الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٤

الميزان في تفسير القرآن  13%

الميزان في تفسير القرآن  مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 459

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 459 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 96686 / تحميل: 5830
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ( ٩٢ ) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ( ٩٣ ) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ( ٩٤ ) قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ ( ٩٥ ) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ( ٩٦ ) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا ( ٩٧ ) إِنَّمَا إِلَٰهُكُمُ اللهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ( ٩٨ )

( بيان)

الفصل الأخير من قصّة موسى (عليه السلام) الموردة في السورة يعدّ سبحانه فيه جملاً من مننه على بني إسرائيل كإنجائهم من عدوّهم و مواعدتهم جانب الطور الأيمن و إنزال المنّ و السلوى عليهم، و يختمه بذكر قصّة السامريّ و إضلاله القوم بعبادة العجل و للقصّة اتّصال بمواعدة الطور.

و هذا الجزء من الفصل - و فيه بيان تعرّض بني إسرائيل لغضبه تعالى - هو المقصود بالأصالة من هذا الفصل و لذا فصّل فيه القول و لم يبيّن غيره إلّا بإشارة و إجمال.

قوله تعالى: ( يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ ) إلى آخر الآية كأنّ الكلام بتقدير القول أي قلنا يا بني إسرائيل و قوله:( قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ ) المراد به فرعون أغرقه الله و أنجى بني إسرائيل منه بعد طول المحنة.

٢٠١

و قوله:( وَ واعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ ) بنصب أيمن على أنّه صفة جانب و لعلّ المراد بهذه المواعدة مواعدة موسى أربعين ليلة لإنزال التوراة و قد مرّت القصّة في سورة البقرة و غيرها و كذا قصّة إنزال المنّ و السلوى.

و قوله:( كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ ) إباحة في صورة الأمر و إضافة الطيّبات إلى( ما رَزَقْناكُمْ ) من إضافة الصفة إلى الموصوف إذ لا معنى لأن ينسب الرزق إلى نفسه ثمّ يقسّمه إلى طيّب و غيره كما يؤيّده قوله في موضع آخر:( وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ) الجاثية: ١٦.

قوله:( وَ لا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ) ضمير فيه راجع إلى الأكل المتعلّق بالطيّبات و ذلك بكفران النعمة و عدم أداء شكره كما قالوا:( يا مُوسى‏ لَنْ نَصْبِرَ عَلى‏ طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَ قِثَّائِها وَ فُومِها وَ عَدَسِها وَ بَصَلِها ) البقرة: ٦١.

و قوله:( فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ) أي يجب غضبي و يلزم من حلّ الدين يحلّ من باب ضرب إذا وجب أداؤه، و الغضب من صفاته تعالى الفعليّة مصداقه إرادته تعالى إصابة المكروه للعبد بتهيئة الأسباب لذلك عن معصية عصاها.

و قوله:( وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى‏ ) أي سقط من الهويّ بمعنى السقوط و فسّر بالهلاك.

قوله تعالى: ( وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى‏ ) وعد بالرحمة المؤكّدة عقيب الوعيد الشديد و لذا وصف نفسه بكثرة المغفرة فقال:( وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ ) و لم يقل: و أنا غافر أو سأغفر.

و التوبة و هي الرجوع كما تكون عن المعصية إلى الطاعة كذلك تكون من الشرك إلى التوحيد، و الإيمان أيضاً كما يكون بالله كذلك يكون بآيات الله من أنبيائه و رسله و كلّ حكم جاؤا به من عندالله تعالى، و قد كثر استعمال الإيمان في القرآن في كلّ من المعنيين كما كثر استعمال التوبة في كلّ من المعنيين المذكورين و بنو إسرائيل كما تلبّسوا بمعاصي فسقوا بها كذلك تلبّسوا بالشرك كعبادة العجل

٢٠٢

و على هذا فلا موجب لصرف الكلام عن ظاهر إطلاقه في التوبة عن الشرك و المعصية جميعاً و الإيمان بالله و آياته و كذلك إطلاقه بالنسبة إلى التائبين و المؤمنين من بني إسرائيل و غيرهم و إن كان بنوإسرائيل مورد الخطاب فإنّ الصفات الإلهيّة كالمغفرة لا تختصّ بقوم دون قوم.

فمعنى الآية - و الله أعلم - و إنّي لكثير المغفرة لكلّ إنسان تاب و آمن سواء تاب عن شرك أو عن معصية و سواء آمن بي أو بآياتي من رسلي، أو ما جاؤا به من أحكامي بأن يندم على ما فعل و يعمل عملاً صالحاً بتبديل المخالفة و التمرّد فيما عصى فيه بالطاعة فيه و هو المحقّق لأصل معنى الرجوع من شي‏ء و قد مرّ تفصيل القول فيه في تفسير قوله تعالى:( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ ) النساء: ١٧، في الجزء الرابع من الكتاب.

و أمّا قوله:( ثُمَّ اهْتَدى‏ ) فالاهتداء يقابل الضلال كما يشهد به قوله تعالى:( مَنِ اهْتَدى‏ فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها ) الإسراء: ١٥، و قوله:( لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) المائدة: ١٠٥، فهل المراد أن لا يضلّ في نفس ما تاب فيه بأن يعود إلى المعصية ثانياً فيفيد أنّ التوبة عن ذنب إنّما تنفع بالنسبة إلى ما اقترفه قبل التوبة و لا تكفي عنه لو عاد إليه ثانياً أو المراد أن لا يضلّ في غيره فيفيد أنّ المغفرة إنّما تنفعه بالنسبة إلى المعصية الّتي تاب عنها و بعبارة اُخرى إنّما تنفعه نفعاً تامّاً إذا لم يضلّ في غيره من الأعمال، أو المراد ما يعمّ المعنيين؟.

ظاهر العطف بثمّ أن يكون المراد هو المعنى الأوّل فيفيد معنى الثبات و الاستقامة على التوبة فيعود إلى اشتراط الإصلاح الّذي هو مذكور في عدّة من الآيات كقوله:( إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) آل عمران: ٨٩، النور ٥.

لكن يبقى على الآية بهذا المعنى أمران: أحدهما نكتة التعبير بالغفّار بصيغة المبالغة الدالّة على الكثرة فما معنى كثرة مغفرته تعالى لمن اقترف ذنباً واحداً ثمّ

٢٠٣

تاب؟ و ثانيهما أنّ لازمها أن يكون من خالف حكماً من أحكامه كافراً به و إن اعترف بأنّه من عندالله و إنّما يعصيه اتّباعاً للهوى لا ردّاً للحكم اللّهمّ إلّا أن يقال إنّ الآية لاشتمالها على قوله:( تابَ وَ آمَنَ ) إنّما تشمل المشرك أو الرادّ لحكم من أحكام الله و هو كما ترى.

فيمكن أن يقال: إنّ المراد بالتوبة و الإيمان التوبة من الشرك و الإيمان بالله كما أنّ المعنيين هما المرادان في أغلب المواضع من كلامه الّتي ذكر التوبة و الإيمان فيها معاً، و على هذا كان المراد من قوله:( وَ عَمِلَ صالِحاً ) الطاعة لأحكامه تعالى بالائتمار لأوامره و الانتهاء عن نواهيه، و يكون معنى الآية أنّ من تاب من الشرك و آمن بالله و أتى بما كلّف به من أحكامه فإنّي كثير المغفرة لسيّئاته أغفر له زلّة بعد زلّة فتكثر المغفرة لكثرة مواردها.

و قد ذكر تعالى نظير المعنى و هو مغفرة السيّئات في قوله:( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ) النساء: ٣١.

فقوله:( وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ) ينطبق على آية النساء و يبقى فيه شرط زائد يقيّد حكم المغفرة و هو مدلول قوله:( ثُمَّ اهْتَدى) و هو الاهتداء إلى الطريق و يظهر أنّ المغفرة إنّما يسمح بها للمؤمن العامل بالصالحات إذا قصد ذلك من طريقه و دخل عليه من بابه.

و لا نجد في كلامه تعالى ما يقيّد الإيمان بالله و العمل الصالح في تأثيره و قبوله عند الله إلّا الإيمان بالرسول بمعنى التسليم له و طاعته في خطير الاُمور و يسيرها و أخذ الدين عنه و سلوك الطريق الّتي يخطّها و اتّباعه من غير استبداد و ابتداع يؤول إلى اتّباع خطوات الشيطان و بالجملة ولايته على المؤمنين في دينهم و دنياهم فقد شرع الله تعالى ولايته و فرض طاعته و أوجب الأخذ عنه و التأسّي به في آيات كثيرة جدّاً لا حاجة إلى إيرادها و لا مجال لاستقصائها فالنبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

و كان جلّ بني إسرائيل على إيمانهم بالله سبحانه و تصديقهم رسالة موسى و هارون متوقّفين في ولايتهما أو كالمتوقّف كما هو صريح عامّة قصصهم في كتاب الله و لعلّ

٢٠٤

هذا هو الوجه في وقوع الآية( وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) ‏ بعد نهيهم عن الطغيان و تخويفهم من غضب الله.

فقد تبيّن أنّ المراد بالاهتداء في الآية على ما يهدي إليه سائر الآيات هو الإيمان بالرسول باتّباعه في أمر الدين و الدنيا و بعبارة اُخرى هو الاهتداء إلى ولايته.

و بذلك يظهر حال ما قيل في تفسير قوله:( ثُمَّ اهْتَدى‏ ) فقد قيل: الاهتداء لزوم الإيمان و الاستمرار عليه ما دامت الحياة، و قيل: أن لا يشكّ ثانياً في إيمانه، و قيل: الأخذ بسنّة النبيّ و عدم سلوك سبيل البدعة، و قيل: الاهتداء هو أن يعلم أنّ لعمله ثواباً يجزى عليه، و قيل: هو تطهير القلب من الأخلاق الذميمة، و قيل: هو حفظ العقيدة من أن تخالف الحقّ في شي‏ء فإنّ الاهتداء بهذا الوجه غير الإيمان و غير العمل، و المطلوب على جميع هذه الأقوال تفسير الاهتداء بمعنى لا يرجع إلى الإيمان و العمل الصالح غير أنّ الّذي ذكروه لا دليل على شي‏ء من ذلك.

قوله تعالى: ( وَ ما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى -‏ إلى قوله -لِتَرْضى) حكاية مكالمة وقعت بينه تعالى و بين موسى (عليه السلام) في ميعاد الطور الّذي نزلت عليه فيه التوراة كما قصّ في سورة الأعراف تفصيلاً.

و ظاهر السياق أنّه سؤال عن السبب الّذي أوجب لموسى أن يستعجل عن قومه فيحضر ميعاد الطور قبلهم كأنّه كان المترقّب أن يحضروا الطور جميعاً فتقدّم عليهم موسى في الحضور و خلّفهم فقيل له:( وَ ما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى‏ ) فقال:( هُمْ أُولاءِ عَلى‏ أَثَرِي ) أي إنّهم لسائرون على أثري و سيلحقون بي عن قريب( وَ عَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) أي و السبب في عجلي هو أن اُحصّل رضاك يا ربّ.

و الظاهر أنّ المراد بالقوم و قد ذكر أنّهم على أثره هم السبعون رجلاً الّذين اختارهم لميقات ربّه، فإنّ ظاهر تخليفه هارون على قومه بعده و سائر جهات القصّة و قوله بعد:( أَ فَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ ) أنّه لم يكن من القصد أن يحضر بنوإسرائيل كلّهم الطور.

٢٠٥

و هذا الخطاب يمكن أن يخاطب به موسى (عليه السلام) في بدء حضوره في ميعاد الطور كما يمكن أن يخاطب في أواخر عهده به فإنّ السؤال عن العجل غير نفس العجل الّذي يقارن المسير و اللقاء و إذا لم يكن السؤال في بدء الورود و الحضور استقام قوله بعد:( فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ ) إلخ، بناءً على أنّ الفتنة كانت بعد استبطائهم غيبة موسى على ما في الآثار و لا حاجة إلى تمحّلاتهم في توجيه الآيات.

قوله تعالى: ( قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَ أَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ) الفتنة الامتحان و الاختبار و نسبة الإضلال إلى السامريّ - و هو الّذي سبك العجل و أخرجه لهم فعبدوه و ضلّوا - لأنّه أحد أسبابه العاملة فيه.

و الفاء في قوله:( فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ ) للتعليل يعلّل به ما يفهم من سابق الكلام فإنّ المفهوم من قول موسى:( هُمْ أُولاءِ عَلى‏ أَثَرِي ) أنّ قومه على حسن حال لم يحدث فيهم ما يوجب قلقا فكأنّه قيل: لا تكن واثقاً على ما خلّفتهم فيه فإنّا قد فتنّاهم فضلّوا.

و قوله:( قَوْمِكَ ) من وضع الظاهر موضع المضمر و لعلّ المراد غير المراد به في الآية السابقة بأن يكون ما ههنا عامّة القوم و ما هناك السبعون رجلاً الّذين اختارهم موسى للميقات.

قوله تعالى: ( فَرَجَعَ مُوسى‏ إِلى‏ قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً - إلى قوله -فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي ) الغضبان صفة مشبهة من الغضب، و كذا الأسف من الأسف بفتحتين و هو الحزن و شدّة الغضب، و الموعد الوعد، و إخلافهم موعده هو تركهم ما وعدوه من حسن الخلافة بعده حتّى يرجع إليهم، و يؤيّده قوله في موضع آخر:( بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي ) .

و المعنى: فرجع موسى إلى قومه و الحال أنّه غضبان شديد الغضب - أو حزين - و أخذ يلومهم على ما فعلوا، قال يا قوم أ لم يعدكم ربّك وعداً حسناً - و هو أن ينزل عليهم التوراة فيها حكم الله و في الأخذ بها سعادة دنياهم و اُخراهم أو وعده تعالى أن ينجيهم من عدوّهم و يمكّنهم في الأرض و يخصّهم بنعمه العظام( أَ فَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ )

٢٠٦

و هو مدّة مفارقة موسى إيّاهم حتّى يكونوا آيسين من رجوعه فيختلّ النظم بينهم( أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ ) فطغوتم بالكفر به بعد الإيمان و عبدتم العجل( فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي ) و تركتم ما وعدتموني من حسن الخلافة بعدي.

و ربّما قيل في معنى قوله:( فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي ) بعض معان اُخر:

كقول بعضهم إنّ إخلافهم موعده أنّه أمرهم أن يلحقوا به فتركوا المسير على أثره، و قول بعضهم هو أنّه أمرهم بطاعة هارون بعده إلى أن يرجع إليهم فخالفوه إلى غير ذلك.

قوله تعالى: ( قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا ) إلى آخر الآية الملك بالفتح فالسكون مصدر ملك يملك و كأنّ المراد بقولهم:( ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا ) ما خالفناك و نحن نملك من أمرنا شيئاً - كما قيل - و من الممكن أن يكون المراد أنّا لم نصرف في صوغ العجل شيئاً من أموالنا حتّى نكون قاصدين لهذا الأمر متعمّدين فيه و لكن كنّا حاملين لأثقال من حليّ القوم فطرحناها فأخذها السامري و ألقاها في النار فأخرج العجل.

و الأوزار جمع وزر و هو الثقل، و الزينة الحليّ كالعقد و القرط و السوار و القذف و الإلقاء و النبذ متقاربة معناها الطرح و الرمي.

و معنى قوله:( وَ لكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً ) إلخ لكن كانت معنا أثقال من زينة القوم و لعلّ المراد به قوم فرعون - فطرحناها فكذلك ألقى السامريّ - ألقى ما طرحناها في النار أو ألقى ما عنده كما ألقينا ما عندنا ممّا حمّلنا - فأخرج العجل.

قوله تعالى: ( فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَ إِلهُ مُوسى‏ فَنَسِيَ ) في لفظ الإخراج دلالة على أنّ كيفيّة صنع العجل كانت خفيّة على الناس في غير مرئى منهم حتّى فاجأهم بإظهاره و إراءته، و الجسد هو الجثّة الّتي لا روح فيه فلا يطلق الجسد على ذي الروح البتّة، و فيه دليل على أنّ العجل لم يكن له روح و لا فيه شي‏ء من الحياة، و الخوار بضمّ الخاء صوت العجل.

و ربّما اُخذ قوله:( فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ ) إلخ كلاماً مستقلّاً

٢٠٧

إمّا من كلام الله سبحانه باختتام كلام القوم في قولهم:( فَقَذَفْناها ) و إمّا من كلام القوم و على هذا فضمير( قالُوا ) لبعض القوم و ضمير( فَأَخْرَجَ لَهُمْ ) لبعض آخر كما هو ظاهر.

و ضمير( فَنَسِيَ ) قيل: لموسى و المعنى قالوا هذا إلهكم و إله موسى فنسي موسى إلهه هذا و هو هنا و ذهب يطلبه في الطور و قيل: الضمير للسامري و المراد به نسيانه تعالى بعد ذكره و الإيمان به أي نسي السامريّ ربّه فأتى بما أتى و أضلّ القوم.

و ظاهر قوله:( فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَ إِلهُ مُوسى‏) حيث نسب القول إلى الجمع أنّه كان مع السامريّ في هذا الأمر من يساعده.

قوله تعالى: ( أَ فَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَ لا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَ لا نَفْعاً ) توبيخ لهم حيث عبدوه و هم يرون أنّه لا يرجع قولا بأن يستجيب لمن يدعوه، و لا يملك لهم ضرّاً فيدفعه عنهم و لا نفعاً بأن يجلبه و يوصله إليهم، و من ضروريّات عقولهم أنّ الربّ يجب أن يستجيب لمن دعاه لدفع ضرّ أو لجلب نفع و أن يملك الضرّ و النفع لمربوبه.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَ إِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَ أَطِيعُوا أَمْرِي ) تأكيد لتوبيخهم و زيادة تقرير لجرمهم، و المعنى: أنّهم مضافاً إلى عدم تذكّرهم بما تذكّرهم به ضرورة عقولهم و عدم انتهائهم عن عبادة العجل إلى البصر و العقل لم يعتنوا بما قرعهم من طريق السمع أيضاً، فلقد قال لهم نبيّهم هارون إنّه فتنة فتنوا به و إنّ ربّهم الرحمن عزّ اسمه و إنّ من الواجب عليهم أن يتّبعوه و يطيعوا أمره.

فردّوا على هارون قائلين: لن نبرح و لن نزال عليه عاكفين أي ملازمين لعبادته حتّى يرجع إلينا موسى فنرى ما ذا يقول فيه و ما ذا يأمرنا به.

قوله تعالى: ( قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي ) رجع (عليه السلام) بعد تكليم القوم في أمر العجل إلى تكليم أخيه هارون إذ هو أحد المسؤلين الثلاثة في هذه المحنة استخلفه عليهم و أوصاه حين كان يوادعه قائلا:( اخْلُفْنِي

٢٠٨

فِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ وَ لا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) .

و كأنّ قوله:( مَنَعَكَ ) مضمّن معنى دعاك أي ما دعاك، إلى أن لا تتّبعن مانعاً لك عن الاتّباع أو ما منعك داعياً لك إلى عدم اتّباعي فهو نظير قوله:( قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ) الأعراف: ١٢.

و المعنى: قال موسى معاتبا لهارون: ما منعك عن اتّباع طريقتي و هو منعهم عن الضلال و الشدّة في جنب الله أ فعصيت أمري أن تتّبعني و لا تتّبع سبيل المفسدين؟.

قوله تعالى: ( قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لا بِرَأْسِي ) إلخ،( يا بْنَ أُمَّ ) أصله يا بن اُمّي و هي كلمة استرحام و استرآف قالها لإسكات غضب موسى، و يظهر من قوله:( لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لا بِرَأْسِي ) أنّه أخذ بلحيته و رأسه غضباً ليضربه كما أخبر به في موضع آخر:( وَ أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ) الأعراف: ١٥٠.

و قوله:( إنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ) تعليل لمحذوف يدلّ عليه اللفظ و محصّله لو كنت مانعتهم عن عبادة العجل و قاومتهم بالغة ما بلغت لم يطعني إلّا بعض القوم و أدّى ذلك إلى تفرّقهم فرقتين: مؤمن مطيع، و مشرك عاص، و كان في ذلك إفساد حال القوم بتبديل اتّحادهم و اتّفاقهم الظاهر تفرّقاً و اختلافاً و ربّما انجرّ إلى قتال و قد كنت أمرتني بالإصلاح إذ قلت لي:( أَصْلِحْ وَ لا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) فخشيت أن تقول حين رجعت و شاهدت ما فيه القوم من التفرّق و التحزّب: فرّقت بين بني إسرائيل و لم ترقب قولي. هذا ما اعتذر به هارون و قد عذره موسى و دعا له و لنفسه كما في سورة الأعراف بقوله:( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِأَخِي وَ أَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) الأعراف: ١٥١.

قوله تعالى: ( قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ ) رجوع منه (عليه السلام) بعد الفراغ من تكليم أخيه إلى تكليم السامريّ و هو أحد المسؤلين الثلاثة و هو الّذي أضلّ القوم.

و الخطب: الأمر الخطير الّذي يهمّك، يقول: ما هذا الأمر العظيم الّذي جئت به؟.

قوله تعالى: ( قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ

٢٠٩

فَنَبَذْتُها وَ كَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ) قال الراغب في المفردات: البصر يقال للجارحة الناظرة نحو قوله:( كَلَمْحِ الْبَصَرِ ) ( وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ ) و للقوّة الّتي فيها، و يقال لقوّة القلب المدركة بصيرة و بصر نحو قوله:( فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) و قال:( ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى‏ ) و جمع البصر أبصار و جمع البصيرة بصائر، قال تعالى:( فَما أَغْنى‏ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَ لا أَبْصارُهُمْ ) و لا يكاد يقال للجارحة: بصيرة، و يقال من الأوّل: أبصرت، و من الثاني: أبصرته و بصرت به، و قلّما يقال في الحاسّة بصرت إذا لم تضامّه رؤية القلب. انتهى.

و قوله:( فَقَبَضْتُ قَبْضَةً ) قيل: إنّ القبضة مصدر بمعنى اسم المفعول و اُورد عليه أن المصدر إذا استعمل كذلك لم تلحق به التاء، يقال: هذه حلّة نسج اليمن، و لا يقال: نسجه اليمن، فالمتعيّن حمله في الآية على أنّه مفعول مطلق. و ردّ بأنّ الممنوع لحوق التاء الدالّة على التحديد و المرّة لا على مجرّد التأنيث كما هنا، و فيه أنّ كون التاء هنا للتأنيث لا دليل عليه فهو مصادرة.

و قوله:( مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ ) الأثر شكل قدم المارّة على الطريق بعد المرور، و الأصل في معناه ما بقي من الشي‏ء بعده بوجه بحيث يدلّ عليه كالبناء أثر الباني و المصنوع أثر الصانع و العلم أثر العالم و هكذا، و من هذا القبيل أثر الأقدام على الأرض من المارّة.

و الرسول هو الّذي يحمل رسالة و قد اُطلق في القرآن على الرسول البشريّ الّذي يحمل رسالة الله تعالى إلى الناس و اُطلق بهذه اللفظة على جبريل ملك الوحي، قال تعالى:( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ) التكوير: ١٩، و كذا اُطلق لجمع من الملائكة الرسل كقوله:( بَلى‏ وَ رُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ) الزخرف: ٨٠، و قال أيضاً في الملائكة:( جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ ) فاطر: ١.

و الآية تتضمّن جواب السامريّ عمّا سأله موسى (عليه السلام) بقوله:( فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ ) و هو سؤال عن حقيقة ذاك الأمر العظيم الّذي أتى به و ما حمله على ذلك، و السياق يشهد على أنّ قوله:( وَ كَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ) جوابه عن

٢١٠

السبب الّذي دعاه إليه و حمله عليه و أنّ تسويل نفسه هو الباعث له إلى فعل ما فعل و أمّا بيان حقيقة ما صنع فهو الّذي يشير إليه بقوله:( بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ ) و لا نجد في كلامه تعالى في هذه القصّة و لا فيما يرتبط بها في الجملة ما يوضح المراد منه و لذا اختلفوا في تفسيره.

ففسّره الجمهور وفاقا لبعض الروايات الواردة في القصّة أنّ السامريّ رأى جبريل و قد نزل على موسى للوحي أو رآه و قد نزل راكباً على فرس من الجنّة قدّام فرعون و جنوده حين دخلوا البحر فاُغرقوا فأخذ قبضة من تراب أثر قدمه أو أثر حافر فرسه و من خاصّة هذا التراب أنّه لا يلقى على شي‏ء إلّا حلّت فيه الحياة و دخلت فيه الروح فحفظ التراب حتّى إذا صنع العجل ألقى فيه من التراب فحيّ و تحرّك و خار.

فالمراد بقوله:( بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ ) إبصاره جبريل حين نزل راجلاً أو راكباً رآه و عرفه و لم يره غيره من بني إسرائيل، و بقوله:( فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها ) فقبضت قبضة من تراب أثر جبريل أو من تراب أثر فرس جبريل - و المراد بالرسول جبريل - فنبذتها أي ألقيت القبضة على الحليّ المذاب فحيّ العجل فكان له خوار!.

و أعظم ما يرد عليه مخالفة هذه الروايات - و ستوافيك في البحث الروائيّ التالي - للكتاب فإنّ كلامه تعالى ينصّ على أنّ العجل كان جسداً له خوار و الجسد هو الجثّة الّتي لا روح لها و لا حياة فيها، و لا يطلق على الجسم ذي الروح و الحياة البتّة.

مضافاً إلى ما أوردوه من وجوه الإشكال على الروايات ممّا سيجي‏ء نقله في البحث الروائيّ الآتي.

و نقل عن أبي مسلم في تفسير الآية أنّه قال ليس في القرآن تصريح بهذا الّذي ذكروه، و هنا وجه آخر و هو أن يكون المراد بالرسول موسى (عليه السلام) و أثره سنّته و رسمه الّذي أمر به و درج عليه فقد يقول الرجل فلان يقفو أثر فلان و يقتصّ

٢١١

أثره إذا كان يمتثل رسمه.

و تقرير الآية على ذلك أنّ موسى (عليه السلام) لمّا أقبل على السامريّ باللوم و المسألة عن الأمر الّذي دعاه إلى إضلال القوم بالعجل قال:( بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ ) أي عرفت أنّ الّذي عليه القوم ليس بحقّ و قد كنت قبضت قبضة من أثرك أي شيئاً من دينك فنبذتها أي طرحتها و لم أتمسّك بها و تعبيره عن موسى بلفظ الغائب على نحو قول من يخاطب الأمير: ما قول الأمير في كذا؟ و يكون إطلاق الرسول منه عليه نوعاً من التهكّم حيث كان كافراً مكذّباً به على حدّ قوله تعالى حكاية عن الكفرة:( يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ) انتهى و من المعلوم أنّ خوار العجل على هذا الوجه كان لسبب صناعيّ بخلاف الوجه السابق.

و فيه أنّ سياق الآية يشهد على تفرّع النبذ على القبض و القبض على البصر و لازم ما ذكره تفرّع النبذ على البصر و البصر على القبض فلو كان ما ذكره حقّاً كان من الواجب أن يقال: بصرت بما لم يبصروا به فنبذت ما قبضته من أثر الرسول أو يقال: قبضت قبضة من أثر الرسول فبصرت بما لم يبصروا به فنبذتها.

و ثانياً: أنّ لازم توجيهه أن يكون قوله تعالى:( وَ كَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ) إشارة إلى سبب عمل العجل و جواباً عن مسألة موسى( فَما خَطْبُكَ ) ؟ و محصّله أنّه إنّما سوّاه لتسويل من نفسه أن يضلّ الناس فيكون مدلول صدر الآية أنّه لم يكن موحّداً و مدلول ذيلها أنّه لم يكن وثنيّاً فلا موحّد و لا وثنيّ مع أنّ المحكيّ من قول موسى بعد:( وَ انْظُرْ إِلى‏ إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ) إلخ إنّه كان وثنيّاً.

و ثالثاً أنّ التعبير عن موسى و هو مخاطب بلفظ الغائب بعيد.

و يمكن أن يتصوّر للآية معنى آخر بناء على ما ذكره بعضهم أن أوزار الزينة الّتي حمّلوها كانت حليّ ذهب من القبط أمرهم موسى أن يحملوها و كانت لموسى أو منسوبة إليه و هو المراد بأثر الرسول فالسامريّ يصف ما صنعه بأنّه كان ذا بصيرة في أمر الصباغة و التقليب يحسن من صنعة التماثيل ما لا علم للقوم به فسوّلت له نفسه أن يعمل لهم تمثال عجل من ذهب فأخذ و قبض قبضة من أثر الرسول و هو الحليّ من الذهب فنبذها

٢١٢

و طرحها في النار و أخرج لهم عجلاً جسداً له خوار، و كان خواره لدخول الهواء في فراغ جوفه و خروجه من فيه على ضغطة بتعبئة صناعيّة. هذا.

و يبقى الكلام على التعبير عن موسى و هو يخاطبه بالرسول، و على تسمية حليّ القوم أثر الرسول، و على تسمية عمل العجل و كان يعبده تسويلاً نفسانيّاً.

قوله تعالى: ( قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَ إِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ ) هذه مجازاة له من موسى (عليه السلام) بعد ثبوت الجرم.

فقوله:( قالَ فَاذْهَبْ ) قضاء بطرده عن المجتمع بحيث لا يخالط القوم و لا يمسّ أحداً و لا يمسّه أحد بأخذ أو عطاء أو إيواء أو صحبة أو تكليم و غير ذلك من مظاهر الاجتماع الإنسانيّ و هو من أشقّ أنواع العذاب، و قوله:( فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ ) - و محصّله أنّه تقرّر و حقّ عليك أن تعيش فرداً ما دمت حيّاً - كناية عن تحسّره المداوم من الوحدة و الوحشة.

و قيل: إنّه دعاء من موسى عليه و أنّه ابتلي إثر دعائه بمرض عقام لا يقترب منه أحد إلّا حمي حمّى شديدة فكان يقول لمن اقترب منه: لا مساس لا مساس، و قيل: ابتلي بوسواس فكان يتوحّش و يفرّ من كلّ من يلقاه و ينادي لا مساس و هو وجه حسن لو صحّ الخبر.

و قوله:( وَ إِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ ) ظاهره أنّه إخبار عن هلاكه في وقت عيّنه الله و قضاه قضاء محتوماً و يحتمل الدعاء عليه، و قيل: المراد به عذاب الآخرة.

قوله تعالى: ( وَ انْظُرْ إِلى‏ إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً ) قال في المجمع: يقال: نسف فلان الطعام إذا ذرأه بالمنسف ليطير عنه قشوره. انتهى.

و قوله:( وَ انْظُرْ إِلى‏ إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً ) أي ظللت و دمت عليه عاكفاً لازماً، و فيه دلالة على أنّه كان اتّخذه إلهاً له يعبده.

و قوله:( لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً ) أي اُقسم لنحرقنّه بالنار ثمّ لنذرينّه في البحر ذروّا، و قد استدلّ بحديث إحراقه على أنّه كان حيواناً ذا لحم

٢١٣

و دم و لو كان ذهباً لم يكن لإحراقه معنى، و هذا يؤيّد تفسير الجمهور السابق أنّه صار حيواناً ذا روح بإلقاء التراب المأخوذ من أثر جبريل عليه. لكنّ الحقّ أنّه إنّما يدلّ على أنّه لم يكن ذهباً خالصاً لا غير.

و قد احتمل بعضهم أن يكون لنحرقنّه من حرق الحديد إذا برده بالمبرد، و المعنى: لنبردنّه بالمبرد ثمّ لنذرينّ برادته في البحر و هذا أنسب.

قوله تعالى: ( إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ عِلْماً ) الظاهر أنّه من تمام كلام موسى (عليه السلام) يخاطب به السامريّ و بني إسرائيل و قد قرّر بكلامه هذا توحّده تعالى في اُلوهيّته فلا يشاركه فيها غيره من عجل أو أيّ شريك مفروض، و هو بسياقه من لطيف الاستدلال فقد استدلّ فيه بأنّه تعالى هو الله على أنّه لا إله إلّا هو و بذلك على أنّه لا غير إلههم.

قيل: و في قوله:( وَسِعَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ عِلْماً ) دلالة على أنّ المعدوم يسمّى شيئاً لكونه معلوماً و فيه مغالطة فإنّ مدلول الآية أنّ كلّ ما يسمّى شيئاً فقد وسعه علمه لا أنّ كلّ ما وسعه علمه فهو يسمّى شيئاً و الّذي ينفع المستدلّ هو الثاني دون الأوّل.

( بحث روائي)

في التوحيد، بإسناده إلى حمزة بن الربيع عمّن ذكره قال: كنت في مجلس أبي جعفر (عليه السلام) إذ دخل عليه عمرو بن عبيد فقال له: جعلت فداك قول الله تبارك و تعالى:( وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى) ما ذلك الغضب؟ فقال أبوجعفر (عليه السلام): هو العقاب يا عمرو إنّه من زعم أنّ الله عزّوجلّ زال من شي‏ء إلى شي‏ء فقد وصفه صفة مخلوق، إنّ الله عزّوجلّ لا يستفزّه شي‏ء و لا يغيره.

أقول: و روى ما في معناه الطبرسيّ في الاحتجاج مرسلاً.

و في الكافي، بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال: إنّ الله تبارك و تعالى لا يقبل إلّا العمل الصالح و لا يقبل الله إلّا الوفاء بالشروط

٢١٤

و العهود فمن وفى لله بشرطه و استعمل ما وصف في عهده نال ما عنده و استكمل وعده إنّ الله تبارك و تعالى أخبر العباد بطرق الهدى، و شرع لهم فيها المنار، و أخبرهم كيف يسلكون؟ فقال:( وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى‏ ) و قال:( إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) فمن اتّقى الله فيما أمره لقي الله مؤمناً بما جاء به محمّد (صلّي الله عليه وآله وسلّم).

و في المجمع: قال أبوجعفر (عليه السلام):( ثُمَّ اهْتَدى) إلى ولايتنا أهل البيت فو الله لو أنّ رجلاً عبدالله عمره ما بين الركن و المقام ثمّ مات و لم يجي‏ء بولايتنا لأكبّه الله في النار على وجهه، رواه الحاكم أبوالقاسم الحسكانيّ بإسناده و أورده العيّاشيّ في تفسيره، بعدّة طرق.

أقول: و رواه في الكافي، بإسناده عن سدير عنه (عليه السلام) و في تفسير القمّيّ، بإسناده عن الحارث بن عمر عنه (ع‏ليه السلام) و في مناقب ابن شهرآشوب، عن أبي الجارود و أبي الصباح الكناسيّ عن الصادق (عليه السلام) و عن أبي حمزة عن السجّاد (عليه السلام): مثله و لفظه: إلينا أهل البيت.

و المراد بالولاية في الحديث ولاية أمر الناس في دينهم و دنياهم و هي المرجعيّة في أخذ معارف الدين و شرائعه و في إدارة اُمور المجتمع، و قد كانت للنبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) كما ينصّ عليه الكتاب في أمثال قوله:( النَّبِيُّ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) ثمّ جعلت لعترته أهل بيته بعده في الكتاب بمثل آية الولاية و بما تواتر عنه (صلّي الله عليه وآله وسلّم) من حديث الثقلين و حديث المنزلة و نظائرهما.

و الآية و إن وقعت بين آيات خوطب بها بنو إسرائيل و ظاهرها ذلك لكنّها غير مقيّدة بشي‏ء يخصّها بهم و يمنع جريانها في غيرهم فهي جارية في غيرهم كما تجري فيهم أمّا جريانها فيهم فلأنّ لموسى بما كان إماماً في اُمّته كان له من سنخ هذه الولاية ما لغيره من الأنبياء فعلى اُمّته أن يهتدوا به و يدخلوا تحت ولايته، و أمّا جريانها في غيرهم فلأنّ الآية عامّة غير خاصّة بقوم دون قوم فهي تهدي الناس في زمن الرسول (صلّي الله عليه وآله وسلّم) إلى ولايته و بعده إلى ولاية الأئمّة من أهل بيته (عليهم السلام) فالولاية سنخ

٢١٥

واحد لها معناها إلى أيّ من نسبت.

إذ عرفت ما تقدّم ظهر لك سقوط ما ذكره الآلوسي في تفسير روح المعاني، فإنّه بعد ما نقل رواية مجمع البيان، السابقة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: و أنت تعلم أنّ ولايتهم و حبّهم رضي الله عنهم ممّا لا كلام عندنا في وجوبه لكنّ حمل الاهتداء في الآية على ذلك مع كونها حكاية لما خاطب الله تعالى به بني إسرائيل في زمان موسى (عليه السلام) ممّا يستدعي القول بأنّه عزّوجلّ أعلم بني إسرائيل بأهل البيت و أوجب عليهم ولايتهم إذ ذاك و لم يثبت ذلك في صحيح الأخبار انتهى موضع الحاجة من كلامه.

و الّذي أوقعه فيما وقع فيه تفسيره الولاية بمعنى المحبّة ثمّ أخذه الآية خاصّة ببني إسرائيل حتّى استنتج المعنى الّذي ذكره و ليست الولاية في آياتها و أخبارها بمعنى المحبّة و إنّما هي ملك التدبير و التصرّف في الاُمور الّذي من شؤونه لزوم الاتّباع و افتراض الطاعة و هو الّذي يدّعيه أئمّة أهل البيت لأنفسهم و أمّا المحبّة فهي معنى توسّعيّ للولاية بمعناها الحقيقيّ و من لوازمها العاديّة و هي الّتي تدلّ عليه بالمطابقة أدلّة مودّة ذي القربى من آية أو رواية.

و لولاية أهل البيت (عليهم السلام) معنى آخر ثالث و هو أن يلي الله أمر عبده فيكون هو المدبّر لاُموره و المتصرّف في شؤونه لإخلاصه في العبوديّة و هذه الولاية هي لله بالأصالة فهو الوليّ لا وليّ غيره و إنّما تنسب إلى أهل البيت (عليهم السلام) لأنّهم السابقون الأوّلون من الاُمّة في فتح هذا الباب و هي أيضاً من التوسّع في النسبة كما ينسب الصراط المستقيم في كلامه تعالى إليه بالأصالة و إلى الّذين أنعم الله عليهم من النبيّين و الصدّيقين و الشهداء و الصالحين بنوع من التوسّع.

فتلخّص أنّ الولاية في حديث المجمع، بمعنى ملك التدبير و أنّ الآية الكريمة عامّة جارية في غير بني إسرائيل كما فيهم و أنّه (عليه السلام) إنّما فسّر الاهتداء إلى الولاية من جهة الآية في هذه الاُمّة و هو المعنى المتعيّن.

و في تفسير القمّيّ، و قوله:( فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ ) قال اختبرناهم بعدك( وَ أَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ) قال: بالعجل الّذي عبدوه.

٢١٦

و كان سبب ذلك أنّ موسى لمّا وعده الله أن ينزل عليه التوراة و الألواح إلى ثلاثين يوماً أخبر بني إسرائيل بذلك و ذهب إلى الميقات و خلّف أخاه على قومه، فلمّا جاء الثلاثون يوماً و لم يرجع موسى إليهم عصوا و أرادوا أن يقتلوا هارون و قالوا: إنّ موسى كذب و هرب منّا، فجاءهم إبليس في صورة رجل فقال لهم: إنّ موسى قد هرب منكم و لا يرجع إليكم أبداً فاجمعوا لي حليّكم حتّى أتّخذ لكم إلهاً تعبدونه.

و كان السامريّ على مقدّمة قوم موسى يوم أغرق الله فرعون و أصحابه فنظر إلى جبرئيل و كان على حيوان في صورة رمكة(١) و كانت كلّما وضعت حافرها على موضع من الأرض تحرّك ذلك الموضع فنظر إليه السامريّ و كان من خيار أصحاب موسى فأخذ التراب من حافر رمكة جبرئيل و كان يتحرّك فصرّه في صرّة فكان عنده يفتخر به على بني إسرائيل فلمّا جاءهم إبليس و اتّخذوا العجل قال للسامريّ: هات التراب الّذي معك، فجاء به السامريّ فألقاه في جوف العجل فلمّا وقع التراب في جوفه تحرّك و خار و نبت عليه الوبر و الشعر فسجد له بنوإسرائيل و كان عدد الّذين سجدوا له سبعين ألفاً من بني إسرائيل فقال لهم هارون كما حكى الله:( يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَ إِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَ أَطِيعُوا أَمْرِي، قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) فهموا بهارون فهرب منهم و بقوا في ذلك حتّى تمّ ميقات موسى أربعين ليلة.

فلمّا كان يوم عشرة من ذي الحجّة أنزل الله علم الألواح فيها التوراة و ما يحتاج إليه من أحكام السير و القصص فأوحى الله إلى موسى أنّا فتنّا قومك من بعدك و أضلّهم السامريّ و عبدوا العجل و له خوار، فقال: يا ربّ العجل من السامريّ فالخوار ممّن؟ فقال: منّي يا موسى، إنّي لمّا رأيتهم قد ولّوا عنّي إلى العجل أحببت أن أزيدهم فتنة.

( فَرَجَعَ مُوسى -‏ كما حكى الله -إِلى‏ قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَ لَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَ فَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ

____________________

(١) الكرمة: الفرس تتّخذ للنسل.

٢١٧

فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي ) ، ثمّ رمى بالألواح و أخذ بلحية أخيه و رأسه يجرّه إليه فقال:( ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي ؟) فقال هارون - كما حكى الله -:( يا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ) .

فقال له بنوإسرائيل:( ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا ) قال: ما خالفناك( وَ لكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ ) يعني من حليّهم( فَقَذَفْناها ) قال: التراب الّذي جاء به السامريّ طرحناه في جوفه. ثمّ أخرج السامريّ العجل و له خوار فقال له موسى:( فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ ؟) قال السامريّ:( بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ ) يعني من تحت حافر رمكة جبرئيل في البحر( فَنَبَذْتُها ) أي أمسكتها( وَ كَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ) أي زيّنت.

فأخرج موسى العجل فأحرقه بالنار و ألقاه في البحر، ثمّ قال موسى للسامريّ:( فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ ) يعني ما دمت حيّاً و عقبك هذه العلامة فيكم قائمة: أن تقول: لا مساس حتّى يعرفوا أنّكم سامريّة فلا يغترّ بكم الناس فهم إلى الساعة بمصر و الشام معروفين لا مساس، ثمّ همّ موسى بقتل السامريّ فأوحى الله إليه: لا تقتله يا موسى فإنّه سخيّ، فقال له موسى:( انْظُرْ إِلى‏ إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً، إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ عِلْماً ) .

أقول: ظاهر هذا الّذي نقلناه أنّ قوله:( و السبب في ذلك) إلخ، ليس ذيلاً للرواية الّتي في أوّل الكلام( قال بالعجل الّذي عبدوه) بل هو من كلام القمّيّ اقتبسه من أخبار آخرين كما هو دأبه في أغلب ما أورده في تفسيره من أسباب نزول الآيات و على ذلك شواهد في خلال القصّة الّتي ذكرها، نعم قوله في أثناء القصّة:( قال ما خالفناك) رواية، و كذا قوله:( قال التراب الّذي جاء به السامريّ طرحناه في جوفه) رواية، و كذا قوله:( ثمّ همّ موسى ) إلخ، مضمون رواية مرويّة عن الصادق (عليه السلام).

٢١٨

ثمّ على تقدير كونه رواية و تتمّة للرواية السابقة هي رواية مرسلة مضمرة.

و في الدرّ المنثور، أخرج الفاريابيّ و عبد بن حميد و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و الحاكم و صحّحه عن عليّ (عليه السلام) قال: لمّا تعجّل موسى إلى ربّه عمد السامريّ فجمع ما قدر عليه من حليّ بني إسرائيل فضربه عجلاً ثمّ ألقى القبضة في جوفه فإذا هو عجل جسد له خوار فقال لهم السامريّ: هذا إلهكم و إله موسى فقال لهم هارون: يا قوم أ لم يعدكم ربّكم وعداً حسناً. الحديث.

أقول: و ما نسب فيه من القول إلى هارون حكاه القرآن عن موسى (عليهما السلام).

و فيه، أخرج ابن جرير عن أبي عبّاس قال: لمّا هجم فرعون على البحر هو و أصحابه و كان فرعون على فرس أدهم حصان هاب الحصان أن يقتحم البحر فمثّل له جبريل على فرس اُنثى فلمّا رآها الحصان هجم خلفها و عرف السامريّ جبريل لأنّ اُمّه حين خافت أن يذبح خلّفته في غار و أطبقت عليه فكان جبريل يأتيه فيغذوه بأصابعه في واحدة لبناً و في الاُخرى عسلاً و في الاُخرى سمنا فلم يزل يغذوه حتّى نشأ فلمّا عاينه في البحر عرفه فقبض قبضة من أثر فرسه قال: أخذ من تحت الحافر قبضة و اُلقي في روع السامريّ أنّك لا تلقيها على شي‏ء فتقول: كن كذا إلّا كان.

فلم تزل القبضة معه في يده حتّى جاوز البحر فلمّا جاوز موسى و بنوإسرائيل البحر أغرق الله آل فرعون قال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي و أصلح و لا تتّبع سبيل المفسدين و مضى موسى لموعد ربّه، و كان مع بني إسرائيل حليّ من حليّ آل فرعون فكأنّهم تأثّموا منه فأخرجوه لتنزل النار فتأكله فلمّا جمعوه قال السامريّ بالقبضة هكذا فقذفها فيه فقال: كن عجلاً جسداً له خوار فصار عجلاً جسداً له خوار فكان يدخل الريح من دبره و يخرج من فيه يسمع له صوت فقال: هذا إلهكم و إله موسى فعكفوا على العجل يعبدونه فقال هارون: يا قوم إنّما فتنتم به و إنّ ربّكم الرحمن فاتّبعوني و أطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتّى يرجع إلينا موسى.

٢١٩

أقول: و الخبر - كما ترى - لا يتضمّن كون تراب الحافر ذا خاصيّة الإحياء لكنّه مشتمل على أعظم منه و هو كونه ذا خاصيّة كلمة التكوين فالسامري على هذا إنّما استعمله ليخرج الحليّ من النار في صورة عجل جسد له خوار فخرج كما أراد من غير سبب طبيعيّ عاديّ و أمّا الحياة فلا ذكر لها فيه بل ظاهر قوله بدخول الريح في جوفه و خروجه بصوت عدم اتّصافه بالحياة.

على أنّ ما فيه من إخفاء اُمّ السامريّ إيّاه لمّا ولدته في غار خوفاً من أن يذبحه فرعون و أنّ جبريل كان يأتيه فيغذوه بأصابعه حتّى نشأ ممّا لا يعتمد عليه و كون السامريّ من بني إسرائيل غير معلوم بل أنكره ابن عبّاس نفسه في خبر سعيد بن جُبير المفصّل في القصّة و روى عن ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس أنّه كان من أهل كرمان.

و فيه، أخرج ابن أبي حاتم عن السدّيّ قال: انطلق موسى إلى ربّه فكلمه فلمّا كلّمه قال له: ما أعجلك عن قومك يا موسى؟ قال: هم اُولاء على أثري و عجلت إليك ربّ لترضى قال فإنّا قد فتنّا قومك من بعدك و أضلّهم السامري فلمّا خبّره خبرهم قال: يا ربّ هذا السامريّ أمرهم أن يتّخذوا العجل أ رأيت الروح من نفخها فيه؟ قال الربّ: أنا، قال يا ربّ فأنت إذا أضللتهم.

ثمّ رجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً قال: حزيناً قال:( يا قَوْمِ أَ لَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً - إلى قوله -ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا ) يقول: بطاقتنا و لكنّا حمّلنا أوزاراً من زينة القوم يقول: من حليّ القبط فقذفناها فكذلك ألقى السامريّ فأخرج لهم عجلاً جسداً له خوار فعكفوا عليه يعبدونه و كان يخور و يمشي فقال لهم هارون يا قوم إنّما فتنتم به يقول: ابتليتم بالعجل قال: فما خطبك يا سامريّ ما بالك - إلى قوله - و انظر إلى إلهك الّذي ظلت عليه عاكفاً لنحرقنّه.

قال: فأخذه و ذبحه ثمّ حرقة بالمبرد يعني سحكه ثمّ ذرأه في اليمّ فلم يبق نهر يجري يومئذ إلّا وقع فيه منه شي‏ء ثمّ قال لهم موسى: اشربوا منه فشربوا فمن كان يحبّه خرج على شاربيه الذهب، فذلك حين يقول: و اُشربوا في قلوبهم العجل

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

وفي ( مختصر التحفة الاثني عشريّة ) أنّه قال: ( لو لا السنتان لهلك النعمان ) (1) . يعني السنتين اللَّتين انتهل فيهما أبو حنيفة من بحر علم الإمام الصادق ( عليه السلام ).

قال الحافظ شمس الدين محمّد بن محمّد الجزري: ( وثبتَ عندنا أنّ كلاً من الإمام مالك، وأبي حنيفة رحمهما الله تعالى، صحب الإمام أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصادق حتّى قال أبو حنيفة: ما رأيتُ أفقه منه، وقد دخلني منه من الهيبة ما لم يدخلني للمنصور ) (2) .

2 - الإمام مالك بن أنس (ت: 179 هـ):

قال عن الإمام الصادق ( عليه السلام ): ( ولقد كنتُ أرى جعفر بن محمّد وكان كثير الدعابة والتبسّم، فإذا ذُكِرَ عنده النبيّ صلّى الله عليه وسلّم اصفرَّ، وما رأيتُه يُحدّث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلاّ على طهارة، ولقد اختلفتُ إليه زمانا، فما كنتُ أراه إلاّ على ثلاث خصال إمّا مصلِّياً وإمّا صامتا ً (3) ، وإمّا يقرأ القرآن، ولا يتكلّم فيما لا يعنيه، وكان من العلماء والعبّاد الذين يخشون الله عزّ وجلّ ) (4) .

____________________

(1) مختصر التحفة الاثني عشريّة: 9، المطبعة السلفيّة، القاهرة.

(2) أسنى المطالب في مناقب سيّدنا علي بن أبي طالب: 55.

(3) هذا حسب كتاب: ( الشفا بتعريف حقوق المصطفى ) للقاضي عِيَاض، ولعلّ الأصحّ صائماً كما ذكره ابن حجر في التهذيب.

(4) نقل كلامه القاضي عِيَاض في ( الشفا بتعريف حقوق المصطفى ): 2 / 42 طبع دار الفكر، ونقل قريباً من ذلك ابن حجر العسقلاني في ( تهذيب التهذيب ): 2/70، دار الفكر.

٢٤١

3 - الإمام أحمد بن حنبل (ت: 241 هـ):

علّق الإمام أحمد بن حنبل على سندٍ فيه الإمام علي الرضا، عن أبيه موسى الكاظم، عن أبيه جعفر الصادق، عن أبيه محمّد الباقر، عن أبيه علي زين العابدين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب، عن الرسول الأكرم صلوات الله عليهم أجمعين قائلاً: ( لو قرأتُ هذا الإسناد على مجنون لبرئ مِن جُنَّتِهِ ) (1) .

4 - أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت: 250 هـ):

قال في رسائله عند ذكر الجواب عمّا فخرتْ بهِ بنو أُميّة على بني هاشم، ما نصّه: ( فأمّا الفقه والعلم والتفسير والتأويل، فإنْ ذكرتموه لم يكن لكم فيه أحد، وكان لنا فيه مثل علي بن أبي طالب... وجعفر بن محمّد الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه. ويُقال إنّ أبا حنيفة مِن تلامذته وكذلك سفيان الثوري، وحسبك بهما في هذا الباب... ) (2) .

كما أنّه مدح عشرة من أهل البيت من ضمنهم الإمام الصادق ( عليه السلام ) فقال: ( وَمنِ الذي يُعَدُّ مِنْ قريش أو من غيرهم ما يَعُدُّه الطالبيّون عشرة في نَسَق؛ كلّ واحد منهم: عالمٌ، زاهد، ناسك، شجاع، جواد، طاهر، زاكٍ، فمنهم خلفاء، ومنهم مُرشّحون:

ابن ابن ابن ابن، هكذا إلى عشرة، وهم الحسن [ العسكري ] بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر [ الصادق ] بن محمّد بن علي بن الحسين

____________________

(1) أورده ابن حجر الهيتمي في ( الصواعق المحرقة ): 310، دار الكتب العلميّة.

(2) رسائل الجاحظ: 106، جَمَعَهَا ونَشَرَهَا حسن السندوبي، المكتبة التجاريّة الكبرى، مصر.

٢٤٢

بن علي ( عليهم السلام )؛ وهذا لم يتّفق لبيتٍِ من بيوت العرب ولا من بيُوت العجم ) (1) .

5 - الحافظ أحمد بن عبد الله العجلي (ت: 261 هـ):

قال في ( معرفة الثقات ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، ولهم شيء ليس لغيرهم، خمسة أئمّة... ) (2) .

6 - محمّد بن إدريس، أبو حاتم الرازي (ت: 277 هـ):

قال عن الإمام الصادق ( عليه السلام ): ( جعفر بن محمّد ثقةٌ لا يُسألُ عن مثله ) (3) .

7 - عبد الرحمان بن أبي حاتم محمّد بن إدريس الرازي (ت: 327 هـ):

قال في كتابه ( الجرح والتعديل ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو عبد الله كرّم الله وجهه... روى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري، وابن جريج، والثوري، وشعبة، ومالك، وابن إسحاق، وسليمان بن بلال، وابن عيينة، وحاتم، وحفص، سمعتُ أبي يقول ذلك ).

ثمّ نقل بعض مدائح وتوثيقات العلماء للإمام، كتوثيق الشافعي، وابن معين، وأبي عبد الرحمان، وأبي زرعة، مقرّاً لهم على ذلك بدلالة عدم تعليقه على كلماتهم، خصوصاً أنّ كتابه موسوم بالجرح والتعديل (4) .

____________________

(1) المصدر نفسه: 109.

(2) معرفة الثقات: 1 / 270، مكتبة الدار، المدينة المنوّرة.

(3) نقله ولده الرازي في ( الجرح والتعديل ): 2 / 487، دار الفكر. والذهبي في ( تذكرة الحفّاظ ): 1 / 166، نشر مكتبة الحرم المكّي، وغيرهما.

(4) انظر: ( الجرح والتعديل ): 2 / 487، دار الفكر.

٢٤٣

8 - محمّد بن حِبَّان بن أحمد، أبو حاتم التميمي البستي (ت: 354هـ):

قال في كتابه ( الثقات ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم، كنيته أبو عبد الله، يروي عن أبيه، وكان من سادات أهل البيت فقهاً وعلماً وفضلاً، روى عنه الثوري ومالك وشعبة والناس... ) (1) .

9 - عبد الله بن عدي الجرجاني (ت: 365 هـ):

قال عن الإمام الصادق ( عليه السلام ): ( ولجعفر بن محمّد حديث كبير عن أبيه عن جابر، وعن أبيه عن آبائه، ونُسَخَاً لأهل البيت برواية جعفر بن محمّد، وقد حدّث عنه من الأئمّة مثل: ابن جريج، وشعبة بن الحجّاج، وغيرهم... وجعفر من ثقات الناس كما قال يحيى بن معين ) (2) .

10 - أبو عبد الرحمان السلمي (ت: 412 هـ):

قال في ( طبقات المشايخ الصوفيّة ): ( جعفر الصادق ( عليه السلام ) فاق جميع أقرانه من أهل البيت، وهو ذو علم غزير في الدين، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات، وأدب كامل في الحكمة ) (3) .

____________________

(1) الثقات: 6 / 131، طبع مجلس دائرة المعارف العثمانيّة، حيدر آباد الدكن، الهند.

(2) الكامل في الضعفاء: 2، 134، دار الفكر. ونقله ابن حجر بلفظ قريب من ذلك في ( تهذيب التهذيب )، 2 / 69، واللفظ المذكور من كتاب التهذيب.

(3) ذكره محمّد الخواجة البخاري في ( فصل الخطاب ). ونقله عنه القندوزي الحنفي في ( ينابيع المودّة ): 2 / 457، منشورات الشريف الرضي، المصوّرة على الطبعة الحيدريّة.

٢٤٤

11 - أحمد بن علي بن منجويه الأصبهاني (ت: 428 هـ):

قال في ( رجال مسلم ): ( جعفر بن محمّد الصادق... وكان من سادات أهل البيت فقهاً، وعلماً، وفضلاً ) (1) .

12 - أبو نعيم الأصبهاني (ت: 430 هـ):

قال في ( حلية الأولياء ) عند ترجمة الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ): (.. الإمام الناطق، ذو الزمام السابق، أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق، أقبل على العبادة والخضوع، وآثر العزلة والخشوع، ونهى عن الرئاسة والجموع ) (2) .

13 - محمّد بن طاهر بن علي المقدسي (ت: 507 هـ):

قال في كتابه ( الجمع بين رجال الصحيحين ): ( جعفر بن محمّد الصادق، وهو ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي ( رضي الله عنهم )، يُكنّى أبا عبد الله... وكان من سادات أهل البيت... روى عنه عبد الوهاب الثقفي، وحاتم بن إسماعيل، ووهيب بن خالد، وحسن بن عيّاش، وسليمان بن بلال، والثوري، والداروردي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وحفص بن غيّاث، ومالك بن أنس، وابن جريج... ) (3) .

14 - أبو الفتح محمّد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت: 548 هـ):

قال في ( الملل والنحل ): ( جعفر بن محمّد الصادق، هو ذو علم غزير، وأدب كامل في الحكمة، وزهد في الدنيا، وورع تامّ عن الشهوات، وقد أقام

____________________

(1) رجال مسلم: 1 / 120، دار المعرفة.

(2) حلية الأولياء: 3 / 176، دار إحياء التراث العربي.

(3) الجمع بين رجال الصحيحين: 1 / 70، دار الكتب العلميّة.

٢٤٥

بالمدينة مدّة يُفيد الشيعة المنتمين إليه، ويفيض على الموالين له أسرارَ العلوم، ثمّ دخل العراق وأقام بها مدّة، ما تعرّض للإمامة قط، ولا نازع في الخلافة أحداً، ومَنْ غرق في بحر المعرفة لم يقع في شط، ومَن تعلّى إلى ذروة الحقيقة لم يَخَفْ مَن حطّ ) (1) .

15 - جمال الدين أبو الفرج ابن الجوزي (ت: 597 هـ):

قال في تاريخه ( المنتظم ) عند ذكر وفيات سنة: (148 هـ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو عبد الله جعفر الصادق... كان عالماً، زاهداً، عابداً... ) (2) .

وقال في كتابه ( صفة الصفوة ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين ( عليهم السلام )، يكنّى أبا عبد الله، أمّه أمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر الصديق. كان مشغولاً بالعبادة عن حبّ الرياسة... ) (3) .

16 - أبو سعد عبد الكريم بن محمّد بن منصور التميمي السمعاني (ت: 562 هـ):

قال في كتاب ( الأنساب ): ( الصادق: بفتح الصاد، وكسر الدال المهملتَين، بينهما الألف وفي آخرها القاف، هذهِ اللفظة لقب لجعفر الصادق، لصدقه في مقاله... ) (4) .

____________________

(1) الملل والنحل: 1 / 166، دار المعرفة.

(2) المنتظم: 8 / 110 - 111، المؤسّسة المصريّة العامّة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر.

(3) صفة الصفوة: 2 / 168، عند ذكر الطبقة الخامسة من أهل المدينة، رقم: 186، دار المعرفة.

(4) الأنساب: 3 / 507، دار الجنان، بيروت.

٢٤٦

17 - الفخر الرازي، محمّد الرازي فخر الدين بن ضياء الدين عمر المشتهر بخطيب الري (ت: 604 هـ):

قال في تفسيره عند ذكره معاني كلمة ( الكوثر ): ( والقول الثالث ( الكوثر ) أولاده، قالوا لأنّ هذهِ السورة إنّما نزلت ردّاً على مَن عابه عليه السلام بعدم الأولاد، فالمعنى أنّه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان، فانظر كم قُتل من أهل البيت، ثمّ العالَم ممتلئ منهم. ولم يبقَ من بني أميّة في الدنيا أحد يُعبأ به، ثمّ انظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر، والصادق، والكاظم، والرضا ) (1) .

18 - عزّ الدين، ابن الأثير الجزري (ت: 630 هـ):

قال في ( اللباب في تهذيب الأنساب ): ( الصادق... هذهِ اللفظة تُقال لجعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وهو المشهور بالصادق، لُقّبَ به لصدقه في مقاله وفعاله... ومناقبه مشهورة ) (2) .

19 - محمّد بن طلحة الشافعي: (ت: 652 هـ):

قال في كتابه ( مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ): ( هو من عظماء أهل البيت وساداتهم عليهم السلام ذو علوم جَمّة، وعبادة موفرة، وأوراد متواصلة، وزهادة بيّنة، وتلاوة كثيرة، يتتبّع معاني القرآن، ويستخرج من بحر جواهره، ويستنتج عجائبه، ويقسّم أوقاته على أنواع الطاعات، بحيث يحاسب عليها نفسه، رؤيته تُذكِّر الآخرة، واستماع كلامه يُزهد في الدنيا، والاقتداء

____________________

(1) تفسير الفخر الرازي المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب: مجلّد16/ ج32/ 125، دار الفكر.

(2) اللباب في تهذيب الأنساب: 2 / 3، دار الفكر، طبعة جديدة ومنقّحة بإشراف مكتب البحوث والدراسات في دار الفكر.

٢٤٧

بِهَدْيِهِ يورث الجنّة، نور قسماته شاهد أنّه من سلالة النبوّة، وطهارة أفعاله تصدع أنّه من ذريّة الرسالة.

نقل عنه الحديث، واستفاد منه العلم جماعة من الأئمّة وأعلامهم مثل: يحيى بن سعيد الأنصاري، وابن جريج، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عُيَيْنَة، وشعبة، وأيّوب السجستاني وغيرهم (رض)، وعدّوا أَخْذَهم عنه منقبةً شُرِّفوا بها وفضيلة اكتسبوها )

إلى أنْ قال: ( وأمّا مناقبه وصفاته، فتكاد تفوت عدد الحاصر، ويُحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر، حتى أنّ من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى صارت الأحكام التي لا تُدرك عللها، والعلوم التي تقصر الأفهام عدد الإحاطة بحكمها، تُضاف إليه وتروى عنه.

وقد قيل إنّ كتاب الجفر الذي بالمغرب ويتوارثه بنو عبد المؤمن هو من كلامه عليه السلام، وإنّ في هذهِ المنقبة سنيّة، ودرجة في مقام الفضائل عليّة، وهي نبذة يسيرة مما نقل عنه ) (1) .

20 - يوسف بن فرُغلي بن عبد الله سبط ابن الجوزي (ت: 654 هـ):

قال في ( تذكرة الخواص ): ( وهو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب... ويلقّب بالصادق، والصابر، والفاضل، والطاهر، وأشهر ألقابه الصادق )، ثمّ ذكر قول علماء السّير بأنّ الإمام الصادق: كان قد اشتغل بالعبادة عن طلب الرياسة ).

ونقل قول عمرو بن أبي المقدام، وهو: ( كنتُ إذا نظرتُ إلى جعفر بن محمّد علمتُ أنّه من سلالة النبيّين ).

____________________

(1) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول: 2 / 111، مؤسّسة أمّ القرى.

٢٤٨

كما ذكر طرفاً من أخباره وإرشاداته ومكارم أخلاقه (1) .

21 - ابن أبي الحديد المعتزلي (ت: 655 هـ):

نقل في كتابه ( شرح نهج البلاغة ) نصّ ما تقدّم ذكره عن أبي عثمان الجاحظ، مقرّاً له عليه (2) .

وقد ذكر في نفس الفصل أيضاً عند تطرّقه لذكر الإمام الباقر ( عليه السلام ) ما نصّه: ( وهو سيّد فقهاء الحجاز، ومنه ومن ابنه جعفر تعلّم الناس الفقه ) (3) .

22 - أبو زكريّا محيي الدين بن شرف النووي (ت: 676 هـ):

قال في ( تهذيب الأسماء واللغات ): ( الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم الهاشمي المدني الصادق... روى عنه محمّد بن إسحاق، ويحيى الأنصاري، ومالك، والسفيانان، وابن جريج، وشعبة، ويحيى القطان، وآخرون. واتّفقوا على إمامته وجلالته وسيادته، قال عمر بن أبي المقدام: كنتُ إذا نظرتُ إلى جعفر بن محمّد علمتُ أنّه من سلالة النبيّين ) (4) .

23 - أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خِلَّكان (ت: 681 هـ):

قال في كتابه ( وفيات الأعيان ): ( أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمّد

____________________

(1) تذكرة الخواص: 307، مؤسّسة أهل البيت، بيروت، لبنان.

(2) شرح نهج البلاغة: 15 / 274 و278، دار الكتب العلميّة، المصوّرة على طبعة دار إحياء الكتب العربيّة.

(3) المصدر نفسه: 277.

(4) تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 155، دار الفكر.

٢٤٩

الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم أجمعين، أحد الأئمّة الاثني عشر على مذهب الإماميّة، وكان من سادات أهل البيت، ولُقّب بالصادق لصدقه في مقالته، وفضله أشهر مِن أنْ يُذكر. وله كلام في صناعة الكيمياء والزجر والفأل (1) ، وكان تلميذه أبو موسى جابر بن حيّان الصوفي الطرسوسي قد ألّف كتاباً يشتمل على ألف ورقة تتضمّن رسائل جعفر الصادق وهي خمسمئة رسالة...

تُوفّي في: شوّال، ثمان وأربعين ومئة بالمدينة، ودُفن بالبقيع في قبرٍ فيه أبوه محمّد الباقر وجدّه عليّ زين العابدين وعمّ جدّه الحسن بن علي، رضي الله عنهم أجمعين، فللّه درّه من قبر ما أكرمه وأشرفه.. ) (2) .

24 - شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت: 748 هـ):

قال في ( تذكرة الحفّاظ ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي الإمام أبو عبد الله العلوي المدني الصادق أحد السادة الأعلام... وثّقه الشافعي ويحيى بن معين. وعن أبي حنيفة قال: ما رأيتُ أفقه من جعفر بن محمّد، وقال أبو حاتم: ثقة لا يُسأل عن مثله. وعن صالح بن أبي الأسود سمعتُ جعفر بن محمّد يقول: ( سلوني قبل أنْ تفقدوني فإنّه لا يحدّثكم أحد بعد بمثل حديثي )، وقال هياج بن بسطام: كان جعفر الصادق يُطْعِم حتّى لا يبقى لعياله شيء، قلتُ [ أي الذهبي ]: مناقبُ هذا السيّد

____________________

(1) انظر: التنبيه في آخر هذا الفصل.

(2) وفيات الأعيان: 1 / 307، دار الكتب العلميّة.

٢٥٠

جمّة... ) (1) .

وقال في ( سير أعلام النبلاء ): في الجزء الثالث عشر، عند ذكره للإمام الصادق ( عليه السلام ): ( جعفر الصادق: كبير الشأن، من أئمّة العلم، كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور ) (2) .

كما ذكر له في الجزء السادس ترجمة طويلة فيها توثيقات ومدائح العديد من العلماء كالشافعي، ويحيى بن معين، وأبي زرعة، وأبي حنيفة وغيرهم، كما تفرّقت أقواله عن الإمام في طيّات هذهِ الترجمة:

فقد قال في أحد المواضع: ( شيخ بني هاشم أبو عبد الله القرشي الهاشمي العلوي النبوي المدني، أحد الأعلام ) (3) .

وقال في موضع آخر عنه وعن أبيه الباقر ( عليه السلام ): ( وكانا من جُلَّة علماء المدينة ) (4) .

وقال في موضع ثالث: ( جعفر: ثقة، صدوق ) (5) .

كما أنّ الذهبي ترجم الإمام ترجمة مطوّلة شبيهة بما في ( سير أعلام النبلاء ) وذلك في كتابه تاريخ الإسلام (6) . وقال في آخرها: ( مناقب جعفر كثيرة، وكان يصلح للخلافة؛ لسؤدده وفضله وعلمه وشرفه رضي الله عنه ).

____________________

(1) تذكرة الحفّاظ: 1 / 166، نشر مكتبة الحرم المكّي ( إعانة وزارة معارف الحكومة العالية الهنديّة ).

(2) سير أعلام النبلاء: 13 / 120، مؤسّسة الرسالة.

(3) المصدر نفسه: 6 / 255.

(4) المصدر نفسه: 6 / 255.

(5) المصدر نفسه: 6 / 257.

(6) تاريخ الإسلام: حوادث وفيات - 141 هـ - 160 هـ): 93 / دار الكتاب العربي.

٢٥١

25 - صلاح الدين الصفدي (ت: 764 هـ):

قال في كتابه ( الوافي بالوفيات ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. هو المعروف بالصادق، الإمام العَلَم المدني... ) إلى أنْ قال: ( وحدّثَ عنه: أبو حنيفة، وابن جريج، وشُعبة، والسفيانان، ومالك، ووهيب، وحاتم بن إسماعيل، ويحيى القطان، وخلق غيرهم كثيرون آخرهم وفاةً أبو عاصم النبيل، وثّقه يحيى بن معين والشافعي وجماعة ).

ثمّ نقل توثيق ومدح أبي حنيفة وأبي حاتم المتقدّم ذكرهما...، إلى أنْ قال: ( وله مناقب كثيرة وكان أهلاً للخلافة؛ لسؤدده وعلمه وشرفه... وتُوفّي سنة: ثمان وأربعين ومئة، ودُفن بالبقيع في قبرٍ فيه أبوه محمّد الباقر وجدّه علي زين العابدين وعمّ جدّه الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. فللّه درّه من قبر ما أكرمه وأشرفه. ولقّب بالصادق لصدقه في مقاله... ) (1) .

26 - أبو عبد الله أسعد بن علي بن سليمان اليافعي (ت: 768 هـ):

قال في كتابه ( مرآة الجنان ) في أحداث سنة: (148 هـ): ( فيها توفيّ الإمام السيّد الجليل، سلالة النبوّة ومعدن الفتوّة، أبو عبد الله جعفر الصادق بن أبي جعفر محمّد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين الهاشمي العلوي، وأمّه أمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر... وُلِدَ سنة: ثمانين في المدينة الشريفة وفيها تُوفّي.

ودُفن بالبقيع في قبرٍ فيه أبوه محمّد الباقر وجدّه زين العابدين وعمّ جدّه الحسن بن علي رضوان الله عليهم أجمعين، وأكرِمْ بذلك القبر وما جمع من

____________________

(1) الوافي بالوفيات: 11 / 126 - 128، دار النشر: فرانز شتايز، شتوتغارت.

٢٥٢

الأشراف الكرام أُولي المناقب، وإنّما لقّب بالصادق؛ لصدقه في مقالته: وله كلام نفيس في علوم التوحيد وغيرها، وقد ألّف تلميذه جابر بن حيّان الصوفي كتاباً يشتمل على ألف ورقة يتضمّن رسائله وهي خمسمئة رسالة ) (1) .

27 - المحدّث محمّد خواجه بارساي البخاري (ت: 822 هـ):

قال في كتابه ( فصل الخطاب ): ( ومِن أئمّة أهل البيت أبو عبد الله جعفر الصادق ( رضي الله عنه )... وكان جعفر الصادق ( رضي الله عنه ) من سادات أهل البيت... روى عنه ابنه موسى الكاظم ( رضي الله عنه )، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأبو حنيفة، وابن جريج، ومالك، ومحمّد بن إسحاق، وسفيان الثوري، وسفيان بن عُيَيْنَة، وشعبة، ويحيى بن سعيد القطان ( رحمهم الله )، واتّفقوا على جلالته وسيادته ) (2) .

28 - الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ):

قال في ( تقريب التهذيب ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو عبد الله، المعروف بالصادق، صدوق فقيه إمام، من السادسة، مات سنة: ثمان وأربعين [ أي 148 هـ ] ) (3) .

____________________

(1) مرآة الجنان وعبرة اليقظان: 1 / 238، دار الكتب العلميّة.

(2) نقله القندوزي الحنفي في ( ينابيع المودّة ): 2 / 457، منشورات الشريف الرضي، المصوّرة على الطبعة الحيدريّة.

(3) تقريب التهذيب: 1 / 91، دار الفكر للطباعة والنشر.

٢٥٣

ونقل في كتابه ( تهذيب التهذيب ) مدائح العديد من العلماء وتوثيقاتهم للإمام سلام الله عليه كالشافعي، وابن معين، وأبي حاتم، والنسائي، وابن عدي، وابن حِبَّان وغيرهم، كما أرسل قول عمرو بن أبي المقدام إرسال المسلّمات، فقال:

قال عمرو بن أبي المقدام: ( كنتُ إذا نظرتُ إلى جعفر بن محمّد علمتُ أنّه من سلالة النبيّين ) (1) .

29 - ابن الصبّاغ المالكي (ت: 855 هـ):

قال في كتابه ( الفصول المهمّة ): ( كان جعفر الصادق ( عليه السلام ) من بين أخوته خليفة أبيه ووصيّه، والقائم من بعده، برز على جماعة بالفضل، وكان أنبههم ذكراً وأجلّهم قدراً، نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته وذكره في سائر البلدان، ولم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه من الحديث، وروى عنه جماعة من أعيان الأمّة، مثل:

يحيى بن سعيد، وابن جريج، ومالك بن أنس، والثوري، وأبو عيينة، وأبو حنيفة، وشعبة، وأبو أيّوب السجستاني وغيرهم، وصّى إليه أبو جعفر ( عليه السلام ) بالإمامة وغيرها وصيّة ظاهرة، ونصّ عليه نصّاً جلياً ) إلى أنْ قال:

( وأمّا مناقبه فتكاد تفوت من عدّ الحاسب، ويحير في أنواعها فهم اليقظ الكاتب، وقد نقل بعض أهل العلم أنّ كتاب الجفر الذي بالمغرب، الذي يتوارثه بنو عبد المؤمن بن علي هو من كلامه، وله فيه المنقبة السنيّة والدرجة التي هي في مقام الفضل عَلِيَّة )، وقال في آخر الفصل:

( مناقب أبي جعفر الصادق ( عليه السلام ) فاضلة، وصفاته في الشرف كاملة، وشرفه على

____________________

(1) انظر: (تهذيب التهذيب): 2 / 68 - 70، دار الفكر.

٢٥٤

جهات الأيّام سائلة، وأندية المجد والعزّ بمفاخره ومآثره آهِلَة.

مات الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام سنة: ثمان وأربعين ومئة، في شوّال... وقبره في البقيع، دُفن في القبر الذي فيه أبوه وجدّه وعمّ جدّه، فللّه درّه من قبرٍ ما أكرمه وأشرفه... ) (1) .

30 - عبد الرحمان بن محمّد الحنفي البسطامي (ت: 858 هـ):

قال في ( مناهج التوسّل ): ( جعفر بن محمّد، ازدحم على بابه العلماء، واقتبس من مشكاة أنواره الأصفياء، وكان يتكلّم بغوامض الأسرار وعلوم الحقيقة وهو ابن سبع سنين ) (2) .

31 - المؤرّخ يوسف بن تغري بردي، جمال الدين الأتابكي (ت: 874هـ):

قال في ( النجوم الزاهرة ) عند ذكره لأحداث سنة: (148 هـ): ( وفيها تُوفّي جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، الإمام السيّد أبو عبد الله الهاشمي العلوي الحسيني المدني... وهو من الطبقة الخامسة من تابعي أهل المدينة، وكان يلقّب بالصابر، والفاضل، والطاهر، وأشهر ألقابه: الصادق... حدّث عنه أبو حنيفة، وابن جريج، وشعبة، والسفيانان ومالك، وغيرهم، وعن أبي حنيفة قال: ما رأيت أفقه من جعفر بن محمّد ) (3) .

____________________

(1) الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة: 211 - 219 دار الأضواء.

(2) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة لأسد حيدر: 1 / 55 عن ( مناهج التوسّل ): 106.

(3) النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: 2 / 8، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، المؤسّسة المصريّة العامّة للتأليف والطباعة والنشر، نسخة مصوّرة على طبعة دار الكتب.

٢٥٥

32 - محمّد بن سراج الدين الرفاعي (ت: 885 هـ):

قال في ( صحاح الأخبار ): (قال العميدي: وُلِد الصادق بالمدينة، يوم الجمعة عند طلوع الفجر، سنة: ثلاث وثمانين من الهجرة... وعاش خمساً وستّين سنة، وكانت إمامته أربعاً وثلاثين سنة، وقد نقل الناس عنه على اختلاف مذاهبهم ودياناتهم ما سارت به الركبان، وقد عُدّ أسماء الرواة عنه فكانوا أربعة آلاف رجل... ) (1) . وواضح من اسم الكتاب ومقدّمته أنّه يتبنّى كلّ ما جاء فيه.

33 - أحمد بن عبد الله الخزرجي (ت: بعد 923 هـ):

قال في ( خلاصته ): ( جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو عبد الله، أحد الأعلام... [ حدّث ] عنه خَلْق كثير لا يحصون، منهم ابنه موسى، وشعبة، والسفيانان، ومالك، قال الشافعي: وابن معين، وأبو حاتم، ثقة ) (2) .

34 - شمس الدين محمّد بن طولون (ت: 953 هـ):

قال في ( الأئمة الاثنا عشر ): ( وهو أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.

كان من سادات أهل البيت ولقّب بالصادق لصدقه في مقالته، وفضله

____________________

(1) صحاح الأخبار في نَسَب السادة الفاطميّة الأخيار: 44، الركابي المصوّرة على طبعة نخبة الأخبار في الهند.

(2) خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال: 63، نشر مكتبة المطبوعات الإسلاميّة بحلب.

٢٥٦

أشهر مِن أنْ يُذكر ) (1) .

35 - الفقيه أحمد بن حجر الهيتمي (ت: 974 هـ):

قال في ( الصواعق المحرقة ) في آخر كلامه عن الإمام الباقر ( عليه السلام ): ( وخلّف ستّة أولاد، أفضلهم وأكملهم جعفر الصادق، ومن ثمّ كان خليفته، ووصيّه، ونقل عنه الناس من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيتُه في جميع البلدان، وروى عنه الأئمّة الأكابر كيحيى بن سعيد، وابن جريج، ومالك، والسفيانَين، وأبي حنيفة، وشعبة، وأيّوب السختياني... ) (2) .

36 - الملاّ علي القاري (ت: 1014 هـ):

قال في ( شرح الشفا ): (جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن أبي طالب الهاشمي المدني المعروف بالصادق... متّفق على إمامته وجلالته وسيادته ) (3) .

37 - أحمد بن يوسف القرماني (ت: 1019 هـ):

قال في ( أخبار الدول ) عند ترجمته الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ): ( كان [ رضي الله عنه ] من بين أخوته خليفة أبيه ووصيّه، ونقل عنه من العلوم ما لم ينقل من غيره.

وكان رأساً في الحديث، روى عنه يحيى بن سعيد، وابن جريج، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة، وأبو حنيفة، وشعبة، وأبو أيّوب السجستاني،

____________________

(1) الأئمّة الاثنا عشر: 85، منشورات الشريف الرضي.

(2) الصواعق المحرقة في الردّ على أهل البِدَع والزندقة: 305، دار الكتب العلميّة.

(3) شرح الشفا: 1 / 43 - 44، دار الكتب العلميّة.

٢٥٧

وغيرهم. وُلِد بالمدينة سنة: ثمانين من الهجرة... )، إلى أن قال:

( ومناقبه كثيرة، تُوفّي في سنة: ثمان وأربعين ومئة وله من العمر ثمان وستّون سنة، وقيل: إنّه مات مسموماً في زمن المنصور. ودُفِنَ بالبقيع الذي فيه أبوه وجدّه وعمّ جدّه، فللّه درّه [ من قبرٍ ما أكرمه وأشرفه ] ) (1) .

38 - محمّد بن عبد الرؤوف المنّاوي القاهري (ت: 1031 هـ):

قال في ( الكواكب الدريّة ): ( جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب... كان إماماً نبيلاً... قال أبو حاتم: ( ثقة لا يُسأل عن مثله )، وله كرامات كبيرة ومكاشفات شهيرة:

منها: أنّه سُعي به عند المنصور، فلمّا حجّ أحضر الساعي وقال للساعي: أتحلف؟

قال: نعم، فحلف.

فقال جعفر للمنصور: حلّفهُ بما أراه.

فقال: حلِّفه؟

فقال: قل برئتُ مِن حول الله وقوّته والْتَجَأْتُ إلى حولي وقوّتي، لقد فعل جعفر كذا وكذا، فامتنع الرجل، ثمّ حلف، فَمَا تمّ حتّى مات مكانه.

ومنها: أنّ بعض الطغاة قتل مولاه فلم يزل ليلته يصلّي ثمّ دعا عليه عند السحر فسُمِعَت الضجّة بموته.

ومنها: أنّه لمّا بلغه قول الحكم بن عبّاس الكلبي في عمّه زيد:

صَلَبْنَا لَكُمْ زَيْدَاً عَلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ

وَلَمْ نَرَ مَهْدِيَّاً عَلَى الجِذْعِ يُصْلَبُ

قال: اللّهم سلّط عليه كلباً من كلابك، فافترسه الأسد... ) (2) .

____________________

(1) أخبار الدول وآثار الأول: 1 / 334 - 336، عالم الكتب، وقد أثبتنا الأقواس كما هي في النسخة التي اعتمدنا عليها، أمانةً للنقل.

(2) الكواكب الدريّة: 94، وورسة تجليد الأنوار، مصر.

٢٥٨

39 - أحمد بن شهاب الدين الخفاجي (ت: 1069 هـ):

قال عن الإمام الصادق ( عليه السلام ): ( جعفر الصادق، أبو عبد الله بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، روى عنه كثيرون، كمالك والسفيانان وابن جريح وابن إسحاق، واتفقوا على إمامته وجلالته وسيادته، وُلِدَ سنة: 80 هـ، وتُوفّي سنة: 148 هـ قيل مسموماً، وثّقه في روايته: الشافعي، وابن معين، وأبو حاتم، والذهبي، وهو مِن فضلاء أهل البيت وعلمائهم ) (1) .

40 - الشيخ مؤمن بن حسن الشبلنجي (ت: بعد 1083 هـ):

قال في كتابه ( نور الأبصار ) تحت عنوان: فصل في ذكر مناقب سيّدنا جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم: (... ومناقبه كثيرة تكاد تفوت عدّ الحاسب، ويُحار في أنواعها فَهْم اليَقِظ الكاتب، روى عنه جماعة من أعيان الأئمّة وأعلامهم كيحيى بن سعيد، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة، وأبي حنيفة، وأيّوب السختياني، وغيرهم.

قال أبو حاتم جعفر: الصادق ثقة لا يُسأل عن مثله... وفي حياة الحيوان الكبرى، فائدة، قال ابن قتيبة في كتاب أدب الكاتب وكتاب الجفر كتبه الإمام جعفر الصادق بن محمّد الباقر رضي الله عنهما فيه كلّ ما يحتاجون علمه إلى يوم القيامة، وإلى هذا الجفر أشار أبو العلاء المعرّي بقوله:

لَقَد عَجِبُوا لآلِ البَيْتِ لَمّا

أَتَاهُم عِلْمُهُم فِي جِلْد جَفْرِ

____________________

(1) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة لأسد حيدر: 1 / 59، ونقله محمّد علي دخيل في ( أئمّتنا ): 1/485 عن ( شرح الشفا ): 1 / 124.

٢٥٩

وَمِرْآةُ المُنَجِّمِ وَهِيَ صُغْرَى

تُرِيْهِ كُلَّ عَامِرَةٍ وَقَفْرِ

... وفي الفصول المهمّة: نقل بعض أهل العلم أنّ كتاب الجفر الذي بالمغرب يتوارثه بنو عبد المؤمن بن علي من كلام جعفر الصادق، وله فيه المنقبة السَّنيَّة، والدرجة التي في مقام الفضل عَلِيَّه، و ( كان ) جعفر الصادق رضي الله عنه مجاب الدعوة، إذا سأل الله شيئاً لا يتمّ قوله إلاّ وهو بين يديه... ) (1) .

41 - شهاب الدين أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمّد بن العماد الحنبلي (ت: 1089 هـ):

قال في كتابه ( شذرات الذهب ) في أحداث سنة: (148 هـ): ( وفيها تُوفِّي الإمام، سلالة النبوّة، أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين الهاشمي العلوي... وكان سيّد بني هاشم في زمانه، عاش ثمانياً وستّين سنة وأشهراً.

ووُلِدَ سنة: ثمانين بالمدينة، ودُفن بالبقيع في قبّة أبيه وجدّه وعمّ جدّه الحسن، وقد ألّف تلميذه جابر بن حيّان الصوفي كتاباً في ألف ورقة يتضمّن رسائله، وهي خمسمئة، وهو عند الإماميّة من الاثني عشر بزعمهم...

وقال في ( المغني ): جعفر بن محمّد بن علي ثقة... وقد وثّقه ابن معين وابن عدي... ) (2) .

42 - حسين بن محمّد الديار بكري (ت: 1111 هـ):

قال في ( تاريخ الخميس ): ( وفي سنة: ثمان وأربعين ومئة، تُوفّي سيّد بني

____________________

(1) نور الأبصار في مناقب آل النبيّ المختار: 160 - 161، دار الفكر، طبعة مصوّرة على طبعة القاهرة، 1948م.

(2) شذرات الذهب في أخبار مَن ذهب: 1 / 362، دار الكتب العلميّة.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459