بعد العتمة فلا تدعوا العشاء فإنّ ترك العشاء خراب البدن.

١١٠- و في الكافي، بإسناده عن عنبسة بن نجاد عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: ما قدّم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طعام فيه تمر إلّا بدأ بالتمر.

١١١- و في الكافي، و صحيفة الرضا، بإسناده عن آبائهعليهم‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أكل التمر يطرح النوى على ظهر كفّه ثمّ يقذف به.

١١٢- و في الإقبال، نقلاً من الجزء الثاني من تاريخ النيشابوريّ، في ترجمة الحسن

____________________

(١) كذا

٣٤٣

بن بشر بإسناده قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحمد الله بين كلّ لقمتين.

١١٣- و في الكافي، بإسناده عن وهب بن عبد ربّه قال: رأيت أبا عبداللهعليه‌السلام يتخلّل فنظرت إليه فقال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتخلّل، و هو يطيّب الفم.

١١٤- و في المكارم، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه كان إذا شرب بدأ فسمّى - إلى أن قال - و يمصّ الماء مصّاً و لا يعبّه عبّاً، و يقول: إنّ الكباد من العبّ.

١١٥- و في الجعفريّات، عن جعفر بن محمّد عن آبائه عن عليّعليه‌السلام قال: تفقدّت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير مرّة، و هو إذا شرب تنفّس ثلاثاً مع كلّ واحدة منها تسمية إذا شرب و تحميد إذا انقطع فسألته عن ذلك فقال: يا عليّ شكراً لله تعالى بالحمد و تسمية من الداء.

١١٦- و في المكارم: كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يتنفّس في الإناء إذا شرب فإن أراد أن يتنفّس أبعد الإناء عن فيه حتّى يتنفّس.

١١٧- و في الإحياء: و كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أكل اللحم لم يطأطئ رأسه إليه و يرفعه إلى فيه رفعاً ثمّ ينهشه انتهاشاً ثمّ قال: و كان إذا أكل اللحم خاصّة غسل يديه غسلاً جيّداً ثمّ مسح بفضل الماء على وجهه.

١١٨- و في المكارم، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه كان يأكل الأصناف من الطعام.

أقول: ثمّ ذكر الطبرسي أصنافاً من الطعام كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأكلها كالخبز و اللحم على أقسامه و البطّيخ و الخربز و السكّر و العنب و الرمّان و التمر و اللبن و الهريسة و السمن و الخلّ و الهندباء و الباذروج و الكرنب. و روي: أنّه كان يحبّ التمر. و روي أنّه كان يعجبه العسل. و روي أنّه كان أحبّ الثمرات إليه الرمّان.

١١٩- و في أمالي الطوسيّ، بإسناده عن أبي اُسامة عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان طعام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشعير إذا وجده، و حلواه التمر، و وقوده السعف.

١٢٠- و في المكارم، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه كان لا يأكل الحارّ حتّى يبرد و يقول: إنّ الله لم يطعمنا ناراً إنّ الطعام الحارّ غير ذي بركة.

و كان إذا أكل سمّى، و يأكل بثلاث أصابع، و ممّا يليه و لا يتناول من بين يدي غيره، و يؤتى بالطعام فيشرع قبل القوم ثمّ يشرعون، و كان يأكل بأصابعه الثلاث:

٣٤٤

الإبهام و الّتي تليها و الوسطى و ربّما استعان بالرابعة، و كان يأكل بكفّه كلّها، و لم يأكل بإصبعين، و يقول: إنّ الأكل بإصبعين هو أكل الشيطان، و لقد جاء أصحابه يوماً بفالوذج فأكل معهم و قال: ممّ هذا؟ فقالوا: نجعل السمن و العسل فيأتي - كما ترى - فقال: إنّ هذا طعام طيّب.

و كان يأكل خبز الشعير غير منخول، و ما أكل خبز برّ قطّ، و لا شبع من خبز شعير قطّ، و لا أكل على خوان حتّى مات، و كان يأكل البطّيخ و العنب و يأكل الرطب و يطعم الشاة النوى، و كان لا يأكل الثوم و لا البصل و لا الكرّاث و لا العسل الّذي فيه المغافير، و المغافير ما يبقى من الشجر في بطون النحل فيلقيه في العسل فيبقى له ريح في الفم.

و ما ذمّ طعاماً قطّ. كان إذا أعجبه أكله، و إذا كرهه تركه و لا يحرّمه على غيره، و كان يلحس القصعة و يقول: آخر الصحفة أعظم الطعام بركة، و كان إذا فرغ لعق أصابعه الثلاث الّتي أكل بها واحدة واحدة، و كان يغسل يده من الطعام حتّى ينقّيها، و كان لا يأكل وحده.

أقول: قوله:( الإبهام و الّتي تليها و الوسطى) من جميل أدب الراوي حيث لم يقل: الإبهام و السبّابة إلخ صوناً لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن إطلاق السبّابة على إصبعه الشريفة لما في اللفظ من الإيهام.

و الّذي رواه من أكلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الفالوذج يخالف ما في المحاسن مسنداً عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: بينا أميرالمؤمنينعليه‌السلام في الرحبة في نفر من أصحابه إذ اُهدي إليه خوان فالوذج فقال لأصحابه: مدّوا أيديكم فمدّوا أيديهم و مدّ يده ثمّ قبضها و قال: إنّي ذكرت أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأكله فكرهت أكله.

١٢١- و في المكارم، قال: و كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشرب في أقداح القوارير الّتي يؤتى بها من الشام، و يشرب في الأقداح الّتي تتّخذ من الخشب و الجلود و الخزف.

أقول: و روي قريباً من صدره في الكافي، و المحاسن، و فيه: و يعجبه أن يشرب في القدح الشاميّ و كان يقول: هي أنظف آنيتكم.

١٢٢- و في المكارم، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه كان يشرب بكفّه يصبّ الماء فيها، و يقول:

٣٤٥

ليس إناء أطيب من اليد.

١٢٣- و في الكافي، بإسناده عن عبدالله بن سنان قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يذبح يوم الأضحى كبشين أحدهما عن نفسه و الآخر عمّن لم يجد من اُمّته.

١٢٤- و من آدابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخلوة ما في شرح النفليّة، للشهيد الثاني عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه لم ير علي بول و لا غائط.

١٢٥- و في الجعفريّات، بإسناده عن جعفر بن محمّد عن آبائه عن عليّعليه‌السلام قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أراد أن يتخنّع غطّى رأسه ثمّ دفنه، و إذا أراد يبزق فعل مثل ذلك، و كان إذا أراد الكنيف غطّى رأسه.

أقول: و اتّخاذ الكنيف في العرب ممّا حدث بعد الإسلام، و كانوا قبل ذلك يخرجون إلى البرّ على ما يستفاد من بعض الروايات.

١٢٦- و في الكافي، بإسناده عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الثانيعليه‌السلام قال: قلت له: إنّا روينا الحديث أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يستنجي و خاتمه في إصبعه، و كذلك كان يفعل أميرالمؤمنينعليه‌السلام ، و كان نقش خاتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : محمّد رسول الله؟ قال: صدقوا، قلت: فينبغي لنا أن نفعل، قال: إنّ اُولئك كانوا يتختّمون في اليد اليمنى و إنّكم أنتم تتختّمون في اليسرى‏، الحديث.

أقول: و روي قريب منه في الجعفريّات، و في المكارم، نقلاً عن كتاب اللباس، للعيّاشيّ عن الصادقعليه‌السلام .

١٢٧- و من آدابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند المصائب و البلايا و في الأموات و ما يتعلّق بها ما في المكارم: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا رأى من جسمه بثرة أعاذ بالله و استكان له و جار إليه فيقال له: يا رسول الله ما هو ببأس، فيقول: إنّ الله إذا أراد أن يعظّم صغيراً عظّم، و إذا أراد أن يصغّر عظيماً صغّر.

١٢٨- و في الكافي، بإسناده عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: السنّة أن يحمل السرير من جوانبه الأربع، و ما كان بعد ذلك من حمل فهو تطوّع.

١٢٩- و في قرب الإسناد، عن الحسين بن طريف عن الحسين بن علوان عن جعفر

٣٤٦

عن أبيه: أنّ الحسن بن عليّعليه‌السلام كان جالساً و معه أصحاب له فمرّ بجنازة فقام بعض القوم و لم يقم الحسنعليه‌السلام فلمّا مضوا بها قال بعضهم: أ لّا قمت عافاك الله فقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقوم للجنازة إذا مرّوا بها؟ فقال الحسنعليه‌السلام : إنّما قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّة واحدة، و ذلك أنّه مرّ بجنازة يهوديّ و قد كان المكان ضيّقاً فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و كره أن يعلوا رأسه.

١٣٠- و في دعوات القطب، قال: كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أتّبع جنازة غلبته كآبة، و أكثر حديث النفس، و أقلّ الكلام.

١٣١- و في الجعفريّات، بإسناده عن جعفر بن محمّد عن آبائه عن عليّعليه‌السلام : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحثو ثلاث حثيات من تراب على القبر.

١٣٢- و في الكافي، بإسناده عن زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصنع بمن مات من بني هاشم خاصّة شيئاً لا يصنعه بأحد من المسلمين: كان إذا صلّى بالهاشميّ و نضح قبره بالماء وضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفّه على القبر حتّى ترى أصابعه في الطين، فكان الغريب يقدم أو المسافر من أهل المدينة فيرى القبر الجديد عليه أثر كفّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقول: من مات من آل محمّد؟

١٣٣- و في مسكّن الفؤاد، للشهيد الثاني عن عليّعليه‌السلام : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا عزّى قال: آجركم الله و رحمكم، و إذا هنّأ قال: بارك الله لكم و بارك الله عليكم.

١٣٤- و من آدابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الوضوء و الغسل ما في آيات الأحكام، للقطب عن سليمان بن بريدة عن أبيه أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتوضّأ لكلّ صلاة فلمّا كان عام الفتح صلّى الصلوات بوضوء واحد فقال عمر: يا رسول الله صنعت شيئاً ما كنت صنعته، فقال: عمداً فعلته.

١٣٥- و في الكافي، بإسناده عن زرارة قال: قال أبوجعفرعليه‌السلام : أ لا أحكي لكم وضوء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقلنا: بلى فدعا بقعب فيه شي‏ء من ماء فوضعه بين يديه، ثمّ حسر عن ذراعيه، ثمّ غمس فيه كفه اليمنى ثمّ قال: هكذا إذا كانت الكفّ طاهرة ثمّ غرف ملأها ماءً فوضعها على جبينه، ثمّ قال: بسم الله و سدله على أطراف لحيته ثمّ أمرّ يده

٣٤٧

على وجهه و ظاهر جبينه مرّة واحدة، ثمّ غمس يده اليسرى فغرف بها ملأها ثمّ وضعه على مرفقه اليمنى فأمرّ كفّه على ساعده حتّى جرى الماء على أطراف أصابعه ثمّ غرف بيمينه ملأها فوضعه على مرفقه اليسرى فأمرّ كفّه على ساعده حتّى جرى الماء على أطراف أصابعه، و مسح مقدّم رأسه و ظاهر قدميه ببلّة يساره و بقيّة بلّة يمناه.

قال: و قال أبوجعفرعليه‌السلام : إنّ الله وتر يحبّ الوتر فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات: واحدة للوجه و اثنتان للذراعين، و تمسح ببلّة يمناك ناصيتك، و ما بقي من بلّة يمينك ظهر قدمك اليمنى، و تمسح ببلّة يسارك ظهر قدمك اليسرى.

قال زرارة: قال أبوجعفرعليه‌السلام سأل رجل أميرالمؤمنينعليه‌السلام عن وضوء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحكى له مثل ذلك.

أقول: و هذا المعنى مرويّ عن زرارة و بكير و غيرهما بطرق متعدّدة رواها الكلينيّ و الصدوق و الشيخ و العيّاشيّ و المفيد و الكراجكيّ و غيرهم، و أخبار أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام في ذلك مستفيضة تقرب من التواتر.

١٣٦- و في الأمالي، لمفيد الدين الطوسيّ بإسناده عن أبي هريرة: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا توضّأ بدأ بميامنه.

١٣٧- و في التهذيب، بإسناده عن أبي بصير قال: سألت أباعبداللهعليه‌السلام عن الوضوء فقال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتوضّأ بمدّ من ماء و يغتسل بصاع.

أقول: و روي مثله عن أبي جعفرعليه‌السلام بطريق آخر.

١٣٨- و في العيون، بإسناده عن الرضا عن آبائهعليه‌السلام في حديث طويل: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّا أهل بيت لا تحلّ لنا الصدقة، و اُمرنا بإسباغ الطهور، و لا ننزي حماراً على عتيقة.

١٣٩- و في التهذيب، بإسناده عن عبدالله بن سنان عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: المضمضة و الاستنشاق ممّا سنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٤٠- و فيه، بإسناده عن معاوية بن عمّار قال: سمعت أباعبداللهعليه‌السلام يقول: كان رسول الله يغتسل بصاع، و إذا كان معه بعض نسائه يغتسل بصاع و مدّ.

٣٤٨

أقول: و روى هذا المعنى الكلينيّ في الكافي، بإسناده عن محمّد بن مسلم عنه و فيه: يغتسلان جميعاً من إناء واحد، و كذلك الشيخ بطريق آخر.

١٤١- و في الجعفريّات، بإسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيهعليهما‌السلام قال: سأل الحسن ابن محمّد، جابر بن عبدالله عن غسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال جابر: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يغرف على رأسه ثلاث مرّات فقال الحسن بن محمّد: إنّ شعري كثير - كما ترى - فقال جابر: يا حرّ لا تقل ذلك فشعر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أكثر و أطيب.

١٤٢- و في الهداية، للصدوق: قال الصادقعليه‌السلام : غسل الجمعة سنّة واجبة على الرجال و النساء في السفر و الحضر - إلى أن قال - و قال الصادقعليه‌السلام : غسل يوم الجمعة طهور و كفّارة لما بينهما من الذنوب من الجمعة إلى الجمعة، قال: و العلّة في غسل الجمعة أنّ الأنصار كانت تعمل لنواضحها و أموالها فإذا كان يوم الجمعة حضروا المسجد فيتأذّى الناس بأرياح آباطهم فأمر الله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالغسل فجرت به السنّة.

أقول: و قد روي من سننهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغسل غسل يوم الفطر و الغسل في جميع الأعياد و أغسال اُخر كثيرة ربّما يأتي بعضها فيما سيأتي إن شاء الله تعالى.

١٤٣- و من آدابه و سننه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصلاة و ما يلحق بها ما في الكافي، بإسناده عن الفضيل بن يسار و عبد الملك و بكير قالوا: سمعنا أباعبداللهعليه‌السلام يقول: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي من التطوّع مثلي الفريضة، و يصوم من التطوّع مثلي الفريضة.

أقول: و رواه الشيخ أيضاً.

١٤٤- و فيه، بإسناده عن حنان قال: سأل عمرو بن حريث أباعبداللهعليه‌السلام و أنا جالس فقال: جعلت فداك أخبرني عن صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي ثمان ركعات الزوال، و أربعاً الاُولى، و ثماني بعدها، و أربعاً العصر، و ثلاثاً المغرب، و أربعاً بعد المغرب، و العشاء الآخرة أربعاً، و ثماني صلاة الليل، و ثلاثاً الوتر، و ركعتي الفجر، و صلاة الغداة ركعتين.

قلت: جعلت فداك إن كنت أقوى على أكثر من هذا يعذّبني الله على كثرة الصلاة؟ فقال: لا و لكن يعذّبك على ترك السنّة.

٣٤٩

أقول: و يظهر من الرواية أنّ الركعتين عن جلوس العشاء أعني العتمة ليستا من الخمسين بل يتمّ بهما - محسوبتين بواحدة عن قيام - العدد إحدى و خمسين بل إنّما شرّعت العتمة بدلاً من الوتر لو نزل الموت قبل القيام إلى الوتر فقد روى الكلينيّ رحمه الله في الكافي، بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يبيتنّ إلّا بوتر قلت: تعني الركعتين بعد العشاء الآخرة؟ قال: نعم إنّهما بركعة فمن صلّاهما ثمّ حدث به حدث مات على وتر فإن لم يحدث به حدث الموت يصلّي الوتر في آخر الليل.

فقلت: هل صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هاتين الركعتين؟ قال: لا. قلت: و لم؟ قال: لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأتيه الوحي، و كان يعلم أنّه هل يموت في تلك اللّيلة أم لا؟ و غيره لا يعلم فمن أجل ذلك لم يصلّهما و أمر بهما، الخبر.

و يمكن أن يكون المراد بقوله في الحديث:( لم يصلّهما) أنّه لم يداوم عليهما بل ربّما صلّى و ربّما ترك كما يستفاد من بعض آخر من الأحاديث، فلا يعارض ما ورد من أنّه كان يصلّيهما.

١٤٥- و في التهذيب، بإسناده عن زرارة قال: سمعت أباجعفرعليه‌السلام يقول: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يصلّي من النهار شيئاً حتّى تزول الشمس فإذا زالت قدر نصف إصبع صلّى ثماني ركعات فإذا فاء الفي‏ء ذراعاً صلّى الظهر، ثمّ صلّى بعد الظهر ركعتين، و يصلّي قبل وقت العصر ركعتين، فإذا فاء الفي‏ء ذراعين صلّى العصر، و صلّى المغرب حتّي (حين ظ) تغيب الشمس، فإذا غاب الشفق دخل وقت العشاء، و آخر وقت المغرب إياب الشفق فإذا آب الشفق دخل وقت العشاء و آخر وقت العشاء ثلث اللّيل.

و كان لا يصلّي بعد العشاء حتّى ينتصف الليل ثمّ يصلّي ثلاث عشرة ركعة منها الوتر و منها ركعتا الفجر قبل الغداة، فإذا طلع الفجر و أضاء صلّى الغداة.

أقول: و لم يستوعب تمام نافلة العصر في الرواية، و هي معلومة من روايات اُخر.

١٤٦- و فيه، بإسناده عن معاوية بن وهب قال: سمعت أباعبداللهعليه‌السلام يقول: و ذكر

٣٥٠

صلاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤتى بطهور فيخمّر عند رأسه و يوضع سواكه تحت فراشه، ثمّ ينام ما شاء الله فإذا استيقظ جلس ثمّ قلّب بصره في السماء، ثمّ تلا الآيات من آل عمران:( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ) الآيات، ثمّ يستنّ و يتطهّر، ثمّ يقوم إلى المسجد فيركع أربع ركعات على قدر قراءته ركوعه، و سجوده على قدر ركوعه، يركع حتّى يقال: متى يرفع رأسه؟ و يسجد حتّى يقال: متى يرفع رأسه.

ثمّ يعود إلى فراشه فينام ما شاء الله، ثمّ يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات و يقلّب بصره إلى السماء، ثمّ يستنّ و يتطهّر و يقوم إلى المسجد فيصلّي الأربع ركعات كما ركع قبل ذلك.

ثمّ يعود إلى فراشه فينام ما شاء الله ثمّ يستيقظ و يجلس و يتلو الآيات من آل عمران و يقلّب بصره في السماء، ثمّ يستنّ و يتطهّر و يقوم إلى المسجد فيوتر و يصلّي الركعتين ثمّ يخرج إلى الصلاة.

أقول: و روي هذا المعنى أيضاً في الكافي، بطريقين.

١٤٧- و روي: أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يوجز في نافلة الصبح يصلّيهما عند أوّل الفجر ثمّ يخرج إلى الصلاة.

١٤٨- و في المحاسن، بإسناده عن عمر بن يزيد عن أبي عبداللهعليه‌السلام : أنّه قال: من قال في وتره إذا أوتر: أستغفر الله ربّي و أتوب إليه سبعين مرّة، و واظب على ذلك حتّى قضى سنة كتبه الله عنده من المستغفرين بالأسحار.

و كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستغفر الله في الوتر سبعين مرّة، و يقول: هذا مقام العائذ بك من النار سبعاً، الخبر.

١٤٩- و في الفقيه: كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في قنوت الوتر: اللّهمّ اهدني فيمن هديت، و عافني فيمن عافيت، و تولّني فيمن تولّيت، و بارك لي فيما أعطيت، و قني شرّ ما قضيت، إنّك تقضي و لا يقضى عليك، سبحانك ربّ البيت، أستغفرك و أتوب إليك و اُومن بك و أتوكّل عليك، و لا حول و لا قوّة إلّا بك يا رحيم.

١٥٠- و في التهذيب، بإسناده عن أبي خديجة عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان

٣٥١

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا جاء شهر رمضان زاد في الصلاة و أنا أزيد فزيدوا.

أقول: يعنيعليه‌السلام بالزيادة الألف ركعة - التراويح - نوافل شهر رمضان الّتي كان يصلّيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير الخمسين نوافل اليوم و الليلة، و قد وردت في كيفيّتها و تقسّمها على ليالي شهر رمضان أخبار كثيرة، و ورد من طرق أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلّيها بغير جماعة، و ينهى عن إتيانها بالجماعة، و يقول:

لا جماعة في نافلة.

و للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلوات خاصّة اُخرى منقولة عنه في كتب الأدعية تركنا ذكرها لخروجها عن غرضنا في هذا المقام، و كذلك لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنن في الصلوات و الأدعية و الأوراد من أراد الوقوف عليها فليراجع مظانّ ذكرها.

١٥١- و في الكافي، بإسناده عن يزيد بن خليفة قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : إنّ عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت قال: إذن لا يكذب علينا - إلى أن قال - قلت: و قال: إنّ وقت المغرب إذا غاب القرص إلّا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا جدّ به السير اُخر المغرب و يجمع بينها و بين العشاء، فقال: صدق.

١٥٢- و في التهذيب، بإسناده عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيهعليه‌السلام : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في الليلة الممطرة يوجز في المغرب و يعجّل في العشاء يصلّيهما جميعاً، و يقول: من لا يرحم لا يرحم.

١٥٣- و فيه، بإسناده عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبيّ عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا كان في سفر أو عجلت به الحاجة يجمع بين الظهر و العصر و بين المغرب و العشاء الآخرة، الخبر.

أقول: و في هذا المعنى روايات كثيرة رواها الكلينيّ و الشيخ و ابنه و الشهيد الأوّل رحمهم الله.

١٥٤- و في الفقيه، بإسناده عن معاوية بن وهب عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنّه قال: كان المؤذّن يأتي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحرّ في صلاة الظهر فيقول له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أبرد أبرد.

٣٥٢

أقول: قال الصدوق: يعني عجّل عجّل اُخذ ذلك من البريد، و الظاهر أنّ المراد به التأخير ليزول شدّة الحرّ كما يدلّ عليه ما في كتاب العلاء، عن محمّد بن مسلم قال: مرّ بي أبوجعفرعليه‌السلام بمسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أنا اُصلّي فلقيني بعد فقال: إيّاك أن تصلّي الفريضة في تلك الساعة، أ تؤدّيها في شدّة الحرّ؟ قلت: إنّي كنت أتنفّل.

١٥٥- و في الإحياء، قال: و كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يجالس إليه أحد و هو يصلّي إلّا خفّف صلاته و أقبل عليه فقال، أ لك حاجة؟ فإذا فرغ من حاجاته عاد إلى صلاته.

١٥٦- و في كتاب زهد النبيّ، لجعفر بن أحمد القمّيّ قال: كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا قام إلى الصلاة تربّد وجهه خوفاً من الله، و كان لصدره أو لجوفه أزيز كأزيز الوجل.

أقول: و روى هذا المعنى ابن الفهد و غيره أيضاً.

١٥٧- و فيه، قال: و في رواية اُخرى: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا قام إلى الصلاة كأنّه ثوب ملقى.

١٥٨- و في البحار، قال: قالت عائشة: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحدّثنا و نحدّثه فإذا حضرت الصلاة فكأنّه لم يعرفنا و لم نعرفه.

١٥٩- و في المجالس، لمفيد الدين الطوسيّ بإسناده إلى عليّعليه‌السلام : في كتابه إلى محمّد بن أبي بكر حين ولّاه مصر - إلى أن قال - ثمّ انظر ركوعك و سجودك فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أتمّ الناس صلاة، و أخفّهم عملاً فيها.

١٦٠- و في الجعفريّات، بإسناده عن جعفر بن محمّد عن آبائه عن عليّعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا تثاءب في الصلاة ردّها بيده اليمنى.

أقول: و روي في الدعائم مثله.

١٦١- و في العلل، بإسناده عن هشام بن الحكم عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام في حديث قال: قلت له: لأيّ علّة يقال في الركوع: سبحان ربّي العظيم و بحمده؟ و يقال في السجود: سبحان ربّي الأعلى و بحمده؟ فقال: يا هشام إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما اُسري به، و صلّى و ذكر ما رأى من عظمة الله ارتعدت فرائصه و ابترك على ركبتيه، و أخذ يقول: سبحان ربّي العظيم و بحمده، فلمّا اعتدل من ركوعه فإنّما نظر إليه في موضع أعلى من

٣٥٣

ذلك خرّ على وجهه و هو يقول: سبحان ربّي الأعلى و بحمده فلمّا قالها سبع مرّات سكن ذلك الرعب فلذلك جرت به السنّة.

١٦٢- في تنبيه الخواطر، للشيخ ورّام بن أبي فرّاس عن النعمان قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسوّي صفوفنا كأنّما يسوّي بها القداح حتّى رأى أنّا قد أغفلنا عنه ثمّ خرج يوماً و قام حتّى كاد أن يكبّر فرأى رجلاً بادئاً صدره فقال: عباد الله لتسوّون صفوفكم أو ليخالفنّ بين وجوهكم.

١٦٣- و فيه، عن ابن مسعود قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة و يقول: استووا و لا تختلفوا فتختلف قلوبكم‏، الخبر.

١٦٤- و في الفقيه، بإسناده عن داود بن الحصين عن أبي العبّاس عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: اعتكف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شهر رمضان في العشر الأوّل ثمّ اعتكف في الثانية في العشر الوسطى، ثمّ لم يزل يعتكف في العشر الأواخر.

١٦٥- و فيه، قال: قال أبوعبداللهعليه‌السلام : كانت بدر في شهر رمضان و لم يعتكف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا أن كان من قابل اعتكف عشرين: عشراً لعامه، و عشراً قضاءً لما فاته.

أقول: و رواه و الّذي قبله الكلينيّ في الكافي.

١٦٦- و في الكافي، بإسناده عن الحلبيّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا دخل العشر الأواخر (يعني من شهر رمضان) اعتكف في المسجد، و ضربت له قبّة من شعر، و شمّر الميزر، و طوى فراشه و قال بعضهم: و اعتزل النساء؟ قال: أمّا اعتزال النساء فلا.

أقول: و هذا المعنى مرويّ في روايات كثيرة، و المراد من نفي الاعتزال - كما ذكروه و تدلّ عليه الروايات - تجويز مخالطتهنّ و معاشرتهنّ دون المجامعة.

١٦٧- و من آدابه و سننه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصيام ما في الفقيه، بإسناده عن محمّد بن مروان قال: سمعت أباعبداللهعليه‌السلام يقول: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصوم حتّى يقال: لا يفطر، و يفطر حتّى يقال: لا يصوم، ثمّ صام يوماً و أفطر يوماً، ثمّ صام الإثنين و الخميس، ثمّ آل من ذلك إلى صيام ثلاثة أيّام في الشهر: الخميس في أوّل الشهر، و أربعاء في وسط الشهر، و الخميس في آخر الشهر، و كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: ذلك صوم الدهر.

٣٥٤

و قد كان أبيعليه‌السلام يقول: ما من أحد أبغض إلى الله من رجل يقال له: كان رسول الله يفعل كذا و كذا فيقول: لا يعذّبني الله على أن أجتهد في الصلاة و الصوم كأنّه يرى أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك شيئاً من الفضل عجزاً منه.

١٦٨- و في الكافي، بإسناده عن محمّد بن مسلم عن أبي عبداللهعليه‌السلام : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوّل ما بعث يصوم حتّى يقال: ما يفطر و يفطر حتّى يقال: ما يصوم، ثمّ ترك ذلك و صام يوماً و أفطر يوماً و هو صوم داود، ثمّ ترك ذلك و صام الثلاثة الأيّام الغرّ، ثمّ ترك ذلك و فرقها في كلّ عشرة يوماً: خميسين بينهما أربعاء فقبضصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو يعمل ذلك.

أقول: و في هذا المعنى روايات كثيرة مستفيضة.

١٦٩- و فيه، بإسناده عن عنبسة العابد قال: قبض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على صيام شعبان و رمضان و ثلاثة أيّام من كلّ شهر.

١٧٠- و في نوادر، أحمد بن محمّد بن عيسى عن عليّ بن نعمان عن زرعة عن سماعة قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن صوم شعبان أ صامه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: نعم و لم يصمه كلّه، قلت: كم أفطر منه؟ قال: أفطر، فأعدتها و أعادها ثلاث مرّات لا يزيدني على أن أفطر، ثمّ سألته في العام القابل عن ذلك فأجابني بمثل ذلك‏ الخبر.

١٧١- و في المكارم، عن أنس قال: كانت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شربة يفطر عليها و شربة للسحر، و ربّما كانت واحدة و ربّما كانت لبناً، و ربّما كانت الشربة خبزاً يماث‏، الخبر.

١٧٢- و في الكافي، بإسناده عن ابن القدّاح عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوّل ما يفطر عليه في زمن الرطب الرطب و في زمن التمر التمر.

١٧٣- و فيه، بإسناده عن السكونيّ عن جعفر عن أبيهعليهما‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا صام و لم يجد الحلواء أفطر على الماء و في بعض الروايات: أنّه ربّما أفطر على الزبيب.

١٧٤- و في المقنعة، روي عن آل محمّدعليه‌السلام أنّهم قالوا: يستحبّ السحور و لو بشربة من الماء، و روي أنّ أفضله التمر و السويق لمكان استعمال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك.

أقول: و هذا في سننه الجارية، و كان من مختصّاته صوم الوصال و هو الصوم أكثر

٣٥٥

من يوم من غير فصل بالإفطار، و قد نهىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الاُمّة عن ذلك، و قال: إنّكم لا تطيقون ذلك و إنّ لي عند ربّي ما يطعمني و يسقين.

١٧٥- و في المكارم، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه كان يأكل الهريسة أكثر ما يأكل و يتسحّر بها.

١٧٦- و في الفقيه، قال: و كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا دخل شهر رمضان اُطلق كلّ أسير و أعطى كلّ سائل.

١٧٧- و في الدعائم، عن عليّعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطوي فراشه و يشدّ ميزره في العشر الأواخر من شهر رمضان، و كان يوقظ أهله ليلة ثلاث و عشرين، و كان يرشّ وجوه النيام بالماء في تلك الليلة، و كانت فاطمةعليها‌السلام لا تدع أحداً من أهلها ينام تلك الليلة و تداويهم بقلّة الطعام و تتأهّب لها من النهار، و تقول: محروم من حرم خيرها.

١٧٨- و في المقنع: و السنّة أن يفطر الرجل في الأضحى بعد الصلاة و في الفطر قبل الصلاة.

١٧٩- و من آدابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قراءة القرآن و الدعاء ما في مجالس الشيخ، بإسناده عن أبي الدنيا عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يحجزه عن قراءة القرآن إلّا الجنابة.

١٨٠- و في مجمع البيان، عن اُمّ سلمة: كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقطع قراءته آية آية.

١٨١- و في تفسير أبي الفتوح: كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يرقد حتّى يقرأ المسبّحات، و يقول: في هذه السور آية هي أفضل من ألف آية. قالوا: و ما المسبّحات؟ قال: سورة الحديد و الحشر و الصفّ و الجمعة و التغابن.

أقول: و روي هذا المعنى في مجمع البيان، عن العرباض بن سارية.

١٨٢- و في درر اللئالي، لابن أبي جمهور عن جابر قال: كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ينام حتّى يقرأ تبارك و الم التنزيل.

١٨٣- و في مجمع البيان: و روى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبّ هذه السورة: سبّح اسم ربّك الأعلى، و أوّل من قال:( سبحان ربّي الأعلى) ميكائيل.

٣٥٦

أقول: و روي أوّل الحديث في البحار عن الدرّ المنثور، و هنا أخبار اُخر في ما كان يقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند تلاوة القرآن أو عند تلاوة سور أو آيات مخصوصة، من أرادها فعليه بمظانّها.

و لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب و بيانات يرغّب فيها و يحثّ على التمسّك بالقرآن و التدبّر فيه، و الاهتداء بهدايته، و الاستنارة بنوره، و كان هوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى الناس بما يندب إليه من الكمال و أسبق الناس و أسرعهم إلى كلّ خير، و هو القائل - في الرواية المشهورة -: شيّبتني(١) سورة هود، و قد روي(٢) عن ابن مسعود قال: أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أتلو عليه شيئاً من القرآن فقرأت عليه من سورة يونس حتّى إذا بلغت قوله تعالى:( وَ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ ) الآية رأيته و إذا الدمع تدور في عينيه الكريمتين.

فهذه شذرات(٣) من آدابه و سننهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و قد استفاضت الروايات و تكرّر النقل في كثير منها في كتب الفريقين، و الكلام الإلهيّ يؤيّدها و لا يدفع شيئاً منها، و الله الهادي.

( كلام في الرقّ و الاستعباد)

قوله تعالى:( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ ) المائدة: ١١٨ كلام منبئ عن معنى الرقّ و العبوديّة، و الآيات المتضمّنة لهذا المعنى و إن كانت كثيرة في القرآن الكريم غير أنّ هذه الآية مشتملة على التعليل العقليّ الكاشف عن أنّه لو كان هناك عبد كان من المسلّم عند العقل أنّ لمولاه أن يتصرّف فيه بالعذاب لأنّه مولاه المالك له.

و العقل لا يحقّ الحكم بجواز التعذيب، و تسويغ التصرّف الّذي يشقّه إلّا بعد حكمه بإباحة سائر التصرّفات غير الشاقّة فللمولى أن يتصرّف في عبده كيف شاء و بما شاء، و إنّما استثنى العقل التصرّفات الّتي يستهجنها بما أنّها تصرّفات شنيعة مستهجنة لا بما أنّ العبد عبد.

____________________

(١) يشير صلّى الله عليه و آله إلى قوله تعالى فيها: فاستقم كما أمرت.

(٢) الرواية منقولة بالمعنى.

(٣) استخرجناها من رسالة عملناها سابقاً في سنن النبيّ صلّى الله عليه و آله.

٣٥٧

و لازم ذلك أيضاً أنّ على العبد أن يطيع مولاه فيما كلّفه به و أن يتّبعه فيما أراد و ليس له أن يستقلّ بشي‏ء من العمل إن لم يرض به مولاه كما يشير إلى ذلك بعض الإشارة قوله تعالى:( بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) الأنبياء: ٢٧ و قوله تعالى:( ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى‏ شَيْ‏ءٍ وَ مَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَ جَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ ) النحل: ٧٥.

و استقصاء البحث في جهات ما يراه القرآن الشريف في مسألة العبوديّة و الرقّ يتوقّف على فصول:

١- اعتبار العبوديّة لله سبحانه: في القرآن الكريم آيات كثيرة جدّاً يعدّ الناس عباداً لله سبحانه، و تبني على ذلك أصل الدعوة الدينيّة: الناس عبيد و الله مولاهم الحقّ. بل ربّما تعدّى ذلك و أخذ كلّ من في السماوات و الأرض موسوماً بسمة العبوديّة كالحقيقة المسمّاة بالملك على كثرتها و الحقيقة الاُخرى الّتي يسمّيها القرآن الشريف بالجنّ قال تعالى:( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً ) مريم: ٩٣.

و لا ريب أنّ اعتبار العبوديّة لله سبحانه أمر مأخوذ بالتحليل و هو تحليل معنى العبوديّة إلى أجزائها الأصليّة ثمّ الحكم بثبوت حقيقته بعد طرح خصوصيّاته الزائدة الطارئة على أصل المعنى في اُولي العقل من الخليقة فهناك أفراد من الناس يسمّى الواحد منهم عبداً، و لا يسمّى به إلّا لأنّ نفسه مملوكة لغيره ملكاً يسوّغ لذلك الغير الّذي هو مالكه و مولاه أن يتصرّف فيه كيف يشاء و بما أراد، و يسلب عن العبد استقلال الإرادة مطلقاً.

و التأمّل في هذا المعنى يوجب الحكم بأنّ الإنسان - و إن شئت وسّعت و قلت: كلّ ذي شعور و إرادة - عبد لله سبحانه بحقيقة معنى العبوديّة فإنّ الله سبحانه مالك كلّ ما يسمّى شيئاً بحقيقة معنى الملك فلا يملك شي‏ء من نفسه و لا من غيره شيئاً من ضرّ و لا نفع و لا موت و لا حياة و لا نشور، و لا يستقلّ أمر في الوجود بذات و لا وصف و لا فعل اللّهمّ إلّا ما ملّكه الله ذلك تمليكاً لا يبطل بذلك ملكه تعالى، و لا ينتقل به الملك عنه إلى غيره بل هو المالك لما ملّكهم، و القادر على ما عليه أقدرهم، و هو على كلّ شي‏ء قدير، و بكلّ شي‏ء محيط.

٣٥٨

و هذه السلطة الحقيقيّة و الملك الواقعيّ هي المنشأ لوجوب انقيادهم لما يريده منهم بإرادته التشريعيّة، و ما يصنع لهم من شرائع الدين و قوانين الشريعة ممّا يصلح به أمرهم و تحاز به سعادتهم في الدارين.

و الحاصل أنّه تعالى هو المالك لهم ملكاً تكوينيّاً يكونون به عبيده الداخرين لقضائه سواء عرفوه أم جهلوه أطاعوه في تكاليفه أم عصوه و هو المالك لهم ملكاً تشريعيّاً يوجب له عليهم السمع و الطاعة، و يحكم عليهم بالتقوى و العبادة.

و يتميّز هذا الملك و المولويّة بحسب الحكم عن الملك و المولويّة الدائر بين الناس - و كذا العبوديّة المقابلة له - بأنّ الله سبحانه لما كان مالكاً تكويناً على الإطلاق لا مالك سواه لم يجز في مرحلة العبوديّة التشريعيّة اتّخاذ مولى سواه و لا عبادة أحد غيره قال تعالى:( وَ قَضى‏ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) الإسراء: ٢٣ بخلاف الموالي من الناس فإنّ الملك هناك لمن غلب بسبب من أسباب الغلبة.

و أيضاً لما لم يكن في عبيده تعالى المملوكين شي‏ء غير مملوك له تعالى و لم ينقسموا في وجودهم إلى مملوك و غير مملوك بل كانوا من حيث ذواتهم و أوصافهم و أحوالهم و أعمالهم مملوكين له تكويناً تبع ذلك التشريع فحكم فيهم بدوام العبوديّة و استيعابها لجميع ما يرجع إليهم بوجه من الوجوه فلا يسعهم أن يعبدوا الله من جهة بعض ما يرجع إليهم دون بعض مثل أن يعبدوه باللسان دون اليد كما لا يسعهم أن يجعلوا بعض عبادتهم لله تعالى و بعضها لغيره و هذا بخلاف المولويّة الدائرة بين الناس فلا يسع للمولى عقلاً أن يفعل ما يشاء، تأمّل فيه.

و هذا هو الّذي يدلّ على إطلاق أمثال قوله تعالى:( ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا شَفِيعٍ ) السجدة: ٤ و قوله تعالى:( وَ هُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى‏ وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُ الْحُكْمُ ) القصص: ٧٠، و قوله:( يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَ لَهُ الْحَمْدُ وَ هُوَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ ) التغابن: ١.

و كيفما كان فالعبوديّة المعتبرة بالنسبة إليه تعالى معنى تحليليّ مأخوذ من العبوديّة الّتي تعتبره العقلاء من الإنسان في مجتمعهم فلها أصل في المجتمع الإنسانيّ فلننظر

٣٥٩

ما هو أصله؟.

٢- استعباد الإنسان و أسبابه: كان الاستعباد و الاسترقاق دائراً في المجتمع الإنسانيّ شائعة معروفة إلى ما يقرب من سبعين سنة قبل هذا التاريخ، و لعلّها توجد معمولة في بعض القبائل المتطرّفة النائية في أفريقيا و آسيا حتّى اليوم، و كان اتّخاذ العبيد و الإماء من السنن الدائرة بين الأقوام القديمة لا يكاد يضبط بدء تاريخيّ له و كان ذا نظام مخصوص و أحكام و قوانين عامّة بين الاُمم، و اُخرى مخصوصة باُمّة اُمّة.

و الأصل في معناه كون النفس الإنسانيّة عند وجود شرائط خاصّة سلعة مملوكة كسائر السلع المملوكة من حيوان و نبات و جماد، و إذا كانت النفس مملوكة كانت مسلوبة الاختيار مملوكة الأعمال و الآثار يتصرّف فيها كيف اُريد.

هذه سنّتهم الدائرة بينهم في الاسترقاق غير أنّه لم يكن متّكئاً على إرادة جزافيّة أو مطلقاً غير مبنيّ على أيّ شرط فلم يكن يسع لأحدهم أن يتملّك كلّ من أحبّ، و لا أن يملّك كلّ من شاء و أراد ببيع أو هبة أو غير ذلك فلم يكن أصل المعنى متّكئاً على الجزاف، و إن كان ربّما يوجد في تضاعيف القوانين المتّبعة فيه بحسب اختلاف آراء الأقوام و سننهم اُمور جزافيّة كثيرة.

كانت الاستعباد مبنيّاً على نوع من الغلبة و السيطرة كغلبة الحرب الّتي تنتج للغالب الفاتح أن يفعل بخصمه المغلوب ما يشاء من قتل أو سبي أو غيره، و غلبة الرئاسة الّتي تصيّر الرئيس الجبّار فعّالاً لما يشاء في حوزة رئاسته، و اختصاص التوليد و الإنتاج الّذي يضع ولاية أمر المولود الضعيف في كفّ والده القويّ يصنع به ما بدا له حتّى البيع و الهبة و التبديل و الإعارة و نحو ذلك.

و قد تكرّر في أبحاثنا السابقة: أنّ أصل الملك في المجتمع الإنسانيّ مبنيّ على القدرة المغروزة في الإنسان على الانتفاع من كلّ شي‏ء يمكنه أن ينتفع به بوجه - و الإنسان مستخدم بالطبع - فالإنسان يستخدم في سبيل إبقاء حياته كلّ ما قدر عليه و استخدامه و الانتفاع بمنافع وجوده آخذاً من المادّة الأصليّة فالعناصر فالمركّبات الجماديّة المتنوّعة فالحيوان حتّى الإنسان الّذي هو مثله في الإنسانيّة.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401