العقائد الإسلامية الجزء ٣

العقائد الإسلامية0%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 491

العقائد الإسلامية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 491
المشاهدات: 215611
تحميل: 7251


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 491 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 215611 / تحميل: 7251
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء 3

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

سمعتك الليلة لعنت خادمك حين دعوته! فقالت سمعت أبا الدرداء يقول قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: لا يكون اللعَّانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة. انتهى. ورواه أبو داود في ج ٢ ص ٤٥٨ والحاكم ج ١ ص ٤٨ والديلمي في فردوس الأخبار ج ٥ ص ٣١١ ح ٨٠٠٩ وفي كنز العمال ج ٣ ص ٦١٥ والسيوطي في الدر المنثور ج ١ ص١٤٦ وقال: وأخرج مسلم وأبو داود والحكيم الترمذي عن أبي الدرداء..

- وقال البخاري في تاريخه ج ٦ ص ٢٢

عن عبد الرحمن بن الحارث أن أم الدرداء رضي الله عنها قالت لعبد الملك بن مروان: سمعت أبا الدرداء رضي الله عنه يقول سمعت النبي صلّى الله عليه وسلم يقول: لا يكون الحليم لعَّاناً، ولا يؤذن في الشفاعة للعَّان.

- وفي كنز العمال ج ٣ ص ٣٥٣

عن الديلمي عن عائشة: رحم الله امرأ كف لسانه عن أعراض المسلمين، لا تحل شفاعتي لطعان ولا لعان. انتهى.

ولا بد أن يكون المراد باللعان في هذه الأحاديث بذيء اللسان الفحاش الذي يسب المسلمين ويلعنهم، وإلا فإن لعن الذين لعنهم الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله عملٌ جائز أو واجب شرعاً وفيه ثوابٌ، لأنه براءة ممن تبرأ منهم الله ورسوله ودعاءٌ عليهم باستمرار طردهم من رحمة الله تعالى.

١٧ - ورووا أن أكثر النساء في النار

- صحيح البخاري ج ٧ ص ٢٠٠

عن عمران بن الحصين عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء...

عن أسامة عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين وأصحاب الجد محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أمر بهم

١٤١

إلى النار. وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء!. انتهى.

ورواه أحمد في مسنده ج ٢ ص ٢٩٧

- وفي مجمع الزوائد ج ٤ ص ٢٧٣

قال كنا مع عمرو بن العاص في حج أو عمرة فلما كنا بمر الظهران إذ امرأة في هودجها واضعةً يدها على هودجها، فلما نزل دخل الشعب ودخلنا معه، قال كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم في هذا المكان فإذا نحن بغربان كثير وإذا بغراب أعصم المنقار والرجل فقال: لا يدخل الجنة من النساء إلا كقدر الغراب في هذه الغربان، قال أبو عمر: الأعصم الأحمر. رواه الطبراني واللفظ له، وأحمد ورجال أحمد ثقات. انتهى.

١٨ - ورووا في من أطال إزاره أو ثوبه

- سنن النسائي ج ٨ ص ٢٠٧

عن أبي هريرة قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ما تحت الكعبين من الإزار ففي النار. وفي رواية: ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار. انتهى.

فهذه الأحاديث تدل على أن بعض المسلمين لا يدخلون الجنة.. ولو كانت الشفاعة تشمل كل المسلمين لم يكن لهذه الاستثناءات معنى، بل للزم من إحدى المجموعتين كذب المجموعة الأخرى!

ولا يضر بالإستدلال بمجموع أحاديث الإستثناء من الجنة، أو الحكم باستحقاقها أن بعضها ضعيف أو مكذوب كما ذكرنا، لأن المكذوب أيضاً يدل على أن المرتكز في أذهان المسلمين اختصاص الشفاعة بأصناف من المسلمين، لا بجميعهم.

١٤٢

شرط الشفاعة في المظالم الشخصية

روت مصادر الفريقين أحاديث تدل على إمكانية أن تشمل الشفاعة أهل المظالم الشخصية، بشرط أن يعفو صاحب المظلمة عن ظالمه.

- ففي تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام ص ٢٠٤

وقال علي بن أبي طالبعليه‌السلام : يا معشر شيعتنا اتقوا الله واحذروا أن تكونوا لتلك النار حطباً، وإن لم تكونوا بالله كافرين، فتوقوها بتوقي ظلم إخوانكم المؤمنين، فإنه ليس من مؤمن ظلم أخاه المؤمن المشارك له في موالاتنا، إلا ثقَّل الله في تلك النار سلاسله وأغلاله ولم يفكه منها إلا شفاعتنا، ولن نشفع إلى الله تعالى إلا بعد أن نشفع له إلى أخيه المؤمن، فإن عفا عنه شفعنا له، وإلا طال في النار مكثه.انتهى.

ورواه في مستدرك الوسائل ج ١٢ ص ١٠١

- وفي الإعتقادات للصدوق ص ٢٩

قيل لأمير المؤمنينعليه‌السلام : صف لنا الموت فقال: على الخبير سقطتم، هو أحد أمور ثلاثة يرد عليه: إما بشارةٌ بنعيم الأبد، وإما بشارةٌ بعذاب الأبد، وإما تخويفٌ وتهويلٌ وأمرٌ مبهمٌ لا يدري من أي الفرق هو؟ فأما ولينا والمطيع لأمرنا فهو المبشر بنعيم الأبد، وأما عدونا والمخالف لأمرنا فهو المبشر بعذاب الأبد، وأما المبهم أمره الذي لا يدري ما حاله فهو المؤمن المسرف على نفسه لا يدري ما يؤول إليه حاله يأتيه الخبر مبهماً مخوفاً، ثم لن يسويه الله تعالى بأعدائنا، ولكن يخرجه من النار بشفاعتنا فاعملوا وأطيعوا ولا تتكلوا ولا تستصغروا عقوبة الله، فإن من المسرفين من لا تلحقه شفاعتنا إلا بعد عذاب الله بثلاث مائة ألف سنة.

- وفي مسند أحمد ج ٣ ص ١٣

عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: يخلص المؤمنون يوم القيامة من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم

١٤٣

من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة. فوالذي نفسي بيده لأحدهم أهدى لمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا. ورواه في ج ٣ ص ٦٣ وص ٧٤

نتيجة

النتيجة الواضحة من هذا الفصل أن قانون الشفاعة متفقٌ عليه بين السنة والشيعة، على أصوله وخطوطه العامة أيضاً، وهي أنه يشمل من مات على الشهادتين، ولم يكن ظالماً، ولم يكن عاصياً للنبي في أهل بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ومنه نعرف أن كل ما خالف هذه الأصول فهو نشاز عن ثقافة الإسلام، جاء إلى

أصحابه من خلل الرأي، أو من التلقي والتأثر بثقافة اليهود، والنصارى، والمجوس

وغيرهم!

١٤٤

الفصـل السابع

توسيعات الشفاعة عند الخليفة عمر وأتباعه

في مصادر السنيين اتجاه يقول بتوسيع الشفاعة أكثر من القدر المتفق عليه بين الجميع، وهو اتجاه خطير، لأنه يلغي قانون العقوبة الإلهية جزئيا أو كلياً! وهو أربعة آراء أو مذاهب نذكرها حسب توسيعها لدائرة الشفاعة:

الرأي الأول : أن الشفاعة تشمل كل من شهد الشهادتين حتى الطلقاء والمنافقين!

الرأي الثاني : أن الشفاعة تشمل كل من شهد بتوحيد الله تعالى، حتى لو كفر برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله !

الرأي الثالث : أن الشفاعة تشمل كل الخلق!

الرأي الرابع : أن العقاب في الآخرة ينتهي كلياً، وأن جهنم تفنى أوتبقى، ولكن ينقل أهلها كلهم إلى الجنة!

١٤٥

ونذكر هنا ملاحظات كلية على هذه المذاهب أو الأقوال:

الملاحظة الأولى : أن هذه التوسيعات في الشفاعة أو في دخول الجنة زادت على توسيع اليهود لها، لأن اليهود حصروا الشفاعة والجنة بقوميتهم اليهودية، وهذه التوسعات عممتها إلى العقائد المختلفة والقوميات المختلفة، وإن كانت احتفظت بميزة لكل قبائل قريش.

كما زادت على عقيدة الفداء النصرانية، لأن بولس اشترط لشمول فداء المسيح وشفاعته الدخول في النصرانية.. بينما أكثر هذه التوسيعات لا تشترط الدخول في الإسلام!

الثانية : أن لكعب الأحبار وتلاميذه دوراً أساسياً في توسيع الشفاعة، بل كان كعب مرجعاً في الشفاعة بحيث أن الخليفة عمر يستفتيه فيها ويؤيد آراءه، ويعمل على نشرها، كما سترى.

الثالثة : أن هذه التوسيعات لا تشمل أحداً ممن اعترض على الخلفاء أو خالفهم في الرأي، أو امتنع عن بيعتهم، كما لا تشمل بني هاشم وبني عبد المطلب أسرة النبي وآباءهصلى‌الله‌عليه‌وآله وخاصة أبا طالب والد عليعليه‌السلام ! وسترى هذه الغرائب وغيرها في نصوص الشفاعة في مصادر إخواننا السنيين!

الرابعة : أن هذه الأفكار صارت أصلاً ومنبعاً لمذاهب فاسدة، جرَّت على الأمة مصائب ثقافية وسياسية، مثل مذهب المرجئة والقدرية وغيرهما.

١٤٦

الرأي الأول: أن الشفاعة تشمل كل من شهد الشهادتين

حتى الطلقاء والمنافقين!

- روى البخاري في صحيحه ج ١ ص ٤١

قال حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل قال: يا معاذ بن جبل، قال لبيك يا رسول الله وسعديك. قال يا معاذ، قال لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثاً! قال ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه، إلا حرمه الله على النار. قال: يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: إذاً يتكلوا، وأخبر بها معاذ عند موته تأثماً! انتهى.

- وروى البخاري في تاريخه ج ٨ ص ٤١

عن عوف بن مالك قال: كنا مع النبي صلّى الله عليه وسلم في بعض مغازيه فقال: إن ربي خيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة والشفاعة، فاخترت الشفاعة. ورواه الديلمي في فردوس الأخبار ج ٢ ص ٣٠٤ ح ٢٧٧٤

- وروى البخاري في تاريخه ج ١ ص ١٨٤

عن عوف ابن مالك سمع النبي صلّى الله عليه وسلم يقول: الشفاعة لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً.

- وروى مسلم في ج ١ ص ١٢٢

أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الورود، فقال: فتدعي الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول: من تنظرون؟ فيقولون ننظر ربنا! فيقول أنا ربكم، فيقولون حتى ننظر إليك، فيتجلى لهم يضحك! قال فينطلق بهم ويتبعونه! ويعطى كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نوراً ثم يتبعونه، وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك، تأخذ من شاء الله، ثم يطفأ نور

١٤٧

المنافقين ثم ينجو المؤمنون، فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفاً لا يحاسبون، ثم الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء، ثم كذلك.

ثم تحل الشفاعة ويشفعون حتى يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفناء الجنة، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشيَ في السيل ويذهب حراقه. ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها!!

- وروى أبو داود في ج ١ ص ٦٣٢

عن عامر بن سعد عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم من مكة نريد المدينة، فلما كنا قريباً من عزوراء نزل ثم رفع يديه فدعا الله ساعة ثم خر ساجداً فمكث طويلاً، ثم قام فرفع يديه فدعا الله ساعة ثم خر ساجداً فمكث طويلاً، ثم قام فرفع يديه ساعة ثم خر ساجداً ذكره أحمد ثلاثاً، قال: إني سألت ربي وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي، فخررت ساجداً لربي شكراً ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني ثلث أمتي، فخررت ساجداً لربي شكراً ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني الثلث الآخر، فخررت ساجداً لربي. ورواه البيهقي في سننه ج ٢ ص ٣٧٠

- وروى أحمد في مسنده ج ٥ ص ١٤٩

عن أبي ذر قال صلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليلةً، فقرأ بآية حتى أصبح يركع بها ويسجد بها: إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم، فلما أصبح قلت: يا رسول الله ما زلت تقرأ هذه الآيه حتى أصبحت تركع بها وتسجد بها؟ قال: إني سألت ربي عز وجل الشفاعة لأمتي فأعطانيها وهي نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله عز وجل شيئاً. ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه ج ٧ ص ٤٣٢ ح ١٠٤ عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام . وفي الدر المنثور ج ٣ ص ٢٠٤ عن أحمد.

١٤٨

- وروى أحمد في ج ٥ ص ٣٢٦

عن عبادة بن الصامت قال: فقد النبي صلّى الله عليه وسلم ليلة أصحابه، وكانوا إذا نزلوا أنزلوه أوسطهم، ففزعوا وظنوا أن الله تبارك وتعالى اختار له أصحاباً غيرهم! فإذا هم بخيال النبي صلّى الله عليه وسلم فكبروا حين رأوه وقالوا: يا رسول أشفقنا أن يكون الله تبارك وتعالى اختار لك أصحاباً غيرنا! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: لا بل أنتم أصحابي في الدنيا والآخرة، إن الله تعالى أيقظني فقال يا محمد إني لم أبعث نبياً ولا رسولاً إلا وقد سألني مسألة أعطيتها إياه فاسأل يا محمد تعط، فقلت: مسألتي الشفاعة لأمتي يوم القيامة، فقال أبو بكر: يا رسول الله وما الشفاعة؟ قال أقول: يا رب شفاعتي التي اختبأت عندك، فيقول الرب تبارك وتعالى: نعم، فيخرج ربي تبارك وتعالى بقية أمتي من النار، فينبذهم في الجنة.

- وقال في مجمع الزوائد ج ١٠ ص ٣٦٩

عن عوف بن مالك الأشجعي قال: سافرنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم سفراً حتى إذا كان الليل أرقت عيناي فلم يأتني النوم، فقمت فإذا ليس في العسكر دابة إلا واضعة خدها إلى الأرض، وأرى وقع كل شيَ في نفسي، فقلت لآتين رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلأكلأ به الليلة حتى أصبح، فخرجت أتخلل الرحال حتى دفعت إلى رحل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فإذا هو ليس في رحله، فخرجت أتخلل الرحال حتى خرجت من العسكر فإذا أنا بسواد، فتيممت ذلك السواد فإذا هو أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل فقالا لي: ما الذي أخرجك؟ فقلت: الذي أخرجكما، فإذا نحن بغيطة منا غير بعيد فمشينا إلى الغيطة فإذا نحن نسمع فيها كدوي النحل وتخفيق الرياح، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: هاهنا أبو عبيدة بن الجراح؟ قلنا نعم، قال ومعاذ بن جبل؟ قلنا نعم، قال وعوف بن مالك؟ قلنا نعم، فخرج إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا نسأله عن شيءَ ولا يسألنا عن شيء حتى رجع إلى رحله فقال: ألا أخبركم بما خيرني ربي آنفاً؟ قلنا بلى يا رسول الله،

١٤٩

قال: خيرني بين أن يدخل ثلثي أمتي الجنة بغير حساب ولا عذاب، وبين الشفاعة. قلنا: يا رسول الله ما الذي اخترت؟ قال: اخترت الشفاعة. قلنا جميعاً: يا رسول الله إجعلنا من أهل شفاعتك قال: إن شفاعتي لكل مسلم.

وفي رواية عن عوف أيضاً قال: نزلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم منزلاً فاستيقظت من الليل فإذا أنا لا أرى في العسكر شيئاً أطول من مؤخرة رحل! قد لصق كل إنسان وبعيره بالأرض، فقمت أتخلل حتى جفلت إلى مضجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فإذا هو ليس فيه! فوضعت يدي على الفراش فإذا هو بارد، فقمت أتخلل الناس وأقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، فذكر نحوه إلا أنه قال: خيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة. وفي رواية جعل مكان أبي عبيدة أبا موسى. قلت: روى الترمذي وابن ماجة طرفاً منه، رواه الطبراني بأسانيد ورجال بعضها ثقات.

وعن أبي كعب صاحب الحرير قال سألت النضر بن أنس فقلت: حدثني بحديث ينفعني الله عز وجل به، فقال نعم أحدثك بحديث كتب إلينا به من المدينة فقال أنس: إحفظوا هذا فإنه من كنز الحديث، قال: غزا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فسار ذلك اليوم إلى الليل، فلما كان الليل نزل وعسكر الناس حوله ونام هو وأبو طلحة زوج أم سليم وفلان وفلان أربعة، فتوسد النبي صلّى الله عليه وسلم يد راحلته ثم نام ونام الأربعة إلى جنبه، فلما ذهب عتمة من الليل رفعوا رؤوسهم فلم يجدوا النبي صلّى الله عليه وسلم عند راحلته، فذهبوا يلتمسون رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلقوه مقبلاً فقالوا: جعلنا الله فداك أين كنت فإنا قد فزعنا لك إذ لم نرك؟ قال النبي صلّى الله عليه وسلم: كنت نائماً حيث رأيتم فسمعت في نومي دوياً كدوي الرحا أو هزيز الرحى ففزعت في منامي فوثبت فمضيت! فاستقبلني جبريلعليه‌السلام فقال: يا محمد إن الله بعثني إليك الساعة لأخيرك إما أن يدخل نصف أمتك الجنة وإما الشفاعة يوم القيامة، فاخترت الشفاعة لأمتي. فقال النفر الأربعة: يا رسول الله إجعلنا ممن تشفع لهم، فقال: وجبت لكم. ثم أقبل النبي صلّى الله عليه وسلم والنفر

١٥٠

الأربعة حتى استقبله عشرة فقالوا: أين نبينا نبي الرحمة؟ قال نحدثهم بالذي حدث القوم فقالوا: جعلنا الله فداءك إجعلنا ممن تشفع لهم يوم القيامة، فقال: وجبت لكم. فجاؤا جميعاً إلى عظم الناس فنادوا في الناس: هذا نبينا نبي الرحمة، فحدثهم بالذي حدث القوم، فنادوا بأجمعهم جعلنا الله فداءك جعلنا الله ممن تشفع لهم، فنادى ثلاثاً: إني أشهد الله وأشهد من سمع أن شفاعتي لمن يموت لا يشرك بالله عز وجل شيئاً. رواه الطبراني في الأوسط وفيه علي بن قرة بن حبيب ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات. انتهى. ورواه في المعجم الكبير أيضاً ج ١٨ ص ١٠٧

- وفي مجمع الزوائد ج ١٠ ص ٣٧٧

وعن أبي أمامة عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: نعم الرجل أنا لشرار أمتي، فقال له رجل من جلساه: كيف أنت يا رسول الله لخيارهم؟ قال: أما شرار أمتي فيدخلهم الله الجنة بشفاعتي، وأما خيارهم فيدخلهم الله الجنة بأعمالهم. ورواه الديلمي في فردوس الأخبار ج ٥ ص ٩ ح ٧٠٠٤

- وقال في الدر المنثور ج ٢ ص ١١٦

وأخرج البيهقي عن ابن عابد قال خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم في جنازة رجل فلما وضع قال عمر بن الخطاب: لا تصل عليه يا رسول الله فإنه رجل فاجر، فالتفت رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى الناس وقال: هل آراه أحد منكم على الإسلام؟ فقال رجل: نعم يا رسول الله حرس ليلة في سبيل الله، فصلى عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وحثى عليه التراب وقال: أصحابك يظنون أنك من أهل النار، وأنا أشهد أنك من أهل الجنة! وقال: يا عمر إنك لا تسأل عن أعمال الناس ولكن تسأل عن الفطرة!!

- وفي اسد الغابة ج ١ ص ١٣٢

عن أنيس الأنصاري أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: إني لأشفع يوم القيامة لأكثر مما على ظهر الأرض من حجر ومدر.

١٥١

- وفي تفسير الرازي ج ١٠ جزء ١٩ ص ١٩٢

فثبت أن (إن المتقين في جنات وعيون) يتناول جميع القائلين بلا إله إلا الله محمد رسول الله قولاً واعتقاداً، سواء كانوا من أهل الطاعة أو من أهل المعصية! انتهى.

وهذا غريب من الرازي الذي هو حريص على العقلانية، ولكن كثرة أحاديث أصحابه غلبته وجعلته من المرجئة الذين ينتقدهم! فقد حكم بأن المسلم يدخل الجنة بالعقيدة فقط بدون عمل، بل حتى لو كانت حياته سلسلة من المعاصي والطغيان والإجرام!

ولم يزد عليه في ذلك إلا الديلمي حيث روى أن شفاعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إنما جعلت من أجل جبابرة هذه الأمة وفراعنتها! قال في فردوس الأخبار ج ٢ ص ٤٩٨ ح ٣٣٩٧: أنس بن مالك: شفاعتي للجبابرة من أمتي!!

* *

وقد نقل السيوطي مجموعة كبيرة من الروايات مفادها أن الله تعالى يحاسب المسلمين على أعمالهم ويدخل قسماً منهم إلى الجنة وقسماً آخر إلى النار، ولكن الكفار يعيرون المسلمين في جهنم بأنهم لم ينفعهم إسلامهم، فيأنف الله تعالى ويغضب وتأخذه الغيرة للمسلمين لتوحيدهم، فينقلهم جميعاً حتى جبابرتهم ومجرميهم وشياطينهم إلى الجنة، فعندئذ يتمنى الكفار لو كانوا مسلمين، واستدل هو وغيره بذلك على أن جميع المسلمين يدخلون الجنة!

وقد ورد شبيه هذا المعنى في أحاديثنا من طريق أهل البيتعليهم‌السلام ولكنه بالنسبة إلى بعض أصناف الموحدين وليس لكل المسلمين كما تذكر هذه الروايات!

- قال السيوطي في الدر المنثور ج ٤ ص ٩٢ - ٩٤ في تفسير قوله تعالى: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين:

وأخرج ابن المبارك في الزهد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في

١٥٢

البعث عن ابن عباس وأنس رضي الله عنه أنهما تذاكرا هذه الآية: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين، فقالا: هذا حيث يجمع الله بين أهل الخطايا من المسلمين والمشركين في النار فيقول المشركون ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون، فيغضب الله لهم فيخرجهم بفضل رحمته.

وأخرج سعيد بن منصور وهناد والبيهقي عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين، قال: إذا خرج من النار من قال لا إله إلا الله.

وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه بسند صحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: إن ناساً من أمتي يعذبون بذنوبهم فيكونون في النار ما شاء الله أن يكونوا، ثم يعيرهم أهل الشرك فيقولون: ما نرى ما كنتم فيه من تصديقكم نفعكم، فلا يبقى موحد إلا أخرجه الله تعالى من النار. ثم قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين.

وأخرج ابن أبي عاصم في السنة وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: إذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة، قال الكفار للمسلمين: ألم تكونوا مسلمين؟ قالوا بلى، قالوا: فما أغنى عنكم الإسلام وقد صرتم معنا في النار! قالوا: كانت لنا ذنوب فأخذنا بها، فسمع الله ماقالوا فأمر بكل من كان في النار من أهل القبلة فأخرجوا، فلما رأى ذلك من بقي من الكفار قالوا: يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج كما خرجوا، ثم قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: أ.ل.ر. تلك آيات الكتاب وقرآن مبين. ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين.

وأخرج إسحق ابن راهويه وابن حبان والطبراني وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري أنه سئل هل عندك من رسول الله صلّى الله عليه وسلم في هذه الآية شيء: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين؟ قال نعم سمعته يقول: يخرج الله أناساً من

١٥٣

المؤمنين من النار بعد ما يأخذ نقمته منهم، لما أدخلهم الله النار مع المشركين قال لهم المشركون: ألستم كنتم تزعمون أنكم أولياء الله في الدنيا فما بالكم معنا في النار! فإذا سمع الله ذلك منهم أذن في الشفاعة لهم فيشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون حتى يخرجوا بإذن الله، فإذا رأى المشركون ذلك قالوا: يا ليتنا كنا مثلهم فتدركنا الشفاعة فنخرج معهم، فذلك قول الله: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين، قال فيسمون في الجنة الجهنميين من أجل سواد في وجوههم، فيقولون: يا ربنا أذهب عنا هذا الإسم، فيأمرهم فيغتسلون في نهر الجنة فيذهب ذلك الإسم عنهم.

وأخرج هناد بن السري والطبراني في الأوسط وأبو نعيم عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: إن ناساً من أهل لا إله إلا الله يدخلون النار بذنوبهم فيقول لهم أهل اللات والعزى: ما أغنى عنكم قول لا إله إلا الله وأنتم معنا في النار! فيغضب الله لهم فيخرجهم فيلقيهم في نهر الحياة فيبرؤون من حرقهم كما يبرأ القمر من خسوفه، فيدخلون الجنة ويسمون فيها الجهنميين.

وأخرج الحاكم في الكنى عن حماد رضي الله عنه قال سألت إبراهيم عن هذه الآية: ربما يود الذين كفروا كانوا مسلمين، قال: حدثت أن أهل الشرك قالوا لمن دخل النار من أهل الإسلام: ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون، فيغضب الله لهم فيقول للملائكة والنبيين: إشفعوا لهم فيشفعون لهم فيخرجون، حتى أن إبليس ليتطاول رجاء أن يدخل معهم، فعند ذلك يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين.

وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين، قال: هذا في الجهنميين، إذا رأوهم يخرجون من النار. انتهى.

وفي نفس الوقت روى السيوطي روايات تدل على أن تمني الكفار هذا ليس بعد دخول النار بل في يوم القيامة قبل دخول الجنة والنار.. قال: وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله: ربما يود الذين كفروا قال: ذلك يوم القيامة يتمنى الذين كفروا لو كانوا مسلمين قال: موحدين.

١٥٤

وأخرج سعيد بن منصور وهناد بن السرى في الزهد ابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في البعث والنشور عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ما زال الله يشفع ويدخل الجنة ويشفع ويرحم، حتى يقول من كان مسلماً فليدخل الجنة فذلك قوله: ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين. انتهى.

* *

والأشكالات على هذا الرأي كثيرة يكفي منها ما تقدم من أدلة الرأي الأول. ويكفي منها أن القول بإسقاط اشتراط العمل هو مذهب المرجئة الذين أسقطوا قوانين العقوبة الإلهية، كما فعل اليهود من قبلهم!

وينبغي التذكير هنا بأن القرآن الكريم والأحاديث الثابتة المتفق عليها هي الميزان في قبول الأحاديث الآخرى أو ردها.. وبهذا الميزان نجد أنفسنا ملزمين برد الأحاديث التي تكتفي بشرط إعلان الشهادتين فقط لدخول الجنة، وتسقط كل الشروط العملية! لأنها تناقض عشرات الآيات والأحاديث القطعية المتفق عليها عند الجميع!

على أنه يمكن لمن ثبتت عنده هذه الأحاديث أن يؤولها بأنها تقصد التأكيد على أهمية الشهادتين، ولا تقصد إسقاط بقية الشروط التي نصت عليها الآيات والأحاديث الأخرى، لأنها شرط ضمني فيها، فتكون النتيجة إخضاع هذه الأحاديث لمفاد أحاديث القول الأول، وهو المطلوب.

١٥٥

الرأي الثاني: أن الشفاعة تشمل كل من شهد بتوحيد الله تعالى

حتى لو كفر بنبوّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله !

والمستفيد الأول من هذه التوسعة هم المنافقون من قريش والأنصار، الذين كانت تظهر منهم ظواهر النفاق وعدم الإيمان بالنبي في حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد جعل الله تعالى لهم علامات يعرفهم المسلمون بها، ومن أوضحها بغض علي بن أبي طالبعليه‌السلام باعتباره يمثل تحدي الإسلام للكفر والنفاق، وباعتباره أول عترة النبي ووصيهصلى‌الله‌عليه‌وآله .. فكان حب علي وبغضه في حياة رسول الله وبنصهصلى‌الله‌عليه‌وآله ميزاناً للإيمان والنفاق! وقد روى الجميع أحاديثه وصححوها، منها ما رواه أحمد في مسنده ج ١ ص ٩٥ وص ١٢٨ وص ٢٩٢ عن زر بن حبيش عن علي رضي الله عنه قال عهد إليَّ النبي صلّى الله عليه وسلم أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق. ورواه الترمذي في سننه ج ٥ ص ٣٠٦

- وقال الترمذي في سننه ج ٥ ص ٢٩٨

عن أبي سعيد الخدري قال: إن كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب. هذا حديث غريب. وقد تكلم شعبة في أبي هارون العبدي، وقد روى هذا عن الأعمش عن أبي صالح، عن أبي سعيد.

- وروى الحاكم في المستدرك ج ٣ ص ١٢٨

عن ابن عباس رضي الله عنه قال نظر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي فقال: يا علي أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة، حبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله، وعدوك عدوي وعدوي عدو الله، والويل لمن أبغضك بعدي!! صحيح على شرط الشيخين، وأبو الأزهر بإجماعهم ثقة، وإذا تفرد الثقة بحديث فهو على أصلهم صحيح.

- وروى الحاكم في ج ٣ ص ١٣٥ سمعت عمار بن ياسر رضي الله عنه يقول سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعلي: يا علي طوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

١٥٦

وروى الحاكم في ج ٣ ص ١٤٢ أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر علياً بأن الأمة ستغدر به من بعده، قال: عن حيان الأسدي سمعت علياً يقول قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الأمة ستغدر بك بعدي، وأنت تعيش على ملتي وتقتل على سنتي، من أحبك أحبني ومن أبغضك أبغضني، وإن هذه ستخضب من هذا، يعني لحيته من رأسه. صحيح. انتهى.

أما بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فصار بغض عليعليه‌السلام جهاراً نهاراً، ولم يعد علامةً على النفاق بل صار علامةً على (الإيمان) والتقوى والإخلاص للإسلام وتأييد السلطة الجديدة التي يعارضها علي وشيعته! وجهر المنافقون بنفاقهم مطمئنين! فقد روى البخاري ج ٨ ص ١٠٠ عن حذيفة بن اليمان قوله (إن المنافقين اليوم شرٌّ منهم على عهد النبي صلّى الله عليه وسلم! كانوا يومئذ يسرون، واليوم يجهرون)!

هذه الحقيقة الثابتة تنفعنا في فهم أحاديث هذا الرأي التي تريد شمول المنافقين بالشفاعة والجنة! وهي كثيرة نورد عدداً منها ثم نذكر الملاحظات عليها:

- روى مسلم في صحيحه ج ١ ص ٤٤

عن أبي هريرة قال: كنا قعوداً حول رسول الله صلّى الله عليه وسلم معنا أبو بكر وعمر في نفر، فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم من بين أظهرنا، فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا، فقمنا فكنت أول من فزع، فخرجت أبتغي رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى أتيت حائطاً للأنصار لبني النجار، فدرت به هل أجد له باباً فلم أجد، فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة - والربيع الجدول - فاحتفرت فدخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال: أبو هريرة؟ فقلت نعم يا رسول الله، قال: ما شأنك؟ قلت كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا فخشينا أن تقتطع دوننا ففزعنا فكنت أول من فزع، فأتيت هذا الحائط فاحتفرت كما يحتفر الثعلب، وهؤلاء الناس ورائي!

١٥٧

فقال: يا أبا هريرة وأعطاني نعليه قال: إذهب بنعليَّ هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة! فكان أول من لقيت عمر فقال: ماهاتان النعلان يا أبا هريرة؟ فقلت هاتان نعلا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعثني بهما من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه بشرته بالجنة، فضرب عمر بيده بين ثدييَّ فخررت لإستي! فقال: إرجع يا أبا هريرة، فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأجهشت بكاءً، وركبني عمر فإذا هو على أثري، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: مالك يا أبا هريرة؟! قلت: لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به فضرب بين ثديي ضربةً خررت لأستي قال إرجع!

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: يا عمر ما حملك على ما فعلت؟ قال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه بشره بالجنة؟ قال: نعم. قال فلا تفعل! فإني أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون! قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: فخلهم!!

- وروى البخاري في ج ١ ص ٤١

عن أنس: قال ذكر لي أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال لمعاذ: من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة. قال ألا أبشر الناس؟ قال: لا، أخاف أن يتكلوا.

- وروى البخاري في ج ١ ص ١٠٩

قال أخبرني محمود بن الربيع الأنصاري أن عتبان بن مالك وهو من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ممن شهد بدراً من الأنصار، أنه أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله قد أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي، فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم، ووددت يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى.

قال فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: سأفعل إن شاء الله، قال عتبان: فغدا

١٥٨

رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهار، فاستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأذنت له فلم يجلس حين دخل البيت، ثم قال: أين تحب أن أصلي من بيتك؟ قال: فأشرت له إلى ناحية من البيت فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم فكبر فقمنا فصففنا فصلى ركعتين ثم سلم، قال وحبسناه على خزيرة صنعناها له قال فثاب في البيت رجال من أهل الدار ذووا عدد، فاجتمعوا فقال قائل منهم: أين مالك بن الدخيشن أو ابن الدخشن؟ فقال بعضهم: ذلك منافق لا يحب الله ورسوله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: لا تقل ذلك، ألا تراه قد قال لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: فإنا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين! قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله!! ورواه في كنز العمال ج ١ ص ٣٠٢

- وروى البخاري ج ٢ ص ٥٥ وج ٦ ص ٢٠٢

فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله.

- وروى شبيهه في ج ١ ص ٣٣، ورواها أحمد في مسنده ج ٤ ص ٤٤.

- وروى البخاري في ج ٧ ص ١٧٢

عن أحد بني سالم قال غدا علي رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: لن يوافي عبد يوم القيامة يقول لا إله إلا الله يبتغي به وجه الله إلا حرم الله عليه النار.

- وروى البخاري في ج ٢ ص ٦٩

عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أتاني آت من ربي فأخبرني أو قال بشرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة! قلت: وإن زنى وإن سرق؟! قال وإن زنى وإن سرق... عن عبدالله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار. وقلت أنا: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة!!

١٥٩

- وروى البخاري في ج ٧ ص ٤٣

أن أبا ذر حدثه قال: أتيت النبي صلّى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ فقال: ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة! قلت: وإن زنى وإن سرق؟! قال وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق؟! قال وإن زنى وإن سرق! قلت وإن زنى وإن سرق؟! قال وإن زنى وإن سرق، على رغم أنف أبي ذر!! وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال: وإن رغم أنف أبي ذر!! قال أبو عبد الله: هذا عند الموت أو قبله. انتهى.

وأبو عبدالله هو البخاري نفسه، وهو يريد بقوله هذا تخفيف إطلاق الحديث ووضع شرط للتوحيد المذكور فيه، بأنه المسلم المجرم يدخل الجنة بشرط أن يقول (لا إله إلا الله) قبل موته أو عند موته. ولكن الحديث مطلق وليس فيه هذا الشرط!

- وروى النسائي في ج ٨ ص ١١٢

عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ما مجادلة أحدكم في لاحق يبكون له في الدنيا بأشد من مجادلة المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار، قال يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا فأدخلتهم النار! قال فيقول: إذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم، قال فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم، فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه، ومنهم من أخذته إلى كعبيه، فيخرجونهم فيقولون: ربنا قد أخرجنا من أمرتنا، قال: ويقول أخرجوا من كان في قلبه وزن نصف دينار، حتى يقول من كان في قلبه وزن ذرة! قال أبو سعيد: فمن لم يصدق فليقرأ هذه الآية: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء إلى عظيماً.

- وروى أحمد مسنده ج ٤ ص ٤٣

ذكروا المنافقين وما يلقون من أذاهم وشرهم حتى صيروا أمرهم إلى رجل منهم

١٦٠