الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٤

الميزان في تفسير القرآن  13%

الميزان في تفسير القرآن  مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 459

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 459 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 96687 / تحميل: 5830
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

بسم الله الرحمن الرحيم

( سورة مريم مكّيّة و هي ثمان و تسعون آية)

( سورة مريم الآيات ١ - ١٥)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ كهيعص ( ١ ) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ( ٢ ) إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ( ٣ ) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ( ٤ ) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا ( ٥ ) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ( ٦ ) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا ( ٧ ) قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ( ٨ ) قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ( ٩ ) قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ( ١٠ ) فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ( ١١ ) يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ( ١٢ ) وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا ( ١٣ ) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا ( ١٤ ) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ( ١٥ )

٢

( بيان)

غرض السورة على ما ينبئ عنه قوله تعالى في آخرها:( فَإِنَّما يَسَّـرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا ) إلخ، هو التبشير و الإنذار غير أنّه ساق الكلام في ذلك سوقاً بديعاً فأشار أوّلاً إلى قصّة زكريّا و يحيى و قصّة مريم و عيسى و قصّة إبراهيم و إسحاق و يعقوب و قصّة موسى و هارون و قصّة إسماعيل و قصّة إدريس و ما خصّهم به من نعمة الولاية كالنبوّة و الصدق و الإخلاص ثمّ ذكر أنّ هؤلاء الّذين أنعم عليهم كان المعروف من حالهم الخضوع و الخشوع لربّهم لكنّ أخلافهم أعرضوا عن ذلك و أهملوا أمر التوجّه إلى ربّهم و اتّبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّا و يضلّ عنهم الرشد إلّا أن يتوب منهم تائب و يرجع إلى ربّه فإنّه يلحق بأهل النعمة.

ثمّ ذكر نبذة من هفوات أهل الغيّ و تحكّماتهم كنفي المعاد، و قولهم:( اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً ) ، و عبادتهم الأصنام، و ما يلحقهم بذلك من النكال و العذاب.

فالبيان في السورة أشبه شي‏ء ببيان المدّعى بإيراد أمثلته كأنّه قيل: إنّ فلاناً و فلاناً و فلاناً الّذين كانوا أهل الرشد و الموهبة كانت طريقتهم الانقلاع عن شهوات النفس و التوجّه إلى ربّهم و سبيلهم الخضوع و الخشوع إذا ذكّروا بآيات ربّهم فهذا طريق الإنسان إلى الرشد و النعمة لكنّ أخلافهم تركوا هذا الطريق بالإعراض عن صالح العمل، و الإقبال على مذموم الشهوة و لا يؤدّيهم ذلك إلّا إلى الغيّ خلاف الرشد، و لا يقرّهم إلّا على باطل القول كنفي الرجوع إلى الله و إثبات الشركاء لله و سدّ طريق الدعوة و لا يهديهم إلّا إلى النكال و العذاب.

فالسورة كما ترى تفتح بذكر أمثلة ثمّ تعقّبها باستخراج المعنى الكلّيّ المطلوب بيانه و ذلك قوله:( أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ ) الآيات، فالسورة تقسّم الناس إلى ثلاث طوائف: الّذين أنعم الله عليهم من النبيّين و أهل الاجتباء و الهدى. و أهل الغيّ، و الّذين تابوا و آمنوا و عملوا صالحا و هم ملحقون بأهل النعمة و الرشد

٣

ثمّ تذكر ثواب التائبين المسترشدين و عذاب الغاوين و هم قرناء الشياطين و أولياؤهم.

و السورة مكّيّة بلا ريب تدلّ على ذلك مضامين آياتها و قد نقل على ذلك اتّفاق المفسّرين.

قوله تعالى: ( كهيعص ) قد تقدّم في تفسير أوّل سورة الأعراف أنّ السور القرآنيّة المصدّرة بالحروف المقطّعة لا تخلو من ارتباط بين مضامينها و بين تلك الحروف فالحروف المشتركة تكشف عن مضامين مشتركة.

و يؤيّد ذلك ما نجده من المناسبة و المجانسة بين هذه السورة و سورة ص في سرد قصص الأنبياء، و سيوافيك بحث جامع إن شاء الله في روابط مقطّعات الحروف و مضامين السور الّتي صدّرت بها، و كذا ما بين السور المشتركة في بعض هذه الحروف كهذه السورة و سورة يس و قد اشتركتا في الياء، و هذه السورة و سورة الشورى و قد اشتركتا في العين.

قوله تعالى: ( ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ) ظاهر السياق أنّ الذكر خبر لمبتدء محذوف و المصدر بمعنى المفعول، و المال بحسب التقدير: هذا خبر رحمة ربّك المذكور، و المراد بالرحمة استجابته سبحانه دعاء زكريّا على التفصيل الّذي قصّة بدليل قوله تلواً:( إِذْ نادى‏ رَبَّهُ ) .

قوله تعالى: ( إِذْ نادى‏ رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا ) الظرف متعلّق بقوله:( رَحْمَتِ رَبِّكَ ) و النداء و المناداة الجهر بالدعوة خلاف المناجاة، و لا ينافيه توصيفه بالخفاء لإمكان الجهر بالدعوة في خلاء من الناس لا يسمعون معه الدعوة، و يشعر بذلك قوله الآتي:( فَخَرَجَ عَلى‏ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ ) .

و قيل: إنّ العناية في التعبير بالنداء أنّه تصوّر نفسه بعيدا منه تعالى بذنوبه و أحواله السيّئة كما يكون حال من يخاف عذابه.

قوله تعالى: ( قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ) إلى آخر الآية، تمهيد لما سيسأله و هو قوله:( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ) .

و قد قدّم قوله:( رَبِّ ) للاسترحام في مفتتح الدعاء، و التأكيد بإنّ للدلالة

٤

على تحقّقه بالحاجة، و الوهن هو الضعف و نقصان القوّة و قد نسبه إلى العظم لأنّه الدعامة الّتي يعتمد عليها البدن في حركته و سكونه، و لم يقل: العظام منّي و لا عظمي للدلالة على الجنس و ليأتي بالتفصيل بعد الإجمال.

و قوله:( وَ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ) الاشتعال انتشار شواظ النار و لهيبها في الشي‏ء المحترق قال في المجمع،: و قوله:( وَ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ) من أحسن الاستعارات و المعنى اشتعل الشيب في الرأس و انتشر، كما ينتشر شعاع النار، و كأنّ المراد بالشعاع الشواظ و اللهيب.

و قوله:( وَ لَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ) الشقاوة خلاف السعادة، و كأنّ المراد بها الحرمان من الخير و هو لازم الشقاوة أو هو هي، و قوله:( بِدُعائِكَ ) متعلّق بالشقيّ و الباء فيه للسببيّة أو بمعنى في و المعنى و كنت سعيداً بسبب دعائي إيّاك كلّما دعوتك استجبت لي من غير أن تشقيني و تحرمني، أو لم أكن محروماً خائباً في دعائي إيّاك عوّدتني الإجابة إذا دعوتك و التقبّل إذا سألتك، و الدعاء على أيّ حال مصدر مضاف إلى المفعول.

و قيل: إنّ( بِدُعائِكَ ) مصدر مضاف إلى الفاعل، و المعنى لم أكن بدعوتك إيّاي إلى العبودية و الطاعة شقيّاً متمرّداً غير مطيع بل عابداً لك مخلصاً في طاعتك و المعنى الأوّل أظهر.

و في تكرار قوله:( رَبِّ ) و وضعه متخلّلاً بين اسم كان و خبره في قوله:( وَ لَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ) من البلاغة ما لا يقدّر بقدر، و نظيره قوله:( وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) .

قوله تعالى: ( وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً ) تتمّة التمهيد الذي قدّمه لدعائه، و المراد بالموالي العمومة و بنو العمّ، و قيل: الكلالة و قيل: العصبة، و قيل: بنو العمّ فحسب، و قيل: الورثة، و كيف كان فهم غير الأولاد من صلب و المراد خفت فعل الموالي من ورائي أي بعد موتي و كان (عليه السلام) يخاف أن يموت بلا عقب من نسله فيرثوه، و هو كناية عن خوفه أن يموت بلا عقب.

٥

و قوله:( وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً ) العاقر المرأة التي لا تلد يقال: امرأة عاقر لا تلد و رجل عاقر لا يولد له ولد. و في التعبير بقوله:( وَ كانَتِ امْرَأَتِي ) دلالة على أنّ امرأته على كونها عاقراً جازت حين الدعاء سنّ الولادة.

و ظاهر عدم تكرار إنّ في قوله:( وَ كانَتِ امْرَأَتِي ) إلخ أنّ الجملة حاليّة و مجموع الكلام أعني قوله:( وَ إِنِّي خِفْتُ - إلى قوله -عاقِراً ) فصل واحد اُريد به أنّ كون امرأتي عاقراً اقتضى أن أخاف الموالي من ورائي و بعد وفاتي، فمجموع ما مهّده للدعاء يؤل إلى فصلين أحدهما أنّ الله سبحانه عوّده الاستجابة مدى عمره حتّى شاخ و هرم و الآخر أنّه خاف الموالي بعد موته من جهة عقر امرأته، و يمكن تصوير الكلام فصولاً ثلاثة بأخذ كلّ من شيخوخته و عقر امرأته فصلاً مستقلّاً.

قوله تعالى: ( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) هذا هو الدعاء، و قد قيّد الموهبة الإلهيّة الّتي سألها بقوله:( مِنْ لَدُنْكَ ) لكونه آيسا من الأسباب العاديّة التي كانت عنده و هي نفسه و قد صار شيخا هرما ساقط القوى. و امرأته و قد شاخت و كانت قبل ذلك عاقرا.

و وليّ الإنسان من يلي أمره، و وليّ الميّت هو الّذي يقوم بأمره و يخلفه فيما ترك، و آل الرجل خاصّته الّذين يؤل إليه أمرهم كولده و أقاربه و أصحابه و قيل: أصله أهل، و المراد بيعقوب على ما قيل يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (عليهم السلام)، و قيل هو يعقوب بن ماثان أخو عمران بن ماثان أبي مريم و كانت امرأة زكريّا اُخت مريم و على هذا يكون معنى قوله:( يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) يرثني و يرث امرأتي و هي بعض آل يعقوب، و الأشبه حينئذ أن تكون( مِنْ ) في قوله:( مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) للتبعيض و إن صحّ كونها ابتدائيّة أيضاً.

و قوله:( وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) الرضيّ بمعنى المرضيّ، و إطلاق الرضا يقتضي شموله للعلم و العمل جميعا فالمراد به المرضيّ في اعتقاده و عمله أي اجعله ربّ محلّى بالعلم النافع و العمل الصالح.

و قد قصّ الله سبحانه هذه القصّة في سورة آل عمران و هي مدنيّة متأخّرة نزولاً

٦

عن سورة مريم المكّيّة بقوله في ذيل قصّة مريم( فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَ أَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَ كَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ ) آل عمران: ٣٨.

و لا يرتاب المتدبّر في الآيتين أنّ الّذي دعا زكريّا و دفعه إلى دعائه بما دعا هو ما شاهده من حال مريم و كرامتها على الله سبحانه في عبوديّتها و إخلاصها العمل فأحبّ أن يخلفه خلف له من القرب و الكرامة ما شاهد مثله في مريم ثمّ ذكر ما هو عليه من الشيب و نفاد القوّة و ما عليه امرأته من كبر السنّ و العقر و له موال لا يرتضيهم فوجد لذلك و هو ذاكرٌ ما عوّده ربّه من استجابة الدعوة و كفاية كلّ مهمّة ففزع إلى ربّه بالدعاء و استيهاب ذرّيّة طيّبة.

فقوله في سورة آل عمران:( رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ) بحذاء قوله في سورة مريم:( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) و قوله هناك:( طَيِّبَةً ) بحذاء قوله هنا:( وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) و المراد به ما شاهده من القرب و الكرامة عند الله لمريم و عملها الصالح فيبقى قوله هناك:( هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً ) ، بحذاء قوله هنا:( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) و هو يفسّره فالمراد بقوله:( وَلِيًّا يَرِثُنِي ) إلخ، ولد صلبيّ يرثه.

و من هنا يظهر فساد ما قيل: إنّه (عليه السلام) طلب بقوله:( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي ) إلخ، من يقوم مقامه و يرثه ولداً كان أو غيره، و كذا ما قيل: إنّه أيس أن يولد له من امرأته فطلب من يرثه و يقوم مقامه من سائر الناس.

و ذلك لصراحة قوله في نفس القصّة في سورة آل عمران:( رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ) في طلب الولد.

على أنّ التعبير بمثل( هَبْ لِي ) المشعر بنوع من الملك لا يستقيم في سائر الناس

٧

من الأجانب و إنّما الملائم له التعبير بالجعل و نحوه كما في قوله تعالى:( وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً ) النساء: ٧٥.

و من هنا يظهر أيضا أنّ المراد بقوله:( وَلِيًّا يَرِثُنِي ) الولد كما عبّر عنه في آية آل عمران بالذرّيّة فالمراد بالوليّ الذرّيّة و هو وليّ في الإرث، و المراد بالوراثة وراثة ما تركه الميّت من الأموال و أمتعة الحياة، و هو المتبادر إلى الذهن من الإرث بلا ريب إمّا لكونه حقيقة في المال و نحوه مجازاً في غيره كالإرث المنسوب إلى العلم و سائر الصفات و الحالات المعنويّة و إمّا لكونه منصرفاً إلى المال إن كان حقيقة في الجميع فاللفظ على أيّ حال ظاهر في وراثة المال و يتعيّن بانضمامه إلى الوليّ كون المراد به الولد، و يزيد في ظهوره في ذلك قوله قبل:( وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي ) على ما سيأتي من البيان إن شاء الله.

و أمّا قول من قال: إنّ المراد به وراثة النبوّة و إنّه طلب من ربّه أن يهب له ولدا يرثه النبوّة فيدفعه ما عرفت آنفاً أنّ الّذي دعاه (عليه السلام) إلى هذا الدعاء و المسألة هو ما شاهده من مريم و لا خبر في ذلك عن النبوّة و لا أثر فأيّ رابطة بين أن يشاهد منها عبادة و كرامة فيعجبه ذلك و بين أن يطلب من ربّه ولداً يرثه النبوّة؟.

على أنّ النبوّة ممّا لا يورّث بالنسب و هو ظاهر و لو اُصلح ذلك بأنّ المراد بالوراثة مجرّد إتيان نبيّ بعد نبيّ أو ظهور نبيّ من ذرّيّة نبيّ بنوع من العناية مجازاً ظهر الإشكال من جهة اُخرى و هي عدم ملائمة ذلك قوله بعد:( وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) إذ لا معنى لقول القائل: هب لي ولداً نبيّاً و اجعله رضيّاً، و لو حمل على التأكيد كان من تأكيد الشي‏ء بما هو دونه، و كذا احتمال أن يكون المراد بالرضىّ المرضيّ عند الناس لمنافاته إطلاق المرضيّ كما تقدّم مع عدم مناسبته لداعيه كما مرّ.

و يقرب منه في الفساد قول من قال: إنّ المراد به وراثة العلم و إنّه طلب من ربّه أن يهب له ولداً يرثه علمه، إذ لا معنى لأن يشاهد زكريّا من مريم عبادة و كرامة فيعجبه ذلك فيطلب من ربّه ولداً يرثه علمه من دون أيّ مناسبة بين الداعي و المدعوّ إليه.

٨

و القول بأنّ المراد بالوراثة وراثة العلم و بقوله:( وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) العمل الصالح و مجموع العلم النافع و العمل الصالح يقرب ممّا شاهده من مريم من الإخلاص و العبادة و الكرامة.

يدفعه أنّ قوله:( وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) يكفي وحده في الدلالة على طلب العلم النافع و العمل الصالح لمكان الإطلاق، و إنما الإنسان المحسن عملا مع الغضّ عن العلم مرضيّ العمل و لا يسمّى مرضيّاً مطلقاً البتّة، و نظير ذلك القول بأنّ المراد بالرضىّ المرضيّ عند الناس.

و يقرب منه في الفساد احتمال أن يكون المراد بالوراثة وراثة التقوى و الكرامة و أنّه طلب من ربّه أن يهب له ولداً يرث ما له من القرب و المنزلة عند الله إذ المناسب لذلك أن يطلب ولداً له ما لمريم من القرب و الكرامة أو مطلق القرب و الكرامة لا أن يطلب ولداً ينتقل إليه ما لنفسه من القرب و الكرامة.

على أنّه لا يلائمه قوله:( وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي ) إذ ظاهر السياق أنّه يطلب ولداً يرثه و ينتقل إليه ما لولاه لانتقل ذلك إلى الموالي و هو يخاف منهم أن يتلبّسوا بذلك بعد وفاته، و لا معنى لأن يخاف (عليه السلام) تلبّس مواليه بالقرب و المنزلة و اتّصافهم بالتقوى و الكرامة لا قبل وفاته و لا بعده فساحة الأنبياء أنزه و أطهر من هذه الضنّة و لا اُمنيّة لهم إلّا صلاح النّاس و سعادتهم.

و قول بعضهم إنّ مواليه (عليه السلام) كانوا شرار بني إسرائيل فخاف أن لا يحسنوا خلافته في اُمّته بعده، فيه أنّ هذه الخلافة إن كانت خلافة باطنيّة إلهيّة فهي ممّا لا يورث بالنسب قطعاً، على أنّها لا تخطئ المورد الصالح لها و لا يتلبّس بها إلّا أهلها و لا وجه للخوف من ذلك، و إن كانت خلافة ظاهريّة دنيويّة تورث بالنسب و نحوه فهي قنية اجتماعيّة و من أمتعة الحياة الدنيا نظير المال فلا جدوى لصرف الوراثة في الآية عن وراثة المال إلى وراثة الخلافة و الملك.

على أنّ يحيى (عليه السلام) لم يتقلّد من هذه الخلافة و الملك شيئاً حتّى يكون هو ميراثه الذي منع موالي أبيه أن يرثوه منه، و لم يكن لبني إسرائيل ملك في زمن

٩

زكريّا و يحيى بل كانت الروم مستولية عليهم حاكمة فيهم.

فإن قلت: يؤيّد حمل الوراثة في الآية على وراثة العلم و نحوه دون المال أنّه ليس في الأنظار العالية و الهمم العليا للنفوس القدسيّة الّتي انقطعت من تعلّقات هذا العالم المنقطع الفاني و اتّصلت بالعالم الباقي ميل إلى المتاع الدنيويّ قدر جناح بعوضة لا سيّما زكريّا (عليه السلام) فإنّه كان مشهوراً بكمال الانقطاع و التجرّد فيستحيل عادة أن يخاف من وراثة المال و المتاع الّذي ليس له في نظره العالي أدنى قدر أو يظهر من أجله الكلف و الحزن و الخوف و يستدعي من ربّه ذلك النحو من الاستدعاء و هو يدلّ على كمال المحبّة و تعلّق القلب بالدنيا و زخارفها.

و القول بأنّه خاف أن يصرف مواليه ماله بعد موته فيما لا ينبغي فطلب لذلك عن ربّه وارثاً مرضيّاً فاسد فإنّه إذا مات الرجل و انتقل ماله بالوراثة إلى آخر صار المال مال الوارث فصرفه على ذمّته صواباً أو خطأ و لا مؤاخذة في ذلك على الميّت و لا عتاب.

مع أنّ دفع هذا الخوف كان ميسّراً له (عليه السلام) بأن يصرفه قبل موته و يتصدّق به كلّه في سبيل الله و يترك بني عمّه الأشرار خائبين لسوء أحوالهم و قبح أفعالهم فليس قصده (عليه السلام) من مسألة الولد سوى إجراء أحكام الله تعالى و ترويج الشريعة و بقاء النبوّة في أولاده.

قلت: الإشكال مبنيّ على كون قوله:( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي ) مسوقاً لبيان طلب الوراثة الماليّة لولده و الواقع خلافه فليس المقصود من قوله:( وَلِيًّا يَرِثُنِي ) بالقصد الأوّل إلّا طلب الولد كما هو الظاهر أيضاً من قوله في سورة آل عمران:( هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً ) و قوله في موضع آخر:( رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً ) الأنبياء: ٨٩.

و إنّما قوله:( يَرِثُنِي ) قرينة معيّنة لكون المراد بالوليّ في الكلام ولاية الإرث الّتي تنطبق على الولد لكون الولاية معنى عامّاً ذا مصاديق مختلفة لا يتعيّن واحد منها إلّا بقرينة معيّنة كما قيّدت بالنصرة في قوله:( وَ ما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ

١٠

يَنْصُرُونَهُمْ ) الشورى: ٤٦، و المراد به ولاية النصرة، و قيّدت بالأمر و النهي في قوله:( وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) التوبة: ٧١، و المراد ولاية التدبير. إلى غير ذلك.

و لو لا أنّ المراد به الوراثة الماليّة و أنّها قرينة معيّنة لم يبق في الكلام ما يدلّ على طلب الولد الّذي هو المقصود الأصليّ بالدعاء فإنّ وراثة العلم أو النبوّة أو العبادة و الكرامة لا إشعار فيها بكون الوارث هو الولد كما اعترف به بعض من حمل الوراثة في الآية على شي‏ء من هذه المعاني فيبقى الدعاء خالياً عن الدلالة على المطلوب الأصليّ و كفى به سقوطاً للكلام.

و بالجملة، العناية إنّما هي متعلّقة بإفادة طلب الولد، و أمّا الوراثة الماليّة فليست مقصودة بالقصد الأوّل و إنّما هي قرينة معيّنة لكون المراد بالوليّ هو الولد نعم هي في نفسها تدلّ على أنّه لو كان له ولد لورثه ماله، و ليس في ذلك و لا في قوله:( وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي ) و حاله حال قوله:( وَلِيًّا يَرِثُنِي ) دلالة على تعلّق قلبه (عليه السلام) بالدنيا الفانية و لا بزخارف حياتها الّتي هي متاع الغرور.

و أمّا طلب الولد فهو ممّا فطر الله عليه النوع الإنسانيّ سواء في ذلك الصالح و الطالح و النبيّ و من دونه و قد جهّز الجميع بجهاز التوالد و التناسل و غرز فيهم ما يدعوهم إليه، فالواحد منهم لو لم ينحرف طباعه ينساق إلى طلب الولد و يرى بقاء ولده بعده بقاء لنفسه و استيلاءهم على ما كان مستولياً عليه من أمتعة الحياة - و هذا هو الإرث - استيلاء نفسه و عيش شخصه هذا.

و الشرائع الإلهيّة لم تبطل هذا الحكم الفطريّ و لا ذمّت هذه الداعية الغريزيّة بل مدحته و ندبت إليه، و في القرآن الكريم آيات كثيرة تدلّ على ذلك كقوله تعالى حكاية عن إبراهيم (عليه السلام):( رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ) الصافّات: ١٠٠ و قوله:( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ ) إبراهيم: ٣٩، و قوله حكاية عن المؤمنين:( رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ) الفرقان: ٧٤ إلى غير ذلك من الآيات.

١١

فإن قلت: ما تقدّم من الوجه في معنى الوراثة كان مبنيّاً على أن يستفاد من قوله:( هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ) الآية، أنّ الّذي دعاه إلى طلب الولد هو ما شاهده من عبادة مريم و كرامتها عند الله سبحانه فأحبّ أن يرزق ولداً يماثلها في العبادة و الكرامة لكن يمكن أن يكون داعيه غير ذلك فقد ورد في بعض الآثار أنّ زكريّا كان يجد عند مريم فواكه في غير موسمها ثمرة الشتاء في الصيف و ثمرة الصيف في الشتاء فقال في نفسه: إذا كان الله لا يعزّ عليه أن يرزقها ثمرة الشتاء في الصيف و ثمرة الصيف في الشتاء لم يعزّ عليه أن يرزقني ولداً في غير وقته و أنا شيخ فان و امرأتي عاقر فقال:( هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي ) .

فمشاهدة الثمرة في غير موسمها بعثه إلى طلب الولد في غير وقته لكنّ هذا النبيّ الكريم أجلّ من أن يطلب الولد ليرث ماله فهو إنّما طلبه ليرث النبوّة أو العلم أو العبادة و الكرامة.

قلت: لا دليل من جهة السياق اللفظيّ على كون المراد بالرزق في قوله:( كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ) هي الثمرة في غير موسمها، و أنّ الّذي دعا زكريّا (عليه السلام) إلى طلب الولد مشاهدة ذلك أو قول مريم:( إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ) و لو كان كذلك لكانت الإشارة إليه بوجه أبلغ بل ظاهر السياق و خاصّة صدر الآية( فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَ أَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً ) أنّ العناية بإفادة كون مريم ذات كرامة عند ربّه يرزقها لا من طريق الأسباب العاديّة فهذا هو الداعي لزكريّا (عليه السلام) إلى طلب ذرّيّة طيّبة و ولد رضيّ.

و لو سلّم ذلك كان مقتضاه أن ينبعث زكريّا بالقصد الأوّل إلى طلب الذرّيّة و الولد و إذ كان نبيّاً كريماً لا إربة له في غير الولد الصالح دعا ثانياً أن يكون طيّباً مرضيّاً كما يدلّ عليه استئناف الدعاء بقوله:( وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) و التقييد بالطيّب في قوله:( ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ) .

و قد أفاد مقصوده هذا على ما حكى عنه في سورة آل عمران بقوله:( هَبْ لِي

١٢

مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً ) و في هذه السورة بعد تقديم ذكر شيخوخته و عقر امرأته و خوفه الموالي بقوله:( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي ) فالمراد بقوله:( وَلِيًّا يَرِثُنِي ) هو الولد بلا شكّ، و قد عبّر عنه و اُشير إليه بعنوان ولاية الإرث.

و ولاية الوراثة الّتي تصلح أن تكون عنواناً معرّفاً للولد هي ما يختصّ به من ولاية وراثة التركة، و أمّا ولاية وراثة النبوّة لو جازت تسميتها ولاية وراثة و كذا ولاية وراثة العلم كما يرث التلميذ علم اُستاذه و كذا ولاية وراثة المقامات المعنويّة و الكرامات الإلهيّة فهذه الولايات أجنبيّة عن النسب و الولادة ربّما جامعتها و ربّما فارقتها فلا تصلح أن تجعل معرّفة و مرآة لها إلّا مع قرينة قويّة، و ليس في الكلام ما يصلح لذلك، و كلّ ما فرض صالحاً له فهو صالح لخلافه فيكون قد اُهمل في الدعاء ما هو المقصود بالقصد الأوّل و اشتغل بما وراءه، و كفى به سقوطاً للكلام.

قوله تعالى: ( يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى‏ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ) في الكلام حذف إيجازاً، و التقدير:( فاستجبنا له و ناديناه يا زكريّا إنّا نبشّرك) إلخ، و قد ورد في سورة الأنبياء في القصّة:( فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ وَهَبْنا لَهُ يَحْيى) الأنبياء: ٩٠، و في سورة آل عمران:( فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَ هُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى‏ ) آل عمران: ٣٩.

و تشهد آية آل عمران على أنّ قوله:( يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ ) إلخ، كان وحياً بتوسّط الملائكة فهو قوله تعالى أدّته الملائكة إلى زكريّا، و ذلك في قوله ثانياً:( قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ) إلخ، أظهر.

و في الآية دلالة على أنّ الله سبحانه هو الّذي سمّاه يحيى، و هو قوله:( اسْمُهُ يَحْيى) و أنّه لم يسمّ بهذا الاسم قبله أحد، و هو قوله:( لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ) أي شريكاً في الاسم.

و ليس من البعيد أن يراد بالسميّ المثل على حدّ ما سيأتي من قوله تعالى:( فَاعْبُدْهُ وَ اصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) الآية: ٦٥ من السورة و يشهد عليه أنّ

١٣

الله سبحانه نعته في كلامه بنعوت لم ينعت به أحداً من أنبيائه و أوليائه قبله كقوله فيما سيأتي:( وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) و قوله:( وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً ) آل عمران: ٣٩، و قوله:( وَ سَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَ يَوْمَ يَمُوتُ وَ يَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ) ، و المسيح (عليه السلام) و إن شاركه في هذه النعوت و هما ابنا الخالة لكن ولادته بعد ولادة يحيى (عليهما السلام).

قوله تعالى: ( قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَ قَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ) قال الراغب: الغلام الطارّ الشارب(١) يقال: غلام بيّن الغلومة و الغلوميّة، قال تعالى:( أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ ) . قال: و اغتلم الغلام: إذا بلغ حدّ الغلمة. انتهى.

و قال في المجمع: العتيّ و العسيّ بمعنى يقال: عتا يعتو عتوّاً و عتيّاً و عسي يعسو عسوّاً و عسيّاً فهو عات و عاس إذا غيّره طول الزمان إلى حال اليبس و الجفاف. انتهى. و بلوغ العتيّ كناية عن بطلان شهوة النكاح و انقطاع سبيل الإيلاد.

و استفهامه (عليه السلام) عن كون الغلام مع عقر امرأته و بلوغه العتيّ مع ذكره‏ الأمرين في ضمن دعائه إذ قال:( رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ) إلخ، مبنيّ على استعجاب البشرى و استفسار خصوصيّاتها دون الاستبعاد و الإنكار فإنّ من بشّر بما لا يتوقّعه لتوفّر الموانع و فقدان الأسباب تضطرب نفسه بادئ ما يسمعها فيأخذ في السؤال عن خصوصيّات ما بشّر به ليطمئنّ قلبه و يسكن اضطراب نفسه و هو مع ذلك على يقين من صدق ما بشّر به فإنّ الخطورات النفسانيّة ربّما لا تنقطع مع وجود العلم و الإيمان و قد تقدّم نظيره في تفسير قوله تعالى:( وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى‏ قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى‏ وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) البقرة: ٢٦٠.

قوله تعالى: ( قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَ قَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ تَكُ شَيْئاً ) جواب عمّا استفهمه و استفسره لتطيب به نفسه، و يسكن جاشه، و ضمير قال راجع إليه تعالى، و قوله:( كَذلِكَ ) مقول القول و هو خبر مبتدإ محذوف و التقدير

____________________

(١) غلام طر شاربه من باب نصر و ضرب: أي طلع.

١٤

( هو كذلك) أي الأمر واقع على ما أخبرناك به في البشرى لا ريب فيه.

و قوله:( قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ) مقول ثان لقال الأوّل، و هو بمنزلة التعليل لقوله:( كَذلِكَ ) يرتفع به أيّ استعجاب فلا يتخلّف عن إرادته مراد و إنّما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن، فخلق غلام من رجل بالغ في الكبر و امرأة عاقر هيّن سهل عليه.

و قد وقع التعبير عن هذا الاستفهام و الجواب في سرد القصّة من سورة آل عمران بقوله:( قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ قَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَ امْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ ) آل عمران: ٤٠، فقوله:( قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ) ههنا يحاذي قوله هناك:( اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ ) و هو يؤيّد ما قدّمناه من المعنى، و قوله ههنا:( وَ قَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ تَكُ شَيْئاً ) بيان لبعض مصاديق الخلق الذي يرفع به الاستعجاب.

و في الآية وجوه اُخر تعرّضوا لها: منها أنّ قوله:( كَذلِكَ ) متعلّق بقال الثاني و مجموع الجملة هو الجواب و المراد أمر ربّك بذلك و قضى كذلك، و قوله:( هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ) مقول آخر للقول أو أنّه جيي‏ء به على سبيل الحكاية.

و منها أنّ الخطاب في قوله:( قالَ رَبُّكَ ) للنبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) لا لزكريّا (عليه السلام) و تلك وجوه لا يساعد عليها السياق.

قوله تعالى: ( قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا ) قد تقدّم في القصّة من سورة آل عمران أنّ إلقاء البشرى إلى زكريّا كان بتوسّط الملائكة( فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَ هُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى) ، و هو (عليه السلام) إنّما سأل الآية ليتميّز به الحقّ من الباطل فتدلّه على أنّ ما سمعه من النداء وحي ملكيّ لا إلقاء شيطانيّ و لذلك اُجيب بآية إلهيّة لا سبيل للشيطان إليها و هو أن لا ينطلق لسانه ثلاثة أيّام إلّا بذكر الله سبحانه فإنّ الأنبياء معصومون بعصمة إلهيّة ليس للشيطان أن يتصرّف في نفوسهم.

فقوله:( قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً ) سؤال لآية مميّزة، و قوله:( قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا ) إجابة ما سأل، و هو أن يعتقل لسانه ثلاثة

١٥

أيّام من غير ذكر الله و هو سويّ أي صحيح سليم من غير مرض و آفة.

فالمراد بعدم تكليم الناس عدم القدرة على تكليمهم، من قبيل إطلاق اللازم و إرادة الملزوم كناية، و المراد بثلاث ليال ثلاث ليال بأيّامها و هو شائع في الاستعمال فكان (عليه السلام) يذكر الله بفنون الذكر و لا يقدر على تكليم الناس إلّا رمزاً و إشارة، و الدليل على ذلك كلّه قوله تعالى في القصّة من سورة آل عمران:( قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً وَ اذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَ سَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِبْكارِ ) آل عمران: ٤١.

قوله تعالى: ( فَخَرَجَ عَلى‏ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى‏ إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَ عَشِيًّا ) قال في المجمع: و سمّي المحراب محراباً لأنّ المتوجّه إليه في صلاته كالمحارب للشيطان على صلاته، و الأصل فيه مجلس الأشراف الّذي يحارب دونه ذبّاً عن أهله. و قال: الإيحاء إلقاء المعنى إلى النفس في خفية بسرعة، و أصله من قولهم: الوحي الوحي أي الإسراع الإسراع. انتهى و معنى الآية ظاهر.

قوله تعالى: ( يا يَحْيى‏ خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ ) قد تكرّر في كلامه تعالى ذكر أخذ الكتاب بقوّة و الأمر به كقوله:( فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَ أْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها ) الأعراف: ١٤٥، و قوله:( خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَ اذْكُرُوا ما فِيهِ ) البقرة ٦٣، و قوله:( خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَ اسْمَعُوا ) البقرة: ٩٣ إلى غير ذلك من الآيات، و السابق إلى الذهن من سياقها أنّ المراد من أخذ الكتاب بقوّة التحقّق بما فيه من المعارف و العمل بما فيه من الأحكام بالعناية و الاهتمام.

و في الكلام حذف و إيجاز رعايةً للاختصار، و التقدير: فلمّا وهبنا له يحيى قلنا له: يا يحيى خذ الكتاب بقوّة في جانبي العلم و العمل، و بهذا المعنى يتأيّد أن يكون المراد بالكتاب التوراة أو هي و سائر كتب الأنبياء فإنّ الكتاب الّذي كان يشتمل على الشريعة يومئذ هو التوراة(١) .

قوله تعالى: ( وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا وَ حَناناً مِنْ لَدُنَّا وَ زَكاةً ) فسّر الحكم بالفهم و بالعقل و بالحكمة و بمعرفة آداب الخدمة و بالفراسة الصادقة و بالنبوّة،

____________________

(١) و ليس من البعيد أن يكون له عليه السلام كتاب يخصّه. منه.

١٦

لكنّ المستفاد من مثل قوله تعالى:( وَ لَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ ) الجاثية: ١٦، و قوله:( أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ ) الأنعام: ٨٩، و غيرهما من الآيات أنّ الحكم غير النبوّة، فتفسير الحكم بالنبوّة ليس على ما ينبغي، و كذا تفسيره بمعرفة آداب الخدمة أو بالفراسة الصادقة أو بالعقل إذ لا دليل من جهة اللفظ و لا من جهة المعنى على شي‏ء من ذلك.

نعم ربّما يستأنس من مثل قوله:( يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ يُزَكِّيهِمْ ) البقرة: ١٢٩، و قوله:( يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ ) الجمعة: ٢ - و الحكمة بناء نوع من الحكم - أنّ المراد بالحكم العلم بالمعارف الحقّة الإلهيّة و انكشاف ما هو تحت أستار الغيب بالنسبة إلى الأنظار العاديّة و لعلّه إليه مرجع تفسير الحكم بالفهم. و على هذا يكون المعنى إنّا أعطيناه العلم بالمعارف الحقيقيّة و هو صبيّ لم يبلغ الحلم بعد.

و قوله:( وَ حَناناً مِنْ لَدُنَّا ) معطوف على الحكم أي و أعطيناه حنانا من لدنّا و الحنان: العطف و الإشفاق، قال الراغب: و لكون الإشفاق لا ينفكّ من الرحمة عبّر عن الرحمة بالحنان في قوله تعالى:( وَ حَناناً مِنْ لَدُنَّا ) و منه قيل: الحنّان المنّان و حنانيك إشفاقاً بعد إشفاق.

و فسّر الحنان في الآية بالرحمة و لعلّ المراد بها النبوّة أو الولاية كقول نوح (عليه السلام):( وَ آتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ ) هود: ٢٨، و قول صالح:( وَ آتانِي مِنْهُ رَحْمَةً ) هود: ٦٣.

و فسّر بالمحبّة و لعلّ المراد بها محبّة الناس له على حدّ قوله:( وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ) طه: ٣٩، أي كان لا يراه أحد إلّا أحبّه.

و فسّر بتعطّفه على الناس و رحمته و رقّته عليهم فكان رؤفاً بهم ناصحاً لهم يهديهم إلى الله و يأمرهم بالتوبة و لذا سمّي في العهد الجديد بيوحنّا المعمّد.

و فسّر بحنان الله عليه كان إذا نادى ربّه لبّاه الله سبحانه على ما في الخبر فيدلّ على أنّه كان لله سبحانه حنان خاصّ به على ما يفيده تنكير الكلمة.

١٧

و الّذي يعطيه السياق و خاصّة بالنظر إلى تقييد الحنان بقوله:( مِنْ لَدُنَّا ) - و الكلمة إنّما تستعمل فيما لا مجرى فيه للأسباب الطبيعيّة العاديّة أو لا نظر فيه إليها - أنّ المراد به نوع عطف و انجذاب خاصّ إلهيّ بينه و بين ربّه غير مألوف، و بذلك يسقط التفسير الثاني و الثالث ثمّ تعقّبه بقوله:( زَكاةً ) و الأصل في معناه النموّ الصالح، و هو لا يلائم المعنى الأوّل كثير ملائمة فالمراد به إمّا حنان من الله سبحانه إليه بتولّي أمره و العناية بشأنه و هو ينمو عليه، و إمّا حنان و انجذاب منه إلى ربّه فكان ينمو عليه، و النموّ نموّ الروح.

و من هنا يظهر وهن ما قيل: إنّ المراد بالزكاة البركة و معناها كونه مباركاً نفّاعاً معلّماً للخير، و ما قيل: إنّ المراد به الصدقة، و المعنى و آتيناه الحكم حال كونه صدقة نتصدّق به على الناس أو المعنى أنّه صدقة من الله على أبويه أو المعنى أنّ الحكم المؤتى صدقة من الله عليه و ما قيل: إنّ المراد بالزكاة الطهارة من الذنوب.

قوله تعالى: ( وَ كانَ تَقِيًّا وَ بَرًّا بِوالِدَيْهِ وَ لَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا ) التقيّ صفة مشبهة من التقوى مثال واويّ و هو الورع عن محارم الله و التجنّب عن اقتراف المناهي المؤدّي إلى عذاب الله، و البرّ بفتح الباء صفة مشبهة من البرّ بكسر الباء و هو الإحسان، و الجبّار قال في المجمع: الّذي لا يرى لأحد عليه حقّاً و فيه جبريّة و جبروت، و الجبّار من النخل ما فات اليد. انتهى. فيؤل معناه إلى أنّه المستكبر المستعلي الّذي يحمّل الناس ما أراد و لا يتحمّل عنهم، و يؤيّده تعقيبه بالعصيّ فإنّه صفة مشبهة من العصيان و الأصل في معناه الامتناع.

و من هنا يظهر أنّ الجمل الثلاث مسوقة لبيان جوامع أحواله بالنسبة إلى الخالق و المخلوق، فقوله:( وَ كانَ تَقِيًّا ) حاله بالنسبة إلى ربّه، و قوله:( وَ بَرًّا بِوالِدَيْهِ ) حاله بالنسبة إلى والديه، و قوله:( وَ لَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا ) حاله بالنسبة إلى سائر الناس، فكان رؤفاً رحيماً بهم ناصحاً متواضعاً لهم يعين ضعفاءهم و يهدي المسترشدين منهم، و به يظهر أيضا أنّ تفسير بعضهم لقوله:( عَصِيًّا ) بقوله: أي عاصيا لربه ليس على ما ينبغي.

١٨

قوله تعالى: ( وَ سَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَ يَوْمَ يَمُوتُ وَ يَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ) السلام قريب المعنى من الأمن، و الّذي يظهر من موارد استعمالها في الفرق بينهما أنّ الأمن خلوّ المحلّ ممّا يكرهه الإنسان و يخاف منه و السلام كون المحلّ بحيث كلّ ما يلقاه الإنسان فيه فهو يلائمه من غير أن يكرهه و يخاف منه.

و تنكير السلام لإفادة التفخيم أي سلام فخيم عليه ممّا يكرهه في هذه الأيّام الثلاثة الّتي كلّ واحد منها مفتتح عالم من العوالم الّتي يدخلها الإنسان و يعيش فيها فسلام عليه يوم ولد فلا يمسّه مكروه في الدنيا يزاحم سعادته، و سلام عليه يوم يموت، فسيعيش في البرزخ عيشة نعيمة، و سلام عليه يوم يبعث حيّاً فيحيي فيها بحقيقة الحياة و لا نصب و لا تعب.

و قيل: إنّ تقييد البعث بقوله:( حَيًّا ) للدلالة على أنّه سيقتل شهيداً لقوله تعالى في الشهداء:( بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) آل عمران: ١٦٩.

و اختلاف التعبير في قوله:( وُلِدَ ) ( يَمُوتُ ) ( يُبْعَثُ ) لتمثيل أنّ التسليم في حال حياته (عليه السلام).

( بحث روائي)

في المجمع: و روي عن أميرالمؤمنين (عليه السلام): أنّه قال في دعائه: أسألك يا كهيعص‏.

و في المعاني، بإسناده عن سفيان بن سعيد الثوريّ عن الصادق (عليه السلام) في حديث قال: و كهيعص معناه أنا الكافي الهادي الوليّ العالم الصادق الوعد.

أقول: و روى فيه أيضا ما يقرب منه عن محمّد بن عمارة عنه (عليه السلام). و روى في الدرّ المنثور، عن ابن عبّاس: في قوله: كهيعص قال: كبير هاد أمين عزيز صادق - و في لفظ - كاف بدل كبير، و روى عنه أيضا بطرق اُخر: كريم هاد حكيم عليم صادق و روي عن ابن مسعود و غيره ذلك، و محصّل الروايات - كما ترى - أنّ الحروف المقطّعة مأخوذة من أوائل الأسماء الحسنى على اختلافها كالكاف من الكافي أو الكبير

١٩

أو الكريم و هكذا غير أنّه لا يتمّ في الياء فقد اُخذ في الروايات من الوليّ أو الحكيم أو العزيز كما في بعضها، و روي فيه، عن اُمّ هانئ عن رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم): أنّ معناها كاف هاد عالم صادق‏، و قد اُهمل في الحديث حرف الياء، و قد تقدّم في بيان الآية بعض الإشارة.

و في تفسير القمّيّ: في قوله تعالى:( وَ لَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ) يقول: لم يكن دعائي خائباً عندك.

و في المجمع: في قوله:( وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ ) قيل: هم العمومة و بنو العمّ عن أبي جعفر (عليه السلام)، و قرأ عليّ بن الحسين و محمّد بن عليّ الباقر (عليهم السلام):( وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ ) بفتح الخاء و تشديد الفاء و كسر التاء.

أقول: و به قرأ جمع من الصحابة و التابعين.

و في الإحتجاج، روى عبد الله بن الحسن بإسناده عن آبائه (عليهم السلام): أنّه لمّا أجمع أبوبكر على منع فاطمة فدك و بلغها ذلك جاءت إليه و قالت له: يا بن أبي قحافة أ في كتاب الله أن ترث أباك و لا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فريّاً. أ فعلى عمد تركتم كتاب الله و نبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول فيما اقتصّ من خبر يحيى بن زكريّا( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) الحديث.

أقول: مضمون الرواية مرويّ بطرق من الشيعة و غيرهم، و استدلالها (عليها السلام) مبنيّ على كون المراد بالوراثة في الآية وراثة المال، و قد تقدّم الكلام في ذلك في بيان الآية، و قد ورد من طرق أهل السنّة بعض ما يدلّ على ذلك‏ ففي الدرّ المنثور، عن عدّة من أصحاب الجوامع عن الحسن أنّ رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) قال: يرحم الله أخي زكريّا ما كان عليه من ورثة، و يرحم الله أخي لوطاً إن كان يأوي إلى ركن شديد، و روي فيه، أيضاً عن الفاريابي عن ابن عبّاس قال: كان زكريّا لا يولد له فسأل ربّه فقال:( ربّ هب لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) قال: يرثني مالي و يرث من آل يعقوب النبوّة.

و قال في روح المعاني: مذهب أهل السنّة أنّ الأنبياء (عليهم السلام) لا يرثون مالاً

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

وفي ( مختصر التحفة الاثني عشريّة ) أنّه قال: ( لو لا السنتان لهلك النعمان ) (1) . يعني السنتين اللَّتين انتهل فيهما أبو حنيفة من بحر علم الإمام الصادق ( عليه السلام ).

قال الحافظ شمس الدين محمّد بن محمّد الجزري: ( وثبتَ عندنا أنّ كلاً من الإمام مالك، وأبي حنيفة رحمهما الله تعالى، صحب الإمام أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصادق حتّى قال أبو حنيفة: ما رأيتُ أفقه منه، وقد دخلني منه من الهيبة ما لم يدخلني للمنصور ) (2) .

2 - الإمام مالك بن أنس (ت: 179 هـ):

قال عن الإمام الصادق ( عليه السلام ): ( ولقد كنتُ أرى جعفر بن محمّد وكان كثير الدعابة والتبسّم، فإذا ذُكِرَ عنده النبيّ صلّى الله عليه وسلّم اصفرَّ، وما رأيتُه يُحدّث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلاّ على طهارة، ولقد اختلفتُ إليه زمانا، فما كنتُ أراه إلاّ على ثلاث خصال إمّا مصلِّياً وإمّا صامتا ً (3) ، وإمّا يقرأ القرآن، ولا يتكلّم فيما لا يعنيه، وكان من العلماء والعبّاد الذين يخشون الله عزّ وجلّ ) (4) .

____________________

(1) مختصر التحفة الاثني عشريّة: 9، المطبعة السلفيّة، القاهرة.

(2) أسنى المطالب في مناقب سيّدنا علي بن أبي طالب: 55.

(3) هذا حسب كتاب: ( الشفا بتعريف حقوق المصطفى ) للقاضي عِيَاض، ولعلّ الأصحّ صائماً كما ذكره ابن حجر في التهذيب.

(4) نقل كلامه القاضي عِيَاض في ( الشفا بتعريف حقوق المصطفى ): 2 / 42 طبع دار الفكر، ونقل قريباً من ذلك ابن حجر العسقلاني في ( تهذيب التهذيب ): 2/70، دار الفكر.

٢٤١

3 - الإمام أحمد بن حنبل (ت: 241 هـ):

علّق الإمام أحمد بن حنبل على سندٍ فيه الإمام علي الرضا، عن أبيه موسى الكاظم، عن أبيه جعفر الصادق، عن أبيه محمّد الباقر، عن أبيه علي زين العابدين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب، عن الرسول الأكرم صلوات الله عليهم أجمعين قائلاً: ( لو قرأتُ هذا الإسناد على مجنون لبرئ مِن جُنَّتِهِ ) (1) .

4 - أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت: 250 هـ):

قال في رسائله عند ذكر الجواب عمّا فخرتْ بهِ بنو أُميّة على بني هاشم، ما نصّه: ( فأمّا الفقه والعلم والتفسير والتأويل، فإنْ ذكرتموه لم يكن لكم فيه أحد، وكان لنا فيه مثل علي بن أبي طالب... وجعفر بن محمّد الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه. ويُقال إنّ أبا حنيفة مِن تلامذته وكذلك سفيان الثوري، وحسبك بهما في هذا الباب... ) (2) .

كما أنّه مدح عشرة من أهل البيت من ضمنهم الإمام الصادق ( عليه السلام ) فقال: ( وَمنِ الذي يُعَدُّ مِنْ قريش أو من غيرهم ما يَعُدُّه الطالبيّون عشرة في نَسَق؛ كلّ واحد منهم: عالمٌ، زاهد، ناسك، شجاع، جواد، طاهر، زاكٍ، فمنهم خلفاء، ومنهم مُرشّحون:

ابن ابن ابن ابن، هكذا إلى عشرة، وهم الحسن [ العسكري ] بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر [ الصادق ] بن محمّد بن علي بن الحسين

____________________

(1) أورده ابن حجر الهيتمي في ( الصواعق المحرقة ): 310، دار الكتب العلميّة.

(2) رسائل الجاحظ: 106، جَمَعَهَا ونَشَرَهَا حسن السندوبي، المكتبة التجاريّة الكبرى، مصر.

٢٤٢

بن علي ( عليهم السلام )؛ وهذا لم يتّفق لبيتٍِ من بيوت العرب ولا من بيُوت العجم ) (1) .

5 - الحافظ أحمد بن عبد الله العجلي (ت: 261 هـ):

قال في ( معرفة الثقات ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، ولهم شيء ليس لغيرهم، خمسة أئمّة... ) (2) .

6 - محمّد بن إدريس، أبو حاتم الرازي (ت: 277 هـ):

قال عن الإمام الصادق ( عليه السلام ): ( جعفر بن محمّد ثقةٌ لا يُسألُ عن مثله ) (3) .

7 - عبد الرحمان بن أبي حاتم محمّد بن إدريس الرازي (ت: 327 هـ):

قال في كتابه ( الجرح والتعديل ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو عبد الله كرّم الله وجهه... روى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري، وابن جريج، والثوري، وشعبة، ومالك، وابن إسحاق، وسليمان بن بلال، وابن عيينة، وحاتم، وحفص، سمعتُ أبي يقول ذلك ).

ثمّ نقل بعض مدائح وتوثيقات العلماء للإمام، كتوثيق الشافعي، وابن معين، وأبي عبد الرحمان، وأبي زرعة، مقرّاً لهم على ذلك بدلالة عدم تعليقه على كلماتهم، خصوصاً أنّ كتابه موسوم بالجرح والتعديل (4) .

____________________

(1) المصدر نفسه: 109.

(2) معرفة الثقات: 1 / 270، مكتبة الدار، المدينة المنوّرة.

(3) نقله ولده الرازي في ( الجرح والتعديل ): 2 / 487، دار الفكر. والذهبي في ( تذكرة الحفّاظ ): 1 / 166، نشر مكتبة الحرم المكّي، وغيرهما.

(4) انظر: ( الجرح والتعديل ): 2 / 487، دار الفكر.

٢٤٣

8 - محمّد بن حِبَّان بن أحمد، أبو حاتم التميمي البستي (ت: 354هـ):

قال في كتابه ( الثقات ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم، كنيته أبو عبد الله، يروي عن أبيه، وكان من سادات أهل البيت فقهاً وعلماً وفضلاً، روى عنه الثوري ومالك وشعبة والناس... ) (1) .

9 - عبد الله بن عدي الجرجاني (ت: 365 هـ):

قال عن الإمام الصادق ( عليه السلام ): ( ولجعفر بن محمّد حديث كبير عن أبيه عن جابر، وعن أبيه عن آبائه، ونُسَخَاً لأهل البيت برواية جعفر بن محمّد، وقد حدّث عنه من الأئمّة مثل: ابن جريج، وشعبة بن الحجّاج، وغيرهم... وجعفر من ثقات الناس كما قال يحيى بن معين ) (2) .

10 - أبو عبد الرحمان السلمي (ت: 412 هـ):

قال في ( طبقات المشايخ الصوفيّة ): ( جعفر الصادق ( عليه السلام ) فاق جميع أقرانه من أهل البيت، وهو ذو علم غزير في الدين، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات، وأدب كامل في الحكمة ) (3) .

____________________

(1) الثقات: 6 / 131، طبع مجلس دائرة المعارف العثمانيّة، حيدر آباد الدكن، الهند.

(2) الكامل في الضعفاء: 2، 134، دار الفكر. ونقله ابن حجر بلفظ قريب من ذلك في ( تهذيب التهذيب )، 2 / 69، واللفظ المذكور من كتاب التهذيب.

(3) ذكره محمّد الخواجة البخاري في ( فصل الخطاب ). ونقله عنه القندوزي الحنفي في ( ينابيع المودّة ): 2 / 457، منشورات الشريف الرضي، المصوّرة على الطبعة الحيدريّة.

٢٤٤

11 - أحمد بن علي بن منجويه الأصبهاني (ت: 428 هـ):

قال في ( رجال مسلم ): ( جعفر بن محمّد الصادق... وكان من سادات أهل البيت فقهاً، وعلماً، وفضلاً ) (1) .

12 - أبو نعيم الأصبهاني (ت: 430 هـ):

قال في ( حلية الأولياء ) عند ترجمة الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ): (.. الإمام الناطق، ذو الزمام السابق، أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق، أقبل على العبادة والخضوع، وآثر العزلة والخشوع، ونهى عن الرئاسة والجموع ) (2) .

13 - محمّد بن طاهر بن علي المقدسي (ت: 507 هـ):

قال في كتابه ( الجمع بين رجال الصحيحين ): ( جعفر بن محمّد الصادق، وهو ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي ( رضي الله عنهم )، يُكنّى أبا عبد الله... وكان من سادات أهل البيت... روى عنه عبد الوهاب الثقفي، وحاتم بن إسماعيل، ووهيب بن خالد، وحسن بن عيّاش، وسليمان بن بلال، والثوري، والداروردي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وحفص بن غيّاث، ومالك بن أنس، وابن جريج... ) (3) .

14 - أبو الفتح محمّد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت: 548 هـ):

قال في ( الملل والنحل ): ( جعفر بن محمّد الصادق، هو ذو علم غزير، وأدب كامل في الحكمة، وزهد في الدنيا، وورع تامّ عن الشهوات، وقد أقام

____________________

(1) رجال مسلم: 1 / 120، دار المعرفة.

(2) حلية الأولياء: 3 / 176، دار إحياء التراث العربي.

(3) الجمع بين رجال الصحيحين: 1 / 70، دار الكتب العلميّة.

٢٤٥

بالمدينة مدّة يُفيد الشيعة المنتمين إليه، ويفيض على الموالين له أسرارَ العلوم، ثمّ دخل العراق وأقام بها مدّة، ما تعرّض للإمامة قط، ولا نازع في الخلافة أحداً، ومَنْ غرق في بحر المعرفة لم يقع في شط، ومَن تعلّى إلى ذروة الحقيقة لم يَخَفْ مَن حطّ ) (1) .

15 - جمال الدين أبو الفرج ابن الجوزي (ت: 597 هـ):

قال في تاريخه ( المنتظم ) عند ذكر وفيات سنة: (148 هـ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو عبد الله جعفر الصادق... كان عالماً، زاهداً، عابداً... ) (2) .

وقال في كتابه ( صفة الصفوة ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين ( عليهم السلام )، يكنّى أبا عبد الله، أمّه أمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر الصديق. كان مشغولاً بالعبادة عن حبّ الرياسة... ) (3) .

16 - أبو سعد عبد الكريم بن محمّد بن منصور التميمي السمعاني (ت: 562 هـ):

قال في كتاب ( الأنساب ): ( الصادق: بفتح الصاد، وكسر الدال المهملتَين، بينهما الألف وفي آخرها القاف، هذهِ اللفظة لقب لجعفر الصادق، لصدقه في مقاله... ) (4) .

____________________

(1) الملل والنحل: 1 / 166، دار المعرفة.

(2) المنتظم: 8 / 110 - 111، المؤسّسة المصريّة العامّة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر.

(3) صفة الصفوة: 2 / 168، عند ذكر الطبقة الخامسة من أهل المدينة، رقم: 186، دار المعرفة.

(4) الأنساب: 3 / 507، دار الجنان، بيروت.

٢٤٦

17 - الفخر الرازي، محمّد الرازي فخر الدين بن ضياء الدين عمر المشتهر بخطيب الري (ت: 604 هـ):

قال في تفسيره عند ذكره معاني كلمة ( الكوثر ): ( والقول الثالث ( الكوثر ) أولاده، قالوا لأنّ هذهِ السورة إنّما نزلت ردّاً على مَن عابه عليه السلام بعدم الأولاد، فالمعنى أنّه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان، فانظر كم قُتل من أهل البيت، ثمّ العالَم ممتلئ منهم. ولم يبقَ من بني أميّة في الدنيا أحد يُعبأ به، ثمّ انظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر، والصادق، والكاظم، والرضا ) (1) .

18 - عزّ الدين، ابن الأثير الجزري (ت: 630 هـ):

قال في ( اللباب في تهذيب الأنساب ): ( الصادق... هذهِ اللفظة تُقال لجعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وهو المشهور بالصادق، لُقّبَ به لصدقه في مقاله وفعاله... ومناقبه مشهورة ) (2) .

19 - محمّد بن طلحة الشافعي: (ت: 652 هـ):

قال في كتابه ( مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ): ( هو من عظماء أهل البيت وساداتهم عليهم السلام ذو علوم جَمّة، وعبادة موفرة، وأوراد متواصلة، وزهادة بيّنة، وتلاوة كثيرة، يتتبّع معاني القرآن، ويستخرج من بحر جواهره، ويستنتج عجائبه، ويقسّم أوقاته على أنواع الطاعات، بحيث يحاسب عليها نفسه، رؤيته تُذكِّر الآخرة، واستماع كلامه يُزهد في الدنيا، والاقتداء

____________________

(1) تفسير الفخر الرازي المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب: مجلّد16/ ج32/ 125، دار الفكر.

(2) اللباب في تهذيب الأنساب: 2 / 3، دار الفكر، طبعة جديدة ومنقّحة بإشراف مكتب البحوث والدراسات في دار الفكر.

٢٤٧

بِهَدْيِهِ يورث الجنّة، نور قسماته شاهد أنّه من سلالة النبوّة، وطهارة أفعاله تصدع أنّه من ذريّة الرسالة.

نقل عنه الحديث، واستفاد منه العلم جماعة من الأئمّة وأعلامهم مثل: يحيى بن سعيد الأنصاري، وابن جريج، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عُيَيْنَة، وشعبة، وأيّوب السجستاني وغيرهم (رض)، وعدّوا أَخْذَهم عنه منقبةً شُرِّفوا بها وفضيلة اكتسبوها )

إلى أنْ قال: ( وأمّا مناقبه وصفاته، فتكاد تفوت عدد الحاصر، ويُحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر، حتى أنّ من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى صارت الأحكام التي لا تُدرك عللها، والعلوم التي تقصر الأفهام عدد الإحاطة بحكمها، تُضاف إليه وتروى عنه.

وقد قيل إنّ كتاب الجفر الذي بالمغرب ويتوارثه بنو عبد المؤمن هو من كلامه عليه السلام، وإنّ في هذهِ المنقبة سنيّة، ودرجة في مقام الفضائل عليّة، وهي نبذة يسيرة مما نقل عنه ) (1) .

20 - يوسف بن فرُغلي بن عبد الله سبط ابن الجوزي (ت: 654 هـ):

قال في ( تذكرة الخواص ): ( وهو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب... ويلقّب بالصادق، والصابر، والفاضل، والطاهر، وأشهر ألقابه الصادق )، ثمّ ذكر قول علماء السّير بأنّ الإمام الصادق: كان قد اشتغل بالعبادة عن طلب الرياسة ).

ونقل قول عمرو بن أبي المقدام، وهو: ( كنتُ إذا نظرتُ إلى جعفر بن محمّد علمتُ أنّه من سلالة النبيّين ).

____________________

(1) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول: 2 / 111، مؤسّسة أمّ القرى.

٢٤٨

كما ذكر طرفاً من أخباره وإرشاداته ومكارم أخلاقه (1) .

21 - ابن أبي الحديد المعتزلي (ت: 655 هـ):

نقل في كتابه ( شرح نهج البلاغة ) نصّ ما تقدّم ذكره عن أبي عثمان الجاحظ، مقرّاً له عليه (2) .

وقد ذكر في نفس الفصل أيضاً عند تطرّقه لذكر الإمام الباقر ( عليه السلام ) ما نصّه: ( وهو سيّد فقهاء الحجاز، ومنه ومن ابنه جعفر تعلّم الناس الفقه ) (3) .

22 - أبو زكريّا محيي الدين بن شرف النووي (ت: 676 هـ):

قال في ( تهذيب الأسماء واللغات ): ( الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم الهاشمي المدني الصادق... روى عنه محمّد بن إسحاق، ويحيى الأنصاري، ومالك، والسفيانان، وابن جريج، وشعبة، ويحيى القطان، وآخرون. واتّفقوا على إمامته وجلالته وسيادته، قال عمر بن أبي المقدام: كنتُ إذا نظرتُ إلى جعفر بن محمّد علمتُ أنّه من سلالة النبيّين ) (4) .

23 - أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خِلَّكان (ت: 681 هـ):

قال في كتابه ( وفيات الأعيان ): ( أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمّد

____________________

(1) تذكرة الخواص: 307، مؤسّسة أهل البيت، بيروت، لبنان.

(2) شرح نهج البلاغة: 15 / 274 و278، دار الكتب العلميّة، المصوّرة على طبعة دار إحياء الكتب العربيّة.

(3) المصدر نفسه: 277.

(4) تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 155، دار الفكر.

٢٤٩

الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم أجمعين، أحد الأئمّة الاثني عشر على مذهب الإماميّة، وكان من سادات أهل البيت، ولُقّب بالصادق لصدقه في مقالته، وفضله أشهر مِن أنْ يُذكر. وله كلام في صناعة الكيمياء والزجر والفأل (1) ، وكان تلميذه أبو موسى جابر بن حيّان الصوفي الطرسوسي قد ألّف كتاباً يشتمل على ألف ورقة تتضمّن رسائل جعفر الصادق وهي خمسمئة رسالة...

تُوفّي في: شوّال، ثمان وأربعين ومئة بالمدينة، ودُفن بالبقيع في قبرٍ فيه أبوه محمّد الباقر وجدّه عليّ زين العابدين وعمّ جدّه الحسن بن علي، رضي الله عنهم أجمعين، فللّه درّه من قبر ما أكرمه وأشرفه.. ) (2) .

24 - شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت: 748 هـ):

قال في ( تذكرة الحفّاظ ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي الإمام أبو عبد الله العلوي المدني الصادق أحد السادة الأعلام... وثّقه الشافعي ويحيى بن معين. وعن أبي حنيفة قال: ما رأيتُ أفقه من جعفر بن محمّد، وقال أبو حاتم: ثقة لا يُسأل عن مثله. وعن صالح بن أبي الأسود سمعتُ جعفر بن محمّد يقول: ( سلوني قبل أنْ تفقدوني فإنّه لا يحدّثكم أحد بعد بمثل حديثي )، وقال هياج بن بسطام: كان جعفر الصادق يُطْعِم حتّى لا يبقى لعياله شيء، قلتُ [ أي الذهبي ]: مناقبُ هذا السيّد

____________________

(1) انظر: التنبيه في آخر هذا الفصل.

(2) وفيات الأعيان: 1 / 307، دار الكتب العلميّة.

٢٥٠

جمّة... ) (1) .

وقال في ( سير أعلام النبلاء ): في الجزء الثالث عشر، عند ذكره للإمام الصادق ( عليه السلام ): ( جعفر الصادق: كبير الشأن، من أئمّة العلم، كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور ) (2) .

كما ذكر له في الجزء السادس ترجمة طويلة فيها توثيقات ومدائح العديد من العلماء كالشافعي، ويحيى بن معين، وأبي زرعة، وأبي حنيفة وغيرهم، كما تفرّقت أقواله عن الإمام في طيّات هذهِ الترجمة:

فقد قال في أحد المواضع: ( شيخ بني هاشم أبو عبد الله القرشي الهاشمي العلوي النبوي المدني، أحد الأعلام ) (3) .

وقال في موضع آخر عنه وعن أبيه الباقر ( عليه السلام ): ( وكانا من جُلَّة علماء المدينة ) (4) .

وقال في موضع ثالث: ( جعفر: ثقة، صدوق ) (5) .

كما أنّ الذهبي ترجم الإمام ترجمة مطوّلة شبيهة بما في ( سير أعلام النبلاء ) وذلك في كتابه تاريخ الإسلام (6) . وقال في آخرها: ( مناقب جعفر كثيرة، وكان يصلح للخلافة؛ لسؤدده وفضله وعلمه وشرفه رضي الله عنه ).

____________________

(1) تذكرة الحفّاظ: 1 / 166، نشر مكتبة الحرم المكّي ( إعانة وزارة معارف الحكومة العالية الهنديّة ).

(2) سير أعلام النبلاء: 13 / 120، مؤسّسة الرسالة.

(3) المصدر نفسه: 6 / 255.

(4) المصدر نفسه: 6 / 255.

(5) المصدر نفسه: 6 / 257.

(6) تاريخ الإسلام: حوادث وفيات - 141 هـ - 160 هـ): 93 / دار الكتاب العربي.

٢٥١

25 - صلاح الدين الصفدي (ت: 764 هـ):

قال في كتابه ( الوافي بالوفيات ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. هو المعروف بالصادق، الإمام العَلَم المدني... ) إلى أنْ قال: ( وحدّثَ عنه: أبو حنيفة، وابن جريج، وشُعبة، والسفيانان، ومالك، ووهيب، وحاتم بن إسماعيل، ويحيى القطان، وخلق غيرهم كثيرون آخرهم وفاةً أبو عاصم النبيل، وثّقه يحيى بن معين والشافعي وجماعة ).

ثمّ نقل توثيق ومدح أبي حنيفة وأبي حاتم المتقدّم ذكرهما...، إلى أنْ قال: ( وله مناقب كثيرة وكان أهلاً للخلافة؛ لسؤدده وعلمه وشرفه... وتُوفّي سنة: ثمان وأربعين ومئة، ودُفن بالبقيع في قبرٍ فيه أبوه محمّد الباقر وجدّه علي زين العابدين وعمّ جدّه الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. فللّه درّه من قبر ما أكرمه وأشرفه. ولقّب بالصادق لصدقه في مقاله... ) (1) .

26 - أبو عبد الله أسعد بن علي بن سليمان اليافعي (ت: 768 هـ):

قال في كتابه ( مرآة الجنان ) في أحداث سنة: (148 هـ): ( فيها توفيّ الإمام السيّد الجليل، سلالة النبوّة ومعدن الفتوّة، أبو عبد الله جعفر الصادق بن أبي جعفر محمّد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين الهاشمي العلوي، وأمّه أمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر... وُلِدَ سنة: ثمانين في المدينة الشريفة وفيها تُوفّي.

ودُفن بالبقيع في قبرٍ فيه أبوه محمّد الباقر وجدّه زين العابدين وعمّ جدّه الحسن بن علي رضوان الله عليهم أجمعين، وأكرِمْ بذلك القبر وما جمع من

____________________

(1) الوافي بالوفيات: 11 / 126 - 128، دار النشر: فرانز شتايز، شتوتغارت.

٢٥٢

الأشراف الكرام أُولي المناقب، وإنّما لقّب بالصادق؛ لصدقه في مقالته: وله كلام نفيس في علوم التوحيد وغيرها، وقد ألّف تلميذه جابر بن حيّان الصوفي كتاباً يشتمل على ألف ورقة يتضمّن رسائله وهي خمسمئة رسالة ) (1) .

27 - المحدّث محمّد خواجه بارساي البخاري (ت: 822 هـ):

قال في كتابه ( فصل الخطاب ): ( ومِن أئمّة أهل البيت أبو عبد الله جعفر الصادق ( رضي الله عنه )... وكان جعفر الصادق ( رضي الله عنه ) من سادات أهل البيت... روى عنه ابنه موسى الكاظم ( رضي الله عنه )، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأبو حنيفة، وابن جريج، ومالك، ومحمّد بن إسحاق، وسفيان الثوري، وسفيان بن عُيَيْنَة، وشعبة، ويحيى بن سعيد القطان ( رحمهم الله )، واتّفقوا على جلالته وسيادته ) (2) .

28 - الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ):

قال في ( تقريب التهذيب ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو عبد الله، المعروف بالصادق، صدوق فقيه إمام، من السادسة، مات سنة: ثمان وأربعين [ أي 148 هـ ] ) (3) .

____________________

(1) مرآة الجنان وعبرة اليقظان: 1 / 238، دار الكتب العلميّة.

(2) نقله القندوزي الحنفي في ( ينابيع المودّة ): 2 / 457، منشورات الشريف الرضي، المصوّرة على الطبعة الحيدريّة.

(3) تقريب التهذيب: 1 / 91، دار الفكر للطباعة والنشر.

٢٥٣

ونقل في كتابه ( تهذيب التهذيب ) مدائح العديد من العلماء وتوثيقاتهم للإمام سلام الله عليه كالشافعي، وابن معين، وأبي حاتم، والنسائي، وابن عدي، وابن حِبَّان وغيرهم، كما أرسل قول عمرو بن أبي المقدام إرسال المسلّمات، فقال:

قال عمرو بن أبي المقدام: ( كنتُ إذا نظرتُ إلى جعفر بن محمّد علمتُ أنّه من سلالة النبيّين ) (1) .

29 - ابن الصبّاغ المالكي (ت: 855 هـ):

قال في كتابه ( الفصول المهمّة ): ( كان جعفر الصادق ( عليه السلام ) من بين أخوته خليفة أبيه ووصيّه، والقائم من بعده، برز على جماعة بالفضل، وكان أنبههم ذكراً وأجلّهم قدراً، نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته وذكره في سائر البلدان، ولم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه من الحديث، وروى عنه جماعة من أعيان الأمّة، مثل:

يحيى بن سعيد، وابن جريج، ومالك بن أنس، والثوري، وأبو عيينة، وأبو حنيفة، وشعبة، وأبو أيّوب السجستاني وغيرهم، وصّى إليه أبو جعفر ( عليه السلام ) بالإمامة وغيرها وصيّة ظاهرة، ونصّ عليه نصّاً جلياً ) إلى أنْ قال:

( وأمّا مناقبه فتكاد تفوت من عدّ الحاسب، ويحير في أنواعها فهم اليقظ الكاتب، وقد نقل بعض أهل العلم أنّ كتاب الجفر الذي بالمغرب، الذي يتوارثه بنو عبد المؤمن بن علي هو من كلامه، وله فيه المنقبة السنيّة والدرجة التي هي في مقام الفضل عَلِيَّة )، وقال في آخر الفصل:

( مناقب أبي جعفر الصادق ( عليه السلام ) فاضلة، وصفاته في الشرف كاملة، وشرفه على

____________________

(1) انظر: (تهذيب التهذيب): 2 / 68 - 70، دار الفكر.

٢٥٤

جهات الأيّام سائلة، وأندية المجد والعزّ بمفاخره ومآثره آهِلَة.

مات الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام سنة: ثمان وأربعين ومئة، في شوّال... وقبره في البقيع، دُفن في القبر الذي فيه أبوه وجدّه وعمّ جدّه، فللّه درّه من قبرٍ ما أكرمه وأشرفه... ) (1) .

30 - عبد الرحمان بن محمّد الحنفي البسطامي (ت: 858 هـ):

قال في ( مناهج التوسّل ): ( جعفر بن محمّد، ازدحم على بابه العلماء، واقتبس من مشكاة أنواره الأصفياء، وكان يتكلّم بغوامض الأسرار وعلوم الحقيقة وهو ابن سبع سنين ) (2) .

31 - المؤرّخ يوسف بن تغري بردي، جمال الدين الأتابكي (ت: 874هـ):

قال في ( النجوم الزاهرة ) عند ذكره لأحداث سنة: (148 هـ): ( وفيها تُوفّي جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، الإمام السيّد أبو عبد الله الهاشمي العلوي الحسيني المدني... وهو من الطبقة الخامسة من تابعي أهل المدينة، وكان يلقّب بالصابر، والفاضل، والطاهر، وأشهر ألقابه: الصادق... حدّث عنه أبو حنيفة، وابن جريج، وشعبة، والسفيانان ومالك، وغيرهم، وعن أبي حنيفة قال: ما رأيت أفقه من جعفر بن محمّد ) (3) .

____________________

(1) الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة: 211 - 219 دار الأضواء.

(2) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة لأسد حيدر: 1 / 55 عن ( مناهج التوسّل ): 106.

(3) النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: 2 / 8، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، المؤسّسة المصريّة العامّة للتأليف والطباعة والنشر، نسخة مصوّرة على طبعة دار الكتب.

٢٥٥

32 - محمّد بن سراج الدين الرفاعي (ت: 885 هـ):

قال في ( صحاح الأخبار ): (قال العميدي: وُلِد الصادق بالمدينة، يوم الجمعة عند طلوع الفجر، سنة: ثلاث وثمانين من الهجرة... وعاش خمساً وستّين سنة، وكانت إمامته أربعاً وثلاثين سنة، وقد نقل الناس عنه على اختلاف مذاهبهم ودياناتهم ما سارت به الركبان، وقد عُدّ أسماء الرواة عنه فكانوا أربعة آلاف رجل... ) (1) . وواضح من اسم الكتاب ومقدّمته أنّه يتبنّى كلّ ما جاء فيه.

33 - أحمد بن عبد الله الخزرجي (ت: بعد 923 هـ):

قال في ( خلاصته ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو عبد الله، أحد الأعلام... [ حدّث ] عنه خَلْق كثير لا يحصون، منهم ابنه موسى، وشعبة، والسفيانان، ومالك، قال الشافعي: وابن معين، وأبو حاتم، ثقة ) (2) .

34 - شمس الدين محمّد بن طولون (ت: 953 هـ):

قال في ( الأئمة الاثنا عشر ): ( وهو أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.

كان من سادات أهل البيت ولقّب بالصادق لصدقه في مقالته، وفضله

____________________

(1) صحاح الأخبار في نَسَب السادة الفاطميّة الأخيار: 44، الركابي المصوّرة على طبعة نخبة الأخبار في الهند.

(2) خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال: 63، نشر مكتبة المطبوعات الإسلاميّة بحلب.

٢٥٦

أشهر مِن أنْ يُذكر ) (1) .

35 - الفقيه أحمد بن حجر الهيتمي (ت: 974 هـ):

قال في ( الصواعق المحرقة ) في آخر كلامه عن الإمام الباقر ( عليه السلام ): ( وخلّف ستّة أولاد، أفضلهم وأكملهم جعفر الصادق، ومن ثمّ كان خليفته، ووصيّه، ونقل عنه الناس من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيتُه في جميع البلدان، وروى عنه الأئمّة الأكابر كيحيى بن سعيد، وابن جريج، ومالك، والسفيانَين، وأبي حنيفة، وشعبة، وأيّوب السختياني... ) (2) .

36 - الملاّ علي القاري (ت: 1014 هـ):

قال في ( شرح الشفا ): (جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن أبي طالب الهاشمي المدني المعروف بالصادق... متّفق على إمامته وجلالته وسيادته ) (3) .

37 - أحمد بن يوسف القرماني (ت: 1019 هـ):

قال في ( أخبار الدول ) عند ترجمته الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ): ( كان [ رضي الله عنه ] من بين أخوته خليفة أبيه ووصيّه، ونقل عنه من العلوم ما لم ينقل من غيره.

وكان رأساً في الحديث، روى عنه يحيى بن سعيد، وابن جريج، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة، وأبو حنيفة، وشعبة، وأبو أيّوب السجستاني،

____________________

(1) الأئمّة الاثنا عشر: 85، منشورات الشريف الرضي.

(2) الصواعق المحرقة في الردّ على أهل البِدَع والزندقة: 305، دار الكتب العلميّة.

(3) شرح الشفا: 1 / 43 - 44، دار الكتب العلميّة.

٢٥٧

وغيرهم. وُلِد بالمدينة سنة: ثمانين من الهجرة... )، إلى أن قال:

( ومناقبه كثيرة، تُوفّي في سنة: ثمان وأربعين ومئة وله من العمر ثمان وستّون سنة، وقيل: إنّه مات مسموماً في زمن المنصور. ودُفِنَ بالبقيع الذي فيه أبوه وجدّه وعمّ جدّه، فللّه درّه [ من قبرٍ ما أكرمه وأشرفه ] ) (1) .

38 - محمّد بن عبد الرؤوف المنّاوي القاهري (ت: 1031 هـ):

قال في ( الكواكب الدريّة ): ( جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب... كان إماماً نبيلاً... قال أبو حاتم: ( ثقة لا يُسأل عن مثله )، وله كرامات كبيرة ومكاشفات شهيرة:

منها: أنّه سُعي به عند المنصور، فلمّا حجّ أحضر الساعي وقال للساعي: أتحلف؟

قال: نعم، فحلف.

فقال جعفر للمنصور: حلّفهُ بما أراه.

فقال: حلِّفه؟

فقال: قل برئتُ مِن حول الله وقوّته والْتَجَأْتُ إلى حولي وقوّتي، لقد فعل جعفر كذا وكذا، فامتنع الرجل، ثمّ حلف، فَمَا تمّ حتّى مات مكانه.

ومنها: أنّ بعض الطغاة قتل مولاه فلم يزل ليلته يصلّي ثمّ دعا عليه عند السحر فسُمِعَت الضجّة بموته.

ومنها: أنّه لمّا بلغه قول الحكم بن عبّاس الكلبي في عمّه زيد:

صَلَبْنَا لَكُمْ زَيْدَاً عَلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ

وَلَمْ نَرَ مَهْدِيَّاً عَلَى الجِذْعِ يُصْلَبُ

قال: اللّهم سلّط عليه كلباً من كلابك، فافترسه الأسد... ) (2) .

____________________

(1) أخبار الدول وآثار الأول: 1 / 334 - 336، عالم الكتب، وقد أثبتنا الأقواس كما هي في النسخة التي اعتمدنا عليها، أمانةً للنقل.

(2) الكواكب الدريّة: 94، وورسة تجليد الأنوار، مصر.

٢٥٨

39 - أحمد بن شهاب الدين الخفاجي (ت: 1069 هـ):

قال عن الإمام الصادق ( عليه السلام ): ( جعفر الصادق، أبو عبد الله بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، روى عنه كثيرون، كمالك والسفيانان وابن جريح وابن إسحاق، واتفقوا على إمامته وجلالته وسيادته، وُلِدَ سنة: 80 هـ، وتُوفّي سنة: 148 هـ قيل مسموماً، وثّقه في روايته: الشافعي، وابن معين، وأبو حاتم، والذهبي، وهو مِن فضلاء أهل البيت وعلمائهم ) (1) .

40 - الشيخ مؤمن بن حسن الشبلنجي (ت: بعد 1083 هـ):

قال في كتابه ( نور الأبصار ) تحت عنوان: فصل في ذكر مناقب سيّدنا جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم: (... ومناقبه كثيرة تكاد تفوت عدّ الحاسب، ويُحار في أنواعها فَهْم اليَقِظ الكاتب، روى عنه جماعة من أعيان الأئمّة وأعلامهم كيحيى بن سعيد، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة، وأبي حنيفة، وأيّوب السختياني، وغيرهم.

قال أبو حاتم جعفر: الصادق ثقة لا يُسأل عن مثله... وفي حياة الحيوان الكبرى، فائدة، قال ابن قتيبة في كتاب أدب الكاتب وكتاب الجفر كتبه الإمام جعفر الصادق بن محمّد الباقر رضي الله عنهما فيه كلّ ما يحتاجون علمه إلى يوم القيامة، وإلى هذا الجفر أشار أبو العلاء المعرّي بقوله:

لَقَد عَجِبُوا لآلِ البَيْتِ لَمّا

أَتَاهُم عِلْمُهُم فِي جِلْد جَفْرِ

____________________

(1) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة لأسد حيدر: 1 / 59، ونقله محمّد علي دخيل في ( أئمّتنا ): 1/485 عن ( شرح الشفا ): 1 / 124.

٢٥٩

وَمِرْآةُ المُنَجِّمِ وَهِيَ صُغْرَى

تُرِيْهِ كُلَّ عَامِرَةٍ وَقَفْرِ

... وفي الفصول المهمّة: نقل بعض أهل العلم أنّ كتاب الجفر الذي بالمغرب يتوارثه بنو عبد المؤمن بن علي من كلام جعفر الصادق، وله فيه المنقبة السَّنيَّة، والدرجة التي في مقام الفضل عَلِيَّه، و ( كان ) جعفر الصادق رضي الله عنه مجاب الدعوة، إذا سأل الله شيئاً لا يتمّ قوله إلاّ وهو بين يديه... ) (1) .

41 - شهاب الدين أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمّد بن العماد الحنبلي (ت: 1089 هـ):

قال في كتابه ( شذرات الذهب ) في أحداث سنة: (148 هـ): ( وفيها تُوفِّي الإمام، سلالة النبوّة، أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين الهاشمي العلوي... وكان سيّد بني هاشم في زمانه، عاش ثمانياً وستّين سنة وأشهراً.

ووُلِدَ سنة: ثمانين بالمدينة، ودُفن بالبقيع في قبّة أبيه وجدّه وعمّ جدّه الحسن، وقد ألّف تلميذه جابر بن حيّان الصوفي كتاباً في ألف ورقة يتضمّن رسائله، وهي خمسمئة، وهو عند الإماميّة من الاثني عشر بزعمهم...

وقال في ( المغني ): جعفر بن محمّد بن علي ثقة... وقد وثّقه ابن معين وابن عدي... ) (2) .

42 - حسين بن محمّد الديار بكري (ت: 1111 هـ):

قال في ( تاريخ الخميس ): ( وفي سنة: ثمان وأربعين ومئة، تُوفّي سيّد بني

____________________

(1) نور الأبصار في مناقب آل النبيّ المختار: 160 - 161، دار الفكر، طبعة مصوّرة على طبعة القاهرة، 1948م.

(2) شذرات الذهب في أخبار مَن ذهب: 1 / 362، دار الكتب العلميّة.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459