العقائد الإسلامية الجزء ٣

العقائد الإسلامية0%

العقائد الإسلامية مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 491

العقائد الإسلامية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 491
المشاهدات: 215353
تحميل: 7246


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 491 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 215353 / تحميل: 7246
الحجم الحجم الحجم
العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية الجزء 3

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

النار أساساً عمرها قصير ثم تنتهي وتهلك!!

وقد تقدم عنهم ذلك في تفسير قوله تعالى (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة) في فصل الشفاعة عند اليهود!!

ونظراً لغرابة هذا الرأي حاول البعض التشكيك في نسبته إلى الخليفة عمر، ولكنه ثابت عنه عند المحدثين والمؤرخين والمتكلمين كما تقدم ويأتي! وأكثر أتباع الخليفة لا يعرفون رأيه هذا، فبعضهم ينكره.. وبعضهم (يستحي) به.. ولكن بعضهم تجرأ وكتب رداً عليه!

- قال في مقدمة فتح القدير ج ١ ص ٩:

للشوكاني مؤلفات، منها كتاب نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار... وكشف الأستار في إبطال القول بفناء النار. انتهى.

وأكثر المتحمسين لتأييد رأي عمر ابن قيم الجوزية في رسالته حادي الأرواح تبعاً لأستاذه ابن تيمية. ومن المتأخرين الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار ج ٨ ص ٦٨

حيث أورد في كتابه رسالة ابن قيم كاملة، وهي تبلغ نحو خمسين صفحة، ولم يأت صاحب المنار بجديد سوى المدح والغلو في ابن قيم.. لأنه مفكر إسلامي نابغة استطاع أن يحل المشكلة ويثبت رأي الخليفة بخمس وعشرين دليلاً!

وتدور رسالة ابن قيم على محور واحد هو أن النار تفنى كما يخرب السجن، فلا يبقى محل لأهلها إلا أن ينقلوا الى الجنة، وهو كلامٌ لم يقله عمر!!

قال ابن قيم وهو يعدد الأقوال في الخلود في جهنم:

السابع: قول من يقول بل يفنيها ربها وخالقها تبارك وتعالى، فإنه جعل لها أمداً تنتهي إليه، ثم تفنى ويزول عذابها.

قال شيخ الإسلام (ابن تيمية): وقد نقل هذا القول عن عمر وابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد وغيرهم، وقد روى عبد بن حميد وهو من أجل أئمة الحديث في

٢٠١

تفسيره المشهور: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن الحسن، قال قال عمر: لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج، لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه.

وقال: حدثنا حجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن أن عمر بن الخطاب قال: لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج، لكان لهم يوم يخرجون فيه. ذكر ذلك في تفسير ثابت عند قوله تعالى (لابثين فيها أحقاباً) فقد رواه عبد وهو من الأئمة الحفاظ، وعلماء السنة عن هذين الجليلين سليمان بن حرب وحجاج بن منهال، وكلاهما عن حماد بن سلمة وحسبك به، وحماد يرويه عن ثابت وحميد وكلاهما يرويه عن الحسن وحسبك بهذا الإسناد جلالة، والحسن وإن لم يسمع من عمر فإنما رواه عن بعض التابعين، ولو لم يصح عنده ذلك عن عمر لما جزم به وقال قال عمر بن الخطاب، ولو قدر أنه لم يحفظ عن عمر فتداولُ هؤلاء الأئمة له غير مقابلين له بالإنكار والرد، مع أنهم ينكرون على من خالف السنة بدون هذا، فلو كان هذا القول عند هؤلاء الأئمة من البدع المخالفة لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع الأئمة، لكانوا أول منكر له.

قال: ولا ريب أن من قال هذا القول عن عمر ونقله عنه إنما أراد بذلك جنس أهل النار الذين هم أهلها، فأما قوم أصيبوابذنوبهم فقد علم هؤلاء وغيرهم أنهم يخرجون منها، وأنهم لا يلبثون قدر رمل عالج ولا قريباً منه، ولفظ أهل النار لا يختص (يقصد لا يطلق) بالموحدين بل يختص بمن عداهم، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلم (أما أهل النار الذين هم أهلها فهم لا يموتون فيها ولا يحيون) ولا يناقض هذا قوله تعالى (خالدين فيها) وقوله (وما هم منها بمخرجين) بل ما أخبر الله به هو الحق والصدق الذي لا يقع خلافه. لكن إذا انقضى أجلها وفنيت كما تفنى الدنيا، لم تبق ناراً ولم يبق فيها عذاب). انتهى.

وقد استدل ابن قيم على رأي الخليفة عمر بخمس وعشرين وجهاً! لا نطيل

٢٠٢

الكلام بسردها وردها، لأنها ماعدا واحد منها وجوه خطابية استحسانية، وليست علمية، ويكفي في جوابها جميعاً أنها لا تنهض بمعارضة الآيات والأحاديث المتقدمة الدالة على خلود بعض الفجار في النار، ولا على معارضة الإجماع الذي تقدم من الفريقين!

أما الوجه الذي يحسن التعرض له فهو قول ابن القيم:

فصل. والذين قطعوا بدوام النار لهم ست طرق:

أحدها: اعتقاد الإجماع، فكثير من الناس يعتقدون أن هذا مجمع عليه بين الصحابة والتابعين، لا يختلفون فيه، وأن الإختلاف فيه حادث، وهو من أقوال أهل البدع.

الطريق الثاني : أن القرآن دل على ذلك دلالة قطعية، فإنه سبحانه أخبر أنه عذاب مقيم، وأنه لا يفتر عنهم، وأنه لن يزيدهم إلا عذاباً، وأنهم خالدون فيها أبداً، وما هم بخارجين من النار، وما هم منها بمخرجين، وأن الله حرم الجنة على الكافرين، وأنهم لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط، وأنهم لا يقضى عليهم فيموتوا، ولا يخفف عنهم من عذابها، وأن عذابها كان غراماً أي مقيماً لازماً.. قالوا وهذا يفيد القطع بدوامه واستمراره.

الطريق الثالث : أن السنة المستفيضة أخبرت بخروج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان دون الكفار، وأحاديث الشفاعة من أولها إلى آخرها صريحة في خروج عصاة الموحدين من النار، وأن هذا حكم مختص بهم فلو خرج الكفار منها لكانوا بمنزلتهم ولم يختص الخروج بأهل الإيمان.

الطريق الرابع : أن الرسول وقفنا على ذلك وعلمناه من دينه بالضرورة من غير حاجة بنا إلى نقل معين، كما علمنا من دينه دوام الجنة وعدم فنائها.

الطريق الخامس : أن عقائد السلف وأهل السنة مصرحة بأن الجنة والنار مخلوقتان وأنهما لا تفنيان بل هما دائمتان، وإنما يذكرون فناءهما عن أهل البدع.

٢٠٣

الطريق السادس : أن العقل يقضي بخلود الكفار في النار. وهذا مبني على قاعدة وهي أن المعاد وثواب النفوس المطيعة وعقوبة النفوس الفاجرة هل هو مما يعلم بالعقل أو لا يعلم إلا بالسمع فيه طريقتان لنظار المسلمين، وكثير منهم يذهب إلى أن ذلك يعلم بالعقل مع السمع كما دل عليه القرآن في غير موضع كإنكاره سبحانه على من زعم أنه يسوي بين الأبرار والفجار في المحيا والممات، وعلى من زعم أنه خلق خلقه عبثا وأنهم إليه لا يرجعون وأنه يتركهم سدى أي لا يثيبهم ولا يعاقبهم، وذلك يقدح في حكمته وكماله وأنه نسبة إلى ما لا يليق به. وربما قرروه بأن النفوس البشرية باقية واعتقاداتها وصفاتها لازمة لها لا تفارقها وإن ندمت عليها لما رأت العذاب فلم تندم عليها لقبحها أو كراهة ربها لها، بل لو فارقها العذاب رجعت كما كانت أولاً قال تعالى (ولو ترى إذ وفقوا على النار فقالوا ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين، بل بدا لهم ماكانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وأنهم لكاذبون) فهؤلاء قد ذاقوا العذاب وباشروه ولم يزل سببه ومقتضيه من نفوسهم بل خبثها قائم بها لم يفارقها بحيث لو ردوا لعادوا كفاراً كما كانوا، وهذا يدل على أن دوام تعذيبهم يقضي به العقل كما جاء به السمع.انتهى.

ثم قال ابن قيم:

قال أصحاب الفناء على هذه الطرق يبين الصواب في هذه المسألة:

فأما الطريق الاول فالإجماع الذي ادعيتموه غير معلوم وإنما يظن الإجماع في هذه المسألة من لم يعرف النزاع وقد عرف النزاع بها قديماً وحديثاً، بل لو كلف مدعي الإجماع أن ينقل عن عشرة من الصحابة فما دونهم إلى الواحد أنه قال إن النار لا تفنى أبداً لم يجد إلى ذلك سبيلاً، ونحن قد نقلنا عنهم التصريح بخلاف ذلك، فما وجدنا عن واحد منهم خلاف ذلك، بل التابعون حكوا عنهم هذا وهذا قالوا، والإجماع المعتد به نوعان متفق عليهما ونوع ثالث مختلف فيه، ولم يوجد واحد

٢٠٤

منها في هذه المسألة:

النوع الأول ما يكون معلوماً من ضرورة الدين كوجوب أركان الإسلام وتحريم المحرمات الظاهرة.

الثاني ما ينقل عن أهل الإجتهاد التصريح بحكمه.

الثالث أن يقول بعضهم القول وينشر في الأمة ولا ينكره أحد. فأين معكم واحد من هذه الأنواع، ولو أن قائلاً ادعى الإجماع من هذه الطريق واحتج بأن الصحابة صح عنهم ولم ينكر أحد منهم عليه، لكان أسعد بالإجماع منكم!

قالوا: وأما الطريق الثاني وهو دلالة القرآن على بقاء النار وعدم فنائها، فأين في القرآن دليل واحد يدل على ذلك، نعم الذي دل عليه القرآن أن الكفار خالدون في النار أبداً، وأنهم غير خارجين منها، وأنه لا يفتر عنهم من عذابها، وأنهم لا يموتون فيها، وأن عذابهم فيها مقيم، وأنه غرام أي لازم لهم. وهذا كله مما لا نزاع فيه بين الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين، وليس هذا مورد النزاع، وإنما النزاع في أمر آخر (!!) وهو أنه هل النار أبدية أو مما كتب عليه الفناء؟ وأما كون الكفار لا يخرجون منها، ولا يفتر عنهم من عذابها، ولا يقضى عليهم فيموتوا، ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط، فلم يختلف في ذلك الصحابة ولا التابعون ولا أهل السنة. وإنما خالف في ذلك من قد حكينا أقوالهم من اليهود (!!) والإتحادية وبعض أهل البدع، وهذه النصوص وأمثالها تقتضي خلودهم في دار العذاب مادامت باقية ولا يخرجون منها مع بقائها البتة كما يخرج أهل التوحيد منها مع بقائها، فالفرق كالفرق بين من يخرج من الحبس وهو حبس على حاله، وبين من يبطل حبسه بخراب الحبس وانتقاضه.

قالوا: وأما الطريق الثالث وهو مجيء السنة المستفيضة بخروج أهل الكبائر من النار دون أهل الشرك، فهي حق لا شك فيه، وهي إنما تدل على ما قلناه من خروج

٢٠٥

الموحدين منها وهي دار عذاب لم تفن، ويبقى المشركون فيها ما دامت باقية. والنصوص دلت على هذا وعلى هذا.

قالوا: وأما الطريق الرابع وهو أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقفنا على ذلك ضرورة، فلا ريب أنه من المعلوم من دينه بالضرورة أن الكفار باقون فيها ما دامت باقية، هذا معلوم من دينه بالضرورة، وأما كونها أبدية لا انتهاء لها ولا تفنى كالجنة فأين في القرآن والسنة دليل واحد يدل على ذلك!! انتهى.

وقد ذكر في ٧٩: قول أهل السنة (إن الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبداً فلا ريب أن القول بفنائهما قول أهل البدع من الجهمية) وأجاب عليه بقوله (فقولكم إنه من أقوال أهل البدع كلام من لا خبرة له بمقالات بني آدم وآرائهم واختلافهم...) انتهى.

ونلاحظ أن ابن قيم اعترف بأن الذين نفوا خلود النار هم اليهود والإتحادية من الوثنيين والماديين، ثم قام بتغيير موضوع النزاع في المسألة، لكي يوفق بين إجماع المسلمين على الخلود في النار وبين قول عمر بفنائها، وعمدة ماقاله: إنه لا مانع أن نقول خالدين فيها إذا لم تخرب، كما نقول مؤبدٌ في السجن مادام السجن موجوداً ولم يخرب. يريد بذلك أن أهل النار إنما ينقلون الى الجنة بسبب خرابها!

ولو سلمنا هذا المنطق في المسألة، فأين دليله على خراب السجن أو جهنم؟!

يكفي لرد ذلك أنه لو كان له أصلٌ في الإسلام لكثرت فيه الآيات والأحاديث!

ولو كان له أصلٌ لاحتج به الخليفة، وذكر ولو كلمةً عن فناء النار، وما اقتصر على رمل عالج!!

إن فذلكات ابن قيم وأمثاله لا يمكنها أن تقاوم ما تقدم من الآيات والأحاديث والإجماع، ولا أن تقلب معاني ألفاظ اللغة فتلغي معنى الدوام والتأبيد والخلود وتجعلها كلها لزمنٍ محدودٍ ينتهي.

وقد اغتر بهذه الفذلكة بعضهم وقال: ليس في اللغة العربية كلمة للوقت الممتد

٢٠٦

بلا انقطاع! وخير جواب لهؤلاء أن نسألهم: إذا أردتم التعبير بالعربية عن هذا المعنى فبماذا تعبرون؟ فلابد أنهم سيستعملون ألفاظاً من مادة الدوام والتأبيد والخلود.. وهي المواد التي استعملها القرآن والحديث!!

الجهمية أخذت من الخليفة عمر

- قال الأشعري في مقالات الإسلاميين ج ١ ص ١٤٨

واختلفت المرجئة في تخليد الله الكفار... فقالت الفرقة الأولى منهم وهم أصحاب جهم بن صفوان: الجنة والنار تفنيان وتبيدان ويفنى أهلهما... وأنه لا يجوز أن يخلد الله أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار!!

وفي ج ١ ص ٢٧٩

والذي تفرد به جهم القول بأن الجنة والنار تبيدان وتفنيان!

- تأويلات أهل السنة ج ١ ص ٧٥ - ٧٦

الرد على الجهمية فى قولهم بفناء الجنة وما فيها، وقوله وهم فيها خالدون أي مقيمون أبداً، فالآية ترد على الجهمية قولهم لأنهم يقولون بفناء الجنة... لكن ذلك وهمٌ عندنا، لأن الله تعالى هو الأول بذاته.. والباقي بذاته، والجنة وما فيها باقية بغيرها. إن الله تعالى جعل الجنة داراً مطهرة عن المعايب كلها.. ولو كان آخرها للفناء لكان فيها أعظم المعايب إذ المرء لا يهنأ بعيش إذا نقص عليه بزواله. فلو كان آخره للزوال كانت نعمته منغصه على أهلها...

- تأويلات أهل السنة ج ١ ص ١٢١

الرد على الجهمية في قولهم بفناء الجنة والنار وانقطاع ما فيهما: والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، تنقض على الجهمية قولهم... فلو كانت الجنة تفنى وينقطع ما فيها لكان فيها خوف وحزنٌ لأن من خاف في الدنيا زوال النعمة عنه وفوتها يحزن عليه.. فأخبر عز وجل أن لا خوف عليهم فيها، خوف

٢٠٧

التبعة ولا حزن فوات النعمة، ولا هم يحزنون، دل على أنها باقية وأن نعيمها دائم لا يزول، وكذلك أخبر عز وجل أن الكفار في النار خالدون.

والمرجئة أخذوا من عمر

- تاريخ الإسلام للذهبي ج ١٣ ص ١٦٠

وكان أبو المطيع فيما نقل الخطيب من رؤوس المرجئة.. وذكروا عنه أنه كان يقول: الجنة والنار خلقتا وستفنيان، وهذا كلام جهم.

وابن العاص أخذ من عمر

- فتح القدير للشوكاني ج ٢ ص ٦٥٨

عن ابن عمرو قال: ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد. ثم قال صاحب الكشاف: ما كان لابن عمرو في سيفيه ومقاتلته بهما علياً ما يشغله عن تسيير هذا الحديث! انتهى.

ويقصد الزمخشري أن عبد الله بن عمرو بن العاص راوي هذا الحديث لا يوثق به، لأنه كان مبغضاً لعليعليه‌السلام وقد قاتله في صفين بسيفين، وكان الأولى به أن يكتفي بفعلته تلك ولا ينقل مثل هذه الأحاديث الخارجة عن إجماع المسلمين!

قال في هامش اختيار معرفة الرجال ج ١ ص ١٥٧: وقال في الكشاف: وماظنك بقوم نبذوا كتاب الله لما روى لهم بعض النوابت عبد الله بن عمرو بن العاص: ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعدما يلبثون أحقابا. وبلغني أن من الضلال من اغتر بهذا الحديث فاعتقد أن الكفار لا يخلدون في النار، وهذا ونحوه والعياذ بالله من الخذلان المبين زادنا الله هداية إلى الحق ومعرفة بكتابه وتنبهاً على أن نغفل عنه. ولئن صح هذا عن ابن ابن العاص فمعناه أنهم يخرجون من حر النار إلى برد الزمهرير، فذلك خلق جهنم وصفق أبوابها، وأقول: أما كان لابن عمرو في سيفيه ومقاتلته بهما علي بن أبي طالب رضي الله عنه ما يشغله عن تسيير هذا الحديث. انتهى قول الكشاف.

٢٠٨

ورووا عن ابن مسعود أنه وافق عمر

- الدر المنثور ج ٣ ص ٣٥١

وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن إبراهيم قال: ما في القرآن آية أرجى لأهل النار من هذه الآية: خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك قال وقال ابن مسعود: ليأتين عليها زمان تخفق أبوابها.

- وفي تفسير التبيان ج ٦ ص ٦٨ وروي عن ابن مسعود أنه قال: ليأتين على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد، وذلك بعد أن يلبثوا فيها أحقاباً.

والشعبي أخذ من عمر

- تفسير التبيان ج ٦ ص ٦٨

وقال الشعبي: جهنم أسرع الدارين عمراناً، وأسرعهما خراباً.

ويلاحظ على رواياتهم عن ابن العاص وابن مسعود والشعبي أن جهنم تبقى ولكن تفرغ وينقل أهلها الى الجنة! وهذا هو موضوع كلام عمر، لا ماادعاه ابن قيم!

والمعتزلة أخذت من عمر

- الملل والنحل للشهرستاني - هامش الفصل ج ١ ص ٦٤

الخامسة: قوله (أبو الهذيل) إن حركات أهل الخلدين تنقطع، وإنهم يصيرون إلى سكون دائم خموداً، وتجتمع اللذات في ذلك السكون لأهل الجنة، وتجتمع الآلام في ذلك السكون لأهل النار.

والجاحظ أخذ من عمر

- الملل والنحل - هامش الفصل ج ١ جزء ١ ص ٩٥

أقوال الجاحظ التي انفرد بها عن أصحابه.. منها: قوله في أهل النار إنهم لا يخلدون فيها عذاباً، بل يصيرون إلى طبيعة النار.

٢٠٩

وابن عربي والجيلي أخذاً من عمر

قال في تفسير المنار ج ٨ ص ٧٠

ويدخل فيه أنها تفنى كما تقول الجهمية، أو تتحول إلى نعيم كما قال الشيخ محيي الدين بن العربي وعبد الكريم الجيلي من الصوفية.

أما عمر فقد أخذ من كعب الأحبار واليهود

- سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٣٨٠

وقالوا: لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون.

قال ابن إسحاق: وحدثني مولى لزيد بن ثابت عن عكرمة أو عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال: قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة واليهود تقول: إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما يعذب الله الناس في النار بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوماً واحداً في النار من أيام الآخرة، وإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب!!

فأنزل الله في ذلك من قولهم: وقالوا لن تمسنا النار إلا أيام معدودة، قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون. بلى كسب سيئة وأحاطت به خطيئته، أي من عمل بمثل أعمالكم وكفر بمثل ما كفرتم به حتى يحيط كفره بماله عند الله من حسنة، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، أي خلداً أبداً. والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون. أي من آمن بما كفرتم به وعمل بما تركتم من دينه فلهم الجنة خالدين فيها، يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبداً، ولا انقطاع له.

- الدر المنثور ج ١ ص ٨٤

قوله تعالى: وقالوا لن تمسنا النار الآية. أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر

٢١٠

وابن أبي حاتم والطبراني والواحدي عن ابن عباس أن اليهود كانوا يقولون مدة الدنيا سبعة آلاف سنة...الخ. ورواه في مجمع الزوائد ج ٦ ص ٣١٤

- تفسير التبيان ج ١ ص ٣٢٣

قالوا لن تمسنا النار ولن ندخلها إلا أياماً معدودة، وإنما لم يبين عددها في التنزيل، لأنه تعالى أخبر عنهم بذلك وهم عارفون بعدد الأيام التي يوقتونها في النار، فلذلك نزل تسمية عدد الأيام وسماها معدودة لما وصفنا.

وقال أبو العالية وعكرمة والسدي وقتادة: هي أربعون يوماً. ورواه الضحاك عن ابن عباس. ومنهم قال: إنها عدد الأيام التي عبدوا فيها العجل.

وقال ابن عباس: إن اليهود تزعم أنهم وجدوا في التوراة مكتوباً إن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة، وهم يقطعون مسيرة كل سنة في يوم واحد، فإذا انقطع المسير انقطع العذاب، وهلكت النار!!

- قال السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٢٨٦

وأخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن ميمون أن كعباً دخل يوماً على عمر بن الخطاب فقال له عمر: حدثني إلى ما تنتهي شفاعة محمد يوم القيامة؟ فقال كعب قد أخبرك الله في القرآن إن الله يقول: ما سلككم في سقر... إلى قوله اليقين قال كعب: فيشفع يومئذ حتى يبلغ من لم يصل صلاة قط، ويطعم مسكيناً قط، ومن لم يؤمن ببعث قط، فإذا بلغت هؤلاء لم يبق أحد فيه خير! انتهى.

وقد ذكرنا أن كلام كعب هذا يحتل وجهين لأن قوله: حتى يبلغ، وقوله فإذا بلغت، قد يقصد بهما أن الشفاعة تبلغ هؤلاء المكذبين بيوم الدين الذين لم يفعلوا خيراً قط! فلا يبقى أحد في النار وتنتهي. وقد يقصد بهما أن الشفاعة تقف عند هؤلاء فيكون كلامه توسيعاً لها لكل المؤمنين بالبعث من غير المسلمين!

ولايبعد أن يكون هدف كعب القول بدخول الجميع الجنة وفناء النار، لأن ذلك من

٢١١

مقولات اليهود كما رأيت! ويكون قصده أن سؤال أهل اليمين للمجرمين: ماسلككم في سقر؟ إنما هو مقدمةٌ لإخراجهم من النار.. وبشفاعة نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله !!

* *

وقد يتصور البعض أن من المبالغة أو التهمة للخليفة عمر بأنه أخذ هذه العقيدة من كعب الأحبار، ولكن الذي يقرأ احترام عمر لأحبار اليهود والنصارى ولكعب الأحبار خاصة حتى قبل إسلام كعب.. لا يستبعد ذلك بل يطمئن اليه، ويحسن مراجعة ما كتبناه في ذلك موثقاً في كتاب تدوين القرآن، وأن الخليفة عمر كان يدرس عند اليهود في المدينة في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأن النبي نهاه عن عن ذلك ولم يمتثل! ونذكر هنا بعض النصوص التي تكشف ثقته العالية بكعب، والمقام العظيم الذي يحتله كعب في ذهنه وعواطفه!

عمر ينظر إلى كعب كأنه نبي ويتلقى منه

يلاحظ الباحث تعاملاً فريداً للخليفة عمر مع كعب الأحبار، وأنه كان يحترمه أكثر من كل صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويفضله عليهم علمياً وسياسياً، ويسأله عن عوالم الغيب والشهادة والأنبياء والجنة والنار وتفسير القرآن، وعن مستقبل الأمة ومستقبله الشخصي ويثق به ثقةً مطلقة ويقبل منه.. شبيهاً بتعامل الصحابي المؤمن مع نبيه الذي ينزل عليه الوحي!

- قال السيوطي في الدر المنثور ج ٣ ص ٦

وأخرج ابن جرير عن أبي المخارق زهير بن سالم قال قال عمر لكعب: ما أول شيء ابتدأه الله من خلقه؟ فقال كعب: كتب الله كتاباً لم يكتبه قلم ولا مداد، ولكن كتب بإصبعه يتلوها الزبرجد واللؤلؤ والياقوت: أنا الله لا إله إلا أنا سبقت رحمتي غضبي!!

٢١٢

- وقال أحمد في مسنده ج ١ ص ٤٢

قال عمر يعني لكعب: إني أسألك عن أمر فلا تكتمني، قال: والله لا أكتمك شيئاً أعلمه قال: ما أخوف شيء تخوفه على أمة محمد؟ قال أئمة مضلين. قال عمر: صدقت قد أسرَّ ذلك اليَّ وأعلمنيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم. ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٥ ص ٢٣٩ وقال: رجاله ثقات.

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٤ ص ٥٧

عن الحسن البصري أن عمر قال لكعب: ما عدن؟ قال: هو قصر في الجنة لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حاكم عدل.

- وقال في ج ٥ ص ٣٤٧

عن قتادة قال: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا كعب ما عدن؟ قال: قصور من ذهب في الجنة يسكنها النبيون والصديقون وأئمة العدل.

- وقال في كنز العمال ج ١٢ ص ٥٦٠

عن الحسن قال: قال عمر بن الخطاب: حدثني يا كعب عن جنات عدن. قال: نعم يا أمير المؤمنين قصور في الجنة لا يسكنها إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل، فقال عمر: أما النبوة فقد مضت لأهلها، وأما الصديقون فقد صدقت الله ورسوله، وأما الحكم العدل فإني أرجو الله أن لا أحكم بشيء إلا لم آل فيه عدلاً، وأما الشهادة فأ نَّى لعمر بالشهادة؟! - ابن المبارك وأبو ذر الهروي في الجامع.

- وقال السيوطي في الدر المنثور ج ٤ ص ٥٧

وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه أن عمر قال لكعب: ما عدن؟ قال: هو قصر في الجنة لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حاكم عدل.

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال:

٢١٣

قرأ عمر رضي الله عنه على المنبر جنات عدن، فقال: أيها الناس هل تدرون ما جنات عدن؟ قصر في الجنة له عشرة آلاف باب، على كل باب خمسة وعشرون ألفاً من الحور العين، لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد!!.

- وقال في الدر المنثور ج ٥ ص ٣٤٧

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه... في قوله: وأدخلهم جنات عدن قال إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا كعب ما عدن؟ قال: قصور من ذهب في الجنة يسكنها النبيون والصديقون وأئمة العدل.

- معجم ما استعجم ج ٢ ص ٧٤

الحثمة: بفتح أوله وإسكان ثانية: صخرات بأسفل مكة بها ربع عمر بن الخطاب. روى عنه مجاهد أنه قرأ على المنبر: جنات عدن فقال: أيها الناس أتدرون ما جنات عدن؟ قصر في الجنة له خمسة آلاف باب على كل باب خمسة وعشرون ألفاً من الحور العين لا يدخله إلا نبي، وهنيئاً لصاحب القبر وأشار إلى النبي صلّى الله عليه وسلم، أو صديق وهنيئاً لأبي بكر وأشار إلى قبره، أو شهيد وأنى لعمر بالشهادة وإن الذي أخرجني من منزلي بالحثمة قادر أن يسوقها إلي!! انتهى.

وفي هذه الرواية دلالة على أن كعباً استطاع أن يقنع عمر أن مقصوده بالنبي والصديق والشهيد الذين يسكنون عدن: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبا بكر وعمر، وأن كعباً كان من المخططين لقتله!

- وقال في الدر المنثور ج ٥ ص ٣٠٦

قوله تعالى: يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض الآية. أخرج الثعلبي من طريق العوام بن حوشب قال حدثني رجل من قومي شهد عمر رضي الله عنه أنه سأل طلحة والزبير وكعباً وسلمان: ماالخليفة من الملك؟ قال طلحة والزبير: ما ندري، فقال سلمان رضي الله عنه: الخليفة الذي يعدل في الرعية، ويقسم بينهم بالسوية، ويشفق عليهم

٢١٤

شفقة الرجل على أهله ويقضي بكتاب الله تعالى. فقال كعب: ما كنت أحسب أحداً يعرف الخليفة من الملك غيري!

- وفي كنز العمال ج ١٢ ص ٥٦٩

عن طبقات ابن سعد: عن سفيان بن أبي العوجاء قال: قال عمر بن الخطاب: والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك؟ فإن كنت ملكاً فهذا أمر عظيم، قال قائل يا أمير المؤمنين إن بينهما فرقاً، قال ما هو؟ قال: الخليفة لا يأخذ إلا حقاً ولا يضعه إلا في حق، فأنت بحمد الله كذلك، والملك يعسف الناس فيأخذ من هذا ويعطي هذا، فسكت عمر بن سعد.

- وقال في كنز العمال ج ١٢ ص ٥٧٣

عن كعب أن عمر بن الخطاب قال: أنشدك بالله يا كعب أتجدني خليفة أم ملكاً؟ قال بل خليفة، فاستحلفه فقال كعب: خليفة والله من خير الخلفاء، وزمانك خير زمان - نعيم بن حماد في الفتن.

- الدر المنثور ج ٤ ص ٢٩٣

سأل عمر كعباً عن آيات أول سورة الحديد فقال: معناها إن علمه بالأول كعلمه بالآخر، وعلمه بالظاهر كعلمه بالباطن! انتهى.

* *

- كنز العمال ج ٢ ص ٤٨٨

عن عمر قال: ذكر النبي صلّى الله عليه وسلم: يوم القيامة فعظم شأنه وشدته، قال: ويقول الرحمن لداودعليه‌السلام : مرَّ بين يدي، فيقول داود: يا رب أخاف أن تدحضني خطيئتي، فيقول: مرِّ خلفي، فيقول: يا رب أخاف أن تدحضني خطيئتي فيقول: خذ بقدمي! فيأخذ بقدمه عز وجل فيمر!! قال فتلك الزلفى التي قال الله

٢١٥

تعالى: وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب! ورواه السيوطي في الدر المنثور ج ٥ ص ٣٠٥ عن ابن مردويه.

- الدر المنثور ج ٥ ص ٢٩٧

وأخرج الديلمي عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: لا ينبغي لأحد أن يقول إني أعبد من داود!!.

- الدر المنثور ج ٥ ص ٣٠٥

وأخرج عبد بن حميد، عن السدي بن يحيى، قال حدثني أبو حفص رجل قد أدرك عمر بن الخطاب: إن الناس يصيبهم يوم القيامة عطش وحر شديد فينادي المنادي داود فيسقى على رؤس العالمين، فهو الذي ذكر الله: وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب! انتهى.

ومن الواضح أن هذه الروايات عن داودعليه‌السلام من مقولات اليهود وكعب الأحبار ولكن الخليفة عمر يقبلها منه، والرواة ينسبونها إلى نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله !!

- كنز العمال ج ١٤ ص ١٤٦

عن سعيد بن المسيب قال: استأذن رجل عمر بن الخطاب في إتيان بيت المقدس فقال له: إذهب فتجهز فإذا تجهزت فأعلمني فلما تجهز جاءه فقال له عمر: إجعلها عمرة!

* *

- مجمع الزوائد ج ٩ ص ٦٧

عن عمر بن ربيعة أن عمر بن الخطاب أرسل إلى كعب الأحبار فقال: يا كعب كيف تجد نعتي؟ قال: أجد نعتك قرن من حديد. قال: وما قرن من حديد؟ قال: أمير شديد لا تأخذه في الله لومة لائم. قال: ثم مه؟ قال: ثم يكون من بعدك خليفة تقتله فئة.

٢١٦

- تاريخ الطبري ج ١ ص ٣٢٣

عن أشعث عن سالم النصرى قال: بينما عمر بن الخطاب يصلي ويهوديان خلفه، وكان عمر إذا أراد أن يركع خوى، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال فلما انفتل عمر قال: أرأيت قول أحدكما لصاحبه أهو هو؟ فقالا: إنا نجد في كتابنا قرناً من حديد يعطى ما أعطي حزقيل الذى أحيا الموتى بإذن الله!!

فقال عمر: مانجد في كتابنا حزقيل، ولا أحيا الموتى بإذن الله إلا عيسى بن مريم! فقالا: أما تجد في كتاب الله: ورسلاً لم نقصصهم عليك؟ فقال عمر: بلى، قالا: وأما إحياء الموتى فسنحدثك إن بني اسرائيل وقع فيهم الوباء، فخرج منهم قوم حتى إذا كانوا على رأس ميل أماتهم الله فبنوا عليهم حائطاً حتى إذا بليت عظامهم بعث الله حزقيل فقام عليهم فقال: ما شاء الله، فبعثهم الله له فأنزل الله في ذلك: ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت. انتهى.

والأخوى: الذي لا يستطيع أن يركع أو يسجد بشكل طبيعي إلا بفتح قدميه ونحوه.. والرواية تدل على اهتمام اليهود بإيمان عمر بثقافتهم، ومحاولتهم التزلف إليه بادعاء أن شخصيته مذكورة في كتبهم، وأنه نبي يحيي الموتى مثل حزقيل!

- تاريخ المدينة لابن شبة ج ٣ ص ١١٠

لما قدم عمر رضي الله عنه من مكة في آخر حجة حجها أتاه كعب فقال: يا أمير المؤمنين إعهد فإنك ميت في عامك! قال عمر رضي الله عنه وما يدريك يا كعب؟ قال: وجدته في كتاب الله! فقال: أنشدك الله يا كعب هل وجدتني باسمي ونسبي عمر بن الخطاب؟ قال: اللّهمّ لا، ولكني وجدت صفتك وسيرتك وعملك وزمانك!

- ورواه في ج ٣ ص ٨٨ وزاد فيه: فلما أصبح الغد غدا عليه كعب فقال عمر رضي الله عنه: يا كعب، فقال كعب: بقيت ليلتان، فلما أصبح الغد غدا عليه كعب - قال عبدالعزيز: فأخبرني عاصم بن عمر بن عبيد الله بن عمر قال: قال عمر رضي الله عنه:

يواعدني كعب ثلاثا ً يعدُّها

ولا شك أن القول ما قاله كعبُ

وما بي لقاء الموت إني لميتٌ

ولكنما في الذنب يتبعه الذنبُ

٢١٧

فلما طعن عمر رضي الله عنه دخل عليه كعب فقال: ألم أنهك؟!

قال: بلى، ولكن كان أمر الله قدراً مقدورا!! انتهى.

ولا يتسع المجال للرد على أفكار كعب التي تضمنتها رواياته، وقد أوردنا عدداً منها في سبب نشأة التجسيم في المجلد الثاني.

والواقع أن كعب الأحبار من أكبر المصائب في مصادر إخواننا السنيين، حيث تجده مقيماً فيها، كامناً في المواقع الحساسة من أصول العقيدة والشريعة! وهذا أمر يحتاج الى معالجات جريئة من علمائهم!

ولكن لابد من الإلفات هنا الى أن النصوص المتقدمة تدل بما لا يقبل الريب، على أن كعباً كان شريكاً في مؤامرة قتل عمر!

ولكن إخواننا السنيين ما زالوا يبرئون كعباً ويثقون به، كما برَّأَ المسيحيون اليهود من دم المسيح!

كما نشير الى أن كعباً أخطأ في تفسير أول سورة الحديد، لأنه فسر (هو) بعلمه!! ولكن الخليفة عمر يقبل منه كل مايقوله، بل يحدث به المسلمين على المنبر!

٢١٨

الفصـل الثـامن

شفاعات وحرمانات غير معقولة روتها مصادر السنيين

النوع الأول: شفاعة اثنين لصاحب الجنازة

ليس من السهل أن نعترض على الأحاديث التي تحكم على نوع من الناس باستحقاق الجنة أو النار.. لأن الخير والشر في داخل الإنسان عالمٌ معقد، وما يظهر للعيان لا يجب أن يكون دائماً هو الحقيقة! فرب عمل صغير نقوم به يكون في حساب الثواب والعقاب الإلهي كبيراً، وبالعكس.. ورب ظرف يجعل العمل السيءحسناً وبالعكس!

وبسبب هذه السعة والتعقيد في أعمال الناس وظروفها، لابد أن تكون أنظمة الجزاء عميقة واسعة حتى تستوعبها.

ولكنا مع ذلك نملك يقينيات من العقل والشرع تسمح لنا أحياناً بالحكم بإمكان هذا الجزاء الإلهي أو عدم إمكانه.. ومن هذه اليقينيات: لو أن شخصاً قاتلاً ظالماً جامعاً للصفات الشريرة، توفي وحملوا جنازته، فمر بها شخصان مسلمان فقالا:

٢١٩

رحمه الله كان مؤمناً تقياً، لأنهما جاهلان بحاله أو متعمدان، فإن شهادتهما لا تغير شيئاً من قوانين المجازاة الإلهية!

لكن توجد (أحاديث) في مصادر السنيين تقول: إن مجرد شهادة اثنين بالخير لصاحب الجنازة تجعله من أهل الجنة! كما أن شهادتهما له بالسوء تجعله من أهل النار!!

فكأن الشهادة على الجنازة في منطق هذه الأحاديث وثيقة شرعية نهائية لا يقرأ الملائكة غيرها، أو ختم نهائي لا يقبل الله تعالى غيره!!

لقد جاءنا هذا المنطق من الثقافة اليهودية، ولكنه مهما كان مصدره، ليس منطقاً إسلامياً! لأن معناه السماح للمجرمين بأن يفعلوا ما شاؤوا ويهلكواالحرث والنسل، ثم يوصي أحدهم بأن يشهد على جنازته عشرة شهود كذباً وزوراً فيدخل الجنة!

والأخطر من ذلك أن الإنسان المؤمن الطيب الأمين المستقيم مهما عمل من خير في حياته فإن عمله يتبخر بمجرد أن يرسل خصومه اثنين يشهدان على جنازته بأنه كان سيئاً، فيدخلانه النار!

ولو كانت هذه المقولة توجد في مصادرهم من الدرجة الثانية لكان الأمر أسهل، ولكنها توجد في مصادر الدرجة الأولى مع الأسف، وعن لسان أقدس الشخصيات عندهم بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الأمر الذي يتطلب من فقهائهم جرأةً في معالجتها:

- روى البخاري في صحيحه ج ٢ ص ١٠٠

عن أنس بن مالك قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: وجبت، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً فقال: وجبت، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض.

ورواه في ج ٣ ص ١٤٨ وفيه (قال شهادة القوم المؤمنين شهداء الله في الأرض).

ورواه مسلم في صحيحه ج ٣ ص ٥٣ وقد كرر فيه كلمة: وجبت وأنتم شهداء الله

٢٢٠