الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٨

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 397

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
تصنيف: الصفحات: 397
المشاهدات: 139929
تحميل: 5988


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 397 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 139929 / تحميل: 5988
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 8

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وفي الكنز ٤: ٢٤٠ من طريق الدارقطني عن ابن جريج قال: سأل حميد الضمري ابن عبّاس فقال: إنِّي أُسافر فاقصّر الصَّلاة في السفر أم أتمّها؟ فقال ابن عبّاس: لستَ تقصِّرها ولكن تمامها وسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم آمناً لا يخاف إلّا الله فصلّى اثنتين حتّى رجع، ثمَّ خرج أبو بكر لا يخاف إلّا الله فصلّى ركعتين حتّى رجع، ثمَّ خرج عمر آمناً لا يخاف إلّا الله فصلّى اثنتين حتّى رجع، ثمَّ فعل ذلك عثمان ثلثي إمارته أو شطرها ثمَّ صلّاها أربعاً، ثمَّ أخذ بها بنوا أُميَّة. قال ابن جريج: فبلغني إنَّه أوفى أربعاً بمنى فقط من أجل إنَّ أعرابيّاً ناداه في مسجد الخيف بمنى: يا أمير المؤمنين! ما زلت أُصلّيها ركعتين منذ رأيتك عام الأوَّل صلّيتها ركعتين. فخشي عثمان أن يظنَّ جهّال الناس الصَّلاة ركعتين وإنَّما كان أوفاها بمنى.

وأخرج أحمد في المسند ٤: ٩٤ من طريق عباد بن عبد الله قال: لما قدم علينا معاوية حاجّاً صلّى بنا الظهر ركعتين بمكّة، ثمَّ انصرف إلى دار الندوة فدخل عليه مروان وعمرو بن عثمان فقالا له: لقد عبت أمر ابن عمك لأنَّه كان قد أتمَّ الصَّلاة قال: وكان عثمان حيث أتمَّ الصَّلاة إذا قدم مكّة صلّى بها الظهر والعصر والعشاء أربعاً ثمَّ إذا خرج إلى منى وعرفة قصّر الصَّلاة فإذا فرغ الحجّ وأقام بمنى أتمَّ الصّلاة. وذكره ابن حجر في فتح الباري ٢: ٤٥٧، والشوكاني في نيل الأوطار ٢: ٢٦٠.

وروى الطبري في تاريخه وغيره: حجَّ بالناس في سنة ٢٩ عثمان فضرب بمنى فسطاطاً فكان أوَّل فسطاطٍ ضربه عثمان بمنى، وأتمَّ الصلاة بها وبعرفة، فذكر الواقدي «بالإسناد» عن ابن عبّاس قال: إنَّ أوَّل ما تكلّم الناس في عثمان ظاهراً إنَّه صلّى بالناس بمنى في ولايته ركعتين حتّى إذا كانت السنة السادسة أتمَّها، فعاب ذلك غير واحد من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتكلّم في ذلك من يريد أن يكثر عليه حتّى جاء عليٌّ فيمن جاءه فقال: والله ما حدث أمرٌ ولا قَدُمَ عهدٌ ولا عهدت نبيّك صلى الله عليه وسلم يصلّي ركعتين، ثمَّ أبا بكر، ثمَّ عمر، وأنت صدراً من ولايتك، فما أدري ما يرجع إليه؟ فقال: رأيٌ رأيته.

وعن عبد الملك بن عمر وبن أبي سفيان الثقفي عن عمّه قال: صلّى عثمان بالناس بمنى أربعاً فأتى آتٍ عبد الرحمن بن عوف فقال: هل لك في أخيك؟ قد صلّى بالناس أربعاً، فصلّى عبد الرحمن بأصحابه ركعتين، ثمَّ خرج حتّى دخل على عثمان فقال له: ألمْ تُصلِّ

١٠١

في هذا المكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين؟ قال: بلى. قال: ألمْ تُصلِّ مع أبي بكر ركعتين؟ قال: بلى. قال: أفَلمْ تُصلِّ مع عمر ركعتين؟ قال: بلى قال: ألمْ تُصلِّ صدراً من خلافتك ركعتين؟ قال: بلى. قال: فاسمع منِّي يا أبا محمَّد إنِّي أُخبرت إنَّ بعض من حجَّ من أهل اليمن وجفاة الناس قد قالوا في عامنا الماضي: إنَّ الصَّلاة للمقيم ركعتان هذا إمامكم عثمان يصلّي ركعتين. وقد اتّخذت بمكّة أهلاً فرأيت أنْ أصلّي أربعاً لخوف ما أخاف على الناس، وأُخرى قد اتَّخذت بها زوجةْ، ولي بالطائف مال، فربما اطلعته فأقمت فيه بعد الصدر. فقال عبد الرحمن بن عوف: ما من هذا شيءٌ لك فيه عذرٌ؛ أمّا قولك: إتَّخذت أهلاً. فزوجتك بالمدينة تخرج بها إذا شئت، وتقدم بها إذا شئت؛ إنَّما تسكن بسكناك.

وأمّا قولك: ولي مالٌ بالطائف. فإنَّ بينك وبين الطائف مسيرة ثلاث ليال وأنت لست من أهل الطائف.

وأمّا قولك: يرجع مَن حجَّ من أهل اليمن وغيرهم فيقولون: هذا إمامكم عثمان يصلّي ركعتين وهو مقيمٌ. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي والناس يومئذ الاسلام فيهم قليلٌ، ثمَّ أبو بكر مثل ذلك، ثمَّ عمر، فضرب الاسلام بجرانه فصلّى بهم عمر حتّى مات ركعتين. فقال عثمان: هذا رأي رأيته.

قال: فخرج عبد الرحمن فلقي ابن مسعود فقال: أبا محمَّد غير ما يُعلم؟ قال: لا قال: فما أصنع؟ قال: إعمل أنت بما تعلم. فقال ابن مسعود: الخلاف شرٌّ، قد بلغني إنَّه صلّى أربعاً فصلّيت بأصحابي أربعاً. فقال عبد الرحمن بن عوف: قد بلغني إنه صلّى أربعاً فصلَّيت بأصحابي ركعتين، وأمَّا الآن فسوف يكون الذي تقول، يعني نصلّي معه أربعاً.

أنساب البلاذري ٥: ٣٩، تأريخ الطبري ٥: ٥٦، كامل ابن الأثير ٣: ٤٢، تاريخ ابن كثير ٧: ١٥٤، تاريخ ابن خلدون ٢: ٣٨٦.

(نظرةٌ في رأي الخليفة )

قال الأميني: أنت ترى أنَّ ما ارتكبه الرجل مجرَّد رأي غير مدعوم ببرهنة ولا معتضد بكتاب أو سنَّة، ولم يكن عنده غير ما تترَّس به من حججه الثلاث التي دحضها عبد الرحمن بن عوف بأوفى وجه حين أدلى بها، بعد أن أربكه النقد، وكان

١٠٢

ذلك منه تشبّثاً كتشبّث الغريق، ومن أمعن النظر فيها لا يشكُّ أنَّها ممّا لا يفوه به ذو مرَّة في الفقاهة فضلاً عن إمام المسلمين، ولو كان مجرَّد إنَّ زوجته مكيَّة من قواطع السفر؟ فأيّ مهاجر من الصحابة ليس كمثله؟ فكان إذن من واجبهم الإتمام، لكنَّ الشريعة فرضت التقصير على المسافر مطلقاً، والزوجة في قبضة الرجل تتبعه في ظعنه وإقامته، فلا تخرج زوجها عن حكم المسافر لمحض إنَّه بمقربة من بيئتها الأصليَّة التي هاجر عنها وهاجرت.

قال ابن حجر في فتح الباري ٢: ٤٥٦: أخرج أحمد والبيهقي من حديث عثمان وإنَّه لما صلّى بمنى أربع ركعات، أنكر الناس عليه فقال: إنّي تأهَّلت بمكّة لما قدمت وإنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مَن تأهَّلَ ببلدةٍ فإنَّه يُصلّي صلاة مقيم. قال هذا الحديث لا يصحّ منقطعٌ، وفي رواته مَن لا يُحتجُّ به، ويردُّه إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُسافر بزوجاته وقصر.

وقال ابن القيّم في عدِّ أعذار الخليفة: إنَّه كان قد تأهَّل بمنى، والمسافر إذا أقام في موضع وتزوَّج فيه، أو كان له به زوجة أتمَّ. ويُروى في ذلك حديثٌ مرفوعٌ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم فروى عكرمة بن إبراهيم الأزدي عن أبي ذئاب عن أبيه قال: صلّى عثمان بأهل منى أربعاً وقال: يا أيُّها الناس لما قدمت تأهَّلت بها، وإنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا تأهَّل الرجل ببلدة فإنَّه يُصلّي بها صلاة مقيم. رواه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده (١: ٦٢)، وعبد الله بن زبير الحميدي في مسنده أيضاً، وقد أعلّه البيهقي بانقطاعه، وتضعيفه عكرمة بن إبراهيم، قال أبو البركات ابن تيميَّة: ويمكن المطالبة بسبب الضعف، فإنَّ البخاري ذكره في تاريخه ولم يطعن فيه، وعادته ذكر الجرح والمجروحين، وقد نصَّ أحمد وابن عبّاس قبله: إنَّ المسافر إذا تزوَّج لزمه الإتمام، وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله، ومالك وأصحابهما، وهذا أحسن ما اعتذر به عن عثمان.

قال الأميني: لو كان عثمان لهج بهذه المزعمة في وقته على رؤس الاشهاد، وكان من المسلّم في الاسلام إنَّ التزويج من قواطع السفر - وليس كذلك - لما بقيت كلمة مطويَّة تحت أستار الخفاء حتّى يكتشفها هذا الأثريّ المتمحِّل، أو يختلقها له رماة القول على عواهنه.

١٠٣

ثمَّ لأيّ شيء كانت والحالة هذه نقود الصحابة الموجّهة إلى الرجل؟ أوَلم يسمعوه لما رفع عقيرته بعذره الموجَّه؟ أو سمعوه ولم يقيموا له وزنا؟ أو أنَّ الخطاب من ولائد أُمّ الفرية بعد منصرم أيّامه؟

على أنَّ النكاح لا يتمُّ عند القوم إلّا بشاهدين عدلين، وورد عن ابن عبّاس: لا نكاح إلّا بأربعة: وليّ، وشاهدين، وخاطب(١) ، فأين كان أركان نكاح الخليفة يوم توجيه النقود إليه؟ حتّى يدافعون عنه تلك الجلبة واللغط.

ومتّى تأهَّل الرجل بهذه المرأة الموهومة قاطعة السفر له؟ وما المسوِّغ له ذلك وقد دخل مكّة محرماً؟ وكيف يشيع المنكر ويقول: تأهَّلت بمكة مذ قدمت؟ ولم يكن متمتّعاً بالعمرة - لأنَّه لم يكن يبيح ذلك أخذاً برأي من حرَّمها كما يأتي تفصيله - حتّى يقال: إنَّه تأهَّل بين الإحرامين بعد قضاء نسك العمرة، فهو لم يزل كان محرماً من مسجد الشجرة حتّى أحلَّ بعد تمام النسك بمنى، فيجب أن يكون إتمامه الصَّلاة إن صحَّ الإتمام بالتأهُّل؟ وأنَّى؟ من حيث أحلَّ وتأهَّل، وقد صلّاها تامَّة بمنى أيّام منى وبعرفات أيضاً محرماً مع الحاج، فهذه مشكلةٌ أُخرى قطُّ لا تنحلُّ لما صحَّ من طريق عثمان نفسه عن رسول الله صلى الله عليه وآله من قوله: لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب(٢) .

وعن مولانا أمير المؤمنين قال: لا يجوز نكاح المحرم، إن نكح نزعنا منه إمرأته(٣) .

قال ابن حزم في المحلّي ٧: ١٩٧: مسألةٌ: لا يحلُّ لرجل ولا لإمرأة أن يتزوَّج أو تتزوَّج، ولا أن يزوِّج الرجل غيره من وليته، ولا أن يخطب خطبة نكاح مذ يحرمان إلى أن تطلع الشمس من يوم النحر، ويدخل وقت رمي جمرة العقبة، ويفسخ النكاح قبل الوقت المذكور، كان فيه دخول وطول مدّة وولادة أولم يكن، فإذا دخل الوقت

____________________

١ - سنن البيهقي ٧: ١٢٤ ١٢٧، ١٤٢.

٢ - الموطأ لمالك ١: ٣٢١، وفي ط: ٢٥٤ الأم للشافعي ٥: ١٦٠، مسند أحمد ١: ٥٧، ٦٤، ٦٥، ٦٨، ٧٣، صحيح مسلم ١: ٩٣٥، سنن الدارمي ٢: ٣٨، سنن أبي داود ١: ٢٩٠، سنن أبي ماجة ١: ٦٠٦، سنن النسائي ٥: ١٩٢، سنن البيهقي ٥: ٦٥، ٦٦.

٣ - المحلى لابن حزم ٧: ١٩٩.

١٠٤

المذكور حلَّ لهما النكاح والإنكاح. ثمَّ ذكر دليل الحكم فقال:

فإن نكح المحرم أو المحرمة فسخ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ. وكذلك إن أنكح من لا نكاح لها إلّا بإنكاحه فهو نكاحٌ مفسوخٌ لما ذكرنا، ولفساد الانكاح الذي لا يصحُّ النكاح إلّا به، ولا صحَّة لما لا يصحُّ، إلّا بما يصحٌّ، وأمّا الخطبة فإن خطب فهو عاصٍ ولا يفسد النكاح لأنَّ الخطبة لا متعلّق لها بالنكاح، وقد يخطب ولا يتمّ النكاح إذا رُدَّ الخطاب، وقد يتمٌّ النكاح بلا خطبة أصلاً، لكن بأن يقول لها: أنكحيني نفسك فتقول: نعم قد فعلت. ويقول هو: قد رضيت، ويأذن الوليُّ في ذلك. ثمَّ بسط القول في ردِّ من زعم جواز نكاح المحرم بأحسن بيان. فراجع. وللإمام الشافعي في كتابه الأمّ كلمة حول نكاح المحرم ضافية لدة هذه راجع ج ٥: ١٦٠.

وليتني أدري بأيِّ كتاب أم بأيّة سنَّة قال أبو حنيفة ومالك ونصَّ أحمد - كما زعمه ابن القيّم -: على أنَّ المسافر إذا تزوَّج ببلدة لزمه الإتمام بها؟ وسنَّة رسول الله الثابتة عنه صلى الله عليه وآله خلافه، وكان المهاجرون كلّهم يقصّرون بمكة، وهي قاعدة أزواجهم كما سمعت، وليس مستند القوم إلّا رواية عكرمة بن إبراهيم التي أعلّها البيهقي، وقد مرَّ عن ابن حجر أنَّها لا تصحُّ. وقال يحيى وأبو داود: عكرمة ليس بشيء. وقال النسائي: ضعيفٌ ليس بثقة. وقال العقيلي: في حديثه اضطرابٌ. وقال ابن حبّان كان ممَّن يقلّب الأخبار، ويرفع المراسيل، لا يجوز الاحتجاج به، وقال يعقوب: منكر الحديث. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي، وذكره ابن الجارود وابن شاهين في الضعفاء(١) .

نعم راق أُولئك الأئمة التحفظ على كرامة الخليفة ولو بالافتاء بغير ما أنزل الله، وكم له من نظير؟ ونوقفك في الأجزاء الآتية على شطر مهمّ من الفتاوى الشاذَّة عن الكتاب والسنَّة عند البحث عنها، والعجب كلُّ العجب عدُّ ابن القيِّم هذا العذر المفتعل أحسن ما اعتذر به عن عثمان، وهو مكتنفٌ بكلِّ ما ذكرناه من النقود والعلل، هذا شأن أحسن ما اعتذر به فما ظنُّك بغيره؟.

____________________

١ - لسان الميزان ٤: ١٨٢.

١٠٥

وأمّا وجود مال له بالطائف فالرجل مكّيٌّ قد هاجر عنها لا طائفيُّ، وبينه وبين الطائف عدَّة مراحل، هب أنَّ له مالاً بمكّة أو بنفس منى وعرفة اللتين أتمَّ فيهما الصَّلاة، فإنَّ مجرّد المال في مكان ليس يقطع السفر ما لم يجمع الرجل مكثاً، وقد قصَّر أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وآله معه عام الفتح، وفي حجة أبي بكر ولعدد منهم بمكّة دار أو أكثر وقرابات. كما رواه الشافعي، قال في كتاب الأُم ١: ١٦٥: قد قصَّر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معه عام الفتح، وفي حجَّته، وفي حجَّة أبي بكر، ولعدد منهم بمكّة دارٌ أو أكثر وقرابات: منهم أبو بكر له بمكّة دارٌ وقرابة، وعمر له بمكة دورٌ كثيرة، و عثمان له بمكة دارٌ وقرابة، فلم أعلم منهم أحداً أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاتمام، ولا أتمَّ ولا أتمَّوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قدومهم مكّة، بل حفظ عمَّن حفظ عنه منهم القصر بها. وذكره البيهقي في السنن ٣: ١٥٣.

وأمّا الخيفة ممَّن حجَّ من أهل اليمن وجفاة الناس الذين لم يتمرَّنوا بالأحكام أن يقولوا: إنَّ الصَّلاة لمقيم ركعتان هذا إمام المسلمين يصلّيها كذلك. فقد كانت أولى بالرعاية على العهد النبويِّ والناس حديثوا عهد بالاسلام، ولم تطرق جملةٌ من الأحكام أسماعهم، وكذلك على العهدين قبله، لكنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله لم يرعها بعد بيان حكمي الحاضر والمسافر، وكذلك من اقتصَّ أثره من بعده، ولقد صلّى صلى الله عليه وآله بمكّة ركعتين أيّام إقامته بها ثمَّ قال: أتمُّوا الصَّلاة يا أهل مكّة! فإنّا سفر. أو قال: يا أهل البلد صلّوا أربعاً فإنّا سفر(١) . فأزال صلى الله عليه وآله ما حاذره الخليفة في تعليله المنحوت بعد الوقوع، فهلّا كان منه اقتصاصٌ لأثر النبيِّ صلى الله عليه وآله؟ فيما لم يزل دائباً عليه في أسفاره، فهلَّا اقتصَّ أثره مع ذلك البيان الأوفى؟ ولم يكن على الأفواه أوكية، ولا على الآذان صمم، وهل الواجب تعليم الجاهل؟ أو تغيير الحكم الثابت من جرّاء جهله؟:

على أنَّ الخليفة إن أراد أن ينقذ الهمج من الجهل بتشريع الصَّلاة أربعاً فقد ألقاهم في الجهل بحكم صلاة المسافر، فكان تعليمه العملي إغراءً بالجهل، وواجب التعليم هو الإستمرار على ما ثبت في الشريعة مع البيان، كما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله في مكّة كما مرَّ

____________________

١ - سنن البيهقي ٣: ١٣٦، ١٥٧، سنن أبي داود ١: ١٩١، أحكام القرآن للجصاص ٢: ٣١٠.

١٠٦

وكان عمر إذا قدم مكّة صلّى لهم ركعتين ثمَّ يقول: يا أهل مكّة أتمَّوا صلاتكم فإنّا قومٌ سفر، وروى البيهقي عن أبي بكر مثل ذلك. «سنن البيهقي ٣: ١٢٦، ١٥٧، المحلّى لابن حزم ٥: ١٨، موطأ مالك ١: ١٢٦».

هذه حجج الخليفة التي أدلى بها يوم ضايقه عبد الرحمن بن عوف لكنَّها عادت عنده مدحورة، وقد أربكه عبد الرحمن بنقد ما جاء به فلم يبق عنده إلّا أن يقول: هذا رأيٌ رأيته، كما أنَّ مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لما دخل عليه وخصمه بحجاجه فقال: والله ما حدث أمرٌ ولا قدم عهدٌ. الخ. وعجز الرجل عن جوابه فقال: رأيٌ رأيته.

هذا منقطع معاذير عثمان في تبرير أُحدوثته فلم يبق له ارتحاضه إلّا قوله: رأيٌ رأيته، لكنَّ للرجل من بعده أنصاراً اصطنعوا له أعذاراً أخرى هي أو هن من بيت العنكبوت، ولم يهتد إليها نفس الخليفة حتّى يُغبّر بها في وجه منتقديه، ولكن كم ترك الأوَّل للآخر، منها:

١ - إنَّ منى كانت قد بنيت وصارت قرية، كثر فيها المساكن في عهده ولم يكن ذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله بل كانت فضاء ولهذا قيل له: يا رسول الله! ألا تبني لك بمنى بيتاً يظلّك من الحرِّ؟ فقال: لا، منى مناخ من سبق، فتأوَّل عثمان إنَّ القصر إنَّما في حال السفر(١) .

أنا لا أدري ما صلة كثرة المساكن وصيرورة المحلِّ قرية بحكم القصر والاتمام؟ وهل السفر يتحقَّق بالمفاوز والفلوات دون القرى والمدن حتّى إذا لم ينو فيها الإقامة؟ إنَّ هذا الحكمٌ عجاب، وهذه فتوى من لا يعرف مغزى الشريعة، ولا ملاك تحقق السفر والحضر المستتبعين للقصر والاتمام، على أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله صلّى أيّام إقامته بمكة قصراً وكذلك في خيبر، وكانت مكة أُمَّ القرى، وفي خيبر قلاعٌ وحصونٌ مشيَّدةٌ و قرى ورساتيق، وكذلك كان يفعل في أسفاره، وكان يمرُّ بها على قرية ويهبط أخرى

على أنَّ صيرورة المحلِّ قرية لم تكن مفاجأة منها وإنَّما عادت كذلك بالتدريج، ففي أيِّ حدّ منها كان يلزم الخليفة تغيير الحكم؟ وعلى أيِّ حدّ غيّر؟ أنا لا أدري.

٢ - إنَّه أقام بها ثلاثاً وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه بمكة

____________________

١ - ذكره ابن القيم في زاد المعاد هامش شرح المواهب للزرقاني ٢: ٢٤ وفنده بقول موجز.

١٠٧

ثلاثاً فسمّاه مقيماً والمقيم غير المسافر.(١) وفي لفظ مسلم: يمكث المهاجر بمكّة بعد قضاء نسكه ثلاثاً. وفي لفظ البخاري: للمهاجر إقامة ثلاث بعد الصدر بمكّة. ا هـ(٢) .

إنَّ ملاك قطع السفر ليس صدق لفظ الإقامة، فليست المسألة لغويَّة وإنّما هي شرعيَّة، وقد أناطت السنّة الشريفة الإتمام في السفر باقامة محدودةٍ ليس في ما دونها إلّا التقصير في الصّلاة، وليس لمكّة حكمٌ خاصٌّ يُعدل به عمّا سنَّه رسول الله صلى الله عليه وآله، والمراد من الإقامة فيما تشبّث به ناحِتُ المعذرة هو المكث للمهاجر بمكة لِما لهم بها من سوابق وعلائق وقرابات، لا الإقامة الشرعيّة التي هي موضوع حكم الإتمام، وقد أقام رسول الله صلى الله عليه وآله بمكّة عشراً كما في الصحيحين(٣) أو أكثر منها كما في غيرهما(٤) ولم يزد على التقصير في الصَّلاة فقصر المكث بمكّة ثلاثاً على المهاجر دون غيرهما من الوافدين إلى مكّة، وعلى مكّة دون غيرها كما هو صريح تلكم الألفاظ المذكورة يُعرب عن إرادة المعنى المذكور، ولا يسع لفقيه أن يرى الإقامة ثلاثاً بمكّة خاصَّة من قواطع السفر للمهاجر فحسب، وقد أعرض عن استيطانها بالهجرة، ولم يتمّ رسول الله صلى الله عليه وآله في حجَّة الوداع بمكّة وقد أقام بها أكثر من ثلاثة أيام بلغ عشراً أو لم يبلغ أو زاد عليها.

على أنَّ الشافعي ومالكاً وأصحابهما وآخرين إحتجُّوا بالألفاظ المذكورة على استثناء مكث المهاجر بمكّة ثلاثاً من الإقامة المكروهة لهم بها، قالوا: كره رسول الله للمهاجرين الإقامة بمكّة التي كانت أوطانهم فأُخرجوا عنها، ثمَّ أباح لهم المقام بها ثلاثاً بعد تمام النسك. وقال ابن حزم: إنَّ المسافر مباحٌ له أن يقيم ثلاثاً وأكثر من ثلاث لا كراهة في شيء من ذلك، وأمّا المهاجر فمكروه له أن يقيم بمكّة بعد انقضاء نسكه أكثر من ثلاث(٥) فأين هذا الحكم الخاصّ بمكّة للمهاجر فحسب من الإقامة القاطعة للسفر؟.

____________________

١ - هذا الوجه ذكره ابن القيم في زاد المعاد هامش شرح المواهب ٢: ٢٤ ونقده بكلام وجيز.

٢ - ألفاظ هذا الحديث مذكورة في تاريخ الخطيب ٦، ٢٦٧ - ٢٧٠.

٣ - صحيح البخاري ٢: ١٥٣، صحيح مسلم ١: ٢٦٠.

٤ - المحلى لابن حزم ٥: ٢٧.

٥ - المحلى لابن حزم ٥: ٢٤.

١٠٨

ثمَّ كان هذا عذر الرجل لكان عليه أن يتمَّ بمكّة لا بمنى وعرفة وقد أتمَّ بهما.

٣ - إنَّه كان قد عزم على الإقامة والاستيطان بمنى وإتّخاذها دار الخلافة فلهذا أتمَّ ثمَّ بدا له أن يرجع إلى المدينة.

كأنّ هذا المتأوِّل استشفَّ عالم الغيب من وراء ستر رقيق ولا يعلم الغيب إلّا الله، إنَّ مثل هذه العزيمة وفسخها ممّا لا يُعلم إلّا من قِبَل صاحبها، أو مَن يخبره بها هو، وقد علمت إنَّ الخليفة لما ضويق بالنقد لم يعدّ ذلك من معاذيره، وإلّا لكانت له فيه منتدح، وكان خيراً له من تحشيد التافهات، لكن كشف ذلك لصاحب المزعمة بعد لأي من عمر الدهر فحيّا الله الكشف والشهود.

وكان من المستصعب جدّاً والبعيد غايته تغيير العاصمة الإسلاميَّة والتعريجة على التعرُّب بعد الهجرة من دون استشارة أخذ من أكابر الصحابة، وإلغاء مقدّمات تستوعب برهة طويلة من الزمن كأبسط أمر ينعقد بمحض النيَّة ويفسخ بمثلها.

وقال ابن حجر في الفتح ٢: ٤٥٧، والشوكاني في نيل الأوطار ٣: ٢٦٠: روى عبد الرزاق عن عمر عن الزهري عن عثمان: إنّما أتمَّ الصلاة لأنَّه نوى الإقامة بعد الحجِّ وأُجيب بأنَّه مرسل، وفيه أيضاً نظرٌ لأنَّ الإقامة بمكّة على المهاجرين حرامٌ وقد صحَّ عن عثمان إنَّه كان لا يودِّع البيت إلّا على ظهر راحلته، ويسرع الخروج خشية أن يرجع في هجرته، وثبت أنَّه قال له المغيرة لما حاصروه: اركب رواحلك إلى مكّة فقال: لن أُفارق دار هجرتي.

ولابن القيِّم في زاد المعاد ٢: ٢٥ وجهٌ آخر في دحض هذه الشبهة. فراجع.

٤ - إنَّه كان إماماً للناس والإمام حيث نزل فهو عمله ومحلُّ ولايته، فكأنَّه وطنه

قال الأميني: إنَّ ملاك حكم الشريعة هو المقرَّر من قِبَل الدين لا الاعتبارات المنحوتة، والإمام والسوقة شرعٌ سواءٌ في شمول الأحكام، بل هو أولى بالاتِّباع لنواميس الدين حتّى يكون قدوةً للناس وتكون به أُسوتهم، وهو وإن سرت ولايته وعمله مع مسير نفوذه في البلاد أو في العالم كلّه إلّا أن التكليف الشرعيَّ غير منوط بهذا السير، بل هو مرتبطٌ بتحقّق الموازين الشرعيَّة، فإن أقام في محلٍّ جاءه حكم الإقامة، وإن لم ينو الإقامة فهو على حكم السفر، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إمام الخلائق

١٠٩

على الإطلاق، ومع ذلك كان يقصِّر صلاته في أسفاره، ولا يُعزى إليه إنَّه ربَّع بمكّة أو في منى أو بعرفة أو بغيرها، وإنَّما اتَّبع ما استنَّه للأُمَّة جمعاء وبهذا ردَّه ابن القيم في زاد المعاد، وابن حجر في فتح الباري ٢: ٤٥٦.

أضف إليه هتاف النبيِّ الأعظم وأبي بكر وعمر بن الخطاب بما مرَّ ص ١٠٧ من قولهم: أتمُّوا صلاتكم يا أهلَّ مكة فإنَّا قومٌ سفر. فإنَّه يُعرب عن إنَّ حكم القصر والإتمام يعمُّ الصادع الكريم ومن أشغل منصَّة الخلافة بعده.

على أنَّه لو كان تربيع الرجل من هذه الناحية لوجب عليه أن يهتف بين الناس بأنَّ ذلك لمقام الإمامة فحسب، وأمّا مَن ليس له ذلك المقام فحكمه التقصير، وإلّا لكان إغراءً بالجهل بعمله، وإبطالاً لصلاتهم بترك البيان، فإذ لم يهتف بذلك ولم يعلِّل عمله به جواباً لمنقديه علمنا إنَّه لم يرد ذلك، وإنَّ من تابعه من الصَّحابة لم يعلّلوا عمله بهذا التعليل، وإنَّما تابعوه دفعاً لشرِّ الخلاف كما مرَّ في صفحة ٩٩، ١٠٢ وهذا ينبئ عن عدم صحَّة عمله عندهم.

ويشبه هذا التشبّث في السقوط ما نحتوه لأُمّ المؤمنين عائشة في تربيعها الصّلاة في السفر بأنَّها كانت أمُّ المؤمنين فحيث نزلت فكان وطنها كما ذكره ابن القيّم في زاد معاده ٢: ٢٦، فإن كان لأُمِّ المؤمنين هذا الحكم الخاصّ؟ وجب أن تكون أمومتها منتزعة من أُبوَّة رسول الله صلى الله عليه وآله، وإنَّ ثبوت الحكم في الأصل أولى من الفرع، لكن رسول الله كان يصلّي في أسفاره عامَّة ركعتين، وليس من الهيِّن تغيير حكم الله بأمثال هذه السفاسف، ولا من السهل نحت العذر لكلِّ من يخالف حكماً من أحكام الدين لرأي ارتآه، أو غلط وقع فيه، أو لسياسة وقتيَّة حدته إليه، ولا ينقضي عجبي من العلماء الذين راقتهم أمثال هذه التافهات فدوَّنوها في الكتب، وتركوها أساطير من بعدهم يهزأ بها.

٥ - إنَّ التقصير للمسافر رخصةٌ لا عزيمةٌ، ذكره جمعٌ، وقال المحب الطبري في الرياض ٢: ١٥١: عذره في ذلك ظاهرٌ، فإنَّه ممَّن لم يوجب القصر في السفر. وتبعه في ذلك شرّاح صحيح البخاري، وهذا مخالفٌ لنصوص الشريعة، والمأثورات النبويّة، والسنَّة الشريفة الثابتة عن النبيِّ الأقدس، وكلمات الصَّحابة، وإليك نماذج منها:

١ - عن عمر: صلاة السفر ركعتان، والجمعة ركعتان، والعيد ركعتان تمام غير

١١٠

قصر على لسان محمد. وفي لفظ: على لسان النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

مسند أحمد ١: ٣٧، سنن ابن ماجة ١: ٣٢٩، سنن النسائي ٣: ١١٨، سنن البيهقي ٣: ١٩٩، أحكام القرآن للجصاص ٢: ٣٠٨، ٣٠٩، المحلّى لابن حزم ٤: ٢٦٥، زاد المعاد هامش شرح المواهب ٢: ص ٢١ فقال: ثابتٌ عن عمر.

٢ - عن يعلى بن أُميَّة قال: سألت عمر بن الخطاب قلت: ليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصَّلاة الآية. وقد أمن الناس؟ فقال: عجبتُ ممّا عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: صدقةٌ تصدَّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته.

صحيح مسلم ١: ١٩١، ١٩٢، سنن أبي داود ١: ١٨٧، سنن ابن ماجة ١: ٣٢٩، سنن النسائي ٣: ١١٦، سنن البيهقي ٣: ١٣٤، ١٤١، أحكام القرآن للجصاص ٢: ٣٠٨، المحلّى لابن حزم ٤: ٢٦٧.

٣ - عن عبد الله بن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من هذه المدينة لم يزد على ركعتين حتّى يرجع إليها. وفي لفظ: صحبت رسول الله فكان لا يزيد في السفر على الركعتين. الحديث.

مسند أحمد ٢: ٤٥، سنن ابن ماجة ١: ٣٣٠، سنن النسائي ٣: ١٢٣، أحكام القرآن للجصاص ٢: ٣١٠، زاد المعاد هامش شرح المواهب للزرقاني ٢: ٢٩ وصحَّحه.

٤ - عن ابن عبّاس قال: فرض الله الصَّلاة على لسان نبيِّكم في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة.

وفي لفظ مسلم: إنَّ الله عزَّوجلَّ فرض الصَّلاة على لسان نبيّكم صلى الله عليه وسلم على المسافر ركعتين وعلى المقيم أربعاً.

صحيح مسلم ١: ٢٥٨، مسند أحمد ١: ٣٥٥، سنن ابن ماجة ١: ٣٣٠، سنن النسائي ٣: ١١٩، سنن البيهقي ٣، ١٣٥، أحكام القرآن للجصاص ٢: ٣٠٧، ٣١٠، المحلى لابن حزم ٤: ٢٧١ فقال: ورويناه أيضاً من طريق حذيفة، وجابر، وزيد بن ثابت، وأبي هريرة، وابن عمر كلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيد في غاية الصحَّة. تفسير القرطبي ٥: ٣٥٢، تفسير ابن جزي ١: ١٥٥، زاد المعاد لابن القيِّم هامش شرح الزرقاني ٢: ٢٢١، مجمع الزوائد ٢: ١٥٤ من طريق أبي هريرة.

١١١

٥ - عن عائشة قالت: فرضت الصَّلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأقرَّت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر.

وفي لفظ ابن حزم من طريق البخاري: فرضت الصَّلاة ركعتين، ثمَّ هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرضت أربعاً، وتركت صلاة السفر على الأولى.

وفي لفظ أحمد: كان أوَّل ما افترض على رسول الله صلى الله عليه وسلم الصَّلاة ركعتان ركعتان إلّا المغرب فإنَّها كانت ثلاثة ثمَّ أتمَّ الله الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعاً في الحضر وأقرّ الصّلاة على فرضها الأوَّل في السفر.

راجع صحيح البخاري ١: ١٥٩، ج ٢: ١٠٥، ج ٥: ١٧٢، صحيح مسلم ١: ٢٥٧، موطّأ مالك ١: ١٢٤، سنن أبي داود ١: ١٨٧، كتاب الأم للشافعي ١: ١٥٩، أحكام القرآن للجصاص ٢: ٣١٠، سنن البيهقي ٣: ١٣٥، المحلّى ٤: ٢٦٥، زاد المعاد ٢: ٢١، تفسير القرطبي ٥: ٣٥٢، ٣٥٨.

٦ - عن موسى بن مسلمة قال قلت لابن عباس: كيف أُصلّي بمكّة إذا لم أُصلِّ في جماعة؟ قال: ركعتين سنَّة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم. مسند أحمد ١: ٢٩٠، ٣٣٧، صحيح مسلم ١: ٢٥٨، سنن النسائي ٣: ١١٩.

٧ - عن أبي حنظلة قال: سألت ابن عمر عن الصّلاة في السفر فقال: ركعتان سنَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وفي لفظ البيهقي: قصر الصَّلاة في السفر سنَّة سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مسند أحمد ٢: ٥٧، سنن البيهقي ٣: ١٣٦.

٨ - عن عبد الله ابن عمر قال: الصَّلاة في السفر ركعتان من خالف السنَّة فقد كفر.

سنن البيهقي ٣: ١٤٠، المحلّي لابن حزم ٤: ٢٧٠، أحكام القرآن للجصّاص ٢: ٣١٠، المعجم الكبير للطبراني كما في مجمع الزوائد ٢: ١٥٥ وقال: رجاله رجال الصحيح.

٩ - عن ابن عبّاس قال: من صلّى في السفر أربعاً كمن صلّى في الحضر ركعتين.

مسند أحمد ١: ٣٤٩، المحلّي ٤: ٢٧٠.

١٠ - عن ابن عبّاس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسافراً صلّى ركعتين حتّى يرجع. وفي لفظ: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا خرج لم يزد على ركعتين حتّى يرجع.

١١٢

مسند أحمد ١: ٢٨٥، ٣٥٦، أحكام القرآن للجصاص ٢: ٣٠٩.

١١ - عن عمران بن حصين قال: ما سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سفراً قطُّ إلّا صلّى ركعتين حتّى يرجع، وحججت مع النبيّ صلى الله عليه وسلم فكان يصلّي ركعتين حتّى يرجع إلى المدينة، وأقام بمكّة ثماني عشرة لا يصلّي إلّا ركعتين وقال لأهل مكّة: صلّوا أربعاً فإنّا قومٌ سفرٌ.

راجع سنن البيهقي ٣: ١٣٥، أحكام القرآن للجصاص ٢: ٣١٠.

وعن عمران في لفظ آخر: ما سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلّا صلّى ركعتين إلّا المغرب. أخرجه أبو داود وأحمد كما في مجمع الزوائد ٢: ١٥٥.

١٢ - عن عمر بن خطاب عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: صلاة المسافر ركعتان حتّى يؤب إلى أهله أو يموت. «أحكام القرآن للجصاص ٢: ٣١٠».

١٣ - عن إبراهيم: إنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلّى الظهر بمكّة ركعتين فلمّا انصرف قال: يا أهل مكّة! إنّا قوم سفر، فمن كان منكم من أهل البلد فليكمل. فأكمل أهل البلد.

الآثار للقاضي أبي يوسف ص ٣٠، ٧٥، وراجع ما مرَّ صفحة ١٠٧ من هذا الجزء.

١٤ - عن أنس بن مالك قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكّة فكان يصلِّي ركعتين ركعتين حتّى رجعنا إلى المدينة.

صحيح البخاري ٢: ١٥٣، صحيح مسلم ١: ٢٦٠، مسند أحمد ٣: ١٩٠، سنن البيهقي ٣: ١٣٦، ١٤٥.

١٥ - عن عبد الله بن عمر قال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتانا ونحن في ضلال فعلّمنا، فكان فيما علّمنا: أنّ الله عزَّوجلَّ أمرنا أن نصلّي ركعتين في السفر.

أخرجه النسائي كما مرَّ في تفسير الخازن ١: ٤١٢، ونيل الأوطار ٣: ٢٥٠.

١٦ - عن أبي الكنود عبد الله الأزدي قال: سألت ابن عمر عن صلاة السفر فقال: ركعتان نزلتا من السماء، فإنشئتم فردُّوهما.

أخرجه الطبراني في الصغير كما في مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي ٢: ١٤٥ فقال: رجاله موثقون.

١١٣

١٧ - عن السائب بن يزيد الكندي قال: فرضت الصَّلاة ركعتين ركعتين، ثمَّ زيد في صلاة الحضر وأقرَّت صلاة السفر.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد ٢: ١٥٥: رواه الطبري في الكبير ورجاله رجال الصحيح.

١٨ - عن ابن مسعود قال: مَن صلّى في السفر أربعاً أعاد الصّلاة.

أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد ٢: ١٥٥.

١٩ - عن حفص بن عمر قال: انطلق بنا أنس بن مالك إلى الشام إلى عبد الملك ونحن أربعون رجلاً من الأنصار ليفرض لنا فلمّا رجع وكنّا بفجِّ الناقة صلّى بنا الظهر ركعتين ثمَّ دخل فسطاطه؛ وقام القوم يضيفون إلى ركعتيهم ركعتين أُخريين فقال: قبَّح الله الوجوه، فوالله ما أصابت السنَّة ولا قبلت الرخصة فاشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ قوماً يتعمَّقون في الدين يمرقون كما يمرق السهم من الرميّة.

أخرجه أحمد في المسند ٣: ١٥٩، وذكره الهيثمي في المجمع ٢: ١٥٥.

٢٠ - عن سلمان قال: فرضت الصّلاة ركعتين ركعتين فصلّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكّة حتّى قدم المدينة وصلّاها بالمدينة ما شاء الله، وزيد في صلاة الحضر ركعتين وتركت الصّلاة في السفر على حالها.

رواه الطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد ٢: ١٥٦.

٢١ - عن ثمامة بن شراحيل قال: خرجت إلى ابن عمر فقلت: ما صلاة المسافر؟ قال: ركعتين ركعتين إلّا صلاة المغرب ثلاثاً. قلت: أرأيت إن كنّا بذي المجاز؟ قال: ما ذو المجاز؟ قلت: مكان نجتمع فيه ونبيع فيه ونمكث عشرين ليلة أو خمس عشرة ليلة. فقال: يا أيّها الرجل كنت بآذربيجان لا أدري قال: أربعة أشهر أو شهرين، فرأيتهم يصلّونها ركعتين ركعتين، ورأيت نبيّ الله صلى الله عليه وسلم بصر عيني يصلّيها ركعتين، ثمَّ نزع إليَّ بهذه الآية: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة.

أخرجه أحمد في المسند ٢: ١٥٤.

٢٢ - أخرج أحمد في المسند ٢: ٤٠٠ من طريق أبي هريرة قال: أيّها الناس إنَّ الله عزَّوجلَّ فرض لكم على لسان نبيِّكم صلى الله عليه وسلم الصّلاة في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين.

١١٤

٢٣ - عن عمر بن عبد العزيز قال: الصَّلاة في السفر ركعتان حتمان لا يصحّ غيرهما. ذكره ابن حزم في المحلّى ٤: ٢٧١.

وذهب عمر وابنه، وابن عبّاس، وجابر، وجبير بن مطعم، والحسن، والقاضي إسماعيل، وحمّاد بن أبي سليمان، وعمر بن عبد العزيز، وقتادة والكوفيّون إلى أنّ القصر واجبٌ في السفر كما في تفسير القرطبي ٥: ٣٥١، وتفسير الخازن ١: ٤١٣.

أترى مع هذه الأحاديث مجالاً للقول بأنَّ القصر في السفر رخصة لا عزيمة؟ ولو كان يسوغ الإتمام في السفر لكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُعرب عنه بقول أو بفعل ولو بإتيانه في العمر مرَّة لبيان جوازه كما كان يفعل في غير هذا المورد. أخرج مسلم في صحيحه(١) من حديث بريدة قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يتوضَّأ عند كلِّ صلاة فلمّا كان يوم الفتح صلّى صلوات بوضوء واحد فقال له عمر: إنَّك صنعت شيئاً لم تكن تصنعه؟ فقال: عمداً صنعته يا عمر!. قال الشوكاني في نيل الأوطار ١: ٢٥٨ بعد ذكر الحديث: أي لبيان الجواز

وأخرج أحمد وأبو يعلى عن عائشة قالت: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بال فقام عمر خلفه بكوز فقال: ما هذا يا عمر؟ فقال: ماء تتوضَّأ به يا رسول الله!. قال: ما أُمرت كلّما بلت أن أتوضَّأ ولو فعلت كانت سنَّة «مجمع الزوائد ١: ٢٤١» وكم للحديثين من نظير في أبواب الفقه؟.

ولو كان هناك ترخيصٌ لما خفي على أكابر الصحابة حتّى نقدوا عثمان نقداً مرّاً وفنَّدوا معاذيره وفيهم مولانا أمير المؤمنين عليه السلام الذي هو باب مدينة علم النبيِّ، ومستقى أحكام الدين من بعده، يعرف رُخصها من عزائمها قبل كلِّ الصحابة، فهل يعزب عنه حكم الصَّلاة وهو أوَّل مَن صلّى من ذكر مع رسول الله صلى الله عليه وآله.

حتى إنَّ الخليفة نفسه لم يفه بهذا العذر البارد، ولو كان يعرف شيئاً ممّا قالوه لما أرجأ بيانه إلى هؤلاء المدافعين عنه، ولما كان في منصرم معاذيره بعد أن أعوزته: إنَّه رأيٌ رآه، ولما كان تابعه على ذلك من تابعه محتجّاً بدفع شرَّ الخلاف فحسب من دون أيِّ تنويه بمسألة الرخصة.

وأنت تعرف بعد هذه الأحاديث قيمة قول المحب الطبري في رياضه النضرة ٢:

____________________

١ - الجزء الأوَّل صفحة ١٢٢.

١١٥

١٥١: إنَّها مسألة اجتهاديَّة ولذلك اختلف فيها العلماء فقوله - يعني عثمان - فيها لا يوجب تفكيراً ولا تفسيقاً. ا ه.

خفي على المغفَّل إنَّ الاجتهاد في تجاه النصِّ لا مساغ له، وإنَّ المسألة لم يكن فيها خلافٌ إلى يوم أُحدوثة عثمان بل كانت السنّة الثابتة عند جميع الصحابة بقول واحد وجوب القصر للمسافر، وما كان عمل الخليفة إلّا مجرَّد رأي رآه خلاف سنَّة أبي القاسم صلى الله عليه وآله ويعرب عن جليّة الحال صحيح أحمد الآتي في ترجمة مروان وفيه: إنَّ معاوية لما قدم مكّة صلّى الظهر قصراً فنهض إليه مروان وعمرو بن عثمان فقالا له: ما عاب أحدٌ ابن عمّك ما عبته به فقال لهما: وما ذاك؟ فقالا له: ألم تعلم إنّه أتمَّ الصّلاة بمكّة؟ قال لهما: ويحكما وهل كان غير ما صنعت؟ قد صلّيتهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر. قالا: فإنَّ ابن عمِّك قد أتمّها وإنَّ خلافك إيّاه له عيبٌ، فخرج معاوية إلى العصر فصلّاها أربعاً. واختلاف العلماء بعدُ قطُّ لا قيمة له ويُضرب به على عرض الجدار بعد ثبوت السنَّة، وليس إلّا لتبرير ساحة الرجل، وأنّى؟ بل عمله يدنّس ذيل كلِّ مبرِّر، وأمّا عدم إيجاب القول بالاتمام للمسافر الكفر أو الفسق وإيجابه ذلك فالمرجع فيه حديث الثامن المذكور ص ١١٢ من صحيحة عبد الله بن عمر قال: الصّلاة في السفر ركعتان من خالف السنّة فقد كفر.

*(الدين عند السلف سياسة وقتيّة )*

تعطينا هذه الروايات الواردة في صلاة الخليفة درساً ضافياً صافقه الاستقراء لكثير من الموارد إنَّ كثيرين من الصحابة ما كان يحجزهم الدين عن مخالفة التعاليم المقرّرة وكانوا يقدّمون عليها سياسة الوقت، وإلّا فلا وجه لتربيعهم الصّلاة وهم يرون أنَّ المشروع خلافه لمحض إنَّ الخلاف شرٌّ، وهم أو مَن ناضل عنهم وحكم بعدالتهم أجمع لا يرون جواز التقيّة، فعبد الله بن عمر يتّبع الخليفة في أُحدوثته، وكان يتمُّ إذا صلّى مع الإمام، وإذا صلّى وحده صلّى ركعتين، وفي لسانه قوله: الصّلاة في السفر ركعتان من خالف السنّة فقد كفر(١) وبمسمع منه قوله صلى الله عليه وآله: إنَّ الله لا يقبل عمل امرء حتّى يتقنه.

____________________

١ - راجع صفحة ١١٢ من هذا الجزء.

١١٦

قيل: وما اتقانه؟ قال: يخلصه من الرياء والبدعة(١) . وقوله صلى الله عليه وآله: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ(٢) .

وهذا عبد الله بن مسعود يرى السنّة في السفر ركعتين، ويحدِّث بها ثمَّ يتمّ معتذراً بأنَّ عثمان كان إماماً فما أُخالفه والخلاف شرّ كما مرَّ في ص ٩٩.

وهذا عبد الرحمن بن عوف كان لم ير للخليفة عذراً فيما أتى به من إتمام الصَّلاة في السفر، ويقول له مجيباً عن أعذاره: ما هذا شيءٌ لك فيه عذرٌ. ويسمع منه قوله: إنَّه رأيٌ رأيته. خلافاً للسنَّة الثابتة، ومع ذلك كلّه يصلّي أربعاً بعد ما سمع من ابن مسعود بأنَّ الخلاف شرٌّ(٣) لماذا كانت مخالفة عثمان شرّاً، ولم تكن مخالفته ومخالفتهم على ناموس الشريعة ونبيّها شرّاً؟ دعني واسأل الصحابة الأوَّلين.

وهذا عليٌّ أمير المؤمنين المقتصّ الوحيد أثر النبيِّ الأعظم يؤتى به للصَّلاة - كما مرَّ في ص ١٠٠ - فيقول: إنْ شئتمْ صلّيتُ لكمْ صلاةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم «ركعتين» فيقال له: لا إلّا صلاة أمير المؤمنين عثمان أربعاً. فيأبى ولا يبالون.

نعم: لم تكن الأحكام عند أُولئك الخلفاء الّذين أدخلوا آراءهم الشاذَّة في دين الله والذين اتَّبعوهم إلّا سياسة وقتيَّة يدور بها الأمر والنهي، ويتغيَّر بتغيَّرها الآراء حيناً بعد حين؛ فترى الأوَّل منهم يقول على رؤوس الاشهاد: لَئنْ أخَذتموني بسنَّة نبيّكم لا أُطيقها. وقد جاء النبيّ الأعظم بسنَّة سهلةٍ سمحة. ويقول: إنِّي أقول برأيي إن يَكُ صواباً فمن الله، وإنْ يَكُ خطأ فمنّي ومن الشيطان «راجع الجزء السابع ١٠٤، ١١٨، ١١٩، ط ٢».

ويأتي بعده من يفتي بترك الصَّلاة للجنب الفاقد للماء ولا يبالي، وقد علّمه النبيُّ الأعظم التيمّم فضلاً عمّا في الكتاب والسنَّة. راجع ج ٦: ٨٣ ط ٢.

وكان لم يقرأ بفاتحة الكتاب في الركعة الأولى، ويكرَّرها في الثانية تارة، وأُخرى لم يقرأها في ركعاتها، ويقتصر على حسن الركوع والسجود، وطوراً يتركها ولم يقرأ شيئاً ثمَّ يعيد. راجع ج ٦: ١٠٨ ط ٢.

____________________

١ - بهجة النفوس للحافظ ابن أبي جمرة الأزدي الأندلسي ٤: ١٦٠.

٢ - المحلى ٧: ١٩٧.

٣ - راجع من هذا الجزء ص ٩٩.

١١٧

وكان ينهى عن التطوُّع بالصَّلاة بعد العصر، ويضرب بالدِرَّة من تنفَّل بها، والناس يخبره بأنَّه سنَّة محمّد صلى الله عليه وآله، وهو لا يصيخ إلى ذلك، كما مرَّ في الجزء ال‍ ٦: ١٨٤ ط ٢.

وتراه يحكم في الجدِّ بمائة قضيّة كلّها ينقض بعضها بعضاً، كما مرَّ حديثه في الجزء ال‍ ٦ ص ١١٦ ط ٢.

وثبت عنه قوله: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهى عنهما، وأُعاقب عليهما. كما فصَّلناه في ج ٦: ٢١٠ ط ٢.

وجاء عنه قوله: أيُّها الناس ثلاث كنَّ على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهنَّ وأُحرَّمهنَّ وأُعاقب عليهنَّ: متعة النساء. ومتعة الحجِّ. وحيَّ على خير العمل. راجع الجزء ال‍ ٦: ٢١٣ ط ٢.

إلى قضايا أُخرى لدة هذه أسلفناها في الجزء السادس في «نوادر الأثر في علم عمر»

وهذا عثمان يخالف السنَّة الثابتة في مثل الصَّلاة عماد الدين ويعتذر بقوله: إنَّه رأيٌ رأيته.

ويُحدِث أذاناً بعد الأذان والإقامة، ويتَّخذه الملأ الاسلامي سنَّةً في الحواضر الإسلاميَّة.

ويَنهى عليّاً أمير المؤمنين عن متعة الحج، وهو يسمع منه قوله: لم أكنْ لِأدعْ سُنَّةَ رسول الله لقول أحد من الناس.

ويأخذ الزكاة من الخيل، وقد عفى الله عنها بلسان نبيّه الأقدس.

ويقدّم الخطبة على الصَّلاة في العيدين خلاف السنَّة المسلّمة.

ويترك القراءة في الأوليين، ويقضيها في الأُخريين.

ويرى في عدَّة المختلعة ما يخالف السنَّة المتسالم عليها؛ واتَّخذ في الأموال والصدقات سيرةً دون ما قرَّره الكتاب والسنَّة، إلى كثير من الآراء الشاذَّة عن مقرّرات الاسلام المقدَّس، وسيوافيك تفصيلها.

وهذا معاوية، وما أدراك ما معاوية؟! يتَّبع أثر النبيِّ الأعظم في صلاة ظهره فيأتيه مروان وابن عثمان فيزحزحانه عن هديه فيخالف السنَّة الثابتة - باعتراف منه -

١١٨

في صلاة عصره، إتِّباعاً لسياسة الوقت، وإحياءً لبدعة ابن عمِّه، وإماتة لشرعة المصطفى، تزلّفها إلى مثل مروان وابن عثمان.

وتراه يحكم بجواز الجمع بين الأُختين المملوكتين، ويعترض عليه الناس فلا يبالي(١) .

ويحلّل الربا؛ وفي كتاب الله العزيز: «أحلَّ الله البيعَ وحَرَّمَ الرِّبَا» فأخبره أبو الدرداء إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع باعه، فقال معاوية: ما أرى بهذا بأساً، فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية، أخبره عن رسول الله، ويخبرني عن رأيه. لا أُساكنك بأرض؛ فخرج من ولاية معاوية. اختلاف الحديث للشافعي هامش كتابه الأُم ٧: ٢٣

وأخذ ألف دينار دية الذمِّي، وجعل خمسمائة في بيت المال، وخمسمائة لأهل القتيل. بدعةً مسلّمة خلاف سنَّة الله(٢) .

وأمر بالأذان في العيدين، ولا أذان فيهما ولا أذان إلّا في المكتوبة. ذكره الشافعي في كتاب الأُم ١: ٢٠٨.

وأخذ من الأعطية زكاة، وهو أوَّل من أحدثها كما في كتاب الأُم ٢: ١٤.

وهو أوَّل من نقَّص التكبير كما أخرجه ابن أبي شيبة.

وأُتي إليه بِلُصوص، فقطع بعضهم، وعفى عن أحدهم لسماعه منه ومن اُمِّه كلاماً يروقه، كما ذكره الماوردي في الأحكام السلطانية ص ٢١٩، وابن كثير في تاريخه ٨: ١٣٦.

وقدَّم الخطبة على الصَّلاة في العيدين كما يأتي تفصيله والمسنون خلافه.

وسنَّ لعن أمير المؤمنين علي عليه السلام، وأمر به الخطباء وأئمَّة الجمعة والجماعة في جميع الحواضر الإسلاميّة.

فكنْ على بَصيرةٍ مِنْ أمرك ولا تتَّبع أهواء الذين لا يعلمون، واحذرهم أن يفتنوك، سواءٌ محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون.

____________________

١ - الدر المنثور ٢: ١٣٧.

٢ - كتاب الديات لأبي عاصم الضحاك ص ٥٠.

١١٩

- ٣ -

إبطال الخليفة الحدود

أخرج البلاذري في الأنساب ٥: ٣٣ من طريق محمّد بن سعد، بالإسناد عن أبي إسحاق الهمداني: إنَّ الوليد بن عقبة شرب فسكر فصلّى بالناس الغداة ركعتين(١) ثمَّ التفت فقال: أزيدكم؟ فقالوا: لا قد قضينا صلاتنا، ثمَّ دخل عليه بعد ذلك أبو زينب وجندب بن زهير الأزدي وهو سكران فانتزعا خاتمه من يده وهو لا يشعر سكراً.

قال أبو إسحاق: وأخبرني مسروق إنَّه حين صلّى لم يرم حتّى قاءَ، فخرج في أمره إلى عثمان أربعة نفر: أبو زينب. وجندب بن زهير. وأبو حبيبة الغفاري. والصعب بن جثامة. فأخبروا عثمان خبره فقال عبد الرحمن بن عوف، ما له؟ أجُنَّ؟ قالوا: لا، ولكنه سكر. قال: فأوعدهم عثمان وتهدّدهم، وقال لجندب: أنت رأيت أخي(٢) يشرب الخمر؟ قال: معاذ الله، ولكنّي أشهد إنّي رأيته سكران يقسلها من جوفه، وإنّي أخذت خاتمه من يده وهو سكران لا يعقل.

قال أبو إسحاق: فأتى الشهود عائشة فأخبروها بما جرى بينهم وبين عثمان، وإنَّ عثمان زَبَرهم، فنادت عائشة: إنّ عثمان أبطل الحدود وتوعَّد الشهود.

وقال الواقدي: وقد يُقال: إنَّ عثمان ضرب بعض الشهود أسواطاً، فأتوا عليّاً فشكوا ذلك إليه. فأتى عثمان فقال: عطَّلت الحدود وضربت قوماً شهدوا على أخيك فقلّبت الحكم، وقد قال عمر: لا تحمل بني أميَّة وآل أبي معيط خاصَّة على رقاب الناس قال: فما ترى؟ قال: أرى أن تعزله ولا تولّيه شيئاً من أمور المسلمين، وأن تسأل عن الشهود فإن لم يكونوا أهل ظنَّة ولا عداوة أقمتَ على صاحبك الحدَّ.

قال: ويقال: إنَّ عائشة أغلظت لعثمان وأغلظ لها وقال: وما أنت وهذا؟ إنّما أُمرتِ أن تقرِّي في بيتكِ. فقال قومٌ مثل قوله: وقال آخرون: ومن أولى بذلك

____________________

١ - هكذا في الأنساب وصحيح مسلم وأما بقية المصادر فكلها مطبقة على أربع ركعات و ستوافيك إن شاء الله تعالى.

٢ - كان الوليد أخاه لأمه أمهما أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس.

١٢٠