الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٨

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 397

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
تصنيف: الصفحات: 397
المشاهدات: 139965
تحميل: 5988


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 397 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 139965 / تحميل: 5988
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 8

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والقول الفصل: إنَّ حبر الأُمّة لم يلهج بتلكم الخزاية، وإن لهج بشئ من أمر ذلك المشهد عن أحد فأولى له أن يقول ما قاله أبوه من إنّه سمع أبا طالب يشهد بالشهادتين عند وفاته(١) . أو يفوه بما أسلفناه عن ابن عمِّه الأقدس رسول الله صلى الله عليه وآله(٢) أو يروي ما جاء عن ابن عمِّه الطاهر أمير المؤمنين(٣) أليس ابن عبّاس راوي ما ثبت عنه من قول أبي طالب لرسول الله صلى الله عليه وآله كما مرَّ في ج ٧: ص ٣٥٥ ط ٢: قم يا سيِّدي فتكلّم بما تحبّ وبلّغ رسالة ربِّك فإنِّك الصادق المصدَّق.

ومنها: ما أخرجه أبو سهل السري الكذّاب المذكور من طريق عبد القدوس الكذَّاب أيضاً عن نافع عن ابن عمر قال:( إِنّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) . الآية. نزلت في أبي طالب عند موته، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم عند رأسه وهو يقول: يا عمُّ! قل لا إله إلّا الله أشفع لك بها يوم القيامة. قال أبو طالب: لا تعيّرني نساء قريش بعدي إنِّي جزعت عند موتي فأنزل الله تعالى:( إِنّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) . الحديث(٤)

لعلَّ ابن عمر لا يدَّعي في روايته الحضور في ذلك المحضر. وليس له أن يدَّعي ذلك لأنَّه كان وقتئذ ابن سبع سنين تقريباً فإنَّ مولده كان بعد البعثة بثلاث(٥) ومن طبع الحال إنَّ مَن بهذا السنِّ لا يُطلق صراحه إلى ذلك المنتدى الرهيب، والمسجَّى فيه سيِّد الأباطح ويلي أمره نبيُّ العظمة، ويحضره مشيخة قريش، فلا بدَّ من أنَّه سمع من يقول ذلك ممن حضر واطَّلع، ولا يخلو أن يكون ذلك إمّا ولد المتوفّى وهو مولانا أمير المؤمنين والثابت عنه ما مرَّ في الجزء السابع، أو عن بقيَّة أولاده من طالب وجعفر وعقيل ولم ينبسوا في هذا الأمر ببنت شفة، أو عن أخيه العبّاس وقد صحَّ عنه ما أسلفناه في الجزء السابع، أو عن ابن أخيه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله فقد عرفت قوله فيه فيما مرَّ، فممَّن أخذ ابن عمر؟ ولماذا حذف اسمه؟ ولما شرَّك أبا جهل مع أبي طالب في إحدى روايتيه، ولم يقل به أحدٌ غيره؟ وهل في الرواة مَن تقوَّل عليه

____________________

١ - راجع ما أسلفناه في صفحة ٣٧٠ من الجزء السابع.

٢ - راجع ما مرَّ في صحيفة ٣٧٣ من ج ٧ ط ٢.

٣ - راجع ما سبق في صفحة ٣٧٩ ج ٧.

٤ - الدر المنثور ٥: ١٣٣.

٥ - الإصابة ٢: ٣٤٧.

٢١

كلَّ ذلك؟ فظنَّ خيراً ولا تسأل عن الخبر.

واعطف على هذه ما عزوه إلى مجاهد وقتادة في شأن نزول الآية(١) فإنَّ مستند أقوالهما أمّا هذه الرِّوايات؟ أو إنَّهما سمعاها من أناس مجهولين؟ فمراسيل كهذه لا يحتجُّ بها على أمر خطير مثل تكفير أبي طالب بعد ثبوت إيمانه بما صَدَح به الصادع الكريم وتفانيه دونه والذبَ عنه بالبرهنة القاطعة.

ومن التفسير بالرأي والدعوى المجرَّدة ما عن قتادة ومن يشاكله مرسلاً من تبعيض الآية بين أبي طالب والعبّاس فجعل صدرها لأبي طالب وذيلها للعبّاس(٢) الذي أسلم بعد نزول الآية بعدَّة سنين كما هو المتسالم عليه عنه الجمهور.

وأنت تعرف بعد هذه كلّها قيمة قول الزجاج: أجمع المسلمون على أنَّها نزلت في أبي طالب. وما عقَّبه به القرطبي من قوله: والصواب أن يقال: أجمع جلُّ المفسِّرين على إنَّها نزلت في شأن أبي طالب(٣)

( انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى‏ بِهِ إِثْماً مُبِيناً )

(النساء: ٥٠)

____________________

١ - تاريخ ابن كثير ٣: ١٢٤.

٢ - تفسير القرطبي ١٣: ٢٩٩، الدر المنثور ٥: ١٣٣.

٣ - تفسير القرطبي ١٣: ٢٩٩.

٢٢

( حديث الضحضاح)

إلى هنا انتهى كلّ ما للقوم من نَبل تقلُّه كنانة الأحقاد، أو ذخيرة في علبة الضغائن رموا بها أبا طالب، وقد أتينا عليها فجعلناه ها هباءً منثورا، ولم يبق لهم إلّا رواية الضحضاح، وما لأعداء أبي طالب حولها من مكاء وتصدية، وهي على ما يلي:

أخرج البخاري ومسلم من طريق سفيان الثوري عن عبد الملك بن عمير عن عبد الله بن الحارث قال: حدّثنا العبّاس بن عبد المطلب أنَّه قال: قلت للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: ما أغنيت عن عمِّك فإنَّه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: «هو» في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل.

وفي لفظ آخر: قلت: يا رسول الله! إنَّ أبا طالب كان يحفظك وينصرك فهل نفعه ذلك؟ قال نعم وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح.

ومن حديث الليث حدَّثني ابن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد إنَّه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذكر أبو طالب عنده فقال: لعلّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه.

وفي صحيح البخاري من طريق عبد العزيز بن محمّد الدارا وردي عن يزيد بن الهاد نحوه غيرانَّ فيه تغلي منه أمّ دماغه.

راجع صحيح البخاري في أبواب المناقب (باب قصَّة أبي طالب) ج ٦: ٣٣، ٣٤، وفي كتاب الأدب باب كنية المشرك ج ٩: ٩٢، صحيح مسلم كتاب الإيمان، طبقات ابن سعد ١: ١٠٦ ط مصر، مسند أحمد ١: ٢٠٦، ٢٠٧، عيون الأثر ١: ١٣٢، تاريخ ابن كثير ٣: ١٢٥.

قال الأميني: نحن لا تروقنا المناقشة في الأسانيد لمكان سفيان الثوري وبما مرَّ فيه ص ٤ من إنِّه كان يدلّس عن الضعفاء ويكتب عن الكذّابين. ولا لمكان عبد الملك بن عمير اللخمي الكوفي الذي طال عمره وساء حفظه، قال أبو حاتم: ليس بحافظ تغيّر

٢٣

حفظه، وقال أحمد: ضعيفٌ يغلط، وقال ابن معين مخلطٌ، وقال ابن خراش: كان شعبة لا يرضاه، وذكر الكوسج عن أحمد: إنه ضعَّفه جدّاً(١) .

ولا لمكان عبد العزيز الدراوردي، قال أحمد بن حنبل: إذا حدَّث من حفظه يهم ليس هو بشيء، وإذا حدّث من كتابه فنعم، وإذا حدَّث جاء ببواطيل، وقال أبو حاتم: لا يحتجّ به، وقال أبو زرعة: سيِّء الحفظ(٢) .

كما أنّا لا نناقش بتضارب متون الرواية بأنّ قوله: لعلّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة يعطي أنَّ الضحضاح مأجّلٌ له إلى يوم القيامة بنحو من الرجاء المدلول عليه لقوله: لعلّه. وإنَّ قوله: وجدته في غمرات النار فأخرجته إلى ضحضاح. هو واضحٌ في تعجيل الضحضاح له وثبوت الشفاعة قبل صدور الكلام.

لكن لنا هنا هنا كلمة واحدة وهي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله أناط شفاعته لأبي طالب عند وفاته بالشهادة بكلمة الإخلاص بقوله صلى الله عليه وآله: يا عمّ! قل لا إله إلّا الله كلمة استحلّ لك بها الشفاعة يوم القيامة(٣) كما إنِّه صلى الله عليه وآله أناطها بها في مطلق الشفاعة، وجاء ذلك في أخبار كثيرة جمع جملة منها الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب ج ٤ ص ١٥٠ - ١٥٨ منها في حديث عن عبد الله بن عمر مرفوعاً: قيل لي: سل فإنَّ كلَّ نبيّ قد سأل فأخَّرت مسألتي إلى يوم القيامة فهي لكم لمن شهد أن لا إله إلّا الله. فقال: رواه أحمد بإسناد صحيح.

ومنها: عن أبي ذر الغفاري مرفوعاً في حديث: أُعطيت الشفاعة وهي نائلة من أمَّتي مَن لا يشرك بالله شيئاً. فقال: رواه البزّار وإسناده جيِّد إلّا أنَّ فيه انقطاعاً.

ومنها: عن عوف بن مالك الأشجعي في حديث: إنَّ شفاعتي لكلِّ مسلم. فقال: رواه الطبري بأسانيد أحدها جيِّد، وابن حبان في صحيحه وفي لفظه:

____________________

١ - ميزان الاعتدال ٢: ١٥١.

٢ - ميزان الاعتدال ٢: ١٢٨.

٣ - مستدرك الحاكم ٢: ٣٣٦ صححه هو والذهبي في التلخيص، تاريخ أبي الفدا ج ١: ١٢٠، المواهب اللدنية ١: ٧١، كشف الغمة للشعراني ٢: ١٤٤، كنز العمال ٧: ١٢٨، شرح المواهب للزرقاني ١: ٢٩١.

٢٤

الشفاعة لمن مات لا يشرك بالله شيئاً.

ومنها: عن أنس في حديث: أوحى الله إلى جبريل عليه السلام أن اذهب إلى محمّد فقل له: ارفع رأسك سل تُعط واشفع تُشفَّع «إلى قوله»: أدخل من أُمَّتك من خلق الله من شهد أن لا إله إلّا الله يوماً واحداً مخلصاً ومات على ذلك.

فقال المنذري: رواه أحمد ورواته محتجٌّ بهم في الصحيح.

ومنها: عن أبي هريرة مرفوعاً في حديث: شفاعتي لمن شهد أن لا إله إلّا الله مخلصاً، وأنَّ محمَّداً رسول الله، يصدِّق لسانه قلبه وقلبه لسانه. رواه أحمد وابن حبّان في صحيحه.

ومنها: ما مرَّ في ص ١٣ من طريق أبي هريرة وابن عبّاس من أنَّه صلى الله عليه وآله دعا ربَّه واستأذنه أن يستغفر لأُمّه ويأذن له في شفاعتها يوم القيامة فأبى أن يأذن.

وقال السهيلي في الروض الأنف ١: ١١٣: وفي الصحيح أنَّه صلى الله عليه وآله قال: استأذنت ربِّي في زيارة قبر أمِّي فأذن لي، واستأذنته أن أستغفر لها فلم يأذن لي. وفي مسند البزّار من حديث بريدة إنَّه صلى الله عليه وسلم حين أراد أن يستغفر لأُمّه ضرب جبريل عليه السلام في صدره وقال له: لا تستغفر لمن كان مشركاً فرجع وهو حزين.(١)

فالمنفيُّ في صورة إنتفاء الشهادة جنس الشفاعة بمعنى عدمها كليَّة لعدم أهليَّة الكافر لها حتّى في بعض مراتب العذاب، فالشفاعة للتخفيف في العذاب من مراتبها المنفيَّة كما إنَّها نفيت كذلك في كتاب الله العزيز بقوله تعالى:( وَالّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنّمَ لاَ يُقْضَى‏ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلاَ يُخَفّفُ عَنْهُم مِنْ عَذَابِهَا كَذلِكَ نَجْزِي كُلّ كَفُورٍ ) .

فاطر ٣٦.

وبقوله تعالى:( وَإِذَا رَأَى الّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلاَ يُخَفّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ ) .

النحل ٨٥.

وبقوله تعالى:( خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ ) . البقرة ١٦٢، آل عمران ٨٨.

____________________

١ - نحن لا نقيم لمثل هذه الرواية وزناً ولا كرامة، غير أن خضوع القوم لها يلجأنا إلى الحجاج بها.

٢٥

وبقوله تعالى:( وَقَالَ الّذِينَ فِي النّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنّمَ ادْعُوا رَبّكُمْ يُخَفّفْ عَنّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيّنَاتِ قَالُوا بَلَى‏ قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلّا فِي ضَلَالٍ ) . غافر ٤٩، ٥٠.

وبقوله تعالى:( أُوْلئِكَ الّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلاَ يُخَفّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ ) . البقرة ٨٦.

وبقوله تعالى:( وَذَرِ الّذِينَ اتّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا وَذَكّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلّ عَدْلٍ لاَيُؤْخَذْ مِنْهَا أُولئِكَ الّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِن حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ) . الأنعام: ٧٠.

وبقوله تعالى:( كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ) (إلى قوله تعالى)( فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشّافِعِينَ ) . المدثر ٣٨ - ٤٨

وبقوله تعالى:( وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ ) . غافر ١٨.

وبقوله تعالى:( وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى‏ جَهَنّمَ وِرْداً * لاّ يَمْلِكُونَ الشّفَاعَةَ إِلّا مَنِ اتّخَذَ عِندَ الرّحْمنِ عَهْداً ) . مريم ٨٧.

الاستثناء في الآية الشريفة منقطع، والعهد: شهادة أن لا إله إلّا الله والقيام بحقّها. أي لا يشفع إلّا للمؤمن.

راجع تفسير القرطبي ١١: ١٥٤، تفسير البيضاوي ٢: ٤٨، تفسير ابن كثير ٣: ١٣٨، تفسير الخازن ٣: ٢٤٣.

فرواية الضحضاح على تقدير أنَّ أبا طالب عليه السلام مات مشركاً - العياذ بالله - وما فيها من الشفاعة لتخفيف العذاب عنه بجعله في الضحضاح منافيةٌ لكلِّ ما ذكرناه من الآيات والأحاديث، فحديثٌ يخالف الكتاب والسنَّة الثابتة يضرب به عرض الحائط وقد جاء في الصحيح مرفوعاً: تكثر لكم الأحاديث من بعدي فإذا روي لكم حديث فأعرضوه على كتاب الله تعالى فما وافق كتاب الله فاقبلوه وما خالفه فردّوه(١)

____________________

١ - أخرجه البخاري في صحيحه.

٢٦

ولا يغرَّنَّك إخراج البخاري لها فإنَّ كتابه المعبّر عنه بالصحيح هو علبة السفاسف وعيبة السقطات، وسنوقفك على جليَّة الحال في البحث عنه إنشاء الله تعالى.

نختم البحث هاهنا عن إيمان سيِّدنا أبي طالب سلام الله عليه بقصيدة شيخ الفقه والفلسفة والأخلاق شيخنا الأكبر آية الله الشيخ محمّد الحسين الاصبهاني النجفي(١) قال:

نور الهدى في قلب عمِّ المصطفى

في غاية الظهور في عين الخفا

في سرِّه حقيقة الإيمان

سرُّ تعالى شأنه عن شانِ

إيمانه يمثِّل الواجب في

مقام غيب الذات والكنز الخفي

إيمانه المكنون سام اسمه

إلّا المطهّرون لا يمسّه

إيمانه بالغيب غيب ذاته

له التجلّي التامّ في آياته

آياته عند أُولي الأبصارِ

أجلى من الشمس ضحى النهارِ

وهو كفيل خاتم النبوَّة

وعنه قد حامى بكلِّ قوَّة

ناصره الوحيد في زمانه

وركنه الشديد في أوانه

عميد أهله زعيم أُسرته

وكهفه الحصين يوم عسرته

حجابه العزيز عن أعدائه

وحرزه الحريز في ضرّائه

فما أجلَّ شرفاً وجاها

من حرز ياسين وكهف طاها

قام بنصرة النبيِّ السامي

حتّى استوت قواعد الإسلامِ

جاهد عنه أعظم الجهادِ

حتّى علا أمر النبيِّ الهادي

حماه عن أذى قريش الكفره

بصولة ذلَّت لها الجبابره

صابر كلَّ محنة وكربه

والشعب من تلك الكروب شعبه

أكرم به من ناصر وحامى

وكافل لسيِّد الأنامِ

كفاه فخراً شرف الكفاله

لصاحب الدَّعوة والرِّسالة

لسانه البليغ في ثنائه

أمضى من السيف على أعدائه

له من المنظوم والمنثورِ

ما جعل العالم ملاء النورِ

ينبئ عن إيمانه بقلبه

وإنَّه على هدىً من ربِّه

____________________

١ - أحد شعراء الغدير في القرن الرابع عشر تأتي ترجمته إن شاء الله تعالى.

٢٧

وأشرقت أُمّ القرى بنوره

وكلُّ نور هو نور طوره

وكيف لا؟ وهو أبو الأنوارِ

ومطلع الشموس والأقمارِ

مبدأ كلِّ نيّر وشارقِ

وكيف وهو مشرق المشارقِ؟

بل هو بيضاء سماء المجدِ

مليك عرشه أباً عن جدِّ

له السموّ كابراً عن كابرِ

فهو تراثه من الأكابرِ

أزكى فروع دوحة الخليلِ

فياله من شرفٍ أصيلِ

بل شرف الأشراف من عدنانِ

ملاذها في نوب الزمانِ

له من السموِّ ما يسمو على

ذرى الصراح والسَّماوات العلى

وكيف لا؟ وهو كفيل المصطفى

أبو الميامين الهداة الخلفا

ووالد الوصيِّ والطيّارِ

وهو لعمري منتهى الفخارِ

بضوئه أضاءت البطحاءُ

لا بل به أضاءت السَّماءُ

والنيِّر الأعظم في سمائه

مثل السهى في النور من سيمائه

كيف؟ ومن غرَّته تجلّى

لأهله نور العليِّ الأعلى

ساد الورى بمكَّة المكرَّمه

فحاز بالسؤدد كلّ مكرمه

بل هو فخر البلد الحرامِ

بل شرف المشاعر العظامِ

وقبلة الآمال والأماني

بل مستجار كعبة الإيمانِ

وفي حمى سؤدده وهيبته

تمَّ لداع الحقِّ أمر دعوته

ما تمَّت الدعوة للمختارِ

لولاه فهو أصل دين الباري

كيف؟ وظل الله في الأنامِ

في ظلّه دعى إلى الاسلامِ

وانتشر الاسلام في حماهُ

مكرمة ما نالها سواهُ

رايته علت بعالي همَّته

كفاه هذا في علوِّ رتبته

مفاخرٌ يعلو بها الفخارُ

مآثرٌ تحلو بها الآثارُ

ذاك أبو طالب المنعوتُ

مَن قصرت عن شأنه النعوتُ

يجلُّ عن أيِّ مديح قدره

لكنَّه يُحيي القلوب ذكره

«القصيدة»

٢٨

ومن قصيدة للعلّامة الحجَّة شيخنا الشيخ عبد الحسين صادق العاملي قدّس سرّه قوله:

لولاه ما شدَّ أزر المسلمين ولا

عين الحنيفة سالت في مجاريها

آوى وحامى وساوى قيد طاقته

عن خير حاضرها طرّاً وباديها

ما كان ذاك الحفاظ المرّأطة أر

حام وضرب عروق فار غاليها

بل للإله كما فاهت روائعه الـ

عصماء في كلِّ شطر من قوافيها

ضاقت بما رحبت أُم القرى برسو

ل الله من بعده واسودَّ ضاحيها

فانصاع يدعو له بالخير مبتهلاً

بدعوة ليس بالمجبوه داعيها

لو لم تكن نفس عمِّ المصطفى طهرت

ما فاه فوهٌ بما فيه يُنجّيها

عاماً قضى عمّه فيه وزوجته

قضاه بالحزن يبكيه ويبكيها

أعظم بإيمان مبكي المصطفى سنة

أيّامها البيض أدجى من لياليها

من صلبه ايبثَّت الأنوار قاطبة

فالمرتضى بدؤها والذخر تاليها

هذا أبو طالب شيخ الأباطح وهذه نبذة من آيات إيمانه الخالص،( مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللّهِ ) (١) ( لِيَسْتَيْقِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلاَ يَرْتَابَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ ) (٢) ( وَالّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلّذِينَ آمَنُوا رَبّنَا إِنّكَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ ) (٣) .

____________________

١ - سورة الحديد: ٢٧.

٢ - سورة المدثر: ٣١.

٣ - سورة الحشر: ١٠.

٢٩

( عود إلى بدء)

أحاديث الغلوِّ في فضائل أبي بكر

- ٢٩ -

ملَكٌ يردُّ على شاتم الخليفة

أخرج يوسف بن أبي يوسف في الآثار ص ٢٠٨ عن أبيه يعقوب بن إبراهيم القاضي عن أبي حنيفة قال: بلغني أنَّ رجلاً شتم أبا بكر فحلم أبو بكر رضي الله عنه والنبيُّ صلى الله عليه وسلم قاعدٌ ثمَّ إنَّ أبا بكر ردَّ عليه فقام النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: شتمني فلم تقم وقمت حين رددت عليه؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: إنَّ ملكاً كان يردّ عنك فلمّا رددت أنت ذهب فقمت.

وأخرجه أحمد في مسنده ٢: ٤٣٦ من طريق أبي هريرة: إنَّ رجلاً شتم أبا بكر والنبيُّ صلى الله عليه وسلم جالسٌ فجعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعجب ويتبسَّم فلمّا أكثر ردَّ عليه بعض قوله فغضب النبيُّ صلى الله عليه وسلم وقام فلحقه أبو بكر فقال: يا رسول الله! كان يشتمني وأنت جالسٌ فلمّا رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت؟ قال: إنَّه كان معك مَلَك يردُّ عنك فلمّا رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان فلم أكن لأقعد مع الشيطان.

قال الأميني: لم نعرف طريق بلاغ الحديث أبا حنيفة حتّى نقف على مبلغه من الصحَّة ولعلَّ أبا يوسف القاضي بمفرده يكفيه وهناً نظراً إلى بعض ما قيل فيه كقول الفلاس: صدوقٌ كثير الخطاء.

وقول أبي حفص: صدوقٌ كثير الغلط.

وقول البخاري: تركوه.

وقول يحيى بن آدم: شهد أبو يوسف عند شريك فردّه وقال: لا أقبل من يزعم أنَّ الصَّلاة ليست من الإيمان.

وقول ابن عدي: يروي عن الضعفاء.

٣٠

وقول ابن المبارك بسند صحيح: إنَّه وهّاه، وقوله لرجل: إن كنت صلَّيت خلف أبي يوسف صلوات تحفظها فأعدها وقوله: لإن أخرّ من السماء إلى الأرض فتخطفني الطير أو تهوى بي الريح في مكان سحيق أحبُّ إليَّ من أن أروي عن ذلك. وقال رجلٌ لابن المبارك: أيّهما أصدق؟ أبو يوسف أو محمَّد؟ قال: لا تقل أيّهما أصدق. قل: أيّهما أكذب.

وقول عبد الله بن إدريس: كان أبو يوسف فاسقاً من الفاسقين.

وقول وكيع لرجل قال: أبو يوسف يقول كذا وكذا: أما تتقي الله بأبي يوسف تحتجُّ عند الله عزَّوجلّ؟.

وقول أبي نعيم الفضل بن دكين: سمعت أبا حنيفة يقول لأبي يوسف: ويْحَكُم كم تكذبون عليَّ في هذه الكتب ما لم أقل؟.

وقول يحيى ين معين: لا يكتب حديثه. وقوله: كان ثقةً إلّا إنَّه كان ربما غلط.

وقول يزيد بن هارون: لا تحلُّ الرواية عنه كان يُعطي أموال اليتامى مضاربة ويجعل الربح لنفسه.

وقول ابن أبي كثير مولى بني الحارث أو النظام لما دفن أبو يوسف:

سقى جدثا به يعقوب أمسى

من الوسمي منبجس ركام

تلطف في القياس لنا فأضحت

حلالا بعد حرمتها المدام

ولولا أن مدته تقضت

وعاجله بميتته الحمام

لاعمل في القياس الفكر حتّى

تحل لنا الخريدة والغلام(١)

وأمّا طريق أحمد ففيه سعيد بن أبي سعيد المدني وقد اختلطه قبل موته بأربع سنين كما في تهذيب التهذيب ٤: ٣٩، ٤٠، ومتن الرواية يشهد على صدورها منه في أيّام اختلاطه.

وممّا لا ريب فيه إساءة الأدب من كلا المتسابّين بحضرة رسول الله صلى الله عليه وآله ورفع أصواتهما بطبع من حال المتشاتم فإنَّه لا يؤتي به همساً والله يقول:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ ) . الآية وقد نزلت في

____________________

١ - تاريخ الخطيب البغدادي ١٤: ٢٥٧، ميزان الاعتدال، لسان الميزان ٦: ٣٠٠.

٣١

أبي بكر وعمر لما تماريا عند رسول الله صلى الله عليه وآله كما مرَّ حديثه في الجزء السابع ص ٢٢٣.

وماذا على أبي بكر لو بقي متحلّماً مراعياً لأدب حضرة النبيّ إلى آخر مجلسه؟ كما فعله أوّلاً لذلك - أوانَّ ما فعله أوّلاً كان منه رمية من غير رامٍ؟ - فلا ينقلب إلى الإساءة وإزعاج رسول الله صلى الله عليه وآله حتّى قام عنه.

وماذا عليه لو قام معه فيقطع مادَّة البغضاء؟ وماذا عليه لو سكت عن النبيّ صلى الله عليه وآله ولم يُسئ الأدب بالاعتراض والنقد على قيامه؟.

وماذا عليه لو أبقى الملَك وهو يحسبه مظلوماً فيسبُّ الرجل ردّاً عليه؟ لكنَّه رآه مكافئ الظالم فتركه.

وعجبي ممّا في لفظ أحمد من قول النبيِّ لأبي بكر: فلمّا رددتَ عليه بعض قوله وقع الشيطان.. الخ. كيف كان ذلك المحفل خلواً من الشيطان إلى أن ردَّ عليه أبو بكر والرجل كان يشتم أبا بكر ويُكثر، ولما ردَّ عليه وقع الشيطان؟ فكأنَّ ردَّ أبي بكر كان من همزات الشيطان دون سبِّ الرجل إيّاه، وكأنَّ النبيُّ الأعظم لم تكن له مندوحةٌ عن سماع شتم الرجل أبا بكر، أو لم تكن فيه مغضبةٌ دون ردِّ أبي بكر إيّاه؟ إنَّ هذا لشئٌ عجابٌ.

ثمَّ هل في عالم الملكوت من يقابل البذاءة بمثلها؟ أو إنَّ هناك عالم القداسة لا يطرقه الفحش والسباب المقذع لقبحهما الذاتي؟ وهل لله سبحانه ملائكة قيَّضهم لذلك العمل القبيح؟ وهل هذا التقييض مخصوصٌ بأبي بكر فحسب؟ أو إنَّه يكون لكل متسابّين من المؤمنين إذا سكت أحدهما؟ وهل قُيّضت الملائكة للردِّ على من هجا رسول الله من المشركين؟ أنا لم أقف على أثر في هذه كلّها، وليست المسألة عقليَّة فتعضدها البرهنة، مع قطع النظر عن استهجان العقل السليم لذلك، والمتيقَّن: إنَّ جزاء الشاتم إن كان ظالماً مرجئٌ إلى يوم الجزاء، وأمّا ردُّه بقول لا يسمعه الظالم فيتأدَّب ويرتدع، ولا المظلوم فيشفي غليله، ولا أيّ أحد فيكون فضيحة لمرتكب القبيح فعساه يترك شنعته، فمن التافهات، نعم: أخرج الخطيب في تاريخه ٥: ٢٨٠ من طريق سهل بن صقين عن أبي هريرة مرفوعاً: أنَّ لله تعالى في السَّماء سبعين ألف ملَك يلعنون من شتم أبا بكر وعمر.

٣٢

غير أنَّ الخطيب نفسه أردفه بقوله: سهل يضع. راجع ما أسلفناه في الجزء الخامس صفحة ٢٨٠ ط ٢.

- ٣٠ -

خطبة النبي صلى الله عليه وآله في فضل الخليفة

أخرج البخاري في المناقب باب قول النبيِّ: سدُّوا الأبواب إلّا باب أبي بكر ج ٥: ٢٤٢ وباب الهجرة ج ٦: ٤٤ من طريق أبي سعيد الخدري قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال: إنَّ الله خيّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله قال: فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خيِّر فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخيَّر، وكان أبو بكر أعلمنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ أمنَّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متَّخذاً خليلاً غير ربِّي لاتّخذت أبا بكر، ولكن إخوَّة الاسلام ومودَّته، لا يبقين في المسجد باب إلّا سدَّ إلّا باب أبي بكر.

وزاد في لفظ ابن عساكر: فعلمنا أنَّه مستخلفه. وفي لفظ الرازي في تفسيره ٢: ٣٤٧: ما من الناس أحدٌ أمنّ علينا في صحبته ولا ذات يده من ابن أبي قحافة.

قال الأميني: راجع الجزء الثالث من كتابنا هذا صفحة ١٧٦ - ١٨٧ ط ٢ تزدد وثوقاً بما تضمَّنته هذه الرواية من أُكذوبة حديث الأبواب وسدِّها، وما لابن تيميَّة هنالك من مكاء وتصدية.

وأمَّا بقيَّة الحديث فممّا فيه قول أبي سعيد: وكان أبو بكر أعلمنا. لم يخصّ هذا العلم بأبي بكر وإنَّما تحمَّله كلّ من سمعه صلى الله عليه وآله ووعى أقواله في حجَّة الوداع الذي كان يقول فيها: يوشك أن أُدعى فأُجيب. إلى ما يقارب ذلك ممّا هو مذكور في الجزء الأوَّل. وهب أنَّ العلم بذلك كان مقصوراً على الخليفة لكنّه أيّ علم هذا يباهى به؟ أهو حلُّ عويصة من الفقه؟ أو بيان مشكلة من الفلسفة؟ أو شرح غوامض من علوم الدين؟ أو كشف مخبَّأ من أسرار الكون؟ لم يكن في هذا العلم شيءٌ من ذلك كلّه وإنّما هو على فرض الصحَّة تنبّهٌ منه إلى أنَّه صلى الله عليه وآله يريد نفسه، ولعلّه سمعه قبل ذلك فتذكَّره عندئذ، وقد أسلفناه في الجزء السابع عند البحث عن أعلميَّة الرجل بما لا مزيد عليه. فراجع.

٣٣

وأمَّا قوله: إنَّ أمنَّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر. فأيَّ منٍّ لأيِّ أحد في صحبته. صلى الله عليه وآله وسلم وإنفاق ماله في دعوته؟( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ) (١) ،( إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ) (٢) ، وكانت لرسول الله المنَّة على البشر عامَّة بالدعوة والهداية والتهذيب، وإنّ صاحبه أحدٌ وناصره فلنفسه نظر ولها نصح،( يَمُنّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لاَ تَمُنّوا عَلَيّ إِسْلاَمَكُم بَلِ اللّهُ يَمُنّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (٣) ،( لَقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمَهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ ) (٤) .

على أنَّ منَّة المال لأبي بكر سالبةٌ بانتفاء الموضوع وسنوقفك على جليَّة الحال، وقصَّة الخلّة في ذيل الرواية أوقفناك عليها في الجزء الثالث وإنَّها موضوعةٌ، ويعارضها موضوعٌ آخر أخرجه الحافظ السكري من طريق أُبيِّ بن كعب أنَّه قال: إنَّ أحدث الناس عهدي بنبيِّكم صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بخمس ليال دخلت عليه وهو يقلّب يديه وهو يقول: إنَّه لم يكن نبيٌّ إلّا وقد اتَّخذ من أُمَّته خليلاً وأنَّ خليلي من أمَّتي أبو بكر ابن أبي قحافة، ألا وإنَّ الله قد اتّخذني خليلاً كما اتّخذ إبراهيم خليلاً(٥) .

وموضوعٌ آخر أخرجه الطبراني من طريق أبي أمامة إنَّ الله اتّخذني خليلاً كما اتّخذ إبراهيم خليلاً وإنَّ خليلي أبو بكر. كنز العمال ٦: ١٣٨.

وموضعٌ آخر أخرجه أبو نعيم من طريق أبي هريرة: لكلِّ نبيّ خليلٌ في أمَّته وإنَّ خليلي أبو بكر. كنز العمال: ١٤٠.

هكذا تعارض سلسلة الموضوعات بعضها بعضاً لجهل كلٍّ من واضعيها بما أتى به الآخر. ولكلّ مُنَّته وسعة باعه في نسج الأكاذيب،( وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ ) .

وقبل هذه كلّها ما في رجال سند الرواة من الآفة لمكان إسماعيل بن عبد الله

____________________

١ - سورة فصلت: ٤٦.

٢ - سورة الاسراء: ٧.

٣ - سورة الحجرات: ١٧.

٤ - سورة آل عمران: ١٦٤.

٥ - الرياض النضرة للمحب الطبري ١: ٨٣، إرشاد الساري للقسطلاني ٦: ٨٣.

٣٤

أبي عبد الله بن أبي أويس ابن أُخت مالك ونسيبه والراوي عنه.

قال ابن أبي خيثمة: صدوقٌ، ضعيف العقل ليس بذاك يعني إنَّه لا يحسن الحديث ولا يعرف أن يؤدِّيه أو يقرأ من غير كتابه.

وقال معاوية بن صالح: هو وأبوه ضعيفان.

وقال ابن معين: هو وأبوه يسرقان الحديث. وقال إبراهيم بن الجنيد عن يحيى ابن معين: مخلطٌ يكذب ليس بشيء.

وقال النسائي: ضعيفٌ. وقال في موضع آخر: غير ثقة. وقال اللالكائي: بالغ النسائي في الكلام عليه إلى أن يؤدِّي إلى تركه، ولعلّه بان له ما لم يبن لغيره لأنَّ كلام هؤلاء كلّهم يؤل إلى أنَّه ضعيفٌ.

وقال ابن عدي: روى عن خاله أحاديث غرائب لا يتابعه عليها أحدٌ. قال الأميني هذه الرواية التي رواها عن خاله من تلك الغرائب.

وذكره الدولابي في الضعفاء وقال: سمعت النصر بن سلمة المروزي يقول: ابن أبي أويس كذّابٌ كان يحدِّث عن مالك بمسائل ابن وهب.

وقال العقيلي في الضعفاء عن يحيى بن معين أنَّه قال: ابن أبي أويس لا يسوى فلسين

وقال الدارقطني: لا أختاره في الصحيح.

وذكره الاسماعيلي في المدخل فقال: كان ينسب في الخفَّة والطيش إلى ما أكره ذكره.

وقال بعضهم: جانبناه للسنَّة.

وقال ابن حزم في المحلّى: قال أبو الفتح الأزدي حدَّثني سيف بن محمَّد: إنَّ ابن أبي أويس كان يضع الحديث.

وأخرج النسائي من طريق سلمة بن شبيب أنَّه قال: سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول: ربما كنت أضع الحديث لأهل المدينة إذا اختلفوا في شيء فيما بينهم(١) .

أليس من الجزاف والقول الزور، قول النووي في مقدِّمة شرح صحيح مسلم: إتَّفق العلماء رحمهم الله على أنَّ أصحّ الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان: البخاري ومسلم؟.

____________________

١ - تهذيب التهذيب ١: ٣١٢.

٣٥

أكتابٌ هذا حديثه وهذه ترجمة رجال إسناده وهو أخفُّ ما فيه من الطامَّات يصلح أن يكون أصحَّ الكتب بعد القرآن؟ كبرت كلمةً تخرج من أفواههم، ولو كان هذا شأن الأصحِّ المتفق عليه فما قيمة غيره في سوق الاعتبار؟.

- ٣١ -

ثناء أمير المؤمنين عليه السلام على الخليفة

أخرج ابن الجوزي في صفة الصفوة ١: ٩٧ من طريق الحسن قال قال عليٌّ عليه السلام: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرنا في أمرنا فوجدنا النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد قدَّم أبا بكر في الصَّلاة، فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا فقدَّمنا أبا بكر.

وأخرجه مرسلاً أيضاً المحبُّ الطبري في الرياض النضرة ١: ١٥٠ فقال: وعنه قال: قال عليٌّ: قدَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر يصلّي بالناس وقد رأى مكاني وما كنت غائباً ولا مريضاً، ولو أراد أن يقدِّمني لَقدَّمني فرضينا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا.

وعن قيس بن عبادة قال قال لي عليُّ بن أبي طالب: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض ليالي وأيّاماً ينادي بالصَّلاة فيقول: مروا أبا بكر فليصلّ بالناس، فلمّا قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرت فإذا الصَّلاة علم الاسلام، وقوام الدين، فرضينا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا فبايعنا.

قال الأميني: ما أجرأ الحفّاظ على رواية هذه الأكاذيب الفاحشة، وإغراء بسطاء الأُمّة المسكينة بالجهل، والتمويه على الحقائق بأمثال هذه الأفائك؟ وهم مهرة الفنِّ ولا يغرب عن أيِّ أحد منهم عرفان ما في تلكم المختلقات من الغمز والاعتلال.

نعم: وكم وكم يجد الباحث في طيّات أجزاء كتابنا هذا ممّا يكذِّب هذه الأفيكة من التاريخ المتسالم عليه، والحديث الصحيح، والنصوص الصريحة من كلمات مولانا أمير المؤمنين، وشتّان بينه وبين كلمات الحفّاظ والمؤرِّخين حول تخلّف عليّ عليه السلام عن بيعة أبي بكر؟ مثل قول القرطبي في المفهم شرح صحيح مسلم في شرح حديث منه. قوله: كان لعليّ من الناس جهة حياة فاطمة قال: جهة أي جاه واحترام كان الناس يحترمون عليّاً في حياتها كرامةً لها كأنَّها بضعة من رسول الله وهو مباشر

٣٦

لها فلمّا ماتت وهو لم يبايع أبا بكر. انصرف الناس عن ذلك الاحترام ليدخل فيما دخل فيه الناس ولا يفرّق جماعتهم.

نعم: أكثر الوضّاعون في الكذب على سيِّد العترة أمير المؤمنين وبان ذلك في الملاء حتّى قال عامر بن شراحيل: أكثر من كُذِب عليه من الأُمَّة الإسلاميَّة هو أمير المؤمنين عليه السلام(١) وإليك نماذج ممّا يُعزى إليه وهو سلام الله عليه برئٌ منه، أضفها إلى أحاديث الغلوِّ في فضائل أبي بكر.

٣٢ - عن عليّ: أوَّل من يدخل من الأمَّة الجنَّة أبو بكر وعمر وإنِّي لموقوفٌ مع معاوية للحساب.

٣٣ - عن عليّ مرفوعاً: يا عليُّ! لا تكتب جوازاً لمن سبَّ أبا بكر وعمر فإنَّهما سيِّدا كهول أهل الجنَّة بعد النبيِّين. ويأتي بلفظ آخر.

٣٤ - عن عليّ مرفوعاً: الخليفة بعدي أبو بكر وعمر ثمَّ يقع الاختلاف.

٣٥ - عن عليّ مرفوعاً: يا عليُّ! سألت الله ثلاثاً أن يقدِّمك فأبى عليٌّ إلّا أن يقدِّم أبا بكر.

٣٦ - عن عليّ: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى أسرَّ إليَّ: أنَّ أبا بكر سيتولّى بعده ثمَّ عمر ثمَّ عثمان ثمَّ أنا.

٣٧ - عن عليّ: إنَّ الله فتح هذه الخلافة على يدي أبي بكر وثنّاه عمر وثلّثه عثمان وختمها بي بخاتمة نبوَّة محمّد صلى الله عليه وسلم.

٣٨ - عن عليّ: ما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله من الدنيا حتّى عهد إليَّ: إنَّ أبا بكر يلي الأمر بعده ثمَّ عمر ثمَّ عثمان ثمَّ إليَّ فلا يجتمع عليَّ.

٣٩ - عن عليّ مرفوعاً: أتاني جبرئيل فقلت: من يهاجر معي؟ قال: أبو بكر، ويلي أمر أمّتك من بعدك وهو أفضل أمَّتك من بعدك.

٤٠ - عن عليّ مرفوعاً: أعزُّ أصحابي إليَّ، وخيرهم عندي، وأكرمهم على الله، وأفضلهم في الدنيا والآخرة أبو بكر الصدِّيق. الحديث بطوله.

٤١ - عن عليّ إنّا نرى أبا بكر أحقَّ الناس بها بعد رسول الله، إنَّه لصاحب

____________________

١ - تذكرة الحفاظ للذهبي ١: ٧٧.

٣٧

الغار، وثاني اثنين، وإنّا لنعلم بشرفه وكبره. الحديث.

٤٢ - عن عليّ مرفوعاً: يا عليُّ إنَّ الله أمرني أن اتَّخذ أبا بكر وزيراً، وعمر مشيراً وعثمان سنداً، وإيّاك ظهيراً، أنتم أربعة فقد أخذ الله ميثاقكم في أمِّ الكتاب، لا يحبّكم إلّا مؤمنُ ولا يبغضكم إلّا فاجرٌ، أنتم خلائف نبوَّتي، وعقدة ذمَّتي، وحجَّتي على أمَّتي، لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تعافوا.

٤٣ - قيل لعليّ: يا أمير المؤمنين! مَن خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال أبو بكر. قيل: ثمَّ مَن؟ قال عمر. قيل: ثمَّ مَن؟ قال: عثمان. قيل: ثمَّ من؟ قال: أنا.

٤٤ - خطب عليٌّ خطبة وقال في آخرها: واعلموا إنَّ خير الناس بعد نبيِّهم صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصدِّيق، ثمَّ عمر الفاروق، ثمَّ عثمان ذو النورين، ثمَّ أنا. وقد رميت بها في رقابكم وراء ظهوركم فلا حجَّة لكم عليَّ.

٤٥ - سُئل عليٌّ عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله قالوا: أخبرنا عن أبي بكر ابن أبي قحافة قال: ذاك امرؤ سمّاه الله الصدّيق على لسان جبريل عليه السلام وعلى لسان محمّد صلى الله عليه وآله كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله رضيه لديننا فرضينا لدنيانا.

٤٦ - عن عليّ: إنَّه كان يحلف بالله إنَّ الله تعالى أنزل اسم أبي بكر من السَّماء: الصدِّيق.

٤٧ - عن عليّ: أوَّل من أسلم من الرجال أبو بكر، وأوَّل من صلّى إلى القبلة عليُّ بن أبي طالب.

٤٨ - عن عبد الرَّحمن(١) بن أبي الزناد عن أبيه قال: أقبل رجلٌ فتخلّص الناس حتّى وقف على عليِّ بن أبي طالب فقال: يا أمير المؤمنين! ما بال المهاجرين والأنصار قدَّموا أبا بكر وأنت أورى منقبة، وأقدم إسلاماً، وأسبق سابقة؟ قال: إن كنت قرشيّاً فأحسبك من عائذة، قال نعم. قال: لولا إنَّ المؤمن عائذ الله لقتلتك. ويحك إنَّ أبا بكر سبقني لأربع لم أوتهنَّ ولم اعتض منهنَّ: سبقني إلى الإمامة. أو تقدّم الإمامة. و

____________________

١ - قال ابن معين. ليس ممن يحتج به أصحاب الحديث، ليس بشيء. وعن ابن المدني: كان عند أصحابنا ضعيفا. وكان عبد الرحمن يخطّ على حديثه، وضعفه الساجي وابن شيبة، وقال النسائي لا يحتج بحديثه.تهذيب التهذيب ٦: ١٧١.

٣٨

تقدّم الهجرة، وإلى الغار، وإفشاء الاسلام. الحديث بطوله وفي آخره: ثمَّ قال: لا أجد أحداً يفضّلني على أبي بكر إلّا جلدته جلد المفتري.

٤٩ - عن عليّ: جاء جبريل عليه السلام إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: من يهاجر معي؟ فقال: أبو بكر، وهو الصدِّيق. مرَّ بلفظ آخر.

٥٠ - جاء أبو بكر وعليٌّ يزوران النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعد وفاته بستة أيّام فقال عليٌّ لأبي بكر: تقدَّم يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: ما كنت لأتقدَّم رجلاً سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عليٌّ منِّي كمنزلتي من ربِّي. فقال عليٌّ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما منكم من أحد إلّا وقد كذَّبني غير أبي بكر، وما منكم من أحد يصبح إلّا على بابه «على باب قلبه» ظلمةٌ إلّا باب أبي بكر. فقال أبو بكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله؟ قال: نعم. فأخذ أبو بكر بيد عليّ ودخلا جميعاً.

٥١ - عن عليّ مرفوعاً: ما طلعت شمسٌ ولا غربت على أحد بعد النبيِّين والمرسلين أفضل من أبي بكر.

٥٢ - عن عليّ: دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله! ألا تستخلف؟ فقال: إن يعلم الله فيكم خيراً إستعمل عليكم خيركم. فعلم الله فينا خيراً فأستعمل علينا أبا بكر.

٥٣ - عن عليّ قال: أفضلنا أبو بكر.

٥٤ - عن عليّ مرفوعاً: ينادي مناد يوم القيامة: أين السابقون الأوَّلون؟ فيقال مَن؟ فيقول: أين أبو بكر الصديق؟ فيتجلّى الله لأبي بكر خاصَّة وللناس عامَّة.

٥٥ - عن عليّ مرفوعاً: الخير ثلثمائة وسبعون خصلة إذا أراد الله بعبد خيراً جعل فيه واحدةً منهنَّ فدخل بها الجنَّة قال: فقال أبو بكر: يا رسول الله! هل فيَّ شيءٌ منها؟ قال: نعم جمع من كلّ.

٥٦ - عن عليّ مرفوعاً: يا أبا بكر! إنَّ الله أعطاني ثواب من آمن به منذ خلق آدم إلى أن بعثني، وإنَّ الله أعطاك ثواب مَن آمن بي منذ بعثني إلى أن تقوم الساعة.

٥٧ - إلتقى أبو بكر الصدِّيق وعليُّ بن أبي طالب فتبسَّم أبو بكر في وجه عليّ فقال له عليٌّ: مالك تبسَّمت؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يجوز أحدٌ الصراط

٣٩

إلّا مَن كتب له عليُّ بن أبي طالب الجواز. فضحك عليٌّ وقال: ألا أبشَّرك يا أبا بكر! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكتب الجواز إلّا لمن أحبَّ أبا بكر.

٥٨ - عن عليّ مرفوعاً: نازلت ربِّي فيك ثلاثاً فأبى إلّا أبا بكر

٥٩ - عن عليّ: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا عهداً نأخذ به في الإمارة، ولكنّه شيءٌ رأيناه من قِبَل أنفسنا، فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأ فمن قِبَل أنفسنا. ثمَّ استخلف أبو بكر فأقام واستقام، ثمَّ استخلف عمر فأقام واستقام، حتّى ضرب الدين بجرانه.

٦٠ - قال أبو بكر لعليِّ بن أبي طالب: قد علمتَ أنِّي كنت في هذا الأمر قبلك؟ قال: صدقت يا خليفة رسول الله! فمدَّ يده فبايعه.

٦١ - قام أبو بكر بعد ما بويع له وبايع له عليٌّ وأصحابه فأقام ثلاثاً يقول: أيُّها الناس قد أقتلكم بيعتكم، هل من كاره؟ قال: فيقوم عليٌّ في أوائل الناس يقول: لا والله لا نقيلك ولا نستقيلك قدَّمك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن ذا الذي يؤخِّرك؟.

وفي لفظ: ولولا إنّا رأيناك أهلاً ما بايعناك.

وفي لفظ سويد بن غفلة: لما بايع الناس أبا بكر قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال: أيّها الناس أذكر بالله أيّما رجل ندم على بيعتي لما قام على رجليه، قال: فقام إليه عليُّ بن أبي طالب ومعه السيف فدنا منه حتّى وضع رجلاً على عتبة المنبر والأُخرى على الحصى وقال: والله لا نقيلك. الحديث.

٦٢ - عن عليّ مرفوعاً: خير أُمَّتي بعدي أبو بكر وعمر.

٦٣ - عن عليّ إنَّه دخل على أبي بكر وهو مسجّى فقال: ما أحدٌ لقي الله بصحيفة أحبّ إليَّ من هذا المسجّى.

٦٤ - عن عليّ: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى عرفنا أنَّ أفضلنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، وما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى عرفنا إنَّ أفضلنا بعد أبي بكر عمر رضي الله تعالى عنهما.

٦٥ - عن عليّ: مرفوعاً: يا عليُّ! هذان سيّدا كهول أهل الجنَّة من الأوَّلين و الآخرين إلّا النبيِّين والمرسلين، لا تخبرهما يا عليّ. قال: فما أخبرتهما حتّى ماتا.

٤٠