الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٨

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 397

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
تصنيف: الصفحات: 397
المشاهدات: 139948
تحميل: 5988


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 397 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 139948 / تحميل: 5988
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 8

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يسجد الأُخرى كما وصفت، ثمَّ يقوم حتّى يفعل ذلك في كلِّ ركعة، ويجلس في الرابعة ويتشهَّد ويصلّي على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ويسلّم تسليمه يقول: السَّلام عليكم، فإذا فعل ذلك أجزأته صلاته وضيّع حظَّ نفسه فيما ترك، وإن كان يحسن أُمّ القرآن فيحمد الله ويكبّره مكان أُمّ القرآن لا يجزئه غيره، وإن كان يحسن غير أُمِّ القرآن قرأ بقدرها سبع آيات لا يجزئه دون ذلك، فإن ترك من أُمِّ القرآن حرفاً وهو في الركعة رجع إليه وأتمَّها، وإن لم يذكر حتّى خرج من الصَّلاة وتطاول ذلك أعاد.

وقال في كتاب «الأمّ» ١: ٢١٧: إنَّ مَن ترك أُمَّ القرآن في ركعة من صلاة الكسوف في القيام الأوَّل أو القيام الثاني لم يعتدّ بتلك الركعة، وصلّى ركعة أُخرى وسجد سجدتي السهو، كما إذا ترك أُمَّ القرآن في ركعة واحدة من صلاة المكتوبة لم يعتدّ بها.

(رأي مالك )

وقال إمام المالكية كما في المدوَّنة الكبرى ١: ٦٨: ليس العمل على قول عمر حين ترك القراءة(١) فقالوا له: إنَّك لم تقرأ؟ فقال: كيف كان الركوع والسجود؟ قالوا حسنٌ. قال: فلا بأس إذن. وأرى أن يعيد من فعل هذا وإن ذهب الوقت. وقال في رجل ترك القراءة في ركعتين من الظهر أو العصر أو العشاء الآخرة: لا تجزئه الصَّلاة و عليه أن يُعيد، ومن ترك القراءة في جلِّ ذلك أعاد، وإنْ قرأ في بعضها وترك في بعضها أعاد أيضاً، وإذا قرأ في ركعتين وترك القراءة في ركعتين، فإنه يعيد الصَّلاة من أيِّ الصَّلوات كانت.

وقال: من نسي قراءة أُمِّ القرآن حتّى قرأ سورة فإنَّه يرجع فيقرأ أُمَّ القرآن ثمَّ يقرأ سورة أيضاً بعد قراءته أُمِّ القرآن. وقال: لا يقضي قراءة نسيها من ركعة في ركعة أُخرى. وقال فيمن ترك أُمَّ القرآن في الركعتين وقد قرأ بغير أُمِّ القرآن: يعيد صلاته، وقال في رجل ترك القراءة في ركعة في الفريضة. يلغي تلك الركعة بسجدتيها ولا يعتدَّ بها.

____________________

١ - مرَّ حديثه في الجزء السادس صفحة ١٠٠ ط ١ و ١٠٨ ط ٢.

١٨١

(رأي الحنابلة)

قال ابن حزم في المحلّى ٣: ٢٣٦: وقراءة أُمِّ القرآن فرضٌ في كلِّ ركعة من كلِّ صلاة إماماً كان أو مأموماً أو منفرداً، والفرض والتطوُّع سواءٌ، والرجال والنساء سواءٌ. ثمَّ ذكر جملة من أدلَّة المسألة.

وذكر في ص ٢٤٣ فعل عمر وما يعزى إلى عليِّ - وحاشا من ذلك - فقال: لا حجَّة في قول أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال في ص ٢٥٠: من نسي التعوّذ أو شيئاً من أُمِّ القرآن حتّى ركع أعاد متى ذكر فيها وسجد للسهو إن كان إماماً أو فذّاً، فإن كان مأموماً ألغى ما قد نسي إلى أن ذكر، وإذا أتمَّ الإمام قام يقضي ما كان ألغى ثمَّ سجد للسهو، ولقد ذكرنا برهان ذلك في من نسي فرضاً في صلاته فإنَّه يعيد ما لم يصلِّ كما أُمر، ويعيد ما صلّى كما أُمر. قال:

ومن كان لا يحفظ أُمَّ القرآن وقرأ ما أمكنه من القرآن إن كان يعلمه، لا حدَّ في ذلك وأجزأه، وليسع في تعلّم أُمِّ القرآن فإن عرف بعضها ولم يعرف البعض قرأ ما عرف منها فأجزأه، وليسع في تعلّم الباقي، فإن لم يحفظ شيئاً من القرآن صلّى كما هو يقوم ويذكر الله كما يحسن بلغته ويركع ويسجد حتّى يتمَّ صلاته ويجزيه، وليسع في تعلّم أُمِّ القرآن.

وقال الشوكاني في نيل الأوطار ٢: ٢٣٣: إختلف القائلون بتعيين الفاتحة في كلِّ ركعة هل تصحُّ صلاة من نسيها؟ فذهبت الشافعيَّة وأحمد بن حنبل إلى عدم الصحَّة وروى ابن القاسم عن مالك: إنَّه إن نسيها في ركعة من صلّى ركعتين فسدت صلاته، وإن نسيها في ركعة من صلّى ثلاثيَّة أو رباعيَّة فروي عنه إنَّه يعيدها ولا تجزئه، وروي عنه: إنَّه يسجد سجدتي السهو، وروي عنه: إنَّه يعيد تلك الركعة ويسجد للسهو بعد السلام، ومقتضى الشرطيَّة التي نبَّهناك على صلاحيّة الأحاديث للدلالة عليها: إنَّ الناسي يعيد الصَّلاة كمن صلّى بغير وضوء ناسياً. اه‍.

وأمّا أبو حنيفة إمام الحنفيَّة فإنَّ له في مسائل الصَّلاة آراءٌ ساقطةٌ تشبه أقوال المستهزأ بها وحسبك برهنةً صلاة القفال(١) ، وسنفصِّل القول في تلكم الآراء الشاذَّة

____________________

١ - ذكرها ابن خلكان في تاريخه في ترجمة السلطان محمود السبكتكين.

١٨٢

عن الكتاب والسنَّة، وقد اجتهد في المسألة تجاه تلكم النصوص قال الجصّاص في «أحكام القرآن» ١: ١٨: قال أصحابنا - الحنفيَّة - جميعاً رحمهم الله: يقرأ بفاتحة الكتاب وسورة في كلِّ ركعة من الأوليين، فإن ترك قراءة فاتحة الكتاب وقرأ غيرها فقد أساء وتجزيه صلاته. اهـ

قال ابن حجر في فتح الباري: إنَّ الحنفيَّة يقولون بوجوب قراءة الفاتحة لكن بنوا على قاعدتهم إنَّها مع الوجوب ليست شرطاً في صحَّة الصَّلاة لأنَّ وجوبها إنَّما ثبت بالسنَّة والذي لا تتمُّ الصَّلاة إلّا به فرضٌ والفرض عندهم لا يثبت بما يزيد على القرآن وقد قال تعالى:( فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ) . فالفرض قراءة ما تيسَّر، وتعيّن الفاتحة إنَّما يثبت بالحديث فيكون واجباً يأثم من يتركه وتجزئ الصّلاة بدونه، وهذا تأويلٌ على رأي فاسد، حاصله ردُّ كثير من السنَّة المطهَّرة بلا برهان ولا حجَّة نيِّرة، فكم موطن من المواطن يقول فيها الشارع: لا يجزئ كذا، لا يُقبل كذا، لا يصحُّ كذا، و يقول المتمسِّكون بهذا الرأي يُجزئ، ويُقبل، ويصحّ؛ ولمثل هذا حذَّر السلف من أهل الرأي. وذكره الشوكاني في نيل الأوطار ٢: ٢٣٠.

ونظراً إلى الأهميَّة الواردة في قراءة أُمِّ الكتاب في الصَّلوات كلِّها، وأخذاً بظاهر: لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب، ذهب مَن ذهب من القوم إلى وجوبها على المأموم أيضاً مطلقاً أو في الصَّلوات الجهريَّة؛ قال الترمذي في الصحيح ١: ٤٢: قد اختلف أهل العلم في القراءة خلف الإمام، فرأى أكثر أهل العلم من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم والتابعين من بعدهم القراءة خلف الإمام، وبه يقول مالك وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، وروي عن عبد الله بن المبارك إنَّه قال: أنا أقرأ خلف الإمام والناس يقرأون إلّا قومٌ من الكوفيِّين، وأرى أنَّ من لم يقرأ صلاته جائزة، وشدَّد قومٌ من أهل العلم في ترك قراءة فاتحة الكتاب وإن كان خلف الإمام فقالوا: لا تُجزئ صلاةٌ إلّا بقراءة فاتحة الكتاب وحده كان أو خلف الإمام.اهـ

وقد جاء مع ذلك عن عبادة بن الصامت مرفوعاً: إنِّي أراكم تقرأون وراء إمامكم فلا تفعلوا إلّا بأُمِّ القرآن فإنَّه لا صلاة لمن لم يقرأها.

وفي لفظ أبي داود: لا تقرؤا بشيء من القرآن إذا جهرت إلّا بأُمِّ القرآن.

١٨٣

وفي لفظ النسائي وابن ماجة: لا يقرأنَّ أحدٌ منكم إذا جهرت بالقراءة إلّا بأُمِّ القرآن.

وفي لفظ الحاكم: إذا قرأ الإمام فلا تقرأوا إلّا بأُمِّ القرآن فإنَّه لا صلاة لمن لم يقرأ بها.

وفي لفظ الطبراني: من صلّى خلف الإمام فليقرأ بفاتحة الكتاب.

وعن أنس بن مالك مرفوعاً: أتقرأون في صلاتكم خلف الإمام بقرآن والإمام يقرأ؟ فلا تفعلوا وليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه.

وعن أبي قلابة مرسلاً: أتقرأون خلفي وأنا أقرأ فلا تفعلوا ذلك، ليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه سرّاً(١) .

قال ابن حزم في المحلّى ٣: ٢٣٩: اختلف أصحابنا فقالت طائفةٌ: فرضٌ على المأموم أن يقرأ أُمَّ القرآن في كلِّ ركعة أسرَّ الإمام أو جهر، وقالت طائفةٌ: هذا فرضٌ عليه فيما أسرَّ فيه الإمام خاصَّة ولا يقرأ فيما جهر فيه الإمام، ولم يختلفوا في وجوب قراءة أُمِّ القرآن فرضاً في كلِّ ركعة على الإمام والمنفرد.

وأخرج البيهقي أحاديث صحاح تدلُّ على إنَّ القراءة تسقط مع الإمام جهر أو لم يجهر. وذكر قول من قال: يُقرأ خلف الإمام مطلقاً ثمَّ قال: هو أصحُّ الأقوال على السنَّة وأحوطها. راجع السنن الكبرى ٢: ١٥٩ ١٦٦.

هذا تمام القول في الناحية الأولى من ناحيتي مخالفة عمل الخليفتين في الصَّلاة للسنَّة الشريفة، ومن ذلك كلِّه، يُعلم حكم الناحية الثانية وإنَّ الأُمَّة مطبقةٌ على إنَّ تدارك الفائتة من قراءة ركعة في ركعة أُخرى لم يرد في السنَّة النبويَّة، وإنَّ رأي الرجلين غير مدعوم بحجَّة، لا يُعمل به، ولا يُعوَّل عليه، ولا يستنُّ به قطُّ أحدٌ من رجال الفتوى، والحقُّ أحقُّ أن يُتَّبع.

____________________

١ - مسند أحمد ٢: ٣٠٢، ٣٠٨، ج ٥: ٣١٣، ٣١٦، ٣٢٢، سنن الترمذي ١: ٤٢، المحلى لابن حزم ٣: ٢٣٦، مستدرك الحاكم ١: ٢٣٨، ٢٣٩، سنن النسائي ٢: ١٤١، سنن البيهقي ٢: ١٦٤، ١٦٥، مصابيح السنة ١: ٦٠.

١٨٤

- ١٤ -

رأي الخليفة في صلاة المسافر

أخرج أبو عبيد في الغريب وعبد الرزاق والطحاوي وابن حزم عن بي المهلب قال: كتب عثمان: إنَّه بلغني إنَّ قوماً يخرجون إمّا لتجارة أو لجباية أو لحشريَّة(١) يقصِّرون الصَّلاة وإنَّما يقصِّر الصَّلاة من كان شاخصاً أو بحضرة عدوّ.

ومن طريق قتادة عن عياش المخزومي: كتب عثمان إلى بعض عمّاله: إنَّه لا يصلّي الركعتين المقيم ولا البادي ولا التاجر، إنَّما يصلي الركعتين من معه الزاد والمزاد.

وفي لفظ ابن حزم: إنَّ عثمان كتب إلى عمّاله: لا يصلّي الركعتين جابٍ ولا تاجر ولا تان(٢) إنَّما يصلّي الركعتين. الخ.

وفي لسان العرب: في حديث عثمان رضي الله عنه أنّه قال: لا يغرَّنكم جشركم من صلاتكم فإنَّما يقصِّر الصَّلاة مَن كان شاخصاً أو يحضره عدوّ. قال أبو عبيد: الجشر القوم يخرجون بدوابِّهم إلى المرعى، ويبيتون مكانهم ولا يأوون إلى البيوت(٣) .

وفي هامش سنن البيهقي ٣: ١٣٧: شاخصاً: يعني رسولاً في حاجة، وفي النهاية: شاخصاً: أي مسافراً ومنه حديث أبي أيوب: فلم يزل شاخصاً في سبيل الله.

قال الأميني: مِن أين جاء عثمان بهذا القيد في السفر؟ والأحاديث المأثورة في صلاته مطلقات كلّها كما أوقفناك عليها في ص ١١١ - ١١٥، وقبلها عموم قوله تعالى:( وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصّلاَةِ ) (٤) ولأبي حنيفة وأصحابه والثوريّ وأبي ثور في عموم الآية نظرٌ واسع لم يخصِّوه بالمباح من السفر بل قالوا بأنَّه يعمّ سفر المعصية أيضاً كقطع الطريق والبغي كما ذكره ابن حزم في المحلّى ٤: ٢٦٤، والجصّاص في أحكام القرآن ٢: ٣١٢، وابن رشد في بداية المجتهد ١: ١٦٣، وملك العلماء في البدايع ١: ٩٣، والخازن في تفسيره ١: ٤١٣.

____________________

١ - كذا في النسخ بالمهملة والصحيح كما يأتي، الجشر. بالمعجمة.

٢ - التناية: هي الفلاحة والزراعة «نهاية ابن الأثير».

٣ - سنن البيهقي ٣: ١٢٦، المحلى لابن حزم ٥: ١، نهاية ابن الأثير ٢: ٣٢٥، لسان العرب ٥: ٢٠٧، كنز العمال ٤: ٢٣٩، تاج العروس: ١٠٠ و ج ٤: ٤٠١.

١٨٥

وليس لحضور العدوِّ أيّ دخل في القصر والاتمام وإنَّما الخوف وحضور العدوِّ لهما شأنٌ خاصٌّ في الصَّلوات، وأحكام تخصُّ بهما، وناموسٌ مقرَّرٌ لا يعدوهما.

فمقتضى الأدلَّة كما ذهبت إليه الأُمَّة جمعاء: إنَّ التاجر والجابي والتاني والجشرية وغيرهم إذا بلغوا مبلغ السفر فحكمهم القصر، فهم وبقيَّة المسافرين شرعٌ سواء، وإلّا فهم جميعاً في حكم الحضور يتمُّون صلاتهم من دون أيِّ فرق بين الأصناف، وليس تفصيل الخليفة إلّا فتوىً مجرَّدة ورأياً يخصُّ به، وتقوُّلاً لا يؤبه له تجاه النصوص النبويَّة، وإطباق الصحابة، واتِّفاق الأُمَّة، وتساند الأئمَّة والعلماء، وإنَّما ذكرناه هنا لإيقافك على مبلغ الرجل من الفقاهة، أو تسرّعه في الفتيا من غير فحص عن الدليل، أو أنَّه عرف الدليل لكنَّه لم يكترث له وقال قولاً أمام قول رسول الله صلى الله عليه وآله.

كناطح صخرة يوماً ليقلعها

فلم يضرها فأوهى قرنه الوعل

على أنَّ التاجر جاء فيه ما أخرجه ابن جرير الطبري وغيره من طريق علي كرَّم الله وجهه قال: سأل قومٌ من التجار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! إنّا نضرب في الأرض فكيف نصلّي؟ فأنزل الله تعالى: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصَّلاة(١) .

وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن الأعمش عن إبراهيم قال: جاء رجلٌ فقال: يا رسول الله! إنِّي رجلٌ تاجرٌ أختلف إلى البحرين فأمره أن يصلّي بركعتين(٢) .

- ١٥ -

رأي الخليفة في صيد الحرم(٣)

أخرج إمام الحنابلة أحمد وغيره بإسناد صحيح عن عبد الله بن الحارث بن نوفل

____________________

١ - تفسير ابن جرير ٥: ١٥٥، مقدمات المدوّنة الكبرى لابن رشد ١: ١٣٦، تفسير ابن عطية كما في تفسير القرطبي ٥: ٣٦٢، الدر المنثور ٢: ٢٠٩، تفسير الشوكاني ١: ٤٧١ تفسير الآلوسي ٥: ١٣٤.

٢ - تفسير ابن كثير ١: ٥٤٤، الدر المنثور ٢: ٢١٠.

٣ - مسند أحمد ١: ١٠٠، ١٠٤، كتاب الأم للشافعي ٧: ١٥٧، سنن أبي داود ١: ٢٩١، سنن البيهقي ٥: ١٩٤، تفسير الطبري ٧: ٤٥، ٤٦ المحلى لابن حزم ٨: ٢٥٤، كنز العمال ٣: ٥٣، نقلاً عن أحمد وأبي داود وابن جرير وقال: صححه، وعن الطحاوي و أبي يعلى والبيهقي.

١٨٦

قال: أقبل عثمان إلى مكّة فاستقبلت بقديد فاصطاد أهل الماء حجلاً فطبخناه بماء وملح فقدَّمناه إلى عثمان وأصحابه فأمسكوا فقال عثمان: صيدٌ لم نصده ولم نأمر بصيده اصطاده قومٌ حلَّ فأطعموناه فما بأس به. فبعث إلى عليّ فجاء فذكر له فغضب عليٌّ وقال: انشد رجلاً شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أُتي بقائمة حمار وحشٍ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّا قومٌ حرم فأطعموه أهل الحلِّ؟ فشهد إثني عشر رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ قال عليٌّ: أُنشد الله رجلاً شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أُتي ببيض النعام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّا قومٌ حرم أطعموه أهل الحلِّ؟ فشهد دونهم من العدَّة من الإثنى عشر قال: فثنى عثمان وركه من الطعام فدخل رحله وأكل الطعام أهل الماء.

وفي لفظ آخر لأحمد عن عبد الله بن الحرث: إنَّ أباه ولي طعام عثمان قال: فكأنّي أنظر إلى الحجل حوالي الجفان فجاء رجلٌ فقال: إنَّ عليّاً رضي الله عنه يكره هذا فبعث إلى عليّ وهو ملطّخٌ يديه بالخبط فقال: إنَّك لكثير الخلاف علينا فقال عليٌّ: أذكِّر الله من شهد النبيَّ صلى الله عليه وسلم أُتي بعجز حمار وحش وهو محرم فقال: إنّا محرمون فأطعموه أهل الحلِّ. فقام رجالٌ فشهدوا ثمَّ قال: أذكِّر الله رجلاً شهد النبيَّ صلى الله عليه وسلم أُتي بخمس بيضات بيض نعام فقال: إنّا محرمون فأطعموه أهل الحلِّ فقام رجالٌ فشهدوا، فقام عثمان فدخل فسطاطه وتركوا الطعام على أهل الماء.

وفي لفظ الإمام الشافعي: إنَّ عثمان أُهديت له حجلٌ وهو محرمٌ فأكل القوم إلّا عليّاً فإنَّه كره ذلك.

وفي لفظ لابن جرير: حجَّ عثمان بن عفان فحجَّ عليٌّ معه فأتي عثمان بلحم صيد صاده حلالٌ فأكل منه ولم يأكله عليٌّ فقال عثمان: والله ما صدنا ولا أمرنا ولا أشرنا فقال عليٌّ: وحرَّم عليكم صيد البرَّ ما دمتم حرما. «سورة المائدة: ٩٦».

وفي لفظ: إنَّ عثمان بن عفان رضي الله عنه نزل قديداً فأتي بالحجل في الجفان شائلة بأرجلها فأرسل إلى عليّ رضي الله عنه وهو يضفر(١) بعيراً له فجاء والخبط ينحات من يديه، فأمسك عليٌّ وأمسك الناس فقال عليٌّ: مَن هاهنا من أشجع؟ هل تعلمون

____________________

١ - ضفر الدابة يضفر ها ضفراً: ألقى اللجام في فيها. والضفر: ما شددت به البعير من الشعر المضفور. والمضفور والضفير: الحبل المفتول. الضفائر: الدوائب المضفورة.

١٨٧

أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم جاء أعرابيٌّ ببيضات نعام وتتمير(١) وحش فقال: أطعمهنَّ أهلك فإنّا حرم؟ قالوا: بلى. فتورَّك عثمان عن سريره ونزل فقال: خبثت علينا.

وفي لفظ البيهقي: كان الحارث خليفة عثمان رضي الله عنه على الطائف، فصنع لعثمان رضي الله عنه طعاماً وصنع فيه من الحجل واليعاقيب ولحوم الوحش قال: فبعث إلى عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه فجاء الرَّسول وهو يخبط لأباعر له، فجاءه وهو ينفض الخبط من يده فقالوا له: كُل. فقال: اطعموه قوماً حلالاً فإنّا قومٌ حرم، ثمَّ قال عليٌّ رضي الله عنه: أُنشد الله مَن كان هاهنا من أشجع، أتعلمون أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أُهدى إليه رجل حمار وحش وهو محرمٌ فأبى أن يأكله؟ قالوا: نعم.

وأخرج الطبري من طريق صبيح بن عبد الله العبسي قال: بعث عثمان بن عفان أبا سفيان بن الحرث على العروض فنزل قديداً فمرَّ به رجلٌ من أهل الشام معه باز وصقر فاستعار منه فاصطاد به من اليعاقيب فجعلهنَّ في حظيرة فلمّا مرَّ به عثمان طبخهنَّ ثمَّ قدَّمهنَّ إليه فقال عثمان: كلوا فقال بعضهم: حتّى يجئَ عليُّ بن أبي طالب. فلمّا جاء فرأى ما بين أيديهم قال عليٌّ: إنّا لا نأكل منه. فقال عثمان مالك لا تأكل؟ فقال: هو صيدٌ لا يحلُّ أكله وأنا محرمٌ. فقال عثمان: بيِّن لنا. فقال عليٌّ:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ) . فقال عثمان: أوَ نحن قتلناه؟ فقرأ عليه: أُحلّ لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة وحُرِّم عليكم صيد البرِّ ما دمتم حرُماً.

وأخرج سعيد بن منصور كما ذكره ابن حزم من طريق بسر بن سعيد قال: إنَّ عثمان بن عفان كان يصاد له الوحش على المنازل ثمَّ يذبح فيأكله وهو محرمٌ سنتين من خلافته، ثمَّ إنَّ الزبير كلّمه فقال: ما أدري ما هذا يُصاد لنا ومِن أجلنا، لو تركناه فتركه.

قال الأمينيّ: هذه القصّة تشفُّ عن تقاعُس فقه الخليفة عن بلوغ مدى هذه المسألة، أو أنَّه راقه إتّباعِ الخليفة الثاني في الرأي حيث كان يأمر المحرم بأكل لحم الصيد، ويحذّر أهل الفتوى عن خلافِهِ مُهدّداً بالدِرَّة إنْ فعل وسيوافيك

____________________

١ - التتمير: التقديد. والتتمير: التيبيس. والتتمير: أن يقطع اللحم صغاراً ويجفف. واللحم المتمر: المقطع (لسان العرب).

١٨٨

تفصيله إنشاء الله تعالى، غير أنَّ عثمان أفحمه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بالكتاب والسنّة فلم يجد ندحةً من الدخول في فسطاطه والاكتفاء بقوله: إنَّك لكثير الخلاف علينا. وهذا القول ينمُّ عن توفُّر الخلاف بين مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وبين الخليفة، ومن الواضح الجليِّ إنَّ الحقَّ كلّما شجر خلاف بين مولانا عليّ عليه السلام وبين غيره كائناً مَن كان لا يعدو كفَّة الإمام صلوات الله عليه للنصِّ النبويِّ: عليٌّ مع الحقِّ والحقُّ مع علي ولن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض يوم القيامة(١) وقوله: عليٌّ مع القرآن والقرآن معه لا يفترقان حتّى يردا عليَّ الحوض(٢) وإنّه باب مدينة علم النبيِّ صلى الله عليه وآله، ووارث علمه، وعيبة علمه وأقضى أُمّته(٣) وكان سلام الله عليه منزَّهاً عن الخلاف لاتّباع هوى أو احتدام بغضاء بينه وبين غيره، فإنَّ ذلك من الرِّجس الذي نفاه الله عنه عليه السلام في آية التطهير. وقد طأطأ كلُّ عيلم لعلمه، وكان من المتسالم عليه إنَّه أعلم النّاس بالسنّة؟ ولذلك لما نهى عمر عبد الله بن جعفر عن لبس الثياب المعصفرة في الإحرام جابهه الإمام عليه السلام بقوله: ما أخال أحداً يعلّمنا السنّة(٤) فسكت عمر إذ كان لم يجد منتدحاً عن الإخبات إلى قوله، ولو كان غيره عليه السلام لعلاه بالدِرَّة، ولذلك كان عمر يرجع إليه في كلِّ أمر عصيب فإذا حلّه قال: لولا عليٌّ لهلك عمر(٥) أو نظير هذا القول وسيوافيك عن عثمان نفسه قوله: لولا عليٌّ لهلك عثمان.

فرأي الإمام الطاهر هو المتّبع وهو المعتضد بالكتاب بقوله تعالى: وحُرِّم عليكم صيد البرِّ ما دُمتم حُرُماً، كما استدلَّ به عليه السلام على عثمان، فبعمومه كما حكاه ابن حزم في المحلّى ٧: ٢٤٩ عن طائفة ظاهرٌ في أنَّ الشئ المتصيَّد هو المحرَّم ملكه وذبحه وأكله كيف كان، فحرّموا على المحرم أكل لحم الصيد وإن صاده لنفسه حلال، وإن ذبحه حلال، وحرَّموا عليه ذبح شيء منه وإن كان قد ملكه قبل إحرامه.

____________________

١ - راجع ما مرَّ في الجزء الثالث ص ١٥٥ ١٥٨ ط ١، و ١٧٦ ١٨٠ ط ٢.

٢ - راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث ص ١٥٨ ط ١، و ١٨٠ ط ٢.

٣ - راجع ما فصلناه في الجزء السادس ص ٥٤ ٧٣ ط ١، و ٦١ ٨١ ط ٢.

٤ - كتاب الأم للإمام الشافعي ٢: ١٢٦، المحلى لابن حزم ٧: ٢٦٠.

٥ - راجع نوادر الأثر في علم عمر في الجزء السادس من كتابنا هذا.

١٨٩

وقال القرطبي في تفسيره ٦: ٣٢١: التحريم ليس صفة للأعيان، وإنّما يتعلّق بالأفعال فمعنى قوله:( وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدَ الْبَرّ ) . أي فعل الصيد، وهو المنع من الإصطياد، أو يكون الصيد بمعنى المصيد على معنى تسمية المفعول بالفعل، وهو الأظهر لإجماع العلماء على إنَّه لا يجوز للمحرم قبول صيد وُهب له، ولا يجوز له شراؤه ولا اصطياده ولا استحداث ملكه بوجه من الوجوه، ولا خلاف بين علماء المسلمين في ذلك لعموم قوله تعالى:( وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدَ الْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً ) ، ولحديث الصعب بن جثامة. وقال في ص ٣٢٢: وروي عن علي بن أبي طالب وابن عبّاس وابن عمر: إنَّه لا يجوز للمحرم أكل صيد على حال من الأحوال، سواءٌ صيد من أجله أولم يصد لعموم قوله تعالى:( وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدَ الْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً ) . قال ابن عبّاس: هي مبهمةٌ. وبه قال طاووس، وجابر بن زيد وأبو الشعثاء، وروي ذلك عن الثوري، وبه قال إسحاق، واحتجّوا بحديث ابن جثامة ه‍

ويُعتضد رأي الإمام عليه السلام ومن تبعه بالسنّة الشريفة الثابتة بما ورد في الصحاح والمسانيد وإليك جملة منه:

١ - عن ابن عبّاس قال: يا زيد بن أرقم! هل علمت أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أُهدي إليه عضد صيد فلم يقبله وقال: إنّا حُرُم؟ قال: نعم.

وفي لفظ: قدم زيد بن أرقم فقال له ابن عبّاس يستذكره: كيف أخبرتني عن لحم صيد أُهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام؟ قال: نعم أهدى له رجلٌ عضواً من لحم صيد فردَّه وقال: إنّا لا نأكل إنّا حُرم.

وفي لفظ مسلم: إنَّ زيد بن أرقم قدم فأتاه ابن عبّاس رضي الله عنه فاستفتاه في لحم الصيد فقال: أُتي رسول الله بلحم صيد وهو محرمٌ فردَّه.

راجع صحيح مسلم ١: ٤٥٠، سنن أبي داود ١: ٢٩١، سنن النسائي ٥: ١٨٤، سنن البيهقي ٥: ١٩٤، المحلّى لابن حزم ٧: ٢٥٠ وقال: رويناه من طرق كلّها صحاح.

٢ - عن الصعب بن جثامة قال: مرَّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بالأبواء أو بودان(١) وأهديت له لحم حمار وحش فردَّه عليَّ فلمّا رأى في وجهي الكراهية قال: إنَّه

____________________

١ - ودان بفتح الواو قرية جامعة بين مكة والمدينة، بينها وبين الأبواء نحو من ثمانية أميال من الجحفة، ومنها الصعب بن جثامة «معجم البلدان»

١٩٠

ليس بنا ردٌّ عليك ولكنّنا حُرُم. وفي لفظ: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أُتي بلحم حمار وحش فردَّه وقال: إنَّا حُرُم لا نأكل الصيد.

راجع صحيح مسلم ١: ٤٤٩، مسند أحمد ٤: ٣٧، سنن الدارمي ٢: ٣٩، سنن ابن ماجة ٢: ٢٦٢، سنن النسائي ٥: ١٨٤، سنن البيهقي ٥: ١٩٢ بعدّة طرق، أحكام القرآن للجصاص ٢: ٥٨٦، تفسير الطبري ٧: ٤٨، تيسير الوصول ١: ٢٧٢.

٣ - عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: أُهدي للنبيِّ صلى الله عليه وسلم شقُّ حمار وحش وهو محرمٌ فردَّه. وفي لفظ أحمد: إنَّ الصعب بن جثامة أهدى إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو محرمٌ عجز حمار فردَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقطر دماً.

وفي لفظ طاووس في حديثه: عضداً من لحم صيد.

وفي لفظ مقسم: لحم حمار وحش.

وفي لفظ عطاء في حديثه: أُهدي له صيد فلم يقبله وقال: إنّا حُرُم.

وفي لفظ النسائي: أهدى الصعب بن جثامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل حمار وحش تقطر دماً وهو محرمٌ وهو بقديد فردَّها عليه.

وفي لفظ ابن حزم: إنَّه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل حمار وحش فردَّه عليه وقال: إنَّا حُرمٌ لا نأكل الصيد. وفي لفظ: لولا إنّا محرمون لقبلناه منك.

راجع صحيح مسلم ١: ٤٤٩، مسند أحمد ١: ٢٩٠، ٣٣٨، ٣٤١، مسند الطيالسي ص ١٧١، سنن النسائي ٥: ١٨٥، سنن البيهقي ٥: ١٩٣، المحلّى لابن حزم،: ٢٤٩ وقال: رويناه من طرق كلّها صحاح، أحكام القرآن للجصّاص ٢: ٥٨٦، تفسير القرطبي ٦: ٣٢٢.

*(لفت نظر)* أخرج البيهقي في تجاه هذا الصحيح المتسالم عليه في السنن الكبرى ٥: ١٩٣ من طريق عمرو بن أميَّة الضميري إنَّ الصعب بن جثامة أهدى للنبيِّ عجز حمار وحش وهو بالجحفة فأكل منه وأكل القوم. ثمَّ قال: وهذا إسنادٌ صحيح، فإن كان محفوظاً فكأنَّه ردَّ الحيَّ وقبل اللحم والله أعلم.اهـ

لا أحسب هذا مبلغ علم البيهقي وإنَّما أعماه حبُّه لتبرير الخليفة في رأيه الشاذّ عن الكتاب والسنَّة، فرأى الضعيف صحيحاً، وأتى في الجمع بينه وبين الصحيح المذكور بما

١٩١

يأباه صريح لفظه، ولهذه الغاية أخرج البخاري ذلك الصحيح المتسالم عليه في صحيحه ٣: ١٦٥ وحذف منه كلمة: الشقّ. والعجز. والرجل. والعضد. واللحم. وتبعه في ذلك الجصّاص في أحكام القرآن ٢: ٥٨٦ حيّا الله الأمانة.

وعقَّب ابن التركماني رأي البيهقي فيما أخرجه فقال في سنن الكبرى: قلت: هذا في سنده يحيى بن سليمان الجعفي عن ابن وهب أخبرني يحيى بن أيّوب هو الغافقي المصري، ويحيى بن سليمان ذكره الذهبي في الميزان والكاشف عن النسائي إنَّه ليس بثقة. وقال ابن حبّان: ربما أغرب. والغافقي قال النسائي ليس بذلك القوي. وقال أبو حاتم: لا يحتجُّ به. وقال أحمد: كان سيِّئ الحفظ يخطئ خطئاً كثيراً، وكذَّبه مالك في حديثين، فعلى هذا لا يشغل بتأويل هذا الحديث لأجل سنده ولمخالفته للحديث الصحيح، وقول البيهقي: ردَّ الحيَّ وقبل اللحم يردُّه ما في الصحيح إنَّه عليه السلام ردَّه. اهـ

٤ - عن عبد الله بن الحرث عن ابن عبّاس عن عليِّ بن أبي طالب قال: أتي النبيُّ صلى الله عليه وسلم بلحم صيد وهو محرمٌ فلم يأكله.

مسند أحمد ١: ١٠٥، سنن ابن ماجة ٢: ٢٦٣.

٥ - عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أُمّ المؤمنين إنّها قالت له: يا ابن أختي إنَّما هي عشر ليال فإن يختلج في نفسك شيءٌ فدعه. يعني أكل لحم الصيد.

موطأ مالك ١: ٢٥٧، سنن البيهقي ٥: ١٩٤، تيسير الوصول ١: ٢٧٣.

٦ - عن نافع قال: أهدي إلى ابن عمر ظبياً مذبوحة بمكّة فلم يقبلها، وكان ابن عمر يكره للمحرم أن يأكل من لحم الصيد على كلِّ حال.

رواه ابن حزم في المحلّى ٧: ٢٥٠ من طريق رجاله كلّهم ثقاتٌ.

ولو كان عند الخليفة علمٌ بسنَّة نبيِّه لعلّه لم يك يخالفها، ولو كان عنده ما يجديه في الحجاج تجاه هذه السنَّة الثابتة لأفاضه وما ترك النوبة لأتباعه ليحتجّوا له بعد لأي من عمر الدهر بما لا يُغني من الحقِّ شيئاً، قال البيهقي في سننه ٥: ١٩٤: أمَّا عليٌّ وابن عبّاس رضي الله عنهما فإنَّهما ذهبا إلى تحريم أكله على المحرم مطلقاً، وقد خالفهما عمر وعثمان وطلحة والزبير وغيرهم ومعهم حديث أبي قتادة وجابر والله أعلم. اهـ

١٩٢

أمّا حديث أبي قتادة قال: انطلقت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبيَّة فأحرم أصحابي ولم أحرم فانطلق النبيُّ صلى الله عليه وسلم وكنت مع أصحابي فجعل بعضهم يضحك إلى بعض فنظرت فإذا حمار وحش فحملت عليه فطعنته فأثبته فاستعنت بهم فأبوا أن يعينوني فأكلنا منه، فلحقت برسول الله وقلت: يا رسول الله! إنّي أصبت حمار وحش ومعي منه فاضلةٌ. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم للقوم: كلوا. وهم محرمون(١) .

فهو غير وافٍ بالمقصود لأنَّ قصَّته كانت عام الحديبيَّة السادس من الهجرة كما هو صريح لفظه وكثيرٌ من أحكام الحجِّ شرّعت في عام حجَّة الوداع السنة العاشرة ومنها تعيين المواقيت ولذلك ما كان أبو قتادة محرماً عند ذا، مع إحرام رسول الله وإحرام أصحابه. قال ابن حجر في فتح الباري ٤: ١٩: قيل كانت: هذه القصّة قبل أن يوقّت النبيُّ المواقيت. وقال السندي في شرح سنن النسائي ٥: ١٨٥ عند ذكر حديث أبي قتادة: قوله «عام الحديبيَّة» بهذا تبيَّن أنَّ تركه الإحرام ومجاوزته الميقات بلا إحرام كان قبل أن تُقرَّر المواقيت، فإنَّ تقرير المواقيت كان سنة حجِّ الوداع كما روي عن أحمد.

ومنها أحكام الصيد النازلة في سورة المائدة التي هي آخر ما نزل من القرآن، وروي عن النبيِّ صلى الله عليه وآله: إنَّه قرأها في حجّة الوداع وقال: يا أيّها الناس إنَّ سورة المائدة آخر ما نزل فأحلّوا حلالها وحرِّموا حرامها. وروي نحوه عن عائشة موقوفاً وصحَّحه الحاكم وأقرَّه ابن كثير، وأخرجه أبو عبيد من طريق ضمرة بن حبيب، وعطية بن قيس مرفوعاً(٢) .

فليس من البدع أن يكون غير واحد من مواضيع الحجِّ لم يشرَّع لها حكم في عام الحديبيَّة ثمَّ شرّع بعده ومنها هذه المسألة، وكان مولانا أمير المؤمنين عليه السلام حاضراً في عام الحديبيَّة وقد شاهد قصَّة أبي قتادة كما شاهد ها غيره «على فرض صحَّتها» ومع ذلك أنكر على عثمان وكذلك الشهود الذين استنشدهم صلوات الله عليه فشهدوا له

____________________

١ - صحيح البخاري ٣: ١٦٣، صحيح مسلم ١: ٤٥٠، سنن النسائي ٥: ١٨٥، سنن ابن ماجة ٢: ٣٦٣، سنن البيهقي ٥: ١٨٨.

٢ - مستدرك الحاكم ٢: ٣١١، تفسير القرطبي ٦: ٣١، تفسير الزمخشري ١: ٤٠٣، تفسير ابن كثير ٢: ٢، تفسير الخازن ٢: ٤٤٨، تفسير الشوكاني ٢: ١.

١٩٣

لم يعزب عنهم ما وقع في ذلك العام، لكنَّهم شهدوا على التشريع الأخير الثابت.

ولو كان لقصَّة أبي قتادة مقيلٌ من الصحَّة أو وزنٌ يُقام لَما ترك عثمان الإحتجاج به لكنَّه كان يعلم أنَّ الشأن فيها كما ذكرناه، وإنَّ العمل قبل التشريع لا حجِّيَّة له، وأفحمه الإمام عليه السلام بحجَّته الداحضة، فتوارى عن الحجاج في فسطاطه وترك الطعام على أهل الماء.

وأمّا حديث جابر فقد أخرجه غير واحد من أئمَّة الفقه والحديث ناصِّين على ضعفه من طريق عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن حنطب عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صيد البرِّ لكم حلالٌ وأنتم حُرم إلّا ما اصطدتم وصيد لكم(١)

قال النسائي في سننه: أبو عبد الرحمن عمرو بن أبي عمرو ليس بالقويِّ في الحديث وإن كان قد روى عنه مالك.

وقال ابن حزم في المحلّى: أمّا خبر جابر فساقطٌ لأنَّه عن عمرو بن أبي عمرو وهو ضعيفٌ.

وقال ابن التركماني في شرح سنن البيهقي عند قول الشافعي: إنَّ إبن أبي يحيى أحفظ من الدراوردي(٢) : قلت: الدراوردي احتجّ به الشيخان وبقيَّة الجماعة، وقال ابن معين:

ثقةٌ حجَّةٌ، ووثَّقه القطان وأبو حاتم وغيرهما، وأمّا ابن أبي يحيى فلم يخرج له في شيء من الكتب الخمسة، ونسبه إلى الكذب جماعةٌ من الحفّاظ كابن حنبل وابن معين وغيرهما، وقال بشر بن المفضل: سألت فقهاء المدينة عنه فكلّهم يقولون: كذّابٌ أو نحو هذا، وسُئل مالك: أكان ثقة؟ فقال: لا ولا في دينه، وقال ابن حنبل: كان قدريّاً معتزليّاً جهميّاً كلُّ بلاء فيه، وقال البيهقي في التيمم والنكاح: مختلفٌ في عدالته. ومع هذا كلّه كيف يرجَّح على الدراوردي؟.

قال: ثمَّ لو رجع عليه هو ومن معه فالحديث في نفسه معلول عمرو بن أبي عمرو

____________________

١ - كتاب الأم ٢: ١٧٦، سنن أبي داود ١: ٢٩١، سنن النسائي ٥: ١٨٧، سنن البيهقي ٥: ١٩٠، المحلّى لابن حزم ٧: ٢٥٣.

٢ - الرجلان وردا في طريقي الشافعي للحديث.

١٩٤

مع اضطرابه في هذا الحديث متكلّم فيه. قال ابن معين وأبو داود: ليس بالقويِّ زاد يحيى: وكان مالك يستضعفه. وقال السعدي: مضطرب الحديث.

قال: والمطلب قال فيه ابن سعد: ليس يحتجُّ بحديثه لأنَّه يرسل عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم كثيراً، وعامَّة أصحابه يدلّسون، ثمَّ الحديث مرسل، قال الترمذي: المطلب لا يعرف له سماع من جابر. فظهر بهذا أنَّ الحديث فيه أربع علل: إحداها: الكلام في المطلب. ثانيها: إنَّه ولو كان ثقة فلا سماع له من جابر فالحديث مرسل. ثالثها: الكلام في عمرو. رابعها: إنَّه ولو كان ثقة فقد اختلف عليه فيه كما مرَّ.

ثمَّ ذكر ما استشكل به الطحاوي في الحديث من وجهة النظر من قوله: إنَّ الشيء لا يحرم على إنسان بنيَّة غيره أن يصيد له.

هذا مجمل القول في حديث أبي قتادة وجابر، فلا يصلحان للاعتماد ورفع اليد عن تلكم الصحاح المذكورة الثابتة، ولا يخصَّص بمثلهما عموم، ولا يتمّ بهما تقييد مطلقات الكتاب، والمعوَّل عليه في المسألة هو كتاب الله العزيز والسنَّة الشريفة الثابتة، وما شذَّ عنهما من رأي أيِّ بشرٍ يضرب به عرض الجدار، فاتَّبعها ولا تتّبع أهواء الذين لا يعلمون.

- ١٦ -

خصومة يرفعها الخليفة إلى عليّ

أخرج أحمد والدورقي من طريق الحسن بن سعد عن أبيه إنَّ يحيس(١) وصفيَّة كانا من سبي الخمس فزنت صفيَّة برجلٍ من الخمس وولدت غلاماً فادَّعى الزاني ويحيس فاختصما إلى عثمان فرفعهما عثمان إلى عليِّ بن أبي طالب، فقال عليٌّ: أقضي فيهما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر وجلدهما خمسين خمسين(٢) .

قال الأمينيّ: هل علمتَ أنَّه لِماذا ردَّ الخليفةُ الحكمَ إلى أمير المؤمنين عليه السلام؟ لقد رفعه إليه إنْ كنت لا تدري لأنَّه لم يكن عنده ما يفصل به الخصومة، ولعلّه كان ملأ سمعه قوله تعالى:( الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ) (٣) ويعلم في الجملة أنَّ هناك فرقاً في كثير من الأحكام بين الأحرار والمملوكين، لكن عزب عنه

____________________

١ - في مسند أحمد: يحنس.

٢ - مسند أحمد ١: ١٠٤، تفسير ابن كثير ١: ٤٧٨، كنز العمال ٣: ٢٢٧.

٣ - سورة النور آية: ٢.

١٩٥

إنَّ مسألة الحدِّ أيضاً من تلكم الفروع، فكأنَّه لم يلتفت إلى قوله تعالى:( وَمَن لَم يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَا مَلَكَتْ أَيْمَانِكُم مِن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِايِمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنّ وَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ) . الآية(١) .

أو أنَّ الآية الكريمة كانت نصب عينيه لكن لم يسعه فهم حقيقتها لأنَّ قيد ذاكرته إنّ حدّ المحصنات هو الرجم، غير إنَّه لم يتسنّ له تعرّف أنّ الرجم لا يتبعّض، فالذي يمكن تنصيفه من العذاب هو الجَلد، فالآية الشريفة دالَّة بذلك على سقوط الرجم عَن المحصنات من الإماء وإنَّما عَليهنَّ نِصف الجلد الثابت عليها في السنَّة الشريفة(٢) .

وأخرج أحمد في مسنده ١: ١٣٦ من طريق أبي جميلة عن عليّ عليه السلام قال: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمة له سوداء زنت لأجلدها الحدَّ قال: فوجدتها في دمائها فأتيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك فقال لي: إذا تعالت من نفاسها فاجلدها خمسين. وذكره ابن كثير في تفسيره ١: ٤٧٦ وفيه: إذا تعافت من نفاسها فاجلدها خمسين. وذكره الشوكاني في نيل الأوطار ٧: ٢٩٢ باللفظ المذكور. وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وصحَّحه وليس في لفظهم «خمسين».

هب أن الخليفة نسيها لبعد العهد لكنه هل نسي ما وقع بمطلع الأُكمة منه على العهد العمري؟ من جلده المحصنات من الإماء خمسين جلدة كما أخرجه الحافظ(٣) أو أنَّ الخليفة وقف على مغازي الآيات الكريمة، ولم تذهب عليه السنَّة النبويّة، وكان على ذكر ممّا صدر على عهد عمر لكن أربكه حكم العبد لأنّه رأى الآية الكريمة نصّاً في الإماء، وكذلك نصوص الأحاديث، ولم يهتدٍ إلى إتّحاد الملاك بين العبيد والإماء

____________________

١ - سورة النساء آية: ٢٥.

٢ - صحيح البخاري ١٠: ٤٨، صحيح مسلم ٢: ٣٧، سنن أبي داود ٢: ٢٣٩، سنن ابن ماجة ٢: ١١٩، سنن البيهقي ٨: ٣٤٢، موطأ مالك ٢: ١٧٠، كتاب الأم للشافعي ٦: ١٢١، تفسير القرطبي ١٢: ١٥٩.

٣ - موطأ مالك ٢: ١٧٠، سنن البيهقي ٨: ٢٤٢، تفسير ابن كثير ١: ٦ ٤٧، كنز العمال ٣: ٨٦.

١٩٦

من المملوكيّة، وهو الذي أصفق عليه أئمة الحديث والتفسير كما في كتاب الأُم للشافعي ٦: ١٤٤، أحكام القرآن للجصّاص ٢: ٢٠٦، سنن البيهقي ٨: ٢٤٣، تفسير القرطبي ٥: ١٤٦، ج ١٢: ١٥٩، تفسير البيضاوي ١: ٢٧٠، تيسير الوصول ٢: ٤، فيض الإله المالك للبقاعي ٢: ٣١١، فتح الباري ١٢: ١٣٧، فتح القدير ١: ٤١٦، تفسير الخازن ١: ٣٦٠، وقال الشوكاني في نيل الأوطار ٧: ٢٩٢: لا قائل بالفرق بين الأمة والعبد كما حكى ذلك صاحب البحر.

أو أنَّ الخليفة حسب أنَّ ولد الزانية لا بدَّ وأن يكون للزاني، ولم يشعر بمقاربة زوجها إيّاها أو إمكان مقاربته منذ مدَّة يمكن أن ينعقد الحمل فيها، وبذلك يتحقَّق الفراش الذي يلحق الولد بصاحبه، كما حكم به مولانا أمير المؤمنين عليه السلام والأصل فيه قوله صلى الله عليه وآله: الولد للفراش وللعاهر الحجر.

لقد أنصف الخليفة في رفع حكم هذه المسألة إلى مَن عنده علم الكتاب والسنَّة فإنَّه كان يعلم علم اليقين إنَّ ذلك عند العترة الطاهرة لا البيت الأموي، وليته أنصف هذا الإنصاف في كلِّ ما يرد عليه من المسائل، وليته علم إنَّ حاجة الأُمَّة إنَّما هي إلى إمام لا يعدوه علم الكتاب والسنَّة فأنصفها، غير أنَّ.....

إذا لم تستطع شيئاً فدعه

وجاوزه إلى ما تستطيعُ

- ١٧ -

رأي الخليفة في عدَّة المختلعة(١)

عن نافع أنَّه سمع ربيع بنت معوذ بن عفراء وهي تخبر عبد الله بن عمر إنَّها اختلعت من زوجها على عهد عثمان فجاء معاذ بن عفراء إلى عثمان فقال: إنَّ ابنة معوذ اختلعت من زوجها اليوم أتنتقل؟ فقال له عثمان: تنتقل ولا ميراث بينهما ولا عدَّة عليها إلّا أنَّها لا تنكح حتّى حيضة، خشية أن يكون بها حبل. فقال عبد الله عند ذلك: عثمان خيرنا وأعلمنا. وفي لفظ آخر: قال عبد الله: أكبرنا وأعلمنا.

____________________

١ - سنن البيهقي ٧: ٤٥٠، ٤٥١، سنن ابن ماجة ١: ٦٣٤، تفسير ابن كثير ١: ٢٧٦ نقلا عن ابن أبي شيبة، زاد المعاد لابن القيم ٢: ٤٠٣، كنز العمال ٣: ٢٢٣، نيل الأوطار ٧: ٣٥.

١٩٧

وفي لفظ عبد الرزاق عن نافع عن الربيع ابنة معوذ إنَّها قالت: كان لي زوجٌ يقلُّ الخير عليَّ إذا حضر ويحزنني إذا غاب فكانت منِّي زلَّة يوماً فقلت له: اختلعت منك بكلّ شيء أملكه. فقال: نعم. ففعلت فخاصم إبني معاذ بن عفراء إلى عثمان فأجاز الخلع وأمره أن يأخذ عقاص رأسي فما دونه، أو قالت: دون عقاص رأس.

وفي لفظ عن نافع: إنَّه زوَّج إبنة أخيه رجلاً فخلعها فرفع ذلك إلى عثمان فأجاذه فأمرها أن تعتدَّ حيضة. وفي لفظ ابن ماجة من طريق عبادة الصامت: قالت: الربيع: اختلعت من زوجي ثمَّ جئت عثمان فسألت ماذا عليَّ من العدَّة؟ فقال: لا عدَّة عليك إلّا أن يكون حديث عهد بك فتمكثين عنده حتّى تحيضين حيضة.. الخ.

قال الأميني: المطلّقات يتربَّصن بأنفسهنَّ ثلاثة قروء، نصّاً من الله العزيز الحكيم(١) من غير فرق بين أقسام الطلاق المنتزعة من شقاق الزوج والزوجة، فإن كان الكره من قِبَل الزوج فحسب فالطلاق رجعيٌّ. أو من قِبَل الزوجة فقط فهو خلعيٌّ. أو منهما معاً فمباراةٌ. فليس لكلٍّ من هذه الأقسام حكمٌ خاصٌّ في العدَّة غير ما ثبت لجميعها بعموم الآية الكريمة المنتزع من الجمع المحلّى باللام – المطلّقات - وعلى هذا تطابقت فتاوى الصحابة والتابعين والعلماء من بعدهم وفي مقدّمهم أئمَّة المذاهب الأربعة قال ابن كثير في تفسيره ١: ٢٧٦: مسألةٌ وذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه في رواية عنهما وهي المشورة إلى أنَّ المختلعة عدَّتها عدَّة المطلّقة بثلاثة قروء إن كانت ممّن تحيض، وروي ذلك عن عمر وعليّ وابن عمر، وبه يقول سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وعروة، وسالم، وأبو سلمة، وعمر بن عبد العزيز، وابن شهاب، والحسن، والشعبي، وإبراهيم النخعي، وأبو عياض، وخلاس بن عمر، وقتادة، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد، وأبو عبيد، وقال الترمذي(٢) : وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة وغيرهم، ومأخذهم في هذا أنَّ الخلع طلاقٌ فتعتدُّ كسائر المطلّقات. اهـ

هذه آراء أئمَّة المسلمين عند القوم وليس فيها شيءٌ يوافق ما ارتآه عثمان وهي

____________________

١ - راجع سورة البقرة: ٢٢٨.

٢ - قاله في صحيحه ١: ١٤٢.

١٩٨

مصافقة مع القرآن الكريم كما ذكرناه.

وقد اُحتجَّ لعثمان بما رواه الترمذي في صحيحه ١: ١٤٢ من طريق عكرمة عن ابن عباس: إنَّ امرأة ثابت بن قيس رضي الله عنه اختلعت منه فجعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم عدَّتها حيضة.

وهذه الرواية باطلةٌ إذ المحفوظ عند البخاري والنسائي من طريق ابن عبّاس في قصّة امرأة ثابت ما لفظه: قال ابن عبَّاس: جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إنِّي ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكنّي أكره الكفر في الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتردّين عليه حديقته؟ (وكانت صداقها) قالت: نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إقبلِ الحديقة وطلّقها تطليقة.

فامرأة ثابت نظراً إلى هذه اللفظة مطلّقة تطليقة والمطلّقات يتربَّصن بأنفسهنَّ ثلاثة قروء.

على أنَّ الاضطراب الهائل في قصَّة إمرأة ثابت يوهن الأخذ بما فيها، ففي لفظ: إنَّها جميلة بنت سلول. كما في سنن ابن ماجة. وفي لفظ أبي الزبير: إنَّها زينب. وفي لفظ: إنَّها بنت عبد الله. وفي لفظ لابن ماجة والنسائي: إنَّها مريم العالية. وفي موطأ مالك: إنَّها حبيبة بنت سهل. وذكر البصريّون: إنَّها جميلة بنت أُبيّ(١) وجلُّ هذه الألفاظ كلفظ البخاري والنسائي يخلو عن ذكر العدَّة بحيضة، فلا يخصَّص حكم القرآن الكريم بمثل هذا.

على إنَّه لو كان لها مقيلٌ في مستوى الصدق والصحَّة لَما أصفقت الأئمَّة على خلافها كما سمعت من كلمة ابن كثير.

وقد يُعاضد رأي الخليفة بما أخرجه الترمذي في صحيحه ١: ١٤٢ عن الربيع بنت معوذ (صاحبة عثمان) أنَّها اختلعت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها النبيُّ صلى الله عليه وسلم أو أُمرت أن تعتدَّ بحيضة. قال الترمذي: حديث الربيع الصحيح إنَّها أُمرت أن تعتدَّ بحيضة. وبهذا اللفظ جاء في حديث سليمان بن يسار عن الربيع قالت: إنَّها اختلعت من زوجها فأُمرت أن تعتدَّ بحيضة.

وقال البيهقي بعد رواية هذا الحديث: هذا أصحُّ وليس فيه مَن أمرها ولا على

____________________

١ - راجع نيل الأوطار ٧: ٣٤ ٣٧.

١٩٩

عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم وقد روينا في كتاب الخلع أنَّها اختلعت من زوجها زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه. ثمَّ أخرج حديث نافع المذكور في صدر العنوان فقال: هذه الرواية تصرِّح بأنَّ عثمان رضي الله عنه هو الذي أمرها بذلك، وظاهر الكتاب في عدَّة المطلّقات يتناول المختلعة وغيرها، فهو أولى وبالله التوفيق. هـ(١) .

فليس للنبيِّ صلى الله عليه وآله في قصّة بنت معوذ حكمٌ وما رفعت إليه صلى الله عليه وآله، وإنَّما وقعت في عصر عثمان وهو الحاكم فيها، وقد حرَّفتها عن موضعها يد الأمانة على ودايع العلم والدين لتبرير ساحة عثمان عن لوث الجهل، ولو كان لتعدّد القصَّة وزنٌ يقام عند الفقهاء وروايتها بمشهد منهم ومرأى لَما عدلوا عنها على بكرة أبيهم إلى عموم الكتاب ولَما تركوها مُتدهورة في هوّة الإهمال.

وعلى الباحث أن ينظر نظرة عميقة إلى قول ابن عمر وقد كان في المسألة أوَّلا مصافقاً في رأيه الكتاب ومَن عمل به من الصحابة وعُدّ في عدادهم، ثمَّ لمحض أن بلغه رأي الخليفة المجرَّد عن الحجَّة عَدَل عن فتواه فقال: عثمان خيرنا وأعلمنا. أو قال: أكبرنا وأعلمنا. هكذا فليكن المجتهدون، وهكذا فلتصدر الفتاوى.

- ١٨ -

رأي الخليفة في امرأة المفقود

أخرج مالك من طريق سعيد بن المسيب إنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أيّما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو فإنَّها تنتظر أربع سنين، ثمَّ تنتظر أربعة أشهر وعشراً، ثمَّ تحلُّ. وقضى بذلك عثمان بن عفان بعد عمر.

وأخرج أبو عبيد بلفظ: إنَّ عمر وعثمان رضي الله عنهما قالا: امرأة المفقود تربَّص أربع سنين، ثمَّ تعتدُّ أربعة أشهر وعشراً، ثمَّ تنكح.

وفي لفظ الشيباني: إنَّ عمر رضي الله عنه أجّل امرأة المفقود أربع سنين. وفي لفظ شعبة من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلي قال: قضى عمر رضي الله عنه في المفقود تربّص امرأته أربع سنين ثمَّ يطلّقها وليُّ زوجها، ثمَّ تربَّص بعد ذلك أربعة أشهر وعشراً ثمَّ تزوَّج.

____________________

١ - سنن البيهقي ٧: ٤٥١.

٢٠٠