الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٤

الميزان في تفسير القرآن  13%

الميزان في تفسير القرآن  مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 459

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 459 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 96777 / تحميل: 5843
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

بكفرهم. الحديث.

أقول: و من عجيب ما اشتمل عليه قصّة إنبات الذهب على شوارب محبّي العجل عن شرب الماء، و حمله قوله تعالى:( وَ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ) عليه و لفظة( فِي قُلُوبِهِمُ ) نعم الدليل على أنّ المراد بالإشراب حلول حبّه و نفوذه في قلوبهم دون شرب الماء الّذي نسف فيه بعد السحك.

و أعجب منه جمعه بين ذبحه و سحكه و لا يكون ذبح إلّا في حيوان ذي لحم و دم و لا يتيسّر السحك و البرد إلّا في جسد مسبوك من ذهب أو فلزّ آخر.

و فيه، أخرج عبد بن حميد و ابن أبي حاتم و أبوالشيخ عن عليّ قال: إنّ جبريل لمّا نزل فصعد بموسى إلى السماء بصر به السامريّ من بين الناس فقبض قبضة من أثر الفرس و حمل جبريل موسى خلفه حتّى إذا دنا من باب السماء صعد و كتب الله الألواح و هو يسمع صرير الأقلام في الألواح فلمّا أخبره أنّ قومه قد فتنوا من بعده نزل موسى فأخذ العجل فأحرقه.

أقول: و هو يتضمّن ما هو أعجب من سوابقه و هو عروج جبريل بموسى إلى السماء و سياق آيات القصّة في هذه السورة و غيرها لا يساعده، و أعجب منه أخذ التراب من أثر حافر فرس جبريل حين نزل للعروج بموسى و هو في الطور و السامريّ مع بني إسرائيل، و لو صحّ هذا النزول و الصعود فقد كان في آخر الميقات و إضلال السامريّ بني إسرائيل قبل ذلك بأيّام.

و نظير هذا الإشكال وارد على سائر الأخبار الّتي تتضمّن أخذه التربة من تحت حافر فرس جبريل حين تمثّل لفرعون حتّى دخل فرسه البحر فإنّ فرعون و أصحابه إنّما دخلوا البحر بعد خروج بني إسرائيل و معهم السامريّ - لو كان هناك - من البحر على ما لعرض البحر من المسافة فأين كان السامريّ من فرعون؟.

و أعظم ما يرد على هذه الأخبار - كما تقدّمت الإشارة إليه - أوّلاً كونها مخالفة للكتاب حيث أنّ الكتاب ينصّ على كون العجل جسداً غير ذي روح و هي تثبت له جسماً ذا حياة و روح و لا حجّيّة لخبر و إن كان صحيحاً اصطلاحاً مع مخالفة

٢٢١

الكتاب و لو لا ذلك لسقط الكتاب عن الحجيّة مع مخالفة الخبر فيتوقّف حجّيّة الكتاب على موافقة الخبر أو عدم مخالفته مع توقّف حجّيّة الخبر بل نفس قول النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) الّذي يحكيه الخبر بل نبوّة النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) على حجّيّة ظاهر الكتاب و هو دور ظاهر، و تمام البحث في علم الاُصول.

و ثانياً: كونها أخبار آحاد و لا معنى لجعل حجّيّة أخبار الآحاد في غير الأحكام الشرعيّة فإنّ حقيقة الجعل التشريعيّ إيجاب ترتيب أثر الواقع على الحجّة الظاهريّة و هو متوقّف على وجود أثر عمليّ للحجّة كما في الأحكام، و أمّا غيرها فلا أثر فيه حتّى يترتّب على جعل الحجّيّة مثلا إذا وردت الرواية بكون البسملة جزء من السورة كان معنى جعل حجّيّتها وجوب الإتيان بالبسملة في القراءة في الصلاة و أمّا إذا ورد مثلاً أنّ السامريّ كان رجلاً من كرمان و هو خبر واحد ظنّيّ كان معنى جعل حجّيّته أن يجعل الظنّ بمضمونه قطعاً و هو حكم تكوينيّ ممتنع و ليس من التشريع في شي‏ء و تمام الكلام في علم الاُصول.

و قد أورد بعض من لا يرتضي تفسير الجمهور للآية بمضمون هذه الأخبار عليها إيرادات اُخر رديّة و أجاب عنها بعض المنتصرين لهم بوجوه هي أردئ منها.

و قد أيّد بعضهم التفسير المذكور بأنّه تفسير بالمأثور من خير القرون - القرن الأوّل قرن الصحابة و التابعين - و ليس ممّا يقال فيه بالرأي فهو في حكم الخبر المرفوع و العدول عنه ضلال.

و فيه أوّلاً: أنّ كون قرن مّا خير القرون لا يوجب حجّيّة كلّ قول انتهى إليه و لا ملازمة بين خيريّة القرن و بين كون كلّ قول فيه حقّاً صدقاً و كلّ رأي فيه صواباً و كلّ عمل فيه صالحاً، و يوجد في الأخبار المأثورة عنهم كمّيّة وافرة من الأقوال المتناقضة و الروايات المتدافعة و صريح العقل يقضي ببطلان أحد المتناقضين و كذب أحد المتدافعين، و يوجب على الباحث الناقد أن يطالبهم الحجّة على قولهم كما يطالب غيرهم و لهم فضلهم فيما فضّلوا.

و ثانياً: أنّ كون المورد الّذي ورد عنهم الأثر فيه ممّا لا يقال فيه بالرأي كجزئيّات القصص مثلاً مقتضيّاً لكون أثرهم في حكم الخبر المرفوع إنّما ينفع إذا كانوا منتهين

٢٢٢

في رواياتهم إلى النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) لكنّا نجدهم حتّى الصحابة كثيراً مّا يروون من الروايات ما ينتهي إلى اليهود و غيرهم كما لا يرتاب فيه من راجع الأخبار المأثورة في قصص ذي القرنين و جنّة إرم و قصّة موسى و الخضر و العمالقة و معجزات موسى و ما ورد في عثرات الأنبياء و غير ذلك ممّا لا يعدّ و لا يحصى فكونها في حكم المرفوعة لا يستلزم رفعها إلى النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم).

و ثالثاً: سلّمنا كونها في حكم المرفوعة لكنّ المرفوعة منها و حتّى الصحيحة في غير الأحكام لا حجّيّة فيها و خاصّة ما كان مخالفاً للكتاب منها كما تقدّم.

و في المحاسن، بإسناده عن الوصّافيّ عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنّ فيما ناجى الله به موسى أن قال: يا ربّ هذا السامريّ صنع العجل، الخوار من صنعه؟ فأوحى الله تبارك و تعالى إليه: إنّ تلك فتنتي فلا تفحص عنها.

أقول: و هذا المعنى وارد في مختلف الروايات بألفاظ مختلفة، و عمدة الوجه في ذلك شيوع النقل بالمعنى و خاصّة في النبويّات من جهة منعهم كتابة الحديث في القرن الأوّل الهجريّ حتّى ضربه بعض الرواة في قالب الجبر و ليس به فإنّه إضلال مجازاة و ليس بإضلال ابتدائيّ. و قد نسب هذا النوع من الإضلال في كتابه إلى نفسه كثيراً كما قال:( يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ ) البقرة: ٢٦.

و أحسن تعبير عن معنى هذا الإضلال في الروايات‏ ما تقدّم في رواية القمّيّ:( فقال يعني موسى: يا ربّ العجل من السامريّ فالخوار ممّن؟ فقال: منّي يا موسى إنّي لمّا رأيتهم قد ولّوا عنّي إلى العجل أحببت أن أزيدهم فتنة) .

و ما وقع في رواية راشد بن سعد المنقولة في الدرّ المنثور و فيه( قال: يا ربّ فمن جعل فيه الروح؟ قال: أنا، قال: فأنت يا ربّ أضللتهم! قال: يا موسى يا رأس النبيّين و يا أبا الحكّام، إنّي رأيت ذلك في قلوبهم فيسّرته لهم) . الحديث.

و في المجمع، قال الصادق (عليه السلام): إنّ موسى همّ بقتل السامريّ فأوحى الله سبحانه إليه: لا تقتله يا موسى فإنّه سخيّ.

٢٢٣

( سورة طه الآيات ٩٩ - ١١٤)

كَذَٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا ( ٩٩ ) مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا ( ١٠٠ ) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا ( ١٠١ ) يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا ( ١٠٢ ) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا ( ١٠٣ ) نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا ( ١٠٤ ) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ( ١٠٥ ) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا ( ١٠٦ ) لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا ( ١٠٧ ) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ( ١٠٨ ) يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ( ١٠٩ ) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ( ١١٠ ) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ( ١١١ ) وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ( ١١٢ ) وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ( ١١٣ ) فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ( ١١٤ )

٢٢٤

( بيان)

تذييل لقصّة موسى بآيات متضمّنة للوعيد يذكر فيها من أهوال يوم القيامة لغرض الإنذار.

قوله تعالى: ( كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَ قَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً ) الظاهر أنّ الإشارة إلى خصوصيّة قصّة موسى و المراد بما قد سبق الاُمور و الحوادث الماضية و الاُمم الخالية أي على هذا النحو قصصنا قصّة موسى و على شاكلته نقصّ عليك من أخبار ما قد مضى من الحوادث و الاُمم.

و قوله:( وَ قَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً ) المراد به القرآن الكريم أو ما يشتمل عليه من المعارف المتنوّعة الّتي يذكر بها الله سبحانه من حقائق و قصص و عبر و أخلاق و شرائع و غير ذلك.

قوله تعالى: ( مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً ) ضمير( عَنْهُ ) للذكر و الوزر الثقل و الإثم و الظاهر بقرينة الحمل إرادة المعنى الأوّل و تنكيره للدلالة على عظم خطره، و المعنى: من أعرض عن الذكر فإنّه يحمل يوم القيامة ثقلاً عظيم الخطر و مرّ الأثر، شبّه الإثم من حيث قيامه بالإنسان بالثقل الّذي يحمله الإنسان و هو شاقّ عليه فاستعير له اسمه.

قوله تعالى: ( خالِدِينَ فِيهِ وَ ساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا ) المراد من خلودهم في الوزر خلودهم في جزائه و هو العذاب بنحو الكناية و التعبير في( خالِدِينَ ) بالجمع باعتبار معنى قوله:( مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ ) كما أنّ التعبير في( أَعْرَضَ ) و( فَإِنَّهُ يَحْمِلُ ) باعتبار لفظه، فالآية كقوله:( وَ مَنْ يَعْصِ اللهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ) الجن: ٢٣.

و مع الغضّ عن الجهات اللّفظيّة فقوله:( مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً خالِدِينَ فِيهِ ) من أوضح الآيات دلالة على أنّ الإنسان إنّما يعذّب بعمله و يخلد فيه و هو تجسّم الأعمال.

٢٢٥

و قوله:( وَ ساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا ) ساء من أفعال الذمّ كبئس، و المعنى: و بئس الحمل حملهم يوم القيامة، و الحمل بكسر الحاء و فتحها واحد، غير أنّ ما بالكسر هو المحمول في الظاهر كالمحمول على الظهر و ما بالفتح هو المحمول في الباطن كالولد في البطن.

قوله تعالى: ( يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً ) ( يَوْمَ يُنْفَخُ ) إلخ، بدل من يوم القيامة في الآية السابقة، و نفخ في الصور كناية عن الإحضار و الدعوة و لذا أتبعه فيما سيأتي بقوله:( يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ ) الآية: ١٠٨ من السورة.

و الزرق جمع أزرق من الزرقة و هي اللون الخاصّ، و عن الفرّاء أنّ المراد بكونهم زرقاً كونهم عمياً لأنّ العين إذا ذهب نورها أزرق ناظرها و هو معنى حسن و يؤيّده قوله تعالى:( وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى‏ وُجُوهِهِمْ عُمْياً ) الإسراء: ٩٧.

و قيل: المراد زرقة أبدانهم من التعب و العطش، و قيل: زرقة عيونهم لأنّ أسوء ألوان العين و أبغضها عند العرب زرقتها، و قيل: المراد به كونهم عطاشا لأنّ العطش الشديد يغيّر سواد العين و يريها كالأزرق و هي وجوه غير مرضيّة.

قوله تعالى: ( يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً - إلى قوله -إِلَّا يَوْماً ) التخافت تكليم القوم بعضهم بعضاً بخفض الصوت و ذلك من أهل المحشر لهول المطّلع، و قوله:( إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً ) بيان لكلامهم الّذي يتخافتون فيه، و معنى الجملة على ما يعطيه السياق: يقولون ما لبثتم في الدنيا قبل الحشر إلّا عشرة أيّام، يستقلّون لبثهم فيها بقياسه إلى ما يلوح لهم من حكم الخلود و الأبديّة.

و قوله:( نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً ) أي لنا إحاطة علميّة بجميع ما يقولون في تقرير لبثهم إذ يقول أمثلهم طريقة أي الأقرب منهم إلى الصدق إن لبثتم في الأرض إلّا يوماً و إنّما كان قائل هذا القول أمثل القوم طريقة و أقربها إلى الصدق لأنّ اللبث المحدود الأرضيّ لا مقدار له إذا قيس من اللبث الأبديّ الخالد، و عدّه يوماً و هو أقلّ من العشرة أقرب إلى الواقع من

٢٢٦

عدّه عشرة، و القول مع ذلك نسبيّ غير حقيقيّ و حقيقة القول فيه ما حكاه سبحانه في قوله:( وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى‏ يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَ لكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) الروم: ٥٦، و سيجي‏ء استيفاء البحث في معنى هذا اللبث في تفسير الآية إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى: ( وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ - إلى قوله -وَ لا أَمْتاً ) تدلّ الآية على أنّهم سألوه (صلّي الله عليه وآله وسلّم) عن حال الجبال يوم القيامة فاُجيب عنه بالآيات.

و قوله:( فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً ) أي يذرؤها و يثيرها فلا يبقى منها في مستقرّها شي‏ء، و قوله:( فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً ) القاع الأرض المستوية و الصفصف الأرض المستوية الملساء، و المعنى فيتركها أرضاً مستوية ملساء لا شي‏ء عليها، و كأنّ الضمير للأرض باعتبار أنّها كانت جبالاً، و قوله:( لا تَرى‏ فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً ) قيل: العوج ما انخفض من الأرض و الأمت ما ارتفع منها، و الخطاب للنبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) و المراد كلّ من له أن يرى و المعنى لا يرى راء فيها منخفضاً كالأودية و لا مرتفعاً كالروابي و التلال.

قوله تعالى: ( يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً ) نفي العوج إن كان متعلّقاً بالاتّباع - بأن يكون( لا عِوَجَ لَهُ ) حالاً عن ضمير الجمع و عامله يتّبعون - فمعناه أن ليس لهم إذا دعوا إلّا الاتّباع محضاً من غير أيّ توقّف أو استنكاف أو تثبّط أو مساهلة فيه لأنّ ذلك كلّه فرع القدرة و الاستطاعة أو توهّم الإنسان ذلك لنفسه و هم يعاينون اليوم أنّ الملك و القدرة لله سبحانه لا شريك له قال تعالى:( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ ) المؤمن: ١٦، و قال:( وَ لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ) البقرة: ١٦٥.

و إن كان متعلّقاً بالداعي كان معناه أنّ الداعي لا يدع أحداً إلّا دعاه من غير أن يهمل أحداً بسهو أو نسيان أو مساهلة في الدعوة.

لكن تعقيب الجملة بقوله:( وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ ) إلخ يناسب المعنى الأوّل فإنّ ارتفاع الأصوات عند الدعوة و الإحضار إنّما يكون للتمرّد و الاستكبار

٢٢٧

عن الطاعة و الاتّباع.

و قوله:( وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً ) قال الراغب: الهمس الصوت الخفيّ و همس الأقدام أخفى ما يكون من صوتها قال تعالى:( فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً ) . انتهى. و الخطاب في قوله:( فَلا تَسْمَعُ ) للنبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) و المراد كلّ سامع يسمع و المعنى و انخفضت الأصوات لاستغراقهم في المذلّة و المسكنة لله فلا يسمع السامع إلّا صوتاً خفيّاً.

قوله تعالى: ( يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلًا ) نفي نفع الشفاعة كناية عن أنّ القضاء بالعدل و الحكم الفصل على حسب الوعد و الوعيد الإلهيّين جار نافذ يومئذ من غير أن يسقط جرم مجرم أو يغمض عن معصية عاص لمانع يمنع منه فمعنى نفع الشفاعة تأثيرها.

و قوله:( إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلًا ) الاستثناء يدلّ على أنّ العناية في الكلام متعلّقة بنفي الشفعاء لا بتأثير الشفاعة في المشفوع لهم و المراد الإذن في الكلام للشفاعة كما يبيّنه قوله بعده:( وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلًا ) فإنّ التكلّم يومئذ منوط بإذنه تعالى، قال:( يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) هود: ١٠٥ و قال:( لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً ) النبأ: ٣٨. و قد مرّ القول في معنى الإذن في التكلّم في تفسير سورة هود في الجزء العاشر من الكتاب.

و أمّا كون القول مرضيّاً فمعناه أن لا يخالطه ما يسخط الله من خطإ أو خطيئة قضاء لحقّ الإطلاق و لا يكون ذلك إلّا ممّن أخلص الله سريرته من الخطإ في الاعتقاد و الخطيئة في العمل و طهّر نفسه من رجس الشرك و الجهل في الدنيا أو من ألحقه بهم فإنّ البلاء و الابتلاء اليوم مع السرائر قال تعالى:( يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ ) و للبحث ذيل طويل سيمرّ بك بعضه إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى: ( يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) إن كان ضمائر الجمع في الآية راجعة إلى( مَنْ أَذِنَ لَهُ ) باعتبار معناه كان المراد أنّ مرضيّ قولهم لا يخفى على الله فإنّ علمه محيط بهم و هم لا يحيطون به علماً فليس في وسعهم أن يغرّوه

٢٢٨

بقول مزوّق غير مرضيّ.

و إن كانت راجعة إلى المجرمين فالآية تصف علمه تعالى بهم في موقف الجزاء و هو ما بين أيديهم و قبل أن يحضروا الموقف في الدنيا حيّاً أو ميّتاً و هو ما خلفهم فهم محاطون لعلمه و لا يحيطون به علماً فيجزيهم بما فعلوا و قد عنت وجوههم للحيّ القيّوم فلا يستطيعون ردّاً لحكمه و عند ذلك خيبتهم. و هذا الاحتمال أنسب لسياق الآيات.

قوله تعالى: ( وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ) العنوة هي الذلّة قبال قهر القاهر و هي شأن كلّ شي‏ء دون الله سبحانه يوم القيامة بظهور السلطنة الإلهيّة كما قال:( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ ) المؤمن: ١٦، فلا يملك شي‏ء شيئاً بحقيقة معنى الكلمة و هو الذلّة و المسكنة على الإطلاق و إنّما نسبت العنوة إلى الوجوه لأنّها أوّل ما تبدو و تظهر في الوجوه، و لازم هذه العنوة أن لا يمنع حكمه و لا نفوذه فيهم مانع و لا يحول بينه و بين ما أراد بهم حائل.

و اختير من أسمائه الحيّ القيّوم لأنّ مورد الكلام الأموات اُحيوا ثانياً و قد تقطّعت عنهم الأسباب اليوم و المناسب لهذا الظرف من صفاته حياته المطلقة و قيامه بكلّ أمر.

قوله تعالى: ( وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَ لا هَضْماً ) بيان لجزائهم أمّا قوله:( وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً ) فالمراد بهم المجرمون غير المؤمنين فلهم الخيبة بسوء الجزاء لا كلّ من حمل ظلماً مّا أيّ ظلم كان من مؤمن أو كافر فإنّ المؤمن لا يخيب يومئذ بالشفاعة.

و لو كان المراد العموم و أنّ كلّ من حمل ظلماً مّا فهو خائب فالمراد بالخيبة الخيبة من السعادة الّتي يضادّها ذلك الظلم دون الخيبة من السعادة مطلقاً.

و أمّا قوله:( وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ ) إلخ فهو بيان استطراديّ لحال المؤمنين الصلحاء جي‏ء به لاستيفاء الأقسام و تتميم القول في الفريقين الصلحاء و المجرمين، و قد قيّد العمل الصالح بالإيمان لأنّ الكفر يحبط العمل الصالح بمقتضى

٢٢٩

آيات الحبط، و الهضم هو النقص، و معنى الآية ظاهر.

و قد تمّ باختتام هذه الآية بيان إجمال ما يجري عليهم يوم الجزاء من حين يبعثون إلى أن يجزوا بأعمالهم فقد ذكر إحضارهم بقوله:( يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ) أوّلاً ثمّ حشرهم و قرب ذلك منهم حتّى أنّه يرى أمثلهم طريقة أنّهم لبثوا في الأرض يوماً واحداً بقوله:( يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ ) إلخ ثانياً. ثمّ تسطيح الأرض لاجتماعهم عليها بقوله:( وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ ) إلخ، ثالثاً. ثم طاعتهم و اتّباعهم الداعي للحضور بقوله:( يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ ) إلخ، رابعاً. ثمّ عدم تأثير الشفاعة لإسقاط الجزاء بقوله:( يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ ) إلخ خامساً. ثمّ إحاطة علمهم بحالهم من غير عكس و هي مقدّمة للحساب و الجزاء بقوله:( يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ ) إلخ سادساً. ثمّ سلطانه عليهم و ذلّتهم عنده و نفوذ حكمه فيهم بقوله:( وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ) سابعاً. ثمّ الجزاء بقوله:( وَ قَدْ خابَ ) إلخ ثامناً، و بهذا يظهر وجه ترتّب الآيات و ذكر ما ذكر فيها.

قوله تعالى: ( وَ كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَ صَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً ) ظاهر سياقها أنّ الإشارة بكذلك إلى خصوصيّات بيان الآيات، و( قُرْآناً عَرَبِيًّا ) حال من الضمير في( أَنْزَلْناهُ ) و التصريف، هو التحويل من حال إلى حال، و المعنى و على ذلك النحو من البيان المعجز أنزلنا الكتاب و الحال أنّه قرآن مقروّ عربيّ و أتينا فيه ببعض ما أوعدناهم في صورة بعد صورة.

و قوله:( لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً ) قد أورد فيما تقدّم من قوله:( لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) الذكر مقابلاً للخشية و يستأنس منه أنّ المراد بالاتّقاء ههنا هو التحرّز من المعاداة و اللجاج الّذي هو لازم الخشية باحتمال الضرر دون الاتّقاء المترتّب على الإيمان بإتيان الطاعات و اجتناب المعاصي، و يكون المراد بإحداث الذكر لهم حصول التذكّر فيهم و تتمّ المقابلة بين الذكر و التقوى من غير تكلّف.

و المعنى - و الله أعلم - لعلّهم يتحرّزون المعاداة مع الحقّ لحصول الخشية في قلوبهم باحتمال الخطر لاحتمال كونه حقّاً أو يحدث لهم ذكراً للحقّ فيعتقدوا به.

٢٣٠

قوله تعالى: ( فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ) تسبيح و تنزيه له عن كلّ ما لا يليق بساحة قدسه، و هو يقبل التفرّع على إنزال القرآن و تصريف الوعيد فيه لهداية الناس و التفرّع عليه و على ما ذكر قبله من حديث الحشر و الجزاء و هذا هو الأنسب نظراً إلى انسلاك الجميع في سلك واحد و هو أنّه تعالى ملك يتصرّف في ملكه بهداية الناس إلى ما فيه صلاح أمرهم ثمّ إحضارهم و جزائهم على ما عملوا من خير أو شرّ.

فتعالى الله الّذي يملك كلّ شي‏ء ملكاً مطلقاً لا مانع من تصرّفه و لا معقّب لحكمه يرسل الرسل و ينزل الكتب لهداية الناس و هو من شؤون ملكه ثمّ يبعثهم بعد موتهم و يحضرهم فيجزيهم على ما عملوا و قد عنوا للحيّ القيّوم و هذا أيضاً من شؤون ملكه فهو الملك في الاُولى و الآخرة و هو الحقّ الثابت على ما كان لا يزول عمّا هو عليه.

و يمكن أن يتفرّع على جميع ما تقدّم من قصّة موسى و ما فرّع عليها إلى هنا و يكون بمنزلة ختم ذلك بالتسبيح و الاستعظام.

قوله تعالى: ( وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى‏ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ) السياق يشهد بأنّ في الكلام تعرّضاً لتلقّي النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) وحي القرآن، فضمير( وَحْيُهُ ) للقرآن، و قوله:( وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ ) نهي عن العجل بقراءته، و معنى قوله:( مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى‏ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) من قبل أن يتمّ وحيه من ملك الوحي.

فيفيد أنّ النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) كان إذا جاءه الوحي بالقرآن يعجّل بقراءة ما يوحى إليه قبل أن يتمّ الوحي فنهى عن أن يعجل في قراءته قبل انقضاء الوحي و تمامه فيكون الآية في معنى قوله تعالى في موضع آخر:( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ) القيامة: ١٨.

و يؤيّد هذا المعنى قوله بعد:( وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ) فإنّ سياق قوله: لا تعجل به و قل ربّ زدني، يفيد أنّ المراد هو الاستبدال أي بدّل الاستعجال في قراءة ما لم ينزل بعد، طلبك زيادة العلم و يؤول المعنى إلى أنّك تعجل بقراءة ما لم

٢٣١

ينزل بعد لأنّ عندك علماً به في الجملة لكن لا تكتف به و اطلب من الله علماً جديداً بالصبر و استماع بقيّة الوحي.

و هذه الآية ممّا يؤيّد ما ورد من الروايات أنّ للقرآن نزولاً دفعة واحدة غير نزوله نجوماً على النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) فلو لا علم مّا منه بالقرآن قبل ذلك لم يكن لعجله بقراءة ما لم ينزل منه بعد معنى.

و قيل: المراد بالآية و لا تعجل بقراءة القرآن لأصحابك و إملائه عليهم من قبل أن يتبيّن لك معانيه، و أنت خبير بأنّ لفظ الآية لا تعلّق له بهذا المعنى.

و قيل: المراد و لا تسأل إنزال القرآن قبل أن يقضي الله وحيه إليك، و هو كسابقه غير منطبق على لفظ الآية.

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً ) قال: أعلمهم و أصلحهم يقولون:( إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً ) .

و في المجمع قيل: إنّ رجلاً من ثقيف سأل النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم): كيف تكون الجبال مع عظمها يوم القيامة؟ فقال: إنّ الله يسوقها بأن يجعلها كالرمال ثمّ يرسل عليها الرياح فتفرّقها.

أقول: و روى هذا المعنى في الدرّ المنثور، عن ابن المنذر عن ابن جريح و لفظه: قالت قريش: يا محمّد كيف يفعل ربّك بهذه الجبال يوم القيامة؟ فنزلت:( وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ ) الآية

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( لا تَرى‏ فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً ) قال: الأمت: الارتفاع، و العوج: الحزون و الذكوات.

و فيه في قوله تعالى:( يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ ) قال: مناد من عند الله عزّوجلّ.

و فيه في قوله تعالى:( وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً ) حدّثني

٢٣٢

أبي عن الحسن بن محبوب عن أبي محمّد الوابشيّ عن أبي الورد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد واحد حفاة عراة فيوقفون في المحشر حتّى يعرقوا عرقاً شديداً و تشتدّ أنفاسهم فيمكثون في ذلك مقدار خمسين عامّاً و هو قول الله:( وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً ) الحديث.

و في الكافي، أحمد بن إدريس عن محمّد بن عبد الجبّار عن صفوان بن يحيى قال: سألني أبو قرّة المحدّث أن اُدخله إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فاستأذنته في ذلك فأذن لي فدخل عليه فسأله عن الحلال و الحرام و الأحكام حتّى بلغ سؤاله إلى التوحيد.

فقال أبو قرّة: إنّا روينا أنّ الله قسّم الرؤية و الكلام بين نبيّين فقسم الكلام لموسى و لمحمّد الرؤية، فقال أبوالحسن (عليه السلام): فمن المبلّغ عن الله إلى الثقلين من الجنّ و الإنس( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ) ( وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) ( و لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ ) ؟ أ ليس محمّد؟ قال بلى. قال: كيف يجي‏ء رجل إلى الخلق جميعاً فيخبرهم أنّه جاء من عند الله و أنّه يدعوهم إلى الله بأمر الله فيقول:( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ) ( وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) و( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ ) ثمّ يقول: أنا رأيته بعيني و أحطت به علماً و هو على صورة البشر؟ أ ما تستحيون؟ ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي من عند الله بشي‏ء ثمّ يأتي بخلافه من وجه آخر، إلى قوله: و قد قال الله:( وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) فإذا رأته الأبصار فقد أحاط به العلم و وقعت المعرفة.

فقال أبو قرّة: فتكذّب بالروايات؟ فقال أبوالحسن (عليه السلام) إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذّبتها، و ما أجمع المسلمون عليه أنّه لا يحاط به علماً و لا تدركه الأبصار و ليس كمثله شي‏ء.

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ ) الآية، قال: كان رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) إذا نزل عليه القرآن بادر بقراءته قبل تمام نزول الآية، و المعنى: فأنزل الله( وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى‏ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) أي يفرغ من قراءته( وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ) .

أقول: و روى هذا المعنى في الدرّ المنثور، عن ابن أبي حاتم عن السدّيّ: إلّا

٢٣٣

أنّ فيه أنّه (صلّي الله عليه وآله وسلّم) كان يفعل ذلك خوفاً من النسيان‏ و أنت تعلم أنّ نسيان الوحي لا يلائم عصمة النبوّة.

و في الدرّ المنثور، أخرج الفاريابيّ و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن الحسن قال: لطم رجل امرأته فجاءت إلى النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) تطلب قصاصاً، فجعل النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) بينهما القصاص، فأنزل الله( وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى‏ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ) ، فوقف النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) حتّى نزلت( الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ ) الآية.

أقول: و الحديث لا يخلو من شي‏ء فلا الآية الاُولى بمضمونها تنطبق على المورد و لا الثانية، و قد سبق البحث عن كليهما.

و في المجمع، روت عائشة عن النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال: إذا أتى عليّ يوم لا أزداد فيه علما يقرّبني إلى الله فلا بارك الله لي في طلوع شمسه.

أقول: و الحديث لا يخلو من شي‏ء و كيف يظنّ بالنبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) أن يدعو على نفسه في أمر ليس إليه، و لعلّ في الرواية تحريفاً من جهة النقل بالمعنى.

٢٣٤

( سورة طه الآيات ١١٥ - ١٢٦)

وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ( ١١٥ ) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ ( ١١٦ ) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ ( ١١٧ ) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ ( ١١٨ ) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ ( ١١٩ ) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ ( ١٢٠ ) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ( ١٢١ ) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ ( ١٢٢ ) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ ( ١٢٣ ) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ( ١٢٤ ) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا ( ١٢٥ ) قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ ( ١٢٦ )

( بيان)

قصّة دخول آدم و زوجه الجنّة و خروجهما منها بوسوسة من الشيطان و قضائه تعالى عند ذلك بتشريع الدين و سعادة من اتّبع الهدى و شقاء من أعرض

٢٣٥

عن ذكر الله.

و قد وردت القصّة في هذه السورة بأوجز لفظ و أجمل بيان، و عمدة العناية فيها - كما يشهد به تفصيل ذيلها - متعلّقة ببيان ما حكم به من تشريع الدين و الجزاء بالثواب و العقاب، و يؤيّده أيضاً التفريع بعدها بقوله:( وَ كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَ لَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ ) إلخ، نعم للقصّة تعلّق ما أيضاً من جهة ذكرها توبة آدم بقوله فيما تقدّم:( وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) .

و القصّة - كما يظهر من سياقها في هذه السورة و غيرها ممّا ذكرت فيها كالبقرة و الأعراف - تمثّل حال الإنسان بحسب طبعه الأرضيّ المادّيّ فقد خلقه الله سبحانه في أحسن تقويم و غمّره في نعمه الّتي لا تحصى و أسكنه جنّة الاعتدال و منعه عن تعدّيه بالخروج إلى جانب الإسراف باتّباع الهوى و التعلّق بسراب الدنيا و نسيان جانب الربّ تعالى بترك عهده إليه و عصيانه و اتّباع وسوسة الشيطان الّذي يزيّن له الدنيا و يصوّر له و يخيّل إليه أنّه لو تعلّق بها و نسي ربّه اكتسب بذلك سلطاناً على الأسباب الكونيّة يستخدمها و يستذلّ بها كلّ ما يتمنّاه من لذائذ الحياة و أنّها باقية له و هو باق لها، حتّى إذا تعلّق بها و نسي مقام ربّه ظهرت له سوآت الحياة و لاحت له مساوئ الشقاء بنزول النوازل و خيانة الدهر و نكول الأسباب و تولّي الشيطان عنه فطفق يخصف عليه من ظواهر النعم يستدرك بموجود نعمة مفقود اُخرى و يميل من عذاب إلى ما هو أشدّ منه و يعالج الداء المؤلم بآخر أكثر منه ألما حتّى يؤمر بالخروج من جنّة النعمة و الكرامة إلى مهبط الشقاء و الخيبة.

فهذه هي الّتي مثّلت لآدم (عليه السلام) إذ أدخله الله الجنّة و ضرب له بالكرامة حتّى آل أمره إلى ما آل إلّا أنّ واقعته (عليه السلام) كانت قبل تشريع أصل الدين و جنّته جنّة برزخيّة ممثّلة في عيشة غير دنيويّة فكان النهي لذلك إرشاديّاً لا مولويّاً و مخالفته مؤدّية إلى أمر قهريّ ليس بجزاء تشريعيّ كما تقدّم تفصيله في تفسير سورتي البقرة و الأعراف.

قوله تعالى: ( وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى‏ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ) المراد

٢٣٦

بالعهد الوصيّة و بهذا المعنى يطلق على الفرامين و الدساتير العهود، و النسيان معروف و ربّما يكنّى به عن الترك لأنّه لازمه إذ الشي‏ء إذا نسي ترك، و العزم القصد الجازم إلى الشي‏ء قال تعالى:( فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ) آل عمران: ١٥٩ و ربّما اُطلق على الصبر و لعلّه لكون الصبر أمراً شاقّاً على النفوس فيحتاج إلى قصد أرسخ و أثبت فسمّي الصبر باسم لازمه قال تعالى:( إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) .

فالمعنى و اُقسم لقد وصّينا آدم من قبل فترك الوصيّة و لم نجد له قصداً جازماً إلى حفظها أو صبراً عليها و العهد المذكور - على ما يظهر من قصّته (عليه السلام) في مواضع من كلامه تعالى - هو النهي عن أكل الشجرة، بمثل قوله:( لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ ) . الأعراف: ١٩.

قوله تعالى: ( وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى) معطوف على مقدّر و التقدير اذكر عهدنا إليه و اذكر وقتاً أمرنا الملائكة بالسجود له فسجدوا إلّا إبليس حتّى يظهر أنّه نسي و لم يعزم على حفظ الوصيّة، و قوله:( أَبى) جواب سؤال مقدّر تقديره ما ذا فعل إبليس؟ فقيل: أبى.

قوله تعالى: ( فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَ لِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى‏ ) تفريع على إباء إبليس عن السجدة أي فلمّا أبى قلنا إرشاداً لآدم إلى ما فيه صلاح أمره و نصحاً: إنّ هذا الآبي عن السجدة - إبليس - عدوّ لك و لزوجك إلخ.

و قوله:( فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ ) توجيه نهي إبليس عن إخراجهما من الجنّة إلى آدم كناية عن نهيه عن طاعته أو عن الغفلة عن كيده و الاستهانة بمكره أي لا تطعه أو لا تغفل عن كيده و تسويله حتّى يتسلّط عليكما و يقوى على إخراجكما من الجنّة و إشقائكما.

و قد ذكر الإمام الرازيّ في تفسيره وجوهاً لسبب عداوة إبليس لآدم و زوجه و هي وجوه سخيفة لا فائدة في الإطناب بنقلها، و الحقّ أنّ السبب فيها هو طرده من حضرة القرب و رجمه و جعل اللعن عليه إلى يوم القيامة كما يظهر من قوله لعنه الله على

٢٣٧

ما حكاه الله:( قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) الحجر: ٣٩. و قوله:( قالَ أَ رَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى‏ يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا ) الإسراء: ٦٢، و معلوم أنّ تكريم آدم عليه هو تكريم نوع الإنسان عليه كما أنّ أمره بالسجدة له كان أمراً بالسجدة لنوع الإنسان فأصل السبب هو تقدّم الإنسان و تأخّر الشيطان ثمّ الطرد و اللعن.

و قوله:( فَتَشْقى) تفريع على خروجهما من الجنّة و المراد بالشقاء التعب أي فتتعب إن خرجتما من الجنّة و عشتما في غيرها و هو الأرض عيشة أرضيّة لتهاجم الحوائج و سعيك في رفعها كالحاجة إلى الطعام و الشراب و اللباس و المسكن و غيرها.

و الدليل على أنّ المراد بالشقاء التعب الآيتان التاليتان المشيرتان إلى تفسيره:( إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَ لا تَعْرى‏ وَ أَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَ لا تَضْحى) .

و هو أيضاً دليل على أنّ النهي إرشاديّ ليس في مخالفته إلّا الوقوع في المفسدة المترتّبة على نفس الفعل و هو تعب السعي في رفع حوائج الحياة و اكتساب ما يعاش به و ليس بمولويّ تكون نفس مخالفته مفسدة يقع فيها العبد و تستتبع مؤاخذة اُخرويّة. على أنّك عرفت أنّه عهد قبل تشريع أصل الدين الواقع عند الأمر بالخروج من الجنّة و الهبوط إلى الأرض.

و أمّا إفراد قوله:( فَتَشْقى) و لم يقل فتشقيا بصيغة التثنية فلأنّ العهد إنّما نزل على آدم (عليه السلام) و كان التكليم متوجّها إليه، و لذلك جي‏ء بصيغة الإفراد في جميع ما يرجع إليه كقوله:( فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ) ( فَتَشْقى) ( أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَ لا تَعْرى) ( لا تَظْمَؤُا فِيها وَ لا تَضْحى‏ ) ( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ) إلخ( وَ عَصى) إلخ( ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ ) نعم جي‏ء بلفظ التثنية فيما لا غنى عنه كقوله:( عَدُوٌّ لَكَ وَ لِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما ) ( فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما ) ( وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما ) ( قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ) فتدبّر فيه.

و قيل: إنّ إفراد:( فَتَشْقى) من جهة أنّ نفقة المرأة على المرء و لذا نسب الشقاء و هو التعب في اكتساب المعاش إلى آدم و فيه. أنّ الآيتين التاليتين لا تلائمان ذلك

٢٣٨

و لو كان كما قال لقيل: إنّ لكما أن لا تجوعا إلخ، و قيل: إنّ الإفراد لرعاية الفواصل و هو كما ترى.

قوله تعالى: ( إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَ لا تَعْرى‏ وَ أَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَ لا تَضْحى) يقال: ضحى يضحى كسعى يسعى ضحواً و ضحياً إذا أصابته الشمس أو برز لها و كأنّ المراد بعدم الضحو أن ليس هناك أثر من حرارة الشمس حتّى تمسّ الحاجة إلى الاكتنان في مسكن يقي من الحرّ و البرد.

و قد رتّبت الاُمور الأربعة على نحو اللفّ و النشر المرتّب لرعاية الفواصل و الأصل في الترتيب أن لا تجوع فيها و لا تظمأ و لا تعرى و لا تضحى.

قوله تعالى: ( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى‏ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَ مُلْكٍ لا يَبْلى‏ ) الشيطان هو الشرير لقّب به إبليس لشرارته، و المراد بشجرة الخلد الشجرة المنهيّة و البلى صيرورة الشي‏ء خلقاً خلاف الجديد.

و المراد بشجرة الخلد شجرة يعطي أكلها خلود الحياة، و المراد بملك لا يبلى سلطنة لا تتأثّر عن مرور الدهور و اصطكاك المزاحمات و الموانع فيؤول المعنى إلى نحو قولنا هل أدلّك على شجرة ترزق بأكل ثمرتها حياة خالدة و ملكاً دائماً فليس قوله:( لا يَبْلى‏ ) تكراراً لإفادة التأكيد كما قيل.

و الدليل على ما ذكره ما في سورة الأعراف في هذا المعنى من قوله:( ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ ) الأعراف: ٢٠ و لا منافاة بين جمع خلود الحياة و دوام الملك ههنا بواو الجمع و بين الترديد بينهما في سورة الأعراف لإمكان أن يكون الترديد هناك لمنع الخلوّ لا لمنع الجمع، أو يكون الجمع هاهنا باعتبار الاتّصاف بهما جميعاً و الترديد هناك باعتبار تعلّق النهي كأنّه قيل: إنّ في هذه الشجرة صفتين و إنّما نهاكما ربّكما عنها إمّا لهذه، أو لهذه أو إنّما نهاكما ربّكما عنها أن لا تخلداً في الجنّة مع ملك خالد أو أن لا تخلداً بناء على أنّ الملك الخالد يستلزم حياة خالدة فافهم ذلك و كيف كان فلا منافاة بين الترديد في آية و الجمع في اُخرى.

٢٣٩

قوله تعالى: ( فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ) تقدّم تفسيره في سورة الأعراف.

قوله تعالى: ( وَ عَصى‏ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) الغيّ خلاف الرشد الّذي هو بمعنى إصابة الواقع و هو غير الضلال الّذي هو الخروج من الطريق، و الهدى يقابلهما و يكون بمعنى الإرشاد إذا قابل الغيّ كما في الآية التالية و بمعنى إراءة الطريق، أو الإيصال إلى المطلوب بتركيب الطريق إذا قابل الضلال فليس من المرضيّ تفسير الغيّ في الآية بمعنى الضلال.

و معصية آدم ربّه - كما أشرنا إليه آنفاً و قد تقدّم تفصيله - إنّما هي معصية أمر إرشاديّ لا مولويّ و الأنبياء (عليهم السلام) معصومون من المعصية و المخالفة في أمر يرجع إلى الدين الّذي يوحى إليهم من جهة تلقّيه فلا يخطؤون، و من جهة حفظه فلا ينسون و لا يحرّفون، و من جهة إلقائه إلى الناس و تبليغه لهم قولا فلا يقولون إلّا الحقّ الّذي اُوحي إليهم و فعلاً فلا يخالف فعلهم قولهم و لا يقترفون معصية صغيرة و لا كبيرة لأنّ في الفعل تبليغاً كالقول، و أمّا المعصية بمعنى مخالفة الأمر الإرشاديّ الّذي لا داعي فيه إلّا إحراز المأمور خيراً أو منفعة من خيرات حياته و منافعها بانتخاب الطريق الأصلح كما يأمر و ينهى المشير الناصح نصحاً فإطاعته و معصيته خارجتان من مجرى أدلّة العصمة و هو ظاهر.

و ليكن هذا معنى قول القائل إنّ الأنبياء (عليهم السلام) على عصمتهم يجوز لهم ترك الاُولى و منه أكل آدم (عليه السلام) من الشجرة و الآية من معارك الآراء و قد اختلفت فيها التفاسير على حسب اختلاف مذاهبهم في عصمة الأنبياء و كلّ يجرّ النار إلى قرصته.

قوله تعالى: ( ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى) الاجتباء - كما تقدّم مراراً - بمعنى الجمع على طريق الاصطفاء ففيه جمعه تعالى عبده لنفسه لا يشاركه فيه أحد و جعله من المخلصين بفتح اللام، و على هذا المعنى يتفرّع عليه قوله:( فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى) ، كأنّه كان ذا أجزاء متفرّقة متشتّتة فجمعها من هنا و هناك إلى

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

و في ( عيون ابن قتيبة ) قالت عائشة : خطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله امرأة من كلب ، فبعثني أنظر إليها فقال لي : كيف رأيت ؟ فقلت : ما رأيت طائلا فقال : لقد رأيت خالا بخدّها أقشعر كلّ شعرة منك على حدها فقالت : ما دونك ستر(١) .

و روى ( سنن أبي داود ) عن أنس أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان عند بعض نسائه ، فأرسلت إحدى امهات المؤمنين مع خادمها قصعة فيها طعام ، فضربت بيدها فكسرت القصعة ، فأخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الكسرتين فضمّ إحداهما إلى الاخرى فجعل يجمع فيها الطعام و يقول : غارت امّكم(٢) .

قلت : و المرسلة للطعام في قصعة كانت صفية بن حيّ بن أخطب و الكاسرة لها عائشة كما صرّح به في خبر رواه بعد و في ذاك الخبر : أخذ عائشة أفكل فكسرت الإناء .

و في ( اسد الغابة ) في عنوان خديجة ، قالت عائشة : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها ، فذكرها يوما فأدركتني الغيرة فقلت : هل كانت إلاّ عجوزا فقد أبدلك اللَّه خيرا منها فغضب حتى اهتزّ مقدّم شعره من الغضب ، ثم قال : لا و اللَّه ما أبدلني اللَّه خيرا منها ، آمنت بي إذ كفر الناس ، و صدّقتني إذ كذّبني الناس ، و واستني في مالها إذ حرمني الناس ، و رزقني اللَّه منها أولادا إذ حرمني أولاد النساء(٣) .

قلت : و مغزى كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ أباها كان كافرا فيمن كفر و مكذّبا فيمن كذب حين اسلام خديجة ، كما أنّها هي من نسائه اللاتي حرم الولد منهن ، فكيف يدّعون لأبيها تقدم اسلامه .

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٤ : ١٩ كذا أخبار النساء لابن قيم الجوزية : ٩ .

( ٢ ) سنن أبي داود ٣ : ٢٩٧ ح ٣٥٦٧ .

( ٣ ) اسد الغابة لابن الأثير ٥ : ٤٣٨ .

٢٨١

و في ( تفسير القمّي ) في قوله تعالى :( و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ) (١) كان سبب نزولها أنّ امرأة من الأنصار أتت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و قد تهيّأت و تزيّنت ، فقالت : يا رسول اللَّه هل لك فيّ حاجة فقد وهبت نفسي لك فقالت لها عائشة : قبّحك اللَّه ما أنهمك للرجال فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : مه يا عائشة فإنّها رغبت في رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ زهدتنّ فيه ثم قال : رحمك اللَّه و رحمكم يا معشر الأنصار ، نصرني رجالكم و رغبت فيّ نساؤكم ، إرجعي رحمك اللَّه فإنّي أنتظر أمر اللَّه فأنزل اللَّه تعالى( و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبيّ أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين ) (٢) فلا تحلّ الهبة إلاّ لرسول اللَّه(٣) .

ثم من المضحك أنّ النووي في شرحه على صحيح مسلم قال بعد ذكر رواية مسلم عن عائشة قالت : قال لي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي لأعلم إذا كنت عنّي راضية و إذا كنت عليّ غضبى قلت : و من أين تعرف ذلك ؟ قال : أمّا إذ كنت عني راضية تقولين : « لا و ربّ محمّد » و إذ كنت غضبى تقولين : « لا و ربّ إبراهيم » .

قلت : أجل و اللَّه لا أهجر إلاّ اسمك .

مغاضبة عائشة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هي ممّا سبق من الغيرة التي عفي عنها للنساء في كثير من الأحكام كما سبق لعدم انفكاكهن منها ، حتى قال مالك و غيره من علماء المدينة : يسقط عنها الحد إذا قذفت زوجها بالفاحشة على جهة الغيرة ، قال و احتج بما روي ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما تدري الغيراء أعلى الوادي من أسفله و لو لا ذلك لكان على عائشة في ذلك من الحرج ما فيه ، لأن الغضب على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و هجره كبيرة عظيمة(٤) .

____________________

( ١ ) الأحزاب : ٥٠ .

( ٢ ) الأحزاب : ٥٠ .

( ٣ ) تفسير القمي ٢ : ١٩٥ .

( ٤ ) صحيح مسلم بشرح النووي ١٥ : ٢٠٣ .

٢٨٢

فإنّ إخواننا إنّما عرفوا الحق بالأشخاص ، فاعتقدوا بحسب مذهبهم المتناقض أنّ عائشة صدّيقة ابنة صدّيق .

فاشتروا بذلك قول اللَّه جل و علا :( يا نساء النبي من يأت منكنّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين و كان ذلك على اللَّه يسيرا ) (١) و قوله تعالى فيها و في صاحبتها :( و إن تظاهرا عليه فإنّ اللَّه هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين ) (٢) .

و قوله عزّ اسمه تعريضا بهما كما صرّح به ( الزمخشري )(٣) و رواه ( صحيح مسلم )(٤) :( ضرب اللَّه مثلا للّذين كفروا امرأت نوح و امرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من اللَّه شيئا و قيل ادخلا النّار مع الدّاخلين ) (٥) بثمن قليل ، فكان ضعف العذاب عليها لإتيانها بتلك الفواحش المبيّنة عليهم عسيرا ، و تظاهرها هي و صاحبتها على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله نسيا منسيا ، و أنّها مع خيانتها تلك الخيانات التي أثبتها التاريخ في الجمل و غير الجمل كان كونها تحت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يغني عنها شيئا .

كما أغمضوا عمّا شاهدوا من أبيها و صاحبه مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتخلّف عن جيش اسامة الذي لعن المتخلف عنه و منعه من الوصية و نسبة الهجر إليه ، مع قوله تعالى :( و ما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ) (٦) و مع أهل بيته بإحراقهم لو لم يبايعوا مع قوله تعالى فيهم( إنّما يريد اللَّه ليذهب

____________________

( ١ ) الأحزاب : ٣٠ .

( ٢ ) التحريم : ٤ .

( ٣ ) الكاشف للزمخشري ٤ : ٥٧١ .

( ٤ ) صحيح مسلم ١٥ : ٢٠٣ .

( ٥ ) التحريم : ١٠ .

( ٦ ) النجم : ٣ ٤ .

٢٨٣

 عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ) (١) .

و لمّا قال بعضهم لأمير المؤمنينعليه‌السلام : إني أعتزلك لاعتزال سعد و ابن عمر لك قالعليه‌السلام له : إنّك تعرف الحقّ بالرجال و الواجب أن تعرف الرجال بالحقّ(٢) .

و كيف تكون غيرتهن عفوا و قد قال أمير المؤمنينعليه‌السلام « غيرتهن كفر » و قال الباقرعليه‌السلام : غيرة النساء الحسد ، و الحسد أصل الكفر ، إنّ النساء إذا غرن غضبن ، و إذا غضبن كفرن إلاّ المسلمات منهنّ(٣) .

و قال الصادقعليه‌السلام : إن اللَّه تعالى لم يجعل الغيرة للنساء ، و إنّما تغار المنكرات منهن ، فأمّا المؤمنات فلا ، إنّما جعل اللَّه الغيرة للرجال(٤) .

فأمّا قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « الغيراء لا تدري أعلى الوادي من أسفله » فبيان حالهن لا دليل جواز عملهن .

و ورد من طريقنا(٥) أيضا هكذا : بينا كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قاعدا إذ جاءت امرأة عريانة حتى قامت بين يديه فقالت : إنّي قد فجرت فطهّرني ، و جاء رجل يعدو في أثرها و ألقى عليها ثوبا ، فقال : ما هي منك ؟ قال : صاحبتي خلوت بجاريتي فصنعت ما ترى فقال : ضمّها إليك ثم قال : ان الغيراء لا تبصر أعلى الوادي من أسفله(٦) .

____________________

( ١ ) الأحزاب : ٣٣ .

( ٢ ) ذكره المفيد في أماليه : ٣ بلفظ : « فإنّك امرؤ ملبوس عليك ، إنّ دين اللَّه لا يعرف بالرجال بل بآية الحق ، فأعرف الحق تعرف أهله .

( ٣ ) الفروع من الكافي للكليني ٥ : ٥٠٥ ، و ذكره الطبرسي في مكارم الأخلاق : ١٢٤ .

( ٤ ) الفروع من الكافي للكليني ٥ : ٥٠٥ ح ٢ .

( ٥ ) من حديث مطول أسنده الطبرسي إلى جابر . لم يأت المؤلف على ذكره بالتفصيل انظر مكارم الأخلاق : ١٢٤ .

( ٦ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٠٥ ح ٣ ، و فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٩ : ٣٢٥ .

٢٨٤

و كيف يعفى عنهنّ مع ترتب مفاسد كثيرة على غيرتهن ، فقد روى الكافي أنّ عمر اتي بجارية قد شهدوا عليها أنّها بغت و كان من قصتها أنّها كانت يتيمة عند رجل و كان الرجل كثيرا ما يغيب عن أهله ، فشبّت اليتيمة فتخوّفت المرأة أن يتزوجها زوجها ، فدعت بنسوة حتى أمسكنها فأخذت عذرتها بأصبعها ، فلما قدم زوجها من غيبته رمت المرأة اليتيمة بالفاحشة و أقامت البيّنة من جاراتها اللاّتي ساعدنها على ذلك ، فرفع ذلك إلى عمر فلم يدر كيف يقضي فيها ، ثم قال للرجل : إئت عليّ بن أبي طالب و إذهب بنا إليه .

فأتوهعليه‌السلام و قصوا عليه القصة ، فقالعليه‌السلام لامرأة الرجل : ألك بيّنة أو برهان ؟

قالت : هؤلاء جاراتي يشهدن عليها بما أقول ، و أحضرتهن فأخرج عليعليه‌السلام سيفه من غمده فطرحه بين يديه و أمر بكلّ واحدة منهن فأدخلت بيتا ، ثم دعا امرأة الرجل فأدارها بكل وجه فأبت أن تزول عن قولها ، فردّها إلى البيت الذي كانت فيه و دعا إحدى الشهود و جثا على ركبتيه ثم قال : تعرفيني أنا علي بن أبي طالب و هذا سيفي و قد قالت امرأة الرجل ما قالت و رجعت إلى الحق و أعطيتها الأمان و إن لم تصدقيني لأمكّننّ السيف منك فالتفتت المرأة إلى عمر و قالت : الأمان على الصدق فقال لها علي فاصدقي ، فقالت لا و اللَّه إلاّ أنّها رأت جمالا و هيئة فخافت فساد زوجها فسقتها المسكر و دعتنا فأمسكناها فافتضّتها بأصبعها فقال عليعليه‌السلام : اللَّه أكبر أنا أوّل من فرق بين الشهود إلاّ دانيال النبيعليه‌السلام ، و الزمهن حدّ القاذف و الزمهن جميعا العقر و جعل عقرها أربعمائة درهم ، و أمر بالمرأة أن تنفى من الرجل و يطلقها زوجها ، و زوّجهعليه‌السلام الجارية و ساق المهر عنه .(١) .

و روى أيضا أنّه كان على عهد أمير المؤمنينعليه‌السلام رجلان متؤاخيان

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٧ : ٤٢٥ ح ٩ .

٢٨٥

في اللَّه عز و جل ، فمات أحدهما و أوصى إلى الآخر في حفظ بنية كانت له ، فحفظها الرجل و أنزلها منزلة ولده في اللطف و الإكرام ، ثم حضره سفر فخرج و أوصى امرأته في الصبية ، فأطال السفر حتى إذا أدركت الصبيّة و كان لها جمال و كان الرجل يكتب في حفظها و التعاهد لها ، فلما رأت ذلك امرأته خافت أن يقدم فيراها قد بلغت مبلغ النساء فيعجبه جمالها فيتزوجها ، فعمدت إليها هي و نسوة معها قد كانت أعدّتهن ، فأمسكنّها لها ثم افترعتها بأصبعها ، فلما قدم الرجل من سفره دعا الجارية ، فأبت أن تجيبه استحياء ممّا صارت إليه ، فألحّ عليها في الدعاء ، كلّ ذلك و هي تأبى أن تجيبه ، فلما أكثر عليها قالت له امرأته : دعها فانّها تستحي أن تأتيك من ذنب أتته ، و رمتها بالفجور ، فاسترجع الرجل ثم قام إلى الجارية فوبّخها و قال لها : ويحك أما علمت ما كنت أصنع بك من الألطاف ، و اللَّه ما كنت أعدّك إلاّ كبعض ولدي أو إخوتي و إن كنت لابنتي ، فما دعاك إلى ما صنعت ؟ فقالت له الجارية : أمّا إذ قيل لك ما قيل فو اللَّه ما فعلت الذي رمتني به امرأتك و لقد كذبت عليّ ، فإنّ القصة لكذا و كذا و وصفت له ما صنعت امرأته بها فأخذ الرجل بيد امرأته و يد الجارية فمضى بهما حتى أجلسهما بين يدي أمير المؤمنينعليه‌السلام و أخبره بالقصة كلّها و أقرّت المرأة بذلك ، و كان الحسنعليه‌السلام بين يدي أبيه فقال له : إقض فيها فقال الحسنعليه‌السلام :

نعم على المرأة الحد لقذفها الجارية و عليها القيامة لافتراعها فقالعليه‌السلام له :

صدقت(١) .

و في ( مناقب السروي ) عن تميم بن خزام الأسدي قال : صبّت امرأة بياض البيض على فراش ضرّتها و قالت لزوجها : قد بات عندها رجل ، ففتّش ثيابها فأصاب ذلك البيض ، فقص ذلك على عمر فهمّ أن يعاقبها فقال أمير

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٧ : ٢٠٧ ح ١٢ .

٢٨٦

المؤمنينعليه‌السلام : إيتوني بماء حار قد اغلي غليانا شديدا ، فلما اتي به أمرهم فصبّوا على الموضع فاشتوى ذلك الموضع ، فرمى به إليها و قال :( إنّه من كيدكن إنّ كيدكن عظيم ) (١) و قالعليه‌السلام لزوجها : أمسك عليك زوجك فإنّها حيلة تلك التي قذفتها ، فضربها الحدّ(٢) .

و في ( معجم أدباء الحموي ) نقلا عن كتاب شعراء ابن المعتزّ : كان الخليل منقطعا إلى الليث بن رافع بن نصر بن سيّار ، و كان الليث من أكتب أهل زمانه بارع الأدب بصيرا بالشعر و الغريب و النحو ، و كان كاتبا للبرامكة و كانوا معجبين به ، فارتحل إليه الخليل و عاشره فوجده بحرا فأغناه ، و أحبّ الخليل أن يهدي إليه هدية تشبهه ، فاجتهد في تصنيف كتاب العين فصنّفه له و خصّه به دون الناس و حبّره و أهداه إليه ، فوقع منه موقعا عظيما و سرّ به و عوّضه عنه مائة ألف درهم و اعتذر إليه ، و أقبل الليث ينظر فيه ليلا و نهارا لا يملّ النظر فيه حتى حفظ نصفه و كانت ابنة عمّه تحته فاشترى عليها جارية نفيسة بمال جليل ، فبلغها ذلك فغارت غيرة شديدة ، فقالت و اللَّه لأغيظنّه و لا ابقي غاية فقالت : إن غظته في المال فذاك ما لا يبالي و لكني أراه مكبّا ليله و نهاره على هذا الدفتر و اللَّه لأفجعنه به ، فأخذت الكتاب و أضرمت نارا و ألقته فيها ، و أقبل الليث إلى منزله و دخل إلى البيت الذي كان فيه الكتاب ، فصاح بخدمه و سألهم عن الكتاب فقالوا : أخذته الحرة ، فبادر إليها و قد علم من أين اتي ، فلما دخل عليها ضحك في وجهها و قال لها : ردّي الكتاب فقد وهبت لك الجارية و حرّمتها على نفسي ، و كانت غضبى فأخذت بيده و أرته رماده ، فسقط في يد الليث فكتب نصفه من حفظه و جمع على الباقي أدباء زمانه و قال

____________________

( ١ ) يوسف : ٢٨ .

( ٢ ) المناقب للسروي ٢ : ٣٦٧ .

٢٨٧

لهم : مثلوا عليه و اجتهدوا ، فعملوا هذا النصف الذي بأيدي الناس ، فهو ليس من تصنيف الخليل و لا يشقّ غباره(١) .

هذا ، و في السير : ضرب البعث على كوفي إلى آذربيجان ، فاقتاد جارية و فرسا و كان مملكا بابنة عمه ، فكتب إليها ليغيرها :

ألا بلغوا ام البنين بأننا

غنينا و أغنتنا الغطارفة المرد

بعيد مناط المنكبين إذا جرى

و بيضاء كالتمثال زيّنها العقد

فهذا لأيّام العدو و هذه

لحاجة نفسي حين ينصرف الجند

فكبت إليه امرأته :

ألا فاقره منّي السّلام و قل له

غنينا و أغنتنا غطارفة المرد

إذا شئت أغناني غلام مرجّل

و نازعته في ماء معتصر الورد

و ان شاء منهم ناشى‏ء مدّ كفّه

إلى عكن ملساء أو كفل نهد

فما كنتم تقضون حاجة أهلكم

شهودا قضيناها على النأي و البعد

فعجّل علينا بالسراح فإنّه

منانا و لا ندعو لك اللَّه بالرد

فلا قفل الجند الذي أنت فيهم

و زادك رب الناس بعدا على بعد

فلما ورد عليه الكتاب لم يزد ان ركب فرسه و أردف الجارية و لحق بها ، فكان أوّل شي‏ء قال لها : تاللَّه هل كنت فاعلة قالت : أنت أحقر من أن أعصي اللَّه فيك ، كيف ذقت طعم الغيرة ، فوهب لها الجارية و انصرف إلى بعثه(٢) .

و في المناقب عن غريب حديث أبي عبيد : جاءت امرأة إلى عليعليه‌السلام و قالت : ان زوجها يأتي جاريتها فقالعليه‌السلام : ان كنت صادقة رجمناه و ان كنت كاذبة جلدناك فقالت : ردوني إلى أهلي غيري نقزة قال أبو عبيد : تعني ان

____________________

( ١ ) معجم الأدباء لياقوت الحموي ١٧ : ٤٥ ، عقلا عن طبقات الشعراء لعبد اللَّه بن المعتز : ٩٧ .

( ٢ ) الابشيهي ، المستطرف في كل فن مستظرف ٢ : ٤٨٧ ٤٨٨ .

٢٨٨

جوفها يغلي من الغيظ و الغيرة(١) .

و في ( المروج ) : ذكر مصعب الزبيري أنّ امّ سلمة بنت يعقوب المخزومي كانت بعد هشام بن عبد الملك عند السفاح ، و كان حلف لها أن لا يتزوّج عليها و لا يتسرّى ، و غلبت عليه غلبة شديدة حتى ما كان يقطع أمرا إلاّ بمشورتها ، حتى أفضت الخلافة إليه فوفى لها بما حلف لها ، فلما كان ذات يوم خلا به خالد ابن صفوان فقال له : إني فكّرت في أمرك و سعة ملكك ، و قد ملكت نفسك امرأة واحدة ، فإن مرضت مرضت و ان غابت غبت و حرمت نفسك التلذّذ باستطراف الجواري و معرفة أخبار حالاتهن و التمتّع بما تشتهي منهنّ ، فإنّ منهن الطويلة الغيداء و منهن الفضة البيضاء ، و منهن العتيقة الأدماء و الدقيقة السمراء و البربرية العجزاء ، من مولدات المدينة تفتن بمحادثتها و تلذّ بخلوتها ، و أين أنت من بنات الأحرار و النظر إلى ما عندهن و حسن الحديث منهن ، و لو رأيت الطويلة البيضاء و السمراء اللعساء و الصفراء العجزاء و المولّدات من البصريات و الكوفيات ، ذوات الألسن العذبة و القدود المهفهفة و الأوساط المخصّرة و الأصداغ المزرفنة ، و العيون المكحلة و الثدي المحقة ، و حسن زيّهن و زينتهن و شكلهن ، لرأيت شيئا حسنا و جعل يجيد في الوصف و يجدّ في الاطناب بحلاوة لفظه وجودة صفته .

فلما فرغ قال له السفاح : و يحك يا خالد ما صكّ مسامعي و اللَّه قطّ كلام أحسن من كلامك ، فأعده علي فقد وقع منّي موقعا ، فأعاد عليه خالد أحسن ممّا ابتدأ ، ثم انصرف و بقي السفاح مفكّرا فيما سمع من خالد ، فدخلت عليه ام سلمة فلما رأته متفكّرا قالت : إنّي لأنكرك ، هل حدث أمر أو أتاك خبر ؟ قال : لم يكن من ذلك شي‏ء قالت : فما قصّتك ؟ فجعل يزوي عنها فلم تزل به حتى

____________________

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ٢ : ٣٨١ .

٢٨٩

أخبرها بمقالة خالد ، فقالت : فما قلت لابن الفاعلة قال : سبحان اللَّه ينصحني و تشتمينه ، فخرجت من عنده مغضبة و أرسلت إلى خالد من البخارية و معهم من الكافر كوبات ، و أمرتهم أن لا يتركوا منه عضوا صحيحا .

قال خالد : فانصرفت إلى منزلي و أنا على السرور بما رأيت من السفاح و إعجابه بما ألقيته إليه ، و لم أشكّ أنّ صلته تأتيني ، فلم ألبث حتى صار إليّ اولئك البخارية و أنا قاعد على باب داري ، فلما رأيتهم أيقنت بالجائزة واصلة ، حتى وقفوا عليّ فسألوا عني فقلت : ها أنا ذا خالد ، فسبق اليّ أحدهم بهراوة كانت معه ، فلما أهوى بها اليّ و ثبت الى منزلي و أغلقت الباب و استترت ، و مكثت أيّاما على تلك الحال لا أخرج من منزلي ، و وقع في خلدي أنّي أوتيت من قبل امّ سلمة ، و طلبني السفاح طلبا شديدا فلم أشعر ذات يوم إلاّ بقوم هجموا عليّ و قالوا : أجب الخليفة فأيقنت بالموت ، فركبت و ليس عليّ لحم و لا دم ، فلما وصلت إلى الدار أومى اليّ بالجلوس و نظرت فإذا خلف ظهري باب عليه ستور قد ارخيت و حركة خلفها ، فقال السفاح : لم أرك يا خالد منذ ثلاث .

قلت : كنت عليلا قال : ويحك إنّك وصفت لي في آخر دخلة من أمر الناس و الجواري ما لم يخرق مسامعي قط كلام أحسن منه فأعده علي قلت : نعم .

أعلمتك أنّ العرب اشتقت اسم الضرّة من الضر ، و ان أحدهم ما تزوج من النساء أكثر من واحدة إلاّ كان في جهد فقال : ويحك لم يكن هذا في الحديث .

قلت : بلى ، و أخبرتك أنّ الثلاث من النساء كأثافي القدر يغلي عليهن قال : برئت من قرابتي من النبي إن كنت سمعت هذا منك في حديثك قلت : و أخبرتك أنّ الأربعة من النساء شرّ صيح بصاحبه يشنه و يهرمنه و يسقمنه قال : ويلك ما سمعت هذا منك و لا من غيرك قبل هذا قال خالد : بلى قال : ويلك تكذّبني .

قلت : و تريد أن تقتلني قال : مر في حديثك قلت : و أخبرتك ان أبكار الجواري

٢٩٠

رجال و لكن لا خصي لهن .

قال خالد : و سمعت الضحك من وراء الستر قلت : و نعم و أخبرتك أيضا ان بني مخزوم ريحانة قريش و أنت عندك ريحانة من الرياحين و أنت تطمح بعينك إلى حرائر النساء و غيرهن من الاماء .

قال خالد : فقيل لي من وراء الستر صدقت يا عمّاه و برّرت بهذا حديث الخليفة و لكنه بدل و غيّر و نطق عن لسانك بغيره فقال لي السفاح : قاتلك اللَّه و أخزاك و فعل بك و فعل ، فتركته و خرجت و قد أيقنت بالحياة قال : فما شعرت إلاّ برسل ام سلمة قد صاروا إليّ و معهم عشرة آلاف درهم و تخت و برذون و غلام(١) .

و غيرة الرجل التي هي إيمان ، غيرته على ميل امرأته إلى رجل أجنبي ، و أمّا ميلها إلى زوج لها قبل بمعنى مدحها له بصفات ليست في الأخير فيغيّر زوجها فليس بايمان بل من الكفر ، ففي السير كانت مع سعد بن أبي وقاص بالقادسية زوجة له كانت قبل تحت المثنى بن حارثة ، فلما لم تر من سعد إقداما مثل المثنى قالت : و امثنياه و لا مثنى للمسلمين اليوم فلطمها سعد فقالت المرأة : أ غيرة و جبنا فذهبت مثلا(٢) .

٢ الحكمة ( ٢٣٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْمَرْأَةُ شَرٌّ كُلُّهَا وَ شَرُّ مَا فِيهَا أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْهَا « المرأة شرّ كلّها » قالوا : كتب بعض الحكماء على باب داره « لا يدخل داري

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٢٦٠ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ .

٢٩١

شرّ » فقال بعض آخر منهم : من أين تدخل امرأتك(١) ؟

و قالوا : تزوّج بعضهم امرأة نحيفة فقيل له في ذلك فقال : اخترت من الشرّ أقلّه(٢) .

و قالوا : رأى بعض الحكماء امرأة غريقة قد احتملها السيل فقال : زادت الكدر كدرا ، و الشر بالشر يهلك(٣) .

و في ( الملل ) : رأى ديو جانس امرأة تحملها الماء فقال : على هذا المعنى جرى المثل « دع الشر يغسله الشر »(٤) .

و رأى نساء يتشاورن فقال : على هذا جرى المثل : « هو ذا الثعبان يستقرض من الأفاعي سمّا » .

و رأى امرأة متزينة في ملعب فقال : هذه لم تخرج لترى و لكن لترى و قالوا : رأى بعضهم جارية تحمل نارا فقال : نار على نار ، و الحامل شر من المحمول و قالوا : رأى حكيم جارية تتعلّم الكتابة ، فقال : يسقى هذا السهم سمّا ليرمي به يوما ما(٥) .

و قالوا : و نظر حكيم إلى امرأة مصلوبة على شجرة ، فقال : ليت كلّ شجرة تحمل مثل هذه الثمرة(٦) .

و قال بعضهم :

ان النساء شياطين خلقن لنا

نعوذ باللَّه من شرّ الشياطين(٧)

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٢٥ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ و ١٨ : ١٩٨ ١٩٩ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) الملل و النحل للشهرستاني ٢ : ١٥٢ ، و شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٨ .

( ٥ ) الملل و النحل للشهرستاني ٢ : ١٥٢ ، و شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ .

( ٦ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ و ١٨ : ١٩٨ .

( ٧ ) نسبوا هذا البيت إلى عمر بن الخطاب ، قاله عند ما سمع امرأة تقول : ان النساء رياحين خلقن لكم و كلكم يشتهي

٢٩٢

و قال بعضهم في قولهم « بعد الّتي و اللّتيّا » : إن رجلا تزوج امرأة قصيرة و امرأة طويلة ، فلقي منهما شدّة ، فطلّقهما و قال : بعد اللتيا يعني القصيرة و الّتي أي الطويلة لا أتزوج أبدا(١) .

و في ( شعراء ابن قتيبة ) : كان جران العود و الرحال خدنين ، فتزوج كلّ واحد منهما امرأتين ، فلقيا منهما مكروها فقال الأول :

ألا لا تغرنّ امرأ نوفلية

على الرأس بعدي أو ترائب وضّح

و لا فاحم يسقي الدهان كأنّه

أساود يزهاها لعينك أبطح

و أذناب خيل علقت في عقيصة

ترى قرطها من تحتها يتطوّح

جرت يوم جئنا بالركاب نزفّها

عقاب و تشحاج من الطير متيح

فأمّا العقاب فهي منّا عقوبة

و أمّا الغراب فالغريب المطوّح

هي الغول و السعلاة حلقي منهما

مكدّح ما بين التراقي مجرّح

خذا نصف مالي و اتركا لي نصفه

و بينا بذم فالتعزّب أروح

و سمّي جران العود بقوله لامرأتيه :

خذا حذرا يا جارتيّ فإنّني

رأيت جران العود قد كان يصلح

فخوفهما بسير قدّ من صدر جمل مسن ، قال و يتمثل من شعره بقوله :

و لا تأمنوا مكر النساء و أمسكوا

عرى المال عن أبنائهن الأصاغر

فإنّك لم ينذرك أمر تخافه

إذا كنت منه خائفا مثل خابر(٢)

و في القاموس هو عامر بن الحرث و قول الصحاح اسمه المستورد غلط .

شم الرياحين ، راجع أدب الدنيا و الدين للماوردي : ١٥٦ .

____________________

( ١ ) مجمع الأمثال للميداني ١ : ١٢٥ .

( ٢ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ٢٧٥ ٢٧٧ .

٢٩٣

و قال الثاني :

فلا بارك الرحمن في عود أهلها

عشية زفّوها و لا فيك من بكر

و لا الزعفران حين مسّحنها به

و لا الحلي منها حين نيط من النحر

و لا فرش طوهرن من كلّ جانب

كأنّي أطوي فوقهن من الجمر

فيا ليت أنّ الذئب خلّل درعها

و إن كان ذا ناب حديد و ذا ظفر

و جاءوا بها قبل المحاق بليلة

و كان محاقا كلّه آخر الشهر

لقد أصبح الرحّال عنهن صادفا

إلى يوم يلقى اللَّه في آخر العمر(١)

و في ( الاستيعاب ) : كانت عند الأعشى المازني امرأة يقال لها معاذة ، فخرج يمير أهله من هجر ، فهربت امرأته بعده ناشزة عليه ، فعاذت برجل منهم يقال له مطرف ، فجعلها خلف ظهره ، فلما قدم الأعشى لم يجدها في بيته و اخبر أنّها نشزت و عاذت بمطرف ، فأتاه فقال له : يا ابن عم عندك امرأتي فادفعها اليّ فقال : ليست عندي و لو كانت عندي لم أدفعها إليك و كان مطرف أعزّ منه ، فخرج حتى أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و أنشأ يقول :

يا سسّد الناس و ديّان العرب

أشكو إليك ذربة من الذرب(٢)

خرجت أبغيها الطعام في رجب

فخلفتني بنزاع و هرب

اخلفت العهد و ألظت بالذنب

و هنّ شر غالب لمن غلب(٣)

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « و هنّ شر غالب لمن غلب » و كتب إلى مطرف : إدفع إليه امرأته ، فلما قرأ الكتاب قال لمعاذة : هذا كتاب النبي فيك و أنا دافعك إليه فقالت :

خذ لي العهد أن لا يعاقبني فيما صنعت ، فأنشأ يقول :

____________________

( ١ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ١٧٠ .

( ٢ ) الذرب : حدّة اللسان .

( ٣ ) حياة الحيوان للدميري ١ : ٥١٢ .

٢٩٤

لعمرك ما حبّي معاذة بالذي

يغيّره الواشي و لا قدم العهد

و لا سوء ما جاءت به إذ أزلّها

غواة رجال إذ ينادونها بعدي(١)

و في ( الملل ) : قيل للاسكندر : إنّ روشنك امرأتك بنت دارا الملك و هي من أجمل النساء فلو قربتها إلى نفسك قال : أكره أن يقال : غلب الاسكندر دارا ، و غلبت روشنك الاسكندر(٢) .

و قالوا : كان أحمد بن يوسف كاتب المأمون إذا دخل عليه حيّاه بتحية أبرويز الملك : « عشت الدهر ، و نلت المنى ، و حبيت طاعة النساء »(٣) .

و في ( الكافي ) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : إتّقوا من شرار النساء و كونوا من خيارهن على حذر ، و إن أمرنكم بالمعروف فخالفوهنّ كيلا يطمعن في المنكر(٤) .

و عنهعليه‌السلام : في خلاف النساء البركة(٥) .

____________________

( ١ ) ذكر الحكاية ( ابن الأثير ) في اسد الغابة ١ : ١٢٣ ، و لم يذكر ( ابن عبد البر ) في الإستيعاب ١ : ١٤٤ ( المصدر الّذي اعتمده المؤلف ) إلاّ جزءا من الحكاية ، فقد ذكر أبيات الأعشى المازني إمام النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و قول النبي له فقط ، مع تغيير عمّا ذكره المؤلف و الأبيات هي:

يا مالك الناس و ديان العرب

إنّي لقيتف دربة من الذّرب

ذهبت ابضيها الطعام في رجب

فخالفتني بنزاع و هرب

أخلفت العهد و الطّت بالذنب

و هن شر غالب لمن غلب

( ٢ ) الملل و النحل للشهرستاني ٢ : ١٤٧ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ١٩٥ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٥ : ٥١٧ ح ٥ .

( ٥ ) لفظ الحديث كما رود في بحار الأنوار ١٠٣ : ٢٦٢ ، و جامع أحاديث الشيعة ١٦ : ٨٦ ، عن هارون بن موسى عن محمّد بن علي بن محمّد بن الحسين عن علي بن اسباط عن أبي فضال عن الصادق عن ايائه عن رسول اللَّه أنه قال : شاوروا النساء و خالفوهن فأن خلافهن بركة و قد أورد جمع من المتأخرين هذا الحديث و نسبوه إلى الإمام عليّعليه‌السلام أو إلى الرسول صلّى اللَّه عليه و آله بينما لم يرد في المصادر من نسب هذا القول إلى الإمام عليّعليه‌السلام أمّا نسبته إلى الرسول صلّى اللَّه عليه و آله فقد عجّت و صادر الحديث بذكره في الموضوعات ، من هذه الكتب : ١ السخاوي في المقاصد

٢٩٥

و كل أمر تدبرته امرأة فهو ملعون(١) .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ النساء لا يشاورن في النجوى و لا يطعن في ذوي القربى ، إنّ المرأة إذا أسنّت ذهب خير شطريها و بقي شرهما ، يعقم رحمها و يسوء خلقها و يحتدّ لسانها ، و إن الرّجل إذا أسنّ ذهب شرّ شطريه و بقي خيرهما يؤوب عقله و يستحكم رأيه و يحسن خلقه(٢) .

و عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كان إذا أراد الحرب دعا نساءه فاستشارهن ثم خالفهن(٣) .

و قال طفيل الغنوي :

إنّ النّساء متى ينهين عن خلق

فإنّه واجب لا بدّ مفعول(٤)

و قالوا : قيل لسقراط أيّ السباع أجسر ؟ قال : المرأة(٥) .

قالوا : و مرّت به امرأة فقالت له : ما أقبحك فقال لها : لو لا أنّك من المرايا الحسنة ، و قال عنه : لم أره مرفوعا ، و لكن عن العسكري من احديث حفص بن عثمان بن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر قال : قال عمر : خالفوا النساء فإنّ خلافهن لبركة ( راجع المقاصد الحسنة : ٢٤٨ ح ٥٨٥ ) ٢ أورده المنقي الهندي في كنز العمّال عن ( عمر ) أنه قال : خالفوا النساء فإن خلافهن بركة ( كنز العمّال ٣ : ٤٥١ ) ٣ الزبيري في إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين ٥ : ٣٥٦ ، يقول عنه هكذا اشتهر على الألسنه و ليس بحديث .

٤ ابن عراق الشافعي في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشيعة الموضوعة ٢ : ٢١٠ ، نسبه إلى عمر بن الخطاب ٥ ( ملا علي القالي في الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ، المعروف بالموضوعات الكبرى : ٢٢٢ ) ذكر قائلا : حديث شاورهن و خالفوهن لم يثبت بهذا المعنى و إن كان له وجه من حيث المعنى .

____________________

( ١ ) في بحار الأنوار ١٠٣ : ٢٢٨ « كل امرى‏ء تدبره امرأة فهو ملعون » .

( ٢ ) من لا يحضره الفقيه للصدوق ٣ : ٤٦٨ ح ٤٦٢١ .

( ٣ ) ذكره المجلسي في مكانين ٩١ : ٢٥٥ و ١٠٣ : ٢٢٨ إلاّ ان أرباب السير ذكروا ان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله استشار ( امّ سلمة ) في صاح الحديبيه ، فقد قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ٥ : ٢٦٥ ٢٦٦ : فلمّا لم يقم منهم ( الأصحاب ) أحد دخل على امّ سلمة فذكر لها ما لقي من الناس ، فقالت امّ سلمة : يا نبي اللَّه ، اتحب ذلك ؟ أخرج و لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بذلك و تدعو حالقك فيحلقك ، فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك ، نحر بدنة ، و دعا حالقه فحلقه ، فلمّا رأوا قاموا فنحروا ، و جعل بعضهم بحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٨ .

( ٥ ) المصدر نفسه .

٢٩٦

الصديّة لغمّني ما بان من قبح صورتي فيك(١) .

هذا ، و عن ( ملح النوادر ) كان ذئب ينتاب بعض القرى و يعبث فيها ، فترصّدوه حتى أخذوه ، ثم تشاوروا فيه فقال بعضهم : تقطع يداه و رجلاه و تدقّ أسنانه و يخلع لسانه ، و قال آخر بل يصلب و يرمى بالنبال ، و قال آخر :

توقد نار عظيمة و يلقى فيها ، و قال بعض الممتحنين بالنساء : بل يزوّج و كفى بالتزويج تعذيبا و في هذه القصة قال الشاعر :

رب ذئب أخذوه

و تماروا في عقاب

ثم قالوا زوّجوه

و ذروه في عذاب(٢)

« و شر ما فيها أنّه لا بدّ منها » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : ان إبراهيمعليه‌السلام شكا إلى اللَّه ما يلقى من سوء خلق سارة ، فأوحى إليه : إنّما مثل المرأة مثل الضلع المعوجّ ، إن أقمته كسرته و إن تركته استمتعت فاصبر عليها(٣) و نظم مضمونه من قال :

هي الضلع العوجاء لست تقيمها

ألا إنّ تقويم الضلوع انكسارها(٤)

و في ( البيان ) : سمع أعرابي يقول « اللّهم اغفر لامّ أوفى » قيل له : من امّ أوفى ؟ قال : إمرأتي ، إنّها لحمقاء مرغامة(٥) أكول قامّة(٦) لا تبقي خامّة(٧) ، غير

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ٢٠٠ .

( ٢ ) لم نعثر على الكتاب لا في المطبوعات و لا في المخطوطات ، و يبدو ان المؤلف لم ير الكتاب حيث ذكر ( و عن ) ، و قد ذكر حاجي خليفة الكتاب في كشف الظنون ٢ : ١٨١٧ ، و نسبه إلى الشيخ أبي عبد اللَّه الكاتب .

( ٣ ) الكافي للكليني ٥ : ٥١٣ ح ٢ .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٩ .

( ٥ ) المرغامة : المبغضة ليعلها .

( ٦ ) قمّ : أكولة .

( ٧ ) الخامّ : ما تغيّر ريحه من لحم أو لبن .

٢٩٧

أنّها حسناء فلا تفرك و امّ غلمان فلا تترك(١) .

و نظير المرأة في مطلوبيتها مع شدائدها لعدم بدّ منها ، الشيب فرارا من الموت قال الشاعر :

الشيب كره و كره أن يفارقني

فأعجب لشي‏ء على البغضاء مودود(٢)

٣ الحكمة ( ٦١ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْمَرْأَةُ عَقْرَبٌ حُلْوَةُ اَللَّبْسِةِ « المرأة عقرب » في ( اللّسان ) العقرب يكون للذّكر و الانثى ، و الغالب عليه التأنيث ، و يقال للانثى : عقربة و عقرباء ، و العقربان : الذكر منها ، قال إياس بن الأرتّ :

كأنّ مرعى امكم إذ غدت

عقربة يكومها عقربان(٣)

و عقرب بن أبي عقرب كان من تجّار المدينة مشهورا بالمطل ، قال الزبير ابن بكار : عامله الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب فلزم الفضل بيته زمانا فلم يعطه شيئا ، فقال الفضل :

قد تجرت في سوقنا عقرب

لا مرحبا بالعقرب التاجره

كلّ عدو يتّقى مقبلا

و عقرب تخشى من الدابره

إن عادت العقرب عدنا لها

و كانت النعل لها حاضره

____________________

( ١ ) البيان و التبيان للجاحظ ٢ : ٩٥ .

( ٢ ) هو مسلم بن الوليد ذكره النويري ، في نهاية الارب ٢ : ٣٧ .

( ٣ ) لسان العرب لابن منظور ٩ : ٣١٨ .

٢٩٨

كلّ عدوّ كيده في استه

فغير مخشي و لا ضائره(١)

« حلوة اللبسة » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٢) ، و الصواب : ( اللسبة ) كما نقله ( ابن أبي الحديد(٣) و اللسبة من لسب بالفتح ، قال ابن السكيت يقال لسبته العقرب إذا لسعته ، و اما لسب بالكسر فبمعنى لعق ، يقال لسبت العسل أي لعقته(٤) .

و لكون المرأة عقربا حلوة اللسبة قال كثيّر في صاحبته عزّة :

هنيئا مريئا غير داء مخامر

لعزّة من أعراضنا ما استحلّت(٥)

و عن مجنون في صاحبته ليلى :

حلال لليلى شتمنا و انتقاصنا

هنيئا و مغفور لليلى ذنوبها(٦)

و في ( الأغاني ) : قدم الوليد بن عبد الملك مكة فأراد أن يأتي الطائف فقال :

هل من رجل عالم يخبرني عنها قالوا : عمر بن أبي ربيعة قال : لا حاجة لي به ، ثم عاد فسأل فذكروه فقال : هاتوه فأتى و ركب معه ، فجعل يحدّثه ثم حوّل رداءه ليصلحه على نفسه ، فرأى الوليد على ظهره أثرا فقال : ما هذا ؟ قال : كنت عند جارية لي إذ جاءتني جارية برسالة من عند جارية اخرى و جعلت تسارّني بها ، فغارت التي كنت عندها فعضّت منكبي ، فما وجدت ألم عضتها من لذة ما كانت تلك تنفث في اذني حتى بلغت ما ترى و الوليد يضحك(٧) .

____________________

( ١ ) حياة الحيوان للدميري ٢ : ٦١ .

( ٢ ) راجع النسخة المصرية : ٦٧١ رقم ٦٢ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٨ رقم ٥٩ .

( ٤ ) ترتيب اصلاح المنطق لابن السكّيت : ٣٣٤ .

( ٥ ) ديوان كثير عزة : ٥٦ .

( ٦ ) ديوان مجنون ليلى : ٣٤ .

( ٧ ) الأغاني للأصفهاني ١ : ١١٢ .

٢٩٩

و قال حجر آكل المرار في هند امرأته :

حلوة العين و الحديث و مرّ

كل شي‏ء أجنّ منها الضمير(١)

و قال أبو العتاهية :

رأيت الهوى جمر الغضا غير أنّه

على جمره في صدر صاحبه حلو(٢)

و في ( الجمهرة ) ( زينب ) اشتقاقه من زنابة العقرب و هي ابرته التي تلذع بها ، فأما زبانيا العقرب فهما قرناها(٣) .

٤ الحكمة ( ٢٣٤ ) و قالعليه‌السلام :

خِيَارُ خِصَالِ اَلنِّسَاءِ شَرُّ خِصَالِ اَلرِّجَالِ اَلزَّهْوُ وَ اَلْجُبْنُ وَ اَلْبُخْلُ فَإِذَا كَانَتِ اَلْمَرْأَةُ مَزْهُوَّةً لَمْ تُمَكِّنْ مِنْ نَفْسِهَا وَ إِذَا كَانَتْ بَخِيلَةً حَفِظَتْ مَالَهَا وَ مَالَ بَعْلِهَا وَ إِذَا كَانَتْ جَبَانَةً فَرِقَتْ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ يَعْرِضُ لَهَا « خيار خصال النساء شرّ خصال الرجال » و ممّا قيل في اختلافهن مع الرجال في غير ما قالعليه‌السلام قول ابن شبرمة : ما رأيت لباسا على رجل أزين من فصاحته ، و لا رأيت لباسا على امرأة أزين من شحم(٤) و لشاعر :

الخال يقبح بالفتى في خدّه

و الخال في خد الفتاة مليح

و الشيب يحسن بالفتى في رأسه

و الشيب في رأس الفتاة قبيح(٥)

الزهو : أي : الكبر و الفخر و كونه من شرار خصال الرجال واضح .

____________________

( ١ ) الأغاني للأصفهاني ١٦ : ٣٥٨ ، كذا ابن قيم الجوزية : ١٤٤ و نسب البيت إلى عمرو الملك .

( ٢ ) الأغاني للأصفهاني ٤ : ٤١ و في نسخة التحقيق ورد العجز بلفظ « على كل حال عند صاحبه حلو » .

( ٣ ) جمهرة اللغة لابن دريد ٣ : ٣٦٥ .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٤ : ٣٠ .

( ٥ ) المصدر نفسة ٤ : ٢٢ .

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459