الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٨

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 397

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
تصنيف: الصفحات: 397
المشاهدات: 139986
تحميل: 5988


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 397 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 139986 / تحميل: 5988
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 8

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وقبل هذه كلّها سنَّة الله في الذكر الحكيم حول الأموال مثل قوله تعالى:

١ -( وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُم مِن شَيْ‏ءٍ فَأَنّ للّهِ‏ِ خُمُسَهُ وَلِلرّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى‏ وَالْيَتَامَى‏ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ ) . (الأنفال ٤١).

٢ -( إِنّمَا الصّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (التوبة ٦٠).

٣ -( مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَى‏ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلكِنّ اللّهَ يُسَلّطُ رُسُلَهُ عَلَى‏ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى‏ كُلّ شَي‏ءٍ قَدِيرٌ * مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَى‏ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى‏ فَلِلّهِ وَلِلرّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى‏ وَالْيَتَامَى‏ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ ) . (الحشر ٦، ٧).

هذه سنَّة الله وسنَّة نبيِّه غير أنَّ الخليفة عثمان نسي ما في الكتاب العزيز، وشذَّ عمَّا جاء به النبيُّ الأقدس في الأموال، وخالف سيرة من سبقه، وتزحزح عن العدل و النصفة، وقدَّم أبناء بيته الساقط، أثمار الشجرة الملعونة في كتاب الله، رجال العيث والعبث؛ والخمور والفجور، من فاسق إلى لعين؛ إلى حلّاف مهين همّاز مشاء بنميم، وفضّلهم على أعضاء الصحابة وعظماء الأُمَّة الصّالحين، وكان يهب من مال المسلمين لأحد من قرابته قناطير مقنطرة من الذهب والفضّة من دون أيِّ كيل ووزن، ويؤثرهم على من سواهم كائناً من كان من ذي قربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم. ولم يكن يجرأ أحدٌ عليه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لما كان يرى سيرته الخشنة مع أولئك القائمين بذلك الواجب، ويشاهد فيهم من الهتك والتغريب والضرب بدرَّة كانت أشدَّ من الدرَّة العمريَّة(١) مشفوعة بالسوط والعصا(٢) وإليك نبذة من سيرة الخليفة في الأموال:

- ٣١ -

أيادي الخليفة عند الحكم بن أبي العاص

أعطى صدقات قضاعة الحكم بن أبي العاص عمّه طريد النبيِّ بعد ما قرّبه وأدناه وألبسه يوم قدم المدينة وعليه فزرٌ(٣) خلق وهو يسوق تيساً والناس ينظرون إلى سوء

____________________

١ - راجع محاضرة الأوائل للسكتواري ص ١٦٩.

٢ - يأتي حديثه بعيد هذا.

٣ - من فزر الثوب: انشق وتقطع وبلى.

٢٤١

حاله وحال من معه حتّى دخل دار الخليفة ثمَّ خرج وعليه جبَّة خزٌّ وطيلسان (تاريخ اليعقوبي ٢: ٤١).

وقال البلاذري في الأنساب ٥: ٢٨ رواية عن ابن عبّاس أنَّه قال: كان ممّا أنكروا على عثمان إنَّه ولّى الحكم ابن أبي العاص صدقات قضاعة(١) فبلغت ثلاث مائة ألف درهم فوهبها له حين أتاه بها.

قال ابن قتيبة وابن عبد ربّه والذهبي: وممّا نقم الناس على عثمان إنَّه آوى طريد النبيِّ صلى الله عليه وسلم الحكم ولم يؤوه أبو بكر وعمر وأعطاه مائة ألف(٢) .

وعن عبد الرَّحمن بن يسار قال: رأيت عامل صدقات المسلمين على سوق المدينة إذا أمسى أتاها عثمان فقال له: إدفعها إلى الحكم بن أبي العاص، وكان عثمان إذا أجاز أحداً من أهل بيته جائزة جعلها فرضاً من بيت المال فجعل يدافعه ويقول له: يكون فنعطيك إنشاء الله. فألحَّ عليه فقال: إنَّما أنت خازن لنا فإذا أعطيناك فخذ، وإذا سكتنا عنك فاسكت. فقال: كذبت والله ما أنا لك بخازنٍ ولا لأهل بيتك إنَّما أنا خازن المسلمين، وجاء بالمفاتيح يوم الجمعة وعثمان يخطب فقال: أيّها الناس زعم عثمان إنِّي خازنٌ له ولأهل بيته وإنّما كنت خازناً للمسلمين وهذه مفاتيح بيت مالكم. ورمى بها فأخذها ودفعها إلى زيد بن ثابت. (تاريخ اليعقوبي ٢: ١٤٥).

قال الأميني: يُروى نظير هذه القضية كما يأتي لزيد بن أرقم وعبد الله بن مسعود ولعلَّ هذه وقعت لغيرهم من الولاة على الصدقات أيضاً. والله العالم.

الحَكَم وما أدراك ما الحكَم؟

كان خصّاء يخصي الغنم(٣) أحد جيران رسول الله صلى الله عليه وآله بمكّة من أولئك الأشدّاء عليه صلى الله عليه وآله المبالغين في إيذاءه شاكلة أبي لهب كما قاله ابن هشام في سيرته ٢: ٢٥، وأخرج الطبراني من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كان الحكَم يجلس

____________________

١ - أبو حي باليمن.

٢ - المعارف لابن قتيبة ص ٨٤، العقد الفريد ٢: ٢٦١، محاضرات الراغب ٢: ٢١٢، مرآة الجنان لليافعي ١: ٨٥ نقلا عن الذهبي.

٣ - حياة الحيوان للدميري ١: ١٩٤.

٢٤٢

عند النبيِّ صلى الله عليه وآله فإذا تكلّم إختلج فبصر به النبيُّ صلى الله عليه وآله فقال: كن كذلك. فما زال يختلج حتّى مات.

وفي لفظ مالك بن دينار: مرَّ النبيُّ صلى الله عليه وآله بالحكم فجعل الحكم يغمز النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم باصبعه فالتفت فرآه فقال: اللهمَّ اجعل به وزغاً(١) فرجف مكانه وارتعش. وزاد الحلبي بعد أن مكث شهراً مغشيّاً عليه(٢) .

أسلفناه من طريق الحفّاظ الطبراني والحاكم والبيهقي. ومرَّت صحَّته في الجزء الأوَّل صفحة ٢٣٧.

روى البلاذري في الأنساب ٥: ٢٧: إنَّ الحكم بن العاص كان جاراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهليَّة وكان أشدَّ جيرانه أذىً له في الإسلام، وكان قدومه المدينة بعد فتح مكّة وكان مغموصاً عليه في دينه، فكان يمرُّ خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغمز به و يحكيه ويخلج بأنفه وفمه، وإذا صلّى قام خلفه فأشار باصبعه، فبقي على تخليجه وأصابته خَبلةٌ، واطّلع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو في بعض حُجر نسائه فعرفه وخرج إليه بعنزة وقال: مَن عَذيري مِن هذا الوزغة اللعين؟ ثمَّ قال: لا يساكنني ولا ولده فغرَّبهم جميعاً إلى الطائف فلمّا قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم كلّم عثمان أبا بكر فيهم وسأله ردَّهم فأبى ذلك وقال: ما كنت لآوي طرداء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ لما استخلف عمر كلّمه فيهم فقال مثل قول أبي بكر، فلمَّا استخلف عثمان أدخلهم المدينة وقال: قد كنت كلّمت رسول الله فيهم وسألته ردَّهم فوعدني أن يأذن لهم فقُبض قبل ذلك. فأنكر المسلمون عليه إدخاله إيّاهم المدينة.

وقال الواقدي: ومات الحكم بن أبي العاص بالمدينة في خلافة عثمان فصلّى عليه و ضرب على قبره فسطاطاً.

وعن سعيد بن المسيب قال: خطب عثمان فأمر بذبح الحمام وقال: إنَّ الحمام قد كثر في بيوتكم حتّى كثر الرمي ونالنا بعضه فقال الناس: يأمر بذبح الحمام وقد آوى طرداء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

____________________

١ - الوزغ: الارتعاش والرعدة.

٢ - الإصابة ١: ٣٤٥، ٣٤٦، السيرة الحلبية ١: ٣٣٧، الفائق للزمخشري ٢: ٣٠٥، تاج العروس ٦: ٣٥.

٢٤٣

وذكره بلفظ أخصر من هذا في صفحة ١٢٥ وذكر بيتين لحسان بن ثابت في عبد الرحمن بن الحكم الآتيين في لفظ أبي عمر فقال: كان يفشي أحاديث رسول الله فلعنه وسيَّره إلى طائف ومعه عثمان الأزرق والحارث وغيرهما من بنيه وقال: لا يساكنني فلم يزالوا طرداء حتّى ردَّهم عثمان فكان ذلك ممّا نُقم عليه.

وفي سيرة الحلبيَّة ١: ٣٣٧: إطّلع الحكم على رسول الله من باب بيته وهو عند بعض نسائه بالمدينة فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعنزة وقيل بمدرى في يده وقال: مَن عذيري مِن هذه الوزغة لو أدركته لفقأت عينه، ولعنه وما ولد، وذكره ابن الأثير مختصراً في أسد الغابة ٢: ٣٤.

وقال أبو عمر في «الاستيعاب»: أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم من المدينة وطرده عنها فنزل الطائف وخرج معه ابنه مروان، واختلف في السبب الموجب لنفي رسول الله صلى الله عليه وسلم إيّاه فقيل: كان يتحيَّل ويستخفي ويتسمَّع ما يسرُّه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كبار أصحابه في مشركي قريش وسائر الكفّار والمنافقين، فكان يفشي ذلك عنه حتّى ظهر ذلك عليه، وكان يحكيه في مشيته وبعض حركاته، إلى أمور غيرها كرهت ذكرها، ذكروا: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا مشى يتكفأ وكان الحكم يحكيه فالتفت النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوماً فرآه يفعل ذلك فقال صلى الله عليه وسلم فكذلك فلتكن. فكان الحكم مختلجاً يرتعش من يومئذ، فعيَّره عبد الرحمن بن حسان بن ثابت فقال في عبد الرحمن بن الحكم يهجوه:

إنَّ اللعين أبوك فارم عظامه

إن تَرم تَرم مخلّجاً مجنونا

يمسي خميص البطن من عمل التقى

ويظلُّ من عمل الخبيث بطينا(١)

وأخرج أبو عمر من طريق عبد الله بن عمرو بن العاصي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدخل عليكم رجلٌ لعين. وكنت قد تركت عمراً يلبس ثيابه ليقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أزل مشفقاً أن يكون أوَّل من يدخل فدخل الحكم ابن أبي العاص(٢) .

م - وقال ابن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق ص ١٤٤: وبسند رجاله رجال الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه إنّه صلى الله عليه وسلم قال: ليدخلنَّ الساعة عليكم رجلٌ

____________________

١ - الاستيعاب ١: ١١٨، أسد الغابة ٢: ٣٤.

٢ - الاستيعاب ١: ١١٩.

٢٤٤

لعينٌ. فوالله ما زلت أتشوَّق داخلاً وخارجاً حتّى دخل فلان يعني الحكم كما صرَّحت به رواية أحمد].

وروى البلاذري في «الأنساب» ٥: ١٢٦، والحاكم في «المستدرك» ٤: ٤٨١ وصحّحه والواقدي كما في السيرة الحلبيّة ١: ٣٣٧ بالإسناد عن عمرو بن مرَّة قال: إستأذن الحكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف صوته فقال: ائذنوا له لعنة الله عليه وعلى من يخرج من صلبه إلّا المؤمنين وقليلٌ ماهم، ذوو مكر وخديعة يُعطون الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق(١) .

م- وفي لفظ ابن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق ص ١٤٧: ائذنوا له فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وما يخرج من صلبه يشرفون في الدنيا، ويترذلون في الآخرة، ذوو مكر وخديعة إلّا الصالحين منهم وقليلٌ ماهم].

وأخرج الحاكم في المستدرك ٤: ٤٨١ وصحّحه من طريق عبد الله بن الزبير قال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الحكم وولده.

وأخرج الطبراني وابن عساكر والدارقطني في الأفراد من طريق عبد الله بن عمر قال: هجرت الرواح رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبو الحسن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادن: فلم يزل يدنيه حتّى التقم أذنيه فبينما النبيُّ صلى الله عليه وسلم يساره إذ رفع رأسه كالفزع قال: فَدعٌ بسيفه الباب فقال لعليّ: إذهب فقده كما تقاد الشاة إلى حالبها. فإذا عليٌّ يدخل الحكم بن أبي العاص آخذاً بإذنه ولها زنمة حتّى أوقفه بين يدي النبيِّ صلى الله عليه وسلم فلعنه نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ثمَّ قال: أحله ناحية حتّى راح إليه قومٌ من المهاجرين والأنصار ثمَّ دعا به فلعنه ثمَّ قال: إنَّ هذا سيخالف كتاب الله وسنَّة نبيِّه، وسيخرج من صلبه فتنٌ يبلغ دخانها السماء. فقال ناسٌ من القوم: هو أقلُّ وأذلُّ من أن يكون هذا منه قال: بلى وبعضكم يومئذ شيعته (كنز العمال ٦: ٣٩، ٩٠)

وأخرج ابن عساكر من طريق عبد الله بن الزبير قال وهو على المنبر: وربِّ

____________________

١ - وذكره الدميري في حياة الحيوان ٢: ٢٩٩، وابن حجر في الصواعق ص ١٠٨، والسيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه ٦: ٩٠ نقلاً عن أبي يعلى والطبراني والحاكم والبيهقي وابن عساكر.

٢٤٥

هذا البيت الحرام والبلد الحرام إنَّ الحكم بن أبي العاص وولده ملعونون على لسان محمّد صلى الله عليه وسلم.

وفي لفظ: إنَّه قال وهو يطوف بالكعبة: وربِّ هذه البنيّة للعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم وما ولد. كنز العمّال ٦: ٩٠.

وأخرج ابن عساكر من طريق محمّد بن كعب القرظي أنّه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم وما ولد إلّا الصالحين وهم قليل.

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وعبد بن حميد والنسائي وابن المنذر والحاكم وصحَّحه عن عبد الله قال: إنِّي لفي المسجد حين خطب مروان فقال: إنَّ الله تعالى قد أرى لأمير المؤمنين - يعني معاوية - في يزيد رأياً حسناً أن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر وعمر. فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: أهر قلية إنَّ أبا بكر رضي الله تعالى عنه والله ما جعلها في أحد من ولده ولا أحد من أهل بيته ولا جعلها معاوية إلّا رحمة وكرامة لولده. فقال مروان: ألست الذي قال لوالديه أُفّ لكما؟ فقال عبد الرحمن: ألست ابن اللعين الذي لعن رسول الله أباك؟ فسمعت عائشة فقالت: مروان! أنت القائل لعبد الرحمن كذا وكذا، كذبت والله ما فيه نزلت، نزلت في فلان بن فلان.

وفي لفظ آخر عن محمّد بن زياد: لما بايع معاوية لابنه قال مروان: سنّة أبي بكر وعمر. فقال عبد الرحمن: سنَّة هرقل وقيصر. فقال مروان: هذا الذي قال الله فيه: والذي قال لوالديه أُفّ لكما. الآية. فبلغ ذلك عائشة فقالت: كذب مروان، كذب مروان والله ما هو به ولو شئت أن اسمّي الذي نزلت فيه لسمّيته، ولكنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه فمروان فضضٌ من لعنة الله. وفي لفظ: ولكن رسول الله لعن أباك وأنت في صلبه فأنت فضضٌ من لعنة الله. وفي لفظ الفائق: فأنت فظاظة(١) لعنة الله و ولعنة رسوله.

راجع مستدرك الحاكم ٤: ٤٨١، تفسير القرطبي ١٦: ١٩٧، تفسير الزمخشري ٣: ٩٩، الفائق له ٢: ٣٢٥، تفسير ابن كثير ٤: ١٥٩، تفسير الرازي ٧: ٤٩١:، أُسد الغابة لابن الأثير ٢: ٣٤، نهاية ابن الأثير ٣: ٢٣، شرح ابن أبي الحديد ٢: ٥٥،

____________________

١ - قال الزمخشري: افتظظت الكرش إذا اعتصرت ماءها، كأنه عصارة قذرة من اللعنة.

٢٤٦

تفسير النيسابوري هامش الطبري ٢٦: ١٣، الاجابة للزركشي ص ١٤١، تفسير النسفي هامش الخازن ٤: ١٣٢، الصواعق لابن حجر ص ١٠٨، إرشاد الساري للقسطلاني ٧: ٣٢٥، لسان العرب ٩: ٧٣، الدر المنثور ٦: ٤١، حياة الحيوان للدميري ٢: ٣٩٩، السيرة الحلبية ١: ٣٣٧، تاج العروس ٥: ٦٩، تفسير الشوكاني ٥: ٢٠، تفسير الآلوسي ٢٦: ٢٠، سيرة زيني دحلان هامش الحلبية ١: ٢٤٥.

*(لفت نظر)* يوجد هذا الحديث في المصادر جلّها لولا كلّها باللفظ المذكور غير أنَّ البخاري أخرجه في تفسير صحيحه في سورة الأحقاف وحذف منه لعن مروان وأبيه وما راقه ذكر ما قاله عبد الرحمن، وهذا دأبه في جلِّ ما يرويه، وإليك لفظه:

كان مروان على الحجاز إستعمله معاوية فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئاً فقال: خذوه. فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه، فقال مروان: إنَّ هذا الذي أنزل الله فيه:( وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي ) . فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل الله فينا شيئاً من القرآن إلّا أنَّ الله أنزل عذري.

وهذا الحديث يكذِّب ما عزاه القوم إلى أمير المؤمنين وابن عبّاس من قولهما بنزول آية: وأصلح لي في ذريتي. في أبي بكر كما مرَّ في الجزء السابع ص ٦ ٣٢ ط ٢.

وكان الحَكَم مع ذلك كلّه يدعو الناس إلى الضلال ويمنعهم عن الإسلام، إجتمع حويطب بمروان يوماً فسأله مروان عن عمره فأخبره فقال له: تأخَّر إسلامك أيّها الشيخ حتّى سبقك الأحداث. فقال حويطب: الله المستعان والله لقد هممت بالإسلام غير مرَّة كلّ ذلك يعوقني أبوك يقول: تضع شرفك، وتدع دين آبائك لدين مُحدث؟ وتصير تابعاً؟ فسكت مروان وندم على ما كان قال له، «تاريخ ابن كثير ٨: ٧٠».

*(الحَكَم في القرآن)*

أخرج ابن مردويه عن أبي عثمان النهدي قال: قال مروان لما بايع الناس ليزيد: سنَّة أبي بكر وعمر «إلى آخر الحديث المذكور» فسمعت ذلك عائشة فقالت: إنَّها لم تنزل في عبد الرَّحمن ولكن نزل في أبيك:( وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ * هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ) الآية (سورة القلم ١٠).

٢٤٧

راجع الدر المنثور ٦: ٤١، ٢٥١، السيرة الحلبيَّة ١: ٣٣٧، تفسير الشوكاني ٥: ٢٦٣، تفسير الآلوسي ٢٩: ٢٨، سيرة زيني دحلان هامش الحلبيَّة ١: ٢٤٥

وأخرج ابن مردويه عن عائشة إنَّها قالت لمروان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لأبيك وجدّك «أبي العاص بن أُميّة» إنَّكم الشجرة الملعونة في القرآن.

ويقول لأبيك وجدّك «أبي العاص بن أُميَّة»: إنَّكم الشجرة الملعونة في القرآن.

ذكره السيوطي في الدر المنثور ٤: ١٩١، والحلبي في السيرة ١: ٣٣٧، و الشوكاني في تفسيره ٣: ٢٣١، والآلوسي في تفسيره ١٥: ١٠٧. وفي لفظ القرطبي في تفسيره ١٠: ٢٨٦.

قالت عائشة لمروان: لعن الله أباك وأنت في صلبه، فأنت بعضٌ من لعنة الله ثمَّ قالت: والشجرة الملعونة في القرآن.

و أخرج ابن أبي حاتم عن يعلى بن مُرَّة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله رأيت بني أُميَّة على منابر الأرض وسيملكونكم فتجدونهم أرباب سوء، واهتمَّ رسول الله لذلك، فأنزل الله:( وَمَا جَعَلْنَا الرّؤْيَا الّتِي أَرَيْنَاكَ إِلّا فِتْنَةً لّلنّاسِ وَالشّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلّا طُغْيَاناً كَبِيراً ) . «الاسراء ٦٠».

وأخرج ابن مردويه عن الحسين بن علي: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله أصبح وهو مهموم فقيل ما لَك يا رسول الله؟ فقال: إنِّي أُريت في المنام كأنَّ بني أميَّة يتعاورون منبري هذا فقيل: يا رسول الله! لا تهتم فإنَّها دنيا تنالهم فأنزل الله:( وَمَا جَعَلْنَا الرّؤْيَا الّتِي ) . الآية.

وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي، وابن عساكر، عن سعيد بن المسيِّب قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني أميّة على المنابر فساءه ذلك فأوحى الله تعالى إليه: إنَّما هي دنيا أُعطوها. فقرَّت عينه وذلك قوله تعالى:( وَمَا جَعَلْنَا الرّؤْيَا الّتِي أَرَيْنَاكَ ) . الآية.

وأخرج الطبري والقرطبي وغيرهما من طريق سهل بن سعد قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني أُميَّة ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك فما استجمع ضاحكاً حتّى مات وأنزل الله تعالى:( وَمَا جَعَلْنَا الرّؤْيَا الّتِي أَرَيْنَاكَ ) . الآية.

وروى القرطبي والنيسابوري عن ابن عبّاس: إنَّ الشجرة الملعونة هو بنو أُميَّة

٢٤٨

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمرو(١) إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: رأيت ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر كأنَّهم القردة فأنزل الله: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلّا فتنة للناس والشجرة الملعونة. يعني الحكم وولده.

وفي لفظ: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى في المنام إنَّ ولد الحكم بن أميّة يتداولون منبره كما يتداولون الصبيان الكرة فساءه ذلك.

وفي لفظ للحاكم والبيهقي في الدلائل وابن عساكر وأبي يعلى من طريق أبي هريرة: إنِّي أُريت في منامي كأنَّ بني الحكم بن العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة. فما رؤي النبيُّ مستجمعاً ضاحكاً حتّى توفّي.

*(مصادر ما رويناه)*: تفسير الطبري ١٥: ٧٧، تاريخ الطبري ١١: ٦ ٣٥، مستدرك الحاكم ٤: ٤٨، تاريخ الخطيب ٨: ٢٨ و ج ٩: ٤٤، تفسير النيسابوري هامش الطبراني ١٥: ٥٥، تفسير القرطبي ١٠: ٢٨٣، ٢٨٦، النزاع والتخاصم للمقريزي ص ٥٢، أُسد الغابة ٣: ١٤ من طريق الترمذي، م- تطهير الجنان لابن حجر هامش الصواعق ص ١٤٨ فقال: رجاله رجال الصحيح إلّا واحداً فثقة] الخصايص الكبرى ٢: ١١٨، الدر المنثور ٤: ١٩١، كنز العمّال ٦: ٩٠، تفسير الخازن ٣: ١٧٧، تفسير الشوكاني ٣: ٢٣٠، ٢٣١، تفسير الآلوسي ١٥: ١٠٧ فقال الآلوسي:

ومعنى جعل ذلك فتنة للناس جعله بلاءً لهم ومختبراً، وبذلك فسَّره ابن المسيِّب و كان هذا بالنسبة إلى خلفائهم الذين فعلوا ما فعلوا، وعدلوا عن سنن الحقِّ وما عدلوا وما بعده بالنسبة إلى ما عدا خلفاءهم منهم ممّن كان عندهم عاملاً وللخبائث عاملاً، أو ممّن كان أعوانهم كيف ما كان، ويحتمل أن يكون المراد: ما جعلنا خلافتهم وما جعلنا أنفسهم إلّا فتنة، وفيه من المبالغة في ذمِّهم ما فيه، وجعل ضمير «نخوّفهم» على هذا لِما كان له أولاداً أو شجرة باعتبار أنَّ المراد بها بنو أميَّة، ولعنهم لِما صدر منهم من إستباحة الدماء المعصومة، والفروج المحصنة، وأخذ الأموال من غير حلّها، ومنع الحقوق عن أهلها، وتبديل الأحكام، والحكم بغير ما أنزل الله تبارك وتعالى على نبيِّه عليه الصَّلاة والسَّلام، إلى غير ذلك من القبايح العظام والمخازي الجسام التي لا تكاد

____________________

١ - وفي بعض المصادر: ابن عمر.

٢٤٩

تُنسى ما دامت الليالي والأيَّام، وجاء لعنهم في القرآن إمّا على الخصوص كما زعمته الشيعة، أو على العموم كما نقول فقد قال سبحانه وتعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) . وقال عزَّوجلَّ: فهل عسيتم إن تولَّيتم أن تفسدوا في الأرض وتقطَّعوا أرحامكم أُولئك الذين لعنهم الله فأصمَّهم وأعمى أبصارهم. إلى آيات أُخر، ودخولهم في عموم ذلك يكاد يكون دخولاً أوَّليّاً. إلى آخر كلامه. راجع.

نظرة في كلمتين

١ - قال الطبري بعد روايته حديث الرؤيا: لا يدخل في هذا الرؤيا عثمان ولا عمر بن عبد العزيز ولا معاوية.

لا يهمّنا بسط القول حول هذا التخصيص، ولا ننبس ببنت شفة في تعميم العموم الوارد في الأحاديث المذكورة وأمثالها الواردة في بني أميَّة عامّة وفي بني أبي العاص جدّ عثمان خاصّة، من قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح من طريق أبي سعيد الخدري: إنَّ أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمَّتي قتلاً وتشريداً، وإنَّ أشدَّ قومنا لنا بغضاً بنو أميَّة و بنو المغيرة وبنو مخزوم(١) .

وقوله صلى الله عليه وآله من طريق أبي ذر: إذا بلغت بنو أميّة أربعين اتَّخذوا عباد الله خولاً، ومال الله نحلاً، وكتاب الله دغلاً(٢) .

وقوله صلى الله عليه وآله من طريق حمران بن جابر اليمامي: ويلٌ لبني أميَّة. ثلاث. أخرجه ابن مندة كما في الإصابة ١: ٣٥٣، وحكاه عن ابن مندة وأبي نعيم السيوطي في الجامع الكبير كما في ترتيبه ٦: ٣٩، ٩١.

وقوله صلى الله عليه وآله من طريق أبي ذر: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً اتَّخذوا مال الله دولا، وعباد الله خولا، ودين الله دغلا. قال حلام بن جفال: فأنكر على أبي ذر فشهد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: إنِّي سمعت رسول الله يقول: ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، وأشهد إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله.

أخرجه الحاكم من عدَّة طرق وصحَّحه هو والذهبي كما في المستدرك ٤: ٤٨٠

____________________

١ - مستدرك الحاكم ٤: ٤٨٧ وصحّحه.

٢ - مستدرك الحاكم ٤: ٤٧٩، وأخرجه ابن عساكر كما في كنز العمال ٦: ٣٩.

٢٥٠

وأخرجه أحمد وابن عساكر وأبو يعلى والطبراني والدار قطني من طريق أبي سعيد و أبي ذر وابن عبّاس ومعاوية وأبي هريرة كما في كنز العمّال ٦: ٣٩، ٩٠.

م - وذكر ابن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق ١٤٧ بسند حسَّنه: إنَّ مروان دخل على معاوية في حاجة وقال: إنَّ مؤنتي عظيمة أصبحت أبا عشرة، وأخا عشرة، و عمّ عشرة ثمَّ ذهب فقال معاوية لابن عبّاس وكان جالساً معه على سريره: أنشدك بالله يا بن عبّاس أما تعلم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا بلغ بنو أبي الحكم ثلاثين رجلاً اتّخذوا آيات الله بينهم دولا، وعباد الله خولا، وكتابه دخلا، فإذا بلغوا سبعة وأربعمائة كان هلاكهم أسرع من كذا؟ قال: اللّهمّ نعم.

وقوله صلى الله عليه وآله بإسناد حسَّنه ابن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق ١٤٣: شرُّ العرب بنو أميّة. وبنو حنيفة. وثقيف. وقال: صحَّ قال الحاكم: على شرط الشيخين عن أبي برزة رضي الله عنه قال: كان أبغض الأحياء أو الناس إلى رسول الله بنو أميّة].

وقول مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: لكلِّ أُمَّة آفة وآفة هذه الأُمَّة بنو أُميَّة.

«كنز العمال ٦: ٩١».

فالحَكَم في هذه العمومات ولا سيّما بعد ملاحظة ما أثبتته السير ومدوَّنات التاريخ وغيرها، وبعد الإحاطة بأحوال الرجال وما ارتكبوه وما ارتبكُوا فيه، أنت و وجدانك أيّها القارئ الكريم!.

٢ - قال ابن حجر في الصواعق ص ١٠٨: قال ابن ظفر: وكان الحَكَم هذا يُرمى بالداء العضال وكذلك أبو جهل كذا ذكره الدميري في حياة الحيوان.

ولعنته صلى الله عليه وسلم للحَكَم وإبنه لا تضرّهما لأنَّه صلى الله عليه وسلم تدارك ذلك بقوله ممّا بيَّنه في الحديث الآخر: إنَّه بشرٌ يغضب كما يغضب البشر، وإنَّه سأل ربَّه إنَّ من سبَّه أو لعنه أو دعا عليه أن يكون رحمةً وزكاةً وكفَّارةً وطهارةً. وما نقله «الدميري» عن ابن ظفر في أبي جهل لا تأويل عليه فيه بخلافه في الحكم فإنَّه صحابيٌّ وقبيحٌ أيّ قبيح أن يُرمى صحابيٌّ بذلك فليحمل على أنَّه إن صحَّ ذلك كان يُرمى به قبل الإسلام.

أنا لا أدري أيعلم ابن حجر ماذا يلوك بين أشداقه؟ أهو مجدٌّ فيما يقول أم هازىءٌ؟ أمّا ما اعتذر به عن إنّ لعنته صلى الله عليه وآله لا تضرُّ الحَكَم وابنه. الخ. فقد أخذه ممّا أخرجه

٢٥١

الشيخان في الصحيحين(١) من طريق أبي هريرة غير إنَّه حرَّف منه كلماً وزاد فيه أخرى وإليك لفظه قال: اللّهم إنَّما محمَّد بشرٌ يغضب كما يغضب البشر وإنِّي قد اتَّخذت عندك عهداً لم تخلفنيه فأيّما مؤمن آذيته أو سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له كفارةً وقربةً تقرِّبه بها إليك.

هذا حطٌّ من مقام الرسالة لأجل أمويّ ساقط، وحسبان إنّ صاحبها كإنسان عاديّ يثيره ما يثير غيره فيغضب لما لا ينبغي أن يُغضب له، ومخالفٌ للكتاب العزيز من قوله سبحانه:( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) . نعم: هو صلى الله عليه وآله بشرٌ غير إنَّه كما قال في الذكر الحكيم: قل إنَّما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليَّ. فإن كان في الوحي أن يلعن الطريد وما ولد فماذا ينجيه من اللعن؟ إلّا أن يحسب ابن حجر إنَّ الوحي أيضاً يتَّبع الشهوات، كبرت كلمة تخرج من أفواههم.

وكيف يكون اللعن رحمةً وزكاةً وطهارةً وكفّارةً وقد أصاب موضعه بأمر من الله سبحانه؟

وما يصنع ابن حجر بالصحيح المتضافر من إنَّ سباب المسلم فسوق(٢) ؟

وكيف يسوِّغ له إيمانه أن يكون رسول الله سبّاباً أو لعّاناً أو مؤذياً لأحد أو جالداً لمسلم على غير حقّ؟ وكلُّ ذلك من منافيات العصمة والله سبحانه يقول:( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ) . وجاء في الصحيح: إنَّه صلى الله عليه وآله لم يكن سبّاباً ولا فحّاشاً ولا لعّاناً، وقد أبى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الدعاء على المشركين، وقال صلى الله عليه وآله إنِّي لم أُبعث لعّاناً وإنَّما بُعثت رحمة(٣) فهو صلى الله عليه وآله كان يأمل في أولئك المشركين الهداية فلم يلعنهم ولا دعا عليهم، ولما كان لم يرج في الحَكَم وولده أيّ خير لعنهم لعناً يبقي عليهم خزي الأبد.

نعم رواية الصحيحين المنافي لعصمة الرسول صلى الله عليه وآله اختلقتها يد الهوى على عهد

____________________

١ - صحيح البخاري ٤: ٧١ كتاب الدعوة. صحيح مسلم ٢: ٣٩١ كتاب البر والصلة.

٢ - أخرجه أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم من طريق ابن مسعود. وابن ماجة من طريق جابر وسعد. والطبراني عن عبد الله بن المغفل وعمرو بن النعمان. وصححه غير واحد من الحفاظ كالهيثمي والسيوطي والمناوي.

٣ - أخرجه البخاري ٩: ٢٢، ومسلم في صحيحه ٢: ٣٩٣.

٢٥٢

معاوية تزلفاً إليه، وطمعاً في رضيخته، وتحبّباً إلى آل أبي العاص المقرَّبين عنده. ومن أراد الوقوف على أبسط ممّا ذكرناه في المقام فليراجع كتاب «أبو هريرة» لسيّدنا الآية السيِّد عبد الحسين شرف الدين العاملي ص ١١٨ - ١٢٩.

هبنا «العياذ بالله» ماشينا ابن حجر في أساطيره في نبيِّ العصمة والقداسة فما حيلة المغفَّل فيما نزل من الذكر الحكيم في الحَكَم وبنيه؟ هل فيه ضيرٌ؟ أم يراه أيضاً رحمةً وزكاةً وكفّارةً وطهارةً.

وشتّان بين رأي ابن حجر في الحَكَم وبين ما يأتي من قول أبي بكر لعثمان فيه: عمّك إلى النار وقول عمر لعثمان: ويحك يا عثمان! تتكلّم في لعين رسول الله و طريده وعدوّ الله وعدوِّ رسوله؟.

وأمّا ما عالج به داء الحكم فهو يعلم أنَّه موصومٌ بما هو أفظع من ذلك من لعن رسول الله وطرده إيّاه، وكان الخبيث يهزأ برسول الله صلى الله عليه وآله في مشيته حتّى أخذته دعوته صلى الله عليه وآله، وهل تجديه الصحبة وحاله هذه؟ وهل تشمل الصحبة التي هي من أربى الفضائل اللصّ الذي ساكن الصحابة لاستراق أموالهم والقاح الفتن فيهم؟ وهل تشمل المنافقين الذين كانوا في المدينة يومئذ؟ «ومن أهل المدينة مردوا على النفاق» فإن طهّرت الصحبة أمثال الحكم فهي مطهِّرة أولئك بطريق أولى لأنَّه لم يكشف عنهم الغطاء كما كشف عن الحكم على العهد النبويِّ وفي دور الشيخين حتّى أراد ابن أخيه ينقذه من الفضيحة فزيد ضغثٌ على أُبّالة، ونبشت الدفائن، وذكّر ما كاد أن يُنسى.

ثمَّ هب أنَّ الصحبة مُزيحةٌ لعلل النفس والأمراض القلبيَّة فهل هي مزيلةٌ للأدواء الجسمانيّة؟ لم نجد في كتب الطبِّ مَن وصفها بذلك، ولا تعدادها في صفِّ الأدوية المفيدة لداء من الأدواء، ولا لذلك الداء العضال الذي زعم ابن حجر إنَّه منفيٌّ عن الحكم لمحض الإسلام والصحبة، وجوَّز أن يكون قبل اتّصاله بالمسلمين، حيّا الله هذا الطبَّ الجديد.

إن من الممكن جدّاً أن يكون هذا الداء العضال من علل طرد الرجل من المدينة فلم يُرد صلى الله عليه وآله أن يكون بين صحابته في عاصمة نبوءته مخزيٌّ مثله.

إذا أنهاك البحث إلى هاهنا وعرفت الحَكَم ومقداره في أدوار حياته جاهليَّةً

٢٥٣

وإسلاماً فاقرأ ما جاء به سالم بن وابصة تزلُّفاً إلى معاوية بن مروان بن الحكم من قوله:

إذا افتخرت يوماً أُميَّة أطرقت

قريشٌ وقالوا: معدن الفضل والكرمْ

فإن قيل: هاتوا خيركم أطبقوا معاً

على إنَّ خير الناس كلّهمُ الحكمْ

ألستم بني مروان غيث بلادنا

إذ السنة الشهباء سدَّتْ على الكظمْ؟

سبحانك اللّهم ما قيمة بشر خيره الحَكَم؟ وما شأن جدوب غيثها بنو مروان؟ إن هي إلّا أساطير الأوَّلين نسجتها يد الغلوِّ في الفضائل.

*(المسائلة )*

هلمَّ معي نسائل الخليفة في إيواء لعين رسول الله وطريده (الحَكَم) وبمسمع منه ومرأى نزول القرآن فيه واللعن المتواصل من مصدر النبوَّة عليه وعلى من تناصل منه عدا المؤمنين، وقليلٌ ماهم، ما هو المبرِّر لعمله هذا وردِّه إلى مدينة الرسول؟ وقد طرده صلى الله عليه وآله وأبناءه منها تنزيهاً لها من تلكم الأرجاس والأدناس الأمويَّة وقد سأل أبا بكر وبعده عمر أن يردّاه فقال كلٌّ منهما: لا أحلُّ عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وآله(١) وقال الحلبي في السيرة ٢: ٨٥: كان يقال له: طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعينه وقد كان صلى الله عليه وسلم طرده إلى الطائف ومكث به مدَّة رسول الله ومدَّة أبي بكر بعد أن سأله عثمان في إدخاله المدينة فأبى فقال له عثمان: عمِّي، فقال: عمُّك إلى النار، هيهات هيهات أن أُغيّر شيئاً فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لا رددته أبداً، فلمّا توفِّي أبو بكر وولي عمر كلّمه عثمان في ذلك فقال له: ويحك يا عثمان! تتكلّم في لعين رسول الله صلى الله عليه وسلم وطريده وعدوّ الله وعدوّ رسوله؟ فلمّا ولي عثمان ردَّه إلى المدينة فاشتدَّ ذلك على المهاجرين والأنصار فأنكر ذلك عليه أعيان الصحابة، فكان ذلك من أكبر الأسباب على القيام عليه. ألم تكن للخليفة أُسوةٌ في رسول الله؟ والله يقول: لقد كان لكم في رسول الله أُسوةٌ حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً(٢) . أو كان قومه وحامَّته أحبّ إليه من الله ورسوله؟ وبين يديه الذكر الحكيم:( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ

____________________

١ - الأنساب للبلاذري ٥: ٢٧، الرياض النضرة ٢: ١٤٣، أسد الغابة ٢: ٣٥، السيرة الحلبية ١: ٣٣٧، الإصابة ١: ٣٤٥،

٢ - سورة الأحزاب: ٢١.

٢٥٤

وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) . التوبة. ٢٤.

ثمَّ ما هو المبرّر لتخصيص الرجل بتلك المنحة الجزيلة من حقوق المسلمين و إعطياتهم؟ بعد تأمينه على أخذ الصدقات المشترط فيه الثقة والأمانة واللعين لا يكون ثقةً ولا أميناً.

ثمَّ نسائل الحَكَم والخليفة على تقريره لما ارتكبه من حمل صدقات قضاعة إلى دار الخلافة وقد ثبت في السنَّة كما مرَّ ص ٢٤٥ إنّها تُقسّط على فقراء المحلِّ و عليها أتت الأقوال قال أبو عبيد في الأمول ص ٥٩٦: والعلماء اليوم مجمعون على هذه الآثار كلّها: أنَّ أهل كلِّ بلد من البلدان، أو ماء من المياه أحقُّ بصدقتهم ما دام فيهم من ذوي الحاجة واحد فما فوق ذلك وإن أتى ذلك على جميع صدقتها حتّى يرجع الساعي ولا شيء معه منها، بذلك جاءت الأحاديث مفسَّرة. ثمَّ ذكر أحاديثاً فقال ص ٥٩٧: قال أبو عبيد: فكلّ هذه الأحاديث تثبت إنَّ كلَّ قوم أولى بصدقتهم حتّى يستغنوا عنها، ونرى إستحقاقهم ذلك دون غيرهم إنَّما جاءت به السنّة لحرمة الجوار وقُرب دراهم من دار الأغنياء. اهـ

ألم يكن في قضاعة ذو حاجة فيُعطى؟ أو لم يكن في المدينة الطيّبة من فقراء المسلمين أحدٌ فيقسَّم ذلك المال الطائل بينهم بالسويَّة؟( إِنّمَا الصّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ) . الآية. فتخصيصها للحَكَم لماذا؟.

وهلمَّ معي إلى المسكين صاحب المال تُؤخذ منه الصدقات شاء أو أبى وهو يعلم مَصبَّ تلكم الأموال ومدرَّها من أيدي أولئك الجبابرة أو الجباة الجباه السود (نظراء الحكم ومروان والوليد وسعيد) وما يرتكبونه من فجور ومجون، وبعد لم ينقطع من أذنه صَدى ما ارتكبه خالد بن وليد سيف... مع مالك بن نويرة وحليلته وذويه وما يملكه، وكان يسمع من وحي الكتاب قوله تعالى:( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِم بِهَا ) (سورة التوبة ١٤٠) فهل يرى المسكين أنَّ هذا الأخذ يطهِّره ويزكِّيه؟ لا حكم إلّا لله.

٢٥٥

نعم يقول المغيرة بن شعبة زاني ثقيف: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله أمرنا أن ندفعها إليهم و عليهم حسابهم(١) ويقول ابن عمر: إدفعوها إليهم وإن شربوا بها الخمر. ويقول: إدفعها إلى الأُمراء وإن تمزَّعوا بها لحوم الكلاب على موائدهم(٢) .

نحن لا نقيم لأمثال هذه الآراء وزناً، ولا أحسب إنَّ الباحث يقدّر لها قيمة فإنَّها ولائد ظنون مجرَّدة. وقد جاء في أولئك الأُمراء بإسناد صحَّحه الحاكم والذهبي من طريق جابر بن عبد الله قال قال صلى الله عليه وآله لكعب بن عجرة: أعاذك الله يا كعب! من إمارة السفهاء. قال: وما إمارة السفهاء يا رسول الله؟ قال: أمراء يكونون بعدي لا يهدون بهديي، ولا يستنّون بسنَّتي، فمن صدَّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا منِّي و لست منهم، ولا يردون عليَّ حوضي، ومن لم يصدّقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فاولئك منّي وأنا منهم وسيردون على حوضي(٣) .

فإعطاء الصدقات لأولئك الأُمراء من أظهر مصاديق الإعانة على الإثم والعدوان والله تعالى يقول:( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) «سورة المائدة ٢».

ثمَّ إنَّ الصدقات كضرائب ماليَّة في أموال الأغنياء لإعاشة الضعفاء من الأُمَّة قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: إنَّ الله عزَّوجلَّ فرض على الأغنياء في أموالهم ما يكفي الفقراء فإن جاعوا أو عروا أو جهدوا فبمنع الأغنياء، وحقٌّ على الله تبارك وتعالى أن يحاسبهم ويعذِّبهم. (الأموال لأبي عبيد ص ٥٩٥، المحلّى لابن حزم ٦: ١٥٨، و أخرجه الخطيب في تاريخه ٥: ٢٠٨ من طريق عليّ مرفوعاً)

وفي لفظ: إنَّ الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقيرٌ إلّا بما متّع به غنيّ، والله سائلهم عن ذلك (نهج البلاغة ٢: ٢١٤)

هذا هو مجرى الصدقات في الشريعة المطهَّرة، وهو الذي يطهّر صاحب المال و يُزكّيه، ويكتسح عن المجتمع معرَّة الآراء الفاسدة من الفقراء، المقلقة للسَّلام و المعكّرة لصفو الحياة.

____________________

١ - سنن البيهقي ٤: ١١٥.

٢ - سنن البيهقي ٤: ١١٥، الأموال لأبي عبيد ص٥٧.

٣ - مستدرك الحاكم ٤: ٤٢٢.

٢٥٦

ثمَّ: الخليفة يدَّعي(١) إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وعده ردَّ الحكم بعد أن فاوضه في ذلك، إن كان هذا الوعد صحيحاً فلِم لَم يعلم به أحدٌ غيره؟ ولا عرفه الشيخان قبله. وهلّا رواه لهما حين كلّمهما في ردِّه فجبهاه بما عرفت؟ أو أنَّهما لم يثقا بتلك الرواية؟ فهذه مشكلةٌ أُخرى. أو إنَّهما صدَّقاه؟ غير إنَّهما رأيا أنَّ صلى الله عليه وآله وعده أن يردَّه هو صلى الله عليه وآله ولم يردَّه، ولعلَّ المصلحة الواقعيَّة أو الظروف لم تساعده على إنجاز الوعد حتّى قضى نحبه، فَمن أين عرف الترخيص له في ردّه؟ ولو كانت هناك شبهة رخصة؟ لَعمل بها الشيخان حين فاوضهما هو في ذلك، لكنَّهما ما عرفا الشبهة ولا علما تلميحاً للرخصة بل رأياه عقدةً لرسول الله صلى الله عليه وآله لا تنحلّ، وفي الملل والنحل للشهرستاني ١: ٢٥: فما أجابا إلى ذلك ونفاه عمر من مقامه باليمن أربعين فرسخاً. هـ. ومن هنا رأى ابن عبد ربِّه في العقد، وأبو الفدا في تاريخه ١: ١٦٨: أنَّ الحكم طريد رسول الله وطريد أبي بكر وعمر أيضاً، وكذلك الصحابة كلّهم ما عرفوا مساغاً لردِّ الرجل وأبناؤه وإلّا لما نقموا به عليه ولعذروه على ما ارتكبه وفيهم من لا تخفى عليه مواعيد النبيِّ صلى الله عليه وآله.

وللخليفة معذرةٌ أُخرى قال ابن عبد ربِّه في العقد الفريد ٢: ٢٧٢: لما ردَّ عثمان الحكم طريد النبيِّ صلى الله عليه وسلم وطريد أبي بكر وعمر إلى المدينة تكلّم الناس في ذلك فقال عثمان: ما ينقم الناس منِّي؟ أنّي وصلت رحماً وقرّيت عيناً. ونحن لا نخدش العواطف بتحليل كلمة الخليفة هذه، ولا نفصّل القول في مغزاها وإنَّما نمرُّ به كراماً، وأنت إذا عرفت الحَكَم وما ولد فعلمت أنَّ ردَّهم إلى المدينة المشرَّفة وتولّيهم على الأمور، وتسليطهم على ناموس الاسلام، وإتِّخاذ الحمى لهم كما مرَّ ص ٢٤٢ جنايةٌ كبيرةٌ على الأُمَّة لا تُغتفر، ولا تقرّ بها قطُّ عين.

- ٣٢ -

أيادي الخليفة عند مروان

أعطى مروان بن الحكم بن أبي العاص ابن عمّه وصهره من ابنته أُمّ أبان خُمس غنائم أفريقية وهو خمسمائة ألف دينار، وفي ذلك يقول عبد الرحمن بن حنبل الجمحي الكندي مخاطباً الخليفة:

____________________

١ - الأنساب للبلاذري ٥: ٢٧، الرياض النضرة ٢: ١٤٣، مرآة الجنان لليافعي ١: ٨٥ الصواعق ص ٦٨، السيرة الحلبية ٢: ٨٦.

٢٥٧

سأحلف بالله جهد اليميـ

ـن ما ترك الله أمراً سُدى

ولكن خلفت لنا فتنة

لكي نبتلى لَك أو تبتلى

فإنَّ الأمينين قد بيَّنا

منار الطريق عليه الهدى

فما أخذا درهما غيلةً

وما جعلا درهماً في الهوى

دعوت اللّعين فأدنيته

خلافاً لسنَّة مَن قد مضى

وأعطيت مروان خمس العبا

د ظُلماً لهم وحميت الحمى

هكذا رواه ابن قتيبة في المعارف ص ٨٤، وأبو الفدا في تاريخه ١: ١٦٨، و ذكر البلاذري الأبيات في الأنساب ٥: ٣٨ ونسبها إلى أسلم بن أوس بن بجرة الساعدي الخزرجي الذي منع أن يدفن عثمان بالبقيع وإليك لفظها:

أُقسم بالله ربِّ العبا

د ما ترك الله خلقاً سُدى

دعوت اللّعين فأدنيته

خلافاً لسنّة مَن قد مضى

قال: يعني الحكَم والد مروان:

وأعطيت مروان خمس العبا

د ظلماً لهم وحميت الحمى

ومالٌ أتاك به الأشعريُّ

من الفيء أنهيته مَن ترى

فأمَّا الأمينان إذ بيَّنا

منار الطريق عليه الصُوى

فلم يأخذا درهماً غيلةً

ولم يصرفا درهماً في هوى

وذكرها ابن عبد ربِّه في العقد الفريد ٢: ٢٦١ ونسبها إلى عبد الرحمن، وروى البلاذري من طريق عبد الله بن الزبير أنَّه قال: أغزانا عثمان سنة سبع وعشرين أفريقيَّة فأصاب عبد الله بن سعد بن أبي سرح غنائم جليلة فأعطى عثمان مروان بن الحكم خمس الغنائم. وفي رواية أبي مخنف: فابتاع الخمس بمائتي ألف دينار فكلّم عثمان فوهبها له فأنكر الناس ذلك على عثمان(١) .

وفي رواية الواقدي كما ذكره ابن كثير: صالحه بطريقها على ألفي ألف دينار وعشرين ألف دينار فأطلقها كلّها عثمان في يوم واحد لآل الحكَم ويقال: لآل مروان(٢)

____________________

١ - الأنساب ٥: ٢٧، ٢٨.

٢ - تاريخ ابن كثير ٧: ١٥٢. لا يخفى على القاري تحريف ابن كثير رواية الواقدي والصحيح ما ذكره الطبري عنه.

٢٥٨

وفي رواية الطبري عن الواقدي عن أسامة بن زيد عن كعب قال: لما وجَّه عثمان عبد الله بن سعد إلى أفريقيَّة كان الذي صالحهم عليه بطريق أفريقيَّة (جُرجير) ألفي ألف دينار وخمسمائة ألف دينار وعشرين ألف دينار، فبعث ملك الروم رسولاً وأمره أن يأخذ منهم ثلاثمائة قنطار كما أخذ منهم عبد الله بن سعد. إلى أن قال: كان الذي صالحهم عليه عبد الله بن سعد ثلثمائة قنطار ذهب، فأمر بها عثمان لآل الحَكم. قلت: أو لمروان؟ قال لا أدري. (تاريخ الطبري ٥: ٥٠).

وقال ابن الأثير في الكامل ٣: ٣٨: وحُمل خمس أفريقيَّة إلى المدينة فاشتراه مروان بن الحكم بخمسمائة ألف دينار فوضعها عنه عثمان، وكان هذا ممّا أُخذ عليه، وهذا أحسن ما قيل في خمس أفريقيَّة، فإنَّ بعض الناس يقول: أعطى عثمان خمس أفريقيَّة عبد الله بن سعد. وبعضهم يقول: أعطاه مروان الحكم، وظهر بهذا إنَّه أعطى عبد الله خمس الغزوة الأولى، وأعطى مروان خمس الغزوة الثانية التي افتتحت فيها جميع أفريقيَّة. والله أعلم.

وروى البلاذري وابن سعد: إنَّ عثمان كتب لمروان بخمس مصر وأعطى أقرباءه المال، وتأوَّل في ذلك الصلة التي أمر الله بها، واتَّخذ الأموال واستسلف من بيت المال وقال: إنَّ أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما، وإنّي أخذته فقسَّمته في أقربائي. فأنكر الناس عليه ذلك(١) .

وأخرج البلاذري في الأنساب ٥: ٢٨ من طريق الواقدي عن أُمّ بكر بنت المسور قالت: لما بني مروان داره بالمدينة دعا الناس إلى طعامه وكان المسور فيمن دعا، فقال مروان وهو يُحدِّثهم: والله ما أنفقت في داري هذه من مال المسلمين درهماً فما فوقه. فقال المسور: لو أكلت طعامك وسكتَّ لكان خيراً لك، لقد غزوت معنا افريقيَّة وإنَّك لأقلّنا مالاً ورقيقاً وأعواناً وأخفُّنا ثقلاً، فأعطاك ابن عفان خُمس افريقيَّة وعُمّلت على الصدقات فأخذت أموال المسلمين. فشكاه مروان إلى عروة وقال: يغلظ لي وأنا له مكرم مُتقٍ.

قال ابن أبي الحديد في الشرح ١: ٦٧: أمر (عثمان) لمروان بمائة ألف من بيت المال وقد زوَّجه ابنته أمَّ أبان فجاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح فوضعها

____________________

١ - طبقات ابن سعد ٣: ٤٤ ط ليدن، الأنساب للبلاذري ٥: ٢٥.

٢٥٩

بين يدي عثمان وبكى فقال عثمان: أتبكي إن وصلت رحمي؟ قال: لا. ولكن أبكي لأنّي أظنُّك إنَّك أخذت هذا المال عوضاً عمّا كنت أنفقت في سبيل الله في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله، ولو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيراً. فقال: ألق المفاتيح يا ابن أرقم! فإنّا سنجد غيرك، وأتاه أبو موسى بأموال من العراق جليلة فقسّمها كلّها في بني أُميَّة.

وقال الحلبي في السيرة ٢: ٨٧: وكان من جملة ما انتقم به على عثمان رضي الله تعالى عنه أنَّه أعطى ابن عمِّه مروان بن الحكم مائة ألف وخمسين أوقية.

*مروان وما مروان؟ *

مرَّ في صفحة ٢٤٦ ما صحَّ من لعن رسول الله صلى الله عليه وآله على أبيه وعلى من يخرج من صلبه. وأسلفنا ما صحَّ من قول عائشة لمروان: لعن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم أباك فأنت فضض من لعنة الله.

وأخرج الحاكم في المستدرك ٤: ٤٧٩ من طريق عبد الرحمن بن عوف وصحَّحه أنه قال: كان لا يولد لأحد بالمدينة ولدُ إلّا أتى به إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال: هو الوزغ ابن الوزغ، الملعون ابن الملعون.

وذكر الدميري في حيوة الحيوان ٢: ٣٩٩، وابن حجر في الصواعق ص ١٠٨، والحلبي في السيرة ١ ٦ ٣٣٧ ولعلَّ معاوية أشار إليه بقوله لمروان: يا ابن الوزغ لست هناك. فيما ذكره ابن أبي الحديد ٢: ٥٦.

وأخرج ابن النجيب من طريق جبير بن مطعم قال: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وآله فمرَّ الحكم بن أبي العاص فقال النبيّ صلى الله عليه وآله: ويلٌ لأُمّتي ممّا في صلب هذا(١) .

وفي شرح ابن أبي الحديد ٢: ٥٥ نقلاً عن الاستيعاب: نظر عليٌّ عليه السلام يوماً إلى مروان فقال له: ويلٌ لك وويلٌ لأُمَّة محمّد منك ومن بيتك إذا شاب صدغاك. وفي لفظ ابن الأثير: ويلك وويل أُمَّة محمّد منك ومن بنيك. «أُسد الغابة ٤: ٣٤٨» ورواه ابن عساكر بلفظ آخر كما في كنز العمّال ٦: ٩١.

وقال مولانا أمير المؤمنين يوم قال له الحسنان السبطان: يبايعك مروان يا أمير

____________________

١ - أسد الغابة ٢: ٣٤، الإصابة ١: ٣٤٦، السيرة الحلبية ١: ٣٣٧، كنز العمال ٦: ٤٠.

٢٦٠