التربية والتعليم في الإسلام

التربية والتعليم في الإسلام0%

التربية والتعليم في الإسلام مؤلف:
الناشر: مجمع البحوث الإسلامية
تصنيف: مكتبة الأسرة والمجتمع
الصفحات: 221

التربية والتعليم في الإسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدّكتور علي شريعتمداري
الناشر: مجمع البحوث الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 221
المشاهدات: 152901
تحميل: 7820

توضيحات:

التربية والتعليم في الإسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 221 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 152901 / تحميل: 7820
الحجم الحجم الحجم
التربية والتعليم في الإسلام

التربية والتعليم في الإسلام

مؤلف:
الناشر: مجمع البحوث الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الجهاد أُسلوب تربوي حاسم

قال تعالى:

( الّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدَوا فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ) ، (التوبة: 20).

( إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ الّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ ) ، (الحجرات: 15).

( وَالّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) ، (العنكبوت: 69).

( لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى‏ وَفَضّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى‏ الْقَاعِدِينَ أَجْرَاً عَظِيماً ) ، (النساء: 95).

( الّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشّيْطَانِ إِنّ كَيْدَ الشّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً ) ، (النساء: 76).

طُرح الجهاد في سبيل الله في الآيات المذكورة، بأشكال متنوّعة، ففي الآية الأولى: وُصف المجاهدون بأنّهم الفائزون.

وفي الآية الثانية: وُصفوا بأنّهم المؤمنون الصادقون.

وفي الثالثة: يقول الله تعالى بأنّه هو الذي يهدي المجاهدين إلى سبيل الحق.

وفي الرابعة: عدَّ الامتناع عن الجهاد بدون عذر مشروع أمراً غير مقبول، وصُرّح فيها بأنّ منزلة المجاهدين أعلى من منزلة الآخرين.

وفي الخامسة: قُورن بين سبيل الله وسبيل الشرك والكفر، وطُرح الجهاد في الآية التّالية بأنّه: عمل يُقصد منه مساعدة المستضعفين وتحريرهم من شرّ الظالمين:

( وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِن لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِن لَدُنكَ نَصِيراً ) ، (النساء: 75).

١٨١

فالجهاد في سبيل الله - وهو سبيل الكمال الإنساني، وسبيل الحكمة، وسبيل العدالة، وسبيل الإيثار ونكران الذات - هو أحدُ الأركان الأصليةِ للإسلام.

والجهاد ضدّ الظلم والفساد من الواجبات المهمّة الملقاة على عاتق المسلمين أيضاً، فهو أمر دائم متواصلٌ بالنسبة إليهم. وهو نفسه يحافظ على حرارة البُعد الثوري والحركي للرسالة الإسلامية. وجهاد النفس أيضاً يكفل تكامل شخصيّة الإنسان وتطوّرها، لذلك فللجهاد معطيات فرديّة، وفي الآن ذاته، يجعل الحياة الجماعية تصبّ في صالح الإنسان.

والجهاد بمثابة عامل قوي يضع المجتمع الإسلامي في المسار التوحيدي، ذلك المسار الذي تُشكِّل فيه التقوى، والحكمة، والعدالة، والإيثار، الأهداف الأساسية، كما يجتثّ جذور الظلم والفساد، يقول الإمام عليعليه‌السلام بشأن الجهاد:

«أمّا بعد، فإنَّ الجهاد بابٌ من أبواب الجنّة، فتحه الله لخاصّة أوليائه، وهو لباس التقوى ودرعُ الله الحصينة، وجُنّتُه الوثيقة. فمَن تركه رغبةً عنه، ألبسَه الله ثوبَ الذُّلِ، وشَمْلَة البلاء، ودُيّثَ بالصّغار والقَماءة، وضُرِب على قلبهِ بالإسهاب، وأُديلَ الحقُّ منه بتضييع الجهاد، وسِيم الخَسْف، ومُنع النصَف».

جهاد النفس

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم». وأُثر عنه قوله بأنّ جهاد النفس أكبر من جهاد الأعداء، ولا يخفى فإنّ جنوح الإنسان إلى إشباع نزواته، وتقديمها على رغبات المجتمع يُفضي إلى مشاكل كثيرة.

إِنّ للإنسان رغبات فردية، ورغبات اجتماعية أيضاً، وفي الوقت ذاته، هو كائن يطمح إلى الكمال، أو يبحث عن الكمال. والبيئة الجماعية، وطريقة التربية، وأُسلوب تفكير المرء وحالته الطبقية، عوامل مؤثّرة في تحديد منهجيّة الحياة.

١٨٢

إنّ النزوات والرغبات الشخصية تجرّ الإنسان نحو الوصولية والنفعية، وحبّ التسلّط، والتعرّض إلى الآخرين. وهذه الدوافع هي منشأ الإختلافات والنزاعات والحروب بين الناس، وقد تكهرب الرغبات الشخصية الإنسان لتحكم قبضتها عليه، ومن انجرف وراءها، فسيصبح أسيراً لمصالحه ومباهجه ورفاهه كالعبد الذليل.

تصنع النوازع الذاتية من الإنسان عنصراً مضادّاً للجماعة غالباً، فهو يقدّم مصالحه على مصالحها، فيفضي ذلك إلى الاصطدام بها، وينبع التناقض الطبقي من نفس المصدر أيضاً. فعندما يتهافت ربّ العمل وراء ربح أكثر، فإنّه يستغلّ العامل، وبما أنّه - شخصياً - لا يستطيع أن يحول دون احتجاج العمّال، وكذلك ديدن سائر أرباب العمل حيث يتأثّرون بنفس الدافع، لذلك فإنّ النفعيّين أو أرباب العمل يُكوّنون طبقة أو شريحة قويّة لا ترعوي عن ارتكاب أيّ جريمة لتأمين مصالحها.

إنّ الإنسان الذي تأسره رغباته الذاتية، يفقد حريّته. وكما ذكرنا - فيما مضى - فإنّه يستسلم لرغباته ونزواته.

وتستعمل الأخلاق، والقانون، والعلم، والفن، وبقيّة مظاهر الحياة الجماعية، بوصفها وسائل لتأمين المصالح الطبقية. وفي المجتمعات التي لا تخضع لسيادة المال، فإنّ حبّ التسلّط على الآخرين، بوصفه محفّزاً قويّاً، يدفع الأشخاص إلى العمل من أجل التحكّم في رقاب الناس. وفي مثل هذه المجتمعات يقوم الفرد أو الجماعة بأيّ عمل من شأنه بقاء ذلك التحكّم. وما التصفيات الدموية، والمؤامرات، والصراعات الداخلية في الأحزاب إلاّ إفرازات طبيعية لغريزة حبّ التسلّط عند الأفراد أو الجماعات.

إنّ جهود الإنسان من أجل أن تكون الرغبات الذاتية في ظلّ الرغبات الاجتماعية مؤثّرة في انبثاق الأخلاق، ولابدّ أن يضحّي الإنسان بدوافعه ومحفّزاته الذاتية من أجل الدوافع والمحفّزات الاجتماعية، على أساس المعايير الأخلاقية. بيد أنّ قوّة الرغبات الذاتية تحول دون تحقيق هذا الأمر في حالات متنوّعة.

وكما مرّبنا سلفاً، فإنّ النفعية في المجتمعات التي يحتلّ فيها المال موقعاً أساسياً، تجذب

١٨٣

الأشخاص نحوها.

على نفس النسق، فإنّ حبّ التسلّط أو حبّ الجاه في المجتمعات الشيوعية يُفضي إلى أن يُضحّي الفرد بالمصالح الاجتماعية من أجل حب الجاه والمنصب. وفي حالات متنوّعة، فإنّ طرح الدوافع الأخلاقية أو الاجتماعية، وتشجيع الأشخاص على اختيار هذه الدوافع، يُمنى بالفشل.

من هذا المنطلق، ينبغي أن يكون هناك رصيد أقوى لسلوك الإنسان. وهنا تُطرح التقوى المنبثقة عن النظام التوحيدي. فترسيخ التقوى في نفوس الناس يحول دون النفعيّة وحب الجاه والمنصب. وبما أنّها تربط الإنسان بمصدر الكمال، والعدل، والحكمة، فهي تمنعه من الانحراف. في هذا المجال، يأخذ الجهاد في سبيل الله طابع الإيثار ونكران الذات وخدمة الناس.

في قسم من الآية التاسعة من سورة الحشر، يقول القرآن الكريم بشأن الانصار:

( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى‏ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ.. ) .

وجاء في آية أُخرى:

( وَأَمّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ وَنَهَى النّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فإنّ الْجَنّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) ، (النازعات: 41، 42).

المكافأة والعقوبة

إنّ أُسلوب المكافأة والعقوبة هو أحد الأساليب السائدة في التربية والتعليم. يشعر الإنسان باللّذة والسرور ذاتياً بسبب المكافأة، وتعزف نفسه عن العقوبة. هذا الاتّجاه هو الّذي يرغّب الإنسان بإنجاز الأعمال الصالحة، ويحجزه عن إنجاز الأعمال الرديئة. وما تجارب الإنسان على مرّ التاريخ إلاّ مؤشر على دعم التأثير الذي يتركه مبدأ المكافأة والعقوبة.

فالجائزة، والتشجيع، والمدح، والاحترام، والحب من الأمور التي تحظى بها

١٨٤

العناصر الصالحة المفيدة في المجتمع. ووجود مثل هذه المفردات في المجتمعات البشرية يكشف لنا عن عدد من الملاحظات:

الأُولى: الأعمال الصالحة المقبولة تنال رضا الناس وتأييدهم.

الثانية: ينبغي أن تكون هناك مكافأة لتشجيع أفراد المجتمع على القيام بالأعمال الصالحة.

الثالثة: إنّ بعض العناصر الصالحة تقوم بالأعمال المقبولة المحمودة من أجل نيل المكافأة. علماً بأنّنا عندما نقول: بعض العناصر الصالحة، لا جميعها، فإنّما نقصد أنّ جميع هذه العناصر لا تفعل الإحسان من أجل المكافأة.

بكلمة بديلة: إنّ بعض الناس يبلغ مرحلة من الناحية الأخلاقية والدينية، يرى فيها أنّ عمل الخير واجب أو هو ممّا بنبغي فعله.

إنّ التغريم، والزجر، والتقريع والتأنيب، وهتك الحرمة، وتشويه السمعة من الأمور التي يجب أن تطيقها العناصر الرديئة بسبب ما تمارسه من أعمال. ووجود مثل هذه المفردات يفصح لنا عن عدد من الحقائق:

الأولى: إنّ الإنسان - ذاتياً - لا يستحسن الأعمال غير الصالحة.

الثانية: بما أنّ الإنسان يخضع لتأثير النزوات الشخصية، فهو يجنح لمهاجمة الآخرين، أو يفعل ما فيه ضرر الآخرين من أجل مصلحته الشخصية، عند ذلك يجب تحذيره من القيام بالأعمال السيّئة الرديئة من خلال فرض العقوبات.

الثالثة: إنّ فرض العقوبات ضروري ومؤثّر في آن واحد.

بكلمة بديلة: لقد ثبت عملياً أنّ العقوبات مفيدة للحيلولة دون بروز المخالفات. هذا وإنّ بعض الأشخاص يرتدعون عن القيام بالأعمال السيّئة المشينة خشيةَ العقوبة.

أساس علم النفس

يؤمن علماء النفس، ولا سيّما أنصار مدرسة السلوك بدور المكافأة والعقوبة. وكما وضّحنا في مقارنة التدريب مع الدراسة، فإنّ الناس يتعلّمون كثيراً من الأمور عن الطريق الشَّرطي. ووفقاً للنظرية الشَّرطية الكلاسيكية، وعلى أساس تجارب (بافلوف)، فإنّ الكائن الحي ينقل ردّ فعله الطبيعي حيال المحفّز الطبيعي إلى أمر

١٨٥

مجاور للمحفّز الطبيعي، ويظهر معه في ظروف خاصّة. وفي ضوء رأي أنصار مدرسة السلوك، فإنّ معظم ضروب التعلّم - سواء في المجال الفكري أو المجال الأخلاقي والقانوني - يتحقّق عن هذا الطريق.

وطبقاً للنظرية الشرطية - العلمية، التي وضعَ عالمُ النفس الأميركي المعروف (سكينر) حجرها الأساس، فإنّ المكافأة تفضي إلى ترسيخ سلوك خاص في الفرد، والعقوبة تردعه عن القيام بعمل معيّن، وكما مرّبنا - فيما مضى -، فإنّ الإنسان يتأثّر بالمكافأة والعقوبة عمليّاً. ويبرهن على هذا الأمر سَنّ القوانين، وفرض العقوبات في المجتمعات المتنوّعة ذات الأنظمة السياسية المختلفة.

يؤمن الإسلام أيضاً بمبدأ المكافأة والعقوبة بأشكال متنوّعة، حيث تحدّث القرآن وسائر المصادر الإسلامية الموثوقة حول الجنّة والنار، والربح والخسارة، والخير والصلاح، والشر والانتكاسة، وحسن العاقبة، وسوء العاقبة، والفوز، وأمثال ذلك.

فحيناً يرى أنّ المخالفين ظالمون:

( ..وَمَن يَتَعَدّ حُدُودَ اللّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُون ) ، (البقرة: 229).

وحيناً آخر يهدد العاصين بالنار:

( وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خَالِداً فِيهَا.. ) ، (النساء: 14).

وذُكرت آثار العقوبات في بعض الآيات:

( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ.. ) ، (البقرة: 170).

وطوراً يرى أنّ قتل النفس بدون حق، هو قتل للمجتمع كلّه، وإحياءها إحياءٌ للمجتمع كلّه، قال تعالى:

( ..أَنّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنّمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنّمَا أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً.. ) ، (المائدة: 32).

وترى الآية الكريمة التالية أنّ الإمتناع عن القيام ببعض الأعمال يُفضي إلى

١٨٦

الفوز، وعلى نفس النسق، منعوا الناس من القيام بمثلها، قال تعالى:

( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ، (المائدة: 90).

وجاء في كثير من الآيات القرآنية الكريمة أنّ الإيمان والعمل الصالح يفضيان إلى الفوز أو الثواب العظيم، فقد قال تعالى:

( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ لَهُمْ جَنّاتُ النّعِيمِ ) ، (لقمان: 8).

وجاء في قسم من (الآية 62) من سورة البقرة:

( ..مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) .

إنّ الهدف من الناحية التربوية هو تربية وإعداد الأفراد بشكل هم يراقبون أعمالهم، فيفعلون ما هو صالح، وينتهون عمّا هو غير صالح. طبيعيّاً، إنّ تحقيق هذا الهدف - على هذا النمط المثالي - عسير على الصعيد العملي، لذلك شُرّعت القوانين الجنائية في جميع المجتمعات لمعاقبة المخالفين.

يتمّ التأكيد أحياناً على البعد التربوي في الآية القرآنية. قال تعالى:( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكّاهَا ) ، (الشمس: 9).

( وَقَدْ خَابَ مَن دَسّاهَا ) ، (الشمس: 10).

وكما قلنا سلفاً، فإنّ الهدف من بعثة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ورسالته هو: تربية الناس، وتعليم الكتاب والحكمة، قال تعالى:

( هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الْأُمّيّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ.. ) ، (الجمعة: 2).

إنّ تربية الإنسان، وتعليم الحكمة والكلام المنطقي أو العلم المُبرهَن، كل ذلك لا يردع الإنسان عن ارتكاب المخالفة فحسب، بل ويجعله في مسار معرفة الله، وتحصيل الفضائل الأخلاقية.

والتقوى - بمعنى السيطرة على الذات ومراقبة الرغبات

١٨٧

والنزوات الذاتية - هي من أقوى العوامل المرشدة والموجّهة للإنسان. ويتجسّد المثل الأعلى للتربية الإسلامية في كلام الإمام عليعليه‌السلام وعمله، حيث يقول:

«إنّ قوماً عبدوا الله رغبة، فتلك عبادة التّجار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبة، فتلكَ عبادة العبيد، وإنّ قوماً عبدوا الله شكراً، فتلك عبادة الأحرار».

ويقول في كلام آخر:

«إِلهي ما عبدتك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنّتك، بل وجدتُك أهلاً للعبادةِ فعبدتُك».

وهوعليه‌السلام المثال الأكمل للإنسان المدرّب على مفاهيم القرآن، والتجسيد الحقيقي للإسلام الأصيل. وفي مستوى شخصيّته، لا وجود لمسألة الجنّة والنار أو الترغيب والترهيب في قاموسه، بل إنّ ما يجب فعله، يفعلهعليه‌السلام .

جاء في (الآية 257) من سورة البقرة:

( اللّهُ وَلِيّ الّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِنَ الظّلُمَاتِ إلى النّورِ وَالّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِنَ النّورِ إلى الظّلُمَاتِ أُولئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .

التوبة أُسلوب تربوي

قال تعالى:( إِنّمَا التّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلّذِينَ يَعْمَلُونَ السّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً ) ، (النساء: 17).

( فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فإنّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ، (المائدة: 39).

( وَالّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذّنُوبَ إِلّا اللّهُ وَلَمْ يُصِرّوا عَلَى‏ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) ، (آل عمران: 135).

كما يُلحظ في الآيات المذكورة، فإنّ الذين يرتكبون الأعمال القبيحة بجهالة، ويُبادرون إلى إصلاح سلوكهم، ولا يصرّون على ما فعلوا، يمكنهم إظهار التوبة، والله

١٨٨

- تعالى - يقبل منهم توبتهم.

وهنا ينبغي ملاحظة عدد من النقاط في مسألة التوبة:

الأُولى: إنّ الإنسان - في أيّ مستوىً من التقوى والإيمان كان - فهو معرّض للانحراف، وكحد أدنى، يمكن أن يرتكب الصغائر.

الثانية: إنّ التوبة تستلزم علم الإنسان بأعماله، وتقويم ما فعله.

الثالثة: إنّ المسألة القائلة بأنّ مخالفة الإنسان تغتفر، والطريق مفتوح لإصلاحه، محفّز قويّ لإصلاح سلوكه.

بإيجاز: تُضاعف التوبة من اطّلاع الإنسان على نفسه، وترغّبه لإصلاح سلوكه، وتمهّد له الطريق من أجل تكامله وتطوّره.

النصيحة والموعظة

لقد مرّبنا - فيما مضى - أَنَّ الموعظة طريقٌ من طرق دعوة الناس إلى معرفة الله، جاء في سورة لقمان، نموذج من نصيحة الأب لابنه، حيث يدعو لقمان ابنه إلى التوحيد واجتناب الشرك، ويطلب منه أن يحترم والديه، بيد أنّه يوصيه هنا أن لا يتّبعهما فيما إذا رغّباه في أمرٍ لا علم له به، أو هو غير مطّلع عليه.

إِنّ الناس معادن شتّى، فلا يمكن تربية الجميع على وتيرة واحدة. إنّ البعض يتربّى بالإرشاد، والبعض الآخر يُبادر إلى تربية نفسه وفقاً للظروف السائدة. والنصيحة والموعظة مؤثّرتان أيضاً في تربية كثير من الناس.

حيناً، توقظ الإنسان كلمةٌ أو جملةٌ قصيرة، أو تذكيرٌ أو نصيحة، فتجعله على علم بأعماله.

وحيناً آخر، تفعل النصيحة فعلها في الشخص، فتدفعه إلى التفكّر، وترغّبه في تربية نفسه.

وآياتُ القرآن الكريم، وأقوال أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام حافلة بالمواعظ والنصائح.

ذُكرتْ في الآية التّالية أساليب الدعوة:

( ادْعُ إِلَى‏ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ.. ) ، (النحل: 125).

فُطرحت الحكمة أو الأُسلوب المنطقي، بمعيّة الموعظة والجدال بالتي هي أحسن، في

١٨٩

هذه الآية.

التربية عن طريق ذكر المثل

قال تعالى:( مَثَلُ الّذِينَ اتّخَذُوا مِن دُونِ اللّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) ، (العنكبوت: 41).

يتّفق أحياناً أن تكون للمَثل جاذبيّة خاصّة، فيلفت نظَر الإنسان نحوه. ويحثّ المَثَل - أحياناً - المفكّرين والعلماء فينبروا إلى التحقيق، ليوسّعوا بذلك من علمهم ووعيهم، جاء في آخر الآية المار ذكرها:

( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلّا الْعَالِمُونَ ) ، (العنكبوت: 43).

التربية عن طريق قصص الأُمم والشعوب

يلفت القرآن الكريم نظر الناس إلى المبادئ والحقائق الأخلاقية من خلال ذكر القصص، حيث يمكن أحياناً تربيتهم بِسَرْد القصص عليهم، وهذا اللون من التربية مفيد في مراحل النمو المتنوّعة. على سبيل المثال، من الأفضل أن تستعمل القصص والحكايات أحياناً، لكي يألف الناشئة والأحداث، المفاهيم والمبادئ الدينية والأخلاقية.

طبيعيّاً، إنّ قصّة حياة المسلمين الحقيقيّين، قيّمة ومفيدة للجميع، لذا يمكن تربية الكبار بشكل أفضل عن طريق سَرْد القصص. علماً بأنّ التربية عن طريق سَرْد القصص تكون عملية بصورة غير مباشرة. على أيّ حال، ينبغي توضيح النقاط الأساسية في القصص لدى سَرْدها، وذلك بالاستعانة بالشباب والكبار، والقصد - هنا - هو أن يؤخذ الهدف - وهو التربية الحقيقية - بعين الاعتبار، ضمن الاستفادة من جاذبيّة القصّة.

جاء في الآية الكريمة التالية:( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاُِولِي الْأَلْبَابِ.. ) ، (يوسف: 111).

تُطرح نقاط تربوية أساسية في دراسة حياة الأُمم

١٩٠

والشعوب. فيتحدّد - هنا - سبب الرُقيّ والسموّ. وعلى نفس النسق، يتحدّد سبب ضمور الأُمم والشعوب وانقراضها.

جاء في القرآن الكريم أنّ سبب فوز الأُمم والشعوب وفلاحها هو الإيمان بالله، والجهاد في سبيله، وهو سبيل الكمال المعنوي، والحكمة، والعدالة، والإيثار ونكران الذات، قال تعالى:

( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ، (المائدة: 35).

وكما مرّبنا سلفاً، فإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس أُسلوباً تربوياً فحسب، بل هو وسيلة لفوز الأُمم والشعوب وفلاحها. قال تعالى:

( وَلِتَكُن مِنكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ، (آل عمران: 104).

إنّ الظلم والفساد يسبّبان دمار الأمم والشعوب وهلاكها، قال تعالى:

( وَمَا كُنّا مُهْلِكِي الْقُرَى‏ إِلّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ) ، (القصص: 59).

( وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمّرْنَاهَا تَدْمِيراً ) ، (الإسراء: 16).

بعامّة، فإنّ في البِين نقاطاً بشأن الموعظة والنصيحة، والأمثال، وتبيان قصص الأُمم والشعوب، وهي كمايلي:

1 - تنبيه الناس على المحمود من الأفعال، والمذموم منها.

2 - توضيح دَوْر الأشخاص ومسؤوليتهم في إنجاز الأعمال.

3 - تجسيد آثار كل عمل ونتائجه.

4 - طرح المعايير الأساسية.

5 - ترغيب الناس في التعقل والتفكّر حول القصص، والعمل على تربية أنفسهم من خلالها.

الدعاء والتضرّع

إنّ الدعاء والتضرّع إلى الله هو أحد الأساليب التربوية الأساسية في الإسلام

١٩١

وقد وردت أهميّة الدعاء في كسب العناية الإلهية في (الآية 77) من سورة الفرقان:

( قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامَاً ) .

الدعاء للهداية

( اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ، (الفاتحة: 6).

( رَبّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ ) ، (آل عمران: 8).

( قُلْ إِنّنِي هَدَانِي رَبّي إِلَى‏ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ، (الأنعام: 161).

الدعاء للاستغفار والتوبة

جاء في قسم من (الآية 286) من سورة البقرة:

( ...وَاعْفُ عَنّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلاَنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) .

وقال تعالى:( الّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَا إِنّنَا آمَنّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النّارِ * الصّابِرِينَ وَالصّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ) ، (آل عمران: 16 - 17).

الدعاء لذكر الله دائماً

قال تعالى:( وَاذْكُر رَبّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوّ والآصَالِ وَلاَ تَكُن مِنَ الْغَافِلِينَ ) ، (الأعراف: 205).

الدعاء في مجال الإخلاص

قال تعالى:( فَادْعُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) ، (غافر: 14).

١٩٢

أمّا الآيات التي نُقل فيها الدعاء على لسان الأنبياء فكثيرة، فقد جاء على لسان إبراهيم واسماعيلعليهما‌السلام :

( رَبّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرّيّتِنَا أُمّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنّكَ أَنْتَ التّوّابُ الرّحِيمُ * رَبّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكّيهِمْ إِنّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ، (البقرة: 128 - 129).

وجاء على لسان آدم وحوّاء:

( قَالاَ رَبّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِن لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) ، (الأعراف: 23).

فالدعاء وسيلة لتربية الإنسان، وهو طريق التقرّب إلى الله، وطريق التحلّي بالفضائل، وبه يمكن أن نُطهّر أنفسنا من الرذائل، ونُعلن الجهاد ضدّ الطاغوت.

والدعاء لون من ألوان الشكر، وهو أُسلوب لتحميد الله وتقديسه، ووسيلة لمعرفة عظمة الله، وطريق للمناجاة مع المحبوب، ونوع من محاسبة النفس، والإقرار بالذنب، واستصغار النفس بجميع ملوّثاتها أمامَ الله - تعالى - مَظْهر الفضائل. وهو الأمل والرجاء، والخوف، والخضوع أمام الله، والخشوع قبال قدرته وعظمته، والتعوّذ به والالتجاء إليه، ورفض القيم التافهة الكاذبة الرخيصة، وهو التوبة، والندم، وتزكية النفس، والهداية، والكمال، والتذلّل، وطلب العفو والرحمة.

وبإيجاز: هو التأهّب للقاء الله، فكلّ ما أُثر من أدعيةٍ عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة المعصومينعليهم‌السلام قبل الصلوات وبعدها، وفي أوقات متنوّعة، وعند التعامل مع مختلف الأحداث يدلّل على أهميّة الدعاء ومعطياتة الباهرة.

ومن أجل توضيح الأبعاد المتنوّعة للدعاء، ننقل فقرات قصيرة من الدرر الثمينة للإمام زين العابدين وسيّد الساجدين عليّ بن الحسينعليه‌السلام مستقّاة من

١٩٣

الصحيفة السجّادية الكاملة(*) ، علماً بأنّ مطالعة الصحيفة مطالعة كاملة، وكذلك مطالعة الأدعية المأثورة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام الموجودة في كتاب (مفاتيح الجنان) مفيدة للغاية، لِمَن يرومون إدراك عمق التربية الإسلامية.

يقول الإمامعليه‌السلام في التّحميد لله والثناء عليه: «... حمداً يكونُ وُصلةً إلى طاعته وعفوه، وسبباً إلى رضوانه، وذريعةً إلى مغفرته، وطريقاً إلى جنّته، وخفيراً من نقمته، وأمناً من غضبه، وظهيراً على طاعته، وحاجزاً عن معصيته، وعوناً على تأدية حقِّه ووظائفه، حمداً نَسعَدُ به في السعداءِ من أوليائه، ونصيرُ به في نظْم الشهداءِ بسيوف أعدائه، إنّه وليّ حميد».

ومن دعائهعليه‌السلام لنفسه وأهل ولايته: «اللهمّ إنّك مَن واليتَ لم يضرْره خِذلانُ الخاذلين، ومَن أعطيتَ لم يَنقُصْه منعُ المانعين، ومن هديتَ لم يُغْوِه إضلالُ المُضِلّين، فصلّ على محمّد وآله، وامنْعنا بعزِّك من عبادِك، وأَغنِنا عن غيرك بإرفادك، واسلُكْ بنا سبيلَ الحقِّ بأرشادك..».

ومن دعائهعليه‌السلام عند الصباح والمساء: «... واجعلْه أيمنَ يومٍ عهِدناه، وأفضلَ صاحبٍ صحِبناه، وخيرَ وقتٍ ظلِلْنَا فيه. واجعلنا مِن أرضى مَنْ مرَّ عليه الليلُ والنهار من جُملة خلْقِك، أشكرهم لِما أوليتَ مِن نِعمك، وأقومَهم بما شرّعتَ من شرائعك، وأوقفَهم عمّا حذّرتَ من نهيك». ومن دعائهعليه‌السلام إذا عرضت له مهمّة أو نزلت ملمّة به، وعند الكرب: «يا من تُحَلّ به عُقَدُ المكاره، ويا مَنْ يُفثأُ بهِ حدُّ الشدائد، ويا من يُلتَمسُ منه المخرج إلى رَوحِ الفرج. ذلّت لقدرتك الصِعاب، وتسبّبتْ بلطفك الأسباب، وجرى بقُدرتك القضاء.. وهب لي من لدنك رحمةً وفرجاً هنيئاً..».

____________________

(*) نؤكِّد على الطلبة الجامعيين وروّاد التربية الإسلامية، مطالعة الصحيفة السجّاديّة، لما فيها من فوائد عظيمة.

١٩٤

ومن دعائهعليه‌السلام في الاستعاذة من المكاره وسيّء الأخلاق ومذامّ الأفعال: «اللهمّ إنّي أعوذُ بك من هَيجانِ الحرص، وسَوْرَة الغضب، وغلبة الحسد، وضَعف الصبر، وقلّة القناعة، وشكاسة الخُلق، وإلحاحِ الشهوة، وملكَة الحميّة، ومتابعةِ الهوى، ومخالفة الهدى، وسِنةِ الغفلة، وتعاطي الكلفة، وإيثار الباطلِ على الحق، والإصرار على المأثم، واستصغارِ المعصية، واستكبار الطاعة، ومُباهات المكثرين، والإزْراءِ بالمُقلّين، وسوءِ الولاية لمن تحت أيدينا، وتركِ الشكر لمنِ اصطنع العارفة عندنا..».

ومن دعائهعليه‌السلام في مكارم الأخلاق ومرضيّ الأفعال: «اللهمّ صلِّ على محمّدٍ وآلهِ وبلّغْ بأيماني أكملَ الإيمان، واجعلْ يقيني أفضلَ اليقين، وانْتهِ بنيّتي إلى أحسن النيّات، وبعملي إلى أحسنِ الأعمال. اللهمّ وفّرْ بلطفِك نيّتي، وصحّح بما عندك يقيني، واستصلح بقدرتك ما فسَد منّي...».

ومن دعائهعليه‌السلام لجيرانه وأوليائه: «اللهمّ صلّ على محمّد وآله، وتولّني في جيراني ومَوالِيَّ العارفينَ بحقّنا، والمنابذين لأعدائِنا بأفضل ولايتك ووفّقْهم لإقامة سُنّتِك، والأخذِ بمحاسن أدبك، في إرفاق ضعيفهم، وسدِّ خَلّتِهم، وعيادةِ مريضهم، وهداية مسترشدِهم..».

ومن دعائهعليه‌السلام في الرضا إذا نظر إلى أصحاب الدنيا: «... واجعل شكري لك على ما زويتَ عني اوفر من شكري اياك على ما خولتني، واعصمْني منْ أن أظُنَّ بذي عدَمٍ خساسة، أو اظنَّ بصاحبِ ثروة فضلا. فأنَّ الشريف مَن شرّفتْه طاعتُكَ، والعزيزَ مَنْ أعزّتُه عبادتُك، فصلّ على محمدٍ وآله، ومتّعنا بثروةٍ لا تنفَد، وأيّدْنا بعزٍّ لا يُفقد، وأسرِحْنا في مُلْك الأَبَد...».

ومن دعائهعليه‌السلام في طلب العفو والرحمة: «...اللهمّ وأَيُّما عبدٍ نالَ

١٩٥

منّي ما حظرتَ عليه، وانتهك منّي ما حجرتَ عليه، فمضى بظُلامتي ميّتاً، أو حصلتْ لي قِبلَهُ حيّا، فاغفرْ له ما ألمَّ به منّي، واعفْ له عمّا أدبَر به عنّي...».

ومن دعائهعليه‌السلام في استكشاف الهموم: «اللهمّ صلّ على محمّد وآله، واقبضْ على الصّدق نفسي، واقطع من الدنيا حاجتي، واجعل فيما عندك رغبتي شوقاً إلى لقائك، وهب لي صدقَ التوكّل عليك. أسألك من خير كتابٍ قد خلا، وأعوذ بك من شرِّ كتاب قد خلا. أسألك خوف العابدين لك، وعبادةَ الخاشعين لك، ويقين المتوكّلين عليك، وتوكّل المؤمنين عليك...».

محتوى النظام التربوي في الإسلام

يمكن أن نستخرج محتوى النظام التربوي في الإسلام من القرآن الكريم، وسيرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة المعصومينعليهم‌السلام ، ومن نهج البلاغة. علماً بأنّ كتابنا هذا لا يسع الحديث حول محتوى الرسالة الإسلامية، وكما نعلم، فإنّ الإسلام تطرّق الى:

التوحيد ومعرفة الله، رسالة الأنبياء وإمامة الأمّة، المعاد، العدل الإلهي، العبادات وفروع الأحكام، الطبيعة والكائنات الطبيعية، الإنسان، الأُمم والشعوب، النُظُم السياسية، الزراعة والتجارة، المعايير الأخلاقية، علاقات المسلمين فيما بينهم، علاقات المسلمين مع غير المسلمين.

وعشرات المواضيع الأُخرى.

ولقد تحدّثنا حول بعض هذه المواضيع ضمن دراستنا للأبعاد التربوية، ولكلِّ واحد من هذه المواضيع بُعد تربوي في حدوده المقرّرة، ويمكن أن يكون كل منها كتاباً كاملاً. على سبيل المثال: يمكن أن يشكّل موضوع المعاد كتاباً كبيراً من حيث الهدف، والدافع، ومبدأ الكمال ودوره المستمر في تنمية الأشخاص وتطوّرهم.

(أرجو أن يحالفني الحظ لاؤلّف كتاباً مفصّلاً يتناول الأبعاد التربوية لهذه المواضيع).

١٩٦

ما هو النظام التربوي؟

إنّ كلمة النظام من الكلمات التي لها اعتبارها العلمي، لذلك يحاول بعض الكتّاب أو أصحاب الأفكار والعقائد المتنوّعة أن يصبّوا نظرياتهم على شكل نظام.

وقد تطرّقَت الكتابات الفلسفية والاجتماعية والاقتصادية غالباً إلى النظام الفكري، والنظام المثالي، والنظام الاجتماعي، والنظام الاقتصادي. وقبل أن نتناول النظام التربوي بالبحث والدراسة، نرى من الضروري أن نوضّح معنى النظام.

عندما يدور الحديث حول النظام، فإنّنا نتعامل - عادةً - مع أجزائه، وهيكله العام، والعلاقة والتأثير المتبادلين بين الأجزاء والهيكل العام، ووحدتهما وتناسقهما ودورهما.

وعندما نخوض في الحديث حول النظام الفكري، فإنّ المفاهيم، والنظريات، والمبادئ والقواعد في هذا النظام مترابطة فيما بينها ارتباطاً منطقياً في نمط معيّن. والارتباط المنطقي بين هذه الأشياء يكشف عن وحدتها وتنظيمها.

بكلمة بسيطة: يجب أن تكون المفاهيم، والنظريات، والمبادئ والقوانين متناسقة فيما بينها، ومترابطة في خطّة منطقيّة.

في النظام التربوي، مضافاً إلى المفاهيم والنظريات، والمبادئ والقواعد، فإنّ أُموراً من نحو: الهدف، والأُسلوب، والنشاطات تشكّل الأجزاء الأصلية للنظام، مضافاً إلى ذلك، فإنّ النظام التربوي ينبغي أن يكون جزءاً من النظام الفكري والنظام المثالي للمجتمع. وعندما نقول هذا، لا يتبادر إلى الذهن أنّ النظام التربوي يفقد استقلاله في ظلِّ النظام الفكري للمجتمع إلى حدٍ لا يستطيع معه أداء رسالته.

وكما ذكرنا - فيما مضى - فإنّ أجزاء النظام تعيش علاقةً وتأثيراً متبادلين، سواء في علاقات بعضها مع البعض الآخر، أو في علاقاتها مجتمعة مع النظام كلّه، لذلك كلّما كان النظام ذا اتّجاه عقلي ومنطقي، فإنّ التأثير المتبادل يتضاعف.

وبناء على

١٩٧

ما مرّ من كلامٍ، فإنّ مجموعة المعلومات المبعثرة، والنظريات المفكّكة لا تشكّل نظاماً.

وفيما يخصّ النظام التربوي، يجب الأخذ بعين الإعتبار العلاقة الثنائية والمنطقية معاً للأجزاء، وكما قلنا، في النظام التربوي يجب أن يكون هناك ترابط بين الأهداف، والأساليب، والنشاطات، والنظريات، والقواعد في خطّة منطقية. وفي الوقت ذاته، يكون النظام التربوي جزءاً فاعلاً بالنسبة إلى النظام الفكري للمجتمع، ليؤدّي رسالته.

النظام التربوي في إيران

ينبغي أن نلاحظ: هل إنّ جهاز التعليم الرسمي في بلادنا، منذ تأسيس التربية والتعليم في المجتمع، تَبَلْور على شكل نظام أم لا؟

فكما يُلحظ، أنّنا نتحدث حول التعليم الرسمي في بلادنا، ونريد أن نرى هل إنّ هذا التعليم الذي يجري في المدارس الابتدائية، والثانويات، والجامعات تبلور على شكل نظام أم لا؟

ندرس وضع المدارس القديمة، والحوزات العلمية، بمعزل عن التعليم الرسمي في البلاد.

المؤسّسات التعليمية الجديدة

لقد تم تأسيس (دار الفنون) لسدّ الحاجة إلى الاختصاصيّين في الفروع: الطبيّة، والمعمارية، والعسكرية إلى حدٍّ ما. ونظراً إلى أنّ أساتذةً أجانب كانوا يُزاولون التدريس فيها، لذلك لا مندوحة من تأثّر البرامج التعليمية هدفاً وأُسلوباً ومحتوىً بالنُظُم التربوية الغربية منذ البداية، وفي عقيدتي، فإنّ النُظُم التربوية في الغرب كانت فاقدةً للتماسك الحقيقي آنذاك.

بكلمة بديلة: كان الغموض يكتنف الأهداف، والأساليب، والنشاطات، والنظريات التربوية في النُظُم التربوية الغربية، وليس هناك ترابط منطقي فيما بينها.

أمّا التعليم العالي في بلادنا فقد بدأ

١٩٨

بشكل رسمي بعد تأسيس (دار الفنون) متأثراً بالثقافة الغربية.

وكانت مدارسنا الابتدائية والثانوية أيضاً تحاكي المؤسّسات التربوية الغربية من حيث تنظيم الدروس، ومنهجّيتها، ومحتواها، إلى حدٍّ بعيد. وقد نُقل أنّ أوّلَ وزيرٍ للتربية في إيران زار فرنسا، ولمّا عاد، طبّق النظام السائد في المدارس هناك على المدارس الإيرانية. ونظرة قصيرة على نظام المدارس تبيّن لنا فقدان الهدف، والأُسلوب، والبرامج المحدّدة.

نحن نعلم بأنّ المرحلة الابتدائية ذات السنوات الست، بدأت في إيران على غِرار المنظّمات التربوية القائمة في فرنسا، فانقسمت الدراسة الإعدادية إلى مرحلتين:

الأولى: وأمدها ثلاث سنوات، وكانت ذات بُعد عام إلى حدّ ما.

والثانية: وانقسمت إلى فروعين: الفرع العلمي، والفرع الأدبي.

وبعد ردح من الزمن، قاموا بإجراء تغيير في جهاز التعليم الثانوي. فتمدّدت المرحلة الأُولى أو المرحلة العامّة من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات، وفي السنة السادسة من المرحلة الثانوية، تأسّست الفروع الطبيعيّة، والرياضية، والأدبية.

وبعد بضع سنين، تغيّر نظام التعليم الثانوي مرّةً أُخرى، وعاد إلى ما كان عليه في السابق، حيث إنّ المرحلة الأُولى من التعليم الثانوي كانت ثلاث سنوات. والمرحلة الثانية كذلك، وشملت الفروع الطبيعية والرياضية والأدبية، ثم أُضيف فرع التجارة إلى برامج التعليم الثانوي.

وتقارَن تأسيس المدارس المهنية مع المدارس الثانوية. وبالرغم من أنّه يمكن تكييف برنامج المدارس المهنية لِيُلبّي الحاجات الاجتماعية بسهولة، بيد أنّه أيضاً، تمّ تأسيس المدارس المهنية لتحاكي المؤسسات المهنية في الدول الغربية إلى حدٍّ كبير.

وكان خريجو المدارس المهنية أيّام رضا خان إمّا يعملون حرّاساً، وإمّا موظّفين عاديين في الدوائر الحكومية بسبب عدم توفر فرص عمل مناسبة لهم، فمن تخرّج من فرع التجارة مثلاً، كان يعمل في دائرة الأحوال المدنية.

وفي تلك الفترة أيضاً زاول

١٩٩

خرّيجو كليّة الهندسة التدريس في الثانويات، بسبب عدم إتاحة فُرَص عمل مناسبة لهم في المؤسّسات المهنية. ومن الواضح أنّ هذه الحالة لا تسري على جميع المهندسين أو خرّيجي المدارس المهنية. مع هذا كلّه، كان جليّاً بأنّ تأسيس الفروع المهنية على المستوى الثانوي والجامعي لم يتحقّق وفقاً لحاجات البلاد.

النظام المصطلح عليه حديثاً: التربية والتعليم

نظراً لوجود بعض المسائل التعليمية، لاسيّما تضاعُف عدد خريجي المدارس الثانوية، ورغبتهم في اجتياز امتحانات القبول ليحصلوا على مقاعد جامعية، قرّر مسؤولوا التربية والتعليم - بتصوّرهم - تغيير النظام التعليمي.

وبما أنّ ما يُسمّون بالمسؤولين، تنقصهم المعلومات التربوية (تعاون عدد يسير من أساتذة الجامعات المختصّين في علم النفس، وعلم الاجتماع، مع المسؤولين عن التربية والتعليم، علماً أنّه ليس لهم إلمام بالتربية والتعليم والتخطيط التعليمي) ولم يشعروا بالمسؤولية أمام المجتمع، وفقط تظاهروا بأنّهم قاموا بعمل ما، وشغلوا أوقات الناس بضجيج دعاياتهم المزيّفة، لذلك انتخبوا - مرة أُخرى - نظاماً تعليميّاً سائداً في إحدى الدول، وقدّموه بوصفه نظاماً جديداً.

إنّ استعراض الأهداف الستّة لهذا النظام، والمبادئ العشرين، التي تتكفّل بتبيان تلك الأهداف بحذافيرها، يدلُّ على أنّ واضعي ما يُسمّى بالنظام التربوي، لم يفهموا معنى النظام التربوي، ولم يكن لهم علم بأُسس التعليم الابتدائي والثانوي.

لقد قلّصوا المرحلة الابتدائية من ست سنوات إلى خمس سنوات، بدون سبب، ووضعوا منهج الدراسة في المرحلة المتوسطة بشكل كان إدراكه عسيراً على المعلّم والطالب. ولم يكن تأسيس دورة المشاورة وإعداد المشاور مُجدياً أيضاً، لأنّ الجمود على المعايير السابقة، واعتبار الدرجات مهمّة في انتخاب الفروع الفنيّة، حالا دون تحقيق الهدف الذي كانت تتوخاه المرحلة المتوسّطة.

ويدلّ وضع التعليم الثانوي

٢٠٠