التربية والتعليم في الإسلام

التربية والتعليم في الإسلام0%

التربية والتعليم في الإسلام مؤلف:
الناشر: مجمع البحوث الإسلامية
تصنيف: مكتبة الأسرة والمجتمع
الصفحات: 221

التربية والتعليم في الإسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدّكتور علي شريعتمداري
الناشر: مجمع البحوث الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 221
المشاهدات: 152856
تحميل: 7819

توضيحات:

التربية والتعليم في الإسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 221 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 152856 / تحميل: 7819
الحجم الحجم الحجم
التربية والتعليم في الإسلام

التربية والتعليم في الإسلام

مؤلف:
الناشر: مجمع البحوث الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

التربية والتعليم في الإسلام

الدّكتور علي شريعتمداري

١

٢

بسم اللّه الرّحْمن الرّحيم

٣

٤

مقدّمة المترجم

التربية في الإسلام تعني: إعداد العناصر الصالحة في المجتمع، من أجل خيره وسعادته. ويتطلّب الإعداد: وجود مُربِّين لهم كفاءات، وملاكات خاصة.

والتربية تؤتي أُكلها إذا كان المربّون بدرجة من الحرص على تيسير المهمّة التربوية؛ ذلك لأنّها مهمّة شاقّة، لا يضطلع بها إلاّ الهادف الواعي. وعندما نقول: إعداد العناصر الصالحة، فإنّ هذا هو الهدف الأساس الذي يتوخّاه الإسلام، من وراء تأكيده على التربية السليمة السويّة، التي تتكفّل رفد المجتمع بطاقات رائدة.

فالتربية الإسلامية التي تنهل من نمير القرآن، هي تربية سويّة. وهدى النبوّة، وسيرة أئمّة أهل البيت، والصحابة الأبرار، والعلماء الفضلاء، وكِبار المُربِّين الإسلاميين، هي مصادر أُخرى تستمد منها التربية وجودها. فالقرآن الكريم، والسنة الشريفة، وما دوّنه ِكبار المُربين الإسلاميين في الحقل التربوي، هي المصادر التي تعتمدها التربية الإسلامية. وفي مقابل التربية السويّة التي ينادي بها الإسلام، نلحظ هناك تربية منحرفة شاذة ذات مواصفات جاهلية، تتبنّاها نُظُم علمانية تخطط لها بشكل هادف. وقد لمسنا آثارها السيّئة في مجالات متنوّعة: قومية، وسياسية، وثقافية، واقتصادية، واجتماعية... ونحن هنا لا نرمي التعرّض لها على نحو التفصيل، بل نشير إليها إشارة عابرة؛ لنتوفّرعلى صورة مشرقة عندما نتلو قوله تعالى:( وَالْبَلَدُ الطيِّب يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبّهِ وَالّذِي خَبُثَ لا َيَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً... ) ، (الأعراف: 58). ونُنبّه هنا على أنّ

٥

التربية قد تكون سويّة، بَيْد أنّها لا تُؤثر في صياغة بعض النماذج الاجتماعية؛ وهذا ما يدعونا إلى التعرّف على العناصر التي تتكوّن منها التربية.

فهذه العناصر هي: المُربِّي، ومادّة التربية، والمتربي، والظروف الاجتماعية، فإذا كان المُربِّي كفوءاً، ومادّة التربية مفيدة مناسبة، والمُتربِّي متفاعلاً، والظروف الاجتماعية مؤاتية، حقّقت التربية ما تصبو إليه من أهداف؛ بلحاظ فاعليّة العناصر الأربعة إيجابيّاً. أمّا إذا كان هناك خلل في أحد هذه العناصر ولاسيّما المُتربِّي، فإنّ التربية تتعثّر في مهمّتها وقد يضمر دورها.

تمتاز التربية في الإسلام بأنّها تربية ذات حس ديني معنوي. وعندما أقول هذا فإني أقصد: أنّها تتفوّق على غيرها من ضروب التربية الأرضية البعيدة عن إشعاع السماء، من حيث علاقتها بالعالم الغيبيّ، وواقعيّتها؛ لتجاوبها مع الفطرة البشرية، وطبيعتها العملية من حيث إنها - من وجهة نظر الإسلام - سلوك عملي ملموس قبل أن تكون نظرية مسطورة في الكتب. وكذلك تمتاز بدعوتها إلى الأخلاق الكريمة الرفيعة، فهي تشعّ على بني الإنسان بالفضائل التي يرنو إليها كلّ فرد، وتمتاز - أيضاً - بنقاوة مفرداتها من شوائب الأفكار الوافدة الدخيلة. هذا والإسلام يؤمن بأنّ التربية تُلازم كل مجال من المجالات الحياتية المتنوّعة، ولا تنفك عنه بأيّ حالٍ من الأحوال. وهذه سمة تُفضي إلى تفوّق النظام التربوي في الإسلام على غيره من النُظُم، إذ إنّه يكثِّف من العملية التربوية؛ ليعيش المجتمع سعادة لا تُوفرها نُظُم تربوية أُخرى.

إذا مارس الإنسان العملية التربوية، فإنّه يعيش في جوٍّ تربويٍّ حافلٍ بالعطاء، شريطة أن تكون هذه العملية محصّنة بمناعة وقائيّة، ضدّ أعراض قد تنتابها، نحو: عدم استحضار العلاقة مع الله تعالى، والغفلة عن الحسّ الديني، والفتور، والتأثّر بالأفكار الترقيعية الهجينة، وتثبيط العزائم هادفاً كان أو عفوياً. فهذه حالات غير صحيّة ربما تمر بها العملية التربوية عبر مسيرتها الشائكة. والإفادة من الأساليب الوقائية تحول دون هذه الحالات المرَضية، فتظل العملية التربوية نابضة بالحياة، محافظة على فاعليّتها وهدفيّتها،

٦

واستقامتها.

لقد بلغ اهتمام الإسلام بالتربية درجة أنّه قدّمها على التعليم، مع عدم تغافله عن أهميّته. فقد قال عزّ من قائل:( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ... ) ،(الجمعة: 2)، وقال جلّ شأنه:( لَقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ويُزَكِّيهم ويُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ... ) ، (آل عمران: 164).

فالإسلام يؤكِّد على التربية أوّلاً، ثمّ التعليم؛ لأنّ البُعد التربوي في المجتمع، أهم من البُعد التعليمي. ولا أُبالغ إذا قلتُ: بأنّ الإسلام أغنى نظامٍ بمفرداته التربوية والتعليمية.

لقد أنجزتُ تعريب هذا الكتاب لمؤلِّفه الدكتور علي شريعتمداري، وهو جهد علمي مشكور في الحقل التربوي، بَيْدَ أنّه لا يخلو من بعض الثغرات. وهذا أمر لا مندوحة منه، إذ ليس لأحد أن يدّعي الكمال؛ فالكمال لله وحده.. ويظلّ الكلام قاصراً؛ لصدوره من قاصر. ولا عيب في القصور، بل العيب في التقصير.فإذا واصلنا سيرنا فنحن غير مقصِّرين. وإذا قعدنا وتخلّفنا، فقد جمعنا بين القصور والتقصير؛ وهذا هو الداء العضال.

لقد دوّنتُ بعض الملاحظات العامة حول الكتاب، وقدّمتُها مع هذا التعريب لمن يهمّهم الأمر، وذلك في ورقة مستقلّة. ولي ملاحظات خاصة، ذكرتها في هوامش الكتاب عند الضرورة، لعلّها تماثل التعليقات على بعض المواضيع، حيثما استوجب ذلك. وقد يلحظ القارئ الكريم نوعاً من الجفاف في بعض مواضيع الكتاب، فلا غرو لأنّ أُسلوب الكتاب علمي، ومواضيعه اختصاصية. وقد ينعكس ذلك على التعريب أيضاً؛ لأنّي راعيتُ الأمانة بدقّة، ولم أتصرّف إلاّ قليلاً بشكل لم يخل بأصل الموضوع وفكرته، مع ترحيبي بكلّ ملاحظة بنّاءة مفيدة حول التعريب وذلك من أجل تطوير العمل، والسيرقُدُماً نحو الأفضل. وأخيراً أبتهلُ إلى الله تعالى أن يجعلني والناقدين من المعتصمين به،( .. وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى‏ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) ، (آل عمران: 101)، وأن يُعيننا على أنفسنا أن نزكّيها:( .. وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ

٧

عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى‏ مِنكُم مِن أَحَدٍ أَبَداً ) ، (النور: 21).

علي هاشم

شوّال 1412هـ ق

٨

تمهيد

إنّ القرّاء الكرام(1) على علم بأنّ كتاب (التربية والتعليم في الإسلام) قد ُطبع مرّات عديدة في الفترة الواقعة بين سنتي 1400 و1402هـ، بَيْدَ أنّ مشاغل عديدة أعاقتني عن مراجعته. ومن حسن الحظ أن أُتيحت الفرصة أخيراً فوُفّقت لمراجعته بأكمله، وأضفتُ إليه مباحث جديدة، وهي: البُعد الإلهي للتربية الإسلامية، أضفته إلى القسم الّذي يتناول خصائص النظام التربوي الإسلامي. كما أضفت البُعد المعنوي أو الإلهي في شخصيّة الإنسان، إلى البحث المتعلِّق بأبعاد شخصيته. وأجريت بعض التعديلات على الترتيب الوارد في ذكر الأهداف عند الحديث عن القسم الخاص بالأهداف. وفي القسم الذي يتطرّق إلى الأساليب التربوية في الإسلام، أشرتُ إلى الدعاء بوصفه أحد الأساليب التربوية الجوهرية. كما أضفت إليه بعض النقاط في مجال دمج الإيمان بالعقل.

وعند التحدّث حول التربية والتعليم في الإسلام، تبرز ضرورة التركيز على أنّ الإسلام - كنظام - ذو بُعد تربوي في كلّ ميدان، وأنّ لجميع أُصول الدين - وهي: التوحيد، والعدل، والنبوّة، والإمامة، والمعاد - دوراً تربوياً. والقرآن الكريم - بمعناه الواسع - أفضل وأكمل كتاب تربوي للإنسان من الناحية التربوية.

وتتميّز جميع أقوال الأئمّة وبشكل عام جميع الأخبار الواردة عن النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأئمة الأطهارعليهم‌السلام ، ببعدها التربوي. كما تشكل فروع الدين ومنها الدعاء، أساس التربية والتعليم في الإسلام. وما شُرّعت الأحكام الإسلاميّة؛ إلاّ لإصلاح بني الإنسان وتربيتهم.

____________________

(1) يقصد الكاتب قرّاء الفارسيّة.

٩

فإذا ما رام أحد الخوض في حقل التربية والتعليم في الإسلام، فلابد له من التوفّر على دراسة الإسلام من جميع الجهات، واستخراج التلميحات التربوية في كل حقل. وهذه مهمّة عسيرة من الناحية العملية، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار ضخامتها، إلاّ إنّ الاهتمام بجزء من جوانب الحياة الإنسانيّة مثل: النموّ والتكامل الفردي، وإصلاح المجتمع، وإقامة العلاقات الأساسية بين أعضائه، وعلاج المشاكل الفردية والجماعية، وتنمية الأبعاد الرئيسة في شخصية الإنسان وتوطيدها، وأُمور أُخرى مماثلة تشجّعنا على دراسة خصائص التربية والتعليم في الإسلام، وأهداف المدرسة الإسلاميّة، وأساليبها الجوهريّة.

نأمل أن تحظى الطبعة الجديدة لهذا الكتاب مع ما حصل فيه من تعديلات باهتمام القرّاء والراغبين، وأن ينظر إليه المتخصصون في الدراسات الإسلاميّة، وروّاد التربية والتعليم كخطوة أُولى على الدرب، مُحفِّزاً إيّاهم على دراسات أكثر في رحاب هذا الموضوع.

علي شريعتمداري

تشرين الأوّل 1985

١٠

الثورة الثقافيّة والتعليميّة

١١

١٢

الثورة الثقافية والتعليمية

اقترح علينا بعض الأصدقاء: أن ندلي بحديث حول الثورة الثقافية والثورة التعليمية. ونزولاً عند رغباتهم فإنّا نتكلّم بإيجاز عن الثورة الثقافية، وضرورة إحداث تطوير في النظام التعليمي، رغم المشاغل الكثيرة في المجلس الأعلى للثورة الثقافية(1) .

الثقافة

تطرّقتُ إلى موضوع الثقافة وإشاراتها التربويّة في كتاب (المجتمع والتربية والتعليم) الذي تكفلت جامعة شيراز بطبعه وإصداره لأوّل مرّة عام 1961م (من الصفحة التاسعة حتى الصفحة الثامنة والثلاثين). ولا أرى ضرورة لنقل مواضيع ذلك الكتاب في هذا التمهيد، إلاّ أنّ الإشارة إلى بعض النقاط من ذلك الكتاب تبدو مفيدة.

ورد معنى الثقافة في الكتاب المذكور على أنّها مجموعة أساليب الحياة. ومعنى الأساليب: الكيفيات، والطرق المتنوّعة، التي ينهجها أفراد المجتمع في كافّة شؤون حياتهم الجماعية. فطرق وكيفيات: طهو الطعام، وارتداء الملابس، والتربية

____________________

(1) وهو المجلس الذي أسّسه الإمام الخميني (رضي الله عنه) سنة 1399هـ - 1980م لأسلمة الجامعات والتعليم العالي، ويضمّ علماء وأساتذة كبار.

١٣

والإعداد، والزراعة، والإنتاج الصناعي، والحُكم، والتعليم، والتفكير، وتجسيد الأفكار والتصورات في النتاجات الفنيّة، والعبادة، ونظائرها، كلّها تُكوِّن ثقافة المجتمع.

وقد جاء في قسم آخر من الكتاب، أنّ الثقافة: هي مجموعة الأشياء التي تدرَّج الإنسان في تعلّمها، وإبداعها، وإدراكها.

وبلغ الجانب الثقافي في حياة الإنسان درجة من القوّة، جعل البعض يعرِّفون الإنسان على أنّه: حيوان ثقافي. ويرى أحدالعلماء أنّ عناصر الثقافة هي:

1- الوسائل والأساليب.

2- النَظم الإجتماعي وأجهزته.

3- القيم والـمُثُل أو المعتقدات.

ويعتقد بعض العلماء أنّ الثقافة تتكوّن من ثلاثة عناصر هي:

1-العناصر العامّة: وهي الأُمور المشتركة، أو العامّة بين أفراد المجتمع.

2-العناصر الاختصاصيّة: وهي الأعمال الّتي تبرز في سلوك ذوي الاختصاص.

3-العناصر الإبداعيّة: وهي المستجدات والإبداعات التي تُعرض من قبل شخص واحد، أو أشخاص معدودين تدريجيّاً، ويمكن أن تطوِّر من نمط حياة الناس في بعض الشؤون الاجتماعية.

تحقق التربية والتعليم وحدة المجتمع، عن طريق تعزيز العناصر العامة. وتوضع المناهج التعليمية المهنية على مستوى التعليم الثانوي والتعليم العالي، لتكوين العناصر الاختصاصية. ويؤدّي تشجيع الأفراد على التفكير الحر في حقول مختلفة إلى بروز العناصر الإبداعيّة.

ينبغي الالتفات إلى دور العلوم والتكنولوجيا في مجال التطورات الثقافية، وقد تحدّثتُ حول هذا الموضوع بإسهاب في كتاب (المجتمع والتربية والتعليم) أيضاً.

١٤

التربية والتعليم والتراث الثقافي

تقع على عاتق المراكز التعليمية والتربوية ثلاثة واجبات مهمّة إزاء التراث الثقافي، وهي:

1- التعريف بالتراث الثقافي ونقله.

2- تقويم التراث الثقافي.

3- توسيع التراث الثقافي.

الثقافة الإسلاميّة

إنّ الإسلام - بوصفه الدين الوحيد الذي يتجاوب مع جميع شؤون الحياة الإنسانية - غني بثقافته الثريّة المعطاء، التي تستمد وجودها من الوحي، والتعاليم السماوية. وكان للثقافة الإسلامية دورها في إيران، منذ أشرقت أرضها بنور الإسلام الذي لقي ترحيب أهالي فارس واستجابتهم، لِما يتّسم به من مرونة وانفتاح، وهوية جماهيرية، ومنهج متّزن. وكان نفوذه ملحوظاً بشكل واسع في الآداب، والفلسفة، والفنّ، والتقاليد الاجتماعية، وأفكار الناس وعقائدهم. ولم يقف حجر عثرة في طريق سيادة الإسلام على جميع شؤون حياة الناس إلاّ الحكّام المعاندون المتعجرفون. بَيْد أنّ هذه العقبة قد أُزيحت مع انتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني (رضي الله عنه)، وجهود علماء الدين المناضلين، وأغلبية الشعب الإيراني المسلم، حيث أُطيح بالنظام الملكي الجائر المنبوذ. فإنّ الأوان لانقلاب جذري في ثقافة المجتمع، بالاستلهام من تعاليم الإسلام المفعمة بالحيوية، والرافدة بالحياة في ظل ولاية الفقيه ذات النزعة الإنسانية، التي تمثّل أعلى منصب في النظام الإسلامي. ونجسّد الثقافة الإسلامية - عند طرح المعارف الإسلاميّة وقيمها المعنوية - على أنّها المدافعة عن الحرية، والسيادة الوطنية، والإستقلال، والعدالة، والعلم، والفنّ الأصيل، في جميع ميادين الحياة.

١٥

المساهمة الجماعية في الثورة الثقافيّة

لا تتحقق الثورة الثقافية إلاّ إذا بادر الجميع بتغيير أنفسهم ومجتمعهم، قال تعالى:( .. إِنّ اللّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتّى‏ يُغَيّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ.. ) ، (الرعد: 11)، ويؤدّي: المسجد، والمدرسة، والمذياع، والتلفاز، والصحف، والمجلاّت، والعاملون في الحقل الإذاعي والتلفزيوني، والكتّاب، وكافة شرائح المجتمع دوراً مهمّاً في تحقيق الثورة الثقافية. وكذلك الحوزات العلميّة، لاسيّما العاملون في ميدان التبليغ، فإنّ لهم دوراً خطيراً في تحقيق الثورة الثقافية بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، وفي أرجاء البلاد كافّة.

وفي عقيدتي، فإنّ على أساتذة الحوزات العلمية المحترمين، وأساتذة الجامعات، والمعلمين الرساليين، والفنانين، والكتّاب، والإذاعيين، ومسؤولي الإذاعة والتلفزيون، وبقيّة وسائل الإعلام أن يتعاونوا مع المجلس الأعلى للثورة الثقافية في التخطيط لتحقيق الثورة الثقافية. ويمكن لممثّلي الأحزاب والمنظّمات المختلفة أن يشاركوا في الجلسات الّتي تُعقد لهذا الغرض، فيتدارسوا الأهداف المعيّنة للثورة الثقافية، والأساليب والمحتويات، ليخطوا بذلك خطوات ناجعة في تحقيق الثورة الثقافية، من خلال طرح الإقتراحات المفيدة حول البرامج الأساسية.

الثورة التعليميّة

تقع على عاتق المراكز التعليميّة، مثل: المدارس الابتدائية، والمتوسطة، والإعداديّة، والجامعة مسؤولية التعريف بالتراث الثقافي للمجتمع، ونقله كما نوّهنا بذلك سالفاً. ولو تحرّرت هذه المراكز من قالب ضخ المواد العلمية والأدبية في ذهن الطلاب، وأصبحت المدارس والجامعات مرآة تعكس الوجه الناصع للثقافة الإسلامية، فسوف نلمس تطورات جوهرية في النظام التعليمي برُمّته، كما سنشاهد بصمات التغيير مطبوعة على محفّزات الدراسة، والأهداف التربوية، وطرق

١٦

التدريس، والمخططات والمناهج التعليمية، والعلاقات بين المعلّم والطالب، وعلاقات المدرسة والمجتمع، وكيفيّة إدارة المؤسسات التربوية، مستلهمين ذلك من القيم والمُثُل الإسلامية. وعندها سيهفو طالب العلم نحو العلم تقرّباً إلى الله (عزّ وجل)، وإشباعاً لغريزة حب الاستطلاع، وتحقيقاً لمعرفة أفضل لنفسه، وبني جنسه، ولما يدور حوله في العالم.

وعندما تضع الأهداف التربوية عملية التعليم في نهجها الأساس المرسوم لها، ومفرداته مثلاً: استيعاب المفاهيم، والنظريات، والمبادئ، والقوانين، وما سواها، فسوف ينظر إليها بصورة جديّة بصفتها فريضة دينيّة، وسيقوم المعلّم والطالب بالسّعي، وبذل الجهود، في هذا السبيل بكلِّ صدق وإخلاص، وستتحرّر طُرق التدريس - على أساس القرآن والسنّة النبويّة وهدى الأئمّة المعصومين - من رِبقة التسلُّط والتلقين، والتبجّح بالعلم، والتظاهر بالفضل؛ لتتبلور في قالب الهداية والبحث والتعقّل. وستوضع المناهج الدراسية وفقاً لحاجات الفرد والمجتمع، مع الأخذ بنظر الاعتبار أُسس كل فرع دراسي ومبادئه، وستنعتق علاقات المعلّم والطالب من شكلها القائم، حيث تتّسم بروح عدائيّة غالباً، لتصبح مثل علاقات الوالد بولده، أو علاقات شخصين يعملان معاًَ لبلوغ هدف مشترك ومقدّس في نفس الوقت. وسينظر المجتمع إلى المدرسة على أنّها جزء منه، وسترى المدرسة نفسها مسؤولة أمام المجتمع. وفي ضوء هذه الرؤية، فإنّ الهُوّة الموجودة بين المدرسة والمجتمع سوف تُردم. وستُدار المدرسة بمساهمة أفراد المجتمع، فتكون إحدى المؤسّسات الاجتماعية التي تتحمّل رسالة تلبية الحاجات الأساسية للمجتمع.

وهناك مسائل متنوّعة في قضيّة التعليم بمستوياته المختلفة، علينا أن نناقشها بإيجاز.

١٧

المسألة الأساسيّة في التربية والتعليم

إنّ المسألة الأساسية في التربية والتعليم - حسب رأينا - هي التعامل بجديّة مع قضيّة التربية والتعليم. لقد كانت الأُسر ترسل أبناءها إلى المدارس؛ لكي لا تبقى متخلّفةً عن ركب الآخرين، أو لأجل أن ينشغلوا بالدراسة، أو يتعلّموا من المدارس شيئاً ما. وفي المقابل كانت المدارس تحثّ خرّيجيها، ممّن أكملوا مرحلة الإعدادية، أو مرحلة أعلى منها، فأصبحت لديهم حصيلة علميّة معيّنة على التدريس. فعمل المعلّم يتجلّى في نقل ما عنده من معلومات إلى طلاّبه، ولم ينظر إلى طريقة النقل، أو كيفيّة التعلّم بعين الأهميّة، علماً أنّ هذا الوضع كان سائداً في مختلف المراحل الدراسيّة. أمّا الآن فلابد من إحداث تبديل في هذا النمط القائم. وعلى الوالدين أن يرسلا ولدهما إلى المدرسة؛ لتربيته، وإعداده. وعملُ المعلّم هو تربية الطالب، وتطوير سلوكه. وينبغي أن يُمارَس التعليم بشكل علمي، ويُنظر إليه - في نفس الوقت - كوسيلة للتربية والإعداد. ويجب إعداد المعلّم لممارسة مهنته المقدّسة، حتى يتمكن من أداء رسالته التربوية، ولا تتحقّق التغييرات اللاّزمة في إعداد المعلّم إلاّ اذا تعامل ذوو العلاقة مع مسألة التربية والتعليم بجدّية فائقة.

الالتزام والاختصاص

يدور الحديث في بعض الأوساط اليوم حول الالتزام الديني، والاختصاص في الفروع العلمية المختلفة. وبالرغم من أنّ الخوض في هذا الموضوع هو لتبرير ما تمّ إنجازه، بيدَ أنّ الاهتمام بهذين الجانبين يبدو ضرورياً لأسباب مختلفة. وعندما نتحدّث عن الالتزام الديني، فينبغي أن نضع في حسابنا شخصاً لا ينطق إلاّ بالحق، ولا يسلك إلاّ سبيل الحق، يسحق ذاته وهواه، ويمارس أعماله وفق الموازين الإسلاميّة بعد تعرّفه عليها. وليس لأحدٍ أن يعتبر نفسه ملتزماً إذا راعى بعض

١٨

الموازين، وأهمل بعضها الآخر.

وأمّا الاختصاص، فيجب تحديده أيضاً، فمن الذي نسمّيه مختصّاً؟ هل نسمّي الشخص مختصّاً، وهو لم يدرس في فرع من الفروع، كما ليس له أيّة حصيلة أساسيّة في ذلك الفرع؟ فالإشكال الجوهري يكمن في غموض المفهوم الحقيقي للإختصاص أو في إهماله. وما أكثر الأشخاص الذين يعدّون أنفسهم مختصّين في علم النفس، والفلسفة، والتربية والتعليم، والإقتصاد، وعلم الاجتماع، والحقوق، والآداب، وغيرها من الفروع، في حين لا هم أصحاب تحصيل دراسي منظّم في هذه الفروع، ولا هم من ذوي المعرفة بأساس هذه الفروع ومبادئها.

لا ريب إنّنا نحتاج إلى أشخاص ملتزمين ومختصّين في عملية بناء المجتمع، فلا الشخص الملتزم وحده يستطيع علاج المسائل التخصصية، ولا المختص غير الملتزم يرى نفسه مُلزماً في علاج المسائل الاجتماعية، لذلك ينبغي مراعاة الدقة الكافية في تحديد مصداق الملتزم والمختص.

إنّ التربية والتعليم من الفروع التي يرى كثير من العلماء، والكتّاب، والأساتذة، والسياسيّين والمعلّمين أنفسهم مختصّين فيهما؛ بيد أنّ وقفة قصيرة في ميدان المسائل التربوية تكشف لنا أنّ هؤلاء المذكورين ليس لهم أدنى اطّلاع على مبادئ التربية والتعليم وأُسسهما.

نحن نحتاج إلى الأشخاص المختصّين، في عملية التربية والتعليم، فالتعليم الابتدائي والتعليم الثانوي، والإدارة التعليمية، وتأليف المناهج الدارسية، والتخطيط للعملية التعليمية، وإعداد المعلمين، و...، كلّها امور تخصّصية. وما لم يتلقَّ الإنسان التعليم العالي، فليس في مقدوره الخوض في فلسفة التخطيط والإدارة الجامعية، وهدفهما، وسبكهما، ومحتواهما، وكيفيّتهما.

وفي ضوء ما تقدّم، لابد من تكريس الجهود للإستفادة من وجود المختص الملتزم، لإحداث تطوّرات جذريّة في النظام التعليمي القائم في بلادنا. وفيما يلي

١٩

نستعرض قسماً من المسائل التعليميّة بإيجاز:

التعليم ماقبل المرحلة الابتدائية

يجب أن يجتمع فريق يتكوّن من الكتّاب المسلمين، وعلماء النفس، والمربّين، وعلماء الاجتماع، والملمّين بالثقافة الإسلامية لاتّخاذ ما يلزم في شأن البرمجة، والتخطيط، وانتخاب المواد، أو محتوى التعليم وشكله في هذه المرحلة.

التعليم الابتدائي

ينبغي تقويم مدّة الدراسة في هذه المرحلة، فالمرحلة ذات السنوات الست، تمثّل متوسّط النموّ، وتعكس فترة المراهقة، ولم يقدّم دليل على تقليص هذه المرحلة إلى خمس سنوات من ناحية النموّ والتربية.

التخطيط في المرحلة الابتدائية

يجب أن يساهم المتخصّصون في التعليم الابتدائي، والمعلّمون، المتخصّصون في الفروع العلمية والأدبية والتاريخية، ومعهم الكتّاب من أصحاب الكلمة المسؤولة، وعلماء الاجتماع الواعون، يؤازرهم المتخصّصون في الثقافة الإسلامية، في التخطيط لعمليّة التعليم في المرحلة الابتدائية. ولاريب في ضرورة مساهمة علماء النفس المتخصّصون في التربية والتعليم في هذه العملية.

التخطيط في المرحلة المتوسّطة

تحظى هذه المرحلة بأهميّة خاصّة، بوصفها مرحلة التعليم العام. وتشكّل الحاجات النفسيّة، والاجتماعية، والمهنيّة، والعلميّة أساس المنهج التعليمي في هذه المرحلة. وينبغي أن تندمج هذه المرحلة بمرحلة التعليم الثانوي أو الإعدادي،

٢٠