الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٨

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 397

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
تصنيف: الصفحات: 397
المشاهدات: 139921
تحميل: 5988


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 397 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 139921 / تحميل: 5988
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 8

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أضرب الناس ليس فوقي أحدٌ إلّا ربّ العالمين(١) فقيل بعده: لَدِرَّة عمر أهيب من سيف الحجّاج كما في محاضرة السكتواري ص ١٦٩.

فما وجه الشبه بين عصا نبيٍّ معصوم وبين دِرّة إنسان لم يسلم منها إلّا القلائل من كبار الصحابة؟ أهي تشبهها حين ضرب صاحبها النساء الباكيات على بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وأخذ صلى الله عليه وآله بيده وقال: مَه يا عمر؟ غ ٦: ١٥٩(٢) ط ٢.

أم حين ضرب أُمَّ فروة بنت أبي قحافة حين بكت على أبيها؟ غ ٦: ١٦١.

أم حين ضرب تميم الداري لإتيانه الصّلاة بعد العصر وهي سنَّة؟. غ ٦: ١٨٣.

أم حين ضرب المنكدر وزيد الجهني وآخرين للصَّلاة بعد العصر؟ غ ٦: ١٨٣.

أم حين ضرب في المجزرة كلّ مَن اشترى اللحم لأهله يومين متتابعين ٢ غ ٦: ٧ ٢٦.

أم حين ضرب رجلاً أتى بيت المقدس وإتيانه سنَّة؟ غ ٦: ٢٧٨.

أم حين ضرب الصائمين في رجب وصومه سنَّة مؤكَّدة؟ غ ٦: ٢٨٢.

أم حين ضرب سائلاً عن آية من القرآن لا يعرف مغزاها؟ غ ٦: ٢٩٠.

أم حين ضرب مسلماً أصاب كتاباً فيه العلم؟ غ ٦: ٢٩٨.

أم حين ضرب مسلماً اقتنى كتاباً لدانيال؟ غ ٦: ٢٩٨.

أم حين ضرب مَن كنّي بأبي عيسى؟ غ ٦: ٣٠٨.

أم حين ضرب سيِّد ربيعة من غير ذنب أتى به؟. غ ٦: ١٥٧.

أم حين ضرب معاوية من دون أن يقترف إثماً؟ كما في تاريخ ابن كثير ٨: ١٢٥.

أم حين ضرب أبا هريرة لابتياعه أفراساً من ماله؟ غ ٦: ٢٧١.

أم حين ضرب مَن صام دهراً؟ غ ٦: ٣٢٢.

إلى مواقف لا تحصى. فانظر إلى مَن تتوجَّه قارصة الرجل في قوله: فكم أخافت غويَّ النفس عاتيها.

ومِن الناس مَن يعجب قوله في الحياة الدنيا ويُشهد الله على ما في قلبه و هو ألدُّ الخصام البقرة: ٢٠٤

____________________

١ - محاضرات الخضري ٢: ١٥، الخلفاء للنجار ص ١١٣، ٢٣٩.

٢ - غ: رمز كتابنا هذا (الغدير) في جميع الأجزاء.

٨١

- ٤ -

كرامات عمر الأربع

١ - لما فتح عمر مصر أتى أهلها إلى عمرو بن العاص حين دخل بؤنة من أشهر العجم فقالوا له: أيّها الأمير إنَّ لنيلنا هذا سنَّة لا يجري إلّا بها. فقال لهم: وما ذاك؟ فقالوا له: إنَّا إذا كانت ثلاث عشرة ليلة نحواً من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فأرضينا أباها وحملنا عليها من الحليِّ والثياب أفضل ما يكون ثمَّ ألقيناها في النيل فقال لهم عمرو: إنَّ هذا شيءٌ لا يكون في الاسلام وإنَّ الاسلام يهدم ما كان قبله، فأقاموا بؤنة وأبيب ومسرى، لا يجري قليلاً ولا كثير فكتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكتب إليه عمر إنَّك قد أصبت بالذي فعلت إنَّ الاسلام يهدم ما قبله، وكتب إلى عمرو إنّي قد بعثت إليك بطاقة داخل كتابي هذا إليك فألقها في النيل إذا وصل كتابي إليك فلمّا قدم كتاب عمر رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص فإذا فيها مكتوب:

من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر: أمّا بعد: فإن كنت إنَّما تجري من قِبَلك فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهار هو مجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك

وفي لفظ الواقدي: فإن كنت مخلوقاً لا تملك ضرّاً ولا نفعاً وأنت تجري من قِبَل نفسك وبأمرك فانقطع ولا حاجة لنا بك، وإن كنت تجري بحول الله وقوَّته فاجر كما كنت، والسَّلام.

فألقى البطاقة في النيل قبل يوم الصليب بشهر فقد تهيَّأ أهل مصر للجلاء والخروج فإنّه لا تقوم مصلحتهم فيها إلّا بالنيل فلمّا ألقى البطاقة أصبحوا يوم الصليب وقد أجراه الله تعالى ستة عشر ذراعاً في ليلة واحدة فقطع الله تلك السنَّة عن أهل مصر إلى اليوم.

٢ - قال الرازي في تفسيره: وقعت الزلزلة في المدينة فضرب عمر الدِرَّة على الأرض وقال: اسكني بإذن الله. فسكنت وما حدثت الزلزلة بالمدينة بعد ذلك.

٣ - في تفسير الرازي: وقعت النار في بعض دور المدينة فكتب عمر على خرقة: يا نار اسكني بإذن الله. فألقوها في النار فانطفأت في الحال.

٤ - محاضرة الأوائل للسكتواري: أوَّل زلزلة كانت في الاسلام سنة عشرين

٨٢

من الهجرة في خلافة عمر رضي الله عنه فضرب أمير المؤمنين رضي الله عنه برمحه قائلاً يا أرض اسكني، ألم أعدل عليك؟ فسكنت. فكان من جملة كرامته، فظهرت له كرامات أربعة في العناصر الأربعة: تصرَّف في عنصر التراب والماء في قصَّة رسالته إلى نيل مصر. وفي الهواء في قصَّة سارية الجبل. وفي النار في قصَّة احتراق قرية رجل حين كلّفه أن يغيّر اسمه فأبى وكان اسمه يتعلّق بالنار كالشهاب والقبس والثاقب كما ذكر في تبصرة الأدلّة ودلائل النبوَّة.

راجع فتوح الشام للواقدي ٢: ٤٤، تفسير الرازي ٥: ٤٧٨، سيرة عمر لابن الجوزي ص ١٥٠، الرياض النضرة ٢: ١٢، تاريخ ابن كثير ٧: ١٠٠: تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٨٦، محاضرة الأوائل للسكتواري ص ١٦٨، خزانة الأسرار ص ١٣٢ تاريخ القرماني هامش الكامل ١: ٢٠٣، الروض الفائق ص ٢٤٦، الفتوحات الإسلاميَّة ٢: ٤٣٧، نور الأبصار ص ٦٢، جوهرة الكلام للقراغولي الحنفي ص ٤٤.

قال الأميني: أمَّا رواية النيل فراويها الوحيد هو عبد الله بن صالح المصري أحد الكذّابين الوضّاعين كما مرَّ في الجزء الخامس ص ٢٣٩ ط ٢ قال أحمد بن حنبل: كان أوَّل أمره متماسكاً ثمَّ فسد بآخره، وقال أحمد بن صالح: متَّهمٌ ليس بشيء، وقال صالح جزرة: كان ابن معين يوثقه وهو عندي يكذب في الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن المديني: لا أروي عنه شيئاً، وقال ابن حبان: كان في نفسه صدوقاً إنَّما وقعت المناكير في حديثه من قبل جارٍ له فسمعت ابن خزيمة يقول: كان له جار بينه وبينه عداوة كان يضع الحديث على شيخ أبي صالح ويكتبه بخط يشبه خط عبد الله و ويرميه في داره بين كتبه فيتوهَّم عبد الله أنَّه خطَّه فيحدّث به، وقال ابن عدي: يقع في أسانيده ومتونه غلطٌ ولا يتعمَّد.

قامت القيامة على عبد الله بهذا الخبر الذي قال عن جابر مرفوعاً: إنَّ الله اختار أصحابي على العالمين سوى النبيِّين والمرسلين، واختار من أصحابي أربعة: أبا بكر وعمر و عثمان وعليّاً فجعلهم خير أصحابي وأصحابي كلّهم خير. ثمَّ ذكر أقوال الحفّاظ في بطلان هذا الحديث وإنَّه موضوع. راجع ميزان الاعتدال ٢: ٤٦.

فالرواية مكذوبةٌ اختلقتها يد الغلوِّ في الفضائل، وإن كنّا لا نناقش في إمكان

٨٣

خضوع النيل لتلكم الكتابة، فيكون معجزة للاسلام لمسيس حاجة القوم إلى مثلها لحداثة عهدهم بالاسلام.

وأمّا ما جاء به الرازي من حديث الزلزلة فلم يوجد في حوادث عهد عمر لا مسنداً ولا مرسلاً، ولم يذكره قطُّ مؤرِّخ ضليع، ولم يخرجه الحفّاظ حتّى ينظر في إسناده. وقوله: وما حدثت الزلزلة بالمدينة بعد ذلك، فكر أمةٌ مكذوبةٌ يكذِّبها التاريخ، وقد وقعت الزلزلة بعد ذلك غير مرَّة فقد وقعت زلزلة عظيمة بالحجاز سنة ٥١٥ فتضعضع بسببها الركن اليماني وتهدَّم بعضه وتهدّم بها شيءٌ من مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله كما ذكره ابن كثير في تاريخه ١٢: ١٨٨.

وحدثت بالمدينة زلزلةٌ عظيمةٌ ليلاً واستمرَّت أيّاماً وكانت تزلزل كلِّ يوم وليلة قدر عشر نوبات وذلك سنة ٦٥٤ وقصّتها طويلةٌ توجد في تاريخ ابن كثير ١٣: ١٨٨، ١٩٠، ١٩١، ١٩٢.

واعطف على ما قاله الرازي قول السكتواري من إنَّها أوَّل زلزلة كانت في الاسلام سنة عشرين من الهجرة. فقد وقعت سنة ستّ من الهجرة الشريفة كما في تاريخ الخميس ١: ٥٦٥ فقال النبيُّ صلى الله عليه وآله: إنَّ الله عزَّوجلَّ يستعتبكم فاعتبوه.

وأمّا حديث قول عمر: يا سارية الجبل الجبل. فقال السيِّد محمّد بن درويش الحوت في أسنى المطالب ص ٢٦٥: هو من كلام عمر قاله على المنبر حين كشف له عن سارية وهو بنهاوند من أرض فارس، روى قصَّته الواحدي والبيهقي بسند ضعيف وهم في المناقب يتوسَّعون.

كنّا نرى السيِّد ابن الحوت غير منصف في حكمه على الحديث بالضعف وإنَّه كان حقّاً عليه الحكم بالوضع إلى أن أوقفنا السير على تصحيح ابن بدران (المتوفى ١٣٤٦) إيّاه فيما علّق عليه في تاريخ ابن عساكر ٦ ص ٤٦ بعد ذكر الحديث من طريق سيف بن عمر، فوجدنا ابن الحوت عندئذ إنَّه جاء بإحدى بنات طبق في حكمه ذلك، ما أجرأ ابن بدران على هذا التمويه والدجل؟ أليست بين يديه أقوال أعلام قومه حول سيف بن عمر؟ أم ليسوا أولئك الحفّاظ رجال الجرح والتعديل في كلّ إسناد؟ قال ابن حبان: كان سيف بن عمر يروي الموضوعات عن الاثبات. وقال: قالوا: إنَّه كان يضع الحديث واتّهم

٨٤

بالزندقة. وقال الحاكم: اتّهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط، وقال ابن عدي: بعض أحاديثه مشهورة وعامّتها منكرة لم يتابع عليها. وقال ابن عدي: عامّة حديثه منكر. قال البرقاني عن الدارقطني: متروك. وقال ابن معين: ضعيف الحديث فليس خير منه. وقال أبو حاتم: متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي. وقال أبو داود: ليس بشيء وقال النسائي: ضعيفٌ. وقال السيوطي: وضّاعٌ: وذكر حديثاً من طريق السري بن يحيى عن شعيب بن إبراهيم عن سيف فقال: موضوعٌ، فيه ضعفاء أشدّهم سيف.

راجع ميزان الاعتدال ١: ٤٣٨، تهذيب التهذيب ٤: ٢٩٥، اللئالي المصنوعة ١: ١٥٧، ١٩٩، ٤٢٩.

وأمّا إحتراق القرية بإباء الرجل عن تغيير اسمه فخرافةٌ يأباها الشرع والعقل والمنطق، إنَّ ما تقدَّم في الجزء السادس ص ٣٠٨ - ٣١٥ ط ٢ من آراء الخليفة الخاصَّة به - في الأسماء والكنى - ومن جرّائها غيّر كنى رجال كنّاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وأسماء آخرين سمَّاهم بها هو صلى الله عليه وآله بحجَّة داحضة من أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله مات وغفر له ونحن لا ندري ما يفعل بنا - يستدعي ألّا يُمتثل في أمثال ذلك لا أن يُعذِّب الله قرية آمنةً مطمأنَّة لعدم إمتثال صاحبها بما يقوله الخليفة دون أمر مباحٍ، وهو من الظلم الفاحش لما احترق فيها من أبرياء وتلفت من أموال، ولو وقفت بمطلع الأكمة من تلك القرية المضطرمة لبكيت على الرضَّع والبهائم بكاء الثكلى، نحاشي ربّنا الحكيم العدل عن مثل ذلك، ونحاشي أعلام الأُمَّة عن قبول هذه المخاريق المخزية. قاتل الله الحبَّ، ماذا يفعل ويفتعل ويختلق؟.

- ٥ -

تسمية عمر بأمير المؤمنين

قال الواقدي: حدَّثنا أبو حمزة(١) يعقوب بن مجاهد عن محمّد بن إبراهيم عن أبي عمر وقال: قلت لعائشة: من سمّى عمر الفاروق أمير المؤمنين؟ قالت: النبي صلى الله عليه وسلم قال: أمير المؤمنين هو. ذكره ابن كثير في تاريخه ٧: ١٣٧.

قال الأميني: كان أبو حزرة قاصّاً يقصُّ فراقه أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله

____________________

١ - كذا في تاريخ ابن كثير والصحيح: حزرة. بفتح المهملتين بينهما معجمة ساكنة.

٨٥

وعلى حليلته أمّ المؤمنين لإرضاء مستمعيه بافتعال منقبة لعمر ذاهلاً عن أنَّ التاريخ يكذِّبه ويكشف عن سوءته ولو بعد حين.

أخرج الحاكم من طريق ابن شهاب قال: إنَّ عمر بن عبد العزيز سأل أبا بكر ابن سليمان بن أبي خيثمة لأيِّ شيء كان يُكتب من خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله في عهد أبي بكر رضي الله عنه؟ ثمَّ كان عمر يكتب أوَّلاً من خليفة أبي بكر، فمن أوَّل مَن كتب من أمير المؤمنين؟ فقال: حدَّثني الشفاء وكانت من المهاجرات الأُول: إنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عامل العراق بأن يبعث إليه رجلين جلدين يسألهما عن العراق وأهله فبعث عامل العراق بلبيد بن ربيعة وعدي ابن حاتم فلمّا قدما المدينة أناخا راحلتيهما بفناء المسجد ثمَّ دخلا المسجد فإذا هما بعمر وبن العاص فقالا: استأذن لنا يا عمرو! على أمير المؤمنين، فقال عمرو: أنتما والله أصبتما اسمه، هو الأمير ونحن المؤمنون، فوثب عمرو فدخل على أمير المؤمنين. فقال: السَّلام عليك يا أمير المؤمنين!. فقال عمر: ما بدا لك في هذا الاسم يا بن العاص، ربّي يعلم لتخرجنَّ ممّا قلت. قال: إنَّ لبيد بن ربيعة وعدي بن حاتم قدما فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد ثمَّ دخلا عليَّ فقالا لي: استأذن لنا يا عمرو! على أمير المؤمنين فهما والله أصابا اسمك، نحن المؤمنون وأنت أميرنا، قال: فمضى به الكتاب من يومئذ.

أخرجه الحاكم في المستدرك وصحَّحه. وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: صحيح. وقال السيوطي في شرح شواهد المغني ص ٥٧: روينا بسند صحيح إنَّ لبيد بن ربيعة وعديّ بن حاتم هما اللذان سمَّيا عمر بن الخطاب أمير المؤمنين حين قدما عليه من العراق. وذكر القصَّة في تاريخ الخلفاء ص ٩٤.

وأخرج الطبري في تاريخه ٥: ٢٢ بالإسناد عن حسان الكوفي قال: لما ولى عمر قيل: يا خليفة خليفة رسول الله، فقال عمر رضي الله عنه: هذا أمرٌ يطول كلّ ما جاء خليفة قالوا: يا خليفة خليفة خليفة رسول الله، بل أنتم المؤمنون وأنا أميركم فسمِّي أمير المؤمنين.

وقال ابن خلدون في مقدِّمة تاريخه ص ٢٢٧: اتَّفق أن دعا بعض الصحابة عمر رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين! فاستحسنه الناس واستصوبوه ودعوه به، يقال: إنَّ أوّل

٨٦

من دعا بذلك عبد الله بن جحش، وقيل: عمرو بن العاصي، والمغيرة بن شعبة وقيل: بريدٌ جاء بالفتح من بعض البعوث ودخل المدينة وهو يسأل عن عمر ويقول: أين أمير المؤمنين؟ وسمعها أصحابه فاستحسنوه وقالوا: أصبت والله اسمه إنَّه والله أمير المؤمنين حقّاً، فدعوه بذلك وذهب لقباً له في الناس، وتوارثه الخلفاء من بعده سمة لا يشاركهم فيها أحدٌ سواهم إلّا سائر دولة بني أُميَّة. ا هـ.

فصريح هذه النقول أنَّ عمر نفسه ما كانت له سابقة علم بهذا اللقب لا عن رسول الله صلى الله عليه وآله ولا عن غيره، ولذلك استغربه وقال: ربِّي يعلم لتخرجنَّ ممّا قلت. ولا كان عمر بن العاصي يعلم ذلك ولذلك نسب الإصابة بالتسمية إلى الرجلين ونحت لها من عنده ما يبرّرها. ولا كانت عند الرجلين - اللذين صحَّ كما مرَّ أنّهما هما اللذان سمَّياه - أثارة من علم بما جاء به ابن كثير وإنَّما هو شيءٌ جرى على لسانهما، ثمَّ اعطف نظرةً ثانية على كلمة ابن خلدون المقرَّرة للخلاف في أوَّل من سمّاه بأمير المؤمنين ولم يذكر فيه قولاً بأنَّ الرسول صلى الله عليه وآله هو الذي سمّاه، وصريح رواية الطبري إنَّ عمر هو الذي رأى هذه التسمية.

نعم: إنَّ الذي سمّاه رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين هو مولانا عليّ عليه السلام، أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء ١: ٦٣ بإسناده عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أنس! اسكب لي وضوءاً. ثمَّ قام فصلّى ركعتين. ثمَّ قال: يا أنس! أوَّل من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين، وسيِّد المسلمين، وقائد الغرِّ المحجَّلين، وخاتم الوصيِّين، قال أنس: قلت: اللهمّ اجعله رجلاً من الأنصار وكتمته إذ جاء عليّ فقال: من هذا يا أنس؟ فقلت: عليٌّ، فقام مستبشراً فاعتنقه ثمَّ جعل يمسح عرق وجهه بوجهه، ويمسح عرق عليّ بوجهه. قال عليٌّ: يا رسول الله! لقد رأيتك صنعت شيئاً ما صنعت بي من قبل؟ قال: وما يمنعني وأنت تؤدِّي عنِّي، وتسمعهم صوتي، وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه بعدي.

وأخرج ابن مردويه من طريق ابن عبّاس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته فغدا عليه عليّ بن أبي طالب كرَّم الله وجهه بالغداة أن لا يسبقه إليه أحدٌ فدخل فإذا النبيُّ صلى الله عليه وسلم في صحن البيت فإذا رأسه في حجر دحية بن خليفة الكلبي فقال: السَّلام عليك، كيف أصبح رسول الله؟ قال: بخير يا أخا رسول الله! فقال عليٌّ: جزاك الله عنَّا خيراً أهل البيت

٨٧

فقال له دحية: إنِّي لأحبّك وإنَّ لك عندي مدحةً أزفها لك، أنت أمير المؤمنين، وقائد الغرِّ المحجّلين. الخ. وفيه: فأخذ رأس النبيِّ صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ما هذه الهمهمة؟ فقال عليٌّ بما جرى، فقال: يا عليٌّ لم يكن دحية ولكن كان جبرائيل سمّاك باسم سمّاك الله به.

وأخرج الحافظ أبو العلا الحسن بن أحمد العطار من طريق ابن عبّاس في حديث: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أمّ سلمة! اشهدي واسمعي هذا عليُّ بن أبي طالب أمير المؤمنين. الحديث مرَّ بتمامه في الجزء السادس ص ٨٠ ط ٢.

وأخرج الطبراني في معجمه من طريق عبد الله بن عليم الجهني مرفوعاً: إنَّ الله عزَّوجلَّ أوحى إليَّ في عليّ ثلاثة أشياء ليلة أُسرى بي إنَّه سيِّد المؤمنين، وإمام المتَّقين، وقائد الغرِّ المحجَّلين.

وتعضد هذه الأحاديث وتؤكِّدها عدَّة أحاديث منها ما أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء من طريق ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنزل الله آية فيها يا أيّها الذين آمنوا إلّا وعليٌّ رأسها وأميرها.

وفي لفظ الطبراني وابن أبي حاتم: إلّا وعليٌّ أميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمّد في غير مكان وما ذكر عليّا إلّا بخير(١) .

ومنها ما أخرجه الخطيب والحاكم وصحَّحه من طريق جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبيَّة وهو آخذ بيد عليّ يقول: هذا أمير البررة، وقاتل الفجرة، منصورٌ من نصره، مخذولٌ من خذله(٢) .

وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق ابن عبّاس كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١١٥، ونور الأبصار ص ٨٠، وأخرجه شيخ الاسلام الحموي من طريق عبد الرحمن بن سهمان في فرائد السمطين، وذكره ابن حجر في الصواعق نقلاً عن الحاكم وحرَّفه

____________________

١ - راجع حلية الأولياء ١: ٦٤، الرياض النضرة ٢: ٢٠٦، كفاية الكنجي ص ٥٤، تذكرة السبط ص ٨، درر السمطين لجمال الدين الزرندي، الصواعق لابن حجر ص ٧٦، كنز العمال ٦: ٢٩١، تاريخ الخلفاء ص ١١٥.

٢ - تاريخ الخطيب البغدادي ٢: ٣٧٧، ج: ٢١٩، مستدرك الحاكم ٣: ١٢٩.

٨٨

وجعل مكان أمير البررة: إمام البررة. حيّا الله الأمانة.

ومنها ما أخرجه ابن عدي في كامله من طريق عليّ: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: عليٌّ يعسوب(١) المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين، وفي رواية: يعسوب الظلمة، وفي رواية يعسوب الكفار. ذكره الدميري في حياة الحيوان ٢: ٤١٢، وابن حجر في الصواعق ص ٧٥، وقال الدميري: ومن هنا قيل لأمير المؤمنين علي كرّم الله وجهه: أمير النحل.

ومنها قول عليّ: أنا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الكفار، وفي لفظ: المنافقين، وفي لفظ: الفجّار. نهج البلاغة ٢، ٢١١، تاج العروس ١: ٣٨١.

هذه هي الحقيقة الراهنة لكن القوم نحتوا تجاهها بقضاء من الغلوِّ في الفضائل ما عرفته من رواية القصّاص أبي حزرة.

- ٦ -

عمر لا يحبُّ الباطل

أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء ٢: ٤٦ من طريق الأسود بن سريع قال: أتيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقلت: قد حمدت ربِّي بمحامد ومدح وإيّاك. فقال: إنَّ ربَّك عزَّوجلَّ يحبُّ الحمد. فجعلت أنشده، فاستأذن رجلٌ طويلٌ أصلع فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسكت فدخل فتكلّم ساعة ثمَّ خرج فأنشدته ثمَّ جاء فسكّتني النبيُّ صلى الله عليه وسلم فتكلّم ثمَّ خرج، ففعل ذلك مرَّتين أو ثلاثاً فقلت: يا رسول الله! من هذا الذي أسكتّني له؟ فقال: هذا عمر، رجلٌ لا يحبُّ الباطل.

ومن طريق آخر عن الأسود التميمي قال: قدمت على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فجعلت أنشده فدخل رجلٌ أقنى(٢) فقال لي: أمسك. فلمّا خرج قال: هات. فجعلت أنشده فلم ألبث أن عاد فقال لي: أمسك. فلمّا خرج قال: هات. فقلت: من هذا يا نبيَّ الله الذي إذا دخل قلت: أمسك، وإذا خرج قلت: هات؟ قال: هذا عمر بن الخطاب وليس من الباطل في شيء.

ومن طريق آخر عن الأسود قال: كنت أنشده صلى الله عليه وسلم ولا أعرف أصحابه حتّى

____________________

١ - يعسوب: الأمير. الرئيس.

٢ - قنى الانف وأقنى: ارتفع وسط قصبته وضاق منخراه.

٨٩

جاء رجلٌ بعيد ما بين المناكب أصلع؟ فقيل: اسكت اسكت. قلت: واثكلاه مَن هذا الذي أسكت له عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟ فقيل: عمر بن الخطاب، فعرفت والله بعدُ إنَّه كان يهون عليه لو سمعني أن لا يكلّمني حتّى يأخذ برجلي فيسحبني إلى البقيع.

قال الأميني: هل علمت رواة السوء بالذي تلوكه بين أشداقها؟ أم درت فتعمَّدت؟ أم أنَّ حبَّ عمر والمغالاة في فضائله أعمياهم عن تبعات هذا القول الشائن؟ إنَّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصّدور.

يقول القائل: إنَّ ما أراد إنشاده محامدُ ومِدَح لله ولرسوله فيجيزه رسول الله صلى الله عليه وآله ويقول: إنَّ ربَّك عزَّوجلَّ يحبّ الحمد. فأيّ باطل في هذا حتّى يبغضه عمر؟ ولو كان باطلاً؟ لمنعه رسول الله صلى الله عليه وآله قبل عمر، وأيّ نبيّ هذا يتّقي رجلاً من أمَّته ولا يتّقي الله؟ وكيف خشي الرجل أن يسحبه عمر برجله إلى البقيع ولم يخش رسول الله صلى الله عليه وآله أن يفعل به ذلك أو يأمر فيُفعل به؟ أو أنَّ عمر ما كان يميّز بين الحقِّ والباطل فيحسب أنَّ كل ما ينشد من الباطل، فيجاريه النبيُّ صلى الله عليه وآله على مزعمة؟ فهل عَلِم الراوي أو المؤلِّف بهذه المفاسد، أوْ لا؟.

فإن كان لا يدري فتلك مصيبةٌ

وإن كان يدري فالمصيبة أعظمُ

- ٧ -

الملائكة تُكلّم عمر بن الخطاب

أخرج البخاري في كتاب المناقب باب مناقب عمر عن أبي هريرة قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: لقد كان فيمن قبلكم من بني إسرائيل رجالٌ يكلّمون من غير أن يكونوا أنبياء فإن يكن من أمَّتي منهم أحدٌ فعمر.

وأخرج في الصحيح بعد حديث غار عن أبي هريرة قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: إنَّه قد كان فيما مضى قبلكم من الأُمم محدَّثون إن كان في أمَّتي هذه منهم فإنّه عمر بن الخطاب أسلفنا ألفاظ هذه الرواية في الجزء الخامس ٤٢ - ٤٦ ط ٢، ومرَّ هناك عن القسطلاني قوله: ليس قوله «فإن يكن» للترديد للتأكيد بل كقولك: إن يكن لي صديق ففلان إذ المراد إختصاصه بكمال الصداقة لا نفي الأصدقاء. الخ.

قال الأميني: أنا لست أدري ما الغاية في حديث الملائكة مع عمر؟ أهي محض

٩٠

إيناسه باختلاف الملك إليه وتكليمه إيّاه؟ أم هي إقالة عثراته، وتسديد خطاه، وردّ أخطاءه، وتعليمه ما لم يعلم؟ حتّى لا يكون خليفة المسلمين خِلواً عن جواب مسألة، صِفراً عن حلِّ معضلة، ولا يفتي بخلاف الشريعة المطهَّرة، ولا يرمي القول على عواهنه، إن كانت للمحادثة المزعومة غاية معقولة فهي هذه لا غيرها، إذن فراجع الجزء السادس وتتَّبع الخُطى، وتَرَوَّ في الأخطاء، واسمع ما لا يعني، وانظر إلى التافهات، وعندنا أضعاف ما هنالك لعلَّ بعض الأجزاء الآتية يتكفَّل بعضها إن شاء الله تعالى، فهل هذا الملك طيلة صدور ما في نوادر الأثر في الجزء السادس منه كان في سِنةٍ عن أداء وظيفته؟ أو كان ما يصدر خافياً عليه؟ أو أنَّ الاستبداد في الرأي كان يحول بينهما؟ أو أنَّ الملك في حلّه وترحاله قد يتأخَّر عن الأوبة إليه؟ فيقع ما يقع في غيبته، أو أنَّ القصَّة مفتعلةٌ لا مقيل لها في مستوى الصحَّة؟ وهذه أقوى الوجوه ولعلّه غير خافٍ على البخاري نفسه لكنَّه...

- ٨ -

قرطاسٌ في كفن عمر

إنَّ الحسن والحسين دخلا على عمر بن الخطاب وهو مشغولٌ ثمَّ انتبه لهما فقام فقبَّلهما و وهب لكلِّ واحد منهما ألفاً فرجعا فأخبرا أباهما فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عمر نور الاسلام في الدنيا وسراج أهل الجنَّة في الجنَّة. فرجعا إلى عمر فحدّثاه فاستدعي دواةً وقرطاساً وكتب: حدَّثني سيِّدا شباب أهل الجنَّة عن أبيهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّه قال كذا وكذا، فأوصى أن يُجعل في كفنه ففعل ذلك فأصبحوا وإذا القرطاس على القبر وفيه: صدق الحسن والحسين وصدق رسول الله.

قال الأميني: بلغ هذه القصَّة الخياليَّة من الخرافة حدّاً ذكرها ابن الجوزي في الموضوعات كما في تحذير الخواصّ للسيوطي صفحة ٥٣ فقال: والعجب من هذا الذي بلغت به الوقاحة إلى أن يصنّف مثل هذا وما كفاه حتّى عرضه على أكابر الفقهاء فكتبوا عليه تصويب هذا التصنيف.

قاتل الله الغلوّ في الفضائل فإنَّه شوَّه سمعة أكابر الفقهاء، كما سوَّد صحيفة التاريخ، وقبَّح وجه التأليف.

٩١

- ٩ -

لسان عمر وقلبه

أخرج إمام الحنابلة أحمد في المسند ٢: ٤٠١ عن نوح بن ميمون عن عبد الله بن عمر العمري عن جهم بن أبي الجهم عن مسور بن المخرمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله جعل الحقَّ على لسان عمر وقلبه.

قال الأميني: أمّا قلب الرجل فلا صلة لنا به لأنَّ ما فيه من السرائر لا يعلمه إلّا الله، نعم ربّما ينمُّ عنه ما جرى على لسانه، وإن شئت فسائل الإمام أحمد أكان الحقّ على لسان عمر لما جابه رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله الفظِّ حين أراد الكتف والدواة ليكتب للمسلمين كتاباً لا يضلّون بعده؟ فحال بينه وبين ما أراده من هداية الأُمَّة، و مهما كانت الكلمة القارصة فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله منزَّهٌ عنها في كلِّ حين فلا يغلبه الوجع، ولا يهجر من شدَّة ما به، ولا سيَّما وهو في صدد تبليغ ما به من الهداية والصون عن الضلال، وما ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحيٌ يوحى. وانتظر لهذه الجملة بحثاً ضافياً إنشاء الله تعالى.

أم كان الحقّ على لسانه في المائة مورداً التي أخطأ فيها جمعاء؟ وقد فصَّلناها تفصيلاً في نوادر الأثر من الجزء السادس، وقد اتَّخذناها مقياساً لمعرفة حال هذه الرواية وأمثالها ممّا نسجته يد الغلوِّ في الفضائل.

أضف إلى هذا ما في سنده من الضعف فإنَّ فيه:

نوح بن ميمون. قال ابن حبان: ربَّما أخطأ(١) وفيه:

عبد الله بن عمر العمري. قال أبو زرعة عن أحمد إمام الحنابلة: إنَّه كان يزيد في الأسانيد ويخالف. وقال عليُّ بن المديني: ضعيفٌ. وقال يحيى بن سعيد: لا يحدَّث عنه. وقال يعقوب بن شيبة: في حديثه إضطرابٌ. وقال صالح جزرة: ليّنٌ مختلط الحديث وقال النسائي: ضعيف الحديث. وقال ابن سعد: كثير الحديث يستضعف. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يُحتجُّ به. وقال ابن حبّان: كان ممّن غلب عليه الصلاح حتّى غفل عن الضبط فاستحقَّ الترك. وقال البخاري في التاريخ: كان يحيى بن سعيد

____________________

١ - تهذيب التهذيب ١٠: ٤٨٩.

٩٢

يُضعِّفه. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقويِّ عندهم. وقال المروزي: ذكره أحمد فلم يرضه(١) وفيه جهم بن أبي الجهم. قال الذهبي في ميزان الاعتدال: لا يعرف.

- ١٠ -

رؤيا رسول الله صلى الله عليه وآله في علم عمر

أخرج البخاري في صحيحه ٥: ٢٥٥ في مناقب عمر عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: بينا أنا نائم شربت يعني اللبن حتّى أنظر إلى الريِّ يجري في ظفري أو في أظفاري ثمَّ ناولت عمر. فقالوا: فما أوَّلته؟ قال العلم.

وأخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأُصول ص ١١٩، والبغوي في المصابيح ٢: ٢٧٠، وابن عبد البرِّ في الاستيعاب ٢: ٤٢٩، والمحب الطبري في الرياض ٢: ٨. وفي لفظهم: بينا أنا نائمٌ أتيت بقدح لبن فشربت حتّى رأيت الريَّ يخرج من أظفاري ثمَّ أعطيت فضلي عمر. الحديث.

قال الحافظ ابن أبي الجمرة الأزدي الأندلسي في بهجة النفوس ٤: ٢٤٤ عند شرحه الحديث: فانظر بنظرك إلى الذي شرب فضله عليه السلام كيف كان قوَّة علمه؟ الذي لم يقدر أحدٌ من الخلفاء يماثله، فكيف؟ بغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، وكيف؟ ممّن بعد الصحابة. إلى آخر ما جاء به من التافهات.

قال الأميني: إنَّ طبع الحال يستدعي أن تكون هذه الرؤيا بعد إسلام عمر وبعد مضيِّ سنين من البعثة، وهل كان صلى الله عليه وآله طيلة هذه المدَّة خلواً من العلم؟ وهو في دور الرسالة، أو كان في علمه إعواز أكمله هذا اللبن الساري ريّه في ظفره أو أظفاره؟ أو كان فيها إعلام بمبلغ علم عمر فحسب، وكناية عن إنَّه من مستقي الوحي؟ فهل تخفى على من هو هذا شأنه جليَّة المسائل فضلاً عن معضلاتها؟ وهل يسعه أن يعتذر في الجهل بكتاب الله بقوله: ألهاني عنه الصفق بالأسواق؟.

وهلّا تأثَّرت نفس الرجل بالعلم لما شرب من منهل علم النبيِّ العظيم؟ فما معنى قوله: كلُّ الناس أفقه من عمر حتّى ربّات الحجال؟ وأمثاله(٢) وما الوجه في أخطاءه

____________________

١ - تهذيب التهذيب ٥: ٧ ٣٢.

٢ - راجع ما مرَّ في الجزء السادس ص ٣٣٨ ط ٢.

٩٣

التي لا تحصى في الفتيا وغيرها؟ ممّا سبق ويأتي إن شاء الله تعالى.

ولقد تلطّف المولى سبحانه على الأُمّة المرحومة إنَّه ولي أمرها بعد شرب تلك الكاس. وأنا لا أدري لو كان وليه قبل ذلك ماذا كان يصدر من ولائد الجهل؟ وأيّ حدّ كانت تبلغ نوادر الأثر في علمه؟

وليت مصطنع هذه المهزأة اصطنعها على وجه ينطبق حكمها على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى الخليفة، لكنَّه لا ينطبق على أيّ منهما كما بيَّناه، غير أنَّ وظيفة الماين أن يأتي بأساطيره على كلِّ حال، وإنَّما العتب على البخاري الذي يعتبرها ويدرجها في الصحيح غلوّاً منه في الفضائل، وأشدّ منه وأعظم على أمثال ابن أبي جمرة الأزدي من الذين يموِّهون الحقايق بزخرف القول على أغرار الأُمَّة، ويحسبونه هيِّناً وهو عند الله عظيم.

- ١١ -

عمر وفَرَق الشيطان منه

أخرج البخاري في صحيحه في كتاب بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده ج ٥: ٨٩، وفي كتاب المناقب باب مناقب عمر ٥: ٢٥٦ عن سعد بن أبي وقاص قال: استأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نساء من قريش يُكلّمنه ويستكثرنه عالية أصواتهنَّ فلمّا استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنَّك يا رسول الله! قال: عجبت من هؤلاء اللاتي كنَّ عندي فلمّا سمعن صوتك إبتدرن الحجاب. قال عمر: فأنت يا رسول الله! كنت أحقّ أن يهبن، ثمَّ قال «عمر» أي عدوّات أنفسهنَّ أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلن: نعم، أنت أفظّ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ما لقيك الشطان قطّ سالكاً فجّاً إلّا سلك فجّاً غير فجّك.

قال الأميني: ما أوقح هذا الراوي الذي ساق هذا الحديث في عداد الفضائل وهو بعدِّه عند سياق السفاسف أولى، حسب أوَّلاً أن النساء كنَّ لم يهبن رسول الله صلى الله عليه وآله وهبن عمر، فعلى هذا نُسائله: أكنَّ هذه النسوة نساؤه صلى الله عليه وآله؟ كما ذكره شرّاح الحديث(١) ستراً لعوار الرواية، أم كنَّ أجنبيّات عنه صلى الله عليه وآله؟ وعلى الأوَّل فلا وجه

____________________

١ - راجع إرشاد الساري ٥: ٢٩٠.

٩٤

لهيبتهنَّ إيّاه على الإسفار أو الإكثار أمامه، فإنَّ للحلائل مع زوجاتهنَّ شؤوناً خاصَّة فتسترهنَّ عن عمر فلكونه أجنبيّاً عنهنَّ لا هيبةً له.

وعلى الثاني وهو الذي يعطيه سياق الحديث كقوله: وعنده نساء من قريش. وقوله صلى الله عليه وآله: عجبت من هؤلاء اللّاتي كنَّ عندي. الخ. وقول عمر: فأنت يا رسول الله كنت. الخ. وقوله: يا عدوّات أنفسهنَّ. الخ. فكلُّ هذه لا يلتئم مع كونهنَّ نساؤه لتنكير النساء في الأوَّل، وظهور قوله: كنَّ عندي في أنَّ حضورهنَّ لديه من ولائد الإتفاق لا أنَّهنَّ نساؤه الكائنات معه أطراف الليل وآناء النهار، وقلنا أيضاً: إنَّه لا وجه للهيبة مع كونهنَّ أزواجه، ولا هنَّ على ذلك عدوّات أنفسهنَّ، فإنَّ إبداء الزينة والجمال للزوجة عبادةٌ لا معصيةٌ، فجلوسهنَّ وهنَّ أجنبيّات عند رسول الله صلى الله عليه وآله سافرات على هذا الوجه إمّا لأنّه صلى الله عليه وآله لم يحرّم السفور، وإمّا لأنَّه حرَّمه ونسيه، أو أنَّه صلى الله عليه وآله تسامح في النهي عنه، أو أنَّه هابهنَّ وإن لم يهبن، وكان مع ذلك يروقه أن ينتهين عمّا هنَّ عليه، ولذلك استبشر لما بادرن الحجاب وأثنى على عمر، ولازم هذا أن يكون عمر أفقه من رسول الله صلى الله عليه وآله، أو أثبت منه على المبدأ، أو أخشن منه في ذات الله، أو أقوى منه نفساً. أعوذ بالله من التقوُّل بلا تعقُّل.

وأمَّا ما عُزي إليه صلى الله عليه وآله ثانياً من قوله: والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قطُّ سالكاً فجّاً غير فجِّك، فما بالشيطان يهاب الخليفة فيسلك فجّاً غير فجِّه ولا تروعه عظمة النبيِّ صلى الله عليه وآله ولا قوَّة إيمانه؟ فيسلك في فجِّه فلا يدعه أن ينهى عن المنكر، و يحدو بصواحب المنكر إلى أن يتظاهرون به أمامه. بل الشيطان لعنه الله يعرض له صلى الله عليه وآله ليقطع عليه صلاته وإن رجع عنه خائباً كما أخرجه البخاري في صحيحه ج ١ ص ١٤٣ في كتاب الصَّلاة باب ما لا يجوز من العمل في الصَّلاة. ومسلم في صحيحه ج ١ ص ٢٠٤ باب جواز لعن الشيطان في الصَّلاة، أخرجا بالإسناد عن أبي هريرة قال: صلى رسول الله صلاة فقال: إنَّ الشيطان عرض لي فشدَّ عليَّ بقطع الصلاة عليَّ فأمكنني الله منه فذعته(١) الحديث.

هب إنَّ اللعين في هذه المرَّة لم يصب من رسول الله صلى الله عليه وآله لكنَّه تجرَّأ على مقامه

____________________

١ - فذعته: فخنقته والذعت والدعت بالمهملة والمعجمة: الدفع العنيف.

٩٥

الأسمى وقد جاء في الصحيحين(١) عن أبي هريرة إنَّ الشيطان إذا سمع الأذان للصَّلاة من أيّ مسلم كان أدبر هارباً وولَّى فَرَقاً، وله ضراط هلع جزع.

كيف يجرأ اللعين على رسول الله حتّى في حال صلاته؟ ولم يتجرّأ قطُّ على عمر لأنَّه يسلك فجّاً غير فجِّه. وجاء فيما أخرجه أحمد والترمذي وابن حبان عن بريدة إنَّ الشيطان ليفرق منك يا عمر!(٢) وفيما أخرجه الطبراني وابن مندة وأبو نعيم عن سديسة مولاة حفصة عن حفصة بنت عمر مرفوعاً: إنَّ الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم إلّا خرَّ لوجهه(٣) .

إنِّي وإن لا يروقني خدش العواطف بذكر مواقف الرجل التي لم يكن العامل الوحيد فيها إلّا الشيطان، غير إنِّي لست أدري هل الشيطان كان يفرق ويفرُّ منه، ويخرُّ على وجهه، ويسلك فجّاً غير فجِّه أيضاً منذ أسلم إلى سنة الفتح الثامن من الهجرة النبويَّة؟ إلى نزول آية( فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) إلى يوم قول الرجل: انتهينا انتهينا؟ إلى يوم النادي في دار أبي طلحة الأنصاري؟ فعلى الباحث الوقوف على ما أسلفناه في الجزء السادس ص ٢٥١ - ٢٦١، وفي الجزء السابع ص ٩٥ - ١٠٢ ط ٢.

ثمَّ أين كانت تلك البسالة من رسول الله - الحاجزة بين الشيطان الرجيم وبين صلاته صلى الله عليه وآله لما عرض له وشدَّ عليه - يوم كانت عنده نساء قريش فتخنقه وتردع النسوة؟

فبهذه كلّها تعلم مقدار هده الرواية ومقيلها من الصدق، ومبلغ صحيح البخاري من الإعتبار، وتعرف ما يفعله الغلوُّ في الفضائل والحبُّ المعمي والمصمّ.

أضف إلى هذه المخاريق ما أسلفناه في الجزء الخامس في سلسلة الموضوعات ممّا وضعته يد الغلوِّ في فضائل عمر.

( كَذلِكَ نَقُصّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لّدُنّا ذِكْراً

مّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً )

«طه ٩٩، ١٠٠»

____________________

١ - صحيح البخاري ١: ٧٨ كتاب الأذان. صحيح مسلم ج ١: ١٥٣ باب فضل الأذان.

٢ - فيض القدير ٢: ٣٥٩.

٣ - الإصابة ٤: ٢٢٦، فيض القدير ٢: ٣٥٢

٩٦

الغلوّ في فضايل عثمان

ابن عفان بن أبي العاص بن أمية الخليفة الأموي

قبل الشروع في سرد الفضائل نوقفك على موادّ تعرِّفك مبلغ الخليفة من العلم، ومقداره من النفسيّات الفاضلة، وموقفه من التقوى، ومبوَّأه من الإيمان، حتّى يكون نظرك في فضائله عارف به وبها.

- ١ -

قضاءه في امرأة ولدت لستَّة أشهر

أخرج الحفّاظ عن بعجة بن عبد الله الجهني قال: تزوَّج رجلٌ منَّا امرأةً من جهينة فولدت له تماماً لستَّة أشهر، فانطلق زوجها إلى عثمان فأمر بها أن ترجم فبلغ عليّاً رضي الله عنه فأتاه فقال: ما تصنع؟ ليس ذلك عليها قال الله تبارك وتعالى:( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً ) (١) . وقال:( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ) (٢) فالرضاعة أربعة وعشرون شهراً. والحمل ستَّة أشهر. فقال عثمان: والله ما فطنت لهذا. فأمر بها عثمان أن تردّ فوجدت قد رجمت، وكان من قولها لأُختها: يا أُخيَّة لا تحزني فوالله ما كشف فَرْجي أحدٌ قطُّ غيره، قال: فشبَّ الغلام بعدُ فاعترف الرجل به وكان أشبه الناس به، وقال: فرأيت الرجل بعدُ يتساقط عضواً عضواً على فراشه.

أخرجه مالك، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي، وأبو عمر، وابن كثير، وابن الديبع، والعيني، والسيوطي كما مرَّ في الجزء السادس صفحة ٩٤ ط ٢.

قال الأميني: إن تعجب فعجبٌ إنَّ إمام المسلمين لا يفطن لما في كتاب الله العزيز ممّا تكثر حاجته إليه في شتّى الأحوال، ثمَّ يكون من جرّاء هذا الجهل أن تودي بريئة مؤمنة، وتتهم بالفاحشة، ويهتك ناموسها بين الملأ الديني وعلى رؤس الأشهاد.

____________________

١ - سورة الأحقاف آية ١٥.

٢ - سورة البقرة آية ٢٣٣.

٩٧

وهلَّا كان حين عزب عنه فقه المسألة قد استشار أحداً من الصحابة يعلم ما جهله فلا يبوء بإثم القتل والفضيحة؟ وهلّا تذكَّر لدة هذه القضيَّة وقد وقعت غير مرَّة على عهد عمر؟ حين أراد أن يرجم نساء ولدن ستة أشهر فحال دونها أمير المؤمنين وابن عبّاس كما مرَّت في الجزء السادس ص ٩٣ - ٩٥ ط ٢.

ثمَّ هب إنَّه ذهل عن الآيتين الكريمتين، ونسي ما سبق في العهد العمري، فماذا كان مُدرك حكمه برجم تلك المسكينة؟ أهو الكتاب؟ فأنّى هو؟ أو السنَّة؟ فمن ذا الذي رواها؟ أو الرأي والقياس؟ فأين مدرك الرأي؟ وما ترتيب القياس؟ وإن كانت فتوى مجرَّدة؟ فحيا الله المفتي، وزه بالفتيا، ومرحباً بالخلافة والخليفة، نعم: لا يُربِّي بيت أُميَّة أربى من هذا البشر، ولا يُجتنى من تلك الشجرة أشهى من هذا الثمر.

- ٢ -

إتمام عثمان الصَّلاة في السفر

أخرج الشيخان وغيرهما بالإسناد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين وأبو بكر بعده وعمر بعد أبي بكر وعثمان صدراً من خلافته رضي الله عنهم، ثمَّ إنَّ عثمان صلّى بعدُ أربعاً، فكان ابن عمر إذا صلّى مع الإمام صلّى أربعاً، وإذا صلّى وحده صلّى ركعتين(١) .

وفي لفظ ابن حزم في المحلّى ٤: ٢٧٠: إنَّ ابن عمر كان إذا صلّى مع الإمام بمنى أربع ركعات انصرف إلى منزله فصلّى فيه ركعتين أعادها.

وأخرج مالك في الموطأ ١: ٢٨٢ عن عروة: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى الرباعيَّة بمنى ركعتين، وإنَّ أبا بكر صلّاها بمنى ركعتين، وإنَّ عمر بن الخطاب صلّاها بمنى ركعتين، وإنَّ عثمان صلّاها بمنى ركعتين شطر إمارته ثمَّ أتمَّها بعدُ.

وأخرج النسائي في سننه ٣: ١٢٠ عن أنس بن مالك أنَّه قال: صلّيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ومع أبي بكر وعمر ومع عثمان ركعتين صدراً من إمارته.

وبإسناده عن عبد الرحمن بن يزيد قال: صلّى عثمان بمنى أربعاً حتّى بلغ ذلك

____________________

١ - صحيح البخاري ٢: ١٥٤، صحيح مسلم ٢: ٢٦٠، مسند أحمد ٢: ١٤٨، سنن البيهقي ٣: ١٢٦.

٩٨

عبد الله فقال: لقد صلّيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين. الحديث.

ورواه إمام الحنابلة أحمد في المسند ١: ٣٧٨. وأخرج حديث أنس المذكور في مسنده ١ ص ١٤٥ ولفظه: صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصَّلاة بمنى ركعتين وصلّاها أبو بكر بمنى ركعتين، وصلّاها عمر بمنى ركعتين، وصلّاها عثمان بن عفان بمنى ركعتين أربع سنين ثمَّ أتمَّها بعدُ.

وأخرج الشيخان وغيرهما بالإسناد عن عبد الرحمن بن يزيد قال: صلّى عثمان ابن عفان رضي الله عنه بمنى أربع ركعات فقيل ذلك لعبد الله بن مسعود فاسترجع ثمَّ قال: صلّيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، وصلّيت مع أبي بكر رضي الله عنه بمنى ركعتين، وصلّيت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمنى ركعتين، فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبّلتان(١) .

وأخرج أبو داود وغيره عن عبد الرَّحمن بن يزيد قال: صلّى عثمان رضي الله عنه بمنى أربعاً فقال عبد الله: صلّيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين، ومع عثمان صدراً من إمارته ثمَّ أتمَّها، ثمَّ تفرَّقت بكم الطرق فلوددت إنَّ لي من أربع ركعات ركعتين متقبَّلتين. قال الأعمش: فحدَّثني معاوية بن قرَّة عن أشياخه: إنَّ عبد الله صلّى أربعاً فقيل له: عبت على عثمان ثمَّ صلّيت أربعاً؟ قال الخلاف شرٌ(٢) .

وأخرج البيهقي في السنن الكبرى ٣: ١٤٤ عن عبد الرَّحمن ابن يزيد قال: كنّا مع عبد الله بن مسعود بجمع، فلمّا دخل مسجد منى فقال: كم صلّى أمير المؤمنين؟ قالوا: أربعاً. فصلّى أربعاً. قال: فقلنا: ألم تحدِّثنا إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلّى ركعتين، وأبا بكر صلّى ركعتين؟ فقال: بلى وأنا أُحدِّثكموه الآن، ولكن عثمان كان إماما فما أُخالفه والخلاف شرٌّ.

وأخرج البيهقي في السنن ٣: ١٤٤ عن حميد عن عثمان بن عفّان إنَّه أتمَّ الصَّلاة

____________________

١ - صحيح البخاري ٢: ١٥٤، صحيح المسلم ١: ٢٦١، مسند أحمد ١.

٢ - سنن أبي داود ١: ٣٠٨، الآثار للقاضي أبي يوسف ص ٣٠، كتاب الأم للشافعي ١: ١٥٩، ج ٧: ١٧٥.

٩٩

بمنى، ثمَّ خطب الناس فقال: يا أيّها الناس إنَّ السنَّة سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنَّة صاحبيه ولكنَّه حدث العام من الناس فخفت أن يستنُّوا. وأخرجه ابن عساكر كما في كنز العمال ٤: ٢٣٩.

وأخرج أبو داود وغيره عن الزهري: إنَّ عثمان بن عفان رضي الله عنه أتمَّ الصَّلاة بمنى من أجل الأعراب لأنَّهم كثروا عامئذ فصلّى بالناس أربعاً ليعلمهم إنَّ الصَّلاة أربعاً(١) .

وروى ابن حزم في المحلى ٤: ٢٧٠ من طريق سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمّد عن أبيه قال: اعتلَّ عثمان وهو بمنى فأتى عليٌّ فقيل له: صلّ بالناس فقال: إن شئتم صلّيت لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يعني ركعتين قالوا: لا، إلّا صلاة أمير المؤمنين - يعنون عثمان - أربعاً فأبى.

وذكره ابن التركماني في ذيل سنن البيهقي ٣: ١٤٤.

وأخرج إمام الحنابلة أحمد في مسنده ٢: ٤٤ عن عبد الله بن عمر قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يصلّي صلاة السفر - يعني ركعتين - ومع أبي بكر وعمر وعثمان ستَّ سنين من إمرته ثمَّ صلّى أربعاً.

وأخرج البيهقي في السنن الكبرى ٣: ١٥٣ بالإسناد عن أبي نضرة: إنَّ رجلاً سأل عمران بن حصين عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فقال: أيت مجلسنا. فقال: إنَّ هذا قد سألني عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فاحفظوها عنّي: ما سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم سفراً إلّا صلّى ركعتين حتّى يرجع ويقول: يا أهل مكة قوموا فصلّوا ركعتين فإنّا سفر، وغزا الطائف وحنين فصلّى ركعتين، وأتى الجعرانة فاعتمر منها، وحججت مع أبي بكر رضي الله عنه واعتمرت فكان يصلّي ركعتين، ومع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكان يصلّي ركعتين ومع عثمان فصلّى ركعتين صدراً من إمارته، ثمَّ صلّى عثمان بمنى أربعاً. وفي لفظ الترمذي في الصحيح ١: ٧١: ومع عثمان ستَّ سنين من خلافته أو ثمان سنين فصلّى ركعتين. فقال: حسنٌ صحيحٌ.

____________________

١ - سنن أبي داود ١: ٣٠٨، سنن البيهقي ٣: ١٤٤، تيسير الوصول ٢: ٢٨٦، نيل الأوطار ٢: ٢٦٠.

١٠٠